تفسير سورة الصافات

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة الصافات : بسم الله الرحمن الرحيم
وقوله :﴿ وَالصَّافَّاتِ١ ﴾
تخفض التاء من ﴿ الصافات ﴾ ومن ﴿ التالياتِ ﴾ لأنه قَسَمٌ. وَكَانَ ابن مسعودٍ يُدغم ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفَّا ﴾/١٥٨ ا وكذلك ﴿ والتاليات ﴾ ﴿ والزاجرات ﴾ يدغم التاء منهن والتبيان أجود ؛ لأن القراءة بنيت على التفصيل والبيان.
وهذه الأحرف - فيما ذكروا - الملائكة.
قوله :﴿ إنا زَيَّنا السَّماء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ٦ ﴾
تضاف الزينة إلى الكواكب. وهي قراءة العَامّة. حدّثنا أبو العباس، قال حدثنا محمد قال حدّثنا الفراء. قال : وحدّثني قيس وأبو معاوية عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق أنه قرأ ( بِزِيَنَةٍ الكَوَاكبِ ) يخفض الكواكب بالتكرير فيَرُدّ معرفة على نكرة، كما قال ﴿ لَنَسْفَعاً بِالناصِيةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خَاطِئةٍ ﴾ فردّ نكِرة على معرفةٍ. ولو نَصبت ﴿ الكواكب ﴾ إذا نَوَّنت في الزينة كان وجها صَواباً. تريد : بِتَزْييننا الكواكبَ. ولو رفعت ﴿ الكواكب ﴾ تريد : زيَّناها بتزيينها الكواكبُ تجعل الكواكب هي التي زيَّنت السّماء.
وقوله :﴿ لاَّ يَسَّمَّعُونَ٨ ﴾
قرأها أصْحاب عبد الله بالتَّشديد على مَعنى يتَسمعّونَ. وقرأها الناسُ ﴿ يَسْمَعُونَ ﴾ وكذلك قرأها ابن عباس ؛ وقال : هم ﴿ يَتسَمَّعُون ولا يَسْمَعُون ﴾.
وَمَعْنى ( لا ) كقوله ﴿ كَذَلكَ سَلَكْناهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لاَ يُؤمِنُون بِهِ ﴾ لو كان في موضع ( لا ) ( أَنْ ) صلح ذلكَ، كما قال ﴿ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ وكَما قَالَ﴿ وَأَلْقىَ في الأَرْضِ رَوَاسِيَ أن تمِيدَ بكم ﴾ ويصلح في ( لا ) على هذا المعْنَى الجزم. العرب تقول : ربطت الفرسَ لا ينفلتْ، وأوثقتُ عبدي لا يفرِرْ. وأنشدني بعض بني عُقَيلٍ :
وَحتّى رَأينا أحسَنَ الوُدِّ بينَنا مساكتةً لا يَقْرِفِ الشرَّ قَارفُ
وبعضهم يقول : لا يَقرْفُ الشّر والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلكَ جَاء القرآن.
وقوله :﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً ﴾ بضمّ الدال. ونَصَبها أبو عبد الرحمن السُلَمِىّ. فمنَ ضمَّها جَعَلها مصدراً ؛ كقولك : دَحرته دُحُوراً. ومن فتحها جَعَلها اسما ؛ كأنه قالَ : يقذفون بداحرٍ وبما يَدْحرُ. وَلستُ أشتهيها ؛ لأنها لو وُجِّهت على ذلكَ على صحَّةٍ لكانت فيها البَاء : كما تقول : يُقذفون بالحجارة، ولا تقول يُقذفونَ الحجارةَ. وهوَ جائزِ ؛ قال الشاعر :
نُغَالي اللحم للأضيافِ نِيئاً وتُرخصه إذا نضِجَ القدورُ
والكلام : نغالي باللحم.
وقوله :﴿ عَذابٌ وَاصِبٌ ﴾ ﴿ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً ﴾ دائم خالصٌ.
قوله :﴿ مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ١١ ﴾
اللازب : اللاصق. وقيس تقول : طين لاتب. أنشدني بعضهم :
صُدَاعٌ وتَوْصيم العظام وفَتْرة وغَثْيٌ مع الإشراق في الجَوْف لاتب
والعرب تقول : ليس هذا بضربةِ لازب ولازم، يبدلون الباء ميما ؛ لتقارب المخرج.
وقوله :﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ١٢ ﴾
قرأها الناس بنصب التاء ورَفْعها والرفع أحبّ إلىَّ لأنها قراءة علي وابن مسعودٍ وعبد الله بن عبّاسٍ. حدّثنا أبو العباس قال حَدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدَّثني مِنْدَل بن علي العَنَزيّ عن الأعمش قال : قال شقيق : قرأت عند شُرَيْحٍ ( بَلْ عجبتُ ويَسْخَرُوَن ) فقال : إن الله لا يَعْجب منْ شيء، إنها يَعجب مَن لا يعلم. قال : فذكرت ذلكَ لإبراهيم النَخَعيّ فقال : إن شُريحا شاعر يعجُبهُ عِلمه، وعبد الله أعلم بذلكَ منه. قرأَها ( بل عجبتُ ويَسْخَرُونَ ).
قال أبو زكريّا : والعجب ١٥٨ ب وإن أُسند إلى الله فليسَ مَعْناه من الله كمعناه مِنَ العباد، ألا ترى أَنه قال ﴿ فيَسْخَرُونَ منهمْ سَخِر اللهُ مِنْهُمْ ﴾ وليسَ السُخْرِيّ من الله كمعناه ﴿ منَ العبَاد ﴾ وكذلك قوله ﴿ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ ﴿ ليسَ ذلك مِنَ الله كمعناه من العباد ﴾ ففي ذَابيان ( لكسر قول ) شُرَيح، وإن كان جَائزاً لأنّ المفسرينَ قالوا : بل عجبتَ يا محمد ويَسخرونَ هم. فهذا وجهُ النصب.
وقوله :﴿ كُنتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ٢٨ ﴾
يَقُول : كنتم تأتوننا من قِبَل الدِّين، أي تأْتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين : القدرة والقوّة. وكذلك قوله ﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِاليَميِن ﴾ أي بالقوّة والقدرة.
وقال الشاعر :
إذا ما غاية رُفِعت لمجدٍ تلقَّاها عَرَابةُ باليمينِ
بالقُدرة والقوَّة. وقد جَاء في قوله ﴿ فَرَاغَ عَليهِمْ ضَرْباً بِاليمينِ ﴾ يقول : ضربهم بيمينه التي قالها ﴿ وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ ﴾.
وقوله :﴿ لاَ فِيها غَوْلٌ٤٧ ﴾
لو قلت : لا غَوْلَ فيها كان رفعاً ونصباً. فإذا حُلْت بينَ لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرها من الصفات لم يكن إلا الرفع. والغَوْل يقول : ليسَ فيها غِيلة وَغَائلة وغُول وغَوْل.
وقوله :﴿ وَلاَ هُمْ عَنْها يُنزَفُونَ ﴾ و ﴿ يُنْزَفُون ﴾ وأصْحاب عَبْد ِالله يقرءونَ ( يُنْزِفُون ) وله معنيان. يقال : قد أنْزف الرجلُ إذا فنِيت خَمرُهُ. وأَنْزَف إذا ذهبَ عقله. فهذان وجهان. ومن قال ﴿ يُنْزَفونَ ﴾ يقال : لا تذهب تقولهم وهو من نُزِف الرجلُ فهو مَنْزوف.
وقوله :﴿ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ٥٤ ﴾
هذا رجل مِنْ أهِل الجنّة، قد كان له أخ من أهْل الكفرِ، فأحبَّ أن يَرى مَكانة فَيأذَنَ الله له، فيطّلع في النار ويخاطبه. فإذا رآه قال ﴿ تَاللّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِين ﴾ وفي قراءة عَبد الله ( إنْ كِدْت لَتُغْوِين )، ولولا رحمة ربى ﴿ لَكُنتُ مِنَ المُحْضَرِينَ ﴾ أي معك في النار مُحْضَرا. يقول الله ﴿ لِمثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ ﴾ وهذا منْ قول الله.
وقد قرأ بعض القُرّاء ﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ ﴾ فكسر النون. وهو شاذّ ؛ لأنَّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلاً مجموعاً أو موحّداً إلى اسم مكنّى عنه. فمن ذلكَ أن يقولوا : أنت ضاربي. ويقولون للاثنين : أنتما ضاربي، وللجميع : أنتم ضارِبِيَّ، ولا يقولوا للاثنين : أنتما ضاربانني ولا للجميع : ضَاربونَني. وإنّما تكون هَذه النون في فعل ويفعل، مثل ( ضربوني ويضربني وضربني ). وربما غلِط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول : أنتَ ضاربُني، يتوهّم أنه أراد : هَل تضربني، فيكون ذلك على غير صحَّة.
قال الشاعر :
هل الله من سَرْو العَلاَة مُرِيحُنِي وَلَما تَقَسَّمْنى النِّبَارُ الكوانِسُ
النِّبْر : دابَّة تشبه القُرَاد. وَقَالَ آخر :
وما أدرى وظنَّي كلُّ ظنٍّ أمسلُمِني إلى قَومٍ شَرَاحِ
١٥٩ ا يريد : شراحيل ولم يقل : أمسلمِيّ. وهو وَجه الكلام. وقال آخر :
هم القائلُون الخيرَ والفاعلونَه إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعْظَما
ولم يقل : الفاعلوه. وهو وجه الكلام.
وإنما اختاروا الإضَافة في الاسم المكنّى لأنَهُ يخلتط بما قبله. فيصِير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلكَ اسْتحبُّوا الإضَافة في المكنّى، وقالوا : هما ضاربانِ زيداً، وضاربَا زيدٍ ؛ لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله ؛ لأنه ليسَ بحرفٍ وَاحِدٍ والمكنّى حرف.
فأما قوله ﴿ فأُطْلِعَ ﴾ فإنه يكون على جهة فُعِل ذلكَ به، كَما تقول : دعَا فأجيب يَا هذا. ويكون : هَل أنتم مُطْلِعونِ فأَطَّلِعَ أنا فيَكون منصوباً بجوابِ الفاء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٤:وقوله :﴿ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ٥٤ ﴾
هذا رجل مِنْ أهِل الجنّة، قد كان له أخ من أهْل الكفرِ، فأحبَّ أن يَرى مَكانة فَيأذَنَ الله له، فيطّلع في النار ويخاطبه. فإذا رآه قال ﴿ تَاللّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِين ﴾ وفي قراءة عَبد الله ( إنْ كِدْت لَتُغْوِين )، ولولا رحمة ربى ﴿ لَكُنتُ مِنَ المُحْضَرِينَ ﴾ أي معك في النار مُحْضَرا. يقول الله ﴿ لِمثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ ﴾ وهذا منْ قول الله.
وقد قرأ بعض القُرّاء ﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ ﴾ فكسر النون. وهو شاذّ ؛ لأنَّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلاً مجموعاً أو موحّداً إلى اسم مكنّى عنه. فمن ذلكَ أن يقولوا : أنت ضاربي. ويقولون للاثنين : أنتما ضاربي، وللجميع : أنتم ضارِبِيَّ، ولا يقولوا للاثنين : أنتما ضاربانني ولا للجميع : ضَاربونَني. وإنّما تكون هَذه النون في فعل ويفعل، مثل ( ضربوني ويضربني وضربني ). وربما غلِط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول : أنتَ ضاربُني، يتوهّم أنه أراد : هَل تضربني، فيكون ذلك على غير صحَّة.

قال الشاعر :
هل الله من سَرْو العَلاَة مُرِيحُنِي وَلَما تَقَسَّمْنى النِّبَارُ الكوانِسُ
النِّبْر : دابَّة تشبه القُرَاد. وَقَالَ آخر :
وما أدرى وظنَّي كلُّ ظنٍّ أمسلُمِني إلى قَومٍ شَرَاحِ
١٥٩ ا يريد : شراحيل ولم يقل : أمسلمِيّ. وهو وَجه الكلام. وقال آخر :
هم القائلُون الخيرَ والفاعلونَه إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعْظَما
ولم يقل : الفاعلوه. وهو وجه الكلام.
وإنما اختاروا الإضَافة في الاسم المكنّى لأنَهُ يخلتط بما قبله. فيصِير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلكَ اسْتحبُّوا الإضَافة في المكنّى، وقالوا : هما ضاربانِ زيداً، وضاربَا زيدٍ ؛ لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله ؛ لأنه ليسَ بحرفٍ وَاحِدٍ والمكنّى حرف.
فأما قوله ﴿ فأُطْلِعَ ﴾ فإنه يكون على جهة فُعِل ذلكَ به، كَما تقول : دعَا فأجيب يَا هذا. ويكون : هَل أنتم مُطْلِعونِ فأَطَّلِعَ أنا فيَكون منصوباً بجوابِ الفاء.

وقوله :﴿ شَجَرَةٌ تَخْرُجُ٦٤ ﴾
وهي في قراءة عبد الله ( شجرة نابتة في أصْل الجحيم ).
وقوله :﴿ كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ٦٥ ﴾
فإن فيه في العربيَّة ثلاثة أوجه. أحدها أن تشبِّه طَلْعها في قبحه برءوس الشيَاطين ؛ لأنها موصوفة بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائل للرجل : كأنّه شيطان إذا استقبحته. والآخر أن العرب تسمّى بعض الحيّات شيطانا. وهو حَيّة ذو عُرْف.
قال الشاعر، وهو يذمّ امرأة له :
عنجرد تحلف حين أحلف كمِثْل شيطانِ الحَماط أعرف
ويقال : إنه نبت قبيح يسمّى برءوس الشياطين. والأوجه الثلاثة يذهب إلى معنىً وَاحِدٍ في القبحِ.
وقوله :﴿ لَشَوْباً٦٧ ﴾ الخَلْط يقال : شاب الرجل طعَامه يشوبُه شَوْباً.
وقوله :﴿ فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ٧٠ ﴾ أي يسرعونَ بسيرهم. والإهراع : الإسْرَاع فيه، شبيه بالرِّعدة ( ويقال قد أُهْرِع إهراعاً ).
وقوله :﴿ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ٧٨ ﴾
( يقول : أبقينا له ثناء حَسَنا في الآخرينَ ) ويقال :﴿ تَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ سَلاَمٌ على نُوحٍ ﴾ أي تركنا عليه هذه الكلمة ؛ كما تقول : قرأت من القرآن ﴿ الحمدُ لله ربّ العالمين ﴾ فيكون في الجملة في معنى نصبٍ ترفعها بالكلام. كذلك ( سَلام على نوحٍ ) ترفعه بِعلى، وهو في تأويل نَصْبٍ. ولو كان : تركنا عليه سَلاما كان صَوَاباً.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٨:وقوله :﴿ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ٧٨ ﴾
( يقول : أبقينا له ثناء حَسَنا في الآخرينَ ) ويقال :﴿ تَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ سَلاَمٌ على نُوحٍ ﴾ أي تركنا عليه هذه الكلمة ؛ كما تقول : قرأت من القرآن ﴿ الحمدُ لله ربّ العالمين ﴾ فيكون في الجملة في معنى نصبٍ ترفعها بالكلام. كذلك ( سَلام على نوحٍ ) ترفعه بِعلى، وهو في تأويل نَصْبٍ. ولو كان : تركنا عليه سَلاما كان صَوَاباً.

وقوله :﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ٨٣ ﴾
يقول : إن مِن شيعة مُحَمَّدٍ لإبراهيمَ صَلى الله عليه وسلم. يقول : على دِينه ومنهاجه، فهو من شيعتِهِ، وإن كان إبراهيم سَابقاً له. وهذا مِثْل قوله ﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ أي ذُرِّيَّة من ﴿ هو منهم ﴾ فجعلها ذرّيَّتهم وقد سبقتهم.
وقوله :﴿ إِنِّي سَقِيمٌ٨٩ ﴾
أي مطعون من الطاعون. وَيقال : إنها كلمة فيها مِعراض، أي إنه كلّ من كان في عنقه الموت فهو سَقيم، وإن لم يكن به حين قالها سُقْم ظاهر. وهو وجه حسن. حدَّثنا أبو العَبَّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثني يحيى بن المهلّب أبو كُدَينة عن الحَسَن ابن عُمارة ١٥٩ ب عن المِنهال بن عمرو عن سَعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عبّاس عن أُبَىّ بن كعب الأنصاريّ في قوله ﴿ لا تُؤَاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ﴾ قال : لم ينس ولكنها من معاريض الكلام وقد قال عُمَر في قوله : إنّ في مَعَاريض الكلام لَما يُغنينا عن الكذب.
وقوله :﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ٩٣ ﴾
أي مال عليهم ضرباً، واغتنم خَلوتهم من أهل دينهم. وفي قراءة عبد الله ( فَراغَ عَليهم صَفْقا باليمين ) وكأنّ الروغ ها هنا أنّه اعتلّ رَوْغاً ليفعل بآلهتهم ما فعل.
وقوله :﴿ فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ٩٤ ﴾
قرأها الأعمش ﴿ يُزِفُّونَ ﴾ كأنها من أَزففت. ولم نسمعها إلاّ زَفَفْت : تقول للرجل : جاءنا يَزِفّ. ولعلّ قراءة الأعمش من قول العرب : قد أطردْت الرجل أي، صيّرته طريداً، وطََردته إذا أنت قلت له : اذهب عنا فيكون ﴿ يُزِفّون ﴾ أي جَاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحال فتدخل الألف ؛ كما تقول للرجل : هو محمودٌ إذا أظهرتَ حمده، وهو مُحْمَد إذا رأيتَ أَمره إلى الحمد ولم تنشُر حمده. قال وأنشدني المفضّل :
تمنَّى حُصَين أن يسود جِذَاعَه فأَمْسَى حُصَين قد أَذَلّ وأَقْهَرَا
فقال : أَقْهَرَ أي صَار إلى حالِ القهر وإنما هو قُهِرَ. وقرأ الناس بعدُ ﴿ يَزِفُّونَ ﴾ بفتح اليَاء وكسر الزاي وقد قرأ بعض القراء ﴿ يَزِفونَ ﴾ بالتخفيف كأنها من وَزَف يَزف وزعم الكسائي أَنه لا يعرفها. وقال الفراء : لا أعرفها أيضاً إلاّ أَن تكون لم تقع إلينا.
وقوله :﴿ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ١٠٠ ﴾
ولم يقل : صَالحا، فهذا بمنزلة قوله : ادْنُ فأصِبْ من الطعام، وهو كثير : يجْتزأ بِمن عن المضمر ؛ كما قال الله ﴿ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ ولم يقل : زاهدينَ من الزاهدين.
وقوله :﴿ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ١٠١ ﴾ يريد : في كِبَره.
وقوله :﴿ فَلَما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ١٠٢ ﴾ يقول : أطاق أن يعينه على عمله وَسَعْيه. وكان إسْماعيل يومئذٍ ابن ثلاث عشرة ﴿ فَانظُرْ ماذَا تَرَى ﴾ وتُقرأ ﴿ تُرِي ﴾ حَدّثنا أبو العبّاس قال حدَّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حَدَّثني هْشَيم عن مُغيرة عن إبراهيم أنه قرأ ( فَانْظُرْ ماذَا تُرِى ) قال الفراء : وحدَّثني حفص بن غِيَاث عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود أنه قرَأها ( تَرَى ) وأنّ يحيى بن وثّابٍ قرأها ( تُرِى ) وقد رُفع ( تُرِى ) إلى عبد الله بنْ مَسعود قال الفراء، وحدثني قيس عن مغيرة عن إبراهيم قال ( فانْظُرْ ماذا تُرِى ) : تشير، وَ ﴿ ماذَا تَرَى ﴾ : تَأمر قال أبو زكريا : وأرى - والله أعْلم - أنه لم يستَشرهُ في أمر الله، وَلكنه قَالَ : فانظر ما ترِيني من صبرك أو جَزعك، فقال﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ وقد يكون أنْ يطلع ابنَه على ما أمر به لينظر ما رأيه وهو ماضٍ على ما أُمر به.
وقوله :﴿ فَلَما أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ١٠٣ ﴾ يقول : أسْلما أي فَوَّضَا وأطاعَا وفي قراءة عبد الله ( سلَّما ) يقول سَلّما من التسليم، كما تقول : إذا أصابتك مُصيبةٌ فسَلِّم لأمر الله أي فارْضَ به.
وقد قال ﴿ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ﴾ ولم يقل ( به ) كأنه أراد : افعلِ الأمرَ الذي تؤمره. ولو كانت ( به ) كان وجها جيّدا وفي قراءة عبد الله ( إني أَرى في المَنامِ افعلْ ما أُمِرْت به ). ويقال أين جواب قوله ﴿ فَلَما أسْلَما ؟ ﴾.
وَجَوابها في قوله ﴿ وَنادَيْناهُ ﴾ والعرب ١٦٠ ا تدخل الواو في جواب فَلَما ﴿ وحَتّى إذا ﴾ وتُلْقيَها. فمن ذلكَ قوله الله ﴿ حَتَّى إذَا جاءوها فُتِحَتْ ﴾ وفي موضع آخر ﴿ وَفُتِحَتْ ﴾ وكلّ صَوَابٌ. وفي قراءة عبد الله ( فَلَما جَهَّزَهُمْ بجَهازِهِمْ وجَعَل السِّقَايَةَ } وفي قراءتِنا بغير واو وقد فسرناه في الأنبيَاء.
وقوله :﴿ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ١٠٧ ﴾ والذِّبْح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبْح. ويقال : إنه رَعَى في الجنة أربعين خريفاً فأَعظِمْ به. وقال مجاهد ﴿ عظيمٍ ﴾ متقبَّل.
وقوله :﴿ وَنَصَرْناهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبينَ١١٦ ﴾ فجعلها كالجمع، ثم ذكرهما بعد ذلكَ اثنين وهذا من سعة العربيَّة : أن يُذهَب بالرئيس : النبيِّ والأمير وشبهه إلى الجمع ؛ لجنوده وأتبَاعه، وإلى التوحيد ؛ لأنه واحد في الأصل. ومثله ﴿ على خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ ﴾ وفي موضع آخر ﴿ وَمَلَئِهِ ﴾ وربّما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع ؛ كما يُذهب بالواحِدِ إلى الجمع ؛ ألا ترى أنَك تخاطب الرجل فتقول : ما أحسنتم ولا أجملتم، وأنت تريده بعينه، ويقول الرجل للفُتْيا يُفتى بها : نحن نقول : كذا وكذا وهو يريد نفسه. ومثل ذلكَ قوله في سورة ص ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذ تَسوَّرُوا المِحْرَابَ ﴾ ثم أعاد ذكرهَما بالتثنية إذْ قال :﴿ خَصْمانِ بَغَى بَعْضُنا على بَعْضٍ ﴾.
وقوله :﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ١٢٣ ﴾
ذُكر أنه نبيّ، وأنّ هَذَا الاسمَ اسم من أسماء العبرانيّة ؛ كقولهم : إسماعيل وإسحاق والألف واللام منه، ولو جعلته عربيّاً من الألْيسَ فتجعله إفعالاً مثل الإخراج والإدخالِ لَجرَى.
وقوله :﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً١٢٥ ﴾
ذكروا أَنه كان صنما من ذهب يُسمَّى بعلاً، فَقَال ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً ﴾ أي هذا الصَّنم ربّاً. ويقال : أتدعونَ بَعلاً ربّاً سوَى الله. وذُكر عن ابن عبّاسٍ أن ضالّةٍ أُنْشِدت، فجاء صَاحبها فقال : أنا بعلها. فقال ابن عباسٍ : هذا قول الله ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً ﴾ أي ربّاً.
وقوله :﴿ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائكُمُ الأَوَّلِينَ١٢٦ ﴾
تقرأ نصباً ورفعاً. قرأها بالنَّصب الربيع بن خَيْثم.
وقوله :﴿ سَلاَمٌ على إِلْ يَاسِينَ١٣٠ ﴾ فجعله بالنون. والعجميُّ من الأسْماء قد يفعل به هذا العربُ. تقول : ميكالُ وميكائيل وميكائل وميكائينُ بالنون. وهي في بنى أسَدٍ يقولونَ : هذا إسْماعِين قد جَاء، بالنون، وسَائر العرب باللام. قال : وأنشدني بعض بني نُمَير لضب صَاده بعضهم :
يقول أهلُ السوق لما جينا *** هذا وَربِّ البيت إسرائينا
فهذا وجه لقوله : إلياسينَ. وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعاً. فتجعَل أصحابه داخلين في اسمه، كما تقول للقوم رئيسُهم المُهَلّب : قد جاءتكم المهالبة والمهلَّبون، فيكون بمنزلة قوله : الأشعرِين والسَّعْدِين وشبهه. قال الشاعر :
أنا ابن سعدٍ سَيّدِ السَّعْدِينا ***...
وهو في الاثنين أكثر : أن يضمّ أحدهما إلى صَاحبه إذا كان أَشهر منه اسما ؛ كقول الشاعر :
جزاني الزَّهدمان جزاء سَوءٍ *** وكنتُ المرءَ يُجزَى بالكرامَهْ
واسم أحدهما زَهْدَم. وقال الآخر :
جزى الله فيها الأعوَرَين ذَمامَةً *** وفروة ثَغْر الثورَةِ المتضَاجِم
واسم أحدهما أَعور :
وقد قرأ بعضهم ﴿ وَإنّ اليَأْسَ ﴾ يجعَل اسْمَه يَأساً، أدخل عَليه الألف واللام. ثم يقرءون ﴿ سَلاَمٌ على آل يَاسِينَ ﴾ جَاء التفسير في تفسير الكلبيّ على آل ياسينَ : على آلِ محمد صلى الله عليه وسلم. والأوّل أشبه بالصَّواب - والله أعلم - لأنها في قراءة / ١٦٠ ب عبد الله ﴿ وَإِنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المرسَلينَ ﴾ ﴿ سَلاَمٌ على إِدْراسِين ﴾ وقد يَشهد على صَوَاب هَذَا قوله :﴿ وَشَجَرَةً تُخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناء ﴾ ثم قَالَ في موضع آخر ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ وهو معنىً واحدٌ وموضع واحدٌ والله أعلم.
وقوله :﴿ الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ١٤٠ ﴾
السَّفينة إذا جُهزّت وملئت وَقعَ عَليها هَذا الاسم. والفُلْك يذكَّر ويؤنّث ويُذهب بها إلى الجمع ؛ قال الله ﴿ حَتَّى إذَا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ﴾ فجعلها جمعاً. هو بمنزلة الطفل يكون واحداً وجَمعاً، والضيفُ والبَشَر مثله.
وقوله :﴿ الْمُدْحَضِينَ١٤١ ﴾
المغلوبين. يقال : أدحض الله حُجَّتك فَدحَضتْ. وهوَ في الأصْل أنْ يَزْلَق الرَّجُل.
وقوله :﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ١٤٢ ﴾
وهو الذي قد اكتسَبَ اللَوْم وإن لم يُلَمْ. والملوم الذي قد لِيم باللسَان. وهو مثل قول العرب أصبَحتَ مُحْمِقاً مُعْطِشاً أي عندَكَ الحمق والعَطَش. وهو كثير في الكلام.
وقوله :﴿ مِّن يَقْطِينٍ ﴾ : قيل عند ابن عباسٍ : هو ورق القَرْع، فقال : وَما جَعَل ورق القَرْع من بين الشجر يقطينا ! كل وَرَقةٍ اتسعَتْ وسَترت فهي يَقْطين.
وقوله :﴿ وَأَرْسَلْناهُ إِلَى مائةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ : أو ها هنا في مَعنى بل. كذلك في التفسير مع صحّته في العربيَّة.
قوله :﴿ فَمَتَّعْناهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ : وفي قراءة عَبد الله ( فمتّعناهم حَتَّى حِين )، وحَتى وإلَى في الغاياتِ مع الأسْماء سواء.
وقوله :﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ ﴾ : أي سَلهم سَلْ أهل مَكّة.
وقوله :﴿ أَصْطَفى ﴾ : استفهام وفيه توبيخ لهم، وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ. ومثله قوله ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ يُستفهم بها ولا يستفهم، ومعناهما جميعاً واحِد. وألف ( اصْطفى ) إذا لم يُستفهم بها تذهب في اتّصَال الكلام، وتبتدئها بالكسر.
وقوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ﴾ : يقال : الجِنّة ها هُنا الملائكة. جَعَلوا بينه وبين خَلْقه نَسَباً. ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ ﴾ : أنّ الذين قالوا هَذَا القول ﴿ مُحْضَرُونَ ﴾ في النارِ.
وقوله :﴿ فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ﴾ يريد : وآلهتكم التي تعْبُدون.
﴿ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴾ بمضِلِّينَ. وقوله :﴿ ما أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي على ذلكَ الدِين بمضلّين. وقوله ﴿ عَلَيه ﴾ و ﴿ بِهِ ﴾ و ﴿ لَهُ ﴾ سواء. وأهل نجدٍ يقولون : بمفْتِنِينَ. أهْل الحجاز فتنت الرجل، وأَهل نجدٍ يقولون : أفتنتهُ.
وقوله :﴿ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴾ : إلاّ مَن قُدّر له أن يَصْلَى الجحِيم في السَّابق من علم الله. وقرأ الحَسن ( إلاَّ مَنْ هو صَالُ الجحيم ) رفَعَ اللام فيما ذكروا فإن كان أراد واحداً فليسَ بجَائز لأنك لا تقول : هَذا قاضٌ ولا رامٌ. وإن يكن عَرَف فيها لغة مقلوبةً مثل عاثَ وعثا فهو صَوَاب. قد قالت العرب. جُرُفٌ هارٌ وهارٍ وهو شاكُ السّلاح ا وشاكِى السّلاح وأنشدني بعضهم :
فلو أَنَّى رميتك من بَعيد لعَاقكَ عن دعاء الذئبِ عَاقِي
يريد : عائق. فهذا مما قُلِب. ومنه ﴿ ولاَ تَعْثوا ﴾ ولا تعِيثوا لغتان. وقد يكون أن تجعَل ﴿ صَالو ﴾ جمعاً ؛ كما تقول : من الرجال مَنْ هو إخوتك، تذهب بهو إلى الاسم المجهول، وتُخرج فعله على الجمع ؛ كما قال الشاعر :
إذا ما حاتم وُجد ابن عمّى مَجَدنا مَن تكلّم أجمعينا
ولم يقل تكلّمُوا. وأجود ذلك في العربيَّة إذا أَخْرَجت الكناية أَن تخرجها على المعْنى والعدد ؛ لأنك تنوى تحقيق الاسم.
وقوله :﴿ وَما مِنا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ : هذا من قول الملائكة. إلى قوله ﴿ وَإِنا لَنَحْنُ المسَبِّحُونَ ﴾ يريد :﴿ المصَلُّونَ ﴾ وفي قراءة عَبد الله ( وإن كُلَّنا لما له مقام معلوم ).
وفي مريم ﴿ إنْ كُلُّ مَنْ في السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَما أَتَى الرَّحْمَنَ عَبْداً ﴾ وَمَعنى إن ضربت لَزيداً كمعنى قولكَ : ما ضربت إلا زيداً، لذلكَ ذَكرتُ هَذا.
وقوله :﴿ وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ ﴾ : يعنى أهل مَكَّة.
﴿ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلينَ ﴾ يقول : كتاباً أو نُبُوَّةً ﴿ لَكُنا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ ﴾.
قال الله :﴿ فَكَفَرُواْ بِهِ ﴾ : والمعْنى : وقد أُرسل إليهم محَّمد بالقرآن، فكفَروا به. وهو مضمر لم يُذكر ؛ لأن مَعناهُ معروف ؛ مثل قوله ﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ﴾ ثم قَالَ ﴿ فماذَا تَأْمُرُونَ ﴾ فوصل قول فرعون بقولهم ؛ لأنَّ المعْنَى بيّن.
وقوله :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبَادِنا ﴾ : التي سبَقت لهم السعادة. وهي في قراءة عبد الله ( ولقد سبقت كلمتنا على عبادنا المرسَلين ) وعلى تصلح في موضع اللام ؛ لأنَّ مَعْناهُما يرجع إلى شيء وَاحِدٍ. وكأن المعْنَى : حَقّت عليهم ولهم، كما قَالَ ﴿ على مُلْكِ سُلَيْمان ﴾ ومعناه : في مُلْك سُليمان. فكما أوحِي بَين في وَعلى إذَا اتّفقَ المعنى فكذلك فُعِل هذا.
وقوله :﴿ فإذَا نَزَل بِسَاحَتِهِمْ ﴾ معناهُ : بهم. والعرب تجتزئ بالسَّاحَة والعَقوة مِن القوم. ومعناهما وَاحِدٌ : نزل بك العذاب وبسَاحتك سوَاء.
وقوله :﴿ فسَاء صَبَاحُ المُنْذَرِينَ ﴾ يريد : بئس صَبَاحُ. وهي في قراءة عبد الله ﴿ فبئس صَبَاح المُنْذِرِين ﴾ وفي قراءة عبد الله آذنتكم بإذانة المرسلينَ لتسألنَّ عن هذا النبأ العَظيم، قيل له إنما هي وأذنت لكم فقال هكذا عندي.
Icon