تفسير سورة الشعراء

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿طسم﴾ قال الوالبي عن ابن عباس: ﴿طسم﴾ قسم، وهو من أسماء الله عز وجل (١)
وقال عكرمة عنه: عجزت العلماء عن علم تفسيرها (٢).
وقال مجاهد: ﴿طسم﴾ اسم السورة (٣).
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن (٤).
وقال محمد بن كعب: أقسم الله سبحانه بطوله وسنائه وملكه (٥)
= كلمة الشعراء. ثم قال في تسميتها بالجامعة: ولم يظهر وصفها بهذا الوصف، ولعلها أول سورة جمعت ذكر أصحاب الشرائع المعلومة إلى الرسالة المحمدية".
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٥٨، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٤٧، كلاهما من طريق علي بن أبي طلحة. وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ. قال البغوي ٦/ ١٠٥: روى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٧ أ. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٦٩، ولم ينسبه.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٧ أ. ولم أجده في "تفسير مجاهد".
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٣. وعنه ابن جرير ١٩/ ٥٨. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٤٧، من طريق آخر عنه وفيه زيادة: "اسم من أسماء القرآن، أقسم به ربك". وبهذه الزيادة ذكره الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ، عن قتادة وأبي روق.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٧ أ. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٠٥. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٤٧، عن محمد بن كعب: "الطاء من الطول، والسين من القدوس، والميم من الرحمن". وفي "تنوير المقباس" ص ٣٠٦: في قول: الطاء طوله وقدرته، والسين سناؤه، والميم ملكه. ويقال: قسم أقسم به.. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٤٧، عن الحسن البصري، قال: "فواتح افتتح الله بها كتابه أو القرآن". =
واختلف القراء في إخفاء النون وتبيينه من: سم (١). والوجه التبيين؛ لأن حروف الهجاء في تقدير الانفصال والانقطاع مما بعدها، وإذا كان كذلك وجب التبيين؛ لأنها إنما تخفى إذا اتصلت بحرف من حروف الفم، فإذا لم تتصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها (٢).
ووجه إخفائها: أن همزة الوصل قد وصلت، ولم تقطع مع هذه الحروف، وهمزة الوصل إنما تذهب في الدَّرْج، فكما سقطت همزة الوصل في ﴿الم﴾ وهي لا تسقط إلا مع الدَّرْج، كذلك لا تُبين النون ويقدر فيها الاتصال بما قبلها ولا يقدر فيها الانفصال (٣).
٢ - وقوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ تفسيره قد تقدم في قوله:
= وقد ذكر الماوردي ٤/ ١٦٤، عن من لم يسمه من أهل الخواطر آراءً غريبة في بيان معاني هذه الأحرف. ونحو ذلك ذكر الرازي ٢٤/ ١١٨. وقد أطال في ذكرها البرسوي، في تفسيره ٦/ ٢٥٨. قال أبو حيان ٧/ ٥: "وتكلموا على هذه الحروف بما يشبه اللغز، والأحاجي فتركت نقله إذ لا دليل على شيء مما قالوه". وهذا موقف حسن؛ والأقرب أن هذه الحروف ابتدأ بها للدلالة على الإعجاز والتحدي، وأن هذا القرآن مكون من هذه الحروف التي تنطقونها وتتكلمون بها، فهي لا تدل على معنى في أصل وضعها. راجع "تفسير ابن كثير" ١/ ١٥٦ - ١٦٢.
(١) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (طَسم) بفتح الطاء، وإدغام النون، ولم يظهر النون في (طسم) غير حمزة، من السبعة، وشاركه في ذلك أبو جعفر. "السبعة في القراءات" ٤٧٠، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٥، وابن خالويه، في "إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٠. والأزهري، في معاني القراءات ٢/ ٢٢٣، ثم قال: "وإدغام النون في الميم حسن، لقرب مخرجيهما، ومن اختار التبيين حسن". و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ١٩.
(٢) في (أ)، (ب): إخفاء هذا.
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٦، بنصه.
﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ١، ٢] (١)، وقوله: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ في ابتداء سورة يوسف.
٣ - قوله: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ قال أبو عبيدة: مهلك نفسك (٢). وقال المبرد: الباخع: المهلك، يقال: بخع زيد نفسه إذا أهلكها، وبخعه الحب إذا أهلكه وأذابه (٣).
وأنشد أبو عبيدة:
ألا أيُّهذا الباخعُ الوجْدُ نفسَه لشيءٍ نَحتْه عن يديه المقادرُ (٤)
ومضى الكلام في تفسير الباخع في نظير هذه الآية: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ الآية، [الكهف: ٦].
قال المفسرون: لما كذبت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شق ذلك عليه، واشتد حتى أثر فيه، وكان يشتد حرصه على إيمانهم فأنزل الله عز وجل هذه
(١) قال الواحدي في تفسير هذه الآية من سورة البقرة: "قال أبو الهيثم: ذا، اسم كل مشار إليه يراه المتكلم والمخاطب كقولك: ذا الرجل، وذا الفرس، فإذا بعد المشار إليه زادوا كافاً فقالوا: ذاك الرجل، وهذه الكاف ليست في موضع نصب ولا خفض ولا رفع، وإنما أشبهت كاف أخاك وعصاك فتوهم السامع أنها في موضع خفض، فلما دخل فيها هذا اللبس زادوا: لاماً، فقالوا: ذلك أخوك".
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٣. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٥.
(٣) قال الزمخشري ٣/ ٢٩٠: "البخع: أن يبلغ بالذبح البخاع، وهو: عِرق مستبطن الفقار، وذلك أقصى حد الذابح". وذكره الرازي ٢٤/ ١١٨، ولم ينسبه.
(٤) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٣، ونسبه لذي الرمة، وهو في ديوانه ٣٦١، وفيه: عن يديك، وفيه: الباخع: القاتل، ونحته: عدلته، وصرفته. والوجد: الحزن. وأنشده المبرد، في "المقتضب" ٤/ ٢٥٩، وابن جرير ١٩/ ٥٨، والأزهري، "تهذيب اللغة" ١/ ١٦٨، ولم ينسبوه. وذكره الماوردي ٤/ ١٦٤، منسوبًا لذي الرمة، بلفظ: بشيء نحته.
الآية (١)، وهي كالإنكار عليه شدة حرصه؛ وذلك أنه كان يعلم أن الله عز وجل إن لم يهدهم لم يهتدوا فما يغني عنه (٢) حرصه على إيمانهم، واشتداد تكذيبهم عليه (٣).
قال ابن عباس في قوله: ﴿بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾: قاتل نفسك (٤).
قوله تعالى: ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ قال أبو إسحاق: موضع (أن) نصب مفعول له، المعنى: لعلك (٥) قاتل نفسك لتركهم الإيمان (٦).
ثم أعلم عز وجل أنه لو أراد أن ينزل ما يضطرهم إلى الطاعة لقدر على ذلك إلا أنه عز وجل تعبدهم بما يستوجبون به الثواب مع الإيمان، ولو نزل على كل من عَنَدَ عن الحق عذابٌ لخضع مضطرًّا، وآمن إيمان من لا يجد مذهبًا عن الإيمان (٧)، وهو قوله:
٤ - ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ قال ابن
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٧ أ.
(٢) هكذا في جميع النسخ: عنه. وفي "الوسيط" ٣/ ٣٥٠، عنهم، وهي أولى.
(٣) "تفسير مقاتل" ٤٨ أ. بمعناه. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧٠.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٥٨. وأخرجه عبد الرزاق، في تفسيره ٢/ ٧٣، عن قتادة، وعنه ابن جرير ١٩/ ٥٨. وهو في "تفسير مقاتل" ٤٨ أ. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٤٨، عن مجاهد. ثم قال: "وروي عن الحسن، وعكرمة، وقتادة، وعطية، والضحاك مثل ذلك". وذكره الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ، ولم ينسبه. وذكر الماوردي ٤/ ١٦٤، عن عطاء وابن زيد: مخرج نفسك. وذكره الطوسي ٨/ ٤، عن ابن زيد، بلفظ: مخرج نفسك من جسدك.
(٥) في نسخة (أ)، (ب): أهلك.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢. ونحوه في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٥، وعنه ابن جرير ١٩/ ٥٩. واختار النحاس قول أبي إسحاق، في "إعراب القرآن" ٣/ ١٧٤.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢، باختصار.
11
جريج: ولو شاء لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية (١). وقال قتادة: لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله (٢).
قال أبو إسحاق: قوله ﴿فَظَلَّتْ﴾ معناه: فتظل، والجزاء يقع فيه لفظ الماضي بمعنى المستقبل، تقول: إن أتيتني أكرمتك، معناه: أكرمك (٣).
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٥٩. وذكره الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ.
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٣. وعنه ابن جرير ١٩/ ٥٩. وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٠. وأخرج ابن جرير ١٩/ ٥٩ عن ابن عباس: (ملقين أعناقهم). ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [هود: ١١٨]. قال ابن كثير ٦/ ١٣٥: "فنفذ قدره، ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم".
وذكر الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ، بإسناده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قولاً غريباً في المراد بهذه الآية، قال: نزلت هذه الآية فينا، وفي بني أمية، قال: سيكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، وهوان بعد عزة. وقد تبع الثعلبي في سياق هذه الرواية دون تعليق عليها عدد من المفسرين، كالزمخشري ٣/ ٢٩١، والطبرسي ٧/ ٢٨٩، والقرطبي ١٣/ ٩٠، وقال بعد سياقها: فالله أعلم. وأبو حيان ٧/ ٧، ولم يتعقبها. وقد أحسن الواحدي في إعراضه عن ذكر هذه الرواية في تفاسيره الثلاثة، وإن كان الأولى أن يرد هذه الرواية، وينقضها، وممن أعرض عن ذكرها ابن كثير، والسيوطي، والشوكاني، وغيرهم، ولم أر من تعقب هذه الرواية غير ابن عاشور ١٩/ ٩٧، حيث قال: (ومن بدع التفاسير وركيكها ما نسبه الثعلبي إلى ابن عباس، أنه قال: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، ويلحقهم هوان بعد عزة. وهذا من تحريف كلم القرآن عن مواضعه، ونحاشي ابن عباس -رضي الله عنه- أن يقوله، وهو الذي دعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يعلمه التأويل والقرآن أجل من أن يتعرض لهذه السفاسف).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢.
12
وهذا الذي ذكره (١) مختصر مما بسطه الفراء؛ وهو أنه قال: لك ﴿إن﴾ تعطف على مجزوم الجزاء بفَعَل؛ لأن الجزاء يصلح في موضع يفعَل فعل (٢)، ألا ترى أنك تقول: إن زرتني زُرتك، وإن تزرني أزرك، والمعنى واحد، ولذلك صلح ﴿فَظَلَّتْ﴾ مردودة على يفعل، وأنشد:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرَحًا (٣)
بمعنى: يطيروا.
قال أبو علي فيما أصلح على أبي إسحاق: اعلم أن الجزاء يكون على ثلاثة أضرب: يكون بالفعل وبالفاء وبإذا، فإذا كان بالفعل جاز أن يقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء كما جاز أن يقع موقعه في الشرط؛ لأن الحرف يقلب المعنى إلى الاستقبال كما تفعل ذلك لم، في النفي، ولا، في قولك: واللهِ لا فعلت، فتقول على هذا: إن أتيتني أتيتك، تريد إن تأتني آتك، فتوقع الماضي موقع المستقبل في الجزاء، كما أوقعته في الشرط، وإن كان ذلك في الشرط أبين؛ لأن الحرف يخلص عمله في الفعل [الذي يلحق بشرط (٤)، ولا يخلص عمله في الجزاء، ألا ترى أن الجزاء لا يخلو
(١) في نسخة (أ)، (ب)، هنا تكرارة وهو: في معنى المستقبل، تقول: إن أتيتني أكرمتك، معناه: أكرمك.
(٢) في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٦، فعل يفعل.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٦، ولفظ البيت عنده:
إن يسمعوا سُبَّة طاروا بها فرحاً مني وما يسمعوا من صالح دفنوا
وأنشده أبو عبيدة، "مجاز القرآن" ٢/ ٧، وابن جني، "المحتسب" ١/ ٢٠٦، ولم ينسباه، ونسبه في "حاشية المحتسب" لقعنب بن أم صاحب، واسمه: ضمرة، أحد بني عبد الله بن غطفان.
(٤) في كتاب أبي علي: الذي هو الشرط. بدل: الذي يلحق بشرط.
13
من أن يكون معمولًا للحرف، والفعل أو] (١) للفعل (٢) دون الحرف وليس في القسمة أن يكون معمولًا لأن، فينجزم كما انجزم به الشرط (٣)، ولم نعلم أحدًا ذهب إلى ذلك إلا أن الجزاء قد جاز فيه من هذا ما جاز في الشرط من حيث صار كالجملة الواحدة، فأما ما بعد الفاء فمنقطع عن: إن، وعن أن يكون لها عمل (٤)، ألا ترى أن الفاء إنما تجتلب في جواب الشرط إذا كانت الجملة الموقعة في موضع الجزاء من مبتدأ وخبر، والمبتدأ أو الخبر لا يتعلق بأن لأنها من عوامل الأفعال، وما أخلص لها من دون الأسماء، فإذا كان كذلك لم تدخل عليها ولم تتعلق بها فاجتلبت الفاء وإذا ليُتوصل بها إلى كون الجملة التي من المبتدأ والخبر في موضع الجزاء كما يتوصل بالذي إلى وصف المعارف بالجمل وبذو، التي بمعنى: صاحب إلى (٥) [الوصف بالأجناس] (٦) ومن ثم كانت هذه الآي (٧) محمولة عند سيبويه على إرادة المبتدأ، وهو قوله: ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ [الجن: ١٣] وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾ [البقرة: ١٢٦] ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٩٥] وكان موضع الفاء مع ما بعدها من الجملة جزمًا بدلالة قوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٦]
(١) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٢) في نسخة (ب): (والفعل).
(٣) في كتاب أبي علي: فينجزم بها كما انجزم بها الشرط.
(٤) في كتاب أبي علي، زيادة: فيه.
(٥) في كتاب أبي علي زيادة وهي (وصف الجوهر، وبأن الموصولة بالفعل إلى مختص بالمصدر الآتي أو بالماضي).
(٦) ما بين المعقوفين، غير موجود في كتاب أبي علي.
(٧) في كتاب أبي علي: الجملة. بدل: الآي.
14
بالجزم (١)، ولهذا أيضًا حُمل:
إنك إن يُصرعْ أخوك تصرعُ (٢)
ونحوه على التقديم (٣)، فإذا كان حكم الفاء في الجزاء ما ذكرنا وكانت إذا بمنزلتها في قوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] وقوله: ﴿وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة: ٥٨] بان أن عمل إن منقطع عما بعد الفاء من هذه الأفعال لخروج الفعل الذي بعدها [أن يكون جزاء] (٤) ووقوعه في موضع خبر المبتدأ يوضح ما ذكرنا أنك لو جئت بمثال المستقبل بعد الفاء لم يجزمه، لا تقول: إن تأتني فأكرمك كما تقول: إن تأتني أكرمك، وفي امتناع هذا دلالة على أن الفعل بعد الفاء منقطع عن عامل الجزم، فإذا انقطع عنه لم يجز أن يقع الماضي موقع المستقبل على حد ما كان يقع قبل أن تقطع الفاء وتحجز عمل الجازم، وإذا كان كذلك ثبت أنه على خلاف ما ذهب إليه أبو إسحاق،
(١) بالجزم قراءة حمزة والكسائي. "السبعة في القراءات" ٢٩٩، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٢١٦، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٢٧٣.
(٢) أنشده كاملاً سيبويه، "الكتاب" ٣/ ٦٧، ونسبه لجرير بن عبد الله البجلي، وصدره:
يا أقرع بن حابس يا أقرع
ثم قال سيبويه: أي: إنك تُصْرَعُ إن يُصْرَعْ أخوك. وفي الحاشية: كان جرير البجلي تنافر هو وخالد بن أرطأة الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي، وكان عالم العرب في زمانه فقال جرير هذا عند المنافرة. وأنشده المبرد، "المقتضب" ٢/ ٧٢، ولم ينسبه، وفي الحاشية: استشهد به سيبويه على التقديم والتأخير، والتقدير عنده: إنك تُصرع إن يصرع أخوك.
(٣) وقد استشهد به المبرد على ذلك، وذكر غيره "المقتضب" ٢/ ٧٢.
(٤) ما بين المعقوفين، غير موجود في كتاب أبي علي.
15
وتبينت الخلل في قول أبي إسحاق: معنى ﴿فَظَلَّتْ﴾ فتظل؛ لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي موقع المستقبل (١)، وأن الماضي لم يقع موقع المستقبل هنا من حيث ذكره، ولكن كما يقع في غير هذا الماضي بمعنى الاستقبال (٢).
وقال أبو علي (٣) في هذا الإصلاح: حيث جعل الفاء من ﴿فَظَلَّتْ﴾ جوابًا للشرط. والفاء في ﴿فَظَلَّتْ﴾ ليس جوابًا للشرط؛ بل هي للعطف على جواب الشرط؛ لأن جواب الشرط قد تقدم في قوله: ﴿نُنَزِّلْ﴾ ثم عطف عليه بالماضي، وعاد الكلام إلى ما قاله الزجاج والفراء.
وقوله: ﴿أَعْنَاقُهُمْ﴾ كثير من المفسرين يجعلون الأعناق هاهنا جمع العنق التي هي العضو (٤). وعلى هذا قال: ﴿خَاضِعِينَ﴾ ولم يقل: خاضعة، كما قال: ﴿فَظَلَّتْ﴾ لأجل رؤوس الآي، وجاز ذلك؛ لأن المؤنث إذا أضيف إلى المذكر وكان بعضًا منه جاز تذكيره، وذلك أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فتُرك الخبر عن الأعناق وأُخبر عن أربابها. وهذا قول الأخفش، والفراء، والزجاج، والمبرد، وجميع النحويين؛ قالوا: يجوز أن يُترك المضاف وُيخبر عن المضاف إليه، فيكون كالخبر عن المضاف (٥)، وأنشدوا:
(١) يوجد هنا تكرار في نسخة (أ)، قدره: سطر ونصف.
(٢) الجزء الثاني من كتاب "الإغفال" ٢١٨ ب، ٢١٩ أ، ب. مع شيء يسير من الاختلاف.
(٣) لعل الصواب: وقول أبي علي؛ لأن هذا نقد لكلام أبي علي.
(٤) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٥٩، وقد أخرجه عن مجاهد، وقتادة.
(٥) "المقتضب" ٤/ ١٩٩، وفيه: وأما ما عليه جماعة أهل النحو، وأكثر أهل التفسير، =
16
مشين كما اهتزت رماحٌ تسفهتْ أعاليها مرُّ الرياحِ النواسمِ (١)
كأنه قال: تسفيها الرياح (٢)، وترك من الرياح النواسم.
وقول آخر:
لَمَا رأى مَتْنَ السماء انْقَدَّتِ (٣)
= فيما أعلم، فإنه أضاف الأعناق إليهم، يريد: الرقاب، ثم جعل الخبر عنهم؛ لأن خضوعهم بخضوع الأعناق. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٧، و"معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٤. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٣. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢. قال السمرقندي ٢/ ٤٧٠: "لأن الكلام انصرف إلى المعنى فكأنه قال: هم لها خاضعون. وليس فيها: لأجل رؤوس الآي"، وقد ذكره الثعلبي ٨/ ١٠٧ ب. قال البغوي ٦/ ١٠٦: وقيل: إنما قال: ﴿خَاضِعِينَ﴾ على وفاق رؤوس الآي، ليكون على نسق واحد. ولم ينسبه.
وذكر هذا القول ابن عطية ١١/ ٩٠، فقال: الإضافة إلى من يعقل أفادت حكمه لمن لا يعقل، كما تفيد الإضافة إلى المؤنث تأنيث علامة المذكر.
(١) البيت لذي الرمة، ديوانه ٢٦٦، بلفظ: رويداً، بدل: مشين. وأنشده سيبويه، "الكتاب" ١/ ٥٢، ونسبه لذي الرمة، وفي الحاشية: جعل النساء في اهتزازهن حين يمشين بمنزلة الرماح تستخفها الريح فتزعزعها. وأنشده المبرد، "المقتضب" ٤/ ١٩٧، والزجاج، "معاني القرآن" ٤/ ٨٣، ولم ينسباه. ولم أجد هذا البيت عند الفراء، ولا الأخفش، ولم أجده عند ابن جرير، ولا الثعلبي.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٣، وفيه: تسفهتها الرياح.
(٣) أنشده الأخفش في "معاني القرآن" ٢/ ٦٤٤، ولم ينسبه. وفي الحاشية: لم تفد المراجع شيئاً في القول والقائل؟. ولم أجده عند الفراء. ونسبه ابن جرير ١٩/ ٦٠، للعجاج، وفيه: أبعدت، بدل: انقدت. وفي الحاشية: لم أجد البيت في "ديوان العجاج"؟ والمتن الظهر، والشاهد في هذا الرجز أنه أنث الفعل: أبعدت، بالتاء، مع أن الضمير فيه راجع إلى المتن، وهو مذكر، لكن لما أضيف المتن إلى السماء وهي مؤنثة فكأن الشاعر أعاد الضمير على السماء وتناسى المتن، فأنث لذلك. وأنشده الثعلبي ٨/ ١٠٧ ب، منسوبًا للعجاج. والبيت في ديوان العجاج ص ٢١٩، =
17
وقول الأعشى:
كما شَرِقَتْ صدْرُ القَنَاةِ من الدَّم (١)
وقال جرير:
رأت مَرَّ السنينَ أخذْنَ مِنِّي (٢)
وأنشد أبو عبيدة:
إذا بعضُ السنينَ تعرَّقتْنَا كفى الأيتامَ فقدَ أبي اليتيمِ (٣)
= بلفظ:
إذا رأى متن السماء انقدت وحيَ الإله والبلادَ رُجَّتِ
(١) أنشده كاملاً ونسبه للأعشى: سيبويه "الكتاب" ١/ ٥٢، وأنشده المبرد، "المقتضب" ٤/ ١٩٧، ولم ينسبه، وكذا الأخفش في "معاني القرآن" ٢/ ٦٤٤، وصدره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعتَه
ولم أجده عند الفراء. وأنشده ابن جرير ١٩/ ٦٠، والثعلبي ٨/ ١٠٧ ب. ونسباه للأعشى. وهو في ديوانه ١٨٣، من قصيدة له في هجاء عمير بن عبد الله بن المنذر. وفي "حاشية ابن جرير": صدر القناة: أعلاها، والشاهد من البيت أنه أنث الفعل: شرق، بالتاء، مع أن فاعله وهو: صدر، مذكر ولكنه لما أضيف إلى القناة وهي مؤنثة فكأنه جعل الفعل للقناة لا لصدرها.
(٢) ديوان جرير ٣٤١، من قصيدة يهجو فيها الفرزدق، والبيت بتمامه:
رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
والسرار: آخر الشهر.
وذكر صدره المبرد في "المقتضب" ٤/ ٢٠٠، ولم ينسبه. وذكره كاملاً أبو عبيدة، في "مجاز القرآن" ٢/ ٨٣، وابن جرير ١٩/ ٦٢، والثعلبي ٨/ ١٠٧ ب، والطوسي ٨/ ٦، ونسبوه لجرير، وأنشده الزجاج، "معاني القرآن" ٤/ ٨٢، ولم ينسبه قال أبو عبيدة: (رجع إلى السنين، وترك: مرَّ).
(٣) أنشده سيبويه، "الكتاب" ١/ ٥٢، ونسبه لجرير، وهو في ديوانه ٤١٢، من قصيدة له في مدح هشام بن عبد الملك، وفي حاشية "الكتاب": السنة: الجدب، =
18
تركوا المضاف وأخبروا عن المضاف إليه.
قال الفراء: جعل الفعل أولاً للأعناق، ثم جعل خاضعين للرجال (١).
وقال الأخفش: تجعل الخضوع مردودًا على المضمرة التي أضاف الأعناق إليها (٢).
وقال الزجاج: لما لم يكن الخضوع إلا بخضوع الأعناق جاز أن يخبر عن المضاف إليه (٣).
وذهب مجاهد في تفسير الأعناق إلى أنها الرؤساء والكبراء (٤). فصار معنى الآية: فظلت رؤساء القوم لها خاضعين (٥).
= وتعرقتنا: ذهبت بأموالنا كما يتعرق الآكل العظم فيذهب ما عليه من اللحم. وأنشده المبرد في "المقتضب" ٤/ ١٩٨، ولم ينسبه، وفي حاشيته: استشهد به سيبويه على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه. ولم أجده في "مجاز القرآن". ولا في "تفسير الثعلبي".
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٧.
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٤، بمعناه.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢. قال ابن جرير ١٩/ ٦٢: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك: أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال، وأن يكون معنى الكلام: فظلت أعناقهم ذليلة، للآية التي ينزلها الله عليهم من السماء، وأن يكون قوله: ﴿خَاضِعِينَ﴾ مذكراً؛ لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق).
(٤) ذكره عنه الفراء، في "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٧، والثعلبي، في "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ. ولم أجده في "تفسير مجاهد". وذكره ابن جرير ١٩/ ٥٩، ولم ينسبه، وأخرج بسنده عن مجاهد: (فظلوا خاضعة أعناقهم لها من الذلة).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٧. واختار هذا القول، هود الهواري، في "تفسيره" ٣/ ٢٢١.
19
ومن الناس من يفسر الأعناق بالجماعات وهو قول (١) كثير من المفسرين، يقال: جاء القوم عُنُقُا عُنُقُا إذا جاءوا فِرَقًا، كل جماعة منهم عنق (٢)، ومنه قول الشاعر:
أنَّ العراق وأهله عنق... إليك فهيت هيتا (٣)
أراد أنهم مالوا إليك جميعاً.
ويقال: هم عُنق واحد عليه، أي: جماعة (٤).
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: العُنق: الجمع الكثير من الناس (٥).
قال المبرد: وهذا قول أبي زيد في هذه الآية قال: أعناقهم: جماعاتهم (٦).
(١) قول. في نسخة (ج).
(٢) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٢ (عنق). وذكره الفراء، في "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٧، والأخفش ٢/ ٦٤٥. والثعلبي ٨/ ١٠٨ أ، وصدره بقوله: (وقيل: أراد بالأعناق الجماعات والطوائف من الناس). أخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ قال: العنق الجماعة من الناس "الدر المنثور" ٦/ ٢٨٩، و"غريب القرآن" في شعر العرب ٢١١.
(٣) قال أبو عبيدة: أنشدني أبو عمرو بن العلاء:
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا... أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا
يريد: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- "مجاز القرآن" ١/ ٣٠٥. وأنشده الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٢ (عنق)، ولم ينسبه، وكذا في "اللسان" ١٠/ ٢٧٣. وذكره الثعلبي ٨/ ١٠٨ أ، وابن عطية ١١/ ٨٩، وأبو حيان ٧/ ٦، ولم ينسبوه.
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٢ (عنق).
(٥) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٣ (عنق)، بنصه.
(٦) "المقتضب" ٤/ ١٩٩، ونسبه لأبي زيد الأنصاري.
20
وقال النضر: العنق: جماعة من الناس (١).
وقال الأخطل:
وإذا المئون تُؤوكِلتْ أعناقُها فاحملْ هُناك على فتًى حمَّالِ (٢)
قال ابن الأعرابي: أعناقها: جماعتها (٣).
وقال غيره: ساداتها (٤). والقولان في تفسير الأعناق: أنها الجماعات، والرؤساء؛ حكاهما الفراء والزجاج وذكراهما (٥).
٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ أي: وعظ وتذكير من الله، يعني: القرآن (٦) ﴿مُحْدَثٍ﴾ في الوحي والتنزيل (٧).
قال الكلبي: كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول (٨).
(١) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٤ (عنق).
(٢) يمدح الأخطل في هذا البيت عكرمة الفياض، كاتب بشر بن مروان الذي كان قد أدى عنه حمالة حملها ليحقن دماء بني قومه، يقول: إذا ما قتل مئات القتلى، ولم تؤد دياتهم فعليك بعكرمة انقل إليه حاجتك يتكفل بها. "شرح ديوان الأخطل" ٢٥٠. وأنشده الأزهري ١/ ٢٥٤ (عنق)، منسوبًا للأخطل، وكذا في "اللسان" ١٠/ ٢٧٣.
(٣) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٤ (عنق).
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٤ (عنق)، ولم يسمه.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٧. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٣.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ، بنصه. أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٠، عن قتادة: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ.
(٨) "الوسيط" ٣/ ٣٥١، منسوبًا للكلبي. وكذلك البغوي ٦/ ١٠٦. وهو في "تنوير المقباس" ٣٠٦، بمعناه.
وذكرنا هذا في أوائل سورة الأنبياء (١).
٦ - وقوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ قال صاحب النظم: قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ بعد قوله: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ جعل إعراضهم تكذيبًا؛ لأن من أعرض عن شيء ترك قبوله، [وإذا ترك قبوله] (٢) فقد دل على تكذيبه به. وهذا من باب الإيماء.
وقوله: ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وعيد لهم (٣). قال ابن عباس: سوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا واستهزؤا به (٤).
قال الكلبي: فوقع بهم العذاب يوم بدر (٥). يعني: أن هذا الوعيد الذي أوعدوا به في هذه الآية لحقهم يوم بدر.
قال أبو إسحاق: المعنى: فسيعلمون نبأ ذلك في القيامة، قال: وجائز أن يعجل لهم بعض ذلك في الدنيا نحو ما نالهم يوم بدر (٦). وقال صاحب النظم: جعل تكذيبهم استهزاء فدل ذلك على أن كل من كذب بحق فكأنه (٧) قد استهزأ به، ومن أعرض عنه ولم يقبله فقد كذبه. قال: وأنباؤه ظهوره على الأديان كلها، وإيمان الناس به كافة، قال: ويقال أمر له نبأ، أي: عاقبته محمودة. هذا كلامه.
(١) عند قوله تعالى ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾.
(٢) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ.
(٤) ذكره القرطبي ١٣/ ٩٠، ولم ينسبه.
(٥) "تنوير المقباس" ٣٠٦، بلفظ: من العذاب. دون تحديد.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٣.
(٧) في نسخة (ب): (فقد استهزأ به).
وتحقيق المعنى: فسيأتيهم أخبار ما كذبوا واستهزؤا به من اجتماع الناس عليه بالإيمان؛ على ما ذكره صاحب النظم. وعلى ما ذَكر المفسرون: أخبار عاقبة تكذيبهم بما كذبوا به واستهزائهم؛ وهي: العذاب والنِّقمة (١).
ثم ذكر ما يدلهم على قدرته فقال:
٧ - ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ﴾ يعني هؤلاء المكذبين (٢) ﴿كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا﴾ بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها.
﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ قال ابن عباس: من كل صنف من أصناف الفواكه وغير ذلك حسن طيب (٣).
وقال الكلبي: من كل ضرب حسن في المنظر (٤).
وقال مجاهد: من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام (٥). وهذا كقوله: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥، ق: ٧]، قال الفراء: هو كما يقال للنخلة: كريمة إذا طاب حملها، أو كثر، وكما يقال للشاة والناقة: كريمة إذا غَزُرَتا (٦).
(١) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٢، بمعناه.
(٢) في "تنوير المقباس" ٣٠٦: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ كفار مكة.
(٣) "تفسير مقاتل" ٤٨ أ، بمعناه. وأخرج عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٧٣، عن قتادة: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ قال: حسن. وقال به ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ٤٩٥، و"غريب القرآن" ٣١٦.
(٤) في "تنوير المقباس" ٣٠٦: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ من كل لون ﴿كَرِيمٍ﴾ حسن في المنظر.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٠. و"تفسير مجاهد" ٢/ ٤٥٩.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨، وفيه: إذا طاب حملها أو أكثر.
23
ويكون أبين لهم (١)، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ الآية، [إبراهيم: ٤] وقوله: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾ مفسر (٢) في هذه السورة.
١٠٧ - ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [قال ابن عباس: ائتمني الله على رسالته، وبعثني إليكم (٣). وهو قول مقاتل:] (٤) أمين على الرسالة فيما ينكم وبين ربكم (٥).
وقال الكلبي: كان فيهم أمينًا قبل ذلك (٦).
١٠٨ - ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ بطاعته وعبادته ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد.
١٠٩ - ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ قال مقاتل: وذلك أنهم قالوا للأنبياء: إنكم تريدون أن تتملكوا علينا في أموالنا! فردت عليهم الأنبياء فقالوا: وما نسألكم عليه من أجرة يعني: على الإيمان جُعلا.
﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ ما جزائي وثوابي ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٧).
١١١ - وقوله: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ﴾ قال مقاتل: أنصدق بقولك (٨) ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ الواو هاهنا للحال، ومعها: قد، مضمرة؛ لأن واو الحال قَلَّ ما تصحب الأفعال، ولهذا قرأ من قرأ: (وأتْباعُك) قال الفراء:
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥.
(٢) في نسخة (أ): تفسر. وفي نسخة (ب): تفسر في هذه الآية السورة.
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٠، بمعناه.
(٤) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
83
وهو وجه حسن (١).
وقال الزجاج: هي في العربية جيدة؛ لأن واو الحال تصحب الأسماء أكثر في العربية؛ لأنك تقول: جئتك وأصحابك الزيدون، ويجوز: وصحبك، والأكثر: جئتك وقد صحبك الزيدون (٢). ومعنى ﴿الْأَرْذَلُونَ﴾ هو كمعنى الأراذل وقد مر (٣).
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد المساكين بأنهم شرار الناس ليس لهم مال ولا عز (٤).
وقال مقاتل، والكلبي: يعنون السفلة (٥). وكان آمن شرح بنوه، ونساؤه، وأُناس من ضعفاء قومه (٦).
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١، ولفظه: "وذكر أن بعض القراء قرأ: وأتباعك الأرذلون. ولكني لم أجده عن القراء المعروفين، وهو وجه حسن". وهي قراءة يعقوب الحضرمي (وأتْباعُك) بقطع الهمزة، وإسكان التاء مخففة، وضم العين وألف قبلها على الجمع. المبسوط في القراءات العشر ٢٧٥، و"الشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٥. ونسب ابن جني هذه القراءة لابن مسعود والضحاك وطلحة وابن السميفع ويعقوب وسعيد بن أبي سعيد الأنصاري. المحتسب ٢/ ١٣١. قال الأزهري: " (وأتباعك) جمع تابع، كما يقال: صاحب، وأصحاب، وشاهد وأشهاد، ومعناه: وأشياعك الأرذلون". معاني القراءات ٢٢٧.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥.
(٣) في قوله تعالى: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود ٢٧].
(٤) "تفسير الوسيط" ٣٥٧/ ٣، من قول عطاء. و"زاد المسير" ٦/ ١٣٤.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٠. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٨، عن قتادة.
(٦) ومراده ببنيه: الأكثر؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢].
84
وقال الزجاج: معنى ﴿زَوْجٍ﴾ نوع. ومعنى (١) ﴿كَرِيمٍ﴾ محمود فيما يحتاج إليه، والمعنى: من كل زوج نافع لا يقدر على إنباته وإنشائه إلا رب العالمين (٢).
٨ - وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ يعني: ما ذُكر من الإنبات في الأرض ﴿لَآيَةً﴾ لدلالة تدل على أن الله تعالى قادر لا يعجزه شيء. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: ﴿لَآيَةً﴾ قال: علامة، كالعلامة تكون بين الرجل وأهله، يقول: هذا خاتمي (٣). يعني: كما يُستدل بالخاتم على ما أُعلم به عليه؛ كذلك بالإنبات من الأرض يُستدل على النشر والإحياء.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [قال الفراء ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾] (٤) في علم الله. يقول: قد سبق في علمي أن أكثرهم لا يؤمنون (٥). وقال أبو إسحاق: أي: قد علم الله عز وجل أن أكثرهم لا يؤمن أبدًا، وهذا إعلام من الله تعالى أن أكثرهم لا يؤمن (٦).
(١) ومعنى. في نسخة (أ)، (ب).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٣. قال الماوردي ٤/ ١٦٥: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ أي: نوع معه قرينه من أبيض وأحمر، وحلو وحامض.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥١.
(٤) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨، وفيه: يقول: لهم في القرآن وتنزيله آية، ولكن أكثرهم في علم الله لن يؤمنوا.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٤. وذهب مقاتل إلى أن الضمير يرجع إلى كفار مكة، فقال ٤٨ أ: يعني أكثر أهل مكة. وذهب الهواري، في "تفسيره" ٣/ ٢٢٢، إلى العموم، فقال: يعني من مضى من الأمم.
٩ - ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ قال ابن عباس: المنتقم (١) من أعدائه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بأوليائه (٢).
وقال ابن جريج: عزيز بالانتقام من أعدائه، رحيم بإنجاء المؤمنين بما يُهلك به أعداءه (٣).
وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى ينتقم من أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- بإهلاكهم وتعذيبهم وينجي المؤمنين (٤).
١٠ - قوله: ﴿وَإِذْ نَادَى﴾ قال الزجاج: موضع ﴿إِذْ﴾ نصب؛ على معنى: واتل هذه القصة فيما تتلو؛ ودليل ذلك قوله عطفا على هذه القصة: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الشعراء: ٦٩] (٥).
ومعنى النداء: الدعاء بـ: يا فلان، فنادى الله موسى حين رأى الشجرة والنار (٦)، بأن قال له: يا ﴿مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (٧) قال ابن
(١) في نسخة (أ)، (ب): (المسمى).
(٢) "الوسيط" ٣/ ٣٥١، غير منسوب. وفي "تنوير المقباس" ٣٠٦: ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ بالنقمة منهم ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٣. وأوله: كل شيء في الشعراء، من قوله: "عزيز رحيم"، فهو ما أهلك ممن مضى من الأمم.
(٤) جعل مقاتل الرحمة راجعة إلى الكفار، فقال ٤٨ أ: ﴿الرَّحِيمُ﴾ حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
(٥) "معاني القرآن" ٤/ ٨٤. قال مقاتل ٤٨ أ: يقول: وإذ أمر ربك يا محمد موسى.
(٦) ذكره البغوي ٦/ ١٠٧، ولم ينسبه. أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥١، عن السدي: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ قال: حين نودي من جانب الطور الأيمن.
(٧) الذي طهر من صنيع الواحدي أنه يثبت النداء في الآية على ظاهره، وهذا يدل على إثبات صفة الكلام لله عز وجل.
عباس: يريد: المشركين (١).
قال أهل المعاني: يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وظلموا بني إسرائيل بسومهم سوء العذاب (٢).
قال ابن عباس: ثم أخبر عنهم فقال:
١١ - ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ (٣) قال الفراء: لو قرئ: ﴿أَلَا تتقون﴾ بالتاء (٤) كان صوابًا؛ لأن موسى أُمر بأن يقول لهم: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾ فكانت التاء تجوز لخطاب موسى إياهم، وجازت الياء؛ لأن التنزيل قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ [آل عمران: ١٢] بالتاء والياء (٥).
وقال أبو حاتم: قوله ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ وقف (٦)؛ لأن المعنى تام، وما بعده استئناف (٧).
(١) "تفسير مقاتل" ٤٨ أ. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥١، بلفظ: الكافرين.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥١، ولم ينسبه لأحد. وذكره البغوي ٦/ ١٠٧، غير منسوب.
(٣) ذكره بنصه، في "الوسيط" ٣/ ٣٥١، ولم ينسبه. وفي "تنوير المقباس" ٣٠٦: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ بدل من القوم.
(٤) نسب هذه القراءة ابن جني، لعبد الله بن مسلم بن يسار، وحماد بن سلمة. المحتسب في شواذ القراءات ٢/ ١٢٧. ونسبها الثعلبي لعبيد بن عمير. "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨. بنصه. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر (ستُغلبون) بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: (سيُغلبون). "السبعة في القراءات" ٢٠٢. و"المبسوط في القراءات العشر" ١٤٠. و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٢٣٨.
(٦) وقف. في نسخة (ج).
(٧) وقف تام عند أبي حاتم، "القطع والائتناف" للنحاس ٢/ ٤٩٠. وعده الداني من =
ومعنى: ﴿أَلَا يَتَّقُونَ﴾ ألا يَصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته (١).
١٢ - قوله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ قال الكلبي: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ بالرسالة (٢).
١٣ - قوله: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ أي بتكذيبهم إياي (٣) ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ أي: لا ينبعث بالكلام. يعني: للعلة التي كانت بلسانه (٤).
[قال الفراء: ﴿وَيَضِيقُ﴾ مرفوعة؛ لأنها مردودة على ﴿أَخَافُ﴾ ولو نصبت بالرد على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾ كانت صوابًا، والوجه الرفع؛ لأنه أخبر أن صدره يضيق، وذَكر العلة التي كانت بلسانه] (٥) فتلك مما لا تَخاف؛ لأنها
= الوقف الكافي، المكتفى ٤٢١. يعرف بالوقف التام والكافي عند أول موضع ذكر فيه الوقف.
(١) قال مقاتل ٤٨ أ: ألا يعبدون الله عز وجل.
(٢) ذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥١، ولم ينسبه. وهو في "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٣) "تنوير المقباس" ٣٠٧، ونسبه الماوردي ٤/ ١٦٦، للكلبي، وذكر قولاً آخر، وهو: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ بالضعف عن إبلاغ الرسالة.
(٤) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٤، و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ أ. وهذه العلة مذكورة في قوله تعالى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧، ٢٨]. وأما ما ورد من أن السبب في ذلك هو وضع نبي الله موسى عليه السلام الجمرة في فمه بدلاً من التمرة، فإن هذا الخبر لا يعتد به؛ لأنه من الأخبار الإسرائيلية، وقد ذكره ابن جرير في "تاريخه" ١/ ٣٩٠، وجزم به ابن عطية ١١/ ٩٤. وهو مخالف للواقع؛ إذ كيف يقدر على حمل الجمرة بيده ويرفعها إلى فيه، ومع ذلك لا تحرق يده ولا توْذه، ويكفي لإثبات أن نبي الله موسى عليه السلام، لا يعقل أخذه للجمرة دون الحاجة إلى رفعها إلى فيه. والله أعلم. وذكر السمرقندي ٢/ ٤٧٠، أن العلة في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ لمهابته. وهو قول غريب، ونسبه الماوردي ٤/ ١٦٦، للكلبي.
(٥) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
قد كانت (١).
قوله: ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ اجعله رسولاً لكَ معي بأن يُرسِل إليه جبريلَ بالوحي (٢).
قال الكلبي: لكي يكون معي معينًا لي (٣).
قال الفراء: ولم يذكر معونة ولا مؤازرة؛ لأن المعنى معلوم؛ كما تقول: لو أتاني مكروه لأرسلت إليك. ومعناه: لتعينني وتغيثني، وإذا كان المعنى (٤) معلومًا طرح للإيجاز (٥).
١٤ - قوله: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ قال مجاهد وقتادة والمفسرون وابن عباس: يريد قتلت منهم قتيلًا (٦). يعني الرجل الذي وكزه فقضى عليه (٧)، والتقدير: ولهم علي دعوى ذنب فأخاف أن يقتلوني به، أي: بقتلي إياه (٨).
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨، بنصه. ونحوه في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٤. وذكره نحوه النحاس، عن الكسائي، "إعراب القرآن" ٣/ ١٧٥.
(٢) قال مقاتل ٤٨ أ: يقول: فأرسل معي هارون، كقوله في النساء: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [٢].
(٣) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٤) (المعنى) في نسخة (أ)، (ب).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨. ونحوه في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٤.
(٦) "تنوير المقباس" ٣٠٧. و"تفسير مجاهد" ٢/ ٤٥٩. وأخرجه عن قتادة، عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٧٣. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٤، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٢، عن مجاهد، وقتادة. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧١. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ب.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٥.
(٨) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٤. وجعل مقاتل ٨٤ أ، (عَلَيَّ) بمعنى عندي؛ فقال: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ أي: عندي ذنب. وذهب إليه ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ٥٧٨، و"غريب القرآن" ٣١٦. وظاهر الآية أن الذنب قد صدر من نبي الله موسى عليه =
١٥ - قال الله سبحانه: ﴿كَلَّا﴾ أي: لن يقتلوك، وهو ردع وزجر عن الإقامة علي هذا الظن (١)، كأنه قال: ارتدع عن هذا الظن وثق بالله (٢).
قال ابن عباس: [يريد لا يقدرون على قتلك. وقال الكلبي: يعني لا أسلطهم على ذلك (٣).
قوله ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ قال ابن عباس:] (٤) يريد نفسه (٥) ﴿مُسْتَمِعُونَ﴾ قال: يريد أسمع (٦) وأرى، كما قال في: طه [٤٦] ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾.
وقال أهل المعاني: قوله ﴿مُسْتَمِعُونَ﴾ مجاز من وجهين؛ أحدهما: الجمع، والآخر: مستمع؛ موضع: سامع؛ لأن الاستماع طلب السمع بالإصغاء، والله عز وجل سامع مما يغني عن الاستماع، والمعنى يسمع ما يقولانه وما يجيبونكما به (٧)، وأراد بهذا تقوية قلبهما (٨).
= السلام، ويدل عليه قوله تعالى في سورة القصص [١٥، ١٦] في سياق قصة قتل القبطي: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وعليه فقول الرازي ٢٤/ ١٢٣: "لقائل أن يقول: قول موسى عليه السلام: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ هل يدل على صدور الذنب منه؟ جوابه: لا، والمراد: لهم علي دعوى ذنب في زعمهم" هذا القول مخالفة لظاهر الآية، ولا دليل عليه.
(١) ذكره ابن الجوزي ٦/ ١١٨، بنصه، ولم ينسبه. ونحوه القرطبي ١٣/ ٩٢، ولم ينسبه.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٥.
(٣) "تنوير المقباس" ٣٠٧. وذكره ابن الجوزي ٦/ ١١٨، ولم ينسبه.
(٤) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٥) بنصه، في "الوسيط" ٣/ ٣٥١، منسوبًا لابن عباس رضي الله عنهما.
(٦) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٧) به. في نسخة (أ)، (ب).
(٨) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ ب. بمعناه. وذكر هذا الرازي ٢٤/ ١٢٤.
وقوله: ﴿مَعَكُمْ﴾ وفي سورة طه ﴿مَعَكُمَا﴾ لأنه أجراهما في هذه السورة مجرى الجماعة (١). ومضت لهذا نظائر.
١٦ - قوله: ﴿فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ مذهب أبي عبيدة، والأخفش، والمبرد، وجميع النحويين: أن الرسول هاهنا بمعنى الرسالة (٢)، وأنشدوا قول كُثَيِّر:
لقد كَذَبَ الواشون ما بُحت عندهم بسرٍ ولا أرسلتهم برسول (٣)
قالوا: يعني برسالة (٤).
وقول عباس بن مرداس:
ألا مَنْ مُبلغٌ عني خُفافًا رَسولًا بيتُ أهلِك منتهاها (٥)
(١) ذكره البغوي ٦/ ١٠٨، ولم ينسبه. وقد تكلم عن مخاطبة المثنى بلفظ الجمع، سيبويه، في "الكتاب" ٣/ ٦٢١. واستدل بهذه الآية.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٤؛ قال مجازه: إنا رسالة رب العالمين. و"تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٤. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٥. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ ب.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٤، منسوبًا لكثيِّر عزَّة وعنه ذكره ابن قتيبة، في "غريب القرآن" ٣١٦. وذكره ابن جرير ١٩/ ٦٥، والزجاج ٤/ ٨٥، والطوسي ٨/ ١١، ولم ينسبوه وذكره الثعلبي ٨/ ١٠٨ ب، منسوبًا لكثير.
ولفظه عند الزجاج: ما فهت عندهم بسوء.
وعنه ذكره الأزهري ١٢/ ٣٩١ (رسل)، وهو في "اللسان" ١١/ ٢٨٣. والبيت في ديوان كثير ١٧٨، بلفظ:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم... بليلى ولا أرسلتهم...
(٤) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٤. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ ب.
(٥) أنشده أبو عبيدة، "مجاز القرآن" ٢/ ٨٤، والثعلبي ٨/ ١٠٨ ب، ونسباه لعباس بن مرداس. وهو كذلك في "لسان العرب" ١١/ ٢٨٣ (رسل). قال أبو عبيدة: ألا ترى أنه أنثها. وأنشده ابن جرير ١٩/ ٦٥، والطوسي ٨/ ١١، ولم ينسباه. مع اختلاف =
30
أراد رسالة، ولذلك أنث (١).
وعلى هذا تقدير الآية: إنا ذو رسالة رب العالمين فحذف المضاف.
وفيه قول آخر؛ وهو: أن الرسول هاهنا في معنى جمع (٢)؛ كقول الهذلي (٣):
ألكني إليهما وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر (٤)
ومثلها العدو والصديق (٥)، قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ [الشعراء:
= بينهم في صدر البيت. والخُفوف: سرعة السير من المنزل. "تهذيب اللغة" ٧/ ٩ (خفف).
(١) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٥. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ ب.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ ب. وذهب إلى هذا ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ٢٨٤، وقال: العرب تقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يريدون: الدراهم والدنانير، وفي "غريب القرآن" ٣١٦، قال: الرسول بمعنى الجميع كما يكون الضيف، قال: ﴿هَؤُلَاءِ ضَيْفِي﴾ [الحجر: ٦٨]، وكذلك الطفل، قال: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [الحج: ٥].
(٣) راجع ترجمته في "الشعر والشعراء" ٢/ ٦٥٣، و"الأغاني" ٦/ ٥٦، و"الخزانة" ١/ ٢٧٤.
(٤) أنشده الفراء ٢/ ١٨٠، ولم ينسبه. وعنه الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس ١/ ٣٥، ولم ينسبه، وأنشده كذلك ابن جني، الخصائص ٣/ ٢٧٤. وذكره الطوسي ٨/ ١١، ونسبه للهذلي. وهو في "اللسان" ١١/ ٢٨٣ (رسل)، منسوبًا لأبي ذؤيب. وذكره الزمخشري ٣/ ٢٩٥، ولم ينسبه. ونسبه ابن عطية ١١/ ٩٦، للهذلي. راجع "ديوان الهذليين" ١/ ١٤٦، وقال شارح "أشعار الهذليين" ١/ ١١٣: ألكني: أبلغ عني ألوكي، والألوك: الرسالة وذكره القرطبي ١٣/ ٩٣، منسوبًا للهذلي. قال ابن عاشور ١٩/ ١٠٩، بعد ذكره البيت: فهل من ريبة في أن ضمير الرسول في البيت مراد به المرسلون.
(٥) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٥.
31
٧٧] وقال: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] وقد مَرَّ (١).
وذكر أبو علي القولين جميعًا بعبارة وجيزة، فقال: الرسول يستعمل على ضربين؛ أحدهما: [بمعنى المرسل، والآخر بمعنى: الرسالة، فقوله: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ بمعنى: الرسالة،] (٢) وهو من باب حذف المضاف؛ لأن المعنى: إنا ذو رسالة رب العالمين. قال: ويجوز أن يكون الواحد وضع موضع التثنية، كما وضع موضع الجمع في قوله: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف: ٥٠]، ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ﴾ [النساء: ٩٢]، ونحو ذلك (٣).
١٧ - قوله تعالى: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ معناه: بأن، فحذف الجار، ومعنى الإرسال هاهنا: الإطلاق والتخلية؛ كما تقول: أرسلت الصيد من يدي، أي: أطلقته بعد التخلية. وإنما أمر بأن يُخلي عنهم برفع منعه لهم. قال مقاتل: أرسلهم معنا إلى أرض فلسطين، ولا تستعبدهم (٤).
١٨ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ في الكلام محذوف تقديره: فأتياه وأبلغا الرسالة، فقال: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ (٥) [قال مقاتل: عرف فرعون موسى؛ لأنه رباه في بيته فلما أتاه قال له: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾] (٦)
(١) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: قال الفراء: وإنما وحد الرفيق وهو حقه الجمع؛ لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع، ولا يجوز أن تقول: حسن أولئك رجلاً.
(٢) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٣) واقتصر على هذا القول في "الوسيط" ٣/ ٣٥١. قال الهواري ٣/ ٢٢٣: وهي كلمة من كلام العرب؛ يقول الرجل للرجل: من كان رسولك إلى فلان؟ فيقول: فلان، وفلان، وفلان.
(٤) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب.
(٥) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٦.
(٦) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
يعني: صبيًّا (١). وقال ابن عباس: صغيرًا (٢).
والوليد: هو المولود، وموسى وُلِد فيهم ثم كان فيما بينهم حتى صار رجلاً، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد ثمان عشرة سنة (٣). وقال مقاتل: ثلاثين سنة (٤). وقال الكلبي: أربعين سنة (٥).
١٩ - وقوله: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يعني قتل القبطي الذي قتله موسى (٦).
﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ فيه قولان؛ أحدهما: وأنت من الكافرين بإلهك، وكنت معنا على ديننا هذا الذي تعيب. وهذا قول الحسن والسدي (٧).
(١) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب، بنصه. قال الزمخشري ٣/ ٢٩٦: الوليد: الصبي لقرب عهده من الولادة.
(٢) "تنوير المقباس" ٣٠٧. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٦٦، ولم ينسبه.
(٣) "الوسيط" ٣/ ٣٥١، منسوبًا له.
(٤) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب، ٥١ أ. واقتصر عليه السمرقندي ٢/ ٤٧١، والثعلبي ٨/ ١٠٨ ب، ولم ينسباه. واقتصر عليه في "الوجيز" ٢/ ٧٨٨، ولم ينسبه، وكذلك البغوي، في "تفسيره" ٦/ ١٠٩.
(٥) في "تنوير المقباس" ٣٠٧: ثلاثين سنة. قال الهواري ٣/ ٢٢٣: " ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ أي: لم تدع هذه النبوة التي تدعيها اليوم.
(٦) "تنوير المقباس" ٣٠٧. و"تفسير مقاتل" ٤٨ ب. وأخرج ابن جرير ١٩/ ٦٦، عن مجاهد. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٤، عن مجاهد وقتادة. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٨ب. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، غير منسوب.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٦، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٤، عن السدي. وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٠٨ ب، والماوردي ٤/ ١٦٧. وهو في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، منسوبًا للحسن، والسدي، وذكره البغوي ٦/ ١٠٩، وابن الجوزي ٦/ ١١٩.
والثاني: وأنت من الكافرين للنعم التي ذكرها؛ يعني: من التربية والإحسان إليه، يقول: ربيناك وأحسنا إليك وأقمت فينا سنين ثم كافأتنا بأن قتلت منا نفسًا، وكفرت بنعمتنا.
وهذا قول ابن زيد ومقاتل وعطاء (١)، والعوفي، عن ابن عباس قال: إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية (٢). واختاره الفراء فقال (٣): وأنت الآن من الكافرين لنعمتي، أي: لتربيتي إياك (٤).
قال أهل المعاني: هذا الجواب من فرعون لموسى استصغار لحال الداعي إلى الله بطرًا وتكبرًا، وتوجيه أمره إلى غير جهته.
٢٠ - ﴿قَالَ﴾ موسى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي: فعلت تلك الفعلة وأنا إذ ذاك من الضالين. أي: من الجاهلين. قاله مجاهد ومقاتل وقتادة، والسدي (٥).
(١) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب. و"تنوير المقباس" ٣٠٧. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٦، عن ابن زيد. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٤، عن سعيد بن جبير، ومحمد بن إسحاق، وزيد بن أسلم. واقتصر على هذا القول ابن كثير ٦/ ١٣٧.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ أ، عن العوفي عن ابن عباس. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٦، بلفظ: يقول: كافراً للنعمة، إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر.
(٣) فقال. في نسخة (أ)، (ب).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٨. وذكره الهواري ٣/ ٢٢٤. واقتصر عليه ابن قتيبة، في "غريب القرآن" ٣١٦. وهو اختيار ابن جرير ١٩/ ٦٦. واستظهره الشنقيطي ٦/ ٣٧٠. وذكر السمرقندي ٢/ ٤٧٢، وجهاً آخر، فقال ويقال: وأنت من الجاحدين للقتل، يعني: لم تقر بالقتل.
(٥) "تنوير المقباس" ٣٠٧. و"تفسير مجاهد" ٢/ ٤٥٩. و"تفسير مقاتل" ٤٨ ب. وأخرج عبد الرزاق، في تفسيره ٢/ ٧٣، عن قتادة. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٧، عن مجاهد، وقتادة، والضحاك. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٥، عن مجاهد، =
قال الفراء: وكذا هو في حرف ابن مسعود: وأنا من الجاهلين (١). قال: والضالين والجاهلين يكونان بمعنى واحد؛ لأنك تقول: جهلت الطريق وضللته (٢). وهذا يحتمل تأولين، أحدهما: كنت جاهلاً لم يأتني عن الله شيء، وهذا قول أكثر المفسرين (٣).
والثاني: كنت من الجاهلين أنها تبلغ القتل؛ وهذا قول قتادة قال: جهل نبي الله ولم يتعمد (٤). والأول معنى قول ابن عباس في رواية عطاء: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ عن نبوة ربي (٥).
٢١ - قوله: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ أي ذهبت (٦) من بينكم حذرًا
= وقتادة، ثم قال: وروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والثوري مثل ذلك.
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٧. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٥، عن قتادة قال: "وفي بعض القراءات: (فعلتها إذًا وأنا من الجاهلين).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٩، بنصه.
(٣) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٧. وهو في "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ أ، بنصه. واقتصر عليه في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، و"الوجيز" ٢/ ٧٨٨. وصدره ابن الجوزي ٦/ ١١٩، بقوله: وقال بعض المفسرين.. قال الشنقيطي ٦/ ٣٧١: ﴿مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي: قبل أن يوحي الله إليّ، ويبعثني رسولاً، وهذا هو التحقيق -إن شاء الله- في معنى الآية.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٣، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٥. قال الهواري ٣/ ٢٢٤: من الجاهلين، أي: لم أتعمد قتله. ونحوه عند النحاس، في "إعراب القرآن" ٣/ ١٧٦. قال الثعلبي ٨/ ١٠٩ أ: ونظيره قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ [يوسف: ٩٥] وقوله: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يوسف: ٨]. واختار ابن قتيبة، أن يكون المعنى: من الناسين. "تأويل مشكل القرآن" ٤٥٧، ونسب هذا القول في "غريب القرآن" ٣١٦، لأبي عبيدة، ولم أجده في كتابه: "مجاز القرآن".
(٥) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧٢، ولم ينسبه، واستدل عليه بقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾.
(٦) في "تنوير المقباس" ٣٠٧: (فهربت).
على نفسىِ.
قال مقاتل: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ﴾ إلى مدين (١) لما خفتكم أن تقتلوني بمن قتلته (٢). ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا﴾ يعني: نبوة. قاله ابن عباس، والسدي (٣). وقال مقاتل: يعني العلم والفهم (٤). وقال ابن زيد: عقلاً. وقال الفراء: التوراة (٥). وهو بعيد؛ لأن التوراة أوتي (٦) بعد غرق فرعون.
٢٢ - قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال ابن السكيت: استعبده وعبَّده أي: أخذه عبدًا، وأنشد قول رؤبة:
يَرضونَ بالتعبيدِ والتأمِّي (٧)
قال: ويقال: تَعَبَّدت فلانًا، أي: اتخذته عبدًا، مثل: عَبَّدته سواء. وتأمَّيت فلانة: اتخذتها أمة (٨). وينشد على هذا (٩) التعبد، بمعنى: التعبيد،
(١) مدين. غير واضحة في نسخة (ج).
(٢) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٧، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٥، عن السدي. واقتصر عليه الهواري ٣/ ٢٢٤. وفي "تنوير المقباس" ٣٠٧: (فهماً وعلماً ونبوة). ونسبه السمرقندي ٢/ ٤٧٢، للكلبي. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، ولم ينسبه. وكذا البغوي ٦/ ١١٥، وابن عطية ١١/ ٩٨. ونسبه ابن الجوزي ٦/ ١٢٠، لابن السائب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب. واستظهره الشنقيطي ٦/ ٣٧٤.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٩. وبه قال الزجاج، في "معاني القرآن" ٤/ ٨٦.
(٦) هكذا في النسخ الثلاث؛ والأصوب: أوتيها.
(٧) ذكره الأزهري ٢/ ٢٣٣ (عبد)، من إنشاد ابن السكيت، منسوبًا لرؤبة. وفي الحاشية: قبله: مالناس إلا كاثمام الثم. انظر مجموع أشعار العرب ٣/ ١٤٣ وهو في "اللسان" ٣/ ٢٧١ (عبد) منسوبًا لرؤبة.
(٨) "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٣٣ (عبد).
(٩) هذا في نسخة (أ)، (ب).
36
قول الشاعر:
تعبدني نِمْر بن سعد.. البيت (١)
وورمال أيضًا: أَعْبَدت الرجل بمعنى: عَبَّدته (٢)، قال الشاعر:
علام يُعبِدني قومي وقد كثرت فيهم أباعِرُ مَا شاءوا وعُبْدانُ (٣)
قال مجاهد، في قوله: ﴿عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قهرتهم واستعملتهم (٤).
وقال قتادة في هذه الآية: يقول موسى لفرعون: أتمن علي أن اتخذت بني إسرائيل عبيدًا (٥).
وقال السدي: تَمُن علي أن ربيتني فيك وليدًا (٦)، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل فأرسلهم معي ولا تعذبهم.
(١) لم أجده في "تهذيب اللغة"، وقد أنشده كاملاً في "اللسان" ٣/ ٢٧٤ (عبد):
تعبدني نمر بن سعد وقد أُرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطِع
(٢) ذكره الأزهري ٢/ ٢٣٣، ولم ينسبه.
(٣) أنشده الفراء، في "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٩، وعنه الثعلبي ٨/ ١٠٩ ب. وأنشده ابن جرير ١٩/ ٦٨، والزجاج ٤/ ٨٧، والأزهري ٢/ ٢٣٣، والطوسي ٨/ ١٢، والزمخشري ٣/ ٢٩٧، ولم ينسبوه. وأنشده في "اللسان" ٣/ ٢٧٥، ونسبه للفرزدق. وأنشده أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي، ولم ينسبه، واستشهد به على أنه يقال: عبدت الرجل، وأعبدته، إذا استعبدته، وأنزلته منزلة العبيد. "اشتقاق أسماء الله" ٣٩.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٨، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٦. وهو في "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٠.
(٥) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٧٤. وعنه ابن جرير ١٩/ ٦٩. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٥، من طريق آخر. واقتصر عليه ابن قتيبة، في "غريب القرآن" ٣١٦، ولى ينسبه. وصحح هذا القول ابن عطية ١١/ ١٠١؛ فقال: قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف، وهو صحيح، كما قال قتادة.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٦٨.
37
وقال الكلبي: يقول: تمن بها علي وتستعبد بني إسرائيل (١).
وقال مقاتل: قال موسى: تمن علي إحسانك إلى خاصة فيما (٢) زعمت، وتركت (٣) إساءتك أن عبدت يعني: استعبدت بني إسرائيل (٤). هذا ما ذكره المفسرون في هذه الآية. وهو لا يفتح غُلقًا ولا يَحل مُشكلًا.
وجملة القول في هذه الآية: أن أهل التأويل مختلفون فيها على قولين؛ أحدهما: أن موسى أنكر أن يكون ثَمَّ (٥) لفرعون عليه نعمة (٦).
قال صاحب النظم: لا يحتمل قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ﴾ إلا أن يكون مستفهمًا به؛ بمعنى: أوَ تلك، على الإنكار بلفظ الاستفهام (٧)، ولا يحتمل أن يكون خبرًا؛ لأن تعبيد فرعون بني إسرائيل كيف يجعله موسى مِنَّة منه على نفسه؟ فالمعنى: ما ذهبنا إليه، وقد تستفهم العرب بلا ألف، ثم ذكر (٨) أبياتًا فيها (٩):
أفرحُ أن أُرْزَأ الكِرامَ (١٠)
(١) "تنوير المقباس" ٣٠٧، بمعناهـ و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧٢، منسوبًا للكلبي.
(٢) فيما، من "تفسير مقاتل" ٤٨ ب.
(٣) في "تفسير مقاتل" ٤٨ ب: وتنسى.
(٤) "تفسير مقاتل" ٤٨ ب.
(٥) ثم. في نسخة (أ)، (ب).
(٦) قال الثعلبي ٨/ ١٠٩ أ: "اختلف العلماء في تأويلها، ففسره بعضهم على الإقرار، وبعضهم على الإنكار".
(٧) ذكر هذا القول: أبو علي، كتاب الشعر ١/ ٥٦، ولم ينسبه.
(٨) في نسخة (ب): وقد ذكرنا أبياتاً.
(٩) في نسخة (ج): منها.
(١٠) أنشده الأزهري ١٥/ ٣٥٩ (نبل) عن أبي عبيد أنه قال: وحدثني محمد بن إسحاق =
38
قال: أراد: أأفرح؛ لأنه ينكر ذلك ولا يقبله. ومنها:
بسبعٍ رمين الجمر.. (١)
وهذا الذي ذكره هو قول الأخفش؛ قال: هذا استفهام كأنه قال: أوَ تلك نعمة تمنها؛ ثم فسر فقال: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فجعله بدلاً من النعمة (٢). قال أبو العباس: وهذا غلط لا يجوز أن يُلْقَى الاستفهام، وهو يُطلَب فيكون الاستفهام كالخبر، وقد استقبح ومعه (أمْ)، وهي دليل على الاستفهام، واستقبحوا قول امرئ القيس:
تروحُ من الحيِّ أم تَبْتَكِرْ (٣)
= ابن عيسى، عن القاسم بن معن: أن رجلاً من العرب توفي فورثه أخوه، فعيَّره رجل بأنه فرح بموت أخيه لَمَّا ورثه؛ فقال:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن أُورثَ ذَوداً شصائصاً نَبَلاً
قال: والنبل في هذا الموضع: الصغار الأجسام. وفي "اللسان" ١١/ ٦٤١ (نبل): "يقول: أأفرح بصغار الإبل، وقد رزئت بكبار الكرام قال ابن بري: الشعر لحضرمي بني عامر".
(١) أنشده منسوبًا لابن أبي ربيعة، سيبويه ٣/ ١٧٥، وفي الحاشية: الشاهد فيه: حذف ألف الاستفهام ضرورة لدلالة أم عليها، وأنشده كذلك المبرد، في "المقتضب" ٣/ ٢٩٤، والبيت بتمامه عندهما:
لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً بسبع رمين الجمر أم بثمان
عند سيبويه والمبرد بالنون: رمين. ورواية اليت في الديوان ٣٩٩: فوالله ما أدري وإني لحاسب بسبع رميتُ الجمر أم بثمان
ورميت أولى؛ لأن يصور ذهوله عند رؤية عائشة بنت طلحة، وقد رآها في الحج.
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٦.
(٣) ديوان امرئ القيس ٢٢، وعجزه:
وماذا عليك بأن تنتظر
39
بمعنى: أتروح، فحذف الاستفهام واكتفى (١) بـ (أم)، فذهب الأكثرون إلى أن الأول خبر، والثاني استفهام، فأما وليس معه (أم) فلم يقله إنسان. انتهى كلامه (٢).
ولتحقيق الإنكار وجه غير تقدير الاستفهام؛ قال محمد بن إسحاق بن يسار في هذه الآية: أقبل موسى على فرعون ينكر عليه ما ذكر من يده عنده فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: اتخذتهم عبيدًا تنزع أبناءهم من أيديهم فتسترق من شئت، وتقتل من شئت، أي: إنما صيرني إليك (٣) وإلى بيتك ذلك (٤).
واختار الزجاج والأزهري هذا القول وشرحاه؛ قال الزجاج: المفسرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة، كأنه قال:
= وذكره ابن جرير ١٩/ ٦٩، كاملاً، ولم ينسبه، وذكره صدره فقط الأزهري ٢/ ٢٣٢، منسوبًا لامرئ القيس. وفي حاشية ابن جرير: تروح: أتروح، وتبتكر: تخرج مبكراً، يقول: أتروح إلى أهلك آخر النهار أم تخرج إليهم بكرة، وما الذي يعجلك عن الانتظار وهو خير لك. والبيت شاهد على أنه حذف همزة الاستفهام، اكتفاء بدلالة أم، عليه، وبعضهم يستقبح الحذف في هذا الموضع.
(١) ساقطة من: (ب).
(٢) ذكره ابن جرير ١٩/ ٦٩، بنصه، وصدره بقوله: وكان بعض أهل العربية ينكر هذا ولم يسمه. وذكر نحوه النحاس، في "إعراب القرآن" ٣/ ١٧٦، ولم ينسبه، وقد صرح فيه بالرد على الأخفش. وذكره بنصه الأزهري ٢/ ٢٣٢، منسوبًا لأبي العباس.
(٣) إليك. في نسخة (أ)، (ب).
(٤) "تاريخ ابن جرير" ١/ ٤٠٦، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٦، وقد وقع في المطبوع: "وإني إنما صيرني إليك لأبين لك ذلك". وهو مخالف للمخطوط ٢٠٩ ب، ولما في "تاريخ ابن جرير".
40
وأيُّ نعمة لك عليٍّ في أن عبدت بني إسرائيل، واللفظ لفظ خبر، قال: ويخرج المعش على ما قالوا أن لفظه لفظ الخبر، وفيه تبكيت للمخاطب، على معنى أنك لو كنت لا تقتل (١) أبناء بني إسرائيل، لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم فكأنك تمنن علي بما كان بلاؤك سببًا له. انتهى كلامه (٢).
وزاد الأزهري بيانًا لهذا القول؛ فقال: إن فرعون لما قال لموسى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ فاعتد عليه بأن رباه وليدًا منذ ولد إلى أن كبر، وكان من جواب موسى له: تلك نعمة تعتد بها عليَّ لأنك عبدت بني إسرائيل، ولو لم تعبدهم لكفلني أهلي، ولم يلقوني في اليم، فإنما صارت نعمة لِما أقدمت عليه مما حظره الله عليك. انتهى كلامه (٣).
ونظير هذا من الكلام أن يَمنُن إنسانٌ على غيره تربيتَه فيقول له المخاطب: هذه النعمة حصلتْ لك علي بأن قتلت أبوي؛ ولو لم تقتلهما لربياني، فيكون في ذكر سبب تربيته إياه دفعًا لما ذَكر من النعمة عليه (٤)، كذلك لَمَّا ذَكر موسى تعبيده بني إسرائيل كان في ذلك إبانةً لسبب حاجة موسى إلى تربية فرعون، ودفعًا لِما ذَكر من النعمة عليه. وإلى هذا القول أشار (٥) المبرد؛ فقال: التربية كانت بالسبب الذي ذكره الله من التعبيد،
(١) (لاتقتل) من (ج).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٦.
(٣) "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٣٢ (عبد).
(٤) عليه. في نسخة (أ)، (ب). وفي نسخة أ، زيادة: وإلى هذا القول. والكلام مستقيم بدونها.
(٥) في نسخة (ب): ذهب أشار.
41
فقال موسى: تربيتك إياي كانت لأجل التملك والقهر لقومي، فقوله: ﴿تِلْكَ﴾ ابتداء، و: ﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ خبره، و: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ﴾ بدل من النعمة، مبين لها، وتقديره: تعبيدك بني إسرائيل.
هذا الذي ذكرنا وجه قول من قال بالإنكار.
القول الثاني: أن موسى أقر بنعمة التربية. وهو قول الفراء (١)، ومذهب أبي العباس (٢)، ووجهه: أن فرعون لما قال لموسى: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أي: لنعمة تربيتي لك، أجاب موسى فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ﴾ الآية؛ يقول: هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل، فـ ﴿أَن﴾ تدل على ذلك. ومثله في الكلام: أن تضرب أحد عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك: هذه نعمة عليٍّ أنْ ضربت فلانًا وتركتني، ثم تحذف: وتركتني. والمعنى قائم معروف. هذا كله كلام الفراء؛ قال: وقد تكون ﴿أَن﴾ رفعًا ونصبًا، أما الرفع فعلى قولك: وتلك نعمة تمنها علي تعبيدك بني إسرائيل. والنصب: تَمَنَّها عليَّ لتعبيدك بني إسرائيل. انتهى كلامه (٣).
ووجه هذا القول يصح في النظم بتقدير محذوف؛ كأنه قال: وتلك التي (٤) تذكر نعمة لك تمنها علي لأن عبدت بني إسرائيل. هذا وجه الإقرار بنعمة التربية. ومذهب المفسرين: الإنكار. وما حكينا من أقوالهم يدل على الإنكار.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٩.
(٢) "تهذيت اللغة" ٢/ ٢٣٢ (عبد).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٩.
(٤) التي. في نسخة (أ)، (ب).
42
٢٣ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ قال محمد بن إسحاق: يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه. أي: ما إلهك هذا؟ (١) فأجابه موسى بما هو دليل على الله -عز وجل- مما خلق مما يُعجز المخلوقين عن أن يأتوا بمثله (٢).
٢٤ - فـ ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ قال ابن (٣) الأنباري: يقال: كيف استجاز موسى حين سأله فرعون أن يجيبه بأن يقول: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وهذا ليس بجواب لسؤاله؛ لأن من قيل له: ما زيد؟ لم يكن جوابه: زيد يملك خمسين دينارًا؛ لأن (ما) سبيلها أن تستفهم بها عن الأسماء من الأجناس، والأنساب، فإذا قال القائل: ما هذا؟ أُجيب بأحد جوابين؛ إما أن يُقال له: هاشمي، قرشي، إذا عَلم المخاطب أنه يعرف جنس الذي يستفهم عنه. وإما أن يُجاب بالجنس، فيقال: إنسان، بهيمة، حائط، فجواب موسى لم يقع على حسب سؤال فرعون؟.
والجواب أن فرعون أحال في سؤاله، فسأل عن جنس من لا جنس له فاستجهله موسى، فأضرب عن سؤاله فلم يجبه عنه؛ بل أخبره من قدرة الله وعظيم ملكه وسلطانه بما يردعه عن جهله فيما كان سأل عنه. والدليل على أن موسى لم يجب عن سؤاله: أنه لما سمعه منه أقبل على جلسائه فقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ إذ لم يجبني عن سؤالي! فلم يلتفت
(١) "تاريخ ابن جرير" ١/ ٤٠٦، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٦.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٧، بنصه.
(٣) ابن في نسخة (ب).
43
موسى إلى ذلك من قوله، وأشاعَ تعظيم مُلْكَ ربه فقال: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ الآية.
والجواب الثاني: أن موسى علم أن قصده في السؤال معرفةُ من سأل عنه فأجاب بما يعلم من صفاته؛ لأن الذي يجب على المسؤول أن يُخبر بما يعلم، فكأن موسى أجاب عن معنى السؤال بما يَعرف، ولم يلتفتْ إلى ظاهره.
وقيل: إن موسى عَلِم أن فرعون يعلم أن اللهَ ربُّه؛ وإن أظهر غير ما يعلم، فلما قال له: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ لم يقع في نفسه أنه يَسأل عن ربه ليُحدده، بل قَدَّر أنه يسأله عن مُلك ربه؛ فكأن التقدير: وما مُلك رب العالمين؟ فقال: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ الآية. وغير ممتنع في اللغة أن يُجاب السائل في قوله (١) ما ملك ربك؟ بأن يقال: ربُّك مَلِك العراق وخراسان، ومالك أكثر الأرض. انتهى كلامه (٢).
قال الكلبي: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أنه خلق ذلك (٣).
وقال أهل المعاني: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أن ما تعاينونه كما تعاينونه (٤). يعني: إن كنتم تثبتون المشاهدات والمعقولات؛ لأن من أثبت المعقول لا يكاد يخفى عليه الخالق إذا شاهد المخلوق.
(١) (في قوله) من نسخة (أ).
(٢) قال ابن كثير ٦/ ١٣٨: "ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط، فإنه لم يكن مقراً بالصانع حتى يسأل عن الماهية بل كان جاحداً له بالكلية فيما يظهر".
(٣) "تنوير المقباس" ٣٠٧. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب، منسوبًا للكلبي. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، ولم ينسبه.
(٤) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٦٩. وهو بنصه، في "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب.
44
٢٥ - قوله: ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ قال أبو إسحاق: لما قال موسى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ تحير فرعون ولم يَرُدَّ جوابًا ينقض به هذا القول، فـ ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ (١) قال ابن عباس: يريد ألا تستمعون مقالة موسى (٢). فزاد موسى في البيان فقال (٣):
٢٦ - ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ قال الفراء: إنما لم يجبه الملأ، لأن موسى كان المراد بالجواب، فقال: الذي أدعوكم إلى عبادته ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ (٤). قال محمد بن إسحاق: الذي خلق آباءكم الأولين، وخلقكم من آبائكم (٥). فلم يجبه فرعون أيضًا بما ينقض قوله، وقال:
٢٧ - ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ (٦). قال محمد بن إسحاق أي: ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن له إلهًا غيري (٧).
وقال أهل المعاني: كِلَا المقالتين من فرعون مقالة العاجز عن الاعتراض على الحجة (٨)؛ قوله: ﴿أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ﴾ الآية، فلم يشتغل موسى بالجواب عما نسبه إليه من الجنون، ولكن اشتغل
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٧. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، ولم ينسبه.
(٢) "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، منسوبًا لابن عباس. وذكره ابن جرير ١٩/ ٦٩، ولم ينسبه.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٩.
(٥) "تاريخ ابن جرير" ١/ ٤٠٦، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٦.
(٦) "الوسيط" ٣/ ٣٥٢.
(٧) "تاريخ ابن جرير" ١/ ٤٠٦، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٦.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٨، بمعناه.
بتأكيد الحجة فأتبع ما سبق من الدليل دليلًا آخر زيادة في الإبانة فقال (١):
٢٨ - ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ قال مقاتل: إن كنتم تعقلون توحيد الله (٢).
وقال أهل المعاني: إن كنتم ذوي عقول لم يَخف عليكم ما أقول (٣)؛ كقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء٢٤].
قال أبو إسحاق: فلم يجبه في هذه الأشياء بنقيضٍ لحجته (٤)، وإنما قال:
٢٩ - ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ أي: [لأسجننك، و] (٥) لأحبسنك مع من حبسته في السجن (٦).
قال الكلبي (٧): وكان سجنه أشد من القتل (٨).
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب، بمعناه.
(٢) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ.
(٣) "الوسيط" ٣/ ٣٥٢.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٨. وهو في "الوسيط" ٣/ ٣٥٢، غير منسوب.
(٥) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٦) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٠. قال الزمخشري ٣/ ٣٠٠: "فإن قلت: ألم يكن لأسجننك أخصر من: ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ ومؤدياً مؤداه؟ قلت: أما أخصر فنعم، وأما مؤد مؤداه فلا؛ لأن معناه: لأجعلنك واحداً مما عرفت حالهم في سجوني. هكذا في الكشاف: مما عرفت. فاللام، في (المسجونين) للعهد. "تفسير أبي السعود" ٦/ ٢٤٠. ومع تجبر فرعون وطغيانه فإنه ذُهل عن تهديد نبي الله موسى عليه السلام بالقتل؛ وذلك تحقيقاً لوعد الله له بأن لا يقدروا على ذلك، فمنعوا حتى من تخويفه به، ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قَالَ كَلَّا﴾.
(٧) الكلبي. في نسخة (أ)، (ب).
(٨) "تنوير المقباس" ٣٠٧، و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب، وفيهما زيادة: وكان إذا =
فقال موسى حسن توعده بالسجن:
٣٠ - ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ يعني: أتسجنني ولو جئتك بشيء مبين (١).
قال محمد بن إسحاق: أي بأمر تعرف فيه صدقي وكذبك، وحقي وباطلك (٢).
وهذه الآيات من هنا [٣١ - ٣٢] مفسرة في سورة الأعراف، إلى قوله:
٣٨ - ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ قال مقاتل: يعني
= سجن أحداً طرحه في مكان وحده فرداً، لا يسمع فيه شيئاً، ولا ينظر فيه شيئاً، يهوله به. وهو كذلك عند البغوي ٦/ ١١١، منسوبًا للكلبي. ونسبه السمرقندي ٢/ ٤٧٢، لابن عباس.
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب، بمعناه.
(٢) "تاريخ ابن جرير" ١/ ٤٠٦، بسنده عن محمد بن إسحاق. وأخرجه عنه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٧. والآية دليل ظاهر على اعتبار المعجزات من أدلة النبوة، لكن ليست هي الدليل الوحيد، بدليع قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣] فلم يذكر لهم نبي الله هود عليه السلام معجزة وإنما تحداهم بقوله: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: ٥٤، ٥٥].
وانظر: "شرح العقيدة الواسطية" ١٥٠. تخريج: الألباني.
وقد أساء الزمخشري ٣/ ٣٠٠، في تعليقه على قوله تعالى: ﴿فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ بتعريضه تفضيل فرعون على أهل السنة بسبب قولهم: إن المجزات دليل صحيح على النبوة، لكن الدليل غير محصور في المعجزات، وقد أجاد ابن المنير رحمه الله تعالى في الرد عليه، "الانتصاف بحاشية الكشاف" ٣/ ٣٠٠.
لميعاد (١) يوم معلوم، وهو يوم عيدهم، وهو يوم الزينة (٢).
٣٩ - ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ﴾ يعني: لأهل مصر (٣) ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ إلى السحرة. وقيل: لتنظروا ما يفعل الفريقان، ولمن تكون الغلبة (٤).
٤٠ - ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ﴾ على أمرهم ﴿إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ لموسى ولأخيه. قاله مقاتل (٥). وإنما قالوا: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ﴾؛ لأن السحرة لم يكونوا متبوعين، وإنما كانوا سحرة حشروا إليهم من مدائن صعيد مصر، فقالوا: إن غَلبوا موسى اتبعناهم (٦).
وما بعد هذا [٤١ - ٤٣] مفسر إلى قوله:
٤٤ - ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ أي: بقوته التي يمتنع بها من لَحاق الضيم (٧).
(١) في نسخة (ج): لميقات.
(٢) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٠٩ ب. قال تعالى: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩].
(٣) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧٣.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ أ، بنصه. أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٦٢، عن السدي: حشر الناس ينظرون.
(٥) "تفسير مقاتل" ٤٩ ب.
(٦) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٦٢، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر، ونتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، يعني بذلك موسى وهارون عليهما السلام استهزاءً بهما. قال ابن كثير ٦/ ١٤٠: ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة، أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم.
(٧) ذكره الطبرسي ٧/ ٣٩٦، بنصه، ولم ينسبه. قال البيضاوي ٢/ ١٥٥: أقسموا بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم، أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن =
قال مقاتل: يعني: بعظمة فرعون، كقوله لشعيب: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود ٩١] يعني: بعظيم (١). وهذا قَسَم غير مبرور (٢).
والباقي [٤٥ - ٤٩] مفسر إلى قوله:
٥٠ - ﴿لَا ضَيْرَ﴾ أي: لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا مع أملنا للمغفرة. قاله الزجاج (٣).
وقال مقاتل: ﴿لَا ضَيْرَ﴾ هل هو إلا أن يقتلنا (٤) ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾ راجعون في الآخرة (٥).
٥١ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا﴾ مفسر في سورة طه (٦).
﴿أَنْ كُنَّا﴾ أي: لأن كنا (٧) ﴿أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال الفراء: أول مؤمني
= يؤتى به من السحر. يقال: ما ضمت أحداً، ولا ضُمت: أي ما نقصت، والمَضيم: المظلوم. "تهذيب اللغة" ١٢/ ٩٢ (ضام).
(١) "تفسير مقاتل" ٤٩، بنصه.
(٢) ذكره الطبرسي ٧/ ٢٩٦، بنصه، ولم ينسبه. وفي الباء قول آخر، وهو: أنهم قالوا ذلك على جهة التعظيم لفرعون، والتبرك باسمه، فالباء في ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ كالباء في ﴿بِسمِ اللهِ﴾. ذكر هذا القول ابن عطية ١١/ ١٠٧، واستحسنه ابن عاشور ١٩/ ١٢٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٠. قال ابن قتيبة: هي من: ضاره يضوره، ويضيره، بمعنى: ضرَّه. "غريب القرآن" ٣١٧.
(٤) في "تفسير مقاتل" ٤٩ أ: ما عشت أن تصنع، هل هو إلا بقتلنا.
(٥) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٦٧، عن سعيد بن جبير.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٥١].
(٧) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٤. قال الزجاج ٤/ ٩٠: بفتح (أَن)، أي: لأن كنا أول المؤمنين.
أهل (١) زماننا (٢).
وقال مقاتل: أول المصدقين بتوحيد الله من أهل مصر (٣).
وقال الزجاج: زعم الفراء أنهم كانوا أول مؤمني أهل دهرهم (٤)! ولا أحسبه عرف الرواية في التفسير؛ لأنه جاء في التفسير: أن الذين كانوا مع موسى ستمائة ألف؛ وإنما المعنى: أن كنا أولَ من آمن في هذه الحال عند ظهور آية موسى (٥).
وقال غيره: ﴿كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بآيات موسى ممن كان يعمل بالسحر (٦).
٥٢ - قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ مفسر في سورة طه (٧).
﴿إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرض مصر (٨).
(١) في نسخة (ب): دهرهم، ولا أحسبه عرف الرواية. وهذا مكرر مما بعده.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٠. واقتصر عليه الثعلبي ٨/ ١١٠ أ، ولم ينسبه. وكذا البغوي ٦/ ١١٣.
(٣) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ.
(٤) قال الفراء ٢/ ٢٨٠: أول مؤمني أهل زماننا.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٠. وقول الفراء أولى، موافق لظاهر الآية، واعتراض الزجاج ليس بقوي؛ لأنها روايات موقوفة ليست مرفوعة، فالأقرب أنها من أخبار بني إسرائيل. والله أعلم.
(٦) أخرج ابن جرير ١٩/ ٧٤، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٦، عن ابن زيد، في قوله: ﴿أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال: كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها.
(٧) عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ الآية [٧٧].
(٨) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٤. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ أ.
٥٣ - ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ يحشرون الناس لطلب موسى وهارون (١). أي: أرسَل من جَمع له الجيش (٢).
٥٤ - [قوله: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ قال مقاتل: ثم قال فرعون: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ يعنى: بني إسرائيل.
وقال أبو إسحاق:] (٣) معناه: فجمع جمعه فقال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ والشرذمة في كلام العرب: القليل (٤).
وقال المبرد: الشرذمة: القطعة من الناس غير الكثير، وجمعها: الشراذم (٥). ويقال للحلفاء إذا قلوا (٦): بنوا فلان شرذمة بني فلان. قال مقاتل في قوله: (شرذمة) عصابة (٧).
وقوله: ﴿قَلِيلُونَ﴾ قال الفراء: يقال: عصبة قليلة، وقليلون، وكثيرون، جائز عربي؛ وإنما جاز لأن القلة تلزم جميعهم في المعنى فظهرت أسماؤهم، ومثله: أنتم حي واحد، وحي واحدون؛ قال الكُمَيْت:
فَرَدَّ قواصي الأحياء منهم فقد رجعوا كحيٍّ واحِدينا (٨)
(١) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٠، بنصه.
(٣) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٠. و"تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٤.
(٥) "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٥٠ (شرذم) بلفظ: الجماعة القليل، واستدل بالآية، ولم يخسبه. وذكر قول المبرد ونسبه: الشوكاني ٤/ ٩٨.
(٦) في نسخة (ج): قاموا.
(٧) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. وقال ابن قتيبة: طائفة. "غريب القرآن" ٣١٧.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٠، وأنشده ابن جرير ١٩/ ٧٥، وفيه: صاروا، بدل: رجعوا. وذكره الزجاج ٤/ ٩١، مقتصراً على عجزه، وقد نسبوه جميعاً للكميت. =
ومعنى واحدون: واحد. ونحو هذا قال الزجاج (١). وكان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف، في قول مجاهد، ومقاتل، وابن الهاد، وابن مسعود (٢).
قال مجاهد: ولا يُحصى عدد أصحاب فرعون (٣).
٥٥ - وقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ قال أبو إسحاق: يقال: غاظني فلان، وأغاظني، [والأول أفصح (٤).
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: غاظني فلان وأغاظني] (٥) وغيظني بمعنى واحد (٦). والغيظ: الغضب، ومنه قوله: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك ٨] والتغيظ والاغتياظ واقعان منه؛ قال الله تعالى: {سَمِعُوا لَهَا
= والبيت من نونية الكميت، شرح: أبي رياش اليمامي، تحقيق الأستاذ الشيخ/ حمد الجاسر، وقد طبعت القصيدة مع شرحها بالتحقيق المذكور مع كتاب "شرح هاشميات الكميت" ٢٥٥، قال اليمامي: يعني بذلك ائتلاف ربيعة ومضر، واجتماعهم. قال الجاسر ٢٤١: لعل المقصود به: قصي بن كلاب.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩١.
(٢) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٧٥، ٧٦، عن أبي عبيدة، وابن مسعود، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وقيس بن عباد، وابن جريج. قال الشوكاني ٤/ ١٠٠، بعد سياقه الخلاف في عددهم: وأقول: هذه الروايات المضطربة قد روي عن كثير من السلف ما يماثلها في الاضطراب، والاختلاف، ولا يصح منها شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦١. وابن جرير ١٩/ ٧٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٢؛ بلفظ: يقال: قد غاظني فلان، ومن قال: أغاظني فقد لحن.
(٥) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٦) "تهذيب اللغة" ٨/ ١٧٤ (غاظ).
تَغَيُّظًا} [الفرقان ١٢] وقد مر. والمغايظة بين اثنين.
قال مقاتل: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ بقتلهم أبكارنا ثم هربهم منا (١).
وقال آخرون: أي مما أخذوه من العواري التي استعاروها من أوللي، وخروجهم من أرضنا على مخالفة لنا (٢).
٥٦ - وقوله: ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ وقرئ: (حذرون) (٣) قال الفراء: وكأن: الحاذر الذي يحذرك الآن. وكأن: الحَذِر المخلوق حَذِرًا لا تلقاه إلا حذرًا (٤).
وقال الزجاج: الحاذر: المستعد. والحذر: المتيقظ (٥).
وقال أبو عبيدة: رجل حَذِر وحَذُر (٦) وحاذر.
(١) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. وقد ذكر قبل ذلك أن جبريل -عليه السلام- أمر أن يجمع كل أهل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت، ويعلم على تلك الأبواب بدم، فإن الله -عز وجل- يبعث الملائكة إلى أهل مصر؛ من لم يروا على بابه دماً دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى فذلك اتهامهم لهم بقتل أبكارهم. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٧٦، عن ابن جريج. وكل هذا من أخبار بني إسرائيل مما لا دليل عليه؛ ومعنى الآية ظاهر فإن سبب الإغاظة الحقيقي مفارقتهم لدينهم، وإيمانهم بنبي الله موسى عليه السلام. والله أعلم.
(٢) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٦. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٤، ولم ينسبه. وهو كالقول السابق.
(٣) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (حذرون) بغير ألف. وقرأ الباقون بالألف. "السبعة في القراءات" ٤٧١، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٨، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٥.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٠.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٢.
(٦) في نسخة (ب)، حذر مرة واحدة.
53
قال ابن أحمر:
هل أُنسأَنْ يومًا إلى غيره... إنِّي حواليٌ وإنِّى حَذِر (١)
قال: حوالي: ذو حيلة (٢).
وأنشد أيضًا للعباس بن مرداس:
وإني حاذرٌ أنْمِى سلاحي... إلى أوصال ذَيَّال منيع (٣)
قال أبو علي: يقال: حَذِر يَحذَر حَذَرًا، واسم الفاعل: حَذِر. فأما حاذر فإنه يراد به أنه يفعل الحذر فيما يَستقبل. وكذلك قوله: وإني حاذر، كأنه يريد: متحذر عند اللقاء (٤).
وقال شمر: الحاذر: المُؤدِي الشاكُّ في السلاح (٥). وكذا جاء في
(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٦، ونسب البيت لابن أحمر. وضبطت: إني، في الموضعين بالفتح. وذكره ابن جرير ١٩/ ٧٧، من قول ابن أحمر. وذكره أبو علي، نقلاً عن أبي عبيدة، مقدماً العجز على الصدر ولفظه:
إني حوالي وإني حذر... هل ينسأن يومي إلى غيره.
ونسبه لابن أحمر. "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٨. وفي "الحاشية": ليس في شعر ابن أحمر المطبوع. وفي "اللسان" ١١/ ١٨٦ (حول): ويقال: رجل حوالي للجيد الرأي ذي الحيلة، قال ابن أحمر، ويقال: للمرار بن منقذ العدوي:
أو تنسأن يومي إلى غيره إني حوالي وإني حذر.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٦.
(٣) أنشده أبو عبيدة، "مجاز القرآن" ٢/ ٨٦، منسوبًا لعباس بن مرداس. وفيه: الذيال: الفرس الطويل الذنب. وذكره أبو علي نقلاً عن أبي عبيدة، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٩. وأنشده في "اللسان" ١١/ ٢٦٠ (ذيل) عن ابن بري.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٥٩.
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٤٦٢ (حذر). الشِّكة: ما يلبسه الرجل من السلاح، وقد خفف فقيل: شاكي السلاح، وشاكٌّ السلاح. "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٢٥ (شك).
54
التفسير؛ روى أبو إسحاق عن الأسود في قوله: ﴿حَاذِرُونَ﴾ قال: مُؤدُون مقوون (١). أي: ذووا أداة وقوة. ويروى عنه: مؤدون مستعدون. وقال الضحاك: شاكُّون في السلاح (٢).
وقال مقاتل: مُؤدُون علينا السلاح (٣).
وسأل شافع بن الأزرق، ابنَ عباس (٤)، عن قوله: ﴿حَاذِرُونَ﴾ ما هو؟ فقال: التامون (٥) السلاح.
وأنشد قول النجاشي (٦):
(١) أخرجه عنه، عبد الرزاق ٢/ ٧٦. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٧٧، بسنده عن أبي إسحاق قال: سمعت الأسود بن يزيد يقرأ: ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ قال: مقوون مؤدون. وأخرجه أيضًا ابن جرير ١٩/ ٧٨، عن ابن عباس.
(٢) أخرج ابن جرير ١٩/ ٧٧، عن الضحاك، أنه كان يقرأ: ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ يقول: مؤدون. وفي "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٧٤: (مؤدون شاكون في السلاح) ولم ينسبه.
(٣) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ، بلفظ (علينا بالسلاح). وفي "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦١: (وادون مستعدون). وفي الحاشية: كذا في المخطوطة واضحاً، غير أنا لم نتمكن من معرفة معنى هذه الكلمة الملائم هاهنا، ولعله: مادون في السلاح، كما في "الدر المنثور"، أو مؤدون أي: كاملو أداة الحرب، شاكوا السلاح، مشعدون للحرب، ويمكن أن يكون: آدون من أدا السبع للغزال، إذا ختله وخدعه واختفى له ليصيده فيأكله. والله أعلم. ذكر الفراء ٢/ ٢٨٠، أن ابن مسعود قرأ: (وإنا لجميع حاذرون) يقولون: مؤدون في السلاح. يقول: ذوو أداة من السلاح. قال الزجاج: مؤدون أي ذوو أداة، أي: ذوو سلاح، والسلاح أداة الحرب. "معاني القرآن" ٤/ ٩٢.
(٤) ابن عباس. في نسخة (أ)، (ب).
(٥) في نسخة (أ)، (ب): بحذف نون الإضافة. وفي "الدر المنثور" ٦/ ٢٩٧، بالنون.
(٦) راجع ترجمته في "الشعر والشعراء" ١/ ٣٢٩، و"الخزانة" ١/ ٢٣١، والأعلام ٥/ ٢٠٧.
55
حنيفةُ في كتائبَ حاذراتٍ يقودهم أبو الشِّبل الهِزبرُ (١)
وهذا الذي ذكره أهل التفسير معنى وليس بتفسير؛ وذلك أن من شأن من يحذر الشيء أن يستعد له، ويأخذ له الحذر، وإلا فكم من حذر لا سلاح معه. ومعنى الحَذَر في اللغة: اجتناب الشيء خوفًا منه؟ قال اليث في قوله: ﴿حَاذِرُون﴾ نَخاف شَرَّهم (٢). وذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء٧١] (٣).
٥٧ - قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ﴾ يعني: فرعون وقومه (٤). ﴿مِنْ جَنَّاتٍ﴾ قال مقاتل: يعني البساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ يعني: أنهارًا جارية (٥).
٥٨ - ﴿وَكُنُوزٍ﴾ يعني: الأموال الظاهرة من الذهب والفضة (٦). وإنما سمي: كنزًا؛ لأنه لم يعط حق الله منها. وكل ما لا يعطى حقُّ الله منه فهو كنز وإن كان ظاهرًا (٧).
(١) ذكره عن ابن عباس، الأنباري، في "الزاهر" ١/ ٣٠٣، وفيه: الحاذرون: الممتلئون من السلاح، وأنشد البيت، ولم ينسبه، وفي الحاشية: لم أقف عليه. وحنيفة: أبو حي من العرب، وهو: حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل. "لسان العرب" ٩/ ٥٨ (حنف).
(٢) "كتاب العين" ٣/ ١٩٩ (حذر)، بلفظ: وتقرأ الآية بلفظ: (وإنا لجميع حاذرون) أي: مستعدون، ومن قرأ: (حذرون) فمعناه: إنا نخاف شرهم. ونقله الأزهري، "تهذيب اللغة" ٤/ ٤٦٢ (حذر).
(٣) قال الماوردي ٤/ ١٧٢: السلاح يسمى: حذراً، قال الله تعالى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أي: سلاحكم.
(٤) تفسير الطوسي ٨/ ٢٥، بنصه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. و"تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٦) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٧٨.
(٧) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٠ ب، والبغوي ٦/ ١١٤، عن مجاهد. =
ثم قال: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [يعني: المساكن الحسان (١). قال المفسرون في قوله: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾] (٢): هو المجلس الحسن (٣) من مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تَحفُّ بها الأتباع (٤).
٥٩ - وقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كما وصفنا (٥). وقال مقاتل: هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر، ومما كانوا منه من الخير (٦).
وقوله: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قال الحسن: رجع بنوا إسرائيل إلى مصر بعد إهلاك فرعون (٧). وقال مقاتل: إن الله تعالى ردَّ بني إسرائيل بعد ما أغرق فرعون وقومه إلى مصر (٨).
٦٠ - ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)﴾ قال عبد الله بن مسلم (٩): لحِقوهم مصبحين حين شرقت الشمس، أي: طلعت، يقال: أشرقنا، أي: دخلنا
= وهو في "الوسيط" ٣/ ٣٥٤، غير منسوب. قال عبد الله بن عمر في قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة ٣٤] مَنْ كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، رقم: ١٤٠٤، فتح الباري ٣/ ٢٧١.
(١) "تفسير مقاتل" ٤٩ أ. و"تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٢) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ ب. واقتصر عليه في الوجيز ٢/ ٧٩٠.
(٤) بنصه، في "تفسير الطوسي" ٨/ ٢٥، و"البغوي" ٦/ ١١٤، ولم ينسباه. وهو في "الوسيط" ٣/ ٣٥٤، غير منسوب. وحكى "الماوردي" ٤/ ١٧٢، عن ابن عيسى أنها: مجالس الأمراء.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ ب. و"البغوي" ٦/ ١١٤.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٠ ب.
(٧) تفسير الطوسي ٨/ ٢٦، بنصه، منسوبًا للحسن.
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٠ ب.
(٩) عبد الله بن مسلم، هو ابن قتيبة.
في الشروق (١). وقد مر (٢). والكلام في معنى: أتبع ذكرناه في قوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] (٣).
٦١ - وقوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أي: تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه (٤)، وهو مفاعل من: الرؤية، كما يقال: ترآءَا الحزبان.
قال مقاتل: عاين بعضهم بعضًا. والجمعان: جمع موسى، وجمع فرعون (٥). وجازت التثنية؛ لأنه يقع على صفة التوحيد فيقال: هذا جمع واحد، كقولك: جملة واحدة.
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ قال الزجاج: أي: سيدركنا جمع فرعون هذا الكثير، ولا طاقة لنا بهم (٦).
قال مقاتل: قالوا: هذا فرعون وجنوده قد لحقونا من ورائنا، وهذا البحر أمامنا قد غشيناه، ولا منقذٍ لنا منه (٧)؟ فقال موسى ثقة بنصر الله (٨):
٦٢ - ﴿كَلَّا﴾ أي: ارتدعوا وازدجروا فليسوا يدركوننا (٩) ﴿إِنَّ مَعِيَ
(١) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٧. و"معاني القرآن" للزجاح ٤/ ٩٢.
(٢) في سورة: الحجر عند قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [٧٣].
(٣) قال الواحدي: وقوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ قال عبد الله بن مسلم: أي: أدركه، يقال: اتبعت القوم إذا لحقتهم. قال أبو عبيد: يقال: اتبعَتُ القوم، مثال: أفعَلت، إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم فعلى هذا معنى: اتبعه الشيطان: أي: أسرع خلفه.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٠ ب.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٢.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٠ ب.
(٨) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ ب. و"تفسير الطوسي" ٨/ ٢٦.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٢، بنصه.
رَبِى} بنصره إباي (١) ﴿سَيَهْدِينِ﴾ سيدلني على طريق النجاة (٢).
٦٣ - قوله: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ أي: فضرب فانفلق (٣). قال مقاتل: فانشق الماء اثني عشر طريقًا يابسًا، كل طريق طوله: فرسخان (٤)، وقام الماء على يمين الطريق، وعن يساره كالجبل العظيم، فذلك قوله: ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ (٥) قال الزجاج: أي: كل جزء تفرق منه (٦).
وقال المفسرون: كل قطعة من الماء (٧)، وكل طائفة من البحر ﴿كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ كالجبل العظيم (٨). وجمعه: أطواد، ومنه قول الأسود:
ماءُ الفُراتِ يجيءُ من أطوادِ (٩)
(١) "تفسير الطوسي" ٨/ ٢٨.
(٢) "تنوير المقباس" ٣٠٧. بمعناه. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ب. و"الطوسي" ٨/ ٢٨.
(٣) تفسير الطوسي ٨/ ٢٨.
(٤) الفرسخ: يطلق على معانٍ متعددة؛ منها: الوقت الطويل، كقول: انتظرتك فرسخاً من النهارة يعني: طويلاً. ويقاس بالفرسخ الطول؛ وهو يقدر بثلائة أميال. "تهذيب اللغة" ٧/ ٦٦٥ (فرسخ)، المعجم "الوسيط" ٢/ ٦٨١.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٠ ب. وفيه: طوله فرسخان، وعرضه فرسخان.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٢.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٠ ب.
(٨) ذكره البخاري، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. الفتح ٨/ ٤٩٦. ووصله ابن جرير ١٩/ ٨٠، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٣٧. من طريق علي بن أبي طلحة. وذكره ابن قتيبة، "غريب القرآن" ٣١٧.
(٩) أنشده أبو عيدة، "مجاز القرآن" ٢/ ٨٦، ولم ينسبه، ونسبه الطوسي ٨/ ٢٨، للأسود بن يعفر النهثلي، وقد ذكراه كاملاً، وصدره:
حَلُّوا بأنقرة بجيش عليهم
وفي حاشية أبي عبيدة: للأسود بن يعفر، ديوانه في ملحق ديوان الأعشى ٢٩٦، =
٦٤ - قوله تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ قال ابن عباس وقتادة: قربنا إلى البحر فرعون وقومه حتى أغرقناهم (١). وقال مقاتل: قربنا فرعون وجنوده (٢) في مسلك بني إسرائيل (٣).
وقال أبو إسحاق: أي قربنا الآخرين من الغرق وهم أصحاب فرعون (٤).
وقال أبو عبيدة: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ جمعنا، قال: ومن ذلك سميت مزدلفة جمعًا (٥). وكلا القولين حسن؛ لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض، وأصل الزلفى في كلام العرب: القربى (٦). وقيل قربناهم إلى المنية يخطيء وقت هلاكهم (٧).
= ومعجم البلدان ١/ ٣٩١. وذكره ابن جرير ١٩/ ٨١، من قول الأسود بن يعفر، وصدره مخالف لما عند أبي عبيدة:
حلوا بأنقرة يسيل عليهم
وفي الحاشية: أنقرة، موضع بظهر الكوفة، وقيل: موضع بالحيرة، وأنقرة هذه غير أنقرة التي في بلاد الروم (الأناضول) وهي الآن قاعدة دولة الترك.
(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٤، عن قتادة. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٨١، عن ابن عباس، وقتادة. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٧٤، عن السدي، وقتادة.
(٢) في نسخة (ب): وقومه.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥١ أ، بمعناه.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٣.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٧. ثم قال: وقال بعضهم: وأهلكنا. وصدر ابن جرير ١٩/ ٨٢، قول أبي عبيدة بقوله: (وزعم بعضهم) ولم يسمه.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٣، من قوله: وكلا القولين. وكلمة: أزلفنا، مأخوذة من التقريب إما إلى نجاء، وإما إلى بلاء. الزاهر في معاني كلمات الناس ٢/ ٢٦٤.
(٧) "تفسير الطوسي" ٨/ ٢٩، بنصه.
قال الشراعر:
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف (١)
وقال ابن مسلم: يقال: أزلفك الله أي: قربك، وأزلفني كذا عند فلان، أي: قربني منه. والزُلَف: المنازل والمَراقي؛ لأنها تُدْني المسافر، والراقي إلى حيث يقصده، ومنه قوله: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الشعراء: ٩٠] أي: أدنيت (٢).
وقال الحسن في قوله: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ اهلكنا (٣).
وهو معنى وليس بتفسير؛ وذلك أنه أدنى من الهلاك فهو إهلاك في المعنى (وثّمَّ) إشارة إلى المكان. وذكرنا معناه عند قوله: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥].
٦٧ - قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ قال مقاتل: إن في هلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم (٤) ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يقول: لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله، ولم يكن آمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون، وحزقيل المؤمن، ومريم بنت ناموسا، التي دلت على عظام
(١) أنشده الماوردي ٤/ ١٧٥، والطوسي ٨/ ٢٩، ولم ينسباه.
(٢) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٧.
(٣) ذكره عنه ابن قتيبة، في "غريب القرآن" ٣١٧.
فحاصل الأقوال في معنى: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ ثلاثة؛
١ - أهلكنا.
٢ - جمعنا.
٣ - قدمنا وقربنا.
قال ابن قتيبة: وكل هذه التأوللات متقاربة، يرجع بعضها إلى بعض. "غريب القرآن" ٣١٨.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٧٦، عن محمد بن. إسحاق: وكان يقال: لو لم يخرجه الله تعالى ببدنه حين أغرقه لشك فيه بعض الناس.
يوسف (١).
٦٨ - ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامه من أعدائه حين انتقم منهم ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب (٢).
(١) "تفسير مقاتل" ٥١ أ. وفيه (وحزقيل المؤمن، ومنه الماشطة).
وفي "الوسيط" ٣/ ٣٥٥: (خربيل المؤمن، ومريم بنت موشا). وعند البغوي ٦/ ١١٦ (حزبيل المؤمن، ومريم بنت ناقوسا). وزاد ابن الجوزي ٦/ ١٢٧، وفنَّة الماشطة ونسبه لقتادة، ولم أرَ من ذكره غيره.
وفي "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦١، وابن جرير ١٩/ ٧٨، عنه رواية مطولة عن أخذ نبي الله موسى، لعظام يوسف، وليس فيها تسمية المرأة، بل فيها وصفها بأنها: امرأة عجوز بيتها على قبر يوسف، وأن موسى جعل عظام يوسف في كسائه، ثم حمل العجوز على كسائه؛ لأن بني إسرائيل قالوا لموسى: إن يوسف أخبرنا أنا سنُنجى من فرعون، وأخذ عليا العهد لنخرجن بعظامه معنا.
وقصة أخذ نبي الله موسى عليه السلام لعظام يوسف أخرجها الحاكم ٢/ ٤٠٤، وأبو يعلي الموصلي، في مسنده ١٣/ ٢٣٦، رقم: ٧٢٥٤، عن أبي موسى -رضي الله عنه- مرفوعاً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ١/ ٥٥٩، رقم: ٣١٣.
وقد ذكر هذا الحديث ابن كثير ٦/ ١٤٢، من طريق ابن أبي حاتم، فقط، ثم قال: وهذا حديث غريب جدًّا، والأقرب أنه موقوف، والله أعلم.
وكون امرأة فرعون اسمها آسية ثابت من حديث ابن عباس قال: خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في الأرض أربة خطوط، قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران). أخرجه الإمام أحمد ٤/ ٤٠٩، رقم ٢٦٦٨، م/ الرسالة، وحكم عليه محققو المسند بالصحة، وأخرج الحاكم ٣/ ١٧٤، كتاب معرفة الصحابة، رقم: ٤٧٥٤، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٤/ ١٣، رقم: ١٥٠٨.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥١ أ، بنصه. و"تنوير المقباس" ٣٠٧، بمعناه.
٦٩ - قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩)﴾ قال ابن عباس: حدث قومك نجبر إبراهيم (١).
وقال مقاتل: واتل على أهل مكة حديث إبراهيم (٢).
وقال الكلبي: يقول أخبرهم بخبر إبراهيم كيف قال لقومه (٣)؛ يعني قوله:
٧٠، ٧١ - ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا﴾ قال مقاتل: وكانت أصنامًا من ذهب وفضة وحديد ونحاس وخشب (٤) ﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ فنقيم عليها عابدين مقيمين على عبادتها لا نعدل بها شيئًا. قاله ابن عباس ومقاتل (٥).
٧٢ - ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾ قال أبو علي وغيره من النحويين:
(١) "الوسيط" ٣/ ٣٥٥، غير منسوب.
قال الرازي ٢٤/ ١٤١: (اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة شدة حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب كفر قومه، ثم إنه ذكر قصة موسى -عليه السلام- ليعرف محمد أن مثل تلك المحنة كانت حاصلة لموسى، ثم ذكر عقبها قصة إبراهيم -عليه السلام- ليعرف محمد أيضًا أن حزن إبراهيم -عليه السلام- بهذا السبب كان أشد من حزنه؛ لأن من عظيم المحنة على إبراهيم -عليه السلام- أن يرى أباه وقومه في النار، وهو لا يتمكن من إنقاذهم.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥١ أ.
(٣) "تنوير المقاس" ٣٥٧، بمعناه.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥١ أ. و"تنوير المقباس" ٣٠٧. وهو في "الوسيط" ٣/ ٣٥٥، غير منسوب. ونحوه في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٣. أخرج ابن جرير ١٩/ ٨٣، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ قال: الصلاة لأصنامهم. وذكر الثعلبي ٨/ ١١١ أ، عن من لم يسمه من أهل العلم: إنما قالوا: ﴿فَنَظَلُّ﴾؛ لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
هل يسمعون دعاءكم، فحذف المضاف (١)؛ لأن سمعت إذا عُدِّي إلى زيد لم يكن له من مفعول مما سمع زيد، كقولك: سمعت زيدًا يقول ذلك، أو يشتم عمرًا. ونحو ذلك من المفعولات التي تُسمع، وهذا كقوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] (٢).
قال ابن عباس: هل يجيبونكم أو يسمعون دعاءكم (٣).
وقال مقاتل: هل يجيبونكم إذ تدعوهم (٤). وتفسير السمع بالإجابة معنى؛ لأن من سمع أجاب. ومن هذا قيل: سمع الله لمن حمده. أي: أجاب (٥). وإذا فسرنا السمع بالإجابة لم يحتج إلى تقدير المضاف.
٧٣ - قوله تعالى: ﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ قال ابن عباس: يريد هل يرزقونكم، أو يكشفون عنكم التفسير، أو يملكون لكم ضرَّا (٦).
وقال الكلبي: هل ينفعونكم إن أطعتموهم، أو يضرونكم إن
(١) "المسائل الحلبيات" ٨٣، و"الإيضاح العضدي"، كلاهما لأبي علي الفارسي ١/ ١٩٧. و"معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٦، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٧. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١١ أ.
(٢) قال ابن جرير ١٩/ ٨٤: قال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربية: الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن؛ لأن العرب تقول: سمعت زيداً متكلماً، يريدون: سمعت كلام زيد، ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسي، إنما يقع على كلامهم، ثم يقولون: سمعت زيداً، أي: سمعت كلامه.
(٣) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ أ.
(٥) قال ابن الأنباري: وقولهم: سمع الله لمن حمده، معناه: أجاب الله من حمده، والله سامع على كل حال، وكذلك: سمع الله دعاءك، معناه: أجاب الله دعاءك. "الزاهر في معاني كلمات الناس" ١/ ٥٩.
(٦) "الوسيط" ٣/ ٣٥٥، منسوبًا لابن عباس -رضي الله عنهما-.
عصيتموهم (١). ونحو هذا قال مقاتل: هل ينفعونكم في شيء إذا عبدتموهم، أو يضرونكم بشيء إن لم تعبدوهم (٢).
٧٤ - ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ أي: كما نفعل يفعلون. وهذا إخبار أنهم قلدوا آباءهم في عبادة الأصنام، وتركوا الحجة والاستدلال فلما أقروا على أنفسهم وآبائهم بعبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تضر (٣) ولا تنفع (٤).
قال لهم إبراهيم متبرئًا منهم:
٧٥، ٧٦ - ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾ يعني الماضين الأولين.
٧٧ - ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ قال الكلبي: يقول أبرأ منهم (٥). وقال مقاتل: أنا بريء منهم (٦). ومعنى عداوة الأصنام له هو ما ذكره الفراء، أي: لو عبدتهم كانوا إلى يوم القيامة ضدًا وعدوًا (٧). وكأنه ذهب إلى معنى قوله: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ الآية (٨)، [مريم: ٨٢] وذكر ابن قتيبة هذه الآية في باب المقلوب؛ وقال: المعنى: فإني عدو لهم، فقلب؛ لأن كل من عاديته
(١) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥١ أ.
(٣) ولا تضر. مكررة في نسخة (ج).
(٤) لا تنفع، ولا تضر ولا تسمع. في نسخة (ب).
(٥) "تنوير المقباس" ٣٠٧، وفيه: تبرأ منهم.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١.
(٨) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١١ ب. والشاهد من الآية في آخرها، وهو قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾.
65
عاداك (١). ونحو هذا حكى بعض المتأخرين عن الفراء، ولم أر له ذلك (٢).
والعدو: اسم يجوز إطلاقه على الجماعة، كما قال: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ﴾ [الكهف ٥٠] (٣) وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ﴾ [النساء ٩٢] وقد مرَّ (٤). وذلك أنه وضع موضع المصدر فلا يُثنى، ولا يُجمع، كما يوضع المصدر موضع الصفة؛ في نحو: رجل عدل، وتجوز تثنيته وجمعه؛ لأنه اسم (٥).
وقوله: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ قال أبو إسحاق: قال النحويون: إنه استثناء ليس من الأول. أي: لكن رب العالمين أعبده، ولا أتبرؤ منه. قال: ويجوز أن يكونوا عبدوا مع الله الأصنام، فقال: إن جميع من عبدتم عدو لي إلا رب العالمين؛ لأنهم سَووَّا آلهتهم بالله -عز وجل- فأعلمهم أنه قد تبرأ مما يعبدون إلا الله (٦). وهذا الذي ذكره هو مذهب مقاتل في هذه الآية؛ قال: إنهم كانوا يعلمون أن الله ربهم، وهو الذي خلقهم فإقرارهم بالله أنه خلقهم وهو ربهم عبادة منهم له (٧).
وقال الكلبي: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: إلا أن يكون فيكم أحدٌ يعبد
(١) "تأويل مشكل القرآن" ١٩٣.
(٢) ذكره عن الفراء الثعلبي ١١١ ب، وتبعه البغوي ٦/ ١١٧، وأحال محقق "تفسير البغوي" في الحاشية إلى "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١، وليس فيه هذا القول، كما قال الواحدي.
(٣) ذكر هذا القول الأخفش، في "معاني القرآن" ٢/ ٦٤٣.
(٤) تفسير هذه الآية من سورة النساء من القسم المفقود من كتاب البسيط.
(٥) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٨٤، بمعناه.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٣.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
66
الله (١). واختار الحسين بن الفضل هذا القول، وقال: يعني إلا من عبد رب العالمين (٢). وهذا يتوجه على حذف المضاف، كأنه قال: إلا عابد رب العالمين، ويكون الاستثناء أيضًا لا من الأول.
واختار صاحب النظم في قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ القلب؛ وقال: لأن الأصنام لا تعادي أحدًا، والمعنى: فإني عدو لهم. ومعنى العداوة: البغض والبراءة، وترك الموافقة. وأصله: من عَدَوْتُ الشيء: إذا جاوزتُه وخلَّفته. وقال في قوله: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ إنه على التقديم والتأخي؛ على تقدير: أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وءابآؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لي وتكون (إلا) بمعنى: (دون) و (سوى). أي: ما كنتم تعبدون من دون الله، وسوى الله، فيكون: (دون) و (سوى)، نعتًا للاسم الأول (٣).
وهذا الذي ذكره فيه تعدٍّ واستكراه، ثم استبعد قول الذين قالوا: إنه استثناء ليس من الأول؛ بأن قال: يحتمل ذلك على بعدٍ فيه؛ لأنه يكون ادعى خبرًا على الله من غير علم، وهو تمدح وتفريط للنفس، وهما مكروهان، يعني: أن إبراهيم إذا قال: الأصنام أعدائي، لكن الله وليي يكون قد أخبر عن الله بأنه وليه، ومدح نفسه بولاية الله؛ لأنه إذا كان الله [هو أيضًا] (٤) وليه، كان هو أيضًا ولي الله. وهذا لا يقدح في قول النحويين؛ لأنه لم يُخبر بذلك عن غير علم؛ فإن النبي يعلم منزلته من الله. والنبوة فوق الولاية، فإذا عَلِم أنه نبي، عَلِم أنه ولي، وأن الله وليه.
(١) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٢) "تفسير الثعبي" ٨/ ١١١ب.
(٣) ذكره عنه السمين الحلبي، "الدر المصون" ٨/ ٥٣٠.
(٤) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
67
وقوله: إنه تمدح، هذا إنما لا يحسن بعد الأنبياء، أما الأنبياء فلهم أن يتمدحوا بمنزلتهم، ومكانهم من الله تعالى، كما أن لهم التحدي بالمعجزة، وقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم" (١).
وقال: "آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة" (٢).
وقال: "لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي" (٣)، في أشباهٍ لهذا كثيرة لا تُحمل على مذهب التمدح المكروه.
قال مقاتل: ثم ذكر إبراهيم نعم رب العالمين؛ فقال (٤):
٧٨ - ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ قال ابن عباس: يرشدني. وقال
(١) جزء من حديث أخرجه مسلم ٤/ ١٧٨٢، كتاب الفضائل، رقم: ٢٢٧٨، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، بلفظ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مُشَّفع". وأخرجه باللفظ نفسه أبو داود ٥/ ٥٤، كتاب السنة، رقم: ٤٦٧٣.
(٢) أخرجه أبو داود الطيالسي ٣٥٣، من حديث ابن عباس، بلفظ: "وبيدي لواء الحمد تحته آدم ومن دونه ولا فخر". وأخرجه من الطريق نفسه أبو يعلى الموصلي ٤/ ٢١٤، وضعفه محقق مسند أبي يعلى؛ لضعف علي بن زيد بن جُدعان، وأخرجه ابن حبان، من طريق آخر عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" ١٤/ ٣٨٩، وقال محققه: حديث صحيح لغيره. وأخرجه الترمذي ٥/ ٥٤٨، كتاب المناقب، رقم: ٣٦١٥، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وهو في "صحيح سنن الترمذي" ٣/ ١٩٥، رقم: ٢٨٥٩.
(٣) خرجه الإمام أحمد ٢٣/ ٣٤٩، رقم: ١٥١٥٦، وأخرجه أبو يعلى الموصلي ٤/ ١٠٢، وأخرج ابن أبي عاصم، كتاب السنة ٢٧، رقم: ٥٠. وضعف الحديث محققو المسند، وكذا محقق "مسند أبي يعلى"؛ لضعف مُجالد بن سعيد، وحسن إسناده الألباني، "إراوء الغليل" ٦/ ٣٤، رقم: ١٥٨٩؛ لورود الحديث من طرق أخرى ساقها هناك
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
الكلبي: فهو يهدين إلى الدين (١). والمعنى: فهو الذي يهدين إلى الدين، والرشد، لا ما تعبدون من الأصنام. أخبر أن الذي يهدي هو الله الذي خلق (٢) لا غيره، وجاء هذا لأنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هي التي تهديهم. قال صاحب النظم: وجاءت الفاء دون الواو في (فهو) لأن الفاء تجعل ما بعدها متصلًا بما قبلها على الجواب له.
٧٩ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ قال صاحب النظم: صحول ﴿هُوَ﴾ دليل على أنه أعلم أنه لا يُطعم ولا يَسقي غيرُه، كما تقول في الكلام: زيد هو الذي فعل، أي: لم يفعله غيره (٣).
٨٠ - ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ قال: دخلت الفاء هاهنا كما دخلت في الخلق والهداية، وذلك أنهم كانوا يقولون: المرض منا، ومن الزمان، ومن الأغذية، والشفاء من الأطباء، ومن الأدوية. فأعلم إبراهيم أن الذي أمرض هو الذي يَشفي؛ وهو الله -عز وجل-. هذا كلامه (٤). وكان يجب على ما قال أن يكون: وإذا أمرضني، وقد قال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾ فلم يُخبر عن الله -عز وجل- بإمراض، إلا أن يقال: أراد: وإذا أمرضني، ولكن أخبر عن نفسه على العادة فإنه يقال: مرضت ولا يقال: أمرضني الله وإن كان المرض مخلوقًا لله بقضائه وقدره (٥).
(١) "تنوير المقباس" ٣٠٩.
(٢) في نسخة (أ)، (ب): زيادة: هذا، بعد: خلق. والكلام مستقيم بدونها.
(٣) ذكره القرطبي ١٣/ ١١٠، ولم ينسبه.
(٤) وقد ذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٥، ولم ينسبه.
(٥) قال السمرقندي، في تفسيره ٢/ ٤٧٥: أضاف المرض إلى نفسه؛ لأن المرض كسب يده، كقوله -عز وجل-: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ =
٨١ - وقوله: ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي﴾ أي: في الدنيا ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ للبعث. قاله ابن عباس، والمفسرون (١).
قال صاحب النظم: كانوا لا يدفعون الموت، إلا أنهم يجعلون له سببًا سوى الله، ويكفرون بالبعث، فأعلم إبراهيم أنه هو الذي يميت، ثم يحي (٢). ودخلت (ثم) للتراخي الذي بين الموت والحياة (٣).
٨٢ - وقوله: ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي﴾ قال مقاتل: أرجو (٤) ﴿أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي﴾ قال مجاهد، ومقاتل، والكلبي، والحسن (٥)، هي قوله لسارة: أختي، وقوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ وهي الكذبات الثلاث (٦).
= [الشورى: ٣٠] وفيه كفارة. وجعل البغوي ٦/ ١١٨، إضافة المرض إلى نفسه استعمالاً لحسن الأدب. وهذا أولى، والله أعلم.
(١) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٨٥.
(٢) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٥، منسوبًا لصاحب النظم.
(٣) وقد أحسن الواحدي صنعاً في إعراضه عن ذكر الأقوال الغريبة، والشاذة التي ذكرها الثعلبي ٨/ ١١١ ب، عن بعض أهل المعرفة، وإن كان الأحسن أن يشير إلى نقده لتلك الأقوال كما فعل القرطبي ١٣/ ١١١، وغيره من أهل العلم.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. و"تنوير المقباس" ٣٠٩.
(٥) الحسن غير موجودة في نسخة (ب).
(٦) "تنوير المقباس" ٣٠٩. و"تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٢. و"تفسير مقاتل" ٥١ ب. وأخرجه بسنده ابن جرير ١٩/ ٨٥، عن مجاهد. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٠، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً. ولفظه عند البخاري، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ -عليه السلام- إِلا ثَلَاثَ كَذَبَات ثِنْتَيْنِ مِنْهُن فِي ذَاتَ الله -عز وجل-؛ قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمِ وَسارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَه إِنَّ هَاهُنَا رجُلا مَعَهْ امْرَأَةٌ مِرْ أَحْسَنِ =
70
وزاد الكلبي والحسن قوله للكواكب: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ (١).
وقال أبو إسحاق: معنى ﴿خَطِيئَتِي﴾ أن الأنبياء بشر، وقد يجوز أن تقع عليهم الخطيئة إلا أنهم لا تكون منهم الكبيرة؛ لأنهم معصومون (٢).
وقال أهل المعاني في قوله: (أطمع) هذا تلطف من إبراهيم في حسن الاستدعاء، وخضوع لله -عز وجل- (٣).
قوله: ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ يريد يوم الجزاء. قاله ابن عباس (٤).
= النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِن هَذَا سَألَني فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ اخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي الله لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتِ الله فَأُطْلِقَ ثُمّ تَنَاوَلَهَا الثانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي الله لِي وَلَا أَضُركِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ الله كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ في نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ). البخاري، كتاب الأنبياء، رقم: ٣٣٥٨، الفتح ٦/ ٣٨٨. ومسلم، ٤/ ١٨٤٠، كتاب الفضائل، رقم: ٢٣٧١.
(١) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٥. وذكره السمرقندي، في "تفسيره" ٢/ ٤٧٥، ولم ينسبه. ونسبه الثعلبي ٨/ ١١٢ ب، والبغوي ٦/ ١١٨، للحسن. قال ابن عطية ١١/ ١٢٣: وقالت فرقة: أراد بالخطيئة اسم الجنس، قدرها في كل أمره من غير تعيين. واستظهر ابن عطية هذا القول. وهذا مخالف لظاهر الآية حيث نسبة الخطأ إلى نفسه، ومخالف للحديث السابق، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون فيما يتعلق بالوحي وتبليغ الرسالة، ولا ينافي إثبات ذلك عصمةَ الرسل؛ فالعصمة ثابتة لهم في تبليغ الوحي، وأما ما يفعلونه باجتهادهم فهم كغيرهم من البشر يصيبون، وقد يخطئون فيصحح خطؤهم. والله أعلم.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤.
(٣) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٥، ولم ينسبه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٠، عن الأعرج. قال ابن جرير ١٩/ ٨٥: (يوم الحساب، يوم المجازاة).
71
وقال مقاتل: يعني يوم الحساب (١). ثم دعا إبراهيم ربه فقال:
٨٣ - ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا﴾ قال ابن عباس: معرفة بالله وبحدوده وأحكامه (٢).
وقال مقاتل: يعني اللهم والعلم (٣).
﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ قال ابن عباس: بأهل الجنة.
وقال عطاء عنه: يريد النبيين قبله (٤).
٨٤ - ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وسفيان، والسدي، ومقاتل، والكلبي، والمفسرون يعني: ثناءً حسنًا (٥). ﴿فِي الْآخِرِينَ﴾ يعني: في الذين يأتون بعدي (٦).
(١) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. ذكر الواحدي، في "الوسيط" ٣/ ٣٥٦، هاهنا حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ في الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وُيطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) أخرجه مسلم ١/ ١٩٦، كتاب الإيمان، رقم ٢١٤. والحاكم ٢/ ٤٣٩، كتاب التفسير، رقم: ٣٥٢٤، وقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والحديث أخرجه مسلم كما سبق.
(٢) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٦. و"تفسير البغوي" ٦/ ١١٨. و"تفسير القرطبي" ١٣/ ١١٢. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨١، عن ابن عباس: الحكم: العلم.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. و"تنوير المقباس" ٣٠٩. وجعل ابن جرير ١٩/ ٨٦، الحكم هنا: النبوة. وهو قول السدي، أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨١.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. وفي "تنوير المقباس" ٣٠٩: بآبائي المرسلين في الجنة.
(٥) خرجه بسنده عن مجاهد، الفراء، "معاني القرآن" ٢/ ٢٨١. وذكره أبو عبيدة ٢/ ٨٧، ولم ينسبه. وذكره ابن جرير ١٩/ ٨٦. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨١، عن مجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. و"تنوير المقباس" ٣١٠.
72
قال أبو إسحاق: معناه اجعل لي ثناء حسنًا باقيًا إلى آخر الدهر (١).
قال المفسرون: وأعطاه الله ذلك، وكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه (٢). وذكرنا أن اللسان قد يُذكر والمراد به القول (٣)، ومنه:
إني أتتني لسانٌ...... البيت (٤)
والعرب إذا مدحت شيئًا أضافته إلى الصدق (٥)؛ كقوله تعالى: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] وقد مر (٦).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤. قال السمرقندي، في؛ "تفسيره" ٢/ ٤٧٦: وإنما أراد بالثناء الحسن ليقتدوا به فيكون له مئل أجر من اقتدى به.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥١ ب، بلفظ: "فكل أهل دين يتولون إبراهيم -عليه السلام-، ويثنون عليه". وذكر هذا هود الهواري ٣/ ٢٣٠. وأخرجه بسنده مطولاً ابن جرير ١٩/ ٨٦، عن عكرمة. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨١، عن ابن عباس. قال الجصاص ٥/ ٢١٤: فاليهود تقر بنبوته، وكذلك النصارى، وأكثر الأمم. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٣ أ.
(٣) ذكر ذلك ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ١٤٦. ونقله عنه الثعلبي ٨/ ١١٣ أ.
(٤) أنشده كاملاً ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ١٤٦، ولم ينسبه، وتمامه:
إني أتتني لسانٌ لا أُسرُّ بها من عَلوَ لا عجبٌ منها ولا سَخَرُ
قال ابن قتيبة: أي: أتاني خبرٌ لا أسر به. والبيت مطلع قصيدة لأعشى باهلة، يرثي بها المنتشر بن وهب الباهلي، وقد ذكرها المبرد، الكامل ٣/ ١٤٣١. وأنشده ونسبه الثعلبي ٨/ ١١٧ أ.
(٥) في "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٥٥: يقال: هذا رجل صِدْق، معناه: نعم الرجل هو.
(٦) ذكر الواحدي في تفسير هذه الآية ما يتعلق بالقدم، ومعناه، والمراد به، ثم قال: هذا الذي ذكرنا معنى القدم في اللغة، فأما التفسير فقال ابن عباس: أجراً حسناً بما قدموا من أعمالهم. وعلى هذا المعنى: أن لهم أجر صدق أو ثوابه، على تقدير حذف المضاف، وقال مجاهد والحسن: يعني الأعمال الصالحة. وعلى هذا لا حذف. =
73
٨٥ - ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ قال ابن عباس: اجعل مصيرِي إلى جنة النعيم (١). وقال الكلبي: من الذين ذكروا في قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون: ١٠، ١١] والنعيم: نقيض البؤس (٢).
٨٦ - ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ قال مقاتل: من المشركين (٣). وهذا الاستغفار منه لأبيه إنما كان قبل أن يتبرأ منه (٤). وقد ذكرنا ذلك عند ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية، [التوبة: ١١٤] (٥).
٨٧ - ﴿وَلَا تُخْزِنِي﴾ قال مقاتل والكلبي: لا تعذبني (٦) ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ يوم يبعث الخلق بعد الموت (٧). ثم فسر ذلك اليوم وأبدل منه؛ فقال:
= قال الإمام مالك: لا بأس أن يُحب أن يُثنى عليه صالحاً، وُيرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله وهو الثناء الصالح. "أحكام القرآن" لابن العربي ٣/ ٤٥٨.
(١) "تنوير المقباس" ٣١٠، بمعناه.
(٢) وفي هذه الآية رد على من قال: لا أسأل جنة ولا ناراً. "تفسير القرطبي" ١٣/ ١١٤.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
(٤) "تفسير البغوي" ٦/ ١١٩.
(٥) قال الواحدي: (.. وذلك أنه وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه، وأن ينقل الله أباه باستغفاره له من الكفر إلى الإسلام، فلما مات مشركاً ويئس من مراجعته الحق تبرأ منه، وقطع الاستغفار له..).
(٦) "تفسير مقاتل" ٥١. و"تنوير المقباس" ٣١٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي فَيقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إنكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزيٍ أَخْزَلى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ فَيَقُولُ الله تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ =
٨٨ - ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾ [ومفعول النفع محذوف للعلم به كأنه قيل: لا ينفع مال ولا بنون أحدًا] (١).
٨٩ - ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وفي هذا الاستثناء قولان؛ أحدهما: إنه استثناء من الأول على معنى: أن الكافر لا ينفعه ماله وإن تصدق به، ولا ابنوه يغيثونه، [فيكون قوله ﴿إِلَّا مَنْ﴾ استثناء ممن لا ينفعه بماله، وبنوه؛ وهو الكافر.
القول الثاني: إن قوله: ﴿إِلَّا مَنْ﴾ استثناء ليس من الأول على معنى:] (٢) لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه ذلك، وهو سلامة قلبه (٣).
واختلفوا في معنى القلب السليم؛ فقال ابن عباس: سليم من الشرك والنفاق. وهو قول مجاهد، والكلبي، ومقاتل، وقتادة، والحسن، وأكثر المفسرين؛ قالوا: القلب السليم، الذي سلم من الشرك، والشك، والنفاق (٤). وإذا كان سليمًا من هذه الأشياء كان موقنًا مخلصًا. وقال سعيد
= عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى في النَّارِ) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، رقم: ٣٣٥٠، الفتح ٦/ ٣٨٧. والنسائي، في السنن الكبرى ٦/ ٤٢٢، كتاب التفسير، رقم: ١١٣٧٥. قال ابن حجر، في الفتح ٨/ ٤٩٩: الذيخ: ذكر الضباع. يعني أن الله تعالى قد مسخ آزر ضبعاً، فلما رآه إبراهيم كذلك تبرأ منه.
(١) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٢) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (أ)، (ب).
(٣) لم أجده عند من تقدم الواحدي، وذكره من المتأخرين: الزمخشري ٣/ ٣١١. والقرطبي ١٣/ ١١٤. وأبو حيان ٧/ ٢٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥١ ب. وأخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٤، عن قتادة. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣١. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٨. و"تفسير ابن جرير" =
ابن المسيب: القلب السليم هو الصحيح وهو قلب المؤمن، وقلب الكافر والمنافق مريض، كما قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [البقرة: ١٠] (١)
٩٠ - قوله تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ قال ابن عباس: قربت الجنة لأوليائي (٢).
قال أبو إسحاق: تأويله أنه قرب دخولهم إياها ونظرهم إليها (٣).
٩١ - ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ أي: أظهرت (٤). قال مقاتل: كشف الغطاء عيت الجحيم (٥) (للغاوين) للكافرين (٦)، وهم الضالون عن الهدى (٧).
= ١٩/ ٨٧، وأخرجه عن قتادة، وابن زيد، والضحاك. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٣، عن مجاهد، والحسن، وعبد الرحمن بن زيد. قال الثعلبي ٨/ ١١٣ أ، بعد ذكر هذا القول: (فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد). ومراده ما دون الشرك. قال ابن القيم: (وقد اختلفت عبارات الناس في معنى السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره..) "إغاثة اللهفان" ١/ ١٣.
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٧ أ. و"تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٦. و"تفسير البغوي" ٦/ ١١٩. وفي "تنوير المقباس" ٣١٠: (سليم من بغض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-).
(٢) "تنوير المقباس" ٣١٠. و"تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٦. أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٤، عن الضحاك: قُربت من أهلها. ثم قال: وروي عن السدي، وقتادة، والربيع بن خيثم نحو ذلك.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤.
(٤) "تنوير المقباس" ٣١٠. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣١. و"تفسير ابن جرير" ١٩/ ٨٧. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٣ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١٠. قال ابن عطية ١١/ ١٢٧: هم المشركون بدلالة أنهم خوطبوا في أمر الأصنام، والقول لهم: ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
(٧) عن الهدى، في نسخة (ج).
والغاوي: الضال (١). ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ في ذلك اليوم على وجه التوبيخ واللوم (٢).
٩٢، ٩٣ - ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ هل يمنعوفكم من العذاب ﴿أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ يمتنعون منه (٣).
ثم يؤمر بهم فيُلقون في النار، فذلك قوله:
٩٤ - ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا﴾ قال ابن عباس، والسدي، والكلبي: جمعوا (٤).
وقال مجاهد: دهوروا (٥). وقال مقاتل: قذفوا (٦).
قال أبو إسحاق: معنى: (كبكبوا) طُرح بعضهم على بعض (٧).
وحقيقة ذلك في اللغة: تكرير الانكباب كأنه إذا أُلقي يَنْكَبُّ مرة بعد مرة حتى يستقرَّ فيها (٨).
وقال أبو عبيدة: نكسوا فيها، وهو من قولهم: كبَّه الله لوجهه (٩).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤.
(٢) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٦، ولم ينسبه.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥١. و"تنوير المقباس" ٣١٠. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣١.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٥، عن ابن عباس، والسدي.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٥، عن مجاهد، بلفظ: قد هووا فيها، وما في المطبوع مخالف لما في المخطوط ٢٢٧ أ، ولفظه: فدمروا فدهوروا. وبلفظ: دهوروا، ذكره "الثعلبي" ٨/ ١١٣ أ، و"البغوي" ٦/ ١١٩.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣١. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٣ ب.
(٧) وقد اقتصر في الوجيز ٢/ ٧٩٢، على قول أبي إسحاق، ولم يشبه. وذكر هذه الأقوال بهذا الترتيب البغوي ٦/ ١١٩.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤. وذكره الأزهري ٩/ ٤٦١ (كبب) ولم ينسبه.
(٩) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٨٧، بلفظ: أي: طرح بعضهم على بعض جماعة جماعة.
77
قال ابن قتيبة: (كبكبوا) أُلقوا على رؤوسهم، وأصل الحرف: كُبِّبُوا، فأبدل من الباء الوسطى كافًا استثقالًا لاجتماع ثلاث باءات، [كما قالوا: كمكموا، من الكُمَّة، وهي: القَلَنْسوة، والأصل: كُمِّموا] (١). كما قالوا: ريح صرصر (٢)، ورقرقت العين بمعنى: دمعت، وله نظائر (٣).
ومن قال في تفسير: (كبكبوا) جمعوا (٤)، أراد: جمعوا بطرح بعضهم على بعض في النار. وهذا الفعل للمعبودين من دون الله، أخبر الله تعالى أنهم يُطرحون في النار مع عابديهم، فقال: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد: هم وما يعبدون من دون الله (٥).
وقال الكلبي: العابد والمعبود (٦).
وقال السدي: جمعوا فيها الآلهة والمشركون (٧). وعلى هذا: ﴿الْغَاوُونَ﴾ هم عبدة الأصنام.
وقال قوم: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا﴾ يعني الكفار ﴿وَالْغَاوُونَ﴾ كفرة الجن. وهو قول الكلبي (٨).
(١) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٨، وما بين المعقوفين، زيادة نقلتها من الغريب ليستقيم بها الكلام، وهي غير موجودة في النسخ الثلاث.
(٢) قال تعالى ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦].
(٣) لم يظهر لي الارتباط بين هذا ومعنى: كبكبوا، فلعلها زيادة تتابع عليها النساخ؛ إذ لم أجدها في غريب ابن قتيبة، ولا غيره، والله أعلم.
(٤) "تنوير المقباس" ٣١٠.
(٥) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٥، بلفظ: ﴿الْغَاوُونَ﴾ المشركون.
(٦) في "تنوير المقباس" ٣١٠: كفار الجن وآلهتهم.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٥.
(٨) "تنوير المقباس" ٣١٠. و"تفسير الثعلبى" ٨/ ١١٣ ب.
78
وقال قتادة، ومقاتل: يعني الشياطين (١). والقول هو الأول؛ لأن الشياطين ذكروا فيما بعد؛ وهو قوله:
٩٥ - ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ يعني: ذرية إبليس كلهم (٢).
٩٦ - ﴿قَالُوا﴾ يعني: الكفرة والغاوون ﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ مع الشياطين والمعبودين (٣).
٩٧، ٩٨ - ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ والله ما كنا إلا في ضلال] (٤) حيث سويناكم بالله فأعظمناكم، وعبدناكم، وعدلناكم به (٥).
٩٩ - ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ قال مقاتل: وما أضلنا عن الهدى إلا الشياطين (٦). وهو قول ابن عباس.
(١) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. وأخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٤، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٦، عن قتادة. وذكره عنهما الثعلبي ٨/ ١١٣ ب.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٠. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٦ عن السدي. وفي رواية أخرى عنه، قال: هم الشياطين. قال النحاس: "الذين دعوهم إلى عبادة الأصنام، وساعدوا إبليس على ما يريد فهم جنوده". "إعراب القرآن" ٣/ ١٨٤. وهذا قول حسن. والله أعلم.
(٣) قال الهواري ٣/ ٢٣١: "وخصومتهم تبرؤ بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضاً".
(٤) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج). واستدل ابن قتيبة بهذه الآية على أن: إن، الخفيفة تكون بمعنى: لقد. "تأويل مشكل القرآن" ٥٥٢.
(٥) به، في نسخة (أ)، (ب). "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٤، وفيه: كما يعبد الله، بدل: وعدلناكم به. قال ابن القيم: ومعلوم أنهم ما سووهم به -سبحانه- في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب، والتأله والخضوع لهم والتذلل، وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوى التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب "الجواب الكافي" ١٩٧.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
وقال الكلبي: إلا أوَّلونا الذين اقتدينا بهم (١).
١٠٠ - ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ من يشفع لنا من الملائكة والنبيين (٢). قال ابن عباس: يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣) والمؤمنين، حين يشفعون للموحدين.
١٠١ - ﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ قال ابن عباس: ولا قريب من المؤمنين. وقال مقاتل: يعني: القريب الشفيق (٤). وقال الكلبي ﴿وَلَا صَدِيقٍ﴾ ذي قرابة يهمه أمرنا (٥). والحميم: القريب الذي توده ويودك (٦).
قال ابن عباس: إن المؤمن يشفع يوم القيامة للمؤمنين المذنبين (٧). وروى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليقول في الجنة: رب (٨) ما فعل صديقي فلان، وصديقه في الجحيم، فيقول الله تعالى: أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول من بقي: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ " (٩).
(١) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٧، و"تنوير المقباس" ٣١٠. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٣ ب. قال ابن جرير ١٩/ ٨٩: "يعني بالمجرمين: إبليس، وابن آدم الذي سن القتل". وأخرجه بسنده عن عكرمة.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. وجعل ابن جريج الشافعين من الملائكة فقط. أخرجه عنه ابن جرير ١٩/ ٨٩.
(٣) في نسخة (أ)، (ب): قال الكلبي. والظاهر أنها زائدة.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
(٥) "تنوير المقباس" ٣١٠.
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ١٤ (حم)، بنصه.
(٧) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٧.
(٨) رب، في نسخة (أ)، (ج).
(٩) أخرجه بسنده الثعلبي ٨/ ١١٣ ب، من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا من سمع أبا الزبير يقول: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله. وعن الثعلبي أخرج الواحدي، =
ومعنى (١) الحميم في اللغة: القريب، من قولهم: أَحَمَّ الأمر، وأَحَمَّ إذا قَرُب، ودنا (٢).
وقال المبرد: حَميم الرجل من يخصه، وهو مأخوذ من: الحَامَّة، يقال: دُعِي فلانٌ في الحامَّة، لا في العامَّة (٣). ثم قالوا:
١٠٢ - ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي: رجعة إلى الدنيا (٤) ﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اصدقين بالتوحيد (٥). أي: حتى تحل لنا الشفاعة كما حلت للمؤمنين (٦).
١٠٣ - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ يعني فيما أخبر من قصة إبراهيم ﴿لَآيَةً﴾ لعبرة لمن بعدهم.
والباقي [١٠٣ - ١٠٤] مفسر فيما مضى من السورة إلى قوله:
= في تفسيره "الوسيط" ٣/ ٣٥٧، وكذا البغوي ٦/ ١٢٠، وفي حاشية "الوسيط": في سنده انقطاع بين الوليد بن مسلم وأبي الزبير. وفي حاشية البغوي: لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وغيرها، وساقه المصنف بإسناده من طريق الثعلبي، وفيه جهالة من سمع أبا الزبير.
في "تفسير مقاتل": استكثروا من صداقة المؤمنين، فإن المؤمنين يشفعون يوم القيامة.
(١) ومعنى. في نسخة (أ)، (ج).
(٢) "تهذيب اللغة" ٤/ ١٤ (حمم)، من قول الكسائي. وكذا في "لسان العرب" ١٢/ ١٥٢، وفيه: ويروى بالجيم.
(٣) في "تهذيب اللغة" ٤/ ١٤ (حمم): الحامَّة: خاصة الرجل من أهله وولده وذي قرابته. ولم ينسبه للمبرد. ولم أجده في فهارس "المقتضب"، ولا فهارس الكامل. قال في الكشاف ٣/ ١١٩: "والحميم من الاحتمام، وهو الاهتمام، وهو الذي يهمه ما يهمك، أو من الحامة، بمعنى الخاصة، وهو: الصديق الخاص".
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٠. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٧، عن ابن عباس.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
(٦) أخرج نحوه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٧، عن ابن عباس.
١٠٥ - ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ قال أبو إسحاق: دخلت التاء و: ﴿قوم﴾ مذكرون؛ لأن المعنى: كذبت جماعة قوم نوح (١).
وقوله: ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل، والمفسرون: يعني نوحًا وحده (٢). وعلى هذا إنما جاز الجمع؛ لأن من كذب رسولاً واحدًا من رسل الله فقد كذب الجماعة، وخالفها؛ لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل (٣). وهذا معنى قول الحسن؛ لما سئل عن هذا وأمثاله فقال: إن الآخِر جاء بما جاء به الأول، فإذا كَذبوا واحدًا فقد كذبوهم أجمعين (٤). وقال الكلبي ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحًا، وما أخبرهم من مجيء المرسلين بعده (٥). قال الزجاج: وجائز أن يكونوا كذبوا جميع الرسل (٦).
١٠٦ - ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ﴾ قال ابن عباس: ابن أبيهم، يعني: أن الأخوة كانت من جهة النسب، لا من جهة الدين. وهو قول جميع المفسرين: أخوهم في النسب. يعني: أنه منهم، وليس بأخيهم في الدين (٧).
قال الزجاج: كل رسول يأتي بلسان قومه، ليوضح لهم الحجة،
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥. وقال النحاس: "على تأنيث الجماعة". "إعراب القرآن" ٣/ ١٨٥. وهذا الوجه أحسن مما قاله البقاعي: "إثبات التاء، اختياراً للتأنيث، وإن كان تذكير القوم أشهر، للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال". "نظم الدرر" ١٤/ ٦١.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥، بنصه.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١١٣ أ، والبغوي ٦/ ١٢٠.
(٥) "تنوير المقباس" ٣١٠.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٠. وتفسير هود الهواري ٣/ ٢٣٢.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: الحاكة (١). وهو قول عكرمة، وزاد: الأساكفة (٢).
قال أبو إسحاق: والصناعات لا تضر في باب الديانات (٣).
وروي عن ابن عباس، في تفسير الأرذلين: الغلفة (٤). والصحيح: أنهم أرادوا بالأرذلين الذين مكاسبهم دنية؛ لقوله: ﴿قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
لما نسبوا أتباع نوح إلى دناءة المكاسب، أجابهم نوح بأن قال:
١١٢ - ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يعني: ما كنت أعلم أعمالهم، وصنائعهم، ولم (٥) أُكلف ذلك إنما كلفت أن أدعوهم (٦).
وقال مقاتل: يقول: لم أكن أعلم أن الله يهديهم للإيمان من بينكم ويدعكم (٧). وهذا القول غير الأول، ومعناه: أن نوحًا قال لهم: لا أدري
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ أ. و"زاد المسير" ٦/ ١٣٤. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٨٨، عن مجاهد. والمراد بهم: ناسجو الثياب؛ مأخوذ من الحَوك، وهو: النسج. "تهذيب اللغة" ٥/ ١٢٨ (حاك).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ أ. وذكر الواحدي في "الوسيط" ٣/ ٣٥٧، أن الضحاك، وعكرمة، قالا: يعنون الحاكة، والأساكفة. الإسكافي: الصانع، وقيل: كل صانع غيرِ من يعمل الخفاف. "تهذيب اللغة" ١٠/ ٧٧ (سكف).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥. وذكره في "الوسيط" ٣/ ٣٥٧. ونفله عن الزجاج الأزهري ١٤/ ٤١٩.
(٤) هكذا كتبت في النسخ الثلاث: الغلفة، ومعناهاهنا غير مناسب؛ ولعل الصواب: الغفلة: جمع غافل وهو من لا فطنة له. "تهذيب اللغة" ٨/ ١٣٦ (غفل).
(٥) في نسخة (ب): ولا.
(٦) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٧، ولم ينسبه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٢ أ.
إيش عملوا حتى استحقوا الهداية من بينكم دونكم، كأنه يقول: لا يضرهم دناءة مكاسبهم إذ هداهم الله. والقول هو الأول؛ لقوله:
١١٣ - ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي﴾ أي: ما حسابهم فيما يعملون من صنائعهم ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّي﴾ وليس عليَّ من حسابهم شيء ﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ لو تعلمون ذلك (١).
وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف على معنى: ﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ أن حسابهم على ربهم لما عبتموهم بصنائعهم. ونظير قوله: إن حسابهم إلا على ربهم، قوله في سورة: هود في قصة نوح: ﴿أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٩].
١١٤ - وقوله: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ قال مقاتل: يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون عندكم (٢).
قال الكلبي (٣) قال الأشراف لنوح: اطردهم يا نوح ونؤمن لك! فقال: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
١١٥ - ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِين﴾ قال ابن عباس: أنذركم النار، وأبين لكم ما يقربكم من الله. قال مقاتل: ما أنا إلا رسول بين (٤).
١١٦ - ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ﴾ [عما تقول وتسكت] (٥) {لَتَكُونَنَّ مِنَ
(١) "تنوير المقباس" ٣١١. واستدل ابن قتيبة بهذه الآية على أن الحساب يكون بمعنى: الجزاء. "تأويل مشكل القرآن" ٥١٣.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٣) قال الكلبي، في نسخة (ج).
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٥) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
الْمَرْجُومِينَ} قال ابن عباس، ومقاتل، والكلبي: من المقتولين (١).
وقال الضحاك: من المشتومين (٢). وقال قتادة: المضروبين بالحجارة (٣). وذكرنا معاني الرجم فيما تقدم (٤).
١١٧، ١١٨ - ﴿قَالَ﴾ نوح ﴿رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا﴾ قال ابن عباس، والمفسرون: فاقض بيني وبينهم قضاء (٥).
قال مقاتل: يعني بالعذاب (٦). ﴿وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من ذلك العذاب (٧).
١١٩ - ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ مضى الكلام في تفسير الفلك، عند قوله: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ [البقرة: ١٦٤].
قال أبو إسحاق في هذه السورة: ﴿الْفُلْك﴾ السفن، واحدها: فَلَك،
(١) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب. و"تنوير المقباس" ٣١١. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ أ. ونسبه الماوردي ٤/ ١٧٩، لمحمد بن الحسن.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ أ، و"تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٨. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢١. ونسبه الماوردي ٤/ ١٧٩، للسدي.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ أ. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٧٩.
(٤) في سورة هود ٩١.
(٥) "تنوير المقباس" ٣١١. وأخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٤، عن قتادة. وأخرجه عنه كذلك ابن جرير ١٩/ ٩٠، وأخرجه أيضًا عن ابن زيد. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٩٠، عن قتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد. وفي "مجاز القرآن" ٢/ ٨٧: "أي: احكم بيني وبينهم حُكماً". و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣٣، وفيه: وإذا قضى الله بين النبي وقومه هلكوا. قال ابن قتيبة: "ومنه قيل للقاضي: الفتاح". "غريب القرآن" ٣١٨.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٧) "تنوير المقباس" ٣١١.
87
وجمعها: فُلْك، وزعم سيبويه أنها بمنزلة أَسَد، وأُسْد، قياس فَعْل، ألا ترى أنك تقول: قُفْل وأقفال، وجَمَل وأجمال، وكذلك: أَسَد وأُسْد وآسَاد، وفَلَك، وأفلاك وفُلْك في الجمع (١).
قال أبو علي الفارسي، فيما أصلح عليه: لم نعلم أحدًا قال في واحد الفُلْك: فَلَك، ولكن الواحد: فُلْك، وكُسِّر على فُلْك (٢)، وقول سيبويه: إنه بمنزلة أَسَد وأُسْد، يريد: فُعَلا كسر على فُعْل، كما كسر فَعْل عليها (٣)، واجتمعا في التكسير على فعل كما اجتمعا في التكسير على أفعال؛ لأنهما يتعاقبان كثيرًا على الشيء الواحد، نحو: البُخل والبخال (٤)، والبَخل، والسُقم والسَقم، والعُجم والعَجم، والعُرب والعَرب، فلما كانا على هذا جاز اجتماعهما على هذا التكسير.
ونظير هذا في أن لفظ التكسير جاء على لفظ الواحد قبل أن يُكَسَّر، قولهم: ناقة هَجَّانٌّ، وإبل هَجَّانٌ (٥)، ودِرعٌ دِلاص، وأدرعٌ دِلاص، وهجان في الجمع (٦)، على حد ظِرافٍ، وشِرَاقٍ، وليس على حد سنان
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٥. وتبعه النحاس، في "إعراب القرآن" ٣/ ١٨٦، فقال: "زعم سيبويه".
(٢) قال أبو عبيدة ٢/ ٨٨: "والفلك يقع لفظه على الواحد، والجميع من السفن سواء".
(٣) في كتاب أبي علي: عليه، بدل: عليها.
(٤) البخال، غير موجودة في كتاب أبي علي.
(٥) في نسخة (أ)، الأولى هيجان، بالياء، والباقي بدونها كما في نسخة: ب، في المواضع الثلاثة. وفي نسخة (ج): بالياء، في الموضع الأول والثاني.. وفي كتاب أبي علي، بدون الياء في المواضع كلها.
(٦) هكذا في نسخة (ب)، وفي نسخة (أ)، (ج): الجميع. وفي كتاب أبي علي: "وإنما دلاص، وهجان، في الجمع".
88
وضناك (١).
وأما ﴿الْمَشْحُون﴾ فقال الليث: الشحن مَلوُك السفينةَ وإتمامُك جَهازَها كلَّه (٢). قال ابن عباس: يريد بالمشحون الذي قد شحن وملئ (٣). وقال مجاهد: المشحون: المملوء (٤).
وقال قتادة: المُحَمَّل (٥). وقال مقاتل: المُوقِر من الناس، والطير، والحيوان، كلها من كل صنف ذكر وأنثى (٦). والفلك هاهنا واحد لا جمع،
(١) هاتان الكلمتان غير واضحتين في كتاب أبي علي. الإغفال فيما أغفله الزجاج ٢/ ٢٢٠ أ. وقد ذكر هذه المسألة المبرد، في "المقتضب" ٢/ ٢٠٥. وفي الحاشية: درع دلاص: لينة براقة، والهجان: الإبل البيضاء. قال أبو حيان ٧/ ٣١:"الفلك، واحد وجمع، غالب استعماله جمعاً". ويبين معنى: ظراف وشراق، وسنان وضناك.
(٢) "تهذيب اللغة" ٤/ ١٨٤ (شحن)، بنصه، وفي كتاب "العين" ٣/ ٩٥: شحنت السفينة: ملأتها فهي مشحونة.
وجَهازها بالفتح، وجِهاز بالكسر لغة ليست جيدة. "تهذيب اللغة" ٦/ ٣٦ (جهز).
(٣) أخرج ابن جرير ١٩/ ٩٢، بسنده، من طريقين عن ابن عباس " ﴿الْمَشْحُونِ﴾ قال: يعني: المُوقَر". وأخرجه كذلك ابن أبي حاتم ٨/ ٢٨٩١. ولفظه عند الثعلبي ٨/ ١١٤ أ "الموقر، والمجهز". وفي سؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس "السفينة الموقرة الممتلئة". "غريب القرآن في شعر العرب" ٩٥، والإتقان ١٢٥. يراجع الإتقان. وأخرجه الطستي عن ابن عباس، "الدر المنثور" ٦/ ٣١١.
(٤) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٣. ولفظه عند ابن جرير ١٩/ ٩٢: "المفروغ منه المملوء". وهو كذلك عند ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٩٢. وذكره أبو عبيدة ٢/ ٨٨، ولم ينسبه. واقتصر عليه ابن قتيبة، في "غريب القرآن" ٣١٨.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٤. وعنه ابن جرير ١٩/ ٩٢.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب. الوقِر: الثِقل يُحمل على ظهرٍ أو رأس. يقال: جاء يحمل وِقْره. ويقال: هذه نخلة موقِرة وموقَرة وموقر. "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٨٠ (وقر).
89
لذلك قال: ﴿الْمَشْحُونِ﴾ وعلى ما قال الزجاج: الفُلْك جمع؛ وهو خطأ له هاهنا (١)؛ لأن سفينة نوح كانت واحدة (٢).
١٢٠ - وقوله: ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ﴾ قال مقاتل: بعد أهل السفينة (٣). وقال غيره: بعد نجاة نوح ومن معه ﴿الْبَاقِينَ﴾ من بقي منهم ولم يركب السفينة (٤).
١٢١ - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ في هلاك قوم نوح بالغرق (٥) ﴿لَآيَةً﴾ لعبرة لمن بعدهم (٦) ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أكثر قوم نوح ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ مصدقين بتوحيد الله، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا (٧).
١٢٢ - ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامه منهم بالغرق (٨) ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين إذ أنجاهم من الغرق (٩).
وفي ذكر (١٠) تكذيب الأمم الخالية وتعذيب الله إياهم تخويف لكفار مكة (١١).
(١) في نسخة (ج): وهو خطأ لا وجه له.
(٢) وفي وصف الفلك بأنه مشحون إظهار لعظيم النعمة؛ لأن سلامة المملوء جداً أغرب. "نظم الدرر" ١٤/ ٦٧.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب، وفيه زيادة:"من هذه الأمة ليحذروا مثل عقوبتهم".
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٩) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب. و"تنوير المقباس" ٣١١.
(١٠) ذكر، في نسخة (ج).
(١١) مختصر مما ذكره مقاتل ٥٢ ب.
١٢٣ - وقوله: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾ التأنيث بمعنى القبيلة والجماعة. ومضى الكلام في معنى جمع المرسلين في قصة نوح.
والباقي [١٢٤ - ١٢٧] مفسر فيما سبق إلى قوله:
١٢٨ - ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ﴾ قال ابن السكيت: الرِّيع: المكان المرتفع، وذَكَرَ الآية. قال: وقال عُمارة: الرِّيع: الجبل (١).
وقال أبو عبيدة: الريع: الارتفاع، جمع: رِيعة (٢). ونحو هذا قال المبرد، وابن قتيبة، وأنشدوا (٣) لذي الرمة فقال:
طِرَاقُ الخوافي واقعٌ فوقَ رِيعةٍ ندى لَيله في ريشه يترقرقُ (٤)
وقال الكسائي، والفراء: رِيع ورَيع بالكسر والفتح، لغتان؛ الواحدة: رِيعة ورَيعة، مثل: الرِّير والرَّيْر، وهو المكان المرتفع (٥).
(١) "تهذيب اللغة" ٣/ ١٧٩ (راع).
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٨٨، وفيه: والجميع أرياع، وريعة.
(٣) في نسخة (ب): وأنشدوا قول ذي الرمة فقال.
(٤) أنشده أبو عبيدة، "مجاز القرآن" ٢/ ٨٨، وفيه: مشرف، بدل: واقع. وهو كذلك عند ابن جرير ١٩/ ٩٢، ونسباه لذي الرمة. وأنشده ابن قتيبة، "غريب القرآن" ٣١٨، ونسبه لذي الرمة، وفيه: مشرفاً، بدل: واقع. يصف ذي الرمة نظره كنظر البازي -نوع من الطيور- ومعنى: طراق: بعضه على بعض، والخوافي: ما دون القوادم من جناح الطائر، والرَّيعة: المكان المرتفع، ويترقق: يجيء ويذهب. "ديوان ذي الرمة" ١٧٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء٢/ ٢٨١، ولفظه: "رِيع ورَيع، لغتان مثل: الريرِ، والرار، وهو: المخ الرديء". الرار، هكذا وردت. وما نقله عنه الأزهري، في "التهذيب" ٣/ ١٨٠، موافق لما عند الواحدي. ولم ينسب الأزهري هذا القول للكسائي.
91
وقال الزجاج: هي في اللغة: الموضع من الأرض المرتفع. ومن ذلك: كم رَيْعُ أرضك؟ أي: كم ارتفاع أرضك (١).
وقال ابن الأعرابي: الريع: مسيل الوادي من كل مكان مشرف، وجمعه: أرياع وريوع (٢).
قال ابن قتيبة: والريع، أيضًا: الطريق (٣)، وأنشد للمسَيَّب بن عَلَس (٤)، وذكر ظُعُنًا، فقال:
في الآلِ يخفضها ويرفعها رِيعٌ يلوحُ كأنه سَحْل (٥)
شبه الطريق بالثوب الأبيض (٦).
هذا كلام أهل اللغة في تفسير الرِّيع. وأما أهل التفسير فقال الوالبي عن ابن عباس: يعني: بكل شرف (٧).
وقال قتادة: بكل طريق (٨). وهو لفظ مقاتل، والكلبي، والضحاك،
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٦.
(٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ١٨٠ (راع).
(٣) نسبه الماوردي ٤/ ١٨٠، للسدي.
(٤) راجع ترجمته في "جمهرة أشعار العرب" ١١١، و"الخزانة" ٣/ ٢٤٠، والأعلام ٧/ ٢٢٥.
(٥) أنشده ابن قتيبة، "غريب القرآن" ٣١٨، وأنشده الماوردي ٤/ ١٨٠، ثم قال: "السحل: الثوب الأبيض، شبه الطريق به". وأنشده الزمخشري ٣/ ٣١٦، منسوبًا للمسيب. وهو كذلك في "لسان العرب" ١١/ ٣٢٨ (سحل). والألَلةُ: الهودج الصغير. "لسان العرب" ١١/ ٢٧ (ألل).
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٨.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٤، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٣. من طريق علي بن أبي طلحة. وأخرجه ابن جرير أيضًا عن مجاهد. واقتصر عليه في الوجيز ٢/ ٧٩٣، ولم ينسبه.
(٨) أخرجه بسنده، عبد الرزاق ٢/ ٧٤، وابن جرير ١٩/ ٩٤. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٣.
92
وابن عباس، في رواية عطية (١)، وقال في رواية عطاء: بكل موضع. وهؤلاء الذين فسروا الريع بالطريق، والموضع، أرادوا الطريق والموضع المرتفع. وروى ابن أبي نجيح، وابن جريج، عن مجاهد: ﴿بِكُلِّ رِيعٍ﴾ قال: بكل فَجٍّ (٢).
قال الزجاج: والفج: الطريق المنفرج في الجبل (٣).
وقال عكرمة: بكل واد (٤). وهذا موافق لقول ابن الأعرابي (٥).
قوله: ﴿آيَةً﴾ قال مقاتل، والكلبي: عَلمًا (٦).
وعن ابن عباس: بنيانًا علمًا (٧).
﴿تَعْبَثُونَ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: تبنون ما لا تسكنون (٨). فعلى هذا أنكر هودٌ عليهم بناءهم ما يستغنون عنه، ولا يسكنونه، وجعل
(١) نسبه لهؤلاء الثعلبي ٨/ ١١٤ ب. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٤، عن ابن عباس، والضحاك. وهو في "تفسير مقاتل" ٥٢ ب. و"تنوير المقباس" ٣١١. وذكر الماوردي ٤/ ١٨٠، عن الكلبي، أنه فسر الريع بالسوق.
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٣، من طريق ابن أبي نجيح. وهو كذلك عند ابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٣. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٤، عنه من طريق ابن جريج، وابن أبي نجيح.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٦.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٤ ب.
(٥) الذي سبق ذكره، ولفطه: مسيل الوادي..
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب. و"تنوير المقباس" ٣١١، ولفظه: بكل طريق علامة. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣٤، ولم ينسبه. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٤، عن ابن عباس.
(٧) اقتصر عليه في "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٨، ولم ينسبه. أخرج ابن جرير ١٩/ ٩٥، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٤، عن مجاهد: ﴿ءَايَةٍ﴾ بنيان.
(٨) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٨. وزاد المسير ٦/ ١٣٤. وذكره السمرقندي، في "تفسيره" ٢/ ٤٧٩، وصدَّره بقوله: وروي عن ابن عباس.
93
ذلك منهم عبثًا.
وقال الكلبي: ﴿تَعْبَثُونَ﴾ بمن يمر بالطريق (١). وعلى هذا معنى الآية: تبنون بالمواضع المرتفعة كي تشرفوا على المارة والسائلة، فتسخروا منهم وتعبثوا بهم.
وقال مقاتل: بل (٢) كانوا إذا سافروا لا يهتدون إلا بالنجوم، فبنوا القصور الطوال على الطرق عبثًا (٣).
وروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد أنهما قالا: هذا (٤) في بنيان الحَمَام (٥). وعلى هذا أنكر عليهم اتخاذهم بروجًا للحَمَام عبثًا. وهذه أوجه أربعة في معنى العبث المذكور هاهنا. وذكر بعض أهل المعاني وجهًا له؛ فقال: كانوا يبنون بالمكان المرتفع البناء العالي ليدلوا بذلك على زيادة قوتهم، وذلك عبث.
١٢٩ - قوله تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ قال الليث: المصنعة شبه صهريج عميق يُتخذ للماء، والجمع (٦) المصانع، والمصانع التي يتخذها الناس من الأبنية والآبار.
(١) "تنوير المقباس" ٣١١، مختصرًا.
(٢) بل، في نسخة (أ)، (ب).
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٢ ب.
(٤) هذا، في نسخة (ج).
(٥) واقتصر على هذا القول في "الوجيز" ٢/ ٧٩٣. وأخرج هذا القول عن مجاهد، ابن جرير ١٩/ ٩٥، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٤. وذكره الماوردي ٤/ ١٨١، عن السدي. وذكره عنهما البغوي ٦/ ١٢٢. وابن الجوزي، في زاد المسير ٦/ ١٣.
(٦) في نسخة (أ)، الجميع. وفي كتاب "العين" ١/ ٣٠٥ (صنع): وتجمع المصانع.
94
قال لبيد:
وما تَبْلى النجومُ الطوالعُ وتبلى الديارُ بعدنا والمصانعُ (١)
وقال أبو عبيدة: كل بناء مَصْنَعة (٢).
قال الأزهري: وقال بعضهم: هي أحباس تُتَّخذ للماء، كالزلَف، واحدها: مَصْنَعة، ومَصْنَع يحتفرها الناس فيملؤها ماءُ السماء فيشربونها. ويقال للقصور أيضًا: مصانع (٣).
قال ابن عباس: هي الأبنية (٤).
وقال مجاهد: قصورًا مشيدة، وبنيانًا مخلدًا (٥).
وقال الكلبي: مصانع: منازل (٦).
وقال مقاتل: يعني القصور (٧).
وذكر قتادة القولين؛ أحدهما: القصور، والحصون. والثاني: مآخذ
(١) كتاب "العين" ١/ ٣٠٥ (صنع)، ولم أجد قول الليث في "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٧ (صنع)، وأما البيت فقد ذكره الأزهري منسوبًا للبيد. وهو مطلع قصيدة يرثي بها أخاه: أربد، وهي في الديوان ٨٨، بلفظ:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٨٨.
(٣) "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٧ (صنع).
(٤) قال ابن قتيبة: "المصانع: الباء، واحدها مصنعة". "غريب القرآن" ٣١٩.
(٥) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٣. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٥، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٤. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٥، بلفظ: قصور، وحصون.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١١. وذكر الهواري ٣/ ٢٣٤، عن الكلبي، أن المراد: القصور. وذكر البغوي ٦/ ١٢٣، عنه: الحصون.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ، وفيه: "يعني: القصور ليُذكروا بها، هذا منزل بني فلان، وبني فلان". واقتصر في الوجيز ٢/ ٧٩٣، على أن المراد بالمصانع: المباني والقصور.
95
للماء (١).
وقال سفيان: المصانع التي يكون فيها الماء (٢).
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد كي تخلدوا (٣). وهي اختيار الفراء والزجاج، وابن قتيبة؛ [قال الفراء: كيما يخلدوا (٤).
وقال الزجاج: ومعنى ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي: كي تخلدون، أي: وتتخذون مباني للخلود (٥).
وقال ابن قتيبة] (٦): وكأنهم كانوا يستوثقون من البناء، والحصون، ويذهبون إلى أنها تحصنهم من قدر الله (٧).
وقال ابن عباس وقتادة ومقاتل: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ كأنكم تخلدون (٨)
(١) أخرج القول الثاني، عبد الرزاق ٢/ ٧٤. وابن جرير ١٩/ ٩٥، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٤.
(٢) قال ابن جرير ١٩/ ٩٥: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعَةٍ، والعرب تسمي كل بناءٍ مصنعةً، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصوراً، وحصوناً مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأي ذلك كان، ولا هو مما يدرك من جهة العقل، فالصواب أن يقال فيه ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع".
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١١٤ ب. وابن الجوزي، "زاد المسير" ٦/ ١٣٦.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١. وذكره ابن جرير ١٩/ ٩٦، بقوله: "وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى: كيما". ولم يسمه، ولم يعلق عليه.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٦، وفيه: ومعنى ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي: لأن تخلدوا.
(٦) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (أ)، (ب).
(٧) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٩.
(٨) كأنكم تخلدون، في نسخة (ج). ذكر البخاري، عن ابن عباس: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ كأنكم. الفتح ٨/ ٤٩٦. وهو كذلك في "تنوير المقباس" ٣١١. ووصله ابن جرير=
96
في الدنيا لا تموتون (١). وهو قول الكلبي، وأكثر المفسرين؛ قالوا: يقول: كأنهم يخلدون (٢). و (لعل)، تأتي في الكلام بمعنى كأن؛ قال يونس في قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الكهف: ٦] معناه: كأنك فاعلٌ ذلك إن لم يؤمنوا (٣). والمعنى على هذا: أنهم كانوا قد جاوزوا في اتخاذ المصانع إلى الإسراف كأنهم يخلدون فيها فلا يموتون.
قال ابن الأنباري: وتكون: (لعل) بمعنى الاستفهام؛ كقولك: لعلك تشتمني، معناه: هل تشتمني (٤). وهذا مذهب ابن زيد في هذه الآية؛ قال: (لعل) (٥) استفهام يعني: فهل تخلدون حين تبنون هذه الأبنية (٦). ويجوز أن يكون معنى (لعل) هاهنا: الترجي للخلود، وكأنهم كانوا يرجون خلودهم في الدنيا لطول أعمارهم فاتخذوا الأبنية الشديدة (٧).
١٣٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ قال المفسرون: بطشتم بالسيف، والسوط (٨).
= ١٩/ ٩٦، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٥، من طريق علي بن أبي طلبة. وأخرجه ابن جرير، عن قتادة أيضًا.
(١) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٢) "تنوير المقباس" ٣١١.
(٣) ذكره عن يونس، الأزهري، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦ (لعل).
(٤) ذكره عن ابن الأنباري، الأزهري، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦ (لعل).
(٥) في نسخة (أ): لعلك.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٦، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٥. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٤ ب.
(٧) كون لعل للترجي ذكره الأزهري عن ابن الأنباري؛ بلفظ: "لعل يكون ترجياً، ويكون بمعنى: كي". "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦ (لعل).
(٨) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٩٦. قال الكلبي: تقتلون على الغضب، وقال غيره: =
قال ابن عباس: يريد الضرب بالسياط، والقتل بالسيف بغير حق (١).
وقال مقاتل: يقولون: إذا أخذتم قتلتم بغير حق (٢).
وقال ابن مسلم، يقول: إذا ضربتم ضربتم بالسياط، ضرب الجبارين، وإذا عاقبتم قتلتم (٣). قال أبو إسحاق: وإنما أنكر ذلك عليهم لأنه ظلم فأما في الحق فالبطش بالسوط (٤) والسيف جائز (٥).
ومعنى الجبار هاهنا: القَتَّال بغير حق. وهو قول المفسرين (٦).
١٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: أعطاكم ما تعلمون من الخير (٧).
قال مقاتل: ثم أخبر بالذي أعطاهم فقال (٨):
١٣٣ - ١٣٥ - ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ﴾ إلي قوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم﴾ قال ابن
= ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِين﴾ بالسوط. "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١، ولم يسم أحداً. وأخرج ابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٥، عن مجاهد، قال: ضرب السياط. ونحوه عند السمرقندي ٢/ ٤٧٩، ولم ينسبه. قال الزجاج ٤/ ٩٦: "جاء في التفسير أن بطشهم كان بالسوط، والسيف".
(١) أخرج ابن جرير ١٩/ ٩٦، عن ابن جريج: "قال: القتل بالسيف والسياط".
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٩.
(٤) في نسخة (ج): بالموت.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٦. و"زاد المسير" ٦/ ١٣٦.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١١. وفي "تفسير مقاتل" ٥٣ أ: "الجبار من يقتل بغير حق". وذكره السمرقندي ٢/ ٤٧٩، ولم ينسبه. وقسم ابن الأنباري الجبار إلى ستة أقسام، هذا أحدها. الزاهر في معاني كلمات الناس ١/ ٨١.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
عباس: يريد إن عصيتموني ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾ يريد الذي أهلكوا به (١). ونحو هذا قال مقاتل: يعني في الدنيا (٢). وقال الكلبي: يعني عذاب النار (٣).
١٣٦ - ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ قال مقاتل: وعظت بالعذاب أم تركت (٤). وقال الكلبي: نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا (٥).
١٣٧، ١٣٨ - وقوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ قال ابن عباس، في رواية عطاء: ما هذا الذي نحن عليه إلا دين الأولين (٦). وهذا قول السدي: قال دين الأولين.
وذكرنا الخَلْق بمعنى الدين عند قوله: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه﴾ [النساء: ١١٩] (٧). وفيه قول آخر؛ قال مقاتل: ما هذا العذاب الذي تقول يا هود إلا كذب الأولين (٨).
(١) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٩.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ. وتعظيم اليوم أبلغ من تعظيم العذاب. نظم الدرر ١٤/ ٧١.
(٣) "تنوير المقباس" ٣١١. وفي نسخة (ب): قال مقاتل الكلبي، وهو خطأ.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٥) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٥٩. و"تنوير المقباس" ٣١١. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٣.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٧، من طريق علي بن أبي طلحة.
(٧) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: "قال ابن عباس: يريد دين الله. وهو قول إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك وقتادة والسدي وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، ومعنى تغيير دين الله على ما ذكره أهل العلم هو أن الله تعالى فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذر، وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم، وآمنوا، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها.. ".
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ، وفيه: أحاديث بدل: كذب.
99
وهو قول ابن مسعود: قال: شيء اختلقوه (١).
وقال مجاهد: كذبهم (٢). فالخَلْق على هذا معناه: الاختلاق والكذب (٣)، كقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧]، وقوله: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] أي: تختلقونه (٤). وفيه قول آخر وهو قول قتادة؛ قال: يقولون هكذا خِلْقَةُ الأولين، وهكذا يحيون، ويموتون (٥).
قال الزجاج على هذا القول أي: خُلِقنا كما خُلِق مَنْ قبلنا نحيا كما حيوا، ونموت كما ماتوا، ولا نبعث (٦).
وقال أبو علي: فخَلْق على هذا مصدر، إن شئت قدرته تقدير الفعل المبني للمفعول، أي: خُلِقنا كما خلقوا. قال: ويجوز أن يكون المصدر مضافًا إلى المفعول به، ولا يقدَّر تقدير (٧) الفعل المبني للمفعول (٨).
(١) في نسخة (ب): زيادة: فيه، بعد: اختلقوه. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٨ إلى نهاية الآية: بلفظ: شيء اختلقوه وأخرج ابن جرير، أيضًا ١٩/ ٩٧، عن ابن عباس: "أساطير الأولين". وفي "تنوير المقباس" ٣١١: "اختلاق الأولين".
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٤. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٩٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٧.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧. واستدل ابن قتيبة بهذه الآية على أن الخلق يراد به: التخرص. "تأويل مشكل القرآن" ٥٠٦. وقال في: "غريب القرآن" ٣١٩: "أراد: اختلاقهم وكذبهم". وكذا أبو القاسم الزجاجي، "اشتقاق أسماء الله" ٢٨٦.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٥، بنصه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٥. وعنه ابن جرير ١٩/ ٩٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٧٩٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧.
(٧) تقدير هكذا مكررة، في النسخ الثلاث.
(٨) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٥.
100
وقرئ ﴿خُلُقُ الْأَوَّلِين﴾ بضم الخاء واللام (١). قال الفراء، والزجاج، وابن قتيبة، وأبو علي: عادة الأولين (٢).
وله تأويلان؛ أحدهما: أنهم قالوا: ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين مِنْ قبلنا يعيشون ما عاشوا ثم (٣) يموتون ولا بعث ولا حساب (٤). والثاني: ما هذا الذي أنكرتَ علينا من الشأن والبطش إلا عادة مَنْ قبلنا فنحن على ما كانوا عليه نقتدي بهم.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ على ما نفعل. قال ابن عباس: يريدون أنهم أمنوا مكر الله، فكذبوه بالعذاب في الدنيا (٥). ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾ بالريح (٦).
١٤٦ - قوله: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ﴾ قال مقاتل: يعني فيما أعطاهم الله من الخير ﴿آمِنِين﴾ من الموت (٧).
(١) قرأ بضم الخاء واللام: نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: (خَلْق) بفتح الخاء، وتسكين اللام. "السبعة في القراءات" ٤٧٢، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٦، والمبسوط في القراءات العشر ٢٧٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٥، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٥.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١. و"غريب القرآن" لابن قتيبه ٣١٩. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧. و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٥.
(٣) في نسخة (ب): ويموتون.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٥، بمعناه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٣ أبلفظ: "فكذبوه بالعذاب في الدنيا". وهو كذلك في جميع النسخ.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ. و"تنوير المقباس" ٣١١.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ. قال ابن جرير ١٩/ ٩٩: "آمنين لا تخافون شيئاً". وفي "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٠، والوجيز ٢/ ٧٩٤: "آمنين من الموت والعذاب".
وقال الكلبي: آمنين من أن يعذبوا (١).
قال مقاتل: ثم أخبر عن الخير فقال (٢):
١٤٧، ١٤٨ - ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ طلعها: ما يطلع منها يعني: ثمرها (٣).
وأما الهضيم فروى سلمة عن الفراء قال: هضيم ما دام في كوافيره (٤). قال: والهضيم: اللين (٥)، والهضيم: اللطيف (٦)، والهضيم: النضيج (٧).
وقال أبو العباس في قوله: ﴿طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ قال: منهضم مدرِك. قال: وقال ابن الأعرابي: هضيم مريء، وهضيم ناعم (٨).
وقال الزجاج: الهضيم الداخل بعضه في بعض، وهو فيما قيل إن رُطَبَه بغير نوى، وقيل: هو الذي يتهشم تهشمًا (٩).
وقال الليث: هضيم مهضوم في جَوْف الجُفِّ، مُنهضمٌ فيه (١٠).
(١) "تنوير المقباس" ٣١٢، بمعناه.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٢.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢ الكافور: وعاء الطلع. "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٠٢ (كفر).
(٥) نسبه الماوردي ٤/ ١٨٢، لعكرمة.
(٦) نسبه الماوردي ٤/ ١٨٣، للكلبي.
(٧) نسبه الماوردي ٤/ ١٨٣، لابن عباس.
(٨) "تهذيب اللغة" ٦/ ١٠٥ (هضم).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٦. قال أبو عبيدة: " ﴿هَضِيمٌ﴾ أي: قد ضم بعضه بعضاً". "مجاز القرآن" ٢/ ٨٨.
(١٠) كتاب "العين" ٣/ ٤١٠ (هضم) ونقله الأزهري، "تهذيب اللغة" ٦/ ١٠٥. والجف: الوعاء الذي تكون فيه ثمرة النخل. "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٠٦ (جف). =
102
وقال المبرد: الهضيم: اللاصق بعضه ببعض، وهو من قولك: هضمني حقي أي: نقصنى (١).
وقال ابن قتيبة: الهضيم: الطلع قبل أن تنشق عنه القشرة وتنفتح، يريد أنه منضم مُكتَنِزٌ، ومنه قيل: رجل أهضم الكَشْحَين إذا كان مُنْضَمَهما (٢).
قال ابن عباس: هضيم: لطيف مادام في كفراه (٣). [وقال عطاء، عنه: رُخْص (٤). وقال عطية عنه: يانع نضيج (٥).
وقال الكلبي: لين لطيف (٦) ما دام في كفراه] (٧) فإذا خرج فليس
= وفي المعجم "الوسيط" ١/ ١٢٧: الجف: كل ما خلا جوفه، وهو أيضًا: غشاء الطلع.
(١) في "غريب القرآن في شعر العرب" ١٠٣، عن ابن عباس: "متصل بعضه إلى بعض". قال السيوطي: "أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق، قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: ﴿طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ قال: منضم بعضه إلى بعض". "الدر المنثور" ٦/ ٣١٤، ولم أجده عندهما.
(٢) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣١٩. الكَشْح: ما بين الخاصرة والضلوع. "تهذيب اللغة" ٤/ ٨٧ (كشح). والخاصرة من الإنسان: ما بين رأس الورك وأسفل الأضلاع، وهما خاصرتان. المعجم "الوسيط" ١/ ٢٣٧ (خصر).
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١١٥ أ. والبغوي ٦/ ١٢٤.
(٤) الرَّخْصُ: الناعم من كل شيء، والثوب الرخيص: الناعم. كتاب العين ٤/ ١٨٤ (رخص)، و"تهذيب اللغة" ٧/ ١٣٤.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١١٥ أ. والماوردي ٤/ ١٨٣. والبغوي ٦/ ١٢٤. وأخرجه عنه ابن جرير ١٩/ ٩٩، بلفظ: "أينع وبلغ فهو هضيم".
(٦) "تنوير المقباس" ٣١٢. وأخرجه عنه، عبد الرزاق ٢/ ٧٥، بلفظ: الهضيم: اللطيف.
(٧) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
103
بهضيم (١). وقال مقاتل: متراكب بعضه على بعض في الكثرة (٢).
قال مجاهد: يتهشم تهشمًا (٣).
وقال عكرمة: الهضيم الرَّخْص، الذي إذا مسسته تهشم (٤).
وقال الحسن: هضيم ليس فيه نوى (٥).
وقال: يزيد بن زيد: هو المُذَنِّب (٦). وهو قول زيد بن أرقم روي أن أكل رُطَبُا (٧) مُذنبًا وقال: هذا الهضيم (٨).
(١) ذكر الهواري ٣/ ٢٣٥، عن الكلبي: "لطيف، وهو الطلع ما لم ينشق".
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ. أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٠، عن الضحاك.
(٣) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٤. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٢.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٢، عن مجاهد. وأخرج ابن جرير ١٩/ ١٠٠، عن عكرمة: "الهضيم: الرطب اللين". ذكر النحاس عن الزهري: "الرخص اللطيف، أول ما يطلع، وهو الطلع النضيد؛ لأن بعضه فوق بعض". "إعراب القرآن" ٣/ ١٨٧. وذكره ابن عطية ١١/ ١٣٩.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠١. وزاد السيوطي نسبته لابن المنذر. "الدر المنثور" ٦/ ٣١٥.
(٦) هكذا في جميع النسخ: يزيد بن زيد. أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠١، عن أبي العلاء، وأبي ميسرة، ويزيد ابن راشد، وسعيد بن جبير. وأخرجه بسنده الثعلبي ٨/ ١١٥ أ، عن أبي العلاء. وذكره الماوردي ٤/ ١٨٢، وابن الجوزي ٦/ ١٣٨، عن سعيد بن جبير. قال القرطبي ١٣/ ١٢٨: وروى أبو إسحاق عن يزيد -هو ابن أبي زياد كوفي ويزيد بن أبي مريم شامي-. وترجمته في "تهذيب التهذيب" ١١/ ٢٨٧، رقم: ٥٣١. فتراجع.
يقال للبسرة إذا بدأت تُرَطب من قِبَل ذنبها: قد تذنبت، فهي مُذَنِّبَةٌ. "تهذيب اللغة" ١٤/ ٤٤٠ (ذنب).
(٧) رطباً ساقطة من نسخة (ج).
(٨) في نسخة: ج، زيادة: وقال. والصواب حذفها.
104
هذا الذي ذكرنا هو قول أهل اللغة، والتفسير، في معنى الهضيم؛ وكله متقارب يرجع إلى معنى واحد؛ لأن الهضيم معناه في اللغة (١): كَسْرُ ما فيه رخاوة ولين. تقول: هضمته فانهضم كالقَصَبة المَهضُومة التي يُزْمَر بها (٢)، والهضيم بمعنى المهضوم فيدخل في هذا اللين، واللطيف، والرَّخْص، واليانع، والنضيج، والمنضم، والمتراكب؛ لأنه إذا تراكب صار كأن كلَّ واحدٍ قد نقصَ منه شيء، وكذلك: المنهشم. ويكون الهضيم بمعنى النقصان وهو نوع من الكسر، يقال: هَضَم له من حقه إذا كَسَر له منه. واللطيف في وصف الثمر هو: الرقيق الجسم؛ سمي هضيمًا لنقصانه (٣)، كما يقال: هضيم الحَشَا (٤).
١٤٩ - وقوله تعالى: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: حاذقين بنحتها (٥). وكذلك قال الكلبي، ومقاتل، وأبو
(١) في اللغة، في نسخة (ج).
(٢) كتاب "العين" ٣/ ٤٠٩ (هضم) بنصه، ونقله عنه الأزهري ٦/ ١٠٤، وتصحفت فيه إلى: يُرمى بها. وهي كذلك في النسخ الثلاث. والقصب: كل نبت ساقه أنابيب. "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٨١ (قصب).
(٣) في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٤٧ (لطف): لَطُف الشيء يَلْطف: إذا صَغُر.
(٤) وذهب إلى هذا الجمع ابن جرير ١٩/ ١٠٠؛ قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: الهضيم هو المنكسر من لينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان فلانًا حقه: إذا انتقصه وتحيفه، فكذلك الهضم في الطلع إنما هو التنقص منه من رطوبته ولينه، إما بمس الأيدي، وإما بركوب بعضه بعضاً، وأصله (مفعول) صرف إلى: (فعيل)، والحشا: ما في البطن من الكبد والطِّحال والكرش وما يتبع ذلك، كله حشاء، وقيل غير هذا. "تهذيب اللغة" ٥/ ١٣٨ (حشا).
(٥) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٠، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٢ من طريق علي بن أبي طلحة.
105
صالح، والفراء: فارهين حاذقين (١). وهو من قولهم. فَرُه الرجلُ فَرَاهة فهو فارِهٌ بَيَّنُ الفرَاهة والفراهية.
وقرئ: (فرهين) (٢) قال ابن عباس: أشرين بطرين (٣). ونحو هذا قال أهل اللغة في تفسير الفَرَه؛ قال أبو عبيدة: فرهين: فرحين (٤).
وقال الفراء: أشرين (٥).
قال أبو الهيثم: من قرأ: (فرهين) فسروها: أشرين بطرين، والفَرِح في كلام العرب بالحاء: الأَشِر البَطِر، يقال: لا تفرح، أي: لا تأشَر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] فالهاء هاهنا قامت مقام الحاء (٦). وقال ابن قتيبة: يقال الهاء مبدلة من حاء، فذكر نحو قول أبي الهيثم، واحتج بالآية.
(١) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ، و"تنوير المقباس" ٣١٢. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢. و"مجاز القرآن" ٢/ ٨٨. وأخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٥، عن قتادة، والكلبي، بلفظ: معجبين بصنعكم. وذكره ابن قتيبة، ولم ينسبه. "غريب القرآن" ٣٢٠. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٠، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٢، عن أبي صالح.
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع: (فرهين) بغير ألف، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿فَرِهِينَ﴾ بألف. "السبعة في القراءات" ٤٧٢، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٧، والمبسوط في القراءات العشر ٢٧٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٦، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٦.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠١، بلفظ: أشرين، وذكره عنه البغوي ٦/ ١٢٤، بلفظ: أشرين بطرين.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٨٨، ولم ينسبه بل قال: وقال آخرون. ونسبه الماوردي ٤/ ١٨٣، لابن شجرة.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢.
(٦) "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٧٩ (فره).
106
وقد يقال في الفَرِه بمعنى الفَرِح: الفاره. كما يقال: الفارح (١).
قال أبو عبيدة: يقال فرهين وفارهين، بمعنى مرحين، وأنشد فقال:
لا أستكينُ إذا ما أزمةٌ أزَمتْ ولن تراني بخيرٍ فارِهَ اللَّبَبِ (٢)
قال: أي لا تراني مرحًا. ونحو هذا ذكر المفسرون في تفسير الفرهين؛ فقال مجاهد: شرهين (٣).
وقال قتادة: معجبين (٤).
وقال السدي: متجبرين (٥). والشره، والإعجاب، والمرح، والتجبر كله نتائج الفرح والأشر.
وروي عن عكرمة: ناعمين (٦). وهو وهم؛ لأن (٧) الذي هو بمعنى النعيم الراء فيه مقدم على الفاء من الرفاهية، وروي في فارهين، عن عطية، وعبد الله بن شداد، أنهما قالا: يتخيرون مواضع نحتها (٨). وهذا أيضًا يعود
(١) "تأويل مشكل القرآن" ٤٩١. و"غريب القرآن" ٣١٩، ويعني بقوله: واحتج بالآية: آية القصص: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ حيث ذكرها في "الكتابين".
(٢) أنشده أبو عبيدة ٢/ ٨٩، ونسبه لعدي بن وداع العُقوي. وعنه الأنباري، الزاهر ٢/ ٣٣٠، ولم ينسبه. وأبو علي، في كتابه الحجة ٥/ ٣٦٦، ولم ينسبه أيضًا. وأنشده ابن جرير ١٩/ ١٠١، ونسبه لعدي بن وداع، وفيه: الطلب، بدل: اللبب. واللبب: البالُ. "لسان العرب" ١/ ٧٣٣ (لبب).
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠١، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٢.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٥، وعنه ابن جرير ١٩/ ١٠١.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٠، عن السدي، عن عبد الله بن شداد.
(٦) نسبه القرطبي ١٩/ ١٢٩، للكلبي.
(٧) في نسخة (ب): لأنه، وهو خطأ.
(٨) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٠، عن عبد الله بن شداد، من طريقين: يتجبرون. ولم أجد فيه نسبته لعطية.
107
إلى الحذق، والعلم بالبحث.
وقال ابن زيد: (فارهين) أقوياء (١). وشرط الحِذْق القوةُ على العمل.
١٥١ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ قال ابن عباس: المشركين (٢).
وقال الكلبي: المسرفين في الشرك (٣).
وقال مقاتل: ولا تتبعوا قول المشركين. يعني: التسعة الذين عقروا الناقة، ثم نعتهم (٤) فقال (٥):
١٥٢ - ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ يعصون الله ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ ولا يطيعون الله (٦) فيما أمرهم (٧).
١٥٣ - ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ قال مجاهد: من المسحورين (٨). وهو قول قتادة (٩). قال الزجاج: مُسحَّرين: مفعلين من السَّحْر، أي: ممن سُحر مرة بعد مرة (١٠).
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠١.
(٢) ذكره عنه البغوي ٦/ ١٢٤. وأخرج ابن أبي حاتم ٩/ ٢٠٨٣، عن قتادة
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٢.
(٤) في نسخة (ب): ثم نعت التسعة. وما في "تفسير مقاتل" موافق لنسخة (أ)، (ج).
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٣ أ.
(٦) في نسخة (أ)، (ج): يطيعونه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
(٨) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٤. وأخرج ابن جرير ١٩/ ١٠٢، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٠٨٤.
(٩) أخرجه بسنده، عبد الرزاق ٢/ ٧٥، بلفظ: الساحرين. وعنه ابن جرير ١٩/ ١٠٢، بلفظ: المسحورين.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧. في نسخة (أ)، (ب): إنك تأكل الطعام والشراب. وليس فيه ممن سحر مرة بعد مرة، ولعل ذلك تكرار لما بعده.
108
وقال ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي: من المخلوقين (١)، المعللين بالطعام والشراب (٢)
قال الفراء: أي إنك تأكل الطعام والشراب، وتسحر به وتعلَّل، وأنشد للبيد:
فإن تسألينا فيمَ نحنُ فإننا عصافيرُ من هذا الأنامِ المُسَحَّرِ (٣)
والمُسَحَّر: المُعَلل بالطعام والشراب مرة مرة، يقال: سَحَره أي: عَلله. والمعنى: إنما أنت بشر. وذكر الفراء قولًا آخر؛ فقال: المُسَحَّر: المجوف، كأنه والله أعلم من قولك: انتفخ سَحْرُه (٤). قالوا له: لست بمَلَك إنما أنت بشر مثلنا (٥). وعلى هذا سُمِّى المجوف مسحرًا تشبيهًا بالسحرة إذا انتفخ فصار مجوفًا على ما زعم الفراء. وذكر أبو عبيدة، والزجاج قولًا آخر في ﴿الْمُسَحَّرِينَ﴾ قال أبو عبيدة: أي ممن له سَحَر،
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٢.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٥ ب. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٤. واختار هذا القول ابن جرير ١٩/ ١٠٣، فقال: "والصواب من القول في ذلك عندي: القول الذي ذكرته عن ابنِ عباس، أن معناه: إنما أنت من المخلوقين الذين يُعلَّلون بالطعام والشراب مثلنا، ولستَ ربًّا، ولا ملَكاً فنطيعك، ونعلم أنك صادق فيما تقول".
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢، ولم ينسب البيت. وأنشده أبو عبيدة ٢/ ٨٩، ونسبه للبيد بن ربيعة. وذكره السمرقندي، في تفسيره ٢/ ٤٨١، من إنشاد ابن عباس. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٥، من إنشاد الكلبي. وأنشده الأنباري، ونسبه للبيد، الزاهر في معاني كلمات الناس ١/ ٢٠٦، والبيت من قصيدة للبيد يذكر فيها مَنْ فقد من قومه، ومن سادات العرب، ولتأمل في سطوة الموت، وضعف الإنسان إزاءه. "ديوان لبيد": ٧١.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢.
(٥) هذا القول في "تنوير المقباس" ٣١٢.
109
وكل دابة مُسحَّرَة (١).
وقال الزجاج: أي ممن له سَحْر، والسَّحْرُ: الرئة، أي: أنت بشر مثلنا (٢). وعلى هذا: المُسَحَّر ذو السَّحْر، وهو الذي خُلِق له سَحْر.
قال مقاتل: قالوا: أنت بشر مثلنا لا تفضلنا في شيء لست بملَك ولا رسول (٣).
١٥٤ - ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أنك رسول الله إلينا (٤). وقال ابن عباس: إنهم سألوه فقالوا: إن كنت صادقًا فادع الله يخرجْ لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عُشَراء فتضع ونحن ننظر، وتَرِد هذا الماء فتشرب، وتغدو علينا بمثله لبنًا! قال أبو الطفيل: لما قيل له ذلك خرج بهم إلى هَضبة من الأرض فإذا هي تَمْخَضُ كما تَمْخَضُ الحامل فانشقت عن الناقة (٥).
١٥٥ - فـ ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ﴾ الشِّرِب: الحظ والنصيب من الماء (٦). والمعنى: لها شِرب يوم ولكم شِرب يوم معلوم.
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٨٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
(٥) ذكره في تفسيره "الوسيط" ٣/ ٣٦٠، من قول ابن عباس، فقط. وهذا القول في "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٥. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٤، عن أبي الطفيل. المَخاض: وَجَعُ الولادة، وهو الطَّلْق أيضًا. "تهذيب اللغة" ٧/ ١٢١ (مخض).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٢ ولفظه: "لها حظ من الماء". و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٢٠. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٥ ب.
١٥٩ - ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يريد لسان قريش ليفقهوا ما فيه فلا يقولوا: لا نفهم ما يقول محمد (١). وقال ابن بريدة: بلسان جُرْهُم (٢).
قال [ابن عباس:] (٣) كان في سفينة نوح ثمانون؛ وفيهم: جُرْهم، ولسان جرهم هو لسان العرب (٤).
١٩٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ وإنَّ ذكرَ القرآن وخبرَه لفي كتب الأولين (٥). يعني: أن الله تعالى أخبر في كتبهم عن القرآن وإنزاله على النبي -صلى الله عليه وسلم- المبعوث في آخر الزمان (٦). وقال مقاتل: وإنَّ أمرَ محمد، وذكرَه، ونعتَه (٧) لفي كتب الأولين (٨). وهذا كقوله: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] (٩). والزُّبُر: الكتب، زَبُور وزُبُر، مثل: رَسُولٌ ورُسُل (١٠).
١٩٧ - قوله: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قرأه العامة:
(١) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٢. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٧. و"تفسير مقاتل" ٥٤ ب، وليس فيه: بلسان قريش.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٨. ويعرف بجرهم
(٣) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٩٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ ب.
(٦) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٢، بمعناه.
(٧) ونعته، في نسخة (ج).
(٨) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٩) وقد استدل بالآية على ذلك الزجاج ٤/ ١٠٠.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٠. قال أبو عبيدة ٢/ ٩٠: "أي: كتب الأولين؛ واحدها: زبور".
124
﴿يَكُن﴾ بالياء ﴿آّيّةً﴾ نصبًا (١).
قال إسحاق: (أنْ) اسم كان، و (آيةً) خبره؛ والمعنى. أو لم يكن لهم (٢) عِلْم علماء بني إسرائيل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حق وأن نبوته حق، (آية) أي: علامة (٣)، موضحة؛ لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل وجدوا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل (٤).
قال ابن عباس، في رواية الكلبي: بعث أهلُ مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالوا: إنَّ هذا لزمانُه، وإنَّا نجد في التوراة نعتَه وصفتَه. فكان ذلك آية لهم على صدقه (٥). فعلى هذا: أراد بعلماء بني إسرائيل: يهود المدينة ومن كان منهم عالمًا بالكتاب.
وقال مقاتل: يعني: ابن سلام وأصحابه (٦).
وقال مجاهد: علماء بني إسرائيل؛ عبد الله بن سلام، وغيره من علمائهم (٧).
(١) كلهم قرأ: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ﴾ بالياء ﴿آيَة﴾ نصباً، غير ابن عامر فإنه قرأ: (أو لم تكن لهم) بالتاء (آيةٌ) رفعاً. "السبعة في القراءات" ٤٧٣، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٨، و"المبسوط في القراءات العشر" ٢٧٦، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٩، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٦.
(٢) لهم، في نسخة (ج).
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٢٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠١. وأخرج نحوه عبد الرزاق ٢/ ٧٦، عن قتادة.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ ب، وعنه ابن عطية ١١/ ١٤٩. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٩. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٤، ولم ينسبه. وهو في "تنوير المقباس" ٣١٤، بمعناه.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٧) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦، وفيه زيادة: من أسلم منهم. و"تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٢، وأخرجه أيضًا عن ابن عباس.
125
وقال عطية في هذه الآية: كانوا خمسة: عبد الله بن سلام، وابن يامينَ، وثعلبةُ، وأسد، وأَسِيد (١).
قرأ ابن عامر: (تكن) بالتاء (آيةٌ) رفعًا، قال أبو إسحاق: جعل (آيةٌ) هي الاسم، و (أن يعلمه) خبر تكن (٢). ونحو هذا قال الفراء (٣). قال أبو علي: إذا اجتمع في باب: كان، معرفة ونكرة فالذي يُجعل اسم كان منهما: المعرفة، كما كان المبتدأ: المعرفة، والنكرة: الخبر، وهو يجيء في الشعر للاضطرار؛ الاسم: نكرة والخبر: معرفة، ولا يجوز هذا حيث لا يُضْطُّر إليه تصحيحُ وزنٍ، ولا إقامةُ قافيةٍ، فقوله: (أولم تكن لهم آية) لا يجوز أن يكون التأنيث في (تكن) لأنه حينئذ يصير اسمًا لكان، ولكن في (تكن) ضمير القصة، و (آيةٌ) خبر مبتدأ مقدم، والجملة في موضع نصب كما تقول: كان زيدٌ منطلقٌ، على معنى: كان الأمر هذا وكان الشأن هذا، قاسم كان ضمير مستتر، وارتفع زيد بالابتداء، ومنطلق: خبره، والجملة في موضع نصب بكونها خبرًا.
قال: ومن ذلك قول الشاعر:
ولا أُنْبَأَنَّ أن وجهكِ شأنَه خُمُوش وإنْ كان الحميمُ حميمُ (٤)
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٠. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٩. وزاد السيوطي نسبته لابن سعد، وابن المنذر. "الدر المنثور" ٦/ ٣٢٣.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠١.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٣.
(٤) أنشده أبو علي، "الإيضاح العضدي" ١/ ١٤٣، ولم ينسبه. وأنشده أبو زيد، النوادر ١٢٦، ونسبه لعبد قيس بن خُفَاف البُرْجَمِي، وفي حاشية الإيضاح: الشاهد فيه: أنه جل اسم كان ضمير الشأن، والحميم مبتدأ، وحميم خبره، والجملة في موضع نصب خبر كان".
126
قال قتادة: إذا كان يومُ شربها شربت ماءهم كله أول النهار، وتسقيهم اللبن آخر النهار، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأراضيهم، ليس لهم في يوم وِرْدِها أن يشربوا من شربها شيئًا، ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئًا (١).
وقال مقاتل: كان للناقة يوم ولهم يوم، فإذا كان يوم الشرب للناقة (٢) كانوا (٣) في لبن ما شاءوا، وليس لهم ماء، وإذا كان يومهم لم يكن للناقة ماء (٤).
والباقي [١٥٦ - ١٦٤] بعضه مفسر فيما مضى، وبعضه ظاهر، إلى قوله:
١٦٥ - ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ﴾ (٥) وهو جمع الذَّكَر، ضد الأنثى ويجمع على الذِّكارة والذُّكور والذُّكران والذُّكورة (٦).
قال مقاتل: يعني نكاح الرجال (٧).
وقوله: (من العالمين) يعني من بني آدم خاصة (٨).
١٦٦ - ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ يعني: فروج نسائهم (٩).
(١) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٠. وذكر نحوه عن قتادة ابن الجوزي ٦/ ١٣٩.
(٢) في نسخة (ج): يوم شرب الناقة.
(٣) في نسخة (أ)، (ب): كان.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
(٥) الاستفهام هنا يراد به التوبيخ. "تأويل مشكل القرآن" ٢٧٩.
(٦) "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٦٤ (ذكر).
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
(٨) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١٠٥. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٦.
(٩) "تفسير مقاتل" ٥٣ ب.
وقال مجاهد: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال (١). ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ ظالمون معتدون الحلال إلى الحرام، والطاعة إلى المعصية (٢).
١٦٧ - ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ لئن لم تسكت (٣) يا لوط ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ من بلدتنا وقريتنا كقولهم لشعيب: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨].
١٦٨ - ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ﴾ قال مقاتل: يعني إتيان الرجال ﴿مِنَ الْقَالِينَ﴾ من الماقتين (٤). وقال ابن عباس: من المبغضين (٥). والقِلَى: البُغْض، قَلَيْته، أَقلِيه، قِلَى (٦). ثم دعا فقال:
١٦٩ - ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ أي: من عذاب ما يعملون، يدل عليه أن الاستجابة من الله كانت في نجاته من عذاب ذنوبهم. قال المفسرون: أي من عقوبة صنيعهم (٧).
١٧٠ - ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ قال مقاتل: من العذاب (٨).
(١) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٥. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٥، بزيادة: وأدبار النساء. وهو كذلك عند ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٨.
(٢) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦١، ولم ينسبه. و"تنوير المقباس" ٣١٣. وأخرج ابن جرير ١٩/ ١٠٥، عن ابن جريج: " (عادون) معتدون". و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨١.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ.
(٥) "تنوير المقباس" ٣١٣. واقتصر عليه ابن قتيبة، في: "غريب القرآن" ٣٢٠.
(٦) "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٩٥ (قلا). قال الزجاج ٤/ ٩٩: "والقالي: التارك للشيء الكاره له غاية الكراهية".
(٧) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١٠٦، بمعناه.
(٨) لم أجده في "تفسير مقاتل".
وقال ابن عباس: إن الله نجى لوطًا وبناته (١).
١٧١ - ﴿إِلَّا عَجُوزًا﴾ يعني: امرأته (٢) ﴿فِي الْغَابِرِين﴾ يعني: في الباقين في العذاب (٣).
١٧٢ - ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ﴾ أهلكناهم بالخسف والحَصْب (٤). قال ابن عباس: [إن الله دمر] (٥) على جميع قومه؛ لأنه لم يصدقه أحد منهم ولم يؤمن بما جاء به.
١٧٣ - ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ قال ابن عباس: أمطر الله عليهم حجارة من سماء الدنيا وأسماها: ﴿سِجِّيلٍ﴾ (٦) وقال مقاتل: خسف الله بقرى لوط، وأرسل الحجارة على من كان خارجًا من القرية (٧).
وقوله: ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ فبئس مطر الذين أنذروا بالعذاب (٨).
قال صاحب النظم: (ساء)، مثل بئس في المعنى وهو يقتضي اسمين؛ معرفة ونكرة، ويجوز إفراده بأحد الاسمين كقوله: [{فَسَاءَ مَطَر
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٩، في سياق طويل.
(٢) "تفسير مقاتل"٥٤ أ. و "تنوير المقباس" ٣١٣. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٩، عن قتادة.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٠٩، عن قتادة. قال ابن الأنباري: "الغابر حرف من الأضداد. يقال: غابر للماضي، وغابر للباقي". الأضداد ١٢٩، والزاهر ٢/ ٣٢٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٦) وردت هذه الكلمة في ثلاث آيات. هود ٨٢، الحجر ٧٤، الفيل ٤. راجع ما ذكره الواحدي عن سجيل في سورة هود.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ. وأخرج ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٠، نحوه عن ابن عباس. و"تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٣٨.
(٨) "تفسر مقاتل" ٥٤ أ.
الْمُنْذَرِينَ} لو ذُكرِ الاسمان لكان نظمه] (١) ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ مطرًا.
١٧٦ - قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد شعيبًا وحده. والأيك: شجر الدَّوْمُ التي بمدين (٢).
وقال مقاتل: كان أكثر شجرهم الدَّوْمُ، وهو: المُقْل (٣). وقال أبو إسحاق: هؤلاء كانوا أصحاب شجر مُلْتَّف (٤). وذكرنا تفسير ﴿الْأَيْكَةِ﴾ عند قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ﴾ [الحجر: ٧٨].
قال (٥) قرأ الحجازيون (أصحاب ليكة) هاهنا وفي: ص (٦)، بغير همزة، والهاء مفتوحة (٧).
(١) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٧، من طريق علي بن أبي طلحة بلفظ: الأيكة: مجمع الشجر. ومن طريق ابن جريج بلفظ: أهل مدين، والأيكة: الشجر الملتف.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ. في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢١٢ (دام): الدَّوْمُ: شَجَر المُقْل، الواحدة: دَوْمَة وفي "تهذيب اللغة" ٩/ ١٨٥ (مقل): المُقْل: حَملُ الدَّوْمُ، والدَّوْمُ شجرة تشبه النخلة.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٧، وصدره بقوله: "ويقال في التفسير" قال أبو عبيدة ٢/ ٩٠: "وجمعها: أيك، وهي جماع من الشجر".
(٥) قال، في نسخة (ب). ولعلها زائدة.
(٦) في قوله تعالى: ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ [ص: ١٣].
(٧) قال ابن الجزري: "قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو جعفر: (أصحاب ليكة) هاهنا، وفي: ص، بلام مفتوحة، من غير ألف وصل قبلها، ولا همزة بعدها، وبفتح تاء التأنيث في الوصل، مثل: حيوة، وطلحة، وكذلك رسماً في جميع المصاحف، وقرأ الباقون بألف الوصل مع إسكان اللام، وهمزة مفتوحة بعدها، وخفض تاء التأنيث في الموضعين. "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٦، و"السبعة في القراءات" ٤٧٣، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٧، و"المبسوط في القراءات العشر" ٢٧٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٧.
114
قال أبو علي الفارسي: ﴿الْأَيْكَةِ﴾ تعريف أيكة، فإذا خففت الهمزة حذفتها، وألقيت حركتها على اللام فقلت: ليكة، كما قالوا لَحْمَر. وقول من قال: أصحاب ليكةَ، بفتح التاء مشكل (١)؛ لأنه فتح التاء مع إلحاق الألف واللام الكلمة، وهذا في الامتناع كقول من قال: مررت بِلَحْمَرَ فَفَتَح الآخِر مع لحاق لام المعرفة (٢). وإنما يُخرَّج قول من قال: أصحاب ليكةَ الموضع أن تكون هذه اللام فاءً، ولا تكون لام التعريف، ويكون (٣) ذلك الموضع يعرف لهذا الاسم، فإن لم يثبت هذا كان مشكلًا ولم أسمع بها.
قال أبو إسحاق: وكان أبو عبيد (٤) يختار هذه القراءة لموافقتها الكتاب، وذلك أن في هذه السورة وفي: (ص)، كتبت في المصحف (ليكة) بغير همز ولا ألف وصل (٥) مع ما جاء في التفسير أن اسم المدينة كان: ليكة (٦).
قال أبو علي: إن ما في المصحف من إسقاط [ألف الوصل التي مع اللام وإسقاط] (٧) صورة همزة ليكة لا يدل على صحة ما اختاره؛ وذلك أنه
(١) مشكل، في نسخة (أ)، (ب).
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٧، بمعناه.
(٣) في نسخة (ج): فيكون.
(٤) في جميع النسخ: أبو عبيدة. قال الزجاج في هذا الموضع ٤/ ٩٨: "وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يختار قراءة أهل المدينة".
(٥) في نسخة (ب): بغير همز وصل.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٨. وذكر قول أبي عبيد النحاس، "إعراب القرآن" ٣/ ١٩٠، وكذا السمين الحلبي، الدر المصون ٨/ ٥٤٤.
(٧) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
115
يجوز أن يكون كُتب في المصحف على تخفيف الهمزة (١)، ونقل الحركة (٢)، وقول من قال: لحمرَ كما كتبوا ﴿الْخَبْء﴾ [النمل: ٢٥] على ذلك، فإذا جاز إسقاط ألف الوصل على هذه (٣) اللغة مع تخفيف الهمزة ونقل الحركة (٤) ثبت أن ما اختاره لا يدل عليه (٥) خط المصحف، ويجوز أيضًا أن تكون الكتابة في هذين الموضعين وقعت على اللفظ (٦) فكما أنه لا ألف ثانية في اللفظ مع تخفيف الهمزة في الأيكة كذلك [لم تكتب في الخط] (٧) وهذان وجهان في حذف ألف الوصل من الخط؛ ومثله في أنه كُتب مرة على اللفظ، وأخرى على غيره، كتابتهم: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨] بغير واو، لَمَّا لم تثبت في اللفظ، وكتبت (٨) في: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ
(١) في نسخة (أ)، (ب). زيادة: [ونقل الحركة، ثبت أن] وليست في كتاب أبي علي.
(٢) ونقل الحركة. في نسخة (ب). وفي "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٩٠: "والقول فيه أن أصله: الأيكة ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام وسقطت واستَغنيت عن ألف الوصل؛ لأن اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلا الخفض، كما تقول: مررت بالأحمر، على تحقيق الهمزة ثم تخففها فتقول: مررت بلَحْمر، فإن شئت كتبته في الخط كما كتبته أولاً، وإن شئت كتبته بالحذف، ولم يجز إلا بالخفض فكذا لا يجوز في الأيكة إلا الخفض، قال سيبويه: واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا دخلته الألف واللام أو أضيف انصرف إذا دخلته، ولا نعلم أحداً خالف سيبويه في هذا".
(٣) في كتاب "الحجة": لهذا، بدل: على هذه.
(٤) قوله: (ونقل الحركة) غير موجود في كتاب الحجة.
(٥) يوجد هنا تكرار في نسخة (أ). وحذفته ليستقيم المعنى.
(٦) في كتاب أبي علي: الوصل، بدل: اللفظ.
(٧) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٨) وكتبت، في نسخة (ج).
116
بِالشَّر} [الإسراء: ١١] بالواو، فإذا جاز هذا فيه، علمت أن الاختيار مدخول؛ ويدل على ضعف الاختيار أن سائر القرآن غير هذين الموضعين عليه. ويدل على فساد ذلك أيضًا همز من همز فقال: (الأيكة) فإذا ثبت هذا علمت أن (ليكة) على تخفيف الهمز، وأن فتح (ليكَةَ) لا يصح في العربية، لأنه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة. انتهى كلامه (١).
وقوله: جاء في التفسير أن اسم المدينة: ليكة؛ لم أرَ هذا في تفسير، وكيف يجوز ذلك مع إجماع القراء على الهمز في قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ في سورة الحجر [٧٨]. والأيكة التي ذكرت هناك هي التي ذكرت هاهنا، وقد روى ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ليكة) قال: الأيكة. فدل هذا أن ليكة على التخفيف ونقل الحركة؛ لا على أن اسم المدينة: ليكة، مع ما حكينا عن ابن عباس ومقاتل في هذه الآية؛ أنهما فسرا الأيكة بالشجرة الغَيْضَة (٢) لا بالمدينة والبلد (٣).
١٧٧ - قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ وقال في موضع آخر: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥، وهود: ٨٤] ولم يقل في هذه السورة: إذ قال لهم أخوهم شعيب كما قال في سائر الأنبياء؟
قال المفسرون: شعيب كان من مدين؛ لأنه شعيب بن بويب بن مدين ابن إبراهيم خليل الرحمن، ولم يكن من أصحاب الأيكة، وكان مبعوثًا
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٧. ونحوه في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٨.
(٢) الغيضة. في نسخة (أ). وفي ج: والغيضة. أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٠ عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. و"تفسير مقاتل" ٥٤ أ.
(٣) في نسخة (ب): البلدة. وقد أنكر هذا قبل الواحدي، النحاس، في "إعراب القرآن" ٣/ ١٨٩.
117
إليهما فإذا ذكر مدين قيل: أخوهم، وإذا ذكر أصحاب الأيكة لا يقال أخوهم (١). وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: إن شعيبًا بعث إلى قومه، وإلى غير قومه، وهو من ولد مدين بن إبراهيم، وأصحاب الأيكة من جُذَام (٢).
قال المفسرون: الفائدة في أن الله تعالى ذكره أخبر عن كل شيء ذَكر في هذه السورة أنه قال لقومه: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وأعاد هذا بلفظ واحد [هي: أنه أخبر أن هؤلاء الأنبياء دعوتهم كانت (٣) على وجه
(١) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٥ ب. و"تفسير الطوسي" ٨/ ٥٧. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٦. وذكر السمرقندي، في تفسيره ٢/ ٤٨٢، هذا القول، ثم قال: "وقال بعضهم: كان مدين والأيكة واحداً، وهو الغيضة بقرب مدين، فذكره في موضع أخوهم، ولم يذكره في الآخر". وقيل: أصحاب الأيكة مدين، ولكنه قال أخوهم حين ذكرهم باسم قبيلتهم، ولم يقل أخوهم حين نسبهم إلى الأيكة التي هلكوا فيها تنزيهاً لشعيب عن النسبة إليها. تفسير ابن جزي ٤٩٦. قال ابن كثير ٦/ ١٥٨: "أصحاب الأيكة هم أهل مدين على الصحيح، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هاهنا: أخوهم شعيب؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسباً. ومن الناس من لم يتفطن لهذه النكتة فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيباً -عليه السلام-، بعثه الله إلى أمتين، ومنهم من قال: ثلاث أمم". ثم قال بعد أن سياق روايات ضعيفة في بعث نبي الله شعيب -عليه السلام- إلى أمتين: "والصحيح أنهم أمة واحدة، وصِفوا في كل مقام بشيء، ولهذا وعَظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء، فدل ذلك على أنهم أمة واحدة".
(٢) جُذَام بن عدي: قبيلة من كهلان من القحطانية ومساكنها بين مدين وتبوك. "معجم قبائل العرب" ١/ ١٧٤، عمر رضا كحالة.
(٣) في نسخة (ب): كانت دعوتهم. بتقديم: كانت.
118
واحد] (١) وأنهم كانوا متفقين على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة، والامتناع من أخذ الأجر على الدعوى وتبليغ الرسالة (٢).
١٨١ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾ قال المفسرون: من الناقصين للكيل والوزن (٣). قال أبو عبيد: يقال: خَسَرْتُ المِيزان، وأَخسرْتُه، نَقَصْتُه (٤). وتقول: كِلْتُه وَوَزَنْتُه فأَخْسَرْتُه، أي: نَقَصْتُه، ومنه: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: ٣] (٥) أي: يَنْقُصُون في الكيل والوزن، ويجوز يَخْسِّرون في اللغة (٦).
١٨٢ - قوله: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ إلى قوله:
١٨٤ - ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ مفسر فيما مضى. والجبلة: الخليقة (٧). يقال: جُبل فلان على كذا وكذا، أي: خُلق (٨)،
(١) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ أ. و"تفسير البغوي" ٦/ ١٢٦. بنصه، ولم ينسبه.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٣. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ أ.
(٤) "تهذيب اللغة" ٧/ ١٦٣ (خسر)، من قول أبي عبيد.
(٥) "تهذيب اللغة" ٧/ ١٦٢ (خسر).
(٦) "تهذيب اللغة" ٧/ ١٦٣ (خسر)، من قول الزجاج. وهو في "معاني القرآن" ٥/ ٢٩٧ (سورة المطففين) وقد ضُبطت هذه الكلمة في كتاب الزجاج: يَخسِرون، وضبطت في "تهذيب اللغة": يَخْسَرون، وفي الحاشية: في: ج: بتشديد السين، ثم قال بعد ذلك الزجاج: ولا أعلم أحداً قرأ في هذا الموضع: يَخسرون، ولم تضبط. وفي "تهذيب اللغة" ٧/ ١٦٣، في الحاشية: في: ج: بكسر الخاء والسين المشددة. فلعل هذا أقرب ما يكون في ضبط هذه الكلمة والله أعلم.
(٧) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٥. و"تفسير مقاتل" ٥٤ أ. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٩، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٢، عن مجاهد. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ أ.
(٨) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٢٠. و"الزاهر في معاني كلمات الناس" ١/ ٢١٩.
قال الشاعر:
والموت أعظم حادث... مما يمر على الجبلة (١)
ونذكر اللغات فيها عند قوله: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ [يس: ٦٢] ٦٢]-إن شاء الله تعالى-. قال المفسرون: يعني: الأمم الخالية (٢).
١٨٥ - قوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِين﴾ فسرناه في هذه السورة (٣).
١٨٦ - قوله: ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أي في أنك رسول الله (٤).
١٨٧ - قوله: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ مفسر في قوله: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢].
قوله: ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أي: بأن العذاب نازل بنا. قاله مقاتل (٥).
١٨٨ - ﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)﴾ يعني: من نقصان الكيل والوزن (٦).
والمعنى: أنه أعلم به؛ فهو مجازيكم ومعذبكم إن شاء، وليس عندي
(١) أنشده ابن قتيبة، في: "غريب القرآن" ٣٢٠، ولم ينسبه. وهو كذلك عند الثعلبي ٨/ ١١٦ أ. ونسبه الماوردي ٤/ ١٨٦، لامرئ القيس، وفيه: فيما يمر، بدل: مما يمر. ولم أجده في ديوان امرئ القيس. وذكره الطبرسي ٧/ ٣١٦، ولم ينسبه. وفي حاشية البحر ٧/ ٢٩: لم أهتد لقائله.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٤ أ.
(٣) عند قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ آية ١٥٣ في قصة نبي الله صالح -عليه السلام -.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
من العذاب، وما عليَّ إلا الدعوة (١)؛ وذلك أن هذا جواب لقولهم: " ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾.
١٨٩ - قوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّة﴾ مضى تفسير الظلة في سورة البقرة (٢). وهاهنا سحاب (٣) أظلتهم فاجتمعوا تحتها مستجيرين (٤) بها مما نالهم من حر ذلك اليوم، ثم أطبقت عليهم، وكان من أعظم يوم في الدنيا عذابًا (٥).
قال ابن عباس: بعث الله عليهم وَقَدَة وحرًا شديدًا فأخذ بأنفاسهم؛ فدخلوا أجواف البيوت فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هربًا إلى البرية فبعث الله سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بَرْدًا، فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عليهم نارًا (٦). وهذا قول
(١) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ أ.
(٢) قال الواحدي في تفسير قوله الله تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ [البقرة: ٥٧] الظل في اللغة، معناه: الستر، يقال: لا أزال الله عنا ظل فلان؛ أي: ستره، وظل الشجرة سترها، ويقال لظلمة الليل: ظل؛ لأنها تستر الأشياء، ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥].
(٣) هكذا في جميع النسخ: سحاب، وأيضًا عند الزجاج في المعاني ٤/ ٩٨، ولعل الصواب: سحابة. والله أعلم. راجع النسخ للتأكد.
(٤) في (أ) غير واضحة وفي "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦: يعني: ظل العذاب الذي أتاهم.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٨، بنصه. ثم قال في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ولو كان في غير القرآن لجاز عظيماً، والجر أجود كما جاء به القرآن".
(٦) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٠، وفيه: بعث الله عليهم ومدة وحراً شديداً. بدل: وقدة.
أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٤، بلفظ: وهدة. في "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٤٩ (وقد):
يقال: وقدت النار تَقِد وُقُوداً وَوَقَداناً ووَقْداً وقِدَةً. وفي "لسان العرب" ٣/ ٤٦٥: الوَقَدُ: نفس النار.
أكثر المفسرين (١).
وروي عن ابن عباس: أنهم لما صاروا تحت السحابة أسقطها الله عليهم. وقال زيد بن معاوية: لما اجتمعوا تحتها صيح بهم منها فهلكوا (٢).
وقال عطاء عن ابن عباس: بعث الله عليهم سَمُومًا (٣) فخرجوا إلى الأيكة يستظلون بها، فأضرمها الله عليهم نارًا فاحترقوا (٤).
١٩٢ - قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يعني: القرآن (٥). قال ابن عباس: نَزَّل القرآنَ ربُ العالمين.
١٩٣ - ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ﴾ أي: نَزَّل الله بالقرآن جبريل (٦).
(١) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب. وأخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٥، عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٠، عن قتادة، ومجاهد، وابن جريج، والضحاك، وابن زيد. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٦ أ.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٠٩، بلفظ قريب منه.
(٣) السَّمُوم: الريح الحارة. "لسان العرب" ١٢/ ٣٠٤ (سمم). قال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ﴾ [الواقعة ٤١، ٤٢]
(٤) قال أبو السعود ٦/ ٢٦٣: "هذا آخر القصص السبع التي أوحيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصرفه عن الحرص على إسلام قومه، وقطع رجائه عنه، ودفع تحسره على فواته تحقيقاً لمضمون ما مر في مطلع السورة الكريمة من قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ".
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب. و"تنوير المقباس" ٣١٤. وتفسير هود الهواري ٣/ ٢٤٠. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١١١؛ وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨١٧، عن قتادة. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٦ ب.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١٤. و"تأويل مشكل القرآن" ٤٨٦. قال ابن كثير ٦/ ١٦٢: "وهذا مما لا نزاع فيه".
وتقرأ ﴿نَزَلَ﴾ مخففة، و (الروحُ الأمين) رفعًا (١). فمن شدد فحجته قوله: ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقوله: ﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة: ٩٧] وقوله: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [النحل: ٢] وينزل مطاوع نَزَّل، ومن أسند الفعل إلى الروح وخفف؛ فلأنه ينزل بأمر الله -سبحانه وتعالى-، ومعناه معنى المثقلة (٢).
و (الروح الأمين) هو جبريل (٣)؛ قال ابن عباس: أمين فيما بين الله وبين أنبيائه.
وقال مقاتل: أمين فيما استودعه من الرسالة إلى أنبيائه (٤).
١٩٤ - وقوله: ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ قال مقاتل: يقول: لنثبت قلبك (٥). والمعنى: نَزَل به الروحُ الأمين فتلاه عليك حتى وعيته بقلبك (٦).
وقال أبو إسحاق: نزل فوعاه قلبك وثبت فيه فلا تنساه أبدًا (٧). ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [ممن أنذر المكذبين بآيات الله] (٨).
(١) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم في رواية حفص: (نَزَل) خفيفة (الروحُ الأمين) رفعاً. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: (نَزَّل) مشددة (الروحَ الأمين) نصباً. "السبعة في القراءات" ٤٧٣، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٣٨، والمبسوط في القراءات العشر ٢٧٦، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٨، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٦.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٦٩.
(٣) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٢. وأخرجه أيضًا عن قتادة والضحاك.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٤ ب.
(٦) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٢، بنصه.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٠.
(٨) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
ذكر هذا في كتاب "الإيضاح"؛ ونحو هذا ذَكر في كتاب "الحجة" (١)؛ وزاد في هذا الفصل بأن قال: (ءايةٌ) مرتفعة بأنها خبر الابتداء الذي هو: ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وقال: ولا يمتنع أن لا تضمر (٢) القصة ولكن ترفع: ﴿أَنْ يَعْلَمَه﴾ بقوله: (تكن) وإن كان في تكن علامة تأنيث؛ لأن ﴿أَنْ يَعْلَمَه﴾ في المعنى هو الآية، فيحمل الكلام على المعنى؛ كما حُمل على المعنى في قوله: ﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] فأنث لما كان المراد بالأمثال: الحسنات. وكذلك قرأ من قرأ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ [الأنعام: ٢٣] (٣).
١٩٨، ١٩٩ - قوله: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ﴾ قال الكلبي: على رجل عجمي (٤). والمعنى: ولو نزلنا القرآن على رجل ليس بعربي اللسان ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ﴾ بغير لغة العرب ما آمنوا به، وقالوا: ما نفقه قولك؛ نظيره قوله: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُه﴾ [فصلت: ٤٤] قال مقاتل: يقول: لو نزلنا هذا القرآن على رجل ليس بعربي اللسان فقرأه على كفار مكة لقالوا: ما نفقه قولك (٥).
قوله: ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني: بالقرآن مصدقين بأنه من الله (٦).
(١) ملخص من كتاب "الإيضاح العضدي" ١/ ١٣٦ - ١٤٣، و"الحجة" ٥/ ٣٦٩.
(٢) هكذا في كتاب الحجة: أن لا يضمر، فتراجع
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٧٠؛ قرأ حمزة والكسائي: (يكن) بالياء، وقرأ الباقون: (تكن) بالتاء، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص: (فتنتُهم) برفع التاء، وقرأ الباقون بالنصب. "السبعة في القراءات" ٢٥٤، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٤) في "تنوير المقباس" ٣١٤: "على رجل لا يتكلم بالعربية".
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ. واقتصر على هذا القول في "الوسيط" ٣/ ٣٦٣.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
127
وفيه قول آخر؛ روى داوود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، قال: كنت واقفًا مع عبد الله بن مطيع بن الأسود بعرفات؛ فقرأ هذه الآية: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾ قال: لو نزل على جملي هذا فقرأ عليهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (١). وهذا القول أليق بما بعده.
قال أبو إسحاق: (الأعجمين) جمع أعجم، والأنثى عجماء، والأعجم الذي لا يفصح، وكذلك الأعجمي، فأما العَجَمِي فالذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح (٢).
قال أبو علي الفارسي: أعجم صفة (٣)، كأحمر؛ لأنه قد وُصف به في النكرة، وهو قوله:
.......... كما أَوتْ حِزقٌ يمانيةٌ لأعجمَ طِمْطِم (٤)
وقد دخلته الألف واللام على حد دخولها على أحمر، للتعريف في قولهم: زياد الأعجم، فقد علمت لجريه على النكرة، ودخول لام التعريف
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٤، من طريقين. وكذا ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٠.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٢. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٣، بمعناه. والزاهر في معاني كلمات الناس ٢/ ٥٦.
(٣) كلمة: صفة، مكررة في نسخة (أ)، (ب).
(٤) هكذا أنشده أبو علي، "الإغفال لما أغفله الزجاج" ٢/ ٢١٣ ب. والبيت لعنترة، من معلقته، وصدره كما في الديوان ٢٠:
تأوي له قُلُص النعام كما أوت
ورواية البيت في "شرح التبريزي" ص ١٦٢:
يأوي إلى حِزق النعام كما أوت
وقال في شرحه: يأوي هذا الظليم إلى حزق النعام، وهي: جماعاتها، واحدتها: حزقة، وحزيقة، والطمطم: الذي لا يفصح شيئاً، شبه النعام حول هذا الظليم بقوم من اليمن حول رجل من العجم يسمعون كلامه، ولا يفهمونه، وخص أهل اليمن لقربهم من العجم، يعني: الحبش، وملابستهم لهم.
128
عليه أنه صفة في النكرة، مثل أحمر، وفي التعريف بمنزلة: الأحمر، وإذا كان كذلك ثبت أنه صفة، وإذا علمت أنه صفة علمت أن جمعه بالواو والنون، والياء والنون (١) خطأ، وإذا كان هذا القبيل من الصفة لا يُجمع بالواو والنون في قول النحويين أجمعين، علمتَ أن قول أبي إسحاق: الأعجمين جمع أعجم، [والأنثى] (٢) عجماء، خطأ بيَّن؛ والقول فيه: أنه جمع أعجمي ليس جمع أعجم، وأعجم وأعجمي معناهما واحد، وكلاهما وَصْف الذي لا يُفصح من العجم كان أو من العرب، إلا أنَّ الذي تدخله ياء التشديد ينصرف، وإنْ كان المعني فيه الصفة (٣)، [كما أن صياقلة (٤) ونحوه لما دخله تاء التأنيث انصرف للتاء، والمعنى: معنى الجمع] (٥) فأعجمي كقولهم: أحمري، وأنت تريد الأحمر، كما لا تريد بكرسي إضافتَه إلى شيء، وهذا مروي مأخوذ من رواة اللغة؛ يدلك على ذلك قول العجاج:
والدهرُ بالإنسان دَوَّارِيُ (٦)
(١) غير واضحة بالنسخ ولعل الصواب ما ذكره أبو علي في كتاب "الشعر" ١/ ١٥٦: كما أن عجماء لا تجمع بالألف والتاء.
(٢) ما بين المعقوفين، من كتاب أبي علي.
(٣) الصفة، في نسخة (أ)، (ب).
(٤) الصَّقْل: الجِلاء، والمِصقلة التي يصقل الصَيْقَل بها سيفًا ونحوه، وجمع الصيقل: صياقل وصياقلة. "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٧٢ (صقل).
(٥) ما بين المعقوفين، غير موجود في كتاب أبي علي.
(٦) أنشده ابن جرير ١٩/ ١١٤، منسوبًا للعجاج، وقال بعده: "ومعناه: دوار، فنسبه إلى فعل نفسه". وأنشده أبو علي، في كتابه: "الأغفال" ١١٤ ب، منسوبًا للعجاج. وصدر البيت كما في الديوان ٢٤٧:
أَطَرَبَاً وأنت قِنَّسْرِيُّ......
قال محقق الديوان: القنسري: المسن الكبير، ودواري: دائر؛ يقول: إن الدهر =
129
ألا ترى أن المراد بدَوَّارِي: دوارٌ واحد، كذلك أعجم وأعجمي (١). والذي قلنا من أن الأعجمين جمع أعجمي هو قول سيبويه؛ وقد نص عليه (٢)؛ وذهب أبو إسحاق عنه (٣)، قال سيبويه في الباب المترجم: هذا بابٌ من الجمع بالواو والنون، [وتكسير الاسم. سألت الخليل عن قولهم: الأَشْعَرُون؛ فقال: إنما أَلحقوا الواو والنون] (٤) وحذفوا ياء الإضافة كما كَسَّروا فقالوا: الأشاعرُ، والأشاعث، والمَسَامِعة، فلما كَسَّروا مِسْمَعًا والأشعث حين أرادوا معنى بني مِسْمَع وبني الأشعث، أَلحقوا الواو والنون، فكذلك الأعجمون (٥).
فقد تبينت من نص سيبويه أن الأعجمين جمع أعجمي، وأن ياءي النسب والإضافة (٦) محذوفان حُذفا في الجمع، وأنه جُمع على هذا
= يتصرف بالإنسان ويدور به، يقول: كيف تطرب وأنت كبير يوبخه بذلك، وإنما يصبو فيعذر الصبي ومن لا سن له ولا تجربة عنده.
(١) قال ابن جرير ١٩/ ١١٤: "إذا أريد به نسبة الرجل إلى أصله من العجم، لا وصفه بأنه غير فصيح "اللسان"، فإنه يقال: هذا رجل عجمي، وهذان رجلان عجميان، وهؤلاء قوم عَجَم، كما يقال: عربي، وعربيان، وقوم عَرَب، وإذا قيل هذا: هذا رجل أعجمي، فإنما نسب إلى نفسه، كما يقال: للأحمر: هذا أحمريٌّ ضخم".
(٢) وذهب إلى ذلك الأخفش، في "معاني القرآن" ٢/ ٦٤٧. حيث قال: "واحدهم: الأعجم، وهو إضافة كالأشعرين". وذكر السمين الحلبي الأقوال المؤيدة لذلك. "الدر المصون" ٨/ ٥٥٤.
(٣) يعني غفل عنه أبو إسحاق فلم يذكره. والله أعلم.
(٤) ما بين المعقوفين، غير موجود في كتاب أبي علي.
(٥) "الكتاب" ٣/ ٤١٠.
(٦) الإضافة. ساقطة من النسخ الثلاث، وهي في كتاب أبي علي.
130
[الحد] (١) كما كُسِّر على الأشاعث. ومثل قولهم: الأعجمون، قولهم: النُّمَيْرُون. ومما يدلك على صحة هذا: أن ما كان صفة من هذا القبيل لا يجمع بالواو والنون، ألا ترى أنه لا يقال في جمع أسود: أسودون، وإذا كان ذلك مرفوضًا علمت أنه جَمْع الاسم إذا أُلحق ياء النسب؛ لأنه بدخول ياء النسب يخرج من ذلك الحد في اللفظ، وإن كان موافقًا له في المعنى، كما خرج بذلك من الامتناع من الانصراف، وكما لم يُجمع مذكر هذا القبيل بالواو والنون، كذلك لم يُجمع مؤنثه، نحو: حمراء، وسوداء، بالألف والتاء. انتهت الحكاية عن أبي علي (٢).
وذكرنا تفسير الأعجمي في سورة النحل (٣).
٢٠٠ - قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ تفسيره كتفسير قوله: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [في سورة: الحجر (٤).
قال ابن عباس: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاه﴾ يريد الشرك سلكه في قلوب المجرمين (٥). و] (٦) قال الحسن: ﴿سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ الشرك
(١) في كتاب أبي علي. "وأنه جمع على هذا كما جمع وكسر على الأشاعث".
(٢) "الإغفال فيما أغفله الزجاج" ٢/ ٢١٣، بشيء من التصرف، والاختصار، حيث أطال أبو علي، الحديث عن هذه المسألة.
(٣) عند قوله تعالى: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِي﴾ [١٠٣].
(٤) عند قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [١٢].
(٥) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦. وذكره عن ابن عباس ابن الجوزي ٤/ ٣٨٥، في تفسير سورة الحجر.
(٦) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب).
جعلناه في قلوب المجرمين (١). وهو قول ابن جريج وابن زيد (٢). وقال مقاتل: يقول: هكذا جعلنا الكفر بالقرآن في قلوب المجرمين (٣).
٢٠١ - ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالقرآن (٤) ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ فعلى هذا: أراد بالمجرمين: مشركي مكة. وعلى قول الحسن وابن عباس؛ أراد: المجرمين من الأمم الخالية؛ أخبر الله أنه أدخل الشرك، وجعله في قلوبهم فلم يؤمنوا إلا عند نزول العذاب حين لم ينفعهم. قال ابن عباس في قوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ الآية، قال: لا يصدقون بتوحيد الله ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ﴾ الذي أهلكهم الله به مما قص من لدن: نوح، إلى: شعيب. وعلى التأويلين جميعًا في الآية دلالة على أن الله تعالى خالق الشرك، سالكه في قلوب المجرمين.
قال الفراء: يقول سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين كيلا يؤمنوا به (٥).
وقال أبو إسحاق: أي: سلكنا تكذيبهم في قلوبٍ جعل الله مجازاتِهم أن طبع على قلوبهم وسلك فيها الشرك (٦).
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٥، ولفظه: "الشرك سلكه في قلوبهم".
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٥، عن ابن جريج، وابن زيد.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ. قال ابن قتيبة: " ﴿سَلَكْنَاهُ﴾ يعني: التكذيب، أدخلناه". "غريب القرآن" ٣٢١. راجع للحديث عن هذه الآية تفسير سورة الحجر ١٢ ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ راجع متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار ٤٢٥، وكذا تفسير هذه السورة عند الهوساوي.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٢.
وقوله تعالى: ﴿لَا يُؤمِنُونَ بِه﴾ قال: أخبر أنه لما سلك في قلوبهم الشرك منعهم من الإيمان به (١). وتفسير القدرية لقوله: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ أمررنا القرآن في قلوبهم بإخطاره ببالهم لتقوم الحجة عليهم (٢). وهذا التفسير خَلْفٌ (٣) فاسد؛ لم يقله أحد من المفسرين، ولا أصحاب المعاني إلا القدرية؛ وكيف يصح هذا والله تعالى يقول: ﴿لَا يُؤمِنُونَ بِه﴾ أفتراه سلك القرآن في قلوبهم حتى لا يؤمنوا؟ وكان من الواجب أن يؤمنوا إذا أدخل الله القرآن في قلوبهم، ثم السلك ليس بمعنى: الإمرار والإخطار؛ إنما هو بمعنى: الإدخال والإثبات، كسلك الخيط في الحريرة، يدل على هذا قوله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ﴾ [المدثر ٤٢] لا يجوز أن يقال في معناه: ما أخطركم بها. والهاء في قوله: ﴿سَلَكْنَاهُ﴾ تعود إلى معنى قوله: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِين﴾ ومعناه: كذبوا، وكذبوا يدل على التكذيب فكنى عنه، وهو قول المفسرين وأهل المعاني: سلكنا الشرك وسلكنا التكذيب، فظاهر الآية يدل على صحة قول مقاتل، وأن هذا إخبار عن مشركي مكة ولو كان خبرًا عن مشركي الأمم المتقدمة لقيل: لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فأتاهم بغتة، وقد قال:
٢٠٢ - ﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ يعني العذاب (٤) ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ به فيتمنوا الرجعة والنَّظِرَهَ (٥)، وهو قوله:
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٢.
(٢) بنصه، قول الطوسي، في تفسيره ٨/ ٦٣. بلفظ: "أقررناه في قلوبهم بإخطاره" وهذا تصحيف، والصواب: أمررناه.
(٣) يقال: هذا خَلْفٌ من القول؛ أي. رديء. "تهذيب اللغة" ٧/ ٣٩٤ (خلف).
(٤) "تنوير المقباس" ٣١٤. و"تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٥) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٤، والماوردي ٦/ ١٣٠، ولم ينسباه.
٢٠٣ - ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ أي: لِنعتِب (١) ونراجع، قاله مقاتل (٢).
وقال ابن عباس: إنهم يسألون تأخير العذاب فلا يجابون ولا يصرف عنهم (٣).
قال مقاتل: فلما أوعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعذاب قالوا: فمتى العذاب تكذيبًا به (٤)، فقال الله تعالى:
٢٠٤، ٢٠٥ - ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ﴾ [قال ابن عباس:] (٥) ﴿أَفَرَءَيْتَ﴾ يا محمد إن متعنا كفار مكة ﴿سِنِينَ﴾ قال: يريد منذ خلق الله الدنيا إلى أن تنقضي في النعيم والسرور والنَّضارة (٦).
وقال الكلبي: يعني عَمَّرهم؛ وهو معنى قول مقاتل: ﴿سِنِينَ﴾ في الدنيا (٧).
قال صاحب النظم: قوله: ﴿أَفَرَءَيْتَ﴾ غير متعد إلى شيء؛ إنما هو سؤال واستخبار عن معنى بلفظ الاستفهام، كقوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا
(١) الإعتاب والعتبى: رجوع المعتوب عليه إلى ما يُرضي العاتب. "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٧٨ (عتب).
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ. بلفظ: "فنعتب، ونراجع". وفي "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٦: "لنثوب، وننيب".
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٤، بلفظ: مؤجلون من العذاب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٥) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
(٦) النضارة: نعيم الوجه، ومنه قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]. "تهذيب اللغة" ٩/ ١٢ (نضر).
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوت} [الكهف: ٦٣] دخول الفاء في قوله: ﴿فَإِنِّي﴾ يدل على أنه مستأنف.
٢٠٦ - قوله: ﴿ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ أي: من العذاب (١).
٢٠٧ - ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ به في تلك السنين. والمعنى: إنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا (٢) فإذا أتاهم العذاب لم يُغنِ طول التمتع عنهم (٣) شيئًا ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط (٤).
٢٠٨ - قوله: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ قال مقاتل: (٥) أي: فيما خلا بالعذاب في الدنيا ﴿إِلَّا لَهَا مُنْذِرُون﴾ يعني: رسلًا ينذرونهم بالعذاب أنه نازل بهم (٦).
٢٠٩ - ﴿ذِكْرَى﴾ قال ابن عباس: موعظة مني.
وقال مقاتل: تذكرة (٧).
(١) "تنوير المقباس" ٣١٤. و"تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٢) في نسخة (أ)، (ب): النساء.
(٣) عنهم. في نسخة (ج).
(٤) ويشهد لهذا المعنى حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَومَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَة ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَط هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَط فَيَقُولُ لاَ والله يَا رَب وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاس بُؤْسًا في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الْجَنَّةِ فَيُقَال لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّة قطُّ فَيَقُولُ لاَ والله يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّة قَطُّ"، أخرجه مسلم ٤/ ٢١٦٢، كتاب صفة القيامة، رقم: ٢٨٠٧. وابن ماجه ٢/ ١٤٤٥، كتاب الزهد، رقم: ٤٣٢١.
(٥) قال مقاتل. في نسخة (أ)، (ب).
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ، ولفظه: "العذاب يذكر، ويفكر".
قال أبو إسحاق: ﴿ذِكْرَى﴾ تكون (١) نصبًا ورفعًا، فمن نصب فعلى المصدر، ودل عليه الإنذار؛ لأن قوله: ﴿إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ معناه: إلا لها مذكرون ذكرى. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع على معنى: إنذارنا ذكرى على خبر الابتداء (٢). وهذا معنى قول الفراء: فقد ذكر (٣) القولين مجملًا (٤).
قوله: ﴿ومَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ قال مقاتل: وما كنا ظالمين فنعذب على غير ذنب (٥).
وقال غيره: ﴿ومَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ إذ أُهلكوا؛ لأنا قدمنا الإنذار والتذكير (٦).
٢١٠ - قوله تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ قال مقاتل: قالت قريش: إنما يجيء بالقرآن الشيطان فيلقيه على لسان محمد فأنزل الله: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ [يعني: القرآن (٧).
وهذه الآية منتظمة بقوله: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ أي: نزل بالقرآن جبريل ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾] (٨) كما يزعم المشركون.
(١) تكون. في نسخة (ج).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٢.
(٣) في نسخة (أ)، (ب)، زيادة: إلا لها مذكرون ذكرى، قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع. وهي تكرار لما سبق من قول أبي إسحاق.
(٤) "معاني القرآن" للفراء٢/ ٢٨٤. وذكرهما أيضًا ابن جرير ١٩/ ١١٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٧ أ، ولم ينسبه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٧، عن قتادة.
(٨) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).
٢١١ - ﴿وَمَا يَنبَغِى﴾ أن ينزلوا بالقرآن (١). قال ابن عباس: لأن الشياطين لا يقوون (٢) على قراءة القرآن، ولا يحتملونه إلا احترقوا ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أي: لا يقوون على حمل القرآن. وقال الكلبي: يقول: وما هم أهلٌ للقرآن، وما يقدرون أن يأتوا بالقرآن من السماء فقد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب (٣). وهو قوله:
٢١٢ - ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد عن استماع القرآن لمحجوبون. قال الكلبي: لأنهم يرجمون بالنجوم (٤). وقال الزجاج: لما رموا بالنجم منعوا من السمع (٥).
٢١٣ - قوله: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [قال ابن عباس: يُحَذِّر به غيره] (٦) قال مقاتل: وذلك حين دُعِي إلى دين آبائه فأنزل الله: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ أي: لا تعبد معه إلهًا آخر (٧) ﴿فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ [قال ابن عباس: يحذر به غيره] (٨) يقول: أنت أكرم الخلق علىَّ ولو اتخذت من دوني إلهًا لعذبتك (٩).
(١) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ، بنصه.
(٢) في نسخة (أ)، (ب): يقولون.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ، بمعناه. قال ابن جرير ١٩/ ١١٧: "لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء".
(٤) ذكره الهواري ٣/ ٢٤٢، ولم ينسبه.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٣. ونحوه في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥.
(٦) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب). وهو في "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٤.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ. و"تنوير المقباس" ٣١٤. "تفسير ابن جرير" ١٩/ ١١٨.
(٨) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ج).
(٩) ذكره عن ابن عباس ابن الجوزي ٦/ ١٤٧.
٢١٤ - قوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ أي: رهطك الأدنين وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب خاصة (١)، وهم الأقربون، وهاشم والمطلب أخوان ابنا عبد مناف، قاله مقاتل (٢).
وقال ابن عباس: أنذِرهم أن لا يتخذوا من دوني ربًّا.
وقال الكلبي: لما نزلت هذه الآية، صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفا ونادى الأقرب فالأقرب، فخذًا (٣) "يا آل غالب، يا آل لؤي، يا آل كعب، يا آل مُرَّة، يا آل كلاب، يا آل قصي: لا أملك لكم من الله شيئًا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله، فأنذرهم" (٤).
وقال قتادة: قال لبني هاشم لما نزلت هذه الآية: "ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا فاتقوا النار ولو بشق تمرة" (٥).
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني أرسلت إلى الناس كافة وأرسلت إليكم يا بني هاشم والمطلب خاصة" (٦). وقالت عائشة رضي الله عنها: لما نزلت: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئًا سلوني من مالي ما شئتم" (٧).
(١) "الوسيط" ٣/ ٣٦٤.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٣) في النسخ الثلاث: فخذاً. مرة واحدة. وقد أخرجه مكرراً عبد بن حميد، عن قتادة. "الدر المنثور" ٦/ ٣٢٦.
(٤) "تفسير الهواري" ٣/ ٢٤٢، عن الكلبي.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٧. وعنه ابن جرير ١٩/ ١٢٢.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١١٨، والترمذي ٥/ ٣١٦، كتاب تفسير القرآن، رقم: ٣١٨٤، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال أبو هريرة: لما نزلت: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ جعل يدعو بطون قريش بطنًا بطنًا؛ يا بني فلان:"أنقذوا أنفسكم من النار" حتى انتهى إلى فاطمة؛ فقال: "يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أملك لكم من الله شيئًا غير أن لكم رحمًا سأبلها ببللاها" (١).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فقال: "يا صباحاه (٢) فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسكم أكنتم مصدقي؟ قالوا بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" (٣).
٢١٥ - قوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال المفسرون وأهل المعاني: جانِبَك لمن اتبعك من المؤمنين (٤). وذكرنا تفسير خفض
(١) عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دَعَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْب أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاَفٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِي هَاشِيم أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنَي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا). أخرجه مسلم ١/ ١٩٢، كتاب الإيمان، رقم: ٢٠٤. وأخرج نحوه البخاري، كتاب التفسير، رقم: ٤٧٧١، الفتح ٨/ ٥٠١. البِلال: الماء، ومعنى الحديث: سأصلها؛ شُبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة. "شرح النووي على صحيح مسلم" ٣/ ٨٠.
(٢) تقول العرب إذا نَذِرَت بغارة من الخيل تفجؤهم صباحاً: يا صباحاه، يُنذرون الحيَّ أجمع بالنداء العالي. "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٦٦ (صبح).
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٠. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٥.
(٤) "تنوير المقباس" ٣١٤. و"مجاز القرآن" ٢/ ٩١. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٦.
الجناح في سورة بني إسرائيل (١). قال ابن عباس: يريد أكرم من اتبعك من المصدقين بتوحيد الله وألِنْ لهم القول وأظهر لهم المحبة والكرامة.
٢١٦ - ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ قال ابن عباس: يريد عشيرتك. وقال مقاتل: يعني بني هاشم وبني المطلب ﴿فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي: من الكفر وعبادة غير الله (٢).
والآية دليل على أن موالاة المشرك حرام بكل حال؛ ألا ترَى كيف أمر الله رسوله في عشيرته الأقربين.
٢١٧ - ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ قال الكلبي: فوض إليه جميع أمرك. وقال مقاتل: ثق باللهِ ﴿الْعَزِيزِ﴾ في نقمته (٣) ﴿الرَّحِيمِ﴾ بهم حين لم يعجل عليهم بالعقوبة (٤).
٢١٨، ٢١٩ - قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ أي: للصلاة وإلى الصلاة. قاله ابن عباس والكلبي (٥). وقال مقاتل: حين تقوم وحدك إلى الصلاة (٦). وقال مجاهد: الذي يراك أينما كنت، يعني: يراك حين تقوم أينما كنت (٧).
(١) عند قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [٢٤].
(٢) "تفسيير مقاتل" ٥٥ أ.
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٧، عن ابن عباس. و"تنوير المقباس" ٣١٥. واقتصر في الوجيز ٢/ ٧٩٨، على قول: "إلى صلاتك".
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، عن الحسن.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، وأخرج نحوه عن: الضحاك، وعكرمة، وقتادة.
140
فعلى قول مجاهد: ﴿تَقُومُ﴾ عام في كل شيء قام إليه، وهو الظاهر؛ لأنه بمرأى من الله إلى أي شيء قام (١). وعلى قول الآخرين: هذا القيام يختص بالقيام إلى الصلاة، وفائدته: التنبيه على تعظيم الصلاة، كما يقول القائل لغيره: راقب مَنْ يراك إذا صليت، والله تعالى يراه إذا لم يكن مصليًا.
قوله: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قال مقاتل: يعني: ويرى ركوعك وسجودك وقيامك. وهو التقلب في الساجدين يعني: مع المصلين في الجماعة (٢). والمعنى: يراك إذا صليت وحدك ويراك إذا صليت في الجماعة راكعًا وساجدًا وقائمًا. وهو قول عكرمة، والكلبي، وقتادة، وابن زيد، ورواية عن عطية وعطاء الخراساني، عن ابن عباس (٣)؛كل هؤلاء فسروا التقلب في الساجدين بالتصرف مع المصلين قائمًا وراكعًا وساجدًا، وهو اختيار الفراء؛ قال: تقلبه: قيامه وركوعه وسجوده وقعوده (٤).
وقال ابن عباس في رواية جويبر، عن الضحاك عنه: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ في أصلاب الآباء؛ آدم ونوح وإبراهيم. ونحو هذا روى عطاء وعكرمة عنه: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ يريد: في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك. في هذه الآية قال عطاء عنه: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
(١) وهذا المعنى أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٤، عن ابن عباس، من طريق عطاء الخراساني: "يراك وأنت مع الساجدين تقلب وتقوم وتقعد معهم".
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب و"تنوير المقباس" ٣١٤. قال مجاهد: "في المصلين". "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٧، عن قتادة، وعكرمة وأخرجه ابن حرير ١٩/ ١٢٣، عن ابن عباس، وعكرمة. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٨ أ، عن عكرمة، وعطية، وعطاء عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، ومقاتل والكلبي.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥. واقتصر عليه في الوجيز ٢/ ٧٩٨.
141
يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه (١).
وقال الحسن: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ يعني: ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين (٢). وقال مجاهد في هذه الآية: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا قام في الصلاة أبصر مَنْ خلفه من الصفوف كما يرى مَنْ بين يديه (٣). وعلى هذا معنى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ إبصارك منهم (٤) مَنْ هو خلفك كما تبصر مَن هو أمامك. يدل على هذا ما روى قتادة عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
_________
(١) "تنوير المقباس" ٣١٤. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، من طريق عكرمة، وعطاء. وذكره كذلك الثعلبي ٨/ ١١٩ب. قال الطوسي: "وقال قوم من أصحابنا: إنه أراد تقلبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحدين، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله". التبيان للطوسي ٨/ ٦٨. ولم يعترض ابن كثير على ذلك. وهذا يعارضه كون أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- كافرين، بدليل: حديث أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: (في النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أبِي وَأَبَاكَ في النَّارِ) أخرجه مسلم ١/ ١٩١، كتاب الإيمان، رقم: ٢٠٣. وأبو داود ٥/ ٩٠، كتاب السنة، رقم: ٤٧١٨. وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَاذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) أخرجه مسلم ٢/ ٦٧١، كتاب الجنائز، رقم: ٩٧٦. وأبو داود ٣/ ٥٥٧، كتاب الجنائز، رقم: ٣٢٣٤.
وقد رد هذا القول الشنقيطي من وجه آخر فقال: "في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي قوله تعالى قبله مقترناً به: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ فإنه لم يقصد به أنه يقوم في أصلاب الآباء إجماعاً، وأول الآية مرتبط بآخرها، أي: الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك ومجلسك، ويرى تقلبك في الساجدين، أي: المصلين، على أظهر الأقوال. أضواء البيان ٦/ ٣٨٨.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٤، بلفظ: " ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قال: في الناس".
(٣) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٤. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٩. وذكره الهواري ٣/ ٢٤٣، ولم ينسبه.
(٤) منهم. في نسخة (ج).
142
"أتموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم" (١).
٢٢٠ - قوله تعالى ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال ابن عباس: ﴿السَّمِيعُ﴾ لقولك ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في قلبك من الإيمان واليقين (٢). وقال مقاتل: ﴿السَّمِيعُ﴾ لما قالوا حين دعوه إلى دين آبائه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بذلك.
ثم قال لكفار مكة (٣):
٢٢١ - ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ ثم أنبأ فقال (٤):
٢٢٢ - ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ قال ابن عباس: كل كذاب فاجر (٥). قال الكلبي: مثل مسيلمة وطليحة (٦). وكان لكل كاهن منهم تابع من الجن يأتيه بما يستمع من السماء.
(١) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، رقم: ٤١٩، "الفتح" ١/ ٥١٤. ومسلم ١/ ٣١٩، كتاب الصلاة، رقم: ٤٢٥. وهذا الحديث يدل على صحة المعنى الذي ذكره مجاهد، لكنه لا يدل على أن المراد من الآية هو هذا التفسير، والنَه أعلم. قال ابن عطية ١١/ ١٥٩، عن هذا القول:"وهذا معنى أجنبي هنا". ولم يرجح الواحدي شيئاً من هذه الأقوال، ولعل الأقرب ما رجحه ابن جرير ١٩/ ١٢٥، من أن المراد: يرى تقلبك مع الساجدين في صلاتك معهم. والله أعلم.
(٢) قال الثعلبي ٨/ ١١٨ ب: " ﴿السَمِيعُ﴾ لقراءتك ﴿الْعَلِيمُ﴾ بعملك".
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٤.
(٥) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٧، ولفظه:"كذاباً من الناس". وقال مقاتل ٥٥ ب: "يعني: كذاب".
(٦) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١٨ب، بنصه، منسوبًا لمقاتل. وفي "تفسير مقاتل" ٥٥ ب: "منهم مسيلمة الكذاب، وكعب ابن الأشرف". وهو في "تنوير المقباس" ٣١٥، بلفظ: فاجر كاهن وهو مسيلمة الكذاب وطلحة. فلعل: طلحة تصحيف: طليحة. يراجع للتعريف بهما.
وقال قتادة: هم الكهنة تسترق الجن السمع ثم يأتون (١) إلى أوليائهم من الإنس (٢). وقال أبو إسحاق: قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ثم قال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ ثم قال: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ كالمتصل بهذا. ثم أعلم أن الشياطين على من تنزل فقال: ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ (٣).
٢٢٣ - قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ أي: يلقون ما سمعوه إلى الكهنة (٤).
وقال الفراء: يلقون إلى كهنتهم السمع الذي سمعوا ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ (٥)؛ لأنهم يخلطون به كذبًا كثيرًا. وهذا كان قبل أن أوحي (٦) إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد ذلك: ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩].
قال الكلبي: يستمعون إلى السماء فيأتون بما استمعوا إلى كهنتهم (٧).
(١) في نسخة (ج): يلقون.
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٨. وعنه ابن جرير ١٩/ ١٢٥. ويشهد له حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: (إنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَىْءٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله فَإِنَهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّىْءِ يَكُونُ حَقَّا قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا في أُذُنِ وَليِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كذْبَةٍ) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، رقم: ٧٥٦١، الفتح ١٣/ ٥٣٥. ومسلم ٤/ ١٧٥٠، كتاب السلام، رقم: ٢٢٢٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٤.
(٤) قال مجاهد: "الشيطان ما سمعه ألقاه ﴿عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ ". "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٧. وأخرج نحوه ابن جرير ١٩/ ١٢٦.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥.
(٦) هكذا في جميع النسخ.
(٧) "تنوير المقباس" ٣١٥.
144
وقال مقاتل: إن الله تعالى إذا أراد أمرًا في الأرض عَلِم به أهل السموات من الملائكة، فتكلموا به، فتسمع الشياطين، وترميهم الملائكة بالشهب، فيخطفون الخطْفة، فذلك قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ قال: معناه: يلقون بآذانهم إلى كلام الملائكة (١).
وهذا التفسير غير الأول في: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ (٢) ويشهد لهذا قوله: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] ومعناه: استمع. وقال في قوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ يعني: الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون في الأرض كذا وكذا (٣).
وذكر صاحب النظم قولًا آخر في: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾؛ وهو أنه قال: يعني (كل أفاك أثيم) وأخرج فعلهم مخرج الجماعة؛ لأن قوله: (كل أفاك) يتضمن الجمع، أي: يستمعون إلى الشياطين. وعلى هذا قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ من صفة: (كل أفاك أثيم).
قال: وقوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ أي: الشياطين يخبرونهم بالكذب وهم يسمعون منهم فيقصون به، فجاء قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ وقوله: (كاذبون) كالمتصل بعضها ببعض وهما مختلفان لاختلاف الأسماء فيهما؛ يعني: أن قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ من صفة الكهنة، وقوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ من صفة الشياطين (٤).
(١) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٢) هكذا في نسخة (ج): في: يلقون السمع. وفي: (أ)، (ب): ويلقون السمع.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٤) وذهب إلى هذا ابن قتيبة، فقال في "غريب القرآن" ٣٢١: " ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ يسترقونه".
145
٢٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ (١) الشعراء جمع الشاعر، يقال: شَعَر يشعُر شِعرًا، وشِعرة إذا علم (٢)، والشعر: القَريض المحدود بعلامات لا يُجاوزها، وقائله شاعر؛ لأنه يَشعُر [ما لا يَشعُر] (٣) غيره (٤). وجمعه شعراء مثل: جاهل وجهلاء، وعالم وعلماء (٥).
(١) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبعُهُمُ الْغَاوُونَ) فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾. أخرجه أبو داود ٥/ ٢٨٠، كتاب الأدب، رقم: ٥٠١٦. وذكر ابن تيمية -رحمه الله- حكمة جيدة لذكر الحديث عن الشعراء في هذه السورة، بعد ذكر قصص من سبق من الأنبياء، فقال: "فذكر الفرق بينه وبين من قال: تنزل عليه الشياطين، من الكهان، والمتنبئين ونحوهم، وبين الشعراء؛ لأن الكاهن قد يخبر بغيب بكلام مسجوع، والشاعر أيضًا يأتي بكلام منظوم يحرك به النفوس، فإن قرين الشيطان مادته من الشيطان، ويعين الشيطان بكذبه وفجوره، والشاعر مادته من نفسه، وربما أعانه الشيطان، فأخبر أن الشياطين إنما تنزل على من يناسبها، وهو الكاذب في قوله، الفاجر في عمله، بخلاف الصادق البر، وأن الشعراء إنما يحركون النفوس إلى أهوائها فيتبعهم الغاوون، وهو الذين يتبعون الأهواء وشهوات الغي، فنفى كلاً منهما بانتفاء لازمه، وبين ما تجتمع فيه من شياطين الإنس والجن". تفسير آيات أشكلت ٢/ ٧٢٧.
(٢) هكذا في جميع النسخ: شعراً وشعرة. وفي "تهذيب اللغة" ١/ ٤٢٠: شَعراً، وشِعرًا.
(٣) ما بين المعقوفين، في نسخة (أ)، (ب).
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ٤٢٠ (شعر).
(٥) قال الشافعي: "الشعر: كلام منظوم بمنزلة المنثور من الكلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإذا قال الرجل شعرًا وفيه رفث، وفحش سقطت عدالته، وإذا قال شعرًا فيه الغزل الذي ليس بمكروه، أو مَدَح رجلاً قُبلت عدالته". "إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ١٤٢.
146
قال ابن عباس: يريد: المشركين ﴿يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ من الشياطين (١). قولى: يريد المشركين، يعني: الشعراء المشركين.
وقد ذكر مقاتل أسماءهم؛ فقال: منهم: عبد الله بن الزَّبَعرى السهمي، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومُسافع بن عبد مناف الجُمحي، وأبو عزة عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل وقالوا: نحن نقول مثل قول محمد، وقالوا: الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم (٢) يسمعون أشعارهم، ويروون عنهم حين يهجون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه (٣).
وقال عكرمة: تهاجا شاعران في الجاهلية مع كل واحد فئام (٤) من الناس فقال الله عز وجل: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ وهما ذانك الشاعران (٥). وهذا قول الضحاك في سبب النزول، وقال: الغواة: السفهاء (٦).
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٧.
(٢) في نسخة (أ)، (ب): قولهم.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٤) الفئام من الناس: الجماعة. "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٧٢ (فأم).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٢.
(٦) أخرج ابن جرير ١٩/ ١٢٧، بلفظ: "كان رجلان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين". وذكره كذلك الثعلبي ٨/ ١١٨ ب. وفي كون ذلك حدث بعد الهجرة إشكال من ناحية كون هذه السورة مكية. قال ابن كثير ٦/ ١٧٥: "ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية في شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مُرسلاتٌ لا يعتمد عليها، والله أعلم، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم".
147
وهي رواية العوفي عن ابن عباس (١).
وقال عكرمة، والشعبي: ﴿الْغَاوُونَ﴾ عصاة الجن (٢). وهو معنى قول ابن عباس في رواية ابن بريدة؛ قال: هم الشياطين (٣). وهو قول قتادة، ومجاهد: ﴿الْغَاوُونَ﴾ الشياطين (٤).
وروى عكرمة عنه: ﴿الْغَاوُونَ﴾ الرواة (٥). وهو قول الكلبي، قال: الرواة الذين يروون هِجاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانو ينحرون لهم الجُزُر (٦).
وقال الفراء: نزلت في ابن الزبعرى وأشباهه؛ لأنهم كانوا يهجون النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين (٧) يتبعهم غواتهم الذين كانوا يرون سب النبي -صلى الله عليه وسلم- (٨).
٢٢٥ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ قال أبو عبيد: رجل هائم وهيوم وهو الذاهب على وجهه (٩). وأنشد:
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٧، عن ابن عباس، وعكرمة. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٣. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٨ ب.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣١، عن عكرمة.
(٣) أخرجه الثعلبي ٨/ ١١٨ ب، بسنده عن ابن بريدة عن ابن عباس.
(٤) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٧. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٧. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٨، عن قتادة، وعنه ابن جرير ١٩/ ١٢٧.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٦، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣١. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٨ب.
(٦) "تنوير المقباس" ٣١٥، بلفظ: الراوون يروون عنهم.
(٧) والمسلمين، في نسخة (أ)، (ب). وهو موافق لما عند الفراء.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥. قال ابن جرير ١٩/ ١٢٧: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجن، وذلك أن الله عَمَّ بقوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض".
(٩) "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٦٧ (هام)، من كلام أبي عبيد، دون ذكر البيت. وفي "مجاز=
148
إلا طرقت مي هُيومًا بذكرها (١)
يقال: هام يهيم هُيومًا وهَيَمامًا وهَيْمًا (٢).
قال ابن عباس: في كل فنٍّ من الكذب يتكلمون (٣).
وقال مجاهد: في كل فنٍّ يفتنون (٤).
وقال مقاتل: في كل فنٍّ يأخذون (٥). وعن ابن عباس أيضًا في كل لغوٍ يخوضون (٦).
وقال قتادة: يمدحون بباطل ويشتمون بباطل (٧). فالوادي مثلٌ لفنون الكلام وأساليبه، وهيمانهم فيه: خوضهم، وقولهم على الحيرة والجهل بما يقولون من لغو وباطل وغلو في مدح أو ذم (٨).
= القرآن" ٢/ ٩١: "الهائم: هو المخالف للقصد الجائر عن كل حق، وخير". "لأن من أتبع الحق، وعلم أنه يكتب عليه قوله تثبت، ولم يكن هائماً يذهب على وجه لا يبالي ما قال". "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٩٦. وكتبت خطأ في النسخ الثلاث: أبو عبيدة.
(١) شطر بيت نسب لذي الرمة، وعجزه:
وأيدي الثريا جنح في المغارب
(٢) قال أبو عبيد: وقد هام يهيم هُياماً. "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٦٧ (هاما).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٣، بلفظ: "في كل فن من الكلام يأخذون".
(٤) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٧. وأخرج ابن جرير ١٩/ ١٢٨
(٥) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٦) ذكره البخاري تعليقاً، كتاب الأدب. الفتح ١٠/ ٥٣٧. ووصله ابن جرير ١٩/ ١٢٨، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٣، من طريق علي بن أبي طلحة.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٨. وعنه ابن جرير ١٩/ ١٢٨. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٣.
(٨) "تفسير هود الهواري" ٣/ ٢٤٤، بمعناه.
وقد ورد في السنة ذم الشعر، والتحذير من الإلتهاء به، في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي =
149
وقال ابن الأعرابي: قال بعضهم: هو وادي الصحراء يخلو فيه العاشق والشاعر [يتفرجان فيه]. قال: ويقال هو وادي الكلام (١). والله أعلم. وقال الزجاج: ليس يعني أودية الأرض إنما هو مثل لقولهم وشعرهم (٢).
٢٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ قال مقاتل: يقولون: فعلنا وفعلنا وهم كذبة (٣).
= الله عنهمَا عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَأنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". أخرجه البخاري، كتاب الأدب، رقم: ٦١٥٤، الفتح ١٠/ ٥٤٨. ومسلم ٤/ ١٧٦٩، كتاب الشعر، رقم: ٢٢٥٨.
وهذا محمول على الشعر الباطل، ويدل لذلك حديث عَائِشَةَ أَن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ" فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ اهْجُهُمْ فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ثُمِّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنٍ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِب بِذنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَق لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:"لاَ تَعْجَلْ فَإِنَ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنَسَابِهَا وإِن لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي"
فَأَتَاهُ حَسِّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلِّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِحَسَّانَ: "إِنَ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ الله وَرَسُولِهِ" وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ "هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى".
أخرجه مسلم ٤/ ١٩٣٥، كتاب: "فضائل الصحابة، رقم: ٢٤٩٠. وأصله في البخاري، كتاب الأدب، رقم: ٦١٥٣، "الفتح" ١٠/ ٥٦٤.
(١) "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٧٧ (هام)، دون قوله: يتفرجان فيه. واقتصر على هذا القول ابن قتيبة، "غريب القرآن" ٣٢١، ولم ينسبه.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٤.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب. ١٠٤.
وقال أبو إسحاق: هذا دليل على تكذيبهم في قولهم. يعني: أن الله كذبهم فيما يقولون ثم استثنى شعراء المسلمين فقال (١):
٢٢٧ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال مقاتل والكلبي: هم عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وسائر شعراء المسلمين (٢).
وقال ابن عباس: استثنى شعراء المهاجرين والأنصار (٣).
وقال أبو إسحاق: هم الشعراء الذين مدحوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وردوا هجاءه، وهجاء المسلمين (٤).
قوله: ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أي: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله عز وجل، ولم يجعلوا الشعر همهم (٥).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٥. و"تفسير مقاتل" ٥٥ ب. و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥، كلاهما من قوله: "ثم استثنى". وأخرجه بإسناده النحاس عن ابن عباس، الناسخ والمنسوخ ٢/ ٥٧٢.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب. وقال مجاهد: "ابن رواحة، وأصحابه". "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٧ وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٤، عن ابن عباس، من طريق الضحاك. وأخرجه عنه أيضًا النحاس، الناسخ والمنسوخ ٢/ ٥٧١.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٩، ولفظه: "ثم استثنى المؤمنين منهم، يعني: الشعراء".
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٥.
(٥) في نسخة (ج): همتهم. "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٥. بنصه. فعلى هذا إما أن يراد: ذكروا الله كثيرًا، في كلامهم، على وجه العموم، أو: ذكروا الله كثيرًا في شعرهم، وقد أخرج ابن جرير القول الأخير عن ابن زيد. وهذا القول يدل على ضرورة أن يتميز الشاعر المؤمن بكثرة ما يورد في شعره من ذكر الله تعالى، والدعوة إليه. والله أعلم.
151
﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ قال مقاتل: وانتصروا من المشركين (١)؛ لأن المشركين بدؤوا بالهجاء (٢).
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد إخراج المشركين إياهم من مكة وبيعهم دورهم. وعلى هذا الظلم الذي نالهم ليس الهجاء، إنما هو: ما ذكره من الإخراج عن المنزل وبيع المساكن، وانتصارهم منهم: هجاؤهم إياهم (٣). ومَنْ أحق بأن يُهجَى (٤) ممن كذب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهجاه (٥).
قال مقاتل: ثم أوعد شعراء المشركين فقال: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ يعني: أشركوا (٦).
وقال الكلبي: هجوا النبي -صلى الله عليه وسلم- (٧).
وقال ابن عباس: ﴿ظُلِمُوا﴾ المهاجرين وأخرجوهم من ديارهم. وعلى هذا هو عام في مشركي مكة؛ وهو الأولى.
﴿أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد إلى جهنم والسعير.
(١) "تفسير مقاتل" ٥٦ أ.
(٢) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٧.
(٣) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٧، بمعناه، ولم ينسبه. أخرج ابن جرير ١٩/ ١٣٠، عن ابن عباس، من طريق علي بن أبي طلحة قال: (يردون على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين).
(٤) في نسخة (أ)، زيادة: نالهم ليس الهجاء إنما هو ما ذكره من إلا. والكلام مستقيم بدونها.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٥، بنصه.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٦ أ.
(٧) "تنوير المقباس" ص ٣١٥، وذكره عنه السمرقندي ٢/ ٤٨٧، بلفظ: (هجوا المشركين).
152
وقال أبو إسحاق: عني أنهم ينقلبون إلى نار جهنم مخلدون فيها، وأيَّ: منصوبة بقوله: ﴿يَنْقَلِبُونَ﴾ لا بقوله: ﴿وَسَيَعْلَمُ﴾ لأن أيًا، وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها (١).
وهذا مما تقدم الكلام فيه في مواضع من هذا الكتاب (٢).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٥.
(٢) راجع الإسراء: ١١٠ ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ والكهف: ١٢ ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾.
153
سورة النمل
155
Icon