تفسير سورة يونس

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة يونس من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

﴿الر﴾ أنا الله أرى ﴿تلك آيات الكتاب﴾ هذه الآيات التي أنزلتها عليك آيات القرآن ﴿الحكيم﴾ الحاكم بين النَّاس
﴿أكان للناس﴾ أَهلِ مكَّةَ ﴿عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم﴾ وذلك أنَّهم قالوا: ما وجدَ الله مَنْ يُرسله إلينا إلاَّ يتيم أبي طالب؟ ! ﴿أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا﴾ أَيْ: بعثناه بشيراً ونذيراً ﴿أنَّ لهم قدم صدق عند ربهم﴾ يعني: الأعمال الصَّالحة ﴿قال الكافرون إنَّ هذا﴾ القرآن ﴿لسحرٌ مبين﴾
﴿إنَّ ربكم الله﴾ مفسَّرةٌ في سورة الأعراف وقوله: ﴿يدبِّر الأمر﴾ يقضيه ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ ردٌّ لقولهم: الأصنام شفعاؤنا عند الله
﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾
﴿هو الذي جعل الشمس ضياءً﴾ ذات ضياءٍ ﴿والقمر نوراً﴾ ذا نورٍ ﴿وقدَّره﴾ وقدَّر له ﴿منازل﴾ على عدد أيام الشَّهر ﴿ما خلق الله ذلك﴾ يعني: ما تقدَّم ذكره ﴿إلاَّ بالحق﴾ بالعدل أَيْ: هو عادلٌ في خلقه لم يخلقه ظلما ولا باطلاً ﴿يفصِّل الآيات﴾ يُبيِّنها ﴿لقوم يعلمون﴾ يستدلُّون بها على قدرة الله
﴿إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون﴾
﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ لا يخافون البعث ﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بدلاً من الآخرة ﴿وَاطْمَأَنُّوا بها﴾ وركنوا إليها ﴿والذين هم عن آياتنا﴾ ما أنزلتُ من الحلال والحرام والشرائع ﴿غافلون﴾ وقوله:
﴿أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾
﴿يهديهم ربُّهم بإيمانهم﴾ أَيْ: إلى الجنان ثواباً لهم بإيمانهم
﴿دعواهم﴾ دعاؤهم ﴿فيها سبحانك اللهم﴾ وهو أنَّهم كلَّما اشتهوا شيئاً قالوا: سبحانك اللَّهم فجاءهم ما يشتهون فإذا طعموا ممَّا يشتهون قالوا: الحمد لله ربَّ العالمين
﴿ولو يعجل الله للناس الشرَّ﴾ الآية نزلت في دعاء الرَّجل على نفسه وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له والمعنى: لو استجبتُ لهم في الشَّرِّ كما يحبُّون أن يستجاب لهم في الخير ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ لماتوا وفُرغ من هلاكهم نزلت في النَّضر بن الحارث حين قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندك﴾ الآية يدلُّ على هذا قوله: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ يعني: الكفَّار الذين لا يخافون البعث
﴿وإذا مس الإنسان﴾ يعني: الكافر ﴿الضرُّ﴾ المرض والبلاء ﴿دعانا لجنبه﴾ أَيْ: مضطجعاً ﴿أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضرَّه مرَّ﴾ طاغياً على ترك الشُّكر ﴿كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسَّه﴾ لنسيانه ما دعا الله فيه وما صنع الله به ﴿كذلك زين﴾ كما زُيِّن لهذا الكافر الدُّعاء عند البلاء والإِعراض عند الرَّخاء ﴿زين للمسرفين﴾ عملهم وهم الذين أسرفوا على أنفسهم إذ عبدوا الوثن
﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم﴾ يخوِّف كفار مكَّة بمثل عذاب الأمم الخالية ﴿وما كانوا ليؤمنوا﴾ لأنَّ الله طبع على قلوبهم جزاءً لهم على كفرهم ﴿كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ نفعل بمَنْ كذَّب بمحمَّدٍ كما فعلنا بمَنْ قبلهم جزاءً لكفرهم
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿لننظر كيف تعملون﴾ لنختبر أعمالكم
﴿وإذا تتلى عليهم﴾ على هؤلاء المشركين ﴿آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ لا يخافون البعث: ﴿ائت بقرآن غير هذا﴾ ليس فيه عيب آلهتنا ﴿أو بدَّله﴾ تكلَّمْ به من ذات نفسك فبدِّل منه ما نكرهه ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تلقاء نفسي﴾ ما ينبغي لي أَنْ أغيِّره من قبل نَفْسِي ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ ما أُخبركم إلاَّ ما أخبرني الله به أَي: الذي أتيتُ به من عند الله لا من عندي نفسي فأبدِّله
﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ ما قرأتُ عليكم القرآن ﴿وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ ولا أعلمكم الله بِهِ ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ أقمتُ فيكم أربعين سنةً لا أُحدِّثكم شيئاً ﴿أفلا تعقلون﴾ أنَّه ليس من قبلي
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ لا أحد أظلم ممَّن يظلم ظلم الكفر أَيْ: إني لم أفتر على الله ولم أكذب عليه وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أنَّ معه شريكاً ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ لا يسعد مَنْ كذَّب أنبياء الله
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ﴾ إنْ لم يعبدوه ﴿وَلا يَنْفَعُهُمْ﴾ إن عبدوه ﴿ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾ في إصلاح معاشهم في الدُّنيا لأنَّهم لا يقرُّون بالبعث ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يعلم في السماوات ولا في الأرض﴾ أتخبرون الله أنَّ له شريكاً ولا يعلم الله سبحانه لنفسه شريكا في السماوات ولا في الأرض ثمَّ نزَّه نفسه عمَّا افتروه فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
﴿وما كان الناس إلاَّ أمة واحدة﴾ يعني: من لدن عهد إبراهيم عليه السَّلام إلى أن غيَّر الدِّين عمرو بن لُحي ﴿فاختلفوا﴾ واتَّخذوا الأصنام ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك﴾ بتأخير عذاب هذه الأُمَّة إلى القيامة ﴿لقضي بينهم﴾ بنزول العذاب
﴿ويقولون﴾ يعني: أهل مكَّة: ﴿لولا﴾ هلاَّ ﴿أنزل عليه آية من ربه﴾ مثلُ العصا وما جاءت به الأنبياء ﴿فقل إنما الغيب لله﴾ أَيْ: إنَّ قولكم: هلا أنزل عليه آية غيبٌ وإنَّما الغيب لله لا يعلم أحدٌ لمَ لمْ يفعل ذلك ﴿فَانْتَظِرُوا﴾ نزول الآية ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾
﴿وإذا أذقنا الناس﴾ كفار مكَّة ﴿رحمة﴾ مطراً وخَصْباً ﴿من بعد ضرَّاء مستهم﴾ فقرٍ وبؤسٍ ﴿إذا لهم مكر في آياتنا﴾ قولٌ بالتَّكذيب أَيْ: إذا أخصبوا بطروا فاحتالوا لدفع آيات الله ﴿قل الله أسرع مكراً﴾ أسرع نقمةً يعني: إنَّ ما يأتيهم من العقاب أسرعُ في أهلاكهم ممَّا أتوه من المكر في إبطال آيات الله ﴿إنَّ رسلنا﴾ يعني: الحفظة ﴿يكتبون ما تمكرون﴾ للمجازاة به في الآخرة
﴿هو الذي يسيِّركم في البر﴾ على المراكب والظُّهور ﴿والبحر﴾ على السُّفن ﴿حتى إذا كنتم في الفلك﴾ السُّفن ﴿وجرين بهم﴾ يعني: وجرت السُّفن بمَنْ ركبها في البحر ﴿بريح طيبة﴾ رُخاءٍ ليِّنةٍ ﴿وفرحوا﴾ بتلك الرِّيح للينها واستوائها ﴿جاءتها ريحٌ عاصف﴾ شديدةٌ ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ﴾ وهو ما ارتفع من الماء ﴿من كلِّ مكان﴾ من البحر ﴿وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ دنوا من الهلاك ﴿دَعَوُا الله مخلصين له الدين﴾ تركوا الشِّرك وأخلصوا لله الرُّبوبيَّة وقالوا ﴿لَئِنْ أنجيتنا من هذه﴾ الرِّيح العاصفة ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الموحِّدين الطَّائعين
﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بغير الحق﴾ يعملون بالفساد والمعاصي والجرأة على الله ﴿يا أيها النَّاسُ﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أنفسكم﴾ أَيْ: بغي بعضكم على بعضٍ ﴿متاع الحياة الدنيا﴾ أَيْ: ما ينالونه بهذا الفساد والبغي إنَّما يتمتَّعون به في الحياة الدُّنيا ﴿ثم إلينا مرجعكم﴾
﴿إنما مثل الحياة الدنيا﴾ يعني: الحياة الفانية في هذه الدَّار ﴿كماءٍ﴾ كمطرٍ ﴿أنزلناه من السماء فاختلط به﴾ بذلك المطر وبسببه ﴿نبات الأرض ممَّا يأكل الناس﴾ من البقول والحبوب والثِّمار ﴿والأنعام﴾ من المراعي والكلأ ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها﴾ زينتها وحسنتها ﴿وازَّينت﴾ بنباتها ﴿وظنَّ﴾ أهل تلك الأرض ﴿أنهم قادرون﴾ على حصادها والانتفاع بها ﴿أتاها أمرنا﴾ عذابنا ﴿فجعلناها حصيداً﴾ لا شيء فيها ﴿كأن لم تغن﴾ لم تكن بالأمس ﴿كذلك﴾ الحياةُ في الدُّنيا سببٌ لاجتماع المال وزهرة الدُّنيا حتى إذا كثر ذلك عند صاحبه وظنَّ أنَّه ممتَّعٌ به سُلِب ذلك عنه بموته أو بحادثةٍ تهلكه ﴿كذلك نفصل الآيات﴾ كما بيَّنا هذا المثل للحياة الدُّنيا كذلك يُبيِّن الله آيات القرآن ﴿لقوم يتفكرون﴾ في المعاد
﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ وهي الجنَّة ببعث الرَّسول ونصب الأدلة ﴿ويهدي من يشاء﴾ عمَّ بالدَّعوة وخصَّ بالهداية مَنْ يشاء
﴿للذين أحسنوا﴾ قالوا: لا إله إلاَّ الله ﴿الحسنى﴾ الجنَّة ﴿وزيادة﴾ النَّظر إلى وجه الله الكريم عزَّ وجل ﴿ولا يرهق﴾ يغشى ﴿وجوههم قترٌ﴾ سوادٌ من الكآبة ﴿ولا ذلة﴾ كما يصيب أهل جهنَّم وهذا بعد نظرهم إلى ربِّهم تبارك وتعالى
﴿والذين كسبوا السيئات﴾ عملوا الشِّرك ﴿جزاء سيئة﴾ أَيْ: فلهم جزاء سيئةٍ ﴿بمثلها وترهقهم ذلة﴾ يُصيبهم ذلٌّ وخزيٌ وهوانٌ ﴿ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ من عذاب الله ﴿من عاصم﴾ من مانعٍ يمنعهم ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ﴾ أُلبست ﴿وُجُوهُهُمْ قطعاً﴾ طائفةً ﴿من الليل﴾ وهو مظلم
﴿ويوم نحشرهم جميعاً﴾ نجمعهم جميعاً: الكفَّارَ وآلهتَهم ﴿ثمَّ نقول للذين أشركوا مكانكم﴾ قفوا والزموا مكانكم ﴿أنتم وشركاؤكم فزيلنا﴾ فرَّقنا وميَّزنا ﴿بينهم﴾ بين المشركين وبين شركائهم وانقطع ما كان بينهم من التَّواصل في الدُّنيا ﴿وقال شركاؤهم﴾ وهي الأوثان: ﴿ما كنتم إيانا تعبدون﴾ أنكروا عبادتهم وقالوا: ما كنَّا نشعر بأنَّكم إيَّانا تعبدون والله يُنطقها بهذا
﴿فكفى بالله شهيداً﴾ الآية هذا من كلام الشُّركاء قالوا: شهد الله على علمه فينا ما ﴿كنا عن عبادتكم﴾ إلاَّ غافلين لأنَّا كنَّا جماداً لم يكن فينا روحٌ
﴿هنالك﴾ في ذلك الوقت ﴿تَبْلُو﴾ تختبر ﴿كُلُّ نَفْسٍ ما أسلفت﴾ جزاء ما قدَّمَتْ من خيرٍ أو شرٍّ ﴿ورُدُّوا إلى الله مولاهم الحق﴾ أَي: الذي يملك تولِّي أمرهم ويجازيهم بالحقِّ ﴿وضلَّ عنهم﴾ زال وبطل ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ في الدُّنيا من التَّكذيب
﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض﴾ مَنْ يُنزِّل من السماء المكر ويُخرج النَّبات من الأرض؟ ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبصار﴾ مَنْ جعلها وخلقها لكم؟ على معنى: مَنْ يملك خلقها ﴿ومن يخرج الحيَّ من الميت﴾ المؤمن من الكافر والنَّبات من الأرض والإِنسان من النُّطفة وعلى الضدِّ من ذلك ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الحيِّ ومَنْ يدبر﴾ أمر الدُّنيا والآخرة ﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾ أَي: الله الذي يفعل هذه الأشياء فإذا أقرُّوا بعد الاحتجاج عليهم ﴿فقل أفلا تتقون﴾ أفلا تخافون الله فلا تشركوا به شيئاً
﴿فذلكم الله ربكم الحق﴾ أَي: الذي هذا كلُّه فِعْلُه هو الحقُّ ليس هؤلاء الذين جعلتم معه شركاء ﴿فماذا بعد الحق﴾ بعد عبادة الله ﴿إلاَّ الضلال﴾ يعني: عبادة الشَّيطان ﴿فأنى تصرفون﴾ يريد: كيف تُصرف عقولكم إلى عبادة من لا يرزق ولا يحيي ولا يميت
﴿كذلك﴾ هكذا ﴿حقت﴾ صدَّقت ﴿كلمة ربك﴾ بالشَّقاوة والخذلان ﴿على الذين فسقوا﴾ تمرَّدوا في الكفر ﴿أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾
﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾
﴿قل هل من شركائكم﴾ يعني: آلهتكم ﴿من يهدي﴾ يرشد ﴿إلى الحق﴾ إلى دين الإسلام ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أَيْ: إلى الحقِّ ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أحق أن يتبع أمن لا يهدي﴾ أَي: الله الذي يهدي ويرشد إلى الحقِّ أهلَ الحقِّ أحقُّ أن يتَّبع أمره أم الأصنام التي لا تهدي أحداً ﴿إلاَّ أن يُهدى﴾ يُرشد وهي - وإنْ هُديت - لم تهتد ولكنَّ الكلام نزل على أنَّها إِن هُديت اهتدت لأنَّهم لمَّا اتخذوها آلهة عبر عنها كما يُعبَّر عمَّن يعلم ﴿فما لكم﴾ أيُّ شيءٍ لكم في عبادة الأوثان وهذا كلامٌ تامٌّ ﴿كيف تحكمون﴾ يعني: كيف تقضون حين زعمتم أنَّ مع الله شريكاً
﴿وما يتبع أكثرهم﴾ يعني: الرُّؤساء لأنَّ السَّفلة يتَّبعون قولهم ﴿إلاَّ ظناً﴾ يظنون أنَّها آلهةٌ ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ ليس الظنُّ كاليقين يعني: إنَّ الظَّنَّ لا يقوم مقام العلم ﴿إنَّ الله عليم بما يفعلون﴾ من كفرهم
﴿وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله﴾ هذا جوابٌ لقولهم: ﴿ائت بقرآن غير هذا﴾ يقول: ما كان هذا القرآن افراء من دون الله ﴿ولكن تصديق﴾ ولكن كان تصديق ﴿الذي بين يديه﴾ من الكتب ﴿وتفصيل الكتاب﴾ يعني: تفصيل المكتوب من الوعد لمَنْ آمن والوعيد لمَنْ عصى ﴿لا ريب فيه﴾ لا شكَّ في نزوله من عند ربِّ العالمين
﴿أم يقولون افتراه﴾ بل أتقولون: افتراه محمد ﴿قل فأتوا بسورة مثله﴾ إن كان مفترىً ﴿وادعوا﴾ إلى معاونتكم على المعارضة كلَّ مَنْ تقدرون عليه ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادقين﴾ في أنَّ محمَّداً اختلقه من عند نفسه ونظيرُ هذه الآية في سورة البقرة: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ الآية
﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ أَيْ: بما في القرآن من الحنة والنَّار والبعث والقيامة ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ ولم يأتهم بعدُ حقيقة ما وُعدوا في الكتاب ﴿كذلك كذَّب الذين من قبلهم﴾ بالبعث والقيامة
﴿ومنهم﴾ ومن كفَّار مكَّة ﴿مَنْ يؤمن به﴾ يعني: قوماً علم أنَّهم يؤمنون ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين﴾ يريد: المكذِّبين وهذا تهديدٌ لهم
﴿وإن كذبوك فقل لي عملي﴾ الآية نسختها آية الجهاد
﴿ومنهم مَنْ يستمعون إليك﴾ نزلت في المستهزئين كانوا يستمعون الاستهزاء والتَّكذيب فقال الله تعالى: ﴿أفأنت تُسمع الصمَّ﴾ يريد أنَّهم بمنزلة الصُّمِّ لشدَّة عداوتهم ﴿ولو كانوا لا يعقلون﴾ أَيْ: ولو كانوا مع كونهم صمَّاً جهَّالاً! أخبر الله سبحانه أنَّهم بمنزلة الصُّمِّ الجُهَّال إذْ لم ينتفعوا بما سمعوا
﴿ومنهم مَنْ ينظر إليك﴾ مُتعجِّباً منك غير منتفعٍ بنظره ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ﴾ يريد: إنَّ الله أعمى قلوبهم فلا يبصرون شيئاً من الهدى
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ لمَّا ذكر أهل الشَّقاوة ذكر أنَّه لم يظلمهم بتقدير الشَّقاوة عليهم لأنَّه يتصرَّف في ملكه ﴿ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون﴾ بكسبهم المعاصي
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً من النهار﴾ كأن لم يلبثوا في قبورهم إلاَّ قدر ساعة من النَّهار استقصروا تلك المدَّة من هول ما استُقبلوا من أمر البعث والقيامة ﴿يَتَعَارَفُونَ بينهم﴾ يعرف بعضهم بعضا تعارف تعارف توبيخٍ لأنَّ كلَّ فريق يقول للآخر: أنت أضللتني وما يشبه هذا ﴿قد خسر﴾ ثواب الجنَّة ﴿الذين كذَّبوا﴾ بالبعث
﴿وإما نرينك بعض الذي نعدهم﴾ يريد: ما ابتُلوا به يوم بدرٍ ﴿أو نتوفينك﴾ قبل ذلك ﴿فإلينا مرجعهم﴾ أَيْ: فنعذِّبهم في الآخرة ﴿ثمَّ الله شهيد على ما يفعلون﴾ من محاربتك وتكذيبك فيجزيهم بها ومعنى الآية: إنْ لم ينتقم منهم في العاجل ينتقم منهم في الآجل
﴿ولكلِّ أمة رسول﴾ يُرسل إليهم ﴿فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط﴾ وهو هلاك مَنْ كذَّبه ونجاة من تبعه ﴿وهم لا يظلمون﴾ لا ينقص ثواب المُصدِّق ويُجازى المكذِّب بتكذيبه
﴿ويقولون متى هذا الوعد﴾ قالوا ذلك حين قيل لهم: ﴿وإمَّا نرينك بعض الذي نعدهم﴾ الآية فقالوا: متى هذا العذاب الذي تعدنا يا محمَّد؟ ﴿إن كنتم﴾ أنت يا محمَّد وأتباعك صادقين
﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إلاَّ ما شاء الله﴾ الآية مفسَّرةٌ في آيتين من سورة الأعراف فلمَّا استعجلوا العذاب قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:
﴿قل أرأيتم﴾ أعلمتم ﴿إن أتاكم عذابُهُ بياتاً﴾ ليلاً ﴿أو نهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أَيٌّ شيءٍ يستعجل المجرمون من العذاب؟ وهذا استفهام معناه التَّهويل والتًّفظيع أَيْ: ما أعظم ما يلتمسون ويستعجلون! كما تقول: أعلمت ماذا تجني على نفسك؟ ! فلمَّا قال لهم النبيُّ عليه السَّلام هذا قالوا: نكذِّب بالعذاب ونستعجله فإذا وقع آمنَّا به فقال الله تعالى:
﴿أثمَّ إذا ما وقع﴾ وحلَّ بكم ﴿آمنتم به﴾ بعد نزوله فلا يقبل منكم الإِيمان ويقال لكم: ﴿الآنَ﴾ تؤمنون به ﴿وقد كنتم به تستعجلون﴾ في الدنيا مستهزئين
﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون﴾
﴿ويستنبئونك﴾ يستخبرونك ﴿أحقٌّ﴾ ما أخبرتنا به من العذاب والبعث؟ ﴿قل إي﴾ نعم ﴿وربي إنه لحق﴾ يعني: العذاب نازلٌ بكم ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بعد الموت أَيْ: فتجازون بكفركم
﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ﴾ أشركت ﴿مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ﴾ لبذلته لدفعِ العذاب عنها ﴿وأسروا﴾ أخفوا وكتموا ﴿الندامة﴾ يعني: الرُّؤساء من السَّفلة الذين أضلُّوهم ﴿وقضي بينهم﴾ بين السَّفلة والرُّؤساء ﴿بالقسط﴾ بالعدل فيجازي كلٌّ على صنيعه
﴿ألاَ إنَّ وعد الله حقٌّ﴾ ما وعد لأوليائه وأعدائه ﴿ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون﴾ يعني: المشركين
﴿هو يحيي ويميت وإليه ترجعون﴾
﴿يا أيها الناس﴾ يعني: قريشاً ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ القرآن ﴿وشفاءٌ لما في الصدور﴾ ودواءٌ لداء الجهل ﴿وهدىً﴾ وبيانٌ من الضَّلالة ﴿ورحمةٌ للمؤمنين﴾ ونعمةٌ من الله سبحانه لأصحاب محمَّدٍ
﴿قل بفضل الله﴾ الإِسلام ﴿وبرحمته﴾ القرآن ﴿فبذلك﴾ الفضل والرَّحمة ﴿فليفرحوا هو خيرٌ﴾ أَيْ: ما آتاهم الله من الإِسلام والقرآن خيرٌ ممَّا يجمع غيرهم من الدُّنيا
﴿قل﴾ لكفَّار مكَّة: ﴿أرأيتم ما أنزل الله﴾ خلقه وأنشأه لَكُمْ ﴿مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا﴾ يعني: ما حرَّموه ممَّا هو حلالٌ لهم من البحيرة وأمثالها وأحلُّوه ممَّا هو حرامٌ من الميتة وأمثالها ﴿قل الله أذن لكم﴾ في ذلك التَّحريم والتَّحليل ﴿أم﴾ بل ﴿عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾
﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يوم القيامة﴾ أَيْ: ما ظنُّهم ذلك اليوم بالله وقد افتروا عليه؟ ﴿إنَّ الله لذو فضل على الناس﴾ أهل مكَّة حين جعلهم في أمنٍ وحرمٍ إلى سائر ما أنعم به عليهم ﴿ولكنَّ أكثرهم لا يشكرون﴾ لا يُوحدِّون ولا يُطيعون
﴿وما تكون﴾ يا محمَّد ﴿في شأن﴾ أمرٍ من أمورك ﴿وما تتلوا منه﴾ من الله ﴿من قرآنٍ﴾ أنزله عليك ﴿ولا تعملون من عمل﴾ خاطبه وأمَّته ﴿إلاَّ كُنَّا عليكم شهوداً﴾ نشاهد ما تعلمون ﴿إذ تفيضون﴾ تأخذون ﴿فيه وما يعزب﴾ يغيب ويبعد ﴿عن ربك من مثقال ذرة﴾ وزن ذرَّة ﴿إلاَّ في كتاب مبين﴾ يريد: اللَّوح المحفوظ الذي أثبت الله سبحانه فيه الكائنات
﴿ألا إنَّ أولياء الله﴾ هم الذين تولَّى الله سبحانه هداهم
﴿الذين آمنوا﴾ صدَّقوا النبيَّ ﴿وكانوا يتقون﴾ خافوا مقامهم بين يدي الله سبحانه
﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا﴾ عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشرى من الله ﴿وفي الآخرة﴾ يُبشَّرون بثواب الله وجنَّته ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ لا خلف لمواعيده
﴿ولا يحزنك قولهم﴾ تكذيبهم إيَّاك ﴿إنَّ العزة لله﴾ القوَّة لله والقدرة لله ﴿جميعاً﴾ وهو ناصرك ﴿وهو السميع﴾ يسمع قولهم ﴿العليم﴾ بما في ضميركم فيجازيهم بما يقتضيه حالهم
﴿ألاَّ إن لله مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض﴾ يعني: يفعل بهم وفيهم ما يشاء ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ﴾ أيْ: ليسوا يتَّبعون شركاء على الحقيقة لأنَّهم يعدُّونها شركاء شفعاء لهم وليست على ما يظنُّون ﴿إِنْ يتبعون إلا الظن﴾ ما يتَّبعون إلاَّ ظنَّهم أنَّها تشفع لهم ﴿وإن هم إلا يخرصون﴾ يقولون ما لا يكون
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ والنهار مُبْصِرًا﴾ مُضيئاً لتهتدوا به في حوائجكم ﴿إِنَّ في ذلك لآيات لقومٍ يسمعون﴾ سَمعَ اعتبار
﴿قالوا اتخذ الله ولدا﴾ يعني: قولهم: الملائكة بنات الله ﴿سبحانه﴾ تنزيهاً له عمل قالوه ﴿هو الغنيُّ﴾ أن يكون له زوجةٌ أو ولدٌ ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ ما عندكم من حجة بهذا وقوله:
﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يفلحون﴾
﴿متاع في الدنيا﴾ أيْ: لهم متاعٌ في الدُّنيا يتمتَّعون به أيَّاماً يسيراً وقوله:
﴿إن كان كَبُرَ عليكم مقامي﴾ أَيْ: عَظُم وشقَّ عليكم مكثي ولبثي فيكم ﴿وتذكيري بآيات الله﴾ وعظي وتخويفي إيَّاكم عقوبة الله ﴿فَعَلَى اللَّهِ توكلت﴾ فافعلوا ما شئتم وهو قوله: ﴿فأجمعوا أمركم وشركاءَكم﴾ أَيْ: اعزموا على أمرٍ مُحكمٍ تجتمعون عليه ﴿وشركاءكم﴾ مع شركاءكم وقيل: معناه: وادعوا شركاءكم يعني: آلهتكم ﴿ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ أَيْ: ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً تتمكنون فيه ممَّا شئتم لا كمَنْ يكتم أمراً ويخفيه فلا يقدر أن يفعل ما يريد ﴿ثمَّ اقضوا إليَّ﴾ افعلوا ما تريدون وامضوا إليَّ بمكروهكم ﴿ولا تنظرون﴾ ولا تُؤخِّروا أمري والمعنى: ولا تألوا في الجمع والقوَّة فإنَّكم لا تقدرون على مساءتي لأنَّ لي إلهاً يمنعني وفي هذا تقويةٌ لقلب محمد ﷺ لأنَّ سبيله مع قومه كسبيل الأنبياء من قبله
﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عن الإِيمان ﴿فَمَا سَأَلْتُكُمْ من أجر﴾ مالٍ تعطونيه وهذا من قول نوح عليه السلام لقومه وقوله:
﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كان عاقبة المنذرين﴾
﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ يعني: أمم الأنبياء والرُّسل ﴿بما﴾ كذَّب به قوم نوح أَيْ: هؤلاء الآخرون لم يؤمنوا بما كذَّب به أوَّلُوهم وقد علموا أنَّ الله سبحانه أغرقهم بتكذيبهم ثم قال: ﴿كذلك﴾ كما طبعنا على قلوبهم ﴿نطبع على قلوب المعتدين﴾ المُجاوزين الحق إلى الباطل وقوله:
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾
﴿قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا ولا يفلح الساحرون﴾
﴿قالوا أجئتنا لتلفتنا﴾ لتردَّنا ﴿عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ﴾ الملك والعزُّ ﴿في الأرض﴾ في أرض مصر وقوله:
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾
﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أنتم ملقون﴾
﴿إنَّ الله سيبطله﴾ سيهلكه ﴿إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين﴾ لا يجعله ينفعهم
﴿ويحق الله الحق﴾ ويظهره بالدَّلائل الواضحة ﴿بكلماته﴾ بوعده
﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ يعني: من آمن به من بني إسرائيل وكانوا ذرية أولاد يعقوب ﴿على خوفٍ من فرعون ومَلَئِهِمْ﴾ ورؤسائهم ﴿أن يفتنهم﴾ يصرفهم عن دينهم بمحنةٍ وبليَّةٍ يوقعهم فيها ﴿وإنَّ فرعون لعالٍ﴾ متطاولٌ ﴿في الأرض﴾ في أرض مصر ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ حيث كان عبداً فادَّعى الربوبية وقوله:
﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾
﴿لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين﴾ أَيْ: لا تُظهرهم علينا فيروا أنَّهم خيرٌ منا فيزدادوا طغياناً ويقولوا: لو كانوا على حقٍّ ما سُلِّطنا عليهم فَيُفتنوا
﴿وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه﴾ الآية لمَّا أُرسل موسى صلوات الله عليه إلى فرعون أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فَخُرِّبت كلُّها ومُنعوا من الصَّلاة فأُمروا أن يتَّخذوا مساجد في بيوتهم ويصلُّوا فيها خوفاً من فرعون فذلك قوله: ﴿تبوءا لقومكما﴾ أي: اتخذ لهم ﴿بمصر بيوتاً﴾ في دورهم ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ أَيْ: صلُّوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف وقوله:
﴿ربنا ليضلوا عن سبيلك﴾ أَيْ: جعلت هذه الأموال سبباً لضلالهم لأنَّهم بطروا فاستكبروا عن الإِيمان ﴿ربنا اطمس على أموالهم﴾ امسخها وأذهبها عن صورتها فصارت دراهمهم ودنانيرهم حجارةً منقوشةً صحاحاً وأنصافاً وكذلك سائر أموالهم ﴿واشدُدْ على قلوبهم﴾ اطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإِيمان ﴿فلا يؤمنوا﴾ دعاءٌ عليهم ﴿حتى يروا العذاب الأليم﴾ يعني: الغرق فاستجيب في ذلك فلم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق
﴿قال قد أجيبت دعوتكما﴾ وذلك أنَّ موسى دعا وأمَّن هارون ﴿فاستقيما﴾ على الرِّسالة والدًّعوة ﴿وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ لا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي فتستعجلا قضائي وقوله:
﴿فأتبعهم فرعون وجنوده﴾ طلبوا أن يلحقوا بهم ﴿بغياً﴾ طلباً للاستعلاء بغير حقٍّ ﴿وعدواً﴾ ظلماً ﴿حتى إذا أدركه الغرق﴾ تلفظ لما أخبر الله عنه حين لم ينفعه ذلك لأنَّه رأى اليأس وعاينه فقيل له: ﴿آلآن وقد عصيت قبل﴾ أَيْ: آلآن تؤمن أو تتوب؟ فلمَّا أغرقه الله جحد بعض بني إسرائيل غَرَقَةُ وقالوا: هو أعظم شأناً من أن يغرق فأخرجه الله سبحانه من الماء حتى رأوه فذلك قوله:
﴿آلآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
﴿فاليوم ننجيك﴾ نخرجك من البحر بعد الغرق ﴿ببدنك﴾ بجسدك الذي لا روح فيه ﴿لتكون لمَنْ خلفك آية﴾ نكالاً وعبرةً ﴿وإنَّ كثيراً من الناس﴾ يريد: أهل مكَّة ﴿عن آياتنا﴾ عمَّا يراد بهم ﴿لغافلون﴾
﴿ولقد بوَّأنا بني إسرائيل مبوَّأ صدق﴾ أنزلنا قريظة والنضير منزل صدقٍ أَيْ: محموداً مختاراً يريد: من أرض يثرب ما بين المدينة والشّام ﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ من النَّخل والثِّمار ووسَّعنا عليهم الرِّزق ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا﴾ في تصديق النبيِّ ﷺ وأنَّه رسولٌ مبعوثٌ ﴿حتى جاءهم العلم﴾ حقيقةُ ما كانوا يعلمونه وهو محمَّد عليه السَّلام بنعته وصفته والقرآن وذلك أنَّهم كانوا يُخبرون عن زمانه ونبوَّته ويؤمنون به فلمَّّا أتاهم اختلفوا فكفر به أكثرهم
﴿فإن كنت في شك﴾ هذا في الظَّاهر خطابٌ للنبي ﷺ والمراد به غيره من الشَّاكِّين في الدِّين وقوله: ﴿فَاسْأَلِ الذين يقرؤون الكتاب من قبلك﴾ يعني: مَنْ آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه فيشهدون على صدق محمد ويخبرون بنبوَّته وباقي الآية والتي تليها خطاب النبي ﷺ والمراد به غيره
﴿وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فتكون من الخاسرين﴾
﴿إنَّ الذين حقت عليهم كلمة ربك﴾ وجبت عليهم كلمة العذاب
﴿لا يؤمنون * ولو جاءتهم كلُّ آية﴾ وذلك أنَّهم كانوا يسألون رسول الله ﷺ أن يأتيهم بالآيات حتى يؤمنوا فقال الله تعالى: ﴿لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آية حتى يروا العذاب الأليم﴾ فلا ينفعهم حينئذٍ الإِيمان كما لم ينفع فرعون
﴿فلولا كانت قرية﴾ أَيْ: فما كانت قريةٌ ﴿آمنت فنفعها إيمانها﴾ عند نزول العذاب ﴿إلاَّ قوم يونس لما آمنوا﴾ عند نزول العذاب ﴿كشفنا عنهم عذاب الخزي﴾ يعني: سخط الله سبحانه ﴿ومتعناهم إلى حين﴾ يريد: حين آجالهم وذلك أنَّهم لمَّا رأوا الآيات التي تدلُّ على قرب العذاب أخلصوا التَّوبة وترادُّوا المظالم وتضرَّعوا إلى الله تعالى فكشف عنهم العذاب
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كلهم جميعاً﴾ الآية كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حريصاً على أن يؤمن جميع الناي فأخبره الله سبحانه أنَّه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السَّعادة وهو قوله:
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ الله﴾ أَيْ: إلاَّ بما سبق لها في قضاء الله وقدره ﴿ويجعل الرجس﴾ العذاب ﴿على الذين لا يعقلون﴾ عن الله تعالى أمره ونهيه وما يدعوهم إليه
﴿قل﴾ للمشركين الذين يسألونك الآيات: ﴿انظروا ماذا﴾ أي: الذي أعظم منها ﴿في السماوات والأرض﴾ من الآيات والعبر التي تدلُّ على وحدانيَّة الله سبحانه فيعلموا أنَّ ذلك كلَّه يقتضي صانعاً لا يشبه الأشياء ولا تشبهه ثمَّ بيَّن أنَّ الآيات لا تُغني عمَّن سبق في علم الله سبحانه أنَّه لا يؤمن فقال: ﴿وما تغني الآيات والنذر﴾ جمع نذير ﴿عن قومٍ لا يؤمنون﴾ يقول: الإنذار غير نافعٍ لهؤلاء
﴿فهل ينتظرون﴾ أَيْ: يجب ألا ينتظروا بعد تكذيبك ﴿إلاَّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ إلاَّ مثل وقائع الله سبحانه فيمَنْ سلف قبلهم من الكفَّار
﴿ثمَّ ننجي رسلنا والذين آمنوا﴾ هذا إخبارٌ عن ما كان الله سبحانه يفعل في الأمم الماضية من إنجاء الرُّسل والمُصدِّقين لهم عما يعذِّب به مَنْ كفر ﴿كذلك﴾ أَيْ: مثل هذا الإِنجاء ﴿ننج المؤمنين﴾ بمحمد ﷺ من عذابي
﴿قل يا أيها الناس﴾ يريد: أهل مكَّة ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ من ديني﴾ الذي جئت به ﴿فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله﴾ أي: بشكِّكم في ديني لا أعبد غير الله ﴿ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم﴾ يأخذ أرواحكم وفي هذا تهديدٌ لهم لأنَّ وفاة المشركين ميعاد عذابهم وقوله:
﴿وأن أقم وجهك للدين حنيفاً﴾ استقم بإقبالك على ما أُمرت به بوجهك
﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا ينفعك ولا يضرُّك﴾ أَيْ: شيئاً ما لأنَّه لا يتحقق النَّفع والضَّرُّ إلاَّ من الله فكأنَّه قال: ولا تدع من دون الله شيئا
﴿وإن يمسسك الله بضر﴾ بمرضٍ وفقرٍ ﴿فلا كاشف له﴾ لا مزيل له ﴿إلاَّ هو﴾ ﴿وإن يردك بخيرٍ﴾ يرد بك الخير ﴿فلا رادَّ لفضله﴾ لا مانع لما تفضَّل به عليك من رخاءٍ ونعمةٍ ﴿يُصِيبُ بِهِ﴾ بكلَّ واحدٍ ممَّا ذُكر ﴿من يشاء من عباده﴾
﴿قل يا أيها النَّاسُ﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ﴾ القرآن ﴿من ربكم﴾ وفيه البيان والشِّفاء ﴿فمن اهتدى﴾ من الضَّلالة ﴿فإنما يهتدي لنفسه﴾ يريد: مَنْ صدَّق محمَّداً عليه السَّلام فإنَّما يحتاط لنفسه ﴿ومَنْ ضلَّ﴾ بتكذيبه ﴿فإنما يضلُّ عليها﴾ إنَّما يكون وبال ضلاله على نفسه ﴿وَمَا أنا عليكم بوكيلٍ﴾ بحفيظٍ من الهلاك حتى لا تهلكوا
﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ الله﴾ نسخته آية السَّيف لأنَّ الله سبحانه حكم بقتل المشركين والجزية على أهل الكتاب
Icon