تفسير سورة الزخرف

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ﴾ [ الزخرف : ٣ ].
إن قلتَ : القرآن ليس بمجعول، لأن الجَعْل هو الخلق، فلم لم يقل : قلناه، أو أنزلناه( ١ ) ؟
قلتُ : الجَعْلُ يأتي بمعنى القول أيضا، كقوله تعالى :﴿ ويجعلون لله البنات ﴾ [ النحل : ٥٧ ] وقوله :﴿ وجعلوا لله أندادا ﴾ [ إبراهيم : ٣٠ ].
١ - معنى ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا﴾ يعني أنزلناه قرآنا بلغة العرب، لتعقلوه وتفهموه، وتتدبروا معانيه، ولما كان المخاطبون عربا، أرسل الله إليهم رسولا عربيا، وأنزل القرآن عربيا، كما قال سبحانه: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم... ﴾ أي بلغة قومه..
قوله تعالى :﴿ ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ﴾ [ الزخرف : ٢٠ ].
قاله هنا بلفظ ﴿ يخرصون ﴾ وفي الجاثية بلفظ ﴿ يظنّون ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] لأن ما هنا متّصل بقوله :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي قالوا : الملائكة بنات الله، وإن الله قد شاء منّا عبادتنا إيّاهن، وهذا كذب، فناسبه ﴿ يخرصون ﴾ أي يكذبون.
وما هناك متصل بخلطهم الصّدق بالكذب، فإنّ قولهم ﴿ نموت ونحيا ﴾ [ المؤمنون : ٣٧ ] صدق، وكذبوا في إنكارهم البعث، وقولهم :﴿ وما يهلكنا إلا الدّهر ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] فناسبه ﴿ يظنون ﴾ أي يشكّون فيما يقولون.
قوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ﴾ [ الزخرف : ٢٢ ].
قاله هنا بلفظ ﴿ مهتدون ﴾ وبعده بلفظ ﴿ مقتدون ﴾( ١ ) لأن الأول وقع في محاجّتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وادّعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين، وأنهم مهتدون كآبائهم، فناسبه ﴿ مهتدون ﴾ والثاني وقع حكاية عن قوم، ادّعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء، فناسبه ﴿ مقتدون ﴾.
١ - في قوله تعالى: ﴿وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ آية (٢٣)..
قوله تعالى :﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا... ﴾ [ الزخرف : ٤٥ ] الآية.
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق أحدا من الرسل، حتى يسأله ؟   !
قلتُ : فيه إضمار تقديره : واسأل أتباع أو أمم من أرسلنا، أو هو مجاز عن النظر في أديانهم، والبحث عن مِللهم، هل فيها ذلك ؟
أو اسأل المرسلين ليلة الإسراء( ١ )، فإنه لقيهم وأمًّهم في مسجد بيت المقدس، وقال بعد أن نزلت عليه هذه الآية بعد سلامه :( لا أسأل قد كُفيتُ ).
كأن المراد بالأمر بالسؤال، التقريب لمشركي قريش، أنه لم يأت رسول من الله، ولا كتاب، بعبادة غير الله.
١ - لا حاجة إلى هذا التقدير، فإن الآية وردت على سبيل الفرض، أي إن كنت يا محمد شاكا في أمر الرسالة والتوحيد، فاسأل من سبقك من الرسل، هل هناك أحد دعا لعبادة غير الله ؟ ! ويؤيده الآية الأخرى ﴿فإن كنت في شكّ مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك﴾ والله أعلم..
قوله تعالى :﴿ وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها... ﴾ [ الزخرف : ٤٨ ] الآية، أي من قرينتها التي قبلها.
قوله تعالى :﴿ قال قد جئتكم بالحكمة ولأبيّن لكم بعض الذي تختلفون فيه ﴾ [ الزخرف : ٦٣ ].
إن قلتَ : كيف قال عيسى عليه السلام لأمته ذلك، مع أن كل نبيّ يلزمه أن يبيّن لأمته كلّ ما يختلفون فيه ؟
قلتُ : المراد أنه يبيّن لهم مما اختلفوا فيه، ما يحتاجونه دون ما لا يحتاجونه ؟ أو المراد بالبعض الكلّ، كما مرّ نظيره في غافر( ١ ).
١ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم به﴾ [غافر: ٢٨] أي يصيبكم العذاب الذي توعّدكم به موسى، فأطلق البعض وأراد به الكلّ، وهو من المجاز المرسل..
قوله تعالى :﴿ هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾ [ الزخرف : ٦٦ ].
فائدة ذكر ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ بعد ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة، أن الساعة تأتيهم وهم غافلون، مشغولون بأمور دنياهم، كما قال تعالى :﴿ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون ﴾ [ يس : ٤٩ ] فلولا قوله :﴿ لا يشعرون ﴾ لجاز أن تأتيهم بغتة، وهم يقظون حذرون، مستعدّون لها.
قوله تعالى :﴿ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يُفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون ﴾ [ الزخرف : ٧٤، ٧٥ ].
إن قلتَ : كيف وصف أهل النار فيها بأنهم مبلسون، والمبلس، هو الآيس من الرحمة والفرج، مع قوله بعدُ ﴿ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] الدالّ على طلبهم الفرج بالموت ؟
قلتُ : وقع كلّ منهما في زمن، لأن أزمنة يوم القيامة متعدّدة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٤:قوله تعالى :﴿ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يُفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون ﴾ [ الزخرف : ٧٤، ٧٥ ].
إن قلتَ : كيف وصف أهل النار فيها بأنهم مبلسون، والمبلس، هو الآيس من الرحمة والفرج، مع قوله بعدُ ﴿ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] الدالّ على طلبهم الفرج بالموت ؟
قلتُ : وقع كلّ منهما في زمن، لأن أزمنة يوم القيامة متعدّدة.

قوله تعالى :﴿ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم ﴾ [ الزخرف : ٨٤ ].
إن قلتَ : هذا يقضى تعدّد الآلهة، لأن النكرة إذا أُعيدت نكرة تعدّدت، كقولك : أنت طالق وطالق ؟
قلتُ : الإله هنا بمعنى المعبود( ١ )، وهو تعالى معبود فيهما، والمغايرة إنما هي بين معبوديته في السماء، ومعبوديته في الأرض، لأن المعبود به من الأمور الإضافية، فيكفي التغاير فيها من أحد الطرفين، فإذا كان العابد في السماء، غير العابد في الأرض، صدق أنّ معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض، مع أن المعبود واحد.
١ - معنى الآية: أنه تعالى معبود في السماء، كما هو معبود في الأرض، فلا تعدّد في الآلهة كما يُوهم التكرار، قال ابن كثير: هو إله من في السماء وإله من في الأرض، يعبده أهلها، وكلّهم خاضعون له، ا ﻫ تفسير ابن كثير..
Icon