تفسير سورة الرعد

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله قبل هذه الآية :﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ ١ ﴾
فموضع ( الذي ) رفع تستأنفه على الحقّ، وترفع كلّ واحدٍ بصَاحبه. وإن شئت جعلت ( الذي ) في موضع خفض تريد : تلك آيات الكتاب وآياتِ الذي أنزل إليك من ربك فيكون خفضاً، ثم ترفع ( الحقّ ) أي ذلك الحق، كقوله في البقرة ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ فنرفع على إضمار ذلك الحقّ أو هو الحق. وإن شئت جَعَلت ( الذي ) خفضا فخفضت ( الْحَقّ ) فجعلته من صفة الذي ويكون ( الذي ) نعتاً للكتاب مردوداً عليه وإن كانت فيه الواو ؛ كما قال الشاعر :
إلى الملِك القَرْمِ وابن الهمام وليث الكَتِيبَة في المُزْدَحَمِ
فعطف بالواو وهو يريد واحداً. ومثله في الكلام : أَتانا هذا الحديث عن أبى حفص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطّاب رحمه الله.
قول الله عزّ وجلّ :﴿ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ٢ ﴾.
جاء فيه قولان. يقول : خلقها مرفوعة بلا عمدٍ، ترونها : لا تحتاجون مع الرؤية إلى خبر. ويقال : خلقها بعَمَد لا ترونها، لا ترَون تلك العَمَد. والعرب قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها : يكون ذلك جائزاً. أنشدني بعضهم :
إذا أعجبتك الدهرَ حالٌ من امرئ فدَعهْ وواكِل حالَه واللياليا
يجئن على ما كان من صالحٍ به وإن كان فيما لا يرى الناس آليا
معناه وإن كان ( فيما يرى ) الناس لا يألو. وقال الآخر :
ولا أراها تزال ظالمةً تُحدث لي نكبَةً وتنكؤها
ومعناها : أراها لا تزال.
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ ٣ ﴾
أي بسط الأرض عَرْضاً وطولا.
وقوله :﴿ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يبيّن ذلك قوله ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثَى ﴾ فتبيّن أنهما اثنان بتفسير الذكر والأنثى لهما.
﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ ٤ ﴾
يقول : فيها اختلاف وهي متجاورات : هذه طيّبة تُنبت وهذه سَبَخَة لا تُخرج شيئاً.
ثم قال :﴿ وَجَناتٌ مِّنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ ﴾ فلك في الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كان صَوابا. فمن رفع جعله مردوداً على الجنات ومن خفض جعله مردوداً على الأعناب أي منْ أعناب ومن كذا وكذا.
وقوله :﴿ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ﴾ الرفع فيه سَهل ؛ لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض ولو كان رفعاً كان صواباً. تريد : منه صنوان ومنه غير صنوان. والصِّنْوان النّخلات يَكونُ أصْلهنَّ واحداً. وجاء في الحديث عن النبي صَلى الله عَليه وسلم : إن عَمّ الرجل صِنْو أبيه
ثم قال :﴿ تُسْقَى بِماء وَاحِدٍ ﴾ و ( يُسْقَى ) فمن قال بالتاء ذهب إلى تأنيث الزروع والْجَنات والنخل. ومن ذكَّر ذهب إلى النبت : ذلك كلّه يسقى بماء واحدٍ، كلّه مختلف : حامض وحلو. ففي هذه آية.
وقوله :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ ٦ ﴾
يقول : يستعجلونك بالعذاب وهم آمنون له، وهم يرون العقوبات المَثُلاَت في غيرهم ممَّن قد مضى. هي المَثُلاَت وتميم تقول : المُثْلات، وكذلك قوله :﴿ وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ ﴾ حجازية. وتميم : صُدْقات، واحدها صُدْقة. قال الفراء : وأهل الحجاز يقولون : أعطها صَدُقتها، وتميم تقول : أعطها صُدْقتها في لغة تميم.
وقوله :﴿ إِنَّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ٧ ﴾
قال بعضهم : نبيّ. وقال بعضهم : لكل قوم هادٍ يتَّبِعُونه، إما بحق أو بباطل.
وقوله :﴿ وَما تَغِيضُ الأَرْحامُ وَما تَزْدَادُ ٨ ﴾
( تَغِيضُ ) يقول : فما تنقص من التسعة الأشهر التي هي وقت الحمل ( وَما تَزْدَادُ ) أي تزيد على التسعة أَوَلا ترى أن العرب تقول : غاضت المياه أي نقصت. وفي الحديث : إذا كان الشتاء قيظاً، والولد غيظاً، وغاضت الكرامُ غَيْضاً وفاضت اللئام فيضاً. فقد تبيّن النقصان في الغيض.
وقوله :﴿ سَواء مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ١٠ ﴾.
( مَنْ ) و ( من ) في موضع رفع، الذي رفعهما جميعاً سواء، ومعناهما : أن من أسرَّ القول أو جهر به فهو يعلمه، وكذلك قوله :﴿ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهارِ ﴾ أي ظاهر بالنهار. يقول : هو يعلم الظاهر والسرّ وكلٌّ عنده سواء.
وقوله :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ ١١ ﴾.
المعقِّبَات : الملائكة، ملائكة الليل تُعَقِّب ملائكة النهار يحفظونه. والمعقِّبات : ذُكر أن إلاَّ أنه جميع جَمع ملائكة معقِّبة، ثم جُمِعت معقِّبة، كما قال : أبناوات سَعْدٍ، ورجالات جمع رجال.
ثم قال عزَّ وجلَّ ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ فرجع إلى التذكير الذي أخبرتك وهو المعنَى. والمعقبات من أمر الله عز وجل يحفظونه، وليس يحفظ من أمره إنما هو تقديم وتأخير والله أعلم، ويكون ( ويحفظونه ) ذلك الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عز وجلَّ ؛ كما تقول للرجل : أجيئِك مِنْ دعائك إِيَّاي وبدعائك إيَّاي والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله :﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ١٢ ﴾ :
خوفاً على المسافر وطمعاً للحاضر.
وقوله :﴿ وَيُنْشئ السَّحابَ الثِّقَالَ ﴾ السحاب وإن كان لفظه واحداً فإنه جمع، واحدته سَحابة. جُعل نعته على الجمع كقوله ﴿ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ ولم يقل : أخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذلك كان صواباً ؛ كقوله :﴿ جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ ناراً فَإذَا أَنتُم مِنْهُ تُوقِدُون ﴾ فإذا كان نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلاَّ على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول : هَذَا تمر طيّب، ولا تقول تمر صَغير ولا كبير من قِبَلِ أن الطّيب عَامٌّ فيه، فوُحِّد، وأن الصغر والكبر والطول والقِصَر في كل تمرة على حِدَتِها.
قوله :﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ١٤ ﴾
لا إله إلا الله ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ يعنى الأصنام لا تجيب داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء ليسَ معه ما يستقى به. وذلك قوله عزّ وجلّ :﴿ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماء ﴾ ثم بيَّن الله عزّ وجلّ ذلكَ :﴿ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَما هُوَ بِبَالِغِهِ ﴾.
وقوله :﴿ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْها ١٥ ﴾
فيقال : مَنِ الساجد طوعاً وكرها من أهل السموات والأرض ؟ فالملائكة تسجد طوعاً، ومن دخل في الإسلام رغبة فيه أو وُلد عليه من أهل الأرض فهو أيضاً طائع. ومَن أُكره على الإسلام فهو يسجد كَرْها ( وَظِلاَلُهُمْ ) يقول : كل شخصٍ فظِلّه بالغداة والعَشِيِّ يسجد معه. لأن الظلّ يَفيء بالعَشيّ فيصير فَيْئاً يسجد. وهو كقوله :﴿ عَنِ اليمينِ وَالشَّمائلِ ﴾ في المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء.
قوله :﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ ١٦ ﴾
ويقرأ ( أَمْ هَلْ يَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ ) وتقرأ ( تَسْتَوِي ) بالتاء. وهو قوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ وفي موضع آخر :( وَأَخَذَتْ ).
وقوله :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ١٧ ﴾
ضربه مثلا للقرآن إذا نَزَل عليهم لقوله :﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ﴾ يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
وقوله :﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً ﴾ يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن في قلب مَن لم يؤمن وعبد آلهته وصَار لا شيء في يده ﴿ وَأَما ما يَنفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ﴾ فهذا مَثَلُ المؤمن.
ثم قال عزّ وجلّ :﴿ وَمِما يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النارِ ﴾ من الذهب والفضة والنُّحاس زَبَد كزَبَد السيل يعنى خَبثه الذي تُحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزَبَدِ في السيل.
وأما قوله :﴿ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ ﴾ يقول : يوقدون عليه في النار يبتغون به الحُلِيّ والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زَبدَ مثله.
وقوله :﴿ فَيَذْهَبُ جُفَاء ﴾ ممدود أصله الهمز يقول : جفأ الوادي غُثَاءه جَفْثا. وقيل : الجُفَاء : كما قيل : الغُثَاء : وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القُماش والدُّقاق والغُثَاء والحُطَام فهو مصدر. ويكون في مذهب اسم على هذا المعنى ؛ كما كان العطاء اسما على الإعطاء، فكذلك الجُفاء والقماش لو أردت مصدره قلت : قمشته قمشاً. والجُفَاء أي يذهَب سريعاً كما جاء.
وقوله :﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ٢٤ ﴾ يقولون : سَلام عليكم. القول مضمر ؛ كقوله :﴿ وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا ﴾ أي يقولون : ربنا ثم تركت.
وقولَه :﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يشاء وَيَقَدِرُ ٢٦ ﴾
أي يوسّع ويَقْدِر ( أي يَقْدِر ويقَتّر ) ويقال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له في ذلك أي يَخِير له. قال ابن عباس : إنّ الله عزَّ وجلّ خلق الخلق وهو بهم عالم، فجعل الغنى لبعضهم صلاحا والفقر لبعضهم صلاحا، فذلك الخيار للفريقين.
وقوله :﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآب ٢٩ ﴾
رفع. وعليه القراءة. ولو نصب طُوبَى والحُسْن كان صَوَاباً ما تقول العَرب : الحمدُ لله والحمدَ لله. وطوبى وإن كانت اسما فالنصب يأخذها ؛ كما يقال في السبّ : الترابُ له والترابَ له. والرفع في الأسماء الموضوعة أجود من النصب.
وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ٣١ ﴾
لم يأت بعده جواب لِلَوْ فإن شئتَ جَعَلت جوابها متقدّما : وهم يكفرون – ٨٦ ب ولو أنزلنا عليهم الذي سأَلوا. وإن شئتَ كان جوابه متروكا لأن أمره معلوم : والعرب تحذف جواب الشيء إذا كان معلوما إرادةَ الإيجاز، كما قال الشاعر :
وأقسم لو شيء أتانا رَسولُه سواك ولكن لم نجد لك مَدْفعا
وقوله :﴿ بَل للَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ قال المفسّرون : ييأس : يعلم. وهو في المعنى على تفسيرهم لأن الله قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو يشاء اللهُ لهدى الناسَ جميعاً فقال : أفلم ييأسوا عِلما. يقول : يؤيِسهم العلم، فكان فيهم العلِم مضمرا كما تقول في الكلام : قد يئِست منك أَلاّ تفلح عِلما كأنك قلت : علِمته علما.
وقال الكلبىّ عن أبى صَالح عن ابن عباس قال : ييأس في معنى يعلم لغة للنَخَع. قال الفراء : ولم نجدها في العربية إلاّ على ما فسّرت. وقول الشاعر :
حتى إذا يئِس الرماة وأرْسلُوا غُضْفاً دواجِن قافلاَ أعصَامُها
معناه حتى إذا يئِسوا من كل شيء مما يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علمُوا أَن ليس وجه إلا الذي رأوْا أرسلوا. كان ما وراءه يأساً.
وقوله :﴿ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِما صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ القارعة : السريَّة من السرايا ( أَوْ تَحُلُّ ) أنت يا محمد بعسكرك ﴿ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾.
وقوله :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ٣٣ ﴾
تُرك جوابه ولم يقل : ككذا وكذا لأن المعنى مَعلوم. وقد بيَّنه ما بعده إذ قال :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ﴾ كأنه في المعنى قال : كشركائهم الذين اتَّخذوهم، ومثله قول الشاعر :
تَخَيَّرِي خُيِّرت أُمَّ عالِ *** بين قصير شَبْرُه تِنبَالِ
أذاكِ أم منخرق السربال *** ولا يزال آخر الليالي
مُتلِفَ مال ومفيدَ مال ***...
تخيّرى بين كذا وبين منخَرِق السربال. فلما أن أتى به في الذكر كفي من إعادة الإعراب عليه.
وقوله :﴿ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ﴾ باطل المعنى، أي أنه ظاهر في القول باطل المعنى.
ويقرأ :﴿ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ وبعضهم ( وصَدُّوا ) يجعلهم فاعلين.
وقوله :﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ٣٥ ﴾
يقول : صفات الجنة. قال الفراء : وحدَّثني بعض المشيخة عن الكلبىّ عن أبى عبد الرحمن السُّلَمِىّ أَن علياً قرأها :( أَمثالُ الجنّة ) قال الفراء أظن دون أبى عبد الرحمن رجلا قال : وجاء عن أبى عبد الرحمن ذلك والجماعة على كِتَاب المصحف.
وقوله :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأَنْهارُ ﴾ هو الرافع. وإن شئتَ للمَثَل الأمثال في المعنى كقولك : حِلْية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بمرفوع بالحِلية، إنما هو ابتداء أي هو أحمر أسمر، هو كذا.
ولو دخل في مِثْل هذا أنّ كان صواباً. ومثله في الكلام مَثَلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله :﴿ فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَي طَعَامِهِ إنا ﴾ من وَجْهِ ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأَنْهارُ ﴾ ومن قال ﴿ أَنا صَبَبْنا الماء ﴾ بالفتح أظهر الاسم ؛ لأنه مردود على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامُه أنا صَببنا ثم فعلنا.
وقوله :﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ٣٨ ﴾
جاء التفسير : لكل كتاب أجل. ومثله ﴿ وَجَاءتْ سَكْرَة المَوْتِ بالْحَقِّ ﴾ وذلك عن أبى بكر الصّديق رحمه الله :﴿ وجاءتْ سَكرةُ المَوْتِ بالحقِّ ﴾ لأن الحقّ أتى بها وتأتّى به. فكذلك تقول : لكل أجلٍ مؤجَّل ولكل مؤجَّل أجل والمعنى واحد والله أعلم.
قوله :﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ ما يشاء وَيُثْبِتُ ٣٩ ﴾
( ويُثَبِّتُ ) مشدّد قراءة أصحاب عبد الله وتقرأ و ( يُثْبِتُ ) خفيف. ومعنى تفسيرها أنه - عزَّ وجلَّ - تُرفع إليه أعمال العبد صغيرُها وكبيرها، فيثبت ما كان فيه عقاب أو ثواب ويمحو ما سوى ذلك.
وقوله :﴿ وَإِن ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ٤٠ ﴾ وأنت حَيّ.
﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ يكون بعد موتك ﴿ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنا الْحِسَابُ ﴾.
وقوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنا نأتِي الأَرْضَ نَنقُصُها مِنْ أَطْرَافِها ٤١ ﴾
جاء : أولم ير أهل مكّة أنا نفتح لكَ ما حَولها. فذلكَ قوله ( نَنقُصُها ) أي أفلا يخافون أن تنالهم. وقيل ﴿ نَنقُصُها مِنْ أَطْرَافِها ﴾ بموت العلماء.
وقوله :﴿ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ يقول : لا رادّ لحُكْمه إذا حَكَم شيئَا والمعقّب الذي يَكُرّ على الشيء. وقول لَبِيد :
حتّى تُهجَّر في الرَّوَاح وهاجه طلبُ المعقِّب حَقَّه المظلومُ
من ذلك لأن ( المعقِّب صَاحب الدَيْن يرجع على صَاحبه فيأخذه منه، أو من أُخِذَ منه شيء فهو راجع ليأخذه.
وقوله :﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ ٤٢ ﴾ على الجمع وأهل المدينة ( الكَافِر ).
وقوله :﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ٤٣ ﴾
يقال عَبد الله بن سَلاَم. و ( مِنْ عِنْدِه ) خفض مردود على الله عزَّ وَجل. حدثنا الفراء قال : وحدثني شيخ عن الزُّهْرِيّ رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه لما جاء يسلم سمع النبي صَلى الله عليه وسلم وهو يتلو ﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ حدثنا الفراء قال وحدَّثني شيخ عن رجل عن الحَكَم بن عُتَيْبَة ﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ ويقرأ ( وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الكِتَابِ ) بكسر الميم مِنْ ( من ).
Icon