تفسير سورة الشعراء

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الشعراء
وهي مكية إلا أربع آيات في آخر السورة.

قَوْله تَعَالَى: ﴿طسم﴾ قَالَ قَتَادَة: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن. وَقَالَ مُجَاهِد: اسْم السُّورَة.
وَعَن بَعضهم: أَن الطَّاء من الطول، وَالسِّين من السناء، وَالْمِيم من الْملك. وَقَالَ بَعضهم: الطَّاء شَجَرَة طُوبَى، وَالسِّين سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَالْمِيم مُحَمَّد. وَيُقَال: الطَّاء من اسْمه الطَّاهِر، وَالسِّين من اسْمه السَّلَام، وَالْمِيم من اسْمه الْمجِيد.
وَقَوله: ﴿تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين﴾ قد بَينا من قبل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَعَلَّك باخع نَفسك﴾ أَي: قَاتل نَفسك، وَقيل: مهلك نَفسك حزنا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَلا يَكُونُوا مُؤمنين﴾ يَعْنِي: إِن لم يُؤمنُوا.
قَوْله: ﴿إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة﴾ قَالَ ابْن جريج مَعْنَاهُ: نريهم أمرا من أمرنَا، فَلَا يعْص أحد، وَقيل: إِن نَشأ ننزل من السَّمَاء آيَة فاضطروا إِلَى الْإِيمَان.
وَقَوله: ﴿فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين﴾ فيع أَقْوَال: أَحدهَا: خاضعين بِمَعْنى خاضعة، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من أَعْنَاق أَشْرَاف النَّاس وكبراؤهم، فعلى هَذَا معنى الْآيَة: فظل كبراؤهم وأشرافهم لِلْآيَةِ خاضعين، وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه ذكر الْأَعْنَاق، وَالْمرَاد مِنْهُ أَصْحَاب الْأَعْنَاق، فَانْصَرف قَوْله: ﴿خاضعين﴾ إِلَى الْمُضمر فِي الْكَلَام.
قَالَ الشَّاعِر:
38
( {٤) وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث إِلَّا كَانُوا عَنهُ معرضين (٥) فقد كذبُوا فسيأتيهم أنباء مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون (٦) أَو لم يرو إِلَى الأَرْض كَمَا أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم (٧) إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (٨) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (٨) وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى أَن ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين
فَرجع قَوْله: أخذن إِلَى السنين، لَا إِلَى قَوْله: مر السنين.
39
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث﴾ أَي: مُحدث إنزاله إِلَى النَّبِي، وَقد بَينا هَذَا من قبل.
وَقَوله: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنهُ معرضين﴾ أَي: عَن الْإِيمَان.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فقد كذبُوا فسيأتيهم﴾ أَي: سَوف يَأْتِيهم.
وَقَوله: ﴿أنباء مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾ أَي: عَاقِبَة مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون، أَي: عَاقِبَة مَا كَانُوا يستهزءون، وَهَذَا يدل على أَن كل مكذب مستهزئ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لم يرو إِلَى الأَرْض كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم﴾ أَي: من كل صنف حسن، وَالزَّوْج مثل: الحامض والحلو، والأبيض وَالْأسود، وَمَا أشبهه.
وَقَالَ الشّعبِيّ: الْخلق نَبَات الأَرْض، فَمن دخل الْجنَّة فَهُوَ كريم، وَمن دخل النَّار فَهُوَ لئيم، وَالْعرب تَقول: نَخْلَة كَرِيمَة إِذا طَابَ ثَمَرهَا، وَرجل كريم إِذا حسن فعله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين﴾ أَي: مُصدقين.
وَقَوله: ﴿وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم﴾ قد بَينا من قبل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى﴾ أَي: من جَانب الطّور الْأَيْمن، على مَا ورد بِهِ الْقُرْآن، وَقَالَ ابْن جُبَير: من السَّمَاء.
وَقَوله: ﴿أَن ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ أَي: الْكَافرين.
وَقَوله: ﴿قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَلا يخَافُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب إِنِّي أَخَاف أَن يكذبُون ويضيق صَدْرِي﴾ وَقُرِئَ: " ويضيق صَدْرِي " بِنصب الْقَاف أَي: أَخَاف أَن يضيق صَدْرِي.
39
( ﴿١٠) قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ (١١) قَالَ رب إِنِّي أَخَاف أَن يكذبُون (١٢) ويضيق صَدْرِي وَلَا ينْطَلق لساني فَأرْسل إِلَى هرون (١٣) وَلَهُم عَليّ ذَنْب فَأَخَاف أَن يقتلُون (١٤) قَالَ كلا فاذهبا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعكُمْ مستمعون (١٥) فَأتيَا فِرْعَوْن فقولا إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين (١٦)
وَقَوله: {وَلَا ينْطَلق لساني﴾
قَالَ هَذِه للعقدة الَّتِي كَانَت على لِسَانه.
وَقَوله: ﴿فَأرْسل إِلَى هَارُون﴾ مَعْنَاهُ: فَأرْسل إِلَى هَارُون مَعَ إرسالي.
40
ويضيق صدري ) وقرئ :" ويضيق صدري " بنصب القاف أي : أخاف أن يضيق صدري.
وقوله :( ولا ينطلق لساني ) قال هذه للعقدة التي كانت على لسانه.
وقوله :( فأرسل إلى هارون ) معناه : فأرسل إلى هارون مع إرسالي.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم عَليّ ذَنْب﴾ أَي: دَعْوَى ذَنْب، وَذَلِكَ الذَّنب هُوَ قتلة القبطي.
وَقَوله: ﴿فَأَخَاف أَن يقتلُون﴾ بذلك الرجل وَفِي الْقِصَّة: أَن فِرْعَوْن كَانَ يَطْلُبهُ طول هَذِه الْمدَّة ليَقْتُلهُ بالقبطي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلا﴾ أَي: لَا تخف.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فاذهبا بِآيَاتِنَا﴾ قد بَينا تَفْسِير الْآيَات من قبل.
وَقَوله: ﴿إِنَّا مَعكُمْ مستمعون﴾ ذكر بِلَفْظ الْجمع، وَالْمرَاد مِنْهُ اثْنَان، وَقيل: إِنَّا مَعَكُمَا وَمَعَ بني إِسْرَائِيل نسْمع مَا يجيبكم فِرْعَوْن، وَأما قَوْله: ﴿مستمعون﴾ قد بَينا مثل هَذَا فِيمَا سبق، وَذكرنَا أَنه قد ذكر نَفسه بِلَفْظ الْجَمَاعَة فِي مَوَاضِع على طَرِيق التفخيم والتعظيم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَأتيَا فِرْعَوْن فقولا إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين﴾ فَإِن قيل: كَيفَ لم يقل: إِنَّا رَسُولا رب الْعَالمين؟ وَالْجَوَاب: أَن معنى الرَّسُول هَاهُنَا هُوَ الرسَالَة.
قَالَ الشَّاعِر:
﴿رَأَتْ مرَّ السنين أخذن منى كَمَا أَخذ السرَار من الْهلَال﴾
(لقد كذب الواشون مَا فهمت عِنْدهم بِسوء وَلَا أرسلتهم برَسُول)
أَي: برسالة، فعلى هَذَا معنى الْآيَة: فقولا إِنَّا ذُو رِسَالَة رب الْعَالمين، وَيُقَال: إِن قَوْله: ﴿رَسُول رب الْعَالمين﴾ رَسُولا رب الْعَالمين، وَاحِد بِمَعْنى الِاثْنَيْنِ.
وَقَوله: ﴿أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل﴾ أَي: أرسلهم مَعنا إِلَى الشَّام، وَكَانَ قد استعبدهم، واستسخرهم فِي أَنْوَاع الْأَعْمَال، وَقد بَينا.
وَقَوله: ﴿قَالَ ألم نربك فِينَا وليدا﴾ فِي الْآيَة حذف؛ وَهُوَ أَنه ذهب وَجَاء إِلَى
40
﴿أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل (١٧) قَالَ ألم نربك فِينَا وليدا وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين (١٨) وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين (١٩) قَالَ فعلتها إِذا فِرْعَوْن، وَدعَاهُ إِلَى الله، فَأَجَابَهُ بِهَذَا، وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى رَجَعَ إِلَى مصر وَعَلِيهِ جُبَّة صوف، وَفِي يَده عَصَاهُ، والمكتل مُعَلّق بِرَأْس الْعَصَا فِيهِ زَاده، فروى أَنه جَاءَ وَدخل دَار نَفسه، وَطلب هَارُون، وَقَالَ لَهُ: إِن الله أَرْسلنِي إِلَى فِرْعَوْن، وأرسلك أَيْضا إِلَيْهِ حَتَّى نَدْعُو فِرْعَوْن إِلَى الله تَعَالَى.
فَخرجت أمهما وصاحت، وَقَالَت: إِن فِرْعَوْن يطلبك ليقتلك، فَلَو ذهبتما إِلَيْهِ قتلكما، فَلم يلْتَفت مُوسَى إِلَى قَوْلهَا، وذهبا إِلَى بَاب فِرْعَوْن لَيْلًا، ودقا الْبَاب، فَفَزعَ البوابون، وَقَالُوا: من بِالْبَابِ؟ وروى أَنه اطلع البواب عَلَيْهِمَا، فَقَالَ لَهما: من أَنْتُمَا؟ فَقَالَ مُوسَى: أَنا رَسُول رب الْعَالمين، فَذهب البواب إِلَى فِرْعَوْن، وَقَالَ: إِن مَجْنُونا بِالْبَابِ يزْعم أَنه رَسُول رب الْعَالمين، فَترك حَتَّى أصبح ثمَّ دَعَاهُ. وَفِي بعض الْقَصَص: أَنَّهُمَا مكثا سنة لَا يصلان إِلَيْهِ، ثمَّ وصلا.
وَقَوله: {قَالَ ألم نربك فِينَا وليد﴾
فِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى لما دخل عَلَيْهِ، وَنظر إِلَيْهِ فِرْعَوْن عَرَفَة، فَقَالَ: ألم نربك فِينَا وليدا أَي: صَغِيرا.
وَقَوله: ﴿وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين﴾ أَي: ثَمَان عشرَة سنة، وَقَالَ بَعضهم: ثَلَاثِينَ سنة.
41
وَقَوله: ﴿وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت﴾ أَي: قتلت الرجل، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وكزه فَقتله، وقرىء فِي الشاذ: " فعلتك " بِكَسْر الْفَاء، وَقَوله: ﴿وَأَنت من الْكَافرين﴾ أَي: الْكَافرين لنعمتي، قَالَ الشَّاعِر:
(وَالْكفْر (مخبثة) لنَفس الْمُنعم... )
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فعلتها إِذا﴾ أَي: فعلت مَا فعلت حِينَئِذٍ ﴿وَأَنا من الضَّالّين﴾ أَي: من الْجَاهِلين. وَقيل: من الناسين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ففررت مِنْكُم لما خفتكم فوهب لي رَبِّي حكما﴾ أَي: النُّبُوَّة وَالْعلم.
41
﴿وَأَنا من الضَّالّين (٢٠) ففررت مِنْكُم لما خفتكم فوهب لي رَبِّي حكما وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين (٢١) وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل (٢٢) ﴾
وَقَوله: ﴿وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
42
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَن ألف الِاسْتِفْهَام محذوفة، وَمَعْنَاهُ: أَو تِلْكَ نعْمَة تمنها على؟ قَالَ الشَّاعِر:
(تروح من الْحَيّ أم تبتكر وماذا يضيرك لَو تنْتَظر)
أَي: أتروح من الْحَيّ أم تبتكر.
وَالْقَوْل الثَّانِي مَعْنَاهُ: وَتلك نعْمَة أَي: التربية نعْمَة تمنها على أَن تَعْتَد بهَا على، وَقَوله: ﴿أَن عبدت بني إِسْرَائِيل﴾ أَي: استعبدت بني إِسْرَائِيل، وعاملتهم من الْمُعَامَلَات القبيحة.
وَالْقَوْل الثَّالِث: وَتلك نعْمَة تمنها على بالتربية، وَقَوله: ﴿أَن عبدت بني إِسْرَائِيل﴾ يَعْنِي: باستعبادك بني إِسْرَائِيل ربيتني وكفلتني، وَمَعْنَاهُ: لَوْلَا أَنَّك استعبدت بني إِسْرَائِيل مَا وَقعت إِلَيْك، (وَمَا) ربيتني؛ فَإِنَّهُ قد كَانَ لي من يربيني، وَحَقِيقَة الْمَعْنى دفع مَتنه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين﴾ وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي: أَن جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: " كنت وَاقِفًا عِنْد رَبِّي حِين قَالَ فِرْعَوْن هَذَا، فنشرت جناحي وتهيأت لعذابه إِذا أَمرنِي الرب، فَقَالَ: يَا جِبْرِيل، إِنَّمَا يعجل من يخَاف الْفَوْت ". وَالْخَبَر غَرِيب.
وَاعْلَم أَن سُؤال المائية - وَلَا يجوز على الله - وَإِنَّمَا هَذَا من أَوْصَاف المخلوقين؛ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن مُوسَى لم يجب سُؤال المائية، فَلم يقل: رَبِّي لَونه كَذَا، وَهُوَ
42
﴿قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين (٢٣) قَالَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين (٢٤) قَالَ لمن حوله أَلا تَسْمَعُونَ (٢٥) قَالَ ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين (٢٦) قَالَ إِن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون (٢٧) قَالَ رب الْمشرق من كَذَا، وريحه كَذَا، وَلَكِن أجَاب بِذكر أَفعاله الدَّالَّة عَلَيْهِ، فَقَالَ: {رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين﴾.
وَاعْلَم أَن سُؤال المائية سُؤال عَن جنس الشَّيْء، وَالله تَعَالَى منزه عَن الجنسية، وَيُقَال: إِن جَوَاب مُوسَى عَن معنى السُّؤَال، لَا عَن عين السُّؤَال؛ كَانَ معنى السُّؤَال: وَمن رب الْعَالمين؟ قَالَ: رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين.
وَمعنى قَوْله: ﴿إِن كُنْتُم موقنين﴾ هَاهُنَا أَنكُمْ كَمَا توقنون الْأَشْيَاء الَّتِي [تعاينونها]، فَأَيْقنُوا أَن إِلَه الْخلق هُوَ الله تَعَالَى.
43
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:قوله تعالى :( قال فرعون وما رب العالمين ) وفي بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن جبريل -عليه السلام - قال :«كنت واقفا عند ربي حين قال فرعون هذا، فنشرت جناحي وتهيأت لعذابه إذا أمرني الرب، فقال : يا جبريل، إنما يعجل من يخاف الفوت »( ١ ). والخبر غريب.
واعلم أن سؤال المائية( ٢ ) - ولا يجوز على الله - وإنما هذا من أوصاف المخلوقين ؛ والدليل عليه أن موسى لم يجب سؤال المائية، فلم يقل : ربي لونه كذا، وهو من كذا، وريحه كذا، ولكن أجاب بذكر أفعاله الدالة عليه، فقال :( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ).
واعلم أن سؤال المائية سؤال عن جنس الشيء، والله تعالى منزه عن الجنسية، ويقال : إن جواب موسى عن معنى السؤال، لا عن عين السؤال ؛ كان معنى السؤال : ومن رب العالمين ؟ قال : رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين.
١ - رواه الديلمي في الفردوس (٣/١٨٨) عن سلمان بنحوه..
٢ - أي: استعمال "ما" في السؤال..


ومعنى قوله :( إن كنتم موقنين ) هاهنا أنكم كما توقنون الأشياء التي [ تعاينونها ] ( ١ )، فأيقنوا أن إله الخلق هو الله تعالى.
١ - في "الأصل" بدون النون الثانية، والمثبت من "ك"..
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ لمن حوله أَلا تَسْمَعُونَ﴾ يعْنى: لَا تستمعون، وَقَالَ فِرْعَوْن هَذَا على استبعاد جَوَاب مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - وَقد كَانَ أُولَئِكَ الْقَوْم يَعْتَقِدُونَ أَن آلِهَتهم مُلُوكهمْ، فَزَاد مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - فِي الْبَيَان فَقَالَ: ﴿ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين﴾.
فزاد موسى - عليه السلام - في البيان فقال :( ربكم ورب آبائكم الأولين ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون﴾ وَقد كَانَ عِنْدهم أَن من لَا يعْتَقد مَا يَعْتَقِدُونَ فَلَيْسَ بعاقل، فَزَاد مُوسَى فِي الْبَيَان فَقَالَ: ﴿رب الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم تعقلون﴾ فَأجَاب فِرْعَوْن، وَقَالَ: ﴿لَئِن اتَّخذت إِلَهًا غَيْرِي لأجعلنك من المسجونين﴾
وَفِي الْقِصَّة: أَن سجنه كَانَ أَشد من الْقَتْل، فَإِنَّهُ كَانَ يحبس الرجل وَحده فِي مَوضِع لَا يسمع شَيْئا وَلَا يبصر شَيْئا، ويهوى فِي الأَرْض، فَأجَاب مُوسَى، وَقَالَ: ﴿أَو لَو جِئتُكُمْ بِشَيْء مُبين﴾ أَي: تحبسني وَإِن جئْتُك بِشَيْء مُبين أَي: بِآيَة بَيِّنَة.
فزاد موسى في البيان فقال :( رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون )
فأجاب فرعون، وقال :( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين )
وفي القصة : أن سجنه كان أشد من القتل، فإنه كان يحبس الرجل وحده في موضع لا يسمع شيئا ولا يبصر شيئا، ويهوى في الأرض
فأجاب موسى، وقال :( أو لو جئتكم بشيء مبين ) أي : تحبسني وإن جئتك بشيء مبين أي : بآية بينة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فأت بِهِ أَن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين﴾ والثعبان الذّكر من الْحَيَّات الْعَظِيم مِنْهَا، فَإِن قيل: أَلَيْسَ قد قَالَ فِي مَوضِع آخر:
43
﴿وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم تعقلون (٢٨) قَالَ لَئِن اتَّخذت إِلَهًا غَيْرِي لأجعلنك من المسجونين (٢٩) قَالَ أَو لَو جئْتُك بِشَيْء مُبين (٣٠) قَالَ فأت بِهِ إِن كنت من الصَّادِقين (٣١) فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين (٣٢) وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء
{كَأَنَّهَا جَان﴾
والجان الْحَيَّة الصَّغِيرَة؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن معنى الجان أَنَّهَا كالحية الصَّغِيرَة فِي اهتزازها وَصفَة حركتها، وَهِي فِي نَفسهَا حَيَّة عَظِيمَة.
وَذكر السّديّ وَغَيره: أَن الْعَصَا صَارَت حَيَّة صفراء سعراء كأعظم مَا يكون من الْحَيَّات.
وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا ارْتَفَعت من الأَرْض بِقدر ميل، فغرت فاها، وَقَامَت على ذنبها، وَجعلت تتملظ فِي وَجه فِرْعَوْن.
وروى أَنَّهَا أخذت قبَّة فِرْعَوْن بَين نابها، وَصَاح فِرْعَوْن، قَول: يَا مُوسَى، أنْشدك بِالَّذِي أرسلك.
وَقَوله: (مُبين) أَي: يبين الثعبان أَنه حجَّة عَظِيمَة.
44
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) والثعبان الذكر من الحيات العظيم منها، فإن قيل : أليس قد قال في موضع آخر :
( كأنها جان ) ( ١ ) والجان الحية الصغيرة ؟ والجواب عنه : أن معنى الجان أنها كالحية الصغيرة في اهتزازها وصفة حركتها، وهي في نفسها حية عظيمة.
وذكر السدي وغيره : أن العصا صارت حية صفراء سعراء كأعظم ما يكون من الحيات.
وفي القصة : أنها ارتفعت من الأرض بقدر ميل، فغرت( ٢ ) فاها، وقامت على ذنبها، وجعلت تتملظ في وجه فرعون.
وروى أنها أخذت قبة فرعون بين نابها، وصاح فرعون، قول : يا موسى، أنشدك بالذي أرسلك.
وقوله :( مبين ) أي : يبين الثعبان أنه حجة عظيمة.
١ - النمل: ١٠..
٢ - في "ك": ففتحت..
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿قَالَ للملأ حوله إِن هَذَا لساحر عليم﴾ أَي: عَالم حاذق.
قَوْله: ﴿يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم بسحره﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا أَرَادَ مُوسَى أَن يخرج بني إِسْرَائِيل [لَا] أَن يخرج فِرْعَوْن وَقَومه، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم كَانُوا قد اتَّخذُوا بني إِسْرَائِيل عبيدا وخولا، فَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى إِخْرَاج بني إِسْرَائِيل، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ إخراجهم.
وَقَوله: ﴿فَمَاذَا تأمرون﴾ أَي: مَاذَا تشيرون.
قَوْله تَعَالَى: (أرجه وأخاه) أَي: أخر أمره وَأمر أَخِيه، وَمَعْنَاهُ: لَا يتم فصل الْأَمر حَتَّى تظهر لَك الْحجَّة عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَابعث فِي الْمَدَائِن حاشرين﴾ قد بَينا.
44
﴿للناظرين (٣٣) قَالَ للملأ حوله إِن هَذَا لساحر عليم (٣٤) يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم بسحره فَمَاذَا تأمرون (٣٥) قَالُوا أرجه وأخاه وَابعث فِي الْمَدَائِن حاشرين (٣٦) يأتوك بِكُل سحار عليم (٣٧) فَجمع السَّحَرَة لميقات يَوْم مَعْلُوم (٣٨) وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون (٣٩) لَعَلَّنَا نتبع السَّحَرَة إِن كَانُوا هم الغالبين (٤٠) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون أئن لنا لأجراً إِن كُنَّا نَحن الغالبين﴾
45
وَقَوله: ﴿يأتوك بِكُل سحار عليم﴾ أَي: سَاحر حاذق، وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ يجْرِي الرزق للسحرة، وَقد جمع من السَّحَرَة سِتَّة آلَاف سَاحر، وَقيل: اثْنَي عشر ألفا.
وَقَوله: ﴿فَجمع السَّحَرَة لميقات يَوْم مَعْلُوم﴾ وَهُوَ يَوْم الزِّينَة على مَا بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون لَعَلَّنَا نتبع السَّحَرَة إِن كَانُوا هم الغالبين﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:وقوله :( وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ) معلوم المعنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة﴾ يَعْنِي لمُوسَى ﴿قَالُوا لفرعون أئن لنا الْأجر أَن كُنَّا نَحن الغالبين﴾.
قَوْله: ﴿قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين﴾ أَي: فِي الْمنزلَة، وَفِي الْقِصَّة أَن مُوسَى قَالَ لكبير السَّحَرَة: أتؤمن بِي إِن غلبتكم؟ قَالَ لَهُ كَبِير السَّحَرَة: إِن كنت ساحرا، فلأغلبنك، وَإِن غلبتني لأؤمنن بك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ لَهُم مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون﴾.
وَقَوله: ﴿فَألْقوا حبالهم وعصيهم وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن﴾ أَي: بعز فِرْعَوْن وَملكه ﴿إِنَّا لنَحْنُ الغالبون﴾.
وقوله :( فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون ) أي : بعز فرعون وملكه ( إنا لنحن الغالبون ).
وَقَوله: ﴿فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ﴾ فِي الْقِصَّة: أَن جَمِيع الأَرْض ميلًا فِي ميل صَارَت حيات وأفاعي فِي رُؤْيَة النَّاس، فَلَمَّا ألْقى مُوسَى الْعَصَا صَارَت ثعبانا، وَجعلت تعظم على قدر حبالهم وعصيهم، ثمَّ جعل يلتقط ويلتقم (وَاحِدًا وَاحِدًا) حَتَّى أكل الْكل، ثمَّ أَن مُوسَى أَخذ بِذَنبِهِ فَصَارَ عَصا كَمَا كَانَ، فتحيرت السَّحَرَة عِنْد ذَلِك،
45
﴿قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين (٤٢) قَالَ لَهُم مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون (٤٣) فَألْقوا حبالهم وعصيهم وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون (٤٤) فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون (٤٥) فألقي السَّحَرَة ساجدين (٤٦) قَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين (٤٧) رب مُوسَى وَهَارُون (٤٨) قَالَ آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم أَنه فَقَالُوا: إِن كَانَ هَذَا سحر فَأَيْنَ ذهبت عصينا وحبالنا؟ ! وتيقنوا أَن الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى أَمر من عِنْد الله، فوقعوا سجدا وآمنوا، فَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَألْقى السَّحَرَة ساجدين﴾.
46
وَقَوله: ﴿فَألْقى السَّحَرَة ساجدين﴾ يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: وَقَعُوا ساجدين، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: ألقاهم الْحق الَّذِي رَأَوْهُ (ساجدين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين﴾ فِي الْقِصَّة: أَنهم) لما قَالُوا هَكَذَا، قَالَ فِرْعَوْن: أَنا رب الْعَالمين، فَقَالَ السَّحَرَة: ﴿رب مُوسَى وَهَارُون﴾.
فقال السحرة :( رب موسى وهارون ).
وَقَوله: ﴿قَالَ آمنتم لَهُ قبل أَن آذان لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر فلسوف تعلمُونَ﴾ يَعْنِي: سَوف تعلمُونَ عَاقِبَة أَمركُم.
وَقَوله: ﴿لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ﴾ قد بَينا مَعْنَاهُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لَا ضير﴾ أَي: لَا ضَرَر وَلَا مَكْرُوه.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَإنَّك لَا يضورك بعد حول أظبي كَانَ أمك أم حمَار)
وَقَوله: ﴿إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون﴾ أَي: رَاجِعُون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا نطمع أَن يغْفر لنا رَبنَا خطايانا﴾ أَي: ذنوبنا.
﴿أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ﴾ قَالَ الْفراء: أول الْمُؤمنِينَ من أهل زَمَاننَا، وَقَالَ الزّجاج: هَذَا ضَعِيف؛ لِأَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا قد آمنُوا بمُوسَى قبلهم، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ عِنْد ظُهُور هَذِه الْحجَّة، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ من قوم فِرْعَوْن.
46
{لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر فلسوف تعلمُونَ لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ (٤٩) قَالُوا لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون (٥٠) إِنَّا نطمع أَن يغْفر لنا رَبنَا خطايانا أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ (٥١) وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن أسر بعبادي
47
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن أسر بعبادي﴾ ذكر " أسر "؛ لأَنهم سَارُوا لَيْلًا.
وَقَوله: ﴿إِنَّكُم متبعون﴾ يَعْنِي: يتبعكم فِرْعَوْن وَقَومه، وَعَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: لما بلغ فِرْعَوْن أَن مُوسَى وَقَومه قد سَارُوا، قَالَ لِقَوْمِهِ: إِذا صَاح الديك فاركبوا، فَلم يَصح ديك فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، حَتَّى بعد مُوسَى وَقَومه، فَلَمَّا أصبح دَعَا بِشَاة، وَأمر بذبحها، ثمَّ قَالَ: لَا تسلخ هَذِه الشَّاة إِلَّا وَقد اجْتمع خَمْسمِائَة ألف مقَاتل، قَالَ: فَلم يفرغ السلاخ عَن السلخ إِلَّا وَقد كَانَ اجْتمع خَمْسمِائَة ألف مقَاتل عددا.
وَذكر غَيره: أَن الْمَلَائِكَة دخلُوا بيُوت القبط وَقتلُوا أبكارهم، فاشتغلوا صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم بدفن الْأَبْكَار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين﴾ يَعْنِي: أرسل الشَّرْط الْمَدَائِن حَتَّى حشروا النَّاس. وَفِي التفاسير: أَنه كَانَ ألف مَدِينَة وَاثنا عشر ألف قَرْيَة.
وَقَوله: ﴿إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ﴾ أَي: لجَماعَة قَليلَة، وأنشدوا فِي الشرذمة:
(جَاءَ الشتَاء وقميصي أَخْلَاق شراذم يضْحك مني النواق)
وأنشدوا فِي قَوْله: ﴿قَلِيلُونَ﴾ :
﴿فَرد قواصي الْأَحْيَاء مِنْهُم فقد رجعُوا كحى واحدينا﴾
أَي: كحى وَاحِد.
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن مُوسَى كَانَ فِي سِتّمائَة ألف وَسبعين ألفا، فسماهم فِرْعَوْن شرذمة لِكَثْرَة قومه.
وروى أَن هامان كَانَ على مقدمته فِي ألف ألف، وروى أَن فِرْعَوْن كَانَ فِي سَبْعَة آلَاف ألف وروى أَنه كَانَ بَين يَدَيْهِ مائَة ألف ناشب وَمِائَة ألف أَصْحَاب الحراب، وَمِائَة
47
{إِنَّكُم متبعون (٥٢) فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين (٥٣) إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُم لنا لغائظون (٥٥) وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون (٥٦) ألف أَصْحَاب الأعمدة.
48
وَقَوله: ﴿وَإِنَّهُم لنا لغائظون﴾ يَعْنِي: أَنهم غاظونا وأغضبونا، وَكَانَ غيظه مِنْهُم بخروجهم من غير أمره، واستعارتهم الْحلِيّ من قومه ومضيهم بهَا.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون﴾ وَقُرِئَ: " حذرون " فالحذر هُوَ المتيقظ، والحاذر المستعد.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَكتب عَلَيْهِ احذر الْمَوْت وَحده فَلم يبْق حاذر)
وَقَرَأَ ابْن أبي عَامر: " وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون) بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة. وَيُقَال: بعير حادر إِذا كَانَ ممتلئا من اللَّحْم، عَظِيم الجثة، وَقيل: ﴿إِنَّا لجَمِيع حاذرون﴾ أَي: مؤدون، وَمعنى مؤدون أَي: مَعْنَاهُ الأداة وَالسِّلَاح.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأخرجناهم من جنَّات وعيون﴾ فِي الْقِصَّة: أَن الْبَسَاتِين كَانَت ممتدة على حافتي النّيل من أَعْلَاهُ إِلَى آخِره، وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: سيد الْأَنْهَار هُوَ النّيل، فَإِذا أجراه الله تَعَالَى أمده من جَمِيع الْأَنْهَار، وفجر لَهُ ينابيع الأَرْض، فَإِذا تمّ إجراؤه رَجَعَ كل مَاء إِلَى عنصره.
وَقَوله: ﴿وكنوز﴾ أَي: كنوز الْأَمْوَال، وَفِي بعض الْقَصَص: أَنه كَانَ لفرعون ثَمَانمِائَة ألف غُلَام، كل غُلَام على فرس من عَتيق، فِي عنق كل فرس طوق من ذهب.
وَقَوله: ﴿ومقام كريم﴾ أَي: منَازِل حسان، وَقد قيل: إِن الْمقَام الْكَرِيم هُوَ المنابر، وَكَانَ بِمصْر ألف مِنْبَر فِي ذَلِك الْوَقْت، وَقيل: ﴿ومقام كريم﴾ أَي: مجْلِس الْأَشْرَاف، وَذكر بَعضهم: أَنه كَانَ إِذا قعد على سَرِيره وضع بَين يَدَيْهِ ثَلَاثمِائَة كرْسِي من ذهب يجلس عَلَيْهَا الْأَشْرَاف، عَلَيْهِم أقبية الديباج مخوصة بِالذَّهَب.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك وأورثناها بني إِسْرَائِيل﴾. وروى أَن بني إِسْرَائِيل عَادوا إِلَى مصر
48
﴿فأخرجناهم من جنَّات وعيون (٥٧) وكنوز ومقام كريم (٥٨) وَأَقَامُوا فِيهَا، فَهُوَ معنى قَوْله: {وأورثناها بني إِسْرَائِيل﴾.
49
وَقَوله: (فأتبعوهم مشرقين) أَي: عِنْد شروق الشَّمْس، وشروقها طُلُوعهَا، وروى أَبُو بردة [عَن] أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ " أَن النَّبِي نزل على أَعْرَابِي فِي سفر، فَأحْسن الْأَعرَابِي ضيافته، فَلَمَّا ارتحل من عِنْده، قَالَ للأعرابي: لَو أَتَيْتنَا أكرمناك، فَجَاءَهُ الْأَعرَابِي بعد ذَلِك، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: مَا حَاجَتك؟ فَقَالَ: نَاقَة برحلها وَأُخْرَى أحتلبها، فَأمر لَهُ النَّبِي بذلك، ثمَّ قَالَ: أَيعْجزُ أحدكُم أَن يكون كعجوز بني إِسْرَائِيل؟ فَسئلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: لما خرج مُوسَى ببني إِسْرَائِيل من مصر ضلوا الطَّرِيق، وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن الْقَمَر خسف، وَالشَّمْس كسفت، وَوَقع النَّاس فِي ظلمَة عَظِيمَة، وتحير مُوسَى، فَقَالَ لَهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل: إِن يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - أوصى أَن بني إِسْرَائِيل إِذا خَرجُوا من مصر فلينقلوا عِظَامه مَعَهم، فَعلم مُوسَى انهم ضلوا الطَّرِيق لذَلِك، فَقَالَ لَهُم: وَمن يعرف مَوضِع عِظَامه؟ فَقَالُوا: لَا يعرفهُ سوى عَجُوز من بني إِسْرَائِيل، فَدَعَا بالعجوز وسألها عَن مَوضِع الْعِظَام، فَقَالَت: لَا حَتَّى تقضي حَاجَتي، فَقَالَ: مَا حَاجَتك؟ قَالَت: حَاجَتي أَن أكون مَعَك فِي الْجنَّة أَي: فِي درجتك، فكره مُوسَى ذَلِك، فَنزل الْوَحْي أَن أعْطهَا ذَلِك، فَأَعْطَاهَا، ثمَّ إِنَّهَا دلّت على قبر يُوسُف، فَحمل مُوسَى عِظَام يُوسُف وانجلت الظلمَة ".
49
{كَذَلِك وأورثناها بني إِسْرَائِيل (٥٩) فأتبعوهم مشرقين (٦٠) فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون (٦١)
50
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ﴾ أَي: التقى الْجَمْعَانِ، وَمعنى التلاقي هُوَ أَنه رأى هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ.
وَقَوله: ﴿قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون﴾ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْمعْنَى مَا بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ كلا﴾ أَي: ارتدعوا عَن هَذَا القَوْل وَلَا تقولوه، فَإِنَّهُم لَا يدركونكم.
وَقَوله: ﴿إِن معي رَبِّي سيهدين﴾ مَعْنَاهُ: إِن معي رَبِّي بِالْحِفْظِ والنصرة.
وَقَوله: ﴿سيهدين﴾ أَي: يدلني على طَرِيق النجَاة، وَالْهِدَايَة هِيَ الدّلَالَة على طَرِيق النجَاة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن أضْرب بعصاك الْبَحْر﴾ فِي الْقِصَّة: أَن مُؤمن آل فِرْعَوْن كَانَ قُدَّام بني إِسْرَائِيل، فَقَالَ لمُوسَى: يَا نَبِي الله، أَيْن أَمرك رَبك؟ فَقَالَ: أمامك. قَالَ: يَا نَبِي الله، أَمَامِي الْبَحْر؟ ﴿﴾ قَالَ مُوسَى: وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت. وروى أَن يُوشَع بن نون قَالَ لمُوسَى: يَا نَبِي الله، أَيْن أَمرك رَبك؟ قَالَ: الْبَحْر. قَالَ: أقتحمه؟ قَالَ: نعم، فاقتحم الْبَحْر وَمر، فَلَمَّا جَاءَ بَنو إِسْرَائِيل واقتحموا انغمسوا فِي الْبَحْر، وَأوحى الله إِلَى مُوسَى أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر. وروى أَن مُوسَى اقتحم الْبَحْر فَرده التيار، فَقَالَ للبحر: انفرق، فَلم ينفرق، فَأمر الله تَعَالَى أَن يضْربهُ بالعصا فَضَربهُ للمرة الأولى، فأط الْبَحْر، ثمَّ ضربه الثَّانِيَة فأط، ثمَّ ضربه الثَّالِثَة فانفرق، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فانفلق﴾.
وَقَوله: ﴿فَكَانَ كل فرق﴾ أَي: فلق، وَالْفرق والفلق وَاحِد.
وَقَوله: ﴿كالطود الْعَظِيم﴾ أَي: الْجَبَل الْعَظِيم، قَالَ الشَّاعِر:
(حلوا بأبقرة تسيل عَلَيْهِم مَاء الْفُرَات يَجِيء من أطواد)
وَالرِّوَايَة أَن مَاء الْبَحْر (تراكب) بعضه على بعض حَتَّى صَار كالجبل، وَظهر اثْنَا عشر طَرِيقا، وضربتها الرّيح حَتَّى جَفتْ، وَمر كل سبط فِي طَرِيق، فَقَالُوا: لَا نرى
50
{قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهيدين (٦٢) فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن أضْرب بعصاك الْبَحْر فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم (٦٣) وأزلفنا ثمَّ الآخرين (٦٤) إِخْوَاننَا، وَلَعَلَّ إِخْوَاننَا قد غرقوا، فَضرب الله لَهُم كوى - جمع كوَّة - على المَاء حَتَّى نظر بَعضهم إِلَى بعض، وَجعلُوا يتحدثون.
51
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأزلفنا ثمَّ الآخرين﴾ أزلفنا أَي: قربنا، قَالَ الشَّاعِر:
(فَكل يَوْم مضى أَو لَيْلَة سلفت فِيهَا النُّفُوس إِلَى الْآجَال تزدلف)
وَقَالَ آخر:
(طي اللَّيَالِي زلفا فزلفا سماوة الْهلَال حَتَّى احقوقفا).
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أزلفنا أَي: جَمعنَا، وَمِنْه لَيْلَة الْمزْدَلِفَة أَي: لَيْلَة الْجمع، وَقَرَأَ أبي بن كَعْب: " وأزلفناهم الآخرين " أَي: أوقعناهم فِي موقع زلف، وَفِي الْقِصَّة: أَن جِبْرِيل كَانَ بَين بني إِسْرَائِيل وَبَين فِرْعَوْن وَقَومه، وَكَانَ يَسُوق بني إِسْرَائِيل، فَيَقُولُونَ: مَا رَأينَا سائقا أحسن سِيَاقَة من هَذَا الرجل، وَكَانَ يزرع قوم فِرْعَوْن، فَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا رَأينَا وازعاً أحسن زعة من هَذَا. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لابد للنَّاس من وزعة أَي: سُلْطَان يَكفهمْ حصان.
وَقد بَينا أَن جِبْرِيل كَانَ على فرس أُنْثَى وديق وَفرْعَوْن على حصان، فَدخل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الْبَحْر، وَأتبعهُ فِرْعَوْن لَا يملك نَفسه، فَلَمَّا دخل جمعيهم الْبَحْر، وَأَرَادَ أَوَّلهمْ أَن يخرج، وَكَانَ بَين طرفِي الْبَحْر [أَرْبَعَة] فراسخ، وَهَذَا هُوَ بَحر القلزم، طرف من بَحر فَارس، فَلَمَّا اجْتَمعُوا فِي الْبَحْر جَمِيعًا، وَدخل آخِرهم، وَأَرَادَ أَوَّلهمْ أَن يخرج، أطبق الْبَحْر عَلَيْهِم.
وَعَن سعيد بن جُبَير: أَن الْبَحْر كَانَ سَاكِنا قبل ذَلِك، فَلَمَّا ضربه مُوسَى بالعصا اضْطربَ، فَجعل يمد ويجزر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأنجينا مُوسَى وَمن مَعَه اجمعين ثمَّ أغرقنا الآخرين﴾ ظَاهر الْمَعْنى،
51
{وأنجينا مُوسَى وَمن مَعَه أَجْمَعِينَ (٦٥) والإغراق إهلاك بغمر المَاء.
52
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:قوله تعالى :( وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين ) ظاهر المعنى، والإغراق إهلاك بغمر الماء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة﴾ أَي: لعبرة.
وَقَوله: (وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين) أَي: بمصدقين، والمارد بِهِ قوم فِرْعَوْن، وروى أَنه لم يُؤمن [من] قوم فِرْعَوْن إِلَّا [أسية] امْرَأَته [وحزقيل]، وماشطة بنت فِرْعَوْن، والعجوز الَّتِي دلّت على عِظَام يُوسُف.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم﴾ الْعَزِيز هُوَ الْقَادِر الَّذِي لَا يُمكنهُ معازته أَي: مغالبته، وَالله تَعَالَى عَزِيز، وَهُوَ فِي وصف عزته رَحِيم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿واتل عَلَيْهِم نبأ إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا تَعْبدُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَي شَيْء تَعْبدُونَ؟ !.
إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ) معناه : أي شيء تعبدون ؟ !.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين﴾ أَي: فنقيم على عبادتها، يُقَال: ظلّ فلَان يفعل كَذَا أَي: أَقَامَ عَلَيْهِ يَفْعَله بِالنَّهَارِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَ هَل يسمعونكم﴾ مَعْنَاهُ: هَل يسمعُونَ صوتكم ودعاءكم؟ وَقُرِئَ فِي الشاذ: " هَل يسمعونكم " بِرَفْع الْيَاء.
وَقَوله: ﴿أَو ينفعوكم﴾ أَي: بالرزق.
وَقَوله: ﴿أَو يضرون﴾ أَي: يضرونكم إِن تركْتُم عبادتها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا بل وجدنَا آبَاءَنَا كَذَلِك يَفْعَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا لَا تسمع أقوالنا، وَلَا تجلب إِلَيْنَا نفعا، وَلَا تدفع عَنَّا ضرا، لَكِن اقتدينا بِآبَائِنَا، وَاسْتدلَّ أهل الْعلم بِهَذَا على أَن التَّقْلِيد لَا يجوز.
قَوْله: ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ أَنْتُم وآبائكم الأقدمون﴾ أَي: الْأَولونَ.
( أنتم وآبائكم الأقدمون ) أي : الأولون.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّهُم عَدو لي﴾ أَي: أَعدَاء لي.
52
﴿ثمَّ أغرقنا الآخرين (٦٦) إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (٦٧) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (٦٨) واتل عَلَيْهِم نبأ إِبْرَاهِيم (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا تَعْبدُونَ (٧٠) قَالُوا نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين (٧١) قَالَ هَل يسمعونكم إِذْ تدعون (٧٢) أَو ينفعوكم أَو يضرون (٧٣) قَالُوا بل وجدنَا آبَاءَنَا كَذَلِك يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ (٧٥) أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون (٧٦) فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين (٧٧) الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يطمعني
قَوْله: {إِلَّا رب الْعَالمين﴾
اخْتلف القَوْل فِيهِ: فأحد الْقَوْلَيْنِ: أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام مَعَ الله تَعَالَى، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: كل من تَعْبدُونَ أَعدَاء لي إِلَّا رب الْعَالمين، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُم عَدو لي، لَكِن رب الْعَالمين وليي، فَإِن قيل: كَيفَ تكون الْأَصْنَام أَعدَاء لَهُ وَهِي جمادات، والعداوة لَا تُوجد إِلَّا من حَيّ عَاقل؟
وَالْجَوَاب عَنهُ: قَالُوا: إِن هَذَا من المقلوب وَمَعْنَاهُ: فَإِنِّي عَدو لَهُم، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: فَإِنَّهُم عَدو لي أَي: لَا أتوهم، وَلَا اطلب من جهتهم نفعا، كَمَا لَا يتَوَلَّى الْعَدو وَلَا يطْلب من جِهَته النَّفْع.
53
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين﴾ أَي: يرشدني إِلَى طَرِيق النجَاة.
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين﴾ أَي: يغدى لي بِالطَّعَامِ وَالشرَاب، وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَن طَعَامي وشرابي من جِهَته، ورزقي من قبله، وَقد قَالَ بعض أَصْحَاب الخواطر: يطعمني طَعَام الْمَوَدَّة، ويسقني بكأس الْمحبَّة، وَقيل: يطعمني ذوق الْإِيمَان، ويسقيني بِقبُول الطَّاعَة.
وَقَوله: ﴿وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين﴾ ذكر إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - هَذَا؛ لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ الْمَرَض من الأغذية، والشفاء من الْأَدْوِيَة، وَقَوله: ﴿وَإِذا مَرضت﴾ هُوَ اسْتِعْمَال أدب، وَإِلَّا فالممرض والشافي هُوَ الله تَعَالَى بِإِجْمَاع أهل الدّين، وَقَالَ بعض أَصْحَاب الخواطر: وَإِذا مَرضت بالخوف؛ يشفيني بالرجاء، وَقيل: إِذا مَرضت بالطمع؛ يشفيني بالقناعة.
53
{ويسقين (٧٩) وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين (٨٠) وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين (٨١) وَالَّذِي أطمع أَن يفغر لي خطيئتي يَوْم الدّين (٨٢) رب هَب لي حكما وألحقني بالصالحين (٨٣) وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين (٨٤) واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم (٨٥)
54
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي يميتني﴾ يَعْنِي: يميتني فِي الدُّنْيَا، [و] يحييني فِي الْآخِرَة. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الخواطر: يميتني بِرُؤْيَة الْخلق، ويحييني بِشَهَادَة الْحق، وَقيل: يميتني بالمعصية ويحييني بِالطَّاعَةِ.
وَقَوله: ﴿وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين﴾ أَي: أَرْجُو أَن يغْفر لي خطاياي، وخطاياه مَا ذكرنَا من كذباته الثَّلَاث، وَاعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء معصومون من الْكَبَائِر، فَأَما الْخَطَايَا والصغائر تجوز عَلَيْهِم.
وَقَوله: ﴿يَوْم الدّين﴾ أَي: يَوْم الْحساب، وَذكر مُسلم فِي الصَّحِيح براوية عَائِشَة " أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن عبد الله بن جدعَان كَانَ يقري الضَّيْف، وَيحمل الْكل، وَذكرت أَشْيَاء من أَعمال الْخَيْر، أهوَ فِي الْجنَّة أم فِي النَّار؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " هُوَ فِي النَّار، إِنَّه لم يقل يَوْمًا: رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿رب هَب لي حكما﴾ أَي: الْعلم والفهم، وَقيل: إِصَابَة الْحق.
وَقَوله: ﴿وألحقني بالصالحين﴾ أَي: من الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ.
وَقَوله: ﴿وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين﴾ أَي: ثَنَاء حسنا إِلَى قيام السَّاعَة، وَيُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ تولي جَمِيع أهل الْأَدْيَان لَهُ، وَقبُول كل النَّاس إِيَّاه، وَيُقَال: إِن مَعْنَاهُ: اجْعَل فِي ذريتي من يقوم بِالْحَقِّ إِلَى قيام السَّاعَة.
وَقَوله: ﴿واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم﴾ أَي: مِمَّن تعطيه جنَّة النَّعيم.
54
{واغفر لأبي إِنَّه كَانَ من الضَّالّين (٨٦) وَلَا تخزني يَوْم يبعثون (٨٧) يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون (٨٨) إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم (٨٩) وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين (٩٠) وبرزت الْجَحِيم للغاوين (٩١) وَقيل لَهُم أَيْن مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ (٩٢) من دون الله هَل ينصرونكم أَو ينتصرون (٩٣) فكبكبوا فِيهَا هُوَ والغاوون (٩٤) وجنود إِبْلِيس
55
وَقَوله: ﴿واغفر لأبي إِنَّه كَانَ من الضَّالّين﴾ قَالَ أهل الْعلم: هَذَا قبل أَن يتبرأ مِنْهُ، ويستقين أَنه عَدو لله، على مَا ذَكرْنَاهُ فِي سُورَة التَّوْبَة، وَقَالَ بَعضهم: واغفر لأبي أَي: جِنَايَته على، كَأَنَّهُ أسقط حَقه وَعَفا عَنهُ.
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - يتَعَلَّق بِأَبِيهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَيَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ، وأنجز لي مَا وَعَدتنِي، فيحول الله صُورَة أَبِيه إِلَى صُورَة ذبح، هُوَ ضبيع قَبِيح، فَإِذا رَآهُ إِبْرَاهِيم تَركه، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِأبي.
وَقَوله: ﴿وَلَا تخزني يَوْم يبعثون﴾ أَي: لَا تفضحني، وَذَلِكَ بِأَن لَا يغْفر خطيئته، وكل من لم يغْفر لَهُ الله فقد أَخْزَاهُ.
وَقَوله ﴿يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم﴾ قَالَ أَكثر أهل الْعلم: سليم من الشّرك، فَإِن الْآدَمِيّ لَا يَخْلُو من ذَنْب، وَقيل: مخلص، وَقيل: نَاصح، وَقيل: قلب فِيهِ لَا إِلَه إِلَّا الله.
إلا من أتى الله بقلب سليم ) قال أكثر أهل العلم : سليم من الشرك، فإن الآدمي لا يخلو من ذنب، وقيل : مخلص، وقيل : ناصح، وقيل : قلب فيه لا إله إلا الله.
وَقَوله: ﴿وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين﴾ أَي: قربت، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " الْجنَّة أقرب إِلَى أحدكُم من شِرَاك نَعله، وَالنَّار مثل ذَلِك ".
وَقَوله: ﴿وبرزت الْجَحِيم﴾ أَي: أظهرت الْجَحِيم.
﴿للغاوين﴾ أَي: للْكَافِرِينَ، والغاوي من وَقع فِي خيبة لَا رَجَاء فِيهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقيل لَهُم أَيْن مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ من دون الله هَل ينصرونكم﴾ أَي: يمْنَعُونَ الْعَذَاب عَنْكُم.
55
﴿أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وهم فِيهَا يختصمون (٩٦) تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين (٩٧) إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين (٩٨) وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون (٩٩) فَمَا لنا من شافعين (١٠٠) وَلَا صديق حميم (١٠١) فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ (١٠٢) إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا
وَقَوله: {أَو ينْصرُونَ﴾
أَي: يمتنعون.
56
من دون الله هل ينصرونكم ) أي : يمنعون العذاب عنكم.
وقوله :( أو ينتصرون ) أي : يمتنعون.
وَقَوله: ﴿فكبكبوا فِيهَا هم﴾ قَالَ القتيبي: طرح بَعضهم على بعض. وَقيل: دهوروا، ودهدهوا، ودهدوا، وَقيل: نكسوا فِيهَا، وَيُقَال: كَانَ فِي الأَصْل كببوا، فأدخلت الْكَاف فِيهِ فَصَارَ كبكبوا.
وَقَوله: ﴿هُوَ الْغَاوُونَ﴾ أَي: الشَّيَاطِين مَعَهم، وَيُقَال: من اتَّبَعُوهُمْ فِي الشّرك.
وَقَوله: ﴿وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ﴾ أَي: ذُريَّته.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا وهم فِيهَا يختصمون﴾ أَي: يُجَادِل بَعضهم بَعْضًا.
وَقَوله: ﴿تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين﴾ أَي: فِي خطأ بَين.
وَقَوله: ﴿إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين﴾ هَذَا قَوْلهم للأصنام وَمَعْنَاهُ: نعدلكم بِرَبّ الْعَالمين.
وَقَوله: ﴿وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون﴾ أَي: القادة، وَيُقَال: إِبْلِيس وَابْن آدم الْكَافِر، وَهُوَ قابيل.
وَقَوله: ﴿فَمَا لنا من شافعين﴾ فِي الْأَخْبَار: أَن الْمُؤمنِينَ يشفعون للمذنبين، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة والأنبياء.
وَقَوله: ﴿وَلَا صديق حميم﴾ أَي: صديق خَاص، وَقيل: صديق قريب، وسمى حميما؛ لِأَنَّهُ يحمٌ لَك ويغضب لِأَجلِك، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: استكثروا من الأصدقاء الْمُؤمنِينَ، فَإِن لَهُم شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة. وَالصديق هُوَ الصَّادِق فِي الْمَوَدَّة على شَرط الدّين، وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي بِرِوَايَة جَابر: " أَن الْمُؤمن يدْخل الْجنَّة وَيَقُول: أَيْن صديقي فلَان؟ فَيُقَال: هُوَ فِي النَّار بِذَنبِهِ، فَيشفع لَهُ فيخرجه الله من النَّار
56
{كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٠٣) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٠٤) كذبت قوم نوح الْمُرْسلين (١٠٥) إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح إِلَّا تَتَّقُون (١٠٦) إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٠٧) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٠٨) وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من اجْرِ إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين بِشَفَاعَتِهِ ".
57
وَقَوله: ﴿فَلَو أَن لنا كرة﴾ أَي: رَجْعَة.
وَقَوله: ﴿فنكون من الْمُؤمنِينَ﴾ وَإِذا كُنَّا مُؤمنين فَيكون لنا شُفَعَاء أَيْضا كَمَا للْمُؤْمِنين شُفَعَاء.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم﴾ قد بَينا معنى الْكل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٣:وقوله :( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) قد بينا معنى الكل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كذبت قوم نوح الْمُرْسلين﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: نوح أول رَسُول أرسل الله تَعَالَى وَهَذَا مَحْمُول على أَنه أول رَسُول أرْسلهُ الله تَعَالَى بعد آدم - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَهُوَ صَاحب شَرِيعَة، وَإِنَّمَا ذكر الْمُرْسلين؛ لِأَن من كذب رَسُولا فقد كذب جَمِيع الرُّسُل.
وَقَوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح﴾ يَعْنِيك أَنه أخوهم فِي النّسَب.
وَقَوله: ﴿أَلا تَتَّقُون﴾ أَي: أَلا تتقوا الله.
وَقَوله: ﴿إِنِّي لكم رَسُول أَمِين﴾ أَي: أَمِين فِيمَا بَيْنكُم وَبَين الله تَعَالَى، وَفِي بعض التفاسير: أَن نوحًا كَانَ يُسمى الْأمين قبل أَن يَبْعَثهُ الله.
وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله وأطيعون﴾ أَي: اتَّقوا الله بترك الشّرك، وأطيعون فِيمَا آمركُم [بِهِ].
وَقَوله: ﴿وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر﴾ أَي: من جعل.
وَقَوله: ﴿إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين﴾ أَي: ثوابي، قَالَ أهل الْعلم: وَلَا يجوز
57
( {١٠٩) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١١٠) قَالُوا نؤمن لَك واتبعك الأرذلون (١١١) قَالَ وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعلمُونَ (١١٢) إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي لَو تشعرون (١١٣) وَمَا أَنا بطارد الْمُؤمنِينَ (١١٤) إِن أَنا إِلَّا نَذِير مُبين (١١٥) قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح لتكونن من المرجومين (١١٦) قَالَ رب إِن قومِي كذبون (١١٧) فافتح بيني وَبينهمْ فتحا ونجني وَمن معي من الْمُؤمنِينَ (١١٨) فأنجيناه وَمن مَعَه فِي الْفلك المشحون (١١٩) ثمَّ أغرقنا للنَّبِي أَن يَأْخُذ جعلا على النُّبُوَّة؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تنفير النَّاس عَن قبُول الْإِيمَان، وَيجوز أَن يَأْخُذ الْهَدِيَّة؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التنفير.
58
وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله وأطيعون﴾ أَعَادَهُ تَأْكِيدًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون﴾ فِي التَّفْسِير: أَنهم الحاكة، والحجامون، والأساكفة وَمن أشبههم، وَقيل: إِنَّهُم أسافل النَّاس.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ قَالَ الزّجاج: الصناعات لَا تُؤثر فِي الديانَات، وَمعنى قَول نوح أَنه لَا علم لي بصناعتهم، وَإِنَّمَا أمرت أَن أدعوهم إِلَى الله، فَمن أجَاب قبلته فَهَذَا معنى
قَوْله: ﴿إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي لَو تشعرون وَمَا أَنا بطارد الْمُؤمنِينَ إِن أَنا إِلَّا نَذِير مُبين﴾.
وَقَوله: ﴿إِن حسابهم﴾ أَي: أَعْمَالهم ﴿إِلَّا على رَبِّي لَو تشعرون﴾ أَي: لَو تعلمُونَ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٢:قوله تعالى :( وما علمي بما كانوا يعملون ) قال الزجاج : الصناعات لا تؤثر في الديانات، ومعنى قول نوح أنه لا علم لي بصناعتهم، وإنما أمرت أن أدعوهم إلى الله، فمن أجاب قبلته فهذا معنى قوله :( إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين ).
وقوله :( إن حسابهم ) أي : أعمالهم ( إلا على ربي لو تشعرون ) أي : لو تعلمون.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٢:قوله تعالى :( وما علمي بما كانوا يعملون ) قال الزجاج : الصناعات لا تؤثر في الديانات، ومعنى قول نوح أنه لا علم لي بصناعتهم، وإنما أمرت أن أدعوهم إلى الله، فمن أجاب قبلته فهذا معنى قوله :( إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين ).
وقوله :( إن حسابهم ) أي : أعمالهم ( إلا على ربي لو تشعرون ) أي : لو تعلمون.

قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح لتكونن منم المرجومين﴾ أَي: المقتولين بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ السّديّ وَغَيره: من المشتومين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب إِن قومِي كذبون فافتح بيني وَبينهمْ فتحا﴾.
أَي: اقْضِ بيني وَبينهمْ بِقَضَائِك. تَقول الْعَرَب: أحاكمك إِلَى الفتاح أَي: إِلَى القَاضِي، قَالَ الشَّاعِر:
58
﴿بعد البَاقِينَ (١٢٠) إِن فِي ذَلِك لِلْآيَةِ وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٢١) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٢٢) كذبت عَاد الْمُرْسلين (١٢٣) إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم هود أَلا تَتَّقُون (١٢٤) إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٢٥) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٢٦) وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين (١٢٧) أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون (١٢٨) وتتخذون مصانع
وَقَوله: {ونجني وَمن معي من الْمُؤمنِينَ﴾
قد بَينا عدد من كَانَ مَعَه من الْمُؤمنِينَ.
59
فافتح بيني وبينهم فتحا ).
أي : اقض بيني وبينهم بقضائك. تقول العرب : أحاكمك إلى الفتاح أي : إلى القاضي، قال الشاعر :
(أَلا أبلغ بني حكم رَسُولا بِأَنِّي عَن فتاحتهم غَنِي)
ألا أبلغ بني حكم رسولا بأني عن فتاحتهم غني( ١ )
وقوله :( ونجني ومن معي من المؤمنين ) قد بينا عدد من كان معه من المؤمنين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأنجيناه وَمن مَعَه فِي الْفلك المشحون﴾ أَي: الموفر المملوء، وَقد بَينا صفة الْفلك وَمن كَانَ فِيهِ.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أغرقنا بعد البَاقِينَ﴾ أَي: بعد إنجائه أغرقنا البَاقِينَ أَي: من بَقِي من قومه.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين﴾ ظَاهر الْمَعْنى إِلَى قَوْله: ﴿كذبت عَاد الْمُرْسلين﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:وقوله :( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ) ظاهر المعنى إلى قوله :( كذبت عاد المرسلين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:وقوله :( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ) ظاهر المعنى إلى قوله :( كذبت عاد المرسلين ).
وَقَوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم هود﴾ أَي: أخوهم فِي النّسَب.
وَقَوله: ﴿أَلا تَتَّقُون﴾ قد بَينا إِلَى قَوْله: ﴿إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين﴾.
قوله :( ألا تتقون ) قد بينا إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
قوله :( ألا تتقون ) قد بينا إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
قوله :( ألا تتقون ) قد بينا إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿أتبنون بِكُل ريع﴾ فِي الرّيع قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْمَكَان الْمُرْتَفع، وَالْآخر: أَنه الطَّرِيق الْوَاسِع بَين الجبلين.
وَقَوله: ﴿آيَة﴾ أَي: عَلامَة، وَقيل: بنيانا.
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم كَانُوا يبنون على الْمَوَاضِع المرتفعة ليظهروا قوتهم ويتفاخروا بِهِ عَن النَّاس، وَعَن مُجَاهِد: أَن معنى الْآيَة: برج الْحمام، وَفِي الْقِصَّة: أَن قوم فِرْعَوْن كَانُوا يَلْعَبُونَ بالحمام، وَكَذَلِكَ قوم عَاد.
وَقَوله: ﴿تعبثون﴾ أَي: تلعبون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وتتخذون مصانع﴾ المصانع: جمع مصنعة؛ وَهِي الْحَوْض وَمَوْضِع المَاء، وَيُقَال: المصانع هَاهُنَا هِيَ الْحُصُون المشيدة، قَالَ الشَّاعِر:
59
﴿لَعَلَّكُمْ تخلدون (١٢٩) وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين (١٣٠) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٣١) وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ (١٣٢) أمدكم بأنعام وبنين (١٣٣) وجنات وعيون (١٣٤) إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم (١٣٥) قَالُوا سَوَاء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين (١٣٦) إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين (١٣٧) وَمَا نَحن بمعذبين (١٣٨) فَكَذبُوهُ
(تركنَا (دِيَارهمْ مِنْهُم قفارا وهدمنا المصانع والبروجا﴾
وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تخلدون﴾ أَي: كأنكم تخلدون، وَقُرِئَ فِي الشاذ: " كأنكم خَالدُونَ "، وَيُقَال: طامعين فِي الخلود.
60
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين الْبَطْش هُوَ العسف (بِالْقَتْلِ) بِالسَّيْفِ وَالضَّرْب بِالسَّوْطِ، والجبار هُوَ العاتي على غَيره بِعظم سُلْطَانه، وَهُوَ فِي وَوصف الله مدح، وَفِي وصف الْخلق ذمّ، وَيُقَال: الْجَبَّار من يقتل على الْغَضَب.
وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله وأطيعون﴾ قد بَينا.
قَوْله: ﴿وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين﴾ هَذَا تَفْسِير مَا ذكره أَولا من قَوْله: (أمدكم بِمَا تعلمُونَ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٢:قوله :( واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين ) هذا تفسير ما ذكره أولا من قوله :( أمدكم بما تعلمون ).
وَقَوله: (وجنات وعيون) أَي: بساتين وأنهار.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ أَي: شَدِيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا سَوَاء علينا﴾ أَي: مستو عندنَا.
﴿أوعظت أم لم تكن من الواعظين﴾ الْوَعْظ كَلَام يلين الْقلب بِذكر الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد.
وَقَوله: ﴿إِن هَذَا﴾ أَي: مَا هَذَا.
﴿إِلَّا خلق الْأَوَّلين﴾ أَي: اخْتِلَاق الْأَوَّلين وكذبهم.
60
{فأهلكناهم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٣٩) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٤٠) كذبت ثَمُود الْمُرْسلين (١٤١) إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم صَالح أَلا تَتَّقُون (١٤٢) إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٤٣) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٤٤) وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين (١٤٥) أتتركون فِي مَا هَاهُنَا آمِنين (١٤٦) فِي جنَّات وعيون (١٤٧)
وقرى: " إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين " بِضَم الْخَاء وَاللَّام أَي: عَادَتهم ودأبهم، وَيُقَال مَعْنَاهُ: أمرنَا كأمر الْأَوَّلين؛ نَعِيش وَنَمُوت.
61
وَقَوله: ﴿وَمَا نَحن بمعذبين﴾ قَالُوا هَذَا إِنْكَار لما وعدهم هود من الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿فَكَذبُوهُ فأهلكناهم﴾ ظَاهر الْمَعْنى إِلَى قَوْله: ﴿إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:وقوله :( فكذبوه فأهلكناهم ) ظاهر المعنى إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿أتتركون فِيمَا هَاهُنَا آمِنين﴾ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا آمِنين من الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿فِي جنَّات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم﴾ قَالَ الْأَزْهَرِي: الهضيم هُوَ الدَّاخِل بعضه فِي بعض من النضج والنعامة، وَيُقَال: هُوَ اللين الرطب، وَيُقَال: هُوَ الرخو الَّذِي إِذا مَسّه الْإِنْسَان تفتت، وَقيل: هُوَ المذنب، وَهُوَ الَّذِي نضج بعضه من قبل الذَّنب، وَيُقَال هضيم أَي: الهاضم كَأَنَّهُ يهضم الطَّعَام.
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: فِي وعظه: ابْن آدم، تَأْكُل كَذَا وَكَذَا ثمَّ تَقول: يَا جَارِيَة، هَاتِي الهاضوم، إِنَّه يهضم دينك لَا طَعَامك.
وزروع ونخل طلعها هضيم ) قال الأزهري : الهضيم هو الداخل بعضه في بعض من النضج والنعامة، ويقال : هو اللين الرطب، ويقال : هو الرخو الذي إذا مسه الإنسان تفتت، وقيل : هو المذنب، وهو الذي نضج بعضه من قبل الذنب، ويقال هضيم أي : الهاضم كأنه يهضم الطعام.
وكان الحسن البصري يقول : في وعظه : ابن آدم، تأكل كذا وكذا ثم تقول : يا جارية، هاتي الهاضوم، إنه يهضم دينك لا طعامك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين﴾ أَي: حاذقين، وَيُقَال: معجبين بِمَا نلتم، وَقُرِئَ: " فرهين " أَي: فرحين، وَقيل: شرهين، قَالَ الشَّاعِر:
(لَا أستكين إِذا مَا أزمة أزمت وَلنْ تراني بِخَير فاره الطّلب)
وَيُقَال: الفاره والفره بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿فَاتَّقُوا الله وأطيعون﴾ إِلَى قَوْله: ﴿لَا يصلحون﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَالْمرَاد مِنْهُ: لَا تتبعوا قادتكم فِي الشّرك.
61
وزروع ونخل طلعها هضيم (١٤٨) وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين (١٤٩) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٥٠) وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين (١٥١) الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون (١٥٢) قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين (١٥٣) مَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين (١٥٤) قَالَ هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم (١٥٥) وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب يَوْم عَظِيم (١٥٦) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبحُوا نادمين (١٥٧)
62
١٥٠
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٠:وقوله :( فاتقوا الله وأطيعون ) إلى قوله :( لا يصلحون ) ظاهر المعنى، والمراد منه : لا تتبعوا قادتكم في الشرك.
﴿قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين﴾ أَي: سحرت مرّة بعد مرّة، وَيُقَال: ﴿من المسحرين﴾ أَي: من الْبشر وَهُوَ الَّذِي لَهُ سحر وَهُوَ الرئة، وَيُقَال: فلَان مسحر أَي: مُعَلل بِالطَّعَامِ وَالشرَاب، قَالَ الشَّاعِر:
(أرانا موضِعين لحتم غيب ونسحر بِالطَّعَامِ (وَالشرَاب))
وَقَالَ آخر:
(فَإِن تسألينا فيمَ نَحن فإننا عصافير من هَذَا الْأَنَام المسحر)
أَي: الْمُعَلل بِالطَّعَامِ وَالشرَاب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين﴾ قد ذكرنَا أَنهم طلبُوا نَاقَة حَمْرَاء عشراء، تخرج من صَخْرَة وتلد سقيا فِي الْحَال.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم﴾ فِي الْقِصَّة: أَن النَّاقة كَانَت تشرب مَاء الْبِئْر يَوْمًا فِي أول النَّهَار، وتسقيهم لَبَنًا فِي آخر النَّهَار، وَكَانَ عظم النَّاقة [ميلًا] فِي ميل، وَكَانَت إِذا شربت تُؤثر أضلاع جنبها فِي الْجَبَل.
وَقَوله: ﴿وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبحُوا نادمين﴾ وسنبين من عقرهَا فِي سُورَة النَّمْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿فَأَخذهُم الْعَذَاب﴾ ظَاهر إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن أجري إِلَّا على رب
62
﴿فَأَخذهُم الْعَذَاب إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٥٨) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٥٩) كذبت قوم لوط الْمُرْسلين (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم لوط أَلا تَتَّقُون (١٦١) إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٦٢) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٦٣) وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين (١٦٤) أتأتون الذكران من الْعَالمين (١٦٥) وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم بل أَنْتُم قوم عادون (١٦٦) قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط لتكونن من المخرجين (١٦٧) قَالَ إِنِّي لعملكم من القالين (١٦٨) رب نجني وَأَهلي مِمَّا يعْملُونَ (١٦٩) فنجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلَّا عَجُوز فِي الغابرين (١٧١) ثمَّ دمرنا الْعَالمين﴾ فِي قصَّة لوط صلوَات الله عَلَيْهِ.
63
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٨:وقوله :( فأخذهم العذاب ) ظاهر إلى قوله تعالى :( إن أجري إلا على رب العالمين ) في قصة لوط صلوات الله عليه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أتأتون الذكران من الْعَالمين﴾ فِي الْقِصَّة: أَنهم كَانُوا يعْملُونَ هَذَا الْعَمَل الْقَبِيح مَعَ النِّسَاء قبل الرِّجَال أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ عدلوا إِلَى الرِّجَال.
وَقَوله: ﴿وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " مَا أصلح لكم ربكُم من أزواجكم " وَفِي التَّفْسِير: أَن مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم مَعْنَاهُ: الْقبل وَهُوَ فرج النِّسَاء.
قَوْله: ﴿بل أَنْتُم قوم عادون﴾ أَي: ظَالِمُونَ مجاوزون الْحَد.
قَوْله: ﴿قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط لتكونن من المخرجين﴾ أَي: من الْقرْيَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنِّي لعملكم من القالين﴾ أَي: من المبغضين، وَقَالَ بَعضهم:
(بقيت مَالِي وانحرفت عَن الْمَعَالِي وَلَقِيت أضيافي بِوَجْه قالي)
قَالَ الصاحب تَرْجَمَة لقَوْل الأشتر النَّخعِيّ: بقيت، وَقُرِئَ: وانحرفت عَن الْعلَا، وَلَقِيت أضيافي بِوَجْه عبوس أَي: لم أشن على أبي هِنْد غَارة لم تخل يَوْمًا من نهاب نفوس.
قَوْله تَعَالَى: (رب نجني وَأَهلي مِمَّا يعْملُونَ) أَي: من الْعَمَل الْخَبيث.
قَوْله تَعَالَى: {فنجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوز فِي الغابرين فِيهِ قَولَانِ:
63
{الآخرين (١٧٢) وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء مطر الْمُنْذرين (١٧٣) إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٧٤) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٧٥) كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُم شُعَيْب أَلا تَتَّقُون (١٧٧) إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٧٨) فَاتَّقُوا الله وأطيعون (١٧٩) وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين أَحدهمَا: أَنَّهَا كَانَت عَجُوز غابراً، على معنى أَن الزَّمَان مضى عَلَيْهَا وهرمت، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الغابرين بِمَعْنى البَاقِينَ يَعْنِي: أَن الْعَجُوز من أهل لوط بقيت فِي الْعَذَاب وَلم تنج.
64
إلا عجوز في الغابرين * فيه قولان :
أحدهما : أنها كانت عجوز غابرا، على معنى أن الزمان مضى عليها وهرمت، والقول الثاني : أن الغابرين بمعنى الباقين يعني : أن العجوز من أهل لوط بقيت في العذاب ولم تنج.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ دمرنا الآخرين﴾ أَي: أهلكنا الآخرين.
وَقَوله: ﴿وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء مطر الْمُنْذرين﴾ قد بَينا أَن الله تَعَالَى أمطر عَلَيْهِم الْحِجَارَة بعد إهلاكهم.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة﴾ ظَاهر الْمَعْنى إِلَى قَوْله: ﴿وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٤:وقوله :( إن في ذلك لآية ) ظاهر المعنى إلى قوله :( وإن ربك لهو العزيز الرحيم ).
قَوْله تَعَالَى: ﴿كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين﴾ وَقُرِئَ: " ليكة الْمُرْسلين " بِفَتْح الْهَاء؛ فَمن قَرَأَ: " ليكة " جعلهَا اسْم بلد، وَهُوَ لَا ينْصَرف، وَمن قَرَأَ: " الأيكة " فَصَرفهُ؛ لِأَن مَا لَا ينْصَرف إِذا أَدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام انْصَرف.
والأيكة: الغيظة، وَيُقَال: الشّجر الملتف، وَفِي الْقِصَّة: أَن شجرهم كَانَ هُوَ الدوم، وَيُقَال: شجر الْمقل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُم شُعَيْب أَلا تَتَّقُون﴾ وَلم يذكر أخوهم هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لم يكن أَخا لَهُم، وَلَا فِي النّسَب وَلَا فِي الدّين.
وَقَوله: (إِنِّي لكم رَسُول أَمِين) قد بَينا إِلَى قَوْله: ﴿إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٨:وقوله :( إني لكم رسول أمين ) قد بينا إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٨:وقوله :( إني لكم رسول أمين ) قد بينا إلى قوله :( إن أجري إلا على رب العالمين )
قَوْله تَعَالَى: (أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين) أَي: الناقصين لحقوق النَّاس، وَقَالَ يزِيد بن ميسرَة: كل ذَنْب يَرْجُو لَهُ الْمَغْفِرَة إِلَّا لحقوق النَّاس، فالرجاء فِيهِ أقل. وَقد بَينا فِي سُورَة هود أَن قوم شُعَيْب كَانُوا يخسرون فِي المكاييل، وَالْمرَاد من
64
( {١٨٠) أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين (١٨١) وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم (١٨٢) وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين (١٨٣) وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة الْأَوَّلين (١٤٨) قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين (١٥٨) وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين (١٨٦) فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء إِن كنت من الصَّادِقين (١٨٧) قَالَ رَبِّي أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة إِنَّه
65
قَوْله تَعَالَى: ﴿وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم﴾ قَالَ الْحسن: القسطاس القبان. وَقيل: كل ميزَان يكون، وَيُقَال: هُوَ الْعدْل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم﴾ يَعْنِي: لَا تنقصوا النَّاس حُقُوقهم. وَقَوله: ﴿وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين﴾ أى: لَا تبالغوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة الْأَوَّلين﴾ أَي: خَلقكُم وَخلق الجبلة الْأَوَّلين، والجبلة: الْخَلِيفَة، قَالَ الشَّاعِر:
(وَالْمَوْت أعظم حَادث فِيمَا يمر على الجبله)
وَيُقَال: الجبلة بِضَم الْجِيم وَالْبَاء، وَفِي لُغَة بِغَيْر الْهَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء، إِن كنت من الصَّادِقين﴾ وَقُرِئَ: " كسفا " بِفَتْح السِّين، فَأَما قَوْله: " كسفا " بِسُكُون السِّين أَي: جانبا من السَّمَاء، وَأما قَوْله: كسفا أَي: قطعا، وَمَعْنَاهُ: قِطْعَة. قَالَ السّديّ: عذَابا من السَّمَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّي أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: هُوَ عَالم بأعمالكم، فَإِن أَرَادَ أَن يبقيكم، وَإِن أَرَادَ أَن يهلككم أهلككم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة﴾ فِي الْقِصَّة: أَنه أَخذهم حر عَظِيم، فَدَخَلُوا الأسراب تَحت الأَرْض، فَدخل الْحر فِي الأسراب وَأخذ بِأَنْفَاسِهِمْ.
65
{كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم (١٨٩) إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين (١٩٠) وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم (١٩١) وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين (١٩٢) نزل بِهِ الرّوح الْأمين (١٩٣) على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين (١٩٤) بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين (١٩٥) وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين (١٩٦) أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل (١٩٧) فَخَرجُوا إِلَى الصَّحرَاء، فَجَاءَت سَحَابَة حَمْرَاء، فَاجْتمعُوا تحتهَا مستغيثين ليستظلوا بهَا، فأمطرت السحابة عَلَيْهِم نَارا، فاضطرم الْوَادي عَلَيْهِم، فَكَانَ أَشد عَذَاب يُوجد فِي الدُّنْيَا.
66
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَة﴾ قد بَينا إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩٠:وقوله :( إن في ذلك لآية ) قد بينا إلى آخر الآيتين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين﴾ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿نزل بِهِ الرّوح الْأمين﴾ وَقُرِئَ: " نزل بِهِ الرّوح الْأمين " بِدُونِ التَّشْدِيد، وَالروح الْأمين هُوَ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - وَسمي [جِبْرِيل] أَمينا؛ لِأَنَّهُ أَمِين الله على وحيه، وَفِي بعض الْآثَار: أَنه يرفع سبعين ألف حجاب، وَيدخل بِغَيْر اسْتِئْذَان، فَهُوَ معنى الْأمين.
وَقَوله: ﴿على قَلْبك﴾ ذكر الْقلب هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا قرئَ عَلَيْهِ وعاه قلبه.
وَقَوله: ﴿لتَكون من الْمُنْذرين﴾ أَي: المخوفين.
وَقَوله: ﴿بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: بِلِسَان قُرَيْش، وَعَن بَعضهم: بِلِسَان جرهم، وَمِنْهُم أَخذ إِسْمَاعِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - الْعَرَبيَّة.
وَقَوله: ﴿وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن ذكر مُحَمَّد فِي زبر الْأَوَّلين أَي: فِي كتب الْأَوَّلين.
وَالْقَوْل الآخر: ذكر إِنْزَال الْقُرْآن فِي (زبر) الْأَوَّلين، وَقد قَالُوا: إِن كليهمَا مارد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لم يكن لَهُم آيَة﴾ قرئَ: آيَة بِالنّصب وَالرَّفْع، فَمن قَرَأَ بِالنّصب جعل آيَة خبر يكن، وَمَعْنَاهُ: أَو لم يكن لَهُم علم عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل آيَة أَي: عَلامَة، وَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَجعل آيَة اسْم يكن، وَأما خَبره فَقَوله: ﴿أَن يُعلمهُ﴾ وَأما
66
{وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين (١٩٨) فقرأه عَلَيْهِم مَا كَانُوا بِهِ مُؤمنين (١٩٩) كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين (٢٠٠) لَا يُؤمنُونَ بِهِ حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم (٢٠١) فيأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فيقولوا هَل نَحن منظرون (٢٠٣) أفبعذابنا يستعجلون (٢٠٤) عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل فِي هَذَا الْموضع فهم خَمْسَة نفر: عبد الله بن سَلام، وَابْن يَامِين، وثعلبة، وَأسد، وَأسيد. وَفِي مصحف ابْن مَسْعُود: " أَو لَيْسَ لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل ".
67
وَقَوله: ﴿وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين﴾ الْفرق بَين العجمي والأعجمي، أَن العجمي هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ فصيحا، والأعجمي هُوَ الَّذِي لَا يفصح بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِن كَانَ عَرَبيا، وَقَالَ عبد الله بن مُطِيع فِي قَوْله: ﴿على بعض الأعجمين﴾ قَالَ: على دَابَّتي، وَمَعْنَاهُ أَن الدَّابَّة لَو تَكَلَّمت لما آمنُوا، وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد مِنْهُ بعض الْعَجم أَي: نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن بِغَيْر الْعَرَبيَّة.
وَقَوله: ﴿فقرأه عَلَيْهِم مَا كَانُوا بِهِ مُؤمنين﴾ أَي: لم يُؤمنُوا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك سلكناه﴾ قَالَ الْحسن وَمُجاهد: أدخلنا الشّرك فِي قُلُوبهم. وَيُقَال: أدخلنا التَّكْذِيب فِي قُلُوبهم.
وَقَوله: ﴿لَا يُؤمنُونَ بِهِ﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ.
وَقَوله: ﴿حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم﴾ أَي: عِنْد نزُول الْبَأْس.
وَقَوله: ﴿فيأتيهم بَغْتَة﴾ أَي: فَجْأَة.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ.
وَقَوله: ﴿فيقولوا هَل نَحن منظرون﴾ أَي: مؤخرون.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ روى أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَات قَالُوا: مَتى هَذَا الْعَذَاب؟ أَو آتنا بِهَذَا الْعَذَاب، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾
67
{أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين (٢٠٥) ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون (٢٠٦) مَا أُغني عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون (٢٠٧) وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون (٢٠٨) ذكرى وَمَا كُنَّا ظالمين (٢٠٩) وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُم وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) أَنهم عَن السّمع لمعزولون (٢١٢)
68
وَقَوله تَعَالَى: (أَفَرَأَيْت إِن متعانهم سِنِين) قَالَ عِكْرِمَة: عمر الدُّنْيَا: وَعَن شريك ابْن عبد الله النَّخعِيّ قَالَ: هُوَ أَرْبَعُونَ سنة. وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَنه لَيْسَ فِيهِ تَقْدِير، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ سِنِين كَثِيرَة، والامتاع هُوَ الْعَيْش بِمَا يلذ ويشتهي.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون﴾ أَي: من الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿مَا أُغني عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون﴾ أَي: دفع عيشهم وتمتعهم بالدنيا من الْعَذَاب عَنْهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها منذرون﴾ هَذَا فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا﴾.
وَقَوله: ﴿ذكرى﴾ أَي: بعثنَا (الْمُنْذرين) تذكرة لَهُم.
وَقَوله: ﴿وَمَا كُنَّا ظالمين﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: (وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين) كَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: إِن شَيْطَانا ينزل على مُحَمَّد فيلقنه الْقُرْآن، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُم﴾ أَي: وَلَا يصلح لَهُم أَن ينزلُوا بِالْقُرْآنِ؛ لأَنهم لَيْسُوا بِأَهْل ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أَي: لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْزَال الْوَحْي.
وَقَوله: ﴿إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون﴾ أَي: [لمحجوبون] ؟ فَإِنَّهُم حجبوا من
68
﴿فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين (٢١٣) وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين (٢١٤) ﴾ السَّمَاء وَمنعُوا بِالشُّهُبِ على مَا ذكرنَا من قبل.
69
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين﴾ روى أَن الْمُشْركين قَالُوا لَهُ: ارْجع إِلَى دين آبَائِك، فَإِن أردْت المَال جَمعنَا لَك المَال، وَإِن أردْت الرِّئَاسَة قلدناك الرِّئَاسَة علينا، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين﴾ أَي: فِي النَّار.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين﴾ روى الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب [وأبى] سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين﴾ قَالَ النَّبِي: " يَا معشر قُرَيْش، اشْتَروا انفسكم من الله تَعَالَى، وَلَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا، يَا بني عبد منَاف لَا أغْنى عَنْكُم من الله شَيْئا، يَا عَبَّاس بن عبد الْمطلب، لَا أغْنى عَنْكُم من الله شَيْئا، يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب، لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا، يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد، سليني من مَالِي مَا شِئْت، لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا ". قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا جدى، أخبرنَا الْفربرِي، أخبرنَا البُخَارِيّ، أخبرنَا أَبُو الْيَمَان، أخبرنَا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ... الْخَبَر.
وروى سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة صعد رَسُول الله الصَّفَا ثمَّ قَالَ: يَا صَبَاحَاه فَاجْتمع عِنْده قُرَيْش، فَقَالُوا لَهُ: مَالك؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُم لَو قلت: إِن الْعَدو مصبحكم أَو ممسيكم، أَكُنْتُم تصدقونني؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: إِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد، قَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك، أَلِهَذَا دَعوتنَا؟ فَأنْزل الله تَعَالَى:
69
﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ (٢١٥) فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم (٢١٧) الَّذِي يراك حِين تقوم (٢١٨) {تبت يدا أبي لَهب وَتب﴾ ". وَالْخَبَر فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن النَّبِي قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " اجْمَعْ لي بني عيد منَاف، فَجَمعهُمْ على فَخذ شَاة وَقَعْب من لبن، فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ لَهُم رَسُول الله مَا قَالَ، ودعاهم إِلَى الله، فَقَامَ أَبُو لَهب وَقَالَ مَا ذكرنَا وَخَرجُوا ".
وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن النَّبِي خص بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب بِالدُّعَاءِ، وَقَالَ: " أَنْتُم خاصتي ".
70
وَقَوله: ﴿واخفص جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ﴾ أَي: ألن جَانِبك وَحسن خلقك.
وَقَوله: ﴿فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم﴾ وَفِي مصحف الْمَدَنِيين والشاميين " فتوكل " بِالْفَاءِ، وَالْفَاء فِيهَا بِمَعْنى الْجَزَاء، وَمعنى ذَلِك: أَنهم إِذا عصوا فقابل عصيانهم بالتوكل عَليّ.
قَوْله: ﴿الَّذِي يراك حِين تقوم﴾ أَي: تقوم لدعائهم، وَقِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْهِم، وَيُقَال: تقوم من نومك للصَّلَاة، وَقيل: إِذا صليت وَحدك.
70
{وتقلبك فِي الساجدين (٢١٩) إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم (٢٢٠) هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين (٢٢١) تنزل على كل أفاك أثيم (٢٢٢) يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون (٢٢٣).
71
وَقَوله: ﴿وتقلبك فِي الساجدين﴾ [أَي:] إِذا صليت جمَاعَة، وَعَن ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ قَالَ: أخرجه من صلب نَبِي إِلَى صلب نَبِي إِلَى صلب نَبِي هَكَذَا إِلَى أَن جعله نَبيا، فَهَذَا معنى التقلب. والساجدون هم الْأَنْبِيَاء - صلوَات اللَّهُمَّ عَلَيْهِم - وَعَن مُجَاهِد قَالَ: معنى قَوْله: ﴿وتقلبك فِي الساجدين﴾ هُوَ تقلب الطّرف، وَقد كَانَ يرى من خَلفه مَا كَانَ يرى من قدامه.
وَقَوله: ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين﴾ أَي: هَل أخْبركُم، وَهِي جَوَاب لقَولهم: إِن شَيْطَانا ينزل عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿تنزل على كل أفاك أثيم﴾ أَي: تتنزل، والأفاك هُوَ الشَّديد الْكَذِب، والأثيم هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِمَا يَأْثَم بِهِ ويقبح فعله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يلقون السّمع﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: المُرَاد مِنْهُ الكهنة، وَمعنى ﴿يلقون السّمع﴾ أَي: يَسْتَمِعُون إِلَى الشَّيَاطِين.
وَقَوله: ﴿وَأَكْثَرهم كاذبون﴾ أَي: كلهم، وروى عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَت: قلت يَا رَسُول الله، إِن الْكُهَّان يخبرون بأَشْيَاء وَتَكون حَقًا؟ ! قَالَ: " تِلْكَ الْخَطفَة يَخْطفهَا الجنى، فيلقيها فِي سمع الكاهن، فيكذب مَعهَا مائَة كذب ".
وَقد ذكرنَا انهم يسْتَرقونَ من الْمَلَائِكَة، ويعلوا بَعضهم بَعْضًا ثمَّ يرْمونَ بِالشُّهُبِ.
71
{وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ (٢٢٤) ألم تَرَ أَنهم فِي كل وَاد يهيمون (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦).
وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور الْمَعْرُوف: أَن النَّبِي قَالَ: " من أَتَى كَاهِنًا أَو عرافا فَصدقهُ بِمَا يَقُولُونَ، فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد ".
72
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: المُرَاد من الشُّعَرَاء هم الشُّعَرَاء الَّذين كَانُوا يَهْجُونَ الْمُسلمين من الْكفَّار، ويسبون النَّبِي، وهم مثل: عبد الله بن الزِّبَعْرَى، وَأبي عزة الجُمَحِي، وَأبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وهبيرة بن وهب، وَمن أشبههم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يتبعهُم الْغَاوُونَ﴾ فِيهِ أَقْوَال: قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الروَاة. وروى الضَّحَّاك عَنهُ: أَن المُرَاد من الْآيَة هُوَ الشَّاعِر أَن يتهاجيان فَيتبع هَذَا قوم، وَيتبع ذَاك قوم.
وَعَن مُجَاهِد: الْغَاوُونَ هم الشَّيَاطِين، وَعَن بَعضهم: هم السُّفَهَاء من النَّاس.
وَفِي الْأَخْبَار: أَن النَّبِي قَالَ: " من مَشى سَبْعَة أَقْدَام إِلَى شَاعِر فَهُوَ من الغاوين " وَالْخَبَر غَرِيب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ أَنهم فِي كل وَاد يهيمون﴾ أى: فِي كل مرّة يفتنون، وَذكر الْوَادي على طَرِيق التَّمْثِيل، يُقَال: أَنا فِي وَاد، وَأَنت فِي وَاد، وَعَن قَتَادَة قَالَ: فِي وَاد يهيمون: أَن يمدحون بِالْبَاطِلِ ويذمون بِالْبَاطِلِ. قَالَ بَعضهم: إِن الشَّاعِر يمدح بالصلة، ويهجو بالحمية، ويتشبب بِالنسَاء، ويثير خاطره العشيق، وَقَالَ بَعضهم: فِي
72
﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات﴾ كل وَاد يهيمون أَي: على حرف من حُرُوف الهجاء يصوغون القوافي، والهائم هُوَ الَّذِي ترك الْقَصْد فِي الْأَشْيَاء؛ يُقَال: هام فلَان على وَجهه إِذا لم يكن لَهُ مقصد صَحِيح يَقْصِدهُ وَيذْهب إِلَيْهِ.
73
قَوْله: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ أَي: يكذبُون فِي شعرهم، وَيَقُولُونَ: فعلنَا كَذَا وَكَذَا وَلم يَفْعَلُوا، وَفِي بعض الْآثَار: أَن أَبَا محجن الثَّقَفِيّ قَالَ شعرًا وَأقر فِيهِ بِشرب الْخمر، فَأَرَادَ عمر أَن يحده، فَقَالَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - إِن كتاب الله يدْرَأ عَنهُ الْحَد، وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولَن مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ فَترك عمر حَده.
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: هَؤُلَاءِ شعراء الْمُسلمين الَّذين كَانُوا يجتنبون شعراء الْجَاهِلِيَّة ويهجونهم، ويذبون عَن النَّبِي وَأَصْحَابه، وينافحون عَنْهُم، وهم مثل: حسان بن ثَابت، وَعبد الله بن رَوَاحَة، وَكَعب ابْن مَالك، وَمن أشبههم.
وروى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، مَا تَقول فِي الشّعْر؟ فَقَالَ: " إِن الْمُسلم ليجاهد بِيَدِهِ وَلسَانه، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لكَأَنَّمَا ترمونهم بالنبال ".
وروى شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت، عَن الْبَراء بن عَازِب أَن النَّبِي قَالَ لحسان بن ثَابت: " أهجم - أَو هاجهم - وروح الْقُدس مَعَك ". ذكره البُخَارِيّ فِي
73
﴿وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا الصَّحِيح. قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، حَدثنِي جدي، أخبرنَا الْفربرِي، أخبرنَا البُخَارِيّ، أخبرنَا حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة... الْخَبَر.
وَعَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنهُ - أَنَّهَا قَالَت: الشّعْر كَلَام، فَمِنْهُ الْحسن وَمِنْه الْقَبِيح، فَخذ الْحسن ودع الْقَبِيح.
وروى أبي بن كَعْب عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن من الشّعْر لحكمة ".
وَعَن بَعضهم قَالَ: الشّعْر أدنى دَرَجَات الرفيع، وَأَرْفَع دَرَجَات الدنيء.
وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ " كَانَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - يَقُول الشّعْر، وَكَانَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - يَقُول الشّعْر، وَكَانَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أشعر الثَّلَاثَة. وَفِي بعض التفاسير: أَن قَوْله: {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات﴾
هم أَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُم - وَهُوَ قَول غَرِيب.
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِذا أَرَأَيْت الشَّيْخ ينشد الشّعْر فِي الْمَسْجِد، فاقرع رَأسه بالعصا.
وَأما عبد الله بن عَبَّاس كَانَ ينشد الشّعْر فِي الْمَسْجِد ويستنشد، فروى أَنه دَعَا عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي واستنشده القصيدة الَّتِي أنشدها، فِي أَوله.
(أَمن آل نعمى أَنْت غاد فمبكر... غَدَاة غَد أَو رائح فمهجر)
فأنشده ابْن أبي ربيعَة القصيدة إِلَى آخرهَا، وَهِي قريب من سبعين بَيْتا، ثمَّ إِن ابْن عَبَّاس أعَاد القصيدة جمعيها، وَكَانَ حفظهَا لمرة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ: مَا رَأَيْت أروى من عمر، وَلَا أعلم من عَليّ. هَذِه الْحِكَايَة أوردهَا الْمبرد فِي مُشكل الْقُرْآن.
قَوْله: ﴿وَذكروا الله كثيرا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
74
﴿وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون (٢٢٧)
وَقَوله: {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا﴾
يَعْنِي: بِجَوَاب الْكفَّار عَن أشعارهم الَّتِي هجوا بهَا الْمُسلمين، قَالَ حسان بن ثَابت:
(هجوت مُحَمَّدًا فأجبت عَنهُ وَعند الله فِي ذَاك الْجَزَاء)
فَإِن أَبى ووالدتي وعرضي لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء)
وَقَوله: ﴿وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا﴾ أَي: الْكفَّار الَّذين هجوا الْمُسلمين.
وَقَوله: ﴿أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون﴾ أَي: أَي مرجع يرجعُونَ، وَقُرِئَ فِي الشاذ: " أَي منفلت ينفلتون بِالْفَاءِ من الإنفلات والوقوع فِي الشَّيْء وَقد ذكر أَبُو بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - هَذِه الْآيَة فِي وَصِيَّة لعمر - رَضِي الله عَنهُ - حِين اسْتَخْلَفَهُ، فروى أَنه قَالَ لعُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أكتب: هَذَا مَا عهد أَبُو بكر عِنْد آخر عَهده بالدنيا وَأول عَهده بِالآخِرَة، حِين يُؤمن الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب، إِنِّي اسْتخْلف عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب، فَإِن بر وَصدق فَذَلِك ظَنِّي بِهِ، وَإِن غير وَبدل فالخير أردْت، وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله، وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون.
75

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

{طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب مُبين (١) هدى وبشرى للْمُؤْمِنين (٢) الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وَهُوَ بِالآخِرَة هُوَ يوقنون (٣) إِن الَّذين لَا
تَفْسِير سُورَة النَّمْل
وَهِي مَكِّيَّة
76
Icon