تفسير سورة الواقعة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الواقعة
مكيّة وهى ست وتسعون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعنى إذا حدثت القيامة سماها واقعة لتحقق وقوعها متعلق بمحذوف مثل اذكر او كان كيت وكيت.
لَيْسَ لِوَقْعَتِها اللام فيه للتوقيت كما فى قوله تعالى قدمت لحيوتى يعنى ليس وقت وقوعها كاذِبَةٌ من نفس كاذبة تكذب على الله او تكذب فى نفيها كما تكذب الان وجاز ان يكون اللام للاجل اى ليس لاجل وقعتها نفس كاذبة فان من اخبر عنها صدق او ليس لها نفس تحدث صاحبها باطاقة شدتها واحتمالها من قولهم كذبت فلانا نفسه فى الخطب العظيم إذا اشجعته عليه وسولت انه يطيقه وجاز ان يكون كاذبة مصدرا كالعافية والنازلة واللاغية قال الله تعالى لا يسمع فيها لاغية اى لغوا والمعنى ليس لمجيئها كذب يعنى انها تقع صدقا وحقا.
خافِضَةٌ لاعداء الله الذين استكبروا فى الدنيا وعتوا عتوّا كبيرا رافِعَةٌ لاولياءه الذين تواضعوا لله والاسناد مجازى الى الزمان يعنى يوجد فيها خفض أقوام ورفع آخرين صفتان للواقعة بعد توصيفها لجملة ليس لوقعتها كاذبة على طريقه ولقد امر على اللئيم يسبنى.
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا اى حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل والظرف متعلق بخافضة او بدل من إذا وقعت.
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا اى سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها كذا قال الكلبي والحسن وابن كيسان او المعنى فتت فتا حتى صارت كالسويق المبسوس وهو الملتوت كذا قال عطاء ومقاتل.
فَكانَتْ الجبال هَباءً اى غبارا يرى فى شعاع إذا دخل الكوة مُنْبَثًّا متفرقا.
وَكُنْتُمْ يا امة محمد - ﷺ - لان الخطاب معهم أَزْواجاً أصنافا كل صنف يكون او يذكر مع صنف اخر زوج ثَلاثَةً ط الجمل الثلث معطوف على رجت ثم فسر الأصناف الثلاثة فقال.
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مبتداء يعنى الذين يوخذ بهم ذات اليمين الى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله لهم هؤلاء فى الجنة ولا أبالي وقال الضحاك هم الذين يعطون كتبهم بايمانهم فالميمنة على هذه الأقوال من اليمين ضد اليسار وقال الربيع والحسن هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم وكانت أعمارهم فى طاعة الله
فاليمين على هذا من اليمن ضد الشوم ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط استفهام للتعجب من عظمة شانهم عند الله وكمال يمنهم مبتداء وخبر والجملة خبر لما قبلة العائد المظهر موضع الضمير يعنى ما هم.
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ يعنى اصحب الشمال والعرب يسمى اليد اليسرى الشؤمي ومنه يسمى الشام واليمن لان اليمن عن يمين الكعبة والشام عن يساره وهم الذين يوخذ بهم ذات الشمال الى النار او كانوا على شمال آدم عند إخراج ذرية وقال الله تعالى لهم هولاء للنار ولا أبالي او الذين يعطون كتبهم بشمائلها او الشائم على أنفسهم وكانت أعمارهم فى المعاصي على اختلاف الأقوال ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ط نحو ما ذكر.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ الى الإسلام والطاعة ومراتب القرب الى الله تعالى وهم الأنبياء عليهم السلام فانهم مقدموا اهل الأديان الى الايمان والطاعات والأمم تبع لهم ومن لحق هم من الأمم بكمال متابعتهم واكتسابهم كمالات النبوة بالتبعية والوراثة وتشرفهم بالتجليات الذاتية الصرفة الداعية وهم الصحابة رض وبعض التابعين لهم بإحسان ومن ثم قال ابن عباس السابقون الى الهجرة هم السابقون فى الاخرة وقال عكرمة قال السابقون الأولون الى الإسلام يعنى الصحابة وقال ابن سيرين هم الذين صلوا الى قبلتين من المهاجرين والأنصار وقال الربيع بن انس السابقون الى اجابة الرسول فى الدنيا هم السابقون الى الجنة وقال على كرم الله وجهه السابقون الى الصلوات الخمس فان مال الأقوال كلها انهم هم الصحابة قال على رض
سبقتكم الى الإسلام طراء غلاما ما بلغت أوان حلمى
قال المجدد رح الصحابة رض كلهم كانوا مستغرقين فى كمالات النبوة ومن التابعين أكثرهم ومن اتباع التابعين أقلهم ثم انطمس أنوار النبوة واختفى اثارها وظهر كمالات الولاية واستعلى أنوارها السكر والشطح وكثرة الخوارق المستفادة من التجليات الصفاتية والظلية حتى إذا مضى بعد الهجرة الف سنة تدارك رحمة الله الواسعة أفاض كمالات النبوة بمقتضى طينة النبي - ﷺ - على بعض اتباعه حتى اشتبه اخر الامة باولها فقال النبي - ﷺ - مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس وروى رزين عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر عن جده قال قال رسول الله - ﷺ - ابشروا ابشروا انما مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم اوله او كحديقة اطعم منها فوج عاما ثم اطعم منها فوج عاما لعل آخرها فوجا ان يكون اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا وعن الدرداء عن النبي - ﷺ - قال خير أمتي أولها وآخرها وفى أوسطها
الكدر رواه الحكيم الترمذي السابقون خير لما تقدم اللام فيما تقدم للجنس وهاهنا للعهد الذهني كما يقال صديقى زيد والمعنى السابقون هم الذين عرفت حالهم وكمالهم ومالهم كقول الشاعر انا ابو النجم وشعرى شعرى او المعنى هم السابقون الى الجنة.
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ج الى الله تعالى جملة مستانفة فى جواب ما شانهم وجاز ان يكون السابقون الاول مبتداء والسابقون الثاني تأكيد له وهذه الجملة خبر.
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ متعلق بقوله المقربون وجاز ان يكون ظرفا مستقرا خبر لاولئك او خبر بعد خبر لقوله السابقون.
ثُلَّةٌ خبر مبتداء محذوف هم ثلة اى كثير مِنَ الْأَوَّلِينَ يعنى من الصدر الاول من هذه الامة وهم القرون الثلاثة الصحابة والتابعين واتباعهم قال رسول الله - ﷺ - خيرا متى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ان بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخوفون ولا يأتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم من حصين السمن متفق عليه من حديث عمران بن حصين وكذا روى مسلم عن ابى هريرة وكذا روى النسائي عن عمر رض وعند الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ خير الناس قرنى الحديث وفى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ خير الناس وروى مسلم نحوه عن عائشة والطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري مرفوعا لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ط وهم ارباب كمال النبوة الذين وجدوا بعد الف سنة كما ذكرنا من قبل وقال اكثر المفسرين ثلة من الأولين يعنى من الأمم الماضية من لدن آدم الى محمد - ﷺ - وقليل من الآخرين يعنى من امة محمد - ﷺ - قال الزجاج الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم وصدقوهم اكثر ممن عاينوا النبي - ﷺ - قلت وهذا التأويل بعيد جدا لاستلزامه كون الأمم السابقة اقرب الى الله تعالى وأفضل من هذه الامة فان فضل الامة بكثرة الأفاضل وهذا لايتان قوله تعالى كنتم خير امة أخرجت للناس وقوله تعالى تكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وقوله عليه الصلاة والسلام أنتم تنمون سبعين امة أنتم خيرها وأكرمها على الله رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال الترمذي حديث حسن وروى احمد والبزاز والطبراني بسند صحيح عن جابر انه سمع النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم يقول انى لارجو ان يكون من تبعني ربع اهل الجنة فكبرنا ثم قال أرجو ان
يكون ثلث الناس فكبرنا ثم قال أرجو ان يكون الشطر وروى البخاري عن ابن مسعود مرفوعا أترضون ان تكونوا ربع اهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال قال رسول الله - ﷺ - اهل الجنة عشرون ومائة صفا ثمانون منها من هذه الامة وأربعون من ساير الأمم واخرج الطبراني من حديث ابى موسى وابن عباس ومعوية ابن جيدة وابن مسعود نحوه.
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ خبر اخر للضمير المحذوف والوضن نسج الدرع ويستعار لكل نسج محكم اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي من طريق مجاهد عن ابن عباس فى هذه الاية قال موضونة بالذهب قال المفسرون هى موصولة منسوجة بالذهب والجواهر وقال الضحاك موضونة مصفوفة.
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ حالان من الضمير فى على اخرج هناد عن مجاهد فى قوله متقابلين قال لا يرى بعضهم قفا بعض وكذا قال البغوي وصفهم الله سبحانه بحسن العشيرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة.
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ للخدمة وِلْدانٌ قيل غلمان ممن ينشأ للخدمة الجملة حال اخر من الضمير مُخَلَّدُونَ اى لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون يبقون ابدا على شكل الولدان قال القراء يقول العرب لمن كبر ولمن شمط انه مخلد وقال ابن كيسان يعنى ولدانا لا يحولون من حالة الى حالة وقال سعيد بن جبير مقرطون يقال خلد جارية إذا خلاها بالخلد وهو القرط وقال الحسن هم أولاد اهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيات فيعاقبوا عليها فهم خدم اهل الجنة اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال ان ادنى اهل الجنة منزلا من يسعى عليه الف خادم على عمل ليس عليه صاحبه واخرج ابن ابى الدنيا عن انس مرفوعا ان أسفل اهل الجنة أجمعين من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم وعن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلة وليس فيها دنى من يغدو ويروح عليه خمس آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعه ظرف ليس مع صاحبه.
بِأَكْوابٍ الجار والمجرور مع ما عطف عليه متعلق بيطوف والأكواب جمع كوب وهى الأقداح المستديرة الأفواه لا اذن لها ولا عرى كذا اخرج هناد عن مجاهد واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس الأكواب الجرار من الفضة وَأَبارِيقَ وهى الأقداح ذات الخراطيم سميت أباريق لبروق لونها فى الصفاء وَكَأْسٍ اى قدح فيه شراب وما لا شراب فيه فليس بكأس مِنْ مَعِينٍ خمر جارية من منبع لا ينقطع ابدا.
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها
اى لا يصدع روسهم من شربها كما يصدع من شرب خمر الدنيا الجملة مع ما عطف عليه صفة كاس وَلا يُنْزِفُونَ قرأ الكوفيون بكسر الزاء من الافعال والباقون بفتحها فى القاموس نزف كعنى ذهب عقله او سكر ومنه ولا ينزفون وفى الصحاح انزف القوم ينزف ماء بيرهم يعنى نزحه كله وانزف الشيء ابلغ من نزفه فمعنى قرائة الكوفيين لا ينفذ شرابهم ومعنى قراءة غيرهم لا يذهب عقولهم.
وَفاكِهَةٍ عطف على كاس مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ اى يختارون ما يشتهون.
وَلَحْمِ طَيْرٍ عطف على فاكهة مِمَّا يَشْتَهُونَ قال البغوي قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى اخرج البزار وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله - ﷺ - انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فتخير بين يديك مشويا واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولا تمسه نار فياكل منه حتى يشبع ثم يطير واخرج البيهقي عن حذيفة قال قال رسول الله - ﷺ - ان فى الجنة طيرا أمثال البخت قال ابو بكر انها لناعمة يا رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر واخرج احمد والترمذي مثله من حديث انس واخرج هناد عن الحسن قال قال رسول الله - ﷺ - ان فى الجنة طير كامثال البخت يأتي الرجل فياكل منها ثم يذهب كان لم ينقص منها شىء واخرج هناد وابن ابى الدنيا بسند حسن عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - ﷺ - ان فى الجنة لطيرا فيه سبعون الف ريشا فيحبى فيقع على صحفة الرجل من اهل الجنة ثم ينتغض فيخرج من كل ريشة لون ابيض من الثلج وألين من الزيد واحلى من العسل ليس فيه لون يشبه صاحبه ثم يطير ويذهب واخرج هناد عن مغيث بن سمى قال طوبى شجرة فى الجنة ليس فى الجنة دار الا يظلهم غصن من أغصانها فيه ألوان الثمرة ويقع عليها طير أمثال البخت فاذا تمنى الرجل طير ادعاه فيقع على خوانه فياكل من أحد جانبيه شواء والاخر قديدا ثم يعود طايرا يطير فتذهب.
وَحُورٌ جمع حوراء عِينٌ جمع عيناء قرأ ابو جعفر وحمزة والكسائي بالجر عطفا على جنات بتقدير مضاف اى هم فى جنات ومضاجعة حور عين او على أكواب لان معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب وبحور عين والباقون بالرفع على انه مبتداء محذوف الخبر اى فيها حور عين أولهم حور عين كذا قال الأخفش او معطوف على ولدان اى يطوف عليهم حور عين اخرج مجاهد قال الحور التي يجاور فيه الطرف باد مخ ساقها من
وراء ثيابها واخرج فى حور عين قال سواد الحدقة عظم العين واخرج البيهقي عن أم سلمة قالت قلت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى حور عين قال بيض ضخام شعر العيون بمنزلة الحور اجناح النسر قالت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى.
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ قال رسول الله - ﷺ - صفاءهن كصفاء الدر الذي فى الاصداف لم تسمه الأيدي وقوله كامثال اللؤلؤ صفة بعد صفة لحور الْمَكْنُونِ المخزون فى الصدف لم تمسه الأيدي قال البغوي يروى انه سطع نور فى الجنة قالوا ضوء ثغر حوراء ضحكت فى وجه زوجها ويروى ان الحور إذا مشت سمعت تقديس الخلاخيل من ساقها وتمجيد الا سورة من ساعديها وان عقد الياقوت يضحك من نحرها وفى رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح.
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ منصوب على المصدرية بفعل محذوف اى يجزون جزاء او على العلية اى يفعل ذلك بهم جزاء لاعمالهم.
لا يَسْمَعُونَ فِيها اى فى الجنة حال اخر من الضمير فى على لَغْواً اى باطلا كذا اخرج البيهقي عن ابن عباس واخرج هناد عن الضحاك انه قال هزلا وَلا تَأْثِيماً اى نسبة الى الإثم يعنى لا يقال لهم أثمتم وسىء ما صنعتم واخرج البيهقي عن ابن عباس وهناد عن الضحاك انه الكذب.
إِلَّا استثناء منقطع قِيلًا اى قولا سَلاماً سَلاماً ذا سلامة منصوبة على البدلية على فشوا السلام بينهم اخرج احمد والبزاز وابن حبان عن ابن عمر عن رسول الله - ﷺ - قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تستربهم الثغور وتنفى بهم المكاره ويموت وحاجة فى صدره لا يستطيع بها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم فيقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتامرنا ان ناتى هؤلاء وتسلم عليهم قال انهم كانوا عبادا يعبدوننى ولا يشركون بي شيئا وتستربهم الثغور وينفى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجة فى صدره ولا يستطيع بها قضاء قال فياتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار اخرج سعيد بن منصور فى سننه والبيهقي فى البعث عن العطاء ومجاهد قال لما سال اهل الطائف الوادي يحمى لهم عسل ففعل وهو واد معجب فسمعوا الناس يقولون فى الجنة كذا وكذا قالوا يا ليت لنافى الجنة مثل هذا الوادي فانزل الله تعالى.
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما اصحاب اليمين فى سدر مخضود الآيات واخرج البيهقي من وجه اخر عن مجاهد قال كانوا يعجبون بوجّ ظلاله من طلح وسدر فانزل الله واصحاب اليمين ما اصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود
وظل ممدود واصحاب اليمين هم اصحاب القلوب الصافية والنفوس المطمئنة اولياء الله المتقون ويلحق بهم فى الاخرة عصاة المؤمنين اما بعد مغفرة ذنوبهم بفضل الله تعالى وشفاعة الأنبياء والصلحاء واما بعد تعذيبهم بالنار وتخليصهم من الذنوب يلتحقون بالمتقين الصالحين فان جهنم يخلص المؤمنين وينفى عنه خبث ذنوبه ورزائله كما ينفى الكبر خبث الحديد ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ط اى عظيم شانهم عند الله الجملة خبر مبتداء بتأويل يقال فى شانهم ما اصحاب اليمين او جملة معترضة للتعجب والتفخيم.
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ خبر المبتدا او خبر بعد خبر اى مقطوع شوكه او مثنى أغصانه من كثرة الحمل فى القاموس خضد الشجر قطع شوكه ويقال خضد الغصن إذا ثناة وهو رطب اخرج البيهقي عن ابى امامة قال سال أعرابي يا رسول الله لقد ذكر الله فى القران شجرة يوذى صاحبها فقال رسول الله - ﷺ - وما هى قال السدر فان لها شوكا فقال رسول الله - ﷺ - يقول الله تعالى فى سدر مخضود ويخضد الله شوكها فيجعل مكان كل شوكة ثمرة انها تنبت ثمر اثم تفتق لثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون يشبه الاخر واخرج الطبراني مثله من حديث عتبة بن عبد واخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى مخضود قال موفر حملا وطلح منضود الموز المتراكم.
وَطَلْحٍ قال القراء وابو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك وفى القاموس شجر عظام والموز وفى الصحاح شجر الواحد طلحة وفى البيضاوي موزاوام غيلان قال البغوي روى خالد عن الحسن قال قرأ رجل عند على رض عنه وطلح منضود قال وما شان الطلح انما هو وطلع منضود ثم قرأ طلعها هضيم قلت انها فى المصحف بالحاء أفلا تحولها فقال ان القران لا يحاج اليوم ولا يحول مَنْضُودٍ يعنى متراكم بثمره بعضها على بعض اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن مسروق قال نخل الجنة نضيد من أصلها الى فرعها وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى والعنقود اثنا عشر ذراعا وذكر البغوي قول مسروق بلفظ أشجار الجنة من عروقها الى أفنانها ثمر كله فى القاموس نضيد متاعه ان جعل بعضه فوق بعض وفى الصحاح النضيد السرير الذي ينضد عليه المتاع ومنه استعير طلح نضيد.
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ممتد منبسطة كظل قبل طلوع الشمس من الصبح او دائم لا ينسخه الشمس والعرب يقول للشىء الذي لا ينقطع ممدودا وفى الصحيحين عن ابى هريرة عن رسول الله - ﷺ - قال ان فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها ماية عام لا يقطعها اقرأوا ان شيئتم وظل ممدود وأخرجه احمد وزاد فى آخره وان ورقها ليحمر الجنة واخرج هناد بن سرى فى الزهد وزاد
فى آخره فبلغ ذلك كعبا فقال والذي انزل التوراة على موسى والقران على محمد لو ان رجلا راكبا على حقة او جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغه حتى يسقط هرما ان الله غرسها بيده وان أفنانها من وراء سدر الجنة وما فى الجنة نهر الا وهو يخرج من اصل تلك الشجرة قال البغوي وروى عكرمة عن ابن عباس فى قوله تعالى وظل ممدود وقال شجرة فى الجنة على ساق العرش يخرج إليها اهل الجنة فيتحدثون فى أصلها ويشتهى بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل عليها ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة بكل لهو فى الدنيا.
وَماءٍ مَسْكُوبٍ اى منصب يجرى دايما من غير أخدود كانه لما شبه حال السابقين المقربين فى التنعيم بأعلى ما يتصور لاهل المدن شبه حال اصحاب اليمين أكمل ما يتمناه اهل البوادي اشعارا بالتفاوت بين الحالين.
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ الأجناس.
لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ قال البغوي قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد أراد أخذها ويؤيده حديث ثوبان انه سمع رسول الله - ﷺ - يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد مكانها مثلها رواه البزاز والطبراني وذكر البغوي الحديث بلفظه ما قطعت من ثمار الجنة الا أبدل الله مكانها ضعفين وقال بعضهم لا مقطوعة بالا زمان ولا ممنوعة بالأثمان كما ينقطع اكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء ولا يتوصل إليها الا بثمن.
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ط قال البغوي قال على رض وفرش مرفوعة على اسرة وقال جماعة المفسرين مرفوعة عالية اخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والبيهقي وابن ابى الدنيا عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - ﷺ - فى هذه الاية قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيره ما بينهما خمس مائة عام وذكر البغوي نحوه عن ابى هريرة وقال الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان تفاوت الفراشين فى الدرجات كما بين السماء والأرض واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى هذه الاية قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى الى قرارها ماية خريف وقيل أراد بالفرش النساء والعرب تسمى المرأة فراشا ولباسا على الاستعارة مرفوعة رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا او ارتفاعهن على الأرائك يدل عليه قوله تعالى فى عقبه.
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ الضمير عايد الى الفرش ان المراد به النساء والا فالى غير مذكور معلوم للسامع إِنْشاءً يعنى خلقناهن جديدا اما ابتداء من غير ولادة واما إعادة قال البغوي قال ابن عباس
يعنى الآدميات العجوز الشمط يقول خلقناهن بعد الهرم خلقا اخر.
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى ولا وجع واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي واخرج الترمذي والبيهقي عن انس عن النبي - ﷺ - انا أنشأناهن إنشاء قال عجايز كن فى الدنيا شمطاء رمصاء واخرج ابن جرير والبيهقي عن مسلمة بن يزيد سمعت النبي - ﷺ - يقول انا أنشأناهن إنشاء قال الشيب والابكار التي كن فى الدنيا اخرج البيهقي وابن المنذر عن الحسن قال قال رسول الله - ﷺ - لا يدخل الجنة عجوز فبكت عجوز فقال رسول الله - ﷺ - اخبروها انها ليست يومئذ بعجوز انها يومئذ شابة إنشاء الله تعالى ان الله تعالى يقول انا أنشأناهن إنشاء واخرج البيهقي عن عائشة قالت دخل النبي - ﷺ - على وعندى عجوز فقال من هذه قلت احدى خالتى قال اما انه لا تدخل الجنة عجوز فدخل العجوز من ذلك ما شاء الله فقال رسول الله - ﷺ - قال الله تعالى انا أنشأنا خلقا أخر وروى الطبراني فى الأوسط من وجه اخر عنها ان النبي - ﷺ - أتته عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله ان يدخلنى الجنة فقال ان الجنة لا يدخلها عجوز فذهب فصلى ثم رجع فقالت عائشة لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال ان ذلك كذلك إنشاء الله إذا أراد ادخالهن الجنة حولهن أبكارا وقال مقاتل وغيره هن الحور العين أنشأهن الله لم يقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى وليس وجع هناك.
عُرُباً قرأ حمزة واسمعيل عن نافع وابو بكر بإسكان الراء والباقون بضمها وهى جمع عروب اى عواشق لازواجهن متحببات إليهم اخرج ابن ابى حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله - ﷺ - عربا قال كلامهن عربى أَتْراباً مستويات فى السن فى حديث أم سلمة عند البيهقي قالت قلت يا رسول الله عربا قال اترابا قالهن اللواتى قبضهن الله عجايز فى الدنيا ومصاء شمطاء خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى قال عربا معشقا محببات اترابا على ميلاد واحد فان كلهن بنات ثلث وثلاثين وكذا أزواجهن وعن ابى هريرة رض عن النبي - ﷺ - قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعدا أبناء ثلث وثلثين وهم على خلق آدم طوله ستون ذراعا فى عرضة سبعة اذرع رواه احمد والطبراني فى الأوسط وابن ابى الدنيا والبغوي بسند حسن وعن ابى سعيد عن رسول الله - ﷺ - من مات من اهل الدنيا من صغير او كبير يردد بين ثلث وثلثين سنة فى الجنة لا يزيدون ابدا وكذلك اهل النار رواه الترمذي وابو يعلى وابن ابى الدنيا وعن معاذ بن جبل ان النبي - ﷺ - قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بنى ثلث وثلثين
سنة وعن انس قال قال رسول الله - ﷺ - يدخل اهل الجنة الجنة على طول آدم ستون ذراعا بذراع الملك وعلى حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى وثلث وثلثين سنة وعلى لسان محمد جردا مردا مكحلين رواه الطبراني فى الأوسط بسند جيد وعن المقداد بن الأسود مرفوعا يحشر الناس ما بين السقط وبين الشيخ الفاني أبناء ثلث وثلثين وخلق آدم وحسن يوسف وقلب أيوب وذى أفانين رواه الطبراني.
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ع متعلق بانشانا او جعلنا او صفة لابكارا وخبر لمحذوف اعنى هن.
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ط خبر محذوف اى هم كثيرون من الأولين من هذه الامة وكثيرون من الآخرين منهم كذا قال ابو العالية ومجاهد وعطاء بن ابى رباح والضحاك روى البغوي بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى هذه الاية ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال قال رسول الله - ﷺ - هما جميعا من أمتي واخرج مسدد فى مسنده والطبراني وابن مردوية من حديث ابى بكرة عن النبي - ﷺ - فى قوله ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال هما جميعا من أمتي لكن قال الدارقطني فى علله هذا حديث ابى بكرة لم يثبت فمقتضى هذه الاية على هذا التأويل ان امة محمد - ﷺ - لن يخلو عن اصحاب اليمين كما روى الشيخان فى الصحيحين عن معاوية قال سمعت النبي - ﷺ - يقول لا يزال من أمتي قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه فان قيل يعارضه ما روى البغوي بسنده عروة بن رويم مرسلا قال لما انزل الله على رسوله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر رض فقال يا رسول الله أمنا بالله وبرسوله وصدقناه ومن ينجومنا قليل فانزل الله عز وجل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فدعا رسول الله - ﷺ - فقال قد انزل الله فيما قلت فقال عمر رضينا عن ربنا وتصديق نبيّنا فقال رسول الله - ﷺ - من آدم إلينا ثلة ومنى الى القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل من قال لا اله الا الله وكذا اخرج ابن ابى حاتم عنه مرسلا واخرج ابن عساكر فى تاريخ دمشق من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله واخرج احمد وابن المنذر وابن ابى حاتم بسند فيه من لا يعرف عن ابى هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على المؤمنين فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فان مقتضى هذا الحديث ان الثلة من الأولين من آدم عليه السلام الى محمد - ﷺ - وقلت لا وجه للحمل على التعارض بين الحديثين فان قوله عليه الصلاة والسلام من آدم إلينا ثلة ومني
174
الى القيامة ثلة لا ينافى قوله عليه الصلاة والسلام هما جميعا من أمتي فانه يمكن ان يقال ان الثلة التي من محمد - ﷺ - الى القيامة ينقسم الى الثلّتين ثلة من أوليهم وثلة من أخريهم والمراد بالآية كلا الثلتين من امة محمد - ﷺ - فان قيل لو كان ثلة من الأولين فى امة محمد - ﷺ - فما وجه لبكاء عمر بعد نزول قوله تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ولما شق ذلك من المسلمين قلت وجه بكائه رض الترحم على اخر هذه الامة وزعم ان الناجي من اخرى هذه الامة قليل ولذلك سلى بنزول قوله تعالى ثلة من الأولين وثلة من الآخرين يعنى الى المقربين فى هذه الامة وان كانوا قليلا لكن اصحاب اليمين منهم كثير وكلا وعد الله الحسنى وليس قوله تعالى ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ناسخا لقوله تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين كما يدل عليه ظاهر الحديث فان الاخبار لا يحتمل النسخ ولان النسخ لا بد له من اتحاد المحل والاية الاولى فى المقربين من اصناف الثلاثة والثانية فى اصحاب اليمين فكيف يقال بالنسخ ويمكن ان يقال ثلة من الأولين يشتمل أصحابا لجميع الأنبياء واصحاب محمد - ﷺ - ومن لحقهم من التابعين فانهم السابقون الى الإسلام الأولون فيه ممن بعدهم الذين يقتقون اثارهم فى اتباع الأنبياء يؤيده قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان والآخرون هم المتأخر وهذه الامة عند قرب الساعة فالمقربون منهم قليل واما اصحاب اليمين فكثير منهم وكذا من غيرهم كما ذكرنا قول رسول الله - ﷺ - انى لارجو ان يكونوا نصف اهل الجنة وقوله عليه السلام ثمانون صفا من هذه الامة وأربعون من ساير الأمم روى البخاري عن ابن عباس قال خرج علينا رسول الله - ﷺ - يوما فقال عرضت على الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه رجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورايت سوادا كثير اسد الأفق فقيل لهؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال عليه السلام الذين لا يتطيرون ولا يسترقون
ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فتقدم عكاشة ابن محصن فقال أمتهم انا يا رسول الله قال نعم فقام اخر فقال امنهم انا قال سبقك بها عكاشة قال البغوي وروى عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - ﷺ - قال عرضت على الأنبياء الليلة باتباعها حتى اتى على موسى فى كبكة بنى إسرائيل راينهم اعجبونى فقلت اى من رب هؤلاء قيل هذا أخوك موسى ومن معه من بنى إسرائيل قلت رب فاين أمتي قيل انظر عن يمينك فاذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقال رضيت ربى فقيل انظر عن يسارك فاذا الأفق قل اهل؟؟؟
175
بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقلت ربى رضيت رضيت فقيل ان مع هؤلاء سبعين الفا يدخلون الجنة بغير حساب عليهم فقال النبي - ﷺ - ان استطعتم ان تكونوا من السبعين فكونوا وان عجزتم وقصرتم فتكونوا من اهل الظراب فان اعجزتم فكونوا من اهل الأفق فانى قد رأيت ثمه أناسا يتهلوشون كثيرا.
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ نحو ما مر فى التركيب والسموم الريح حارة تنفذ المسام وَحَمِيمٍ متناه فى الحرارة.
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ اى دخان شديد السواد بفعول من الحمة تقول العرب اسود يحموم إذا كان شديد السواد قال الضحاك النار سوداء واهله سود وكل شىء فيها اسود وقال ابن كيسان اليحموم اسم من اسماء النار.
لا بارِدٍ كساير الظل وَلا كَرِيمٍ اى لا نافع بوجه ما او كريم المنظر دفع بذلك ما ادلهم الظل من الاستراح.
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ فى الدنيا مُتْرَفِينَ اى متنعمين منهمكين فى الشهوات لا يتعبون أنفسهم فى الطاعات.
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ج اى الذنب العظيم يعنى الشرك وقال الشعبي الحنث العظيم اليمين الغموس ومعنى هذا انهم كانوا يحلفون انهم لا يبعثون وكذبوا.
وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ قرأ نافع والكسائي وابو جعفر ويعقوب أإذا مستفهما انا بتركه والباقون بالاستفهام فيها وهم على أصولهم فى التخفيف والتليين وقولهء إنا لمبعوثون خبرا لإذا او كررت الهمزة على قراءة الجمهور للدلالة على انكار البعث مطلقا وخصوصا فى هذا الوقت كما ادخلت على العاطف فى قوله.
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ للدلالة على ان ذلك أشد إنكارا فى حقهم لتقاوم زمانهم معطوف على محل اسم ان بعد مضى الخبر او على المستكن فى مبعوثون والفصل بالهمزة حسن العطف على المستكن وقرأ نافع وابن عمرو او بالسكون والعامل فى الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هؤلاء للفصل بان والهمزة تقديره انبعث إذا متنا.
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ للحساب والجزاء إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ اى ما وقت به الدنيا من يوم معلوم والاضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات ما وقت به الشيء الى حد ومنه مواقيت الإحرام وهى الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة الا محرما كلمة الى بمعنى اللام يعنى مجموعون لميقات يوم القيامة المعلوم المتيقن مجيئه.
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا اى يا ايها الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ
من الاولى للابتداء والثانية للبيان قال ابن عباس لوان قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا لفسدت على اهل الأرض معاشهم فكيف من يكون طعامه رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال عمرو الخولاني بلغنا ان ابن آدم لا ينهش من الزقوم نهشة الا نهشت منه مثلها رواه عبد الله بن احمد فى روائد الزهد وابو نعيم.
فَمالِؤُنَ مِنْهَا اى من الشجر نظرا الى معناه فان معناه الشجرة الْبُطُونَ من شدة الجوع.
فَشارِبُونَ لغلبة العطش عَلَيْهِ اى على الشجر نظرا الى لفظه او على الزقوم مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ قرأ نافع وعاصم وحمزة بضم الشين والباقون بفتحها وهما لغتان وقال البغوي الفتح على المصدر والضم على انه اسم بمعنى المصدر كالضعف والضعف الْهِيمِ يعنى الإبل العطاش كذا روى ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس جميع هيمان للذكر وهيمى للانثى كعطشان وعطشى وقيل الإبل التي بها الهيام وهوداء يصيب الإبل لا تروى معه ولا يزال يشرب حتى يهلك كذا اخرج البيهقي عن مجاهد وذكر البغوي عن عكرمة وقتادة وقال الضحاك وابن عيينة الهيم الأرض السهلة ذات الرمل قال البيضاوي هو جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب وسحاب ثم خفف وفعل به ما فعل يجمع ابيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الاخر من وجه فلا اتحاد و.
هذا نُزُلُهُمْ فيه تهكم كما فى قوله تعالى فبشرهم بعذاب اليم لان النزل ما يعد للنازل تكرمة له يعنى هذا أول ما يصيبهم يَوْمَ الدِّينِ ط يوم الجزاء فما ظنك بما يصيبهم بعد ما استقروا فى الجحيم.
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ بعد مالم تكونوا شيئا وأنتم تعرفون بذلك فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ اى هلا تصدقون على البعث بعد الموت فان من قدر على الإبداء قدر على الإعادة او المعنى هلا تصدقون بالخلق متقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه.
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ اى ما تقذفونه فى الأرحام من النطف.
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ يجعلونه بشرا سويا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ الفاء العاطفة للعطف على محذوف والروية يعنى العلم ومفعوله الاول الموصول مع الصلة وهاهنا معطوف عليه ومحذوف مقدر وجملة ءانتم تخلقونه أم نحن الخالقون مفعوله الثاني لكنه معلق بالاستفهام وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى فى ءانتم تخلقونه لافادة التخصيص ولان محل الإنكار والتقرير بالاستفهام هو المسند اليه دون النفس الخلق وتعريف الخبر
فى نحن الخالقون ايضا لافادة التخصيص تقدير الكلام أنظرتم فعلمتم ما تمنون فى الأرحام فيصير بشرا أبكم مختص خلقه أم بنا والاستفهام لانكار نسبة الخلق الى المخاطبين والإقرار لله سبحانه يعنى تعلمون ان الخلق المختص بنا لا بكم.
نَحْنُ قَدَّرْنا قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ يعنى قسمنا الموت عليكم كما قسمنا أرزاقكم على حسب ارادتنا فاختلف اعماركم من قصير وطويل ومتوسط او المعنى وقتنا موت كل بوقت معين لا يستاخرون منه ولا يستقدمون وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى لافادة التخصيص يعنى تقدير الموت وتوقيتها مختص بنا كما ان خلق كل مختص بنا فهذه الجملة مقررة لمضمون ما سبق وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ حال من فاعل قدرنا يعنى حال كوننا غير مسبوتين اى لم يسبقنا أحد فى تقديره او حال كوننا غير مقلوبين من سبقته على كذا إذا غلبته عليه وأعجزته او جملة معترضة والمعنى لا يسبقنا ولا معجزنا أحد فيهرب من الموت او بغير دفنه.
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
متعلق بمحذوف حال من فاعل قدرنا تقديره قدرنا بينكم الموت قادرين على ان نبدل منكم أمثالكم مكانكم او متعلق بقدرنا علة له وعلى بمعنى اللام يعنى قدرنا الموت لان نبدل منكم أمثالكم وجاز ان يكون متعلقا بمسبوقين والمعنى ما نحن بمسبوقين غير قادرين على ان نبدل أمثالكم فتخلق بدلكم وجاز ان يراد ان نبدل صفاتكم على ان أمثال جمع مثل بمعنى الصفة كما فى قوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون وقوله تعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الا على وَنُنْشِئَكُمْ
عطف على نبدل يعنى قادرين على ان ننشأكم بعد الموت فِي ما لا تَعْلَمُونَ
اى فى احوال وصفات لا تعلمونها من الثواب والعذاب.
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ عطف على قوله أفرأيتم ما تمنون النَّشْأَةَ الْأُولى يعنى خلقة الإنسان من المنى ووجوده بعد ما لم يكن شيئا مذكورا فَلَوْلا الفاء للسببية يعنى إذا علمتم النشأة الاولى فهلا تَذَكَّرُونَ ان منشىء النشأة الاولى قادر على ان ينشأ نشأة الاخرى فانها اقل صنعا لحصول المراد ولتخصيص الاجزاء وسبق المثال وفيه دليل على حجة القياس.
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ط تبذرون حبة.
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ المنبتون.
لَوْ نَشاءُ جعله حطاما لَجَعَلْناهُ اى الزرع حُطاماً قال عطاء تبنالا قمح فيه وقيل هشيما لا ينتفع به فى مطعم وغذاء فَظَلْتُمْ أصله ظللتم حذف أحد اللامين تخفيفا تَفَكَّهُونَ اى تعجبون مما ينزل بكم فى زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل وقيل تندمون على اجتهادكم ونفقاتكم وهو قول يمان وقال الحسن تندمون على ما سلف منكم من المعصية
التي أوجبت تلك العقوبة وقال عكرمه تلاومون وقال ابن كيسان تحزنون وقال الكسائي هو التلهف على ما فات وهو من الاضداد قال العرب تفكهت اى فرحت وتفكهت اى حزنت قلت هو مستعار من أكل الفاكهة والتجنب عن الفاكهة قال فى القاموس تفكه تندم وبه تمتع وأكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضد.
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قرأ ابو بكر عن عاصم أإنا بهمزتين على الاستفهام للتقرير والباقون بهمزة واحدة على الخبر والجملة بتقدير القول حال من فاعل تفكهون تقديره فظلتم تفكهون قايلون انا لمغرمون اى ملزمون غرامة ما أنفقنا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض نكرا قال الضحاك وابن كيسان وقال البغوي قال ابن عباس وقتادة لمعذبون والغرام العذاب.
بَلْ نَحْنُ قوم مَحْرُومُونَ اى حرمنا رزقنا إضراب بذكر الأهم فان غرامة المال أسهل من حرمان الرزق المفضى الى الهلاك.
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ العذب الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ من السحاب واحده مزنة قيل المزن السحاب الأبيض ماءه أعذب أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لقدرتنا.
لَوْ نَشاءُ جعلناه أجاجا جَعَلْناهُ أُجاجاً ملحا مرا كذا فى القاموس قيل هو مشتق من الأجيج وهو تلهب النار فان الماء الأجاج يحرق الفم وحذف اللام الفاصل بين جواب ما يتمحض للشروط وهو ان وبين ما يتضمن معناه وهو لو فانها ليست لشرط المحض بل سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها فى مضمونى جملتها ان الثاني امتنع لامتناع الاول لعلم السامع بمكانه او للاكتفاء لسبق ذكرها فى قوله تعالى لجعلنه حطاما ولم يحذف فيما سبق اختصاصا لما يصدق لذاته ويكون أهم وفقده أصعب لمزيد التأكيد فَلَوْلا هلا تَشْكُرُونَ أمثال هذه النعم الضرورية من إيجاد الإنسان وابقائه.
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ط اى توقدون من وارى النار وريا وأوريته اتقدت يعنى تخرجونها من الزناد والعرب يقدح العودين تحك أحدهما على الاخرى يسمون الأعلى زند والأسفل زندة شبهوها بالفحل والطروقة.
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها التي منها الزناد وهى المرخ والعقاد يستحق المرخ على العقاد وهما خضرا وان ينقطر منهما الماء فينقدح النار أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ الخالقون لها ابتداء.
نَحْنُ جَعَلْناها اى نار الزناد تَذْكِرَةً فى امر البعث فان من قدر على احداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفية كان اقدر على إعادة الحيوة والرطوبة الغريزية فيما كان حيا رطبا من العظام فيبس وبلى او تذكرة للطرق فى الظلام او تذكرة لنار جهنم حيث علقنا بها
اسباب المعاش وعممنا إليها الحاجة لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون بها نار جهنم فانها أنموذج لها عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم قيل يا رسول الله ان كانت لكافية قال فانها فضلت عليهن بتسعة وستين جزأ كلهن مثل حرها متفق عليه وَمَتاعاً ومنفعة لِلْمُقْوِينَ ج قيل يعنى للمسافرين النازلين بالقواء وهى الأرض القفر الخالية البعيدة من العمران وانما خص ذكرهم بالانتفاع لان انتفاعهم بها اكثر من انتفاع المقيم فانهم يوقدونها ليلا ليهرب منهم السباع ويهتدى بها الضال ويستدفئون بها؟؟؟ فى البرد وغير ذلك من المنافع وهذا قول اكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة المراد بالمقوين المستمتعون بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها فى الظلمة ويصطلون فى البرد ويطبخون بها وقال ابن زيد معناه للجايعين يعنى للذين خلت بطونهم من الطعام من أقوات الدار إذا خلت من سكانها يقول العرب أقويت مند كذا وكذا يعنى ما أكلت شيئا منذ كذا وقيل المراد بالمقوين الأغنياء يقال أقوى الرجل إذا قويت دابته وكثر ماله وصار الى حالة القوة ولا شك ان فيها متاعا للاغنياء والفقراء جميعا لا إغناء بأحد عنها ولعل وجه تخصيص الذكر بالأغنياء لكثرة الطبخ عندهم ومن هاهنا قيل فلان كثير الرماد اى كثير الطبخ كثير الضيافة والله تعالى اعلم.
فَسَبِّحْ الفاء للسببية كما تذكرت بدايع صنايعه وانعاماته فتنزهه عما يقول المنكر لوحدانيته الكافرون لنعمه او فسبحه شكرا على نعمائه او تعجيبا من امر الظالمين فى كفران نعمائه بِاسْمِ رَبِّكَ الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك جاز ان يكون الفاء للسببية والتقدير فسبح بذكر اسمه او بذكره فان اطلاق اسم الشيء ذكره والله اعلم الْعَظِيمِ فَلا أُقْسِمُ إذ الأمر ظاهر أوضح من ان يحتاج الى قسم والفاء للسببية او المعنى ذا قسم ولا مزيدة للتاكيد كما فى لئلا يعلم والتقرير فلانا اقسم فحذف المبتدا وأشبع فتحة لام الابتداء ويدل عليه قراءة عيسى بن عمر فلا قسم وقيل قوله لارد لما قال الكفار فى القران انه سحر او شعر او كهانة يعنى ليس الأمر كما تقولون اقسم بِمَواقِعِ النُّجُومِ قرأ حمزة والكسائي بموقع بإسكان الواو من غير الف على الافراد والباقون بفتح الواو والف بعدها على الجمع والمراد بمواقع النجوم ساقطها وتخصيص المغارب فى الذكر لما فى غروبها من زوال اثرها الذي هو أول على إمكانها وحدوثها ووجود موثر لا يزول تاثيره وقال عطاء بن ابى رباح أراد منازلها ومجاريها وقال الحسن أراد انكدارها وانتشارها يوم القيمة وقال ابن عباس النجوم نجوم القران وموضعها اوقات نزولها
فانه كان ينزل على النبي - ﷺ - نجوما متفرقا.
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ جملة معترضة بين القسم وجوابه لَوْ تَعْلَمُونَ اخرى معترضة بين الصفة والموصوف لكمال الاستعظام ولو للتمنى ومفعول تعلمون محذوف يعنى ليتكم تعلمون عظمته عَظِيمٌ لما فى المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته انه لا يترك عباده سدى.
إِنَّهُ يعنى ما يتلوه محمد - ﷺ - لَقُرْآنٌ منزل من الله تعالى غير منقول كَرِيمٌ عزيز مكرم لانه كلام الله وفضل كلام الله على ساير الكلام كفضل الله تعالى على خلقه رواه الترمذي والمعنى كثير الخير والنفع لاشتماله على اصول العلوم المهمة فى إصلاح المعاد والمعاش قال اهل المعاني الكريم الذي من شانه ان يعطى الخير الكثير او المعنى حسن مرضى فى جنسه.
فِي كِتابٍ ظرف مستقر صفة لقران مَكْنُونٍ مصؤن وهو اللوح المحفوظ.
لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قيل الضمير فى لا يمسه راجع الى الكتاب لقربه فالمعنى لا يطلع على اللوح الا المطهرون من الكدورات الجسمانية الباعثة غالبا على المعاصي وهم الملائكة وهذا القول غير مرضى فان الانسلاخ من الكدورات الجسمانية ليس من فضائل ولا يعد تطهرا والا يلزم فضل الملائكة على البشر وهو خلاف الإجماع بل الكدورات الجسمانية هى الحاملة للتجليات الذاتية الصرفة ولذلك اختص النبوة بالبشر فالقول الصحيح ان الضمير راجع الى القران فالمعنى لا يمس القران الا المطهرون من الأحداث فيكون بمعنى النهى والمراد بالقران المصحف سمى قرانا على قرب الجوار مجازا كما فى الحديث انه - ﷺ - نهى ان يسافر بالقران الى الأرض العدو متفق عليه من حديث ابن عمر والمراد به المصحف وقد انعقد الإجماع على انه لا يجوز مس المصحف للجنب والحائض ولا لنفساؤ لا لمحدث خلافا لداود محتجا بحديث ابى سفيان انه عليه الصلاة والسلام كتب كتابا الى هرقل وكان فيه يا اهل الكتاب تعالوا الاية ولا شك ان الكافر نجس قلنا كتب رسول الله - ﷺ - ذلك العبارة من قبل نفسه امتثالا لامر الله تعالى لا من حيث انه كلام الله تعالى ومن ثم حذف لفظة قل من صدر الاية ولو كان كتب من حيث انه كلام الله لما حذف لفظة قل بل لا يجوز له حذفها كما لا يجوز حذفها فى الصلاة والتلاوة ولنا حديث عمرو بن حزم ان رسول الله - ﷺ - كتب الى اهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القران الا طاهر رواه الدارقطني والحاكم فى المعرفة والبيهقي فى الخلافيات وروى الطبراني من حديث حكيم بن حزام قال لما بعثني رسول الله - ﷺ - الى اليمن قال لا يمس القران الا وأنت طاهر تفرد به سويد بن حاتم وهو ضعيف وحسن الحار فى اسناده وفى الباب عن ابن عمر
181
مرفوعا رواه الدارقطني والطبراني واسناده لا بأس به (مسئله) يجوز مس القران وحمله بغلاف متجاف عند ابى حنيفة رح وقال مالك والشافعي لا يجوز مع الغلاف ايضا لانه قال الله تعالى انه لقران كريم وقال الله تعالى فى صحف مكرمة ومن التكريم ان لا يمسه غير الطاهر ولو كان عليه غلاف قلنا التكريم اثبت حرمة المس والمس لا يطلق الا إذا كان بلا حجاب وستر وانما التكريم ما ثبت بالشرع والزائد عليه تكلف (مسئله) يكره مسه بالكم او الذيل لانهما تابعان لليد لا يجوز مس درهم فيه سورة الا بصرة لان المصحف ما كتب عليه القران (مسئله) ويثبت بهذه الاية بدلالة النص اعنى بالطريق الاولى عدم جواز قراءة القران للجنب وعليه انعقد الإجماع فان المصحف وهو القرطاس الذي كتب عليه نقوش وضع للدلالة على ألفاظ القران ولما ورد لا يمسه الا المطهرون فالفاظ القران اولى وأحرى ان لا يجرى الا على لسان المطهرين والحائض والنفساء كالخبث عند ابى حنيفة رح والشافعي واحمد لما ذكرنا وعن مالك روايتان إحداهما انها تقرء الآيات اليسيرة والتي نقلها الأكثرون من أصحابه انها تقرأ ما شاءت وهو مذهب داود هو محجوج بما ذكرنا وبحديث ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - لا تقرء الحائض ولا الجنب شيئا من القران رواه الدارقطني والترمذي وابن ماجة وفى اسناده اسمعيل ابن عياش وهو ضعيف وقيل انه قوى وتابعه مغيرة بن عبد الرحمن وابو معشر بن موسى بن عقبة قال ابن الجوزي مغيرة ايضا ضعيف وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أخطأ ابن الجوزي ان ضعف مغيرة ابن عبد الرحمن وهو ثقة لكن فى طريق مغيرة عبد الملك بن مسلم ضعيف واما طريق ابو معشر ففيه منهم وابو معشر ضعيف وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني مرفوعا وفيه محمد بن الفضل متروك- (مسئله) كان القياس عدم جواز قراءة القران للمحدث ايضا لما ذكر لكن الاستحسان يقتضى جواز القراءة للمحدث لان الحدث لا يسرى فى الفم ولذلك لم يجب المضمضة فى الوضوء بخلاف الجنابة ويدل على جواز القراءة للمحدث حديث ابن عباس انه بات ليلة عند ميمونة وهى خالته قال فاضطجعت فى عرض الوسادة ورسول الله - ﷺ - واهله فى طولها فنام رسول الله - ﷺ - حتى انتصف الليل او قبله قليلا او بعده بقليل استيقظ رسول الله - ﷺ - فجلس يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشرة الآيات
الخواتيم من سورة ال عمران ثم قام الى شن معلق فتوضأ منها الحديث متفق عليه وحديث على بن ابى طالب لم يكن يحجب النبي - ﷺ - شىء من القران سوى الجنابة رواه احمد وابن خزيمة واصحاب السنن وابن حبان والحاكم
182
وابن الجار وصححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي فى شرح السنة (مسئله) قال البغوي وروى محمد بن الفضل عن الكلبي فى تفسير الاية قال لا يقرأ الا الموحدون قلت الموحد فى اصطلاح الصوفية من لا يكون له مقصود غير الله سبحانه وقال المجدد ما هو مقصود لك فهو معبود لك فان المرء يتحمل كل ذل وانكسار ومشقة لتحصيل مقصوده وذلك هو التعبد وقد قال رسول الله - ﷺ - لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه النووي فى اربعينه وقال عكرمة كان ابن عباس رض ينهى ان يمكن اليهود والنصارى من قراءة القران وقال الفراء معنى الاية لا يجد طعم القران ونفعه الامن أمن به ومن هاهنا قال المجدد الالف الثاني ان الصوفي لا يجد بركات القران الا بعد فناء نفسه وتطهر من الرذائل واما قبل الغناء فقراءة القران له داخل فى عمل الأبرار وبعد فناء النفس وزوالها عينها واثرها فمراتب القرب الى الله سبحانه منوط بتلاوة القران وكذا فى الاخرة بعد دخول الجنة يرتقى ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين وقال رسول الله - ﷺ - يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر اية تقرأها رواه احمد والترمذي وابى داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة رابعة للقران وهو مصدر بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق.
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعنى القران أَنْتُمْ يا اهل مكة مُدْهِنُونَ الادهان فى الأصل استعمال الدهن المتليين ثم استعير للمدارة والملاينة فى الظاهر قال الله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون ثم استعمل فى النفاق وهو المراد هاهنا قال فى الفارس دهن نافق والمداهنة اظهار خلاف ما فى الضمير كالادهان وقال البغوي هو من الادهان وهو الجري فى الباطن على خلاف الظاهر ثم قيل للمكذب مدهن وان صرح بالكفر والتكذيب وكذا قال ابن عباس يعنى يكذبون وقال مقاتل بن حبان كافرون.
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ اى حظكم ونصيبكم من القران أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قال الحسن فى هذه الاية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله الا التكذيب به وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم انكم تكذبون كذا اخرج احمد والترمذي عن على رض عن النبي - ﷺ - قال هيثم بن عدى ان من لغته ازدشنوة لارزق فلان بمعنى فاشكر وقيل هذا المعنى بحذف المضاف وتقديره تجعلون شكر رزقكم والمراد بالرزق حينئذ المطر وذلك انهم كانوا إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من الله تعالى فقيل لهم تجعلون رزقكم اى شكر رزقكم انكم تكذبون
يعنى انكم تأتون بالكفر مكان الشكر عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله - ﷺ - صلوة الصبح الحديبية فى اثر السماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال الله تعالى من عبادى مومن لى وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومومن بالكواكب واخرج مسلم عن ابن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله - ﷺ - فقال أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر وقال بعضهم هذه رحمته وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الاية فلا اقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم انكم تكذبون واخرج ابن ابى حاتم عن ابى هريرة قال نزلت هذه الآيات فى رجل من الأنصار فى غزوة تبوك نزلوا الحجر فامرهم رسول الله - ﷺ - ان لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ونزل منزلا اخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك الى النبي - ﷺ - فصلى ركعتين ثم دعى فارسل الله سبحانه فامطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لاخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعى النبي - ﷺ - فامطر الله علينا السماء فقال انما مطرنا بنوء كذا وكذا فنزلت وذكر ابن إسحاق ان هذه القصة كانت بالحجر وروى مسلم عن ابى هريرة عن رسول الله - ﷺ - قال ما انزل الله من السماء من بركة الا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا.
فَلَوْلا فهلا إِذا بَلَغَتِ الضمير المرفوع عايد الى غير مذكور لفظا بل حكما فانه معلوم يقينا يعنى إذا بلغت نفس أحدكم الْحُلْقُومَ عند الموت.
وَأَنْتُمْ ايها الحاضرون حول المحتضر حِينَئِذٍ متعلق بقوله تَنْظُرُونَ حاله فى خروج الروح وحالكم معه من العجز حيث لا يمكنكم الدفع عنه ولا تملكون شيئا الجملة حال من فاعل بلغت والعائد المفعول المحذوف لتنظروا.
وَنَحْنُ أَقْرَبُ قال البيضاوي معناه نحن اعلم إِلَيْهِ اى الى المحتضر مِنْكُمْ عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى اسباب الاطلاع وقال البغوي اقرب بالعلم والقدرة والروية وقيل معناه ورسلنا الذين يقبضون روحه اقرب اليه منكم وهذه التأويلات مبنية على زعمهم بان القرب منحصر فى المكانيات والزمانيات وعدم دركهم قربا غير متكيف لكنه ثابت بالشرع مدرك بفراسة المؤمن لا يدركه العوام ولذلك استدرك بقوله وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ قربى وجملة ونحن اقرب حال ثان لفاعل بلغت.
فَلَوْلا فهلا تأكيد لما سبق من حروف التحضيض إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ اى غير مجرمين غير محاسبين بالبعث يوم القيامة يعنى غير مبعوثين بزعمكم او غير مملوكين
غير مقهورين من دانه إذا اذله واستبعده واصل التركيب للذل والانقياد.
تَرْجِعُونَها اى النفس الى مقرها حتى ينتفى عن محلها الموت كالبعث او المعنى ترجونها لكونكم غير مقهورين وهذا عامل الظرف وما ورد به التخصيص بلولا وهى بما فى خيزها ودليل على جواب الشرط إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما زعمتم شرط مستغن عن الجزاء بما سبق وهو فى المعنى تأكيد للشرط السابق يعنى ان كنتم صادقين فى انكم غير مدينين كما يدل عليه حجدكم افعال الله وتكذيبكم باياته فلولا ترجعون النفس الى مقرها إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ولما سبق ذكر المحتضر المتوفى وانه مجزى مقهور لله سبحانه غير مقدور لاحد غيره توجه النفس الى انه ماذا يصنع به القاهر المالك القريب المسلط عليه فقال تفصيلا لمجمل أحواله.
فَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ اما حرف شرط تقديره مهما يكن من شىء فالمتوفى ان كان من المقربين يعنى السابقين الذين هم أفضل الأصناف الثلاثة المذكورة فى صدر السورة فله روح فروح مبتداء خبره ظرف محذوف والجملة الظرفية جزاء للشرط والجملة الشرطية لمبتداء محذوف والجملة الاسمية جزاء لشرط حذف بعد اما وأقيم جزاء الجزاء مقامه يعنى ان كان من المقربين وحذف الفاء كراهة توالى حرفى الشرط والجزاء او اكتفى بالفاء الجزائية التي كانت فى الجزاء للشرط الثاني قرأ يعقوب فروح بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم قال الحسن يخرج روحه فى الريحان وقال قتادة الروح الرحمة لانها كالسبب لحيوة المرحوم وقيل المراد به الحيوة الدائمة ومن قرأ بالفتح فمعناه الفرح والراحة كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقال الضحاك المغفرة والرحمة وَرَيْحانٌ يعنى رزق طيب كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل قال مقاتل هو بلسان حمير وقال آخرون الريحان الذي يشم قال ابو العاليه لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يوتى بعض من ريحان الجنة فبشم ثم يقبض روحه وقال أبو بكر الرزاق الروح النجاة من النار والريحان دخول دار القرار.
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وهو ثانى اصناف الثلاثة المذكورة.
فَسَلامٌ لَكَ اى عليك يا صاحب اليمين مِنْ اخوانك أَصْحابِ الْيَمِينِ يسلمون عليك وقال البغوي معناه سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتهم لهم فانهم سلموا من عذاب الله وانك ترى فيهم ما تحب من السلامة فترضى قال مقاتل هو ان الله يتجاوز عن سياتهم ويقبل حسناتهم وقال القراء وغيره فسلام لك يا محمد انهم من اصحاب اليمين او يقال لصاحب اليمين سلام لك انك من اصحاب اليمين.
وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى
مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بالقران والنبي ﷺ الضَّالِّينَ لا عن طريق الهدى يعنى اصحاب الشمال والمشامة الثالث من اصناف الثلاثة المذكورة وصفهم هاهنا بأفعالهم زجرا عنها واشعارا بما أوجب لهم أوعدهم به.
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ لا فالذى يعذبهم حميم جهنم.
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إدخال نار عظيمة.
إِنَّ هذا المذكور فى شان المحتضرين لَهُوَ حَقُّ الخبر الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ع اى فصل بذكر ربك وامره او فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شانه او نزه ربك العظيم وسيجيئ مثل هذين الآيتين اخر سورة الحاقة وقد سبق منى تفسيرها وذكرت هناك مسائل تسبيحات الركوع والسجود وما ورد فيهما من الأحاديث واختلاف الائمة فلا نعيدها والله اعلم عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة ابدا رواه البغوي وابو يعلى فى مسنده والبيهقي بسند ضعيف فى شعب الايمان.
Icon