تفسير سورة الشعراء

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور إلا أربع آيات من والشعراء إلى آخر السورة ومناسبة أولها لآخر ما قبلها أنه لما قال تعالى فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ذكر تلهف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كونهم لم يؤمنوا وكونهم كذبوا بالحق لما جاءهم ولما أوعدهم في آخر السورة بقوله فسوف يكون لزاماً أوعدهم في أول هذه فقال إثر إخباره بتكذيبهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون وتلك إشارة إلى آيات السورة وآيات القرآن المبين هو القرآن وتقدم تفسير باخع نفسك في أول الكهف.﴿ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي لئلا يؤمنوا أو خيفة أن لا يؤمنوا.﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ ﴾ دخلت إن على نشأ وان للممكن أو المحقق المنبهم زمانه ومعنى آية أي ملجئة إلى الإِيمان تقهر عليه.﴿ أَعْنَاقُهُمْ ﴾ أعناق الناس رؤسائهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما قيل لهم الرؤوس والصدور.﴿ خَاضِعِينَ ﴾ أي متذللين.﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ ﴾ تقدم تفسيره في الأنبياء.﴿ إِلاَّ كَانُواْ ﴾ جملة حالية أي لا يكونون.﴿ مُعْرِضِينَ ﴾ عنها وكان تدل على أن ديدنهم وعادتهم الإعراض عن ذكر الله تعالى ولما كان إعراضهم عن النظر في صانع الوجود نبه تعالى على قدرته وأنه الخالق المنشىء الذي يستحق العبادة بقوله.﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾ والزوج النوع والكريم الحسن.﴿ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ تسجيل على أكثرهم بالكفر.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب القاهر ولما كان الموضع موضع بيان القدرة قدم صفة العزة على صفة الرحمة فالرحمة إذا كانت عن قدرة كانت أعظم وقعاً والمعنى أنه عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة ولما ذكر تكذيب قريش بما جاءهم من الحق وإعراضهم عنه ذكر قصة موسى عليه السلام وما قاسى مع فرعون وقومه ليكون ذلك مسلاة لما يقاسي عليه السلام من كفار قريش قد اتخذت آلهة من دون الله تعالى وكان قوم فرعون قد اتخذوه إلهاً وكان أتباع ملة موسى عليه السلام المجاورون من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام بدأ بقصة موسى عليه السلام ثم ذكر بعد ذلك ما يأتي ذكره من القصص والعامل في إذ أتل مضمرة أي أتل هذه القصة فيما تتلو ومعنى نادى دعا * وأن يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون تفسيرية وسجل عليهم بالظلم لظلم أنفسهم بالكفر وظلم بني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد وقوم فرعون قيل بدل من القوم الظالمين والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد إذ كل واحد من عطف البيان ومتبوعه مستقل بالإِسناد ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك أتى عطف البيان بإِزالته إذ هو أشهر وقرىء ألا يتقون باليا على الغيبة وبتاء الخطاب على طريق الإِلتفات إليهم إنكاراً وغضباً عليهم وإن لم يكونوا حاضرين لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم والظاهر أن الا للعرض المضمن الحض على التقوى قال الزمخشري: ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالاً من الضمير في الظالمين أن يظلمون غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإِنكار على الحال " انتهى " هذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعل حالاً من الضمير في الظالمين وقد أعرب هو قوم فرعون عطف بيان فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي منهما لأن قوم فرعون معمول لقوله: إئت والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين وذلك لا يجوز وأيضاً لو لم يفصل بينهما بقوله قوم فرعون لم يجز أن تكون الجملة حالاً لأن ما بعده الهمزة يمتنع أن يكون معمولاً لما قبلها وقولك جئت أمسرعاً على أن يكون أمسرعاً حالاً من الضمير في جئت لا يجوز فلو أضمرت عاملاً بعد الهمزة جاز ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الألوهية كثير المهابة قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصاً من كان من بني إسرائيل قال موسى عليه السلام.﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ وقرىء يضيق ولا ينطلق بالرفع فيهما عطفاً على أخاف والمعنى أنه يفيد ثلاث علل خوف التكذيب وضيق الصدر وامتناع إنطلاق اللسان وقرىء بالنصب فيهما عطفاً على يكذبون فيكون التكذيب وما بعده متعلقاً بالخوف وفي الخبر أن الله أرسل موسى إلى هارون وكان هارون بمصر حين بعث الله موسى نبياً بالشام قيل سار أهله إلى مصر فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال أنا موسى فتعارفا وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة فصاحت أمهما لخوفها عليهما فذهبا إليه.﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ أي قبلي قود ذنب أو عقوبة ذنب وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها.﴿ كَلاَّ ﴾ رد لقوله إني أخاف أي لا تخف ذلك وقوله فاذهبا أمر لهما بخطاب موسى فقط لأن هارون ليس بمكلم بإِجماع ولكنه قال لموسى إذهب أنت وأخوك. و ﴿ مَعَكُمْ ﴾ قيل من وضع الجمع موضع المثنى أي معكما وقيل هو على ظاهره من الجمع والمزاد موسى وهارون ومن أرسلا إليه وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع الخطاب لموسى وهارون فقط قال: لأن لفظة مع تباين من يكون كافراً فإِنه لا يقال الله معه وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله سيبوه وكأنهما لشرفهما عند الله عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته عنده وأفرد رسول هنا ولم يثن كما في قوله انا رسولا ربك اما لأنه مصدر بمعنى الرسالة فجاز أن يقع مفرداً خبراً لمفرد فما فوقه واما لكونهما ذوي شريعة واحدة فكأنهما رسول واحد وأريد بقوله انا إن كل واحد منا رسول ورسول رب العالمين فيه رد عليه وانه مربوب لله تعالى بأداه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية ولذلك أنكر فقال: وما رب العالمين والمعنى إليك وإن أرسل يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول وأن تكون مصدرية وأرسل بمعنى أطلق وسرح كما تقول أرسلت الحجر من يدي وأرسلت الصقر وكان وموسى عليه السلام مبعوثاً إلى فرعون في أمرين إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية والإِيمان بالله وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين وكانت مسكن موسى وهارون.﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾ الآية يروى أنهما انطلقا إلى فرعون وأديا الرسالة فعرف موسى فقال له ألم نربك فينا وليدا وفي الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره فأتيا فرعون فقالا له ذلك ولما بادهه موسى بأنه رسول رب العالمين وأمره بإِرسال بني إسرائيل معه أخذ يستحقره ويضرب عن المرسل وما جاء به من عنده ويذكره بحالة الصغر والمنّ عليه بالتربية والوليد الصبي وهو فعيل بمعنى مفعول أطلق ذلك عليه لقربه من الولادة وقرىء:﴿ فَعْلَتَكَ ﴾ بفتح الفاء إذ كانت وكزة واحدة وقرأ الشعبي فعلتك بكسر الفاء يريد الهيئة لأن الوكزة نوع من القتل عدد عليه نعمة التربية ومبلغه عنده مبلغ الرجال حيث كان يقتل نظراءه من بني إسرائيل وذكره ما جرى على يده من قتل القبطي وعظم ذلك بقوله وفعلت فعلتك التي فعلت لأن في هذا الإِبهام بكونه لم يصرح انها القتل تهويل للواقعة وتعظيم شأنها.﴿ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ بالنعمة التي لي عليك من التربية والإِحسان.﴿ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً ﴾ أجابه موسى عليه السلام عن كلامه الأخير المتضمن للقتل إذ كان الإِعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية لأن فيه إزهاق النفس.﴿ وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ ﴾ معناه من الجاهلين بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه.﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ ﴾ الفرار لم يكن منه وحده وإنما هو منه ومن ملائه المذكورين قبل.﴿ وَتِلْكَ ﴾ إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله ألم نربك فينا وليدا ذكر هذا أخيراً على ما بدأ به فرعون في قوله: ألم نربك فينا والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى عليه السلام بالنعمة ويقول وتربيتك لي بنعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدا ولكن لا يدفع ذلك رسالتي قال قتادة هذا منه على جهة الإِنكار عليه أن تكون ثم نعمة كأنه يقول أو يصح لك أن تعتد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم أي ليست بنعمة لأن الواجب كان أن لا تقتلني، ان لا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ولما أخبر موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين لم يسئل إذ ذاك فيقول وما رب العالمين بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي. فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل وكان في قوله رسول رب العالمين دعاء إلى الإِقرار بربوبية الله تعالى وإلى طاعة رب العالمين فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر موسى أنه رسول من عنده والظاهر أن سؤاله بما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادة وكان عالماً بالله تعالى ويدل عليه لقد علمت ما أنزل هؤلاء الارب السماوات والأرض بصائر ولكنه تعامى عن ذلك طلباً للرياسة ودعوى الإِلهية فاستفهم بما استفهاماً عن مجهول من الأشياء فمن ربكما يا موسى لما سأله فرعون وكان السؤال مما التي هي سؤال عن الماهية ولم يمكن الجواب بالماهية أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها وهي ربوبية السماوات والأرض وما بينهما.﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ بشىء قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله وهذه المحاورة من فرعون تدل على أن موسى عليه السلام دعاه إلى التوحيد.﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ هم أشراف قومه قيل كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة.﴿ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ ﴾ أي ألا تصغون إلى هذه المقالة إغراء به وتعجباً إذ كانت عقيدتهم أن فرعون ربهم ومعبودهم.﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ نبههم على منشئهم ومنشىء آبائهم وجاء في قوله الأولين دلالة على إماتتهم بعد إيجادهم وانتقل من الاستدلال بالعام إلى ما يخصهم ليكون أوضح لهم في بيان بطلان دعوى فرعون الإِلهية إذ كان آباؤهم الأولون تقدّموا فرعون في الوجود فمحال أن يكون وهو في العدم صرف إلهاً لهم.﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ﴾ أي هذا الذي يدعي الرسالة لا يفهم السؤال فضلاً عن أن يجيب عنه فقال موسى عليه السلام:﴿ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ فعدل إلى طريق أوضح من الثاني وذلك أنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار وهذا التقدير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر يدبره ولما انقطع فرعون في باب الإِحتجاج رجع إلى الإِستعلاء والغلب وهذا أبين علامات الإِنقطاع فتوعد موسى بالسجن حين أعياه خطابه.﴿ قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي ﴾ الآية ولما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يروعه توعد فرعون قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه:﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ ﴾ أي يوضح لك صدقي أفكنت تسجنني حتى في هذه الحالة التي لا يناسب أن أسجن وأنا متلبس بها ولما سمع فرعون هذا من موسى طمع أن يجد موضع معارضة فقال له:﴿ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ ﴾ أي رماها من يده وتقدّم الكلام على عصى موسى عليه السلام والثعبان أعظم ما يكون من الحيات ومعنى مبين ظاهر الثعبانية ليست من الأشياء التي تزور بالشعبذة والسحر.﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ من جيبه.﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ تلألأ كأنها قطعة من الشمس ومعنى للناظرين أي بياضها يجمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضاً نورانياً روي أنه لما أبصر أمر العصى قال: فهل غيرها فأخرج يده فقال ما هذه قال: يدك فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.﴿ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ ﴾ الآية تقدم الكلام عليها.﴿ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ وهو يوم الزينة.
﴿ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ ﴾ أي لا ضرر علينا في وقوع ما توعدتنا به من قطع الأيدي والأرجل والتصليب بل لنا المنفعة التامة بالصبر عليه يقال ضاره يضيره ضيراً وضاره يضوره ضوراً.﴿ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا ﴾ أي إلى عظيم ثوابه أو لا ضير علينا إذا انقلابنا إلى الله تعالى بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ ﴾ الآية أمر تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر إلى تجاه البحر وأخبر أنهم سيتبعون فخرج سحراً جاعلاً طريق الشام على يساره وتوجه البحر فيقال له في ترك الطريق فيقول هكذا أمرت فلما أصبح علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل فخرج في أثرهم وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر وذكروا أعداداً في اتباع فرعون وفي بني إسرائيل الله أعلم بصحة ذلك.﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ ﴾ أي قال: ان هؤلاء وصفهم بالقلة ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلاً جمع السلامة الذي هو للقلة وقد يجمع القليل على أقله وقلل والظاهر تقليل العدد والشرذمة بالجمع القليل المحتقر وشرذمة كل شىء بقيته الخسيسة وقال الجوهري الشرذمة الطائفة من الناس والقطعة من الشىء وثوب شراذم أي قطع ومعنى حذرون خائفون متحرزون منهم.﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ ﴾ الضمير عائد على القبط.﴿ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد.﴿ وَكُنُوزٍ ﴾ هي الأموال التي خزنوها.﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ قال ابن لهيعة هو الفيوم قال الزمخشري: كذلك يحتمل ثلاثة أوجه النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإِخراج الذي وصفناه والجر على أنه وصف لمقام أي ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذف أي الأمر كذلك انتهى الوجه الأول لا يسوغ لأنه يؤول إلى تشبيه الشىء بنفسه وكذلك الوجه الثاني لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم ولا يشبه الشىء بنفسه والظاهر أن مشرقين حال من الفاعل أي وقت إشراق الشمس.﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ ﴾ أي رأى أحدهما الآخر.﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ أي ملحقون قالوا ذلك حين رأوا العدو القوي وراءهم والبحر أمامهم وساءت ظنونهم والكاف في ذلك للتشبيه وذلك إسم إشارة قال الزمخشري: يحتمل أن يكون المعنى أخرجناهم مثل ذلك الإِخراج " انتهى " وهذا لا يصح لأنه يؤول إلى تشبيه الشىء بنفسه والذي يظهر أنه إشارة إلى ما يفهم من قوله تعالى: ﴿ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ ﴾ فمعناه أخرج بهم من ديار مصر أي مثل ذلك الإِخراج لهم كان هذا الإِخراج لفرعون وقومه.﴿ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ﴾ زجرهم وردعهم بحرف الردع وهو كلا والمعنى لن يدركوكم لأن الله تعالى وعدكم النصر والخلاص منهم.﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ عن قريب إلى طريق النجاة ويعرفنيه وسيكفيني أمرهم ولما انتهى موسى إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون وكان بين يدي موسى عليه السلام أين أمرت وهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون قال أمرت بالبحر ولا يدري ما يصنع فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر وثم محذوف تقديره فضرب فانفلق فضرب موسى بعصاه فصار فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وأراد تعالى أن يجعل هذه الآية متصلة بموسى عليه السلام ومتعلقة بفعل فعله ولكنه بقدرة الله تعالى إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ولو شاء تعالى لفلقه دون ضربه بالعصا وتقدم الخلاف في مكان هذا البحر والفرق الجزء المنفصل والطود الجبل العظيم المنطاد في السماء.﴿ وَأَزْلَفْنَا ﴾ أي قربنا.﴿ ثَمَّ ﴾ أي هناك وثم ظرف مكان للبعيد.﴿ ٱلآخَرِينَ ﴾ أي قوم فرعون أي قربناهم ولم يذكر من قربوا منه فاحتمل أن يكون المعنى قربناهم حيث انفلق البحر من بني إسرائيل أو قربنا بعضهم من بعض حتى لا ينجو أحد أو قربناهم من البحر والآخرين فرعون وقومه.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ لعلامة واضحة عاينها الناس وشاع أمرها والذي يظهر أن قوله:﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم ﴾ أي أكثر قوم فرعون وهم القبط إذ قد آمن من السحرة ناس وآمنت آسية امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وعجوز اسمها مريم.﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية لما كانت العرب لها خصوصية بإِبراهيم عليه السلام أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يتلو عليهم قصصه وما جرى له مع قومه ولم يأت في قصة من قصص هذه السورة أمره عليه الصلاة والسلام بتلاوة سورة إلا في هذه والعامل في إذ نبأ والظاهر أن الضمير في قومه عائد على إبراهيم وقيل على أبيه أي وقوم أبيه كما قال إني أراك وقومك في ضلال مبين وما استفهام بمعنى التحقير والتقرير وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة أصنام ولكن سألهم ليريهم أن ما كانوا يعبدونه ليس مستحقاً للعبادة لما يترتب على جوابهم من أوصاف معبوداتهم التي هي منافية للعبادة ولما سألهم عن الذي يعبدونه لم يقتصروا على ذكره فقط بل أجابوا بالفعل ومتعلقة وما عطف عليه من تمام صفتهم مع معبودهم فقالوا:﴿ نَعْبُدُ أَصْنَاماً ﴾ على سبيل الابتهاج والافتخار فأتوا بقصتهم معهم كاملة ولم يقتصروا على أن يجيبوا بقولهم أصناماً ولما أجابوا إبراهيم عليه السلام أخذ يوقفهم على قلة عقولهم باستفهامه على أوصاف مسلوبة عنهم لا يكون ثبوتها إلا لله تعالى ومعنى يسمعونكم إذ تدعون أي يجيبونكم كقوله سمع الله لمن حمده والعامل في إذ يسمعونكم قال ابن عطية: ويجوز فيه قياس مدكر ولم يقرأ به أحد والقياس أن يكون اللفظ به ان يدعون والذي منع من هذا اللفظ كثرة المتماثلات " انتهى " هذا الذي ذكره من أنه يجوز فيه قياس مدّكر لا يجوز لأن ذلك الإِبدال هو إبدال التاء وإلا لا يكون إلا في افتعل مما فاؤه ذال أو زاي أو دال نحو أذكر وازدجر وادهن أصله إذ تكر وازنجر وادتهن أو جيم شذوذاً قالوا جد مع في اجتمع ومن تاء الضمير بعد الزاي والدال ومثلوا بتاء الضمير للمتكلم فقالوا في فزت فزد وفي جلدت جلد ومن تاء تولج شذوذاً قالوا دولج وتاء المضارعة ليس شيئاً مما ذكرنا فلا تبدل تاؤه دالاً وقول ابن عطية: والذي منع من هذا اللفظ ألح يدل على أنه لولا ذلك لجاز إبدال تاء المضارعة ذالاً وإدغام الدال فيها فكنت تقول في إذ تخرج إذ دخرج وذلك لا يقوله أحد بل إذا أدغم مثل هذا أبدل من الذال تاء وأدغم في التاء فتقول أتخرج.﴿ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ ﴾ بقربكم إليهم ودعائكم إياهم.﴿ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ بترك عبادتكم إياهم فإِذا لم ينفعوا ولم يضروا فما معنى عبادتكم لها.﴿ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ ﴾ هذه جيدة عن جواب الاستفهام لأنهم لو قالوا يسمعوننا ولا ينفعوننا ويضروننا فضحوا أنفسهم بالكذب الذي لا يمترى فيه ولو قالوا ما يسمعوننا ولا ينفعوننا ولا يضروننا أسجلوا على أنفسهم بالخطأ المحض فعدلوا إلى التقليد البحت لآبائهم في عبادتها من غير برهان ولا حجة والكاف في موضع نصب بيفعلون أي يفعلون في عبادتهم تلك الأصنام مثل ذلك الفعل الذي نفعله وهو عبادتهم والحيدة عن الجواب من علامات انقطاع الحجة وبل هنا إضراب عن جوابه لما سأل وأخذ في شىء آخر لم يسألهم عنه انقطاعاً وإقراراً بالعجز.﴿ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ ﴾ وصفهم بالأقدمين دلالة على تقادم عبادة الأصنام فيهم إذا كانوا قد عبدوها في زمان نوح عليه السلام وزمان من بعده.﴿ ٱلَّذِي خَلَقَنِي ﴾ بقدرته.﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ إلى طاعاته والظاهر أن قوله:﴿ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الطعام المعهود والسقي المعهود وفيه تعويد نعمة الرزق ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو فلم يكن التركيب الذي هو خلقني ولما كانت الهداية قد يمكن إدعاؤها والإِطعام والسقي كذلك أكد بهو في قوله فهو يهدين والذي هو يطعمني وذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة ويستمر نظام الخلق وهو الغذاء والشراب ولما كان ذلك سبباً لغلبة إحدى الكيفيات على الأخرى بزيادة الغذاء أو نقصانه فيحدث بعد ذلك مرض ذكر نعمته بإِزالة ما حدث من السقم وأضاف المرض إلى نفسه ولم يأت التركيب وإذا أمرضني لا ينبغي أن يسند ما فيه ناد إليه تعالى وذلك على سبيل الأدب وان كان تعالى هو الفاعل لذلك وإبراهيم عليه السلام عدد نعم الله تعالى والشفاء محبوب والمرض مكروه ولما لم يكن المرض منها لم يضفه إلى الله تعالى ولما كانت الإِماتة ثم البعث لا يمكن إسناده إلا إلى الله تعالى لم يحتج إلى توكيد ودعوى نمروذ الإِماتة والإِحياء هي منه على سبيل المخرقة وكذلك لم يحتج إلى تأكيد في والذي أطمع وقدم إبراهيم عليه السلام الثناء على الله تعالى وذكره بالأوصاف الحسنة بين يدي طلبته ومسألته ثم سأله تعالى: فقال ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ﴾ فدل أن تقديم الثناء على المسألة من المهمات والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق. و ﴿ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ هو الثناء وتخليد المكانة وأعظم ذلك ما في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم * ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه طلب لأشد الناس التصاقاً به وهو أصله الذي كان ناشئاً عنه وهو أبوه فقال:﴿ وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ ﴾ ﴿ وَلاَ تُخْزِنِي ﴾ اما من الخزي وهو الهوان واما من الخزاية وهي الحياء والضمير في:﴿ يُبْعَثُونَ ﴾ ضمير العباد.﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ﴾ بدل من يوم يبعثون.﴿ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾ أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه قال ابن عطية: وهذه الآيات في قوله يوم لا ينفع مال ولا بنون عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليه السلام وهي إخبار من الله عز وجل بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليه السلام عنده في دعائه أن لا يخزي فيه " انتهى ". كان ابن عطية قد أعرب يوم لا ينفع بدلاً من يوم يبعثون وعلى هذا لا يتأتى هذا الذي ذكره من تفكيك الكلام وجعل بعضه من بعض كلام إبراهيم وبعضه من كلام الله تعالى لأن العامل في البدل على مذهب الجمهور فعل آخر من لفظ الأول أو الأول وعلى كلا التقديرين لا يصح أن يكون من كلام الله أن يصير التقدير ولا تخزني يوم لا ينفع مال ولا بنون والظاهر أن الاستثناء منقطع أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه.
ﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕ ﰗﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﱿ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀ ﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
﴿ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ ﴾ قربت لينظروا إليها ويغتبطوا بحشرهم إليها.﴿ وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ ﴾ أظهرت وكشفت بحيث كانت بمرأى منهم وجيء ذلك كله بلفظ الماضي في أتى وأزلفت وبرزت لتحقق وقوع ذلك وإن كان لم يقع والضمير في فكبكبوا عائد على الأصنام أجريت مجرى من يعقل من حيث ذكرت بعبادة وأسند إليها فعل من يعقل * والغاوون هم الكفرة الذين شملتهم الغواية.﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ ﴾ قبيله وكل من تبعه فهو جند له وعون والخطاب في إذ نسويكم للأصنام على جهة الإِعتراف والإِقرار بالحق.﴿ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ أي أصحاب الجرائم والمعاصي العظام والجرأة وهم ساداتهم وذوو المكانة في الدنيا والاستتباع كقولهم أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والظاهر أن لو أشربت معنى التمني وفتكون الجواب كأنه قيل يا ليت لنا كرة فنكون وقيل هي الخالصة للدلالة لما كان سيقع لوقوع غيره فيكون قوله فنكون معطوفاً على كرة أي فنكون من المؤمنين وجواب لو محذوف أي لكان لنا شفعاء وأصدقاء أو لخلصتا من العذاب والإِشارة بقوله ان في ذلك إلى قصة إبراهيم ومحاورته لقومه.﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم ﴾ أي أكثر قوم إبراهيم بين تعالى أن أكثر قومه لم يؤمنوا مع ظهور هذه الدلائل التي استدل بها إبراهيم عليه السلام وفي ذلك مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه إياه عليه الصلاة والسلام.﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ الآية تقدم الكلام على قوم نوح.﴿ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ لما عرض عليهم تقوى الله برفق انتقل من العرض إلى الأمر فقال:﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ في نصحي لكم وفيما دعوتكم إليه من توحيد الله وإقراره بالعبادة فشرع أشرافهم في تنقيص متبعيه وأن الحامل على انتفاء إيمانهم له كونه اتبعه الأرذلون وقوله:﴿ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ ﴾ جملة حالية أي كيف نؤمن وقد اتبعك أراذلنا فنتساوى معهم في اتباعك وكذا فعلت قريش في شأن عمار وصهيب والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء لأن أذهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا فهم أدرك للحق وأقبل لهم من الرؤساء وقرىء وابتاعك جمع تابع كصاحب وأصحاب.﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ هذا مشعر بأنهم طلبوا منه ذلك فأجابهم بذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلى الله أن يطرد من آمن من الضعفاء فنزلت ولا تطرد الذين يدعون ربهم إي لا أطردهم عني لاتباع شهواتكم والطمع في إيمانكم ولما اعتلوا في ترك إيمانهم بإِيمان من هو دونهم دل ذلك على أنه لم تثلج صدورهم للإِيمان إذ اتباع الحق لا يأنف منه أحد لوجود الشركة فيه أخذوا في التهديد والوعيد.﴿ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ ﴾ عن تقبيح ما نحن عليه وادعائك الرسالة من الله تعالى.﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ ﴾ أي بالحجارة وقيل بالشتم وأيس إذ ذاك من فلاحهم فنادى ربه وهو أعلم بحاله.﴿ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴾ فدعائي ليس لأجل أنهم آذوني ولكن لأجل دينك.﴿ فَٱفْتَحْ ﴾ أي فاحكم ودعا لنفسه ولمن آمن به بالنجاة وفي ذلك إشعار بحلول العذاب بقومه أي ونجني مما يحل بهم والمشحون المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل يقال شحنها عليهم خيلاً ورجالاً.﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ﴾ أي بعد نجاة نوح والمؤمنين.﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ الآية وكان أخاهم من النسب وكان تاجراً جميلاً أشبه الخلق بآدم عليه السلام عاش أربعمائة سنة وأربعاً وستين سنة وبينه وبين ثمود مائة سنة وكانت منازل عاد ما بين عمان إلى حضرموت أمرع البلاد فجعلها الله جبالاً ورمالاً أمرهم أولاً بما أمر به نوح قومه ثم نعى عليهم من سوء أعمالهم مع كفرهم فقال:﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ﴾ والريع بكسر الراء وفتحها جمع ريعة وهو المكان المرتفع وقال أبو عبيدة الريع أيضاً الطريق * والمصانع جمع مصنعة قيل وهي البناء على الماء ولما خوفهم عذاب الله وعقابه كان من جوابهم أن قالوا:﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ ﴾ وعظك وعدمه وجعلوا قوله وعظاً إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به وأنه كاذب فيما ادعاه وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به.﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ الآية.﴿ أَتُتْرَكُونَ ﴾ يجوز أن يكون إنكاراً لأن يتركوا مخلدين في نعيم لا يزولون عنه وأن يكون تذكيراً بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتبعون فيه من الجناة وغير ذلك مع الأمن والدعة والنخل والهضيم قال ابن عباس: إذا أينع وبلغ * من الجبال أي مغارات ليحفظوا أموالهم.﴿ فَارِهِينَ ﴾ قال قتادة: آمنين وقيل غير ذلك * ومثلنا أي في الأكل والشرب وغير ذلك من صفات البشر فلا اختصاص لك بالرياسة.﴿ فَأْتِ بِآيَةٍ ﴾ أي بعلامة على صحة دعواك وفي الكلام حذف تقديره قال آتي بها قالوا ما هي قال هذه ناقة * روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة تلد سبقاً فقعد صالح يتفكر فقال له جبريل عليه السلام صل ركعتين وسل ربك بالناقة ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سبقاً مثلها في العظم وتقدّم في الأعراف طرف من قصة ثمود والناقة والشرب النضيب المشروب من الماء نحو السقي وظاهر هذا العذاب أنه في الدنيا وكان وقع ووصف بالعظم لحلول العذاب فيه ونسب العقر إلى جميعهم لكونهم راضين بذلك حتى روي أنهم استرضوا المرأة في خدرها والصبيان فرضوا جميعاً.﴿ فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ ﴾ لا ندم توبة بل ندم خوف أن يحل بهم العذاب عاجلاً وذلك عند معاينة العذاب وذلك في غير وقت التوبة أصبحوا وقد تغيرت ألوانهم حسبما كان أخبرهم به صالح عليه السلام وكان العذاب صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك وأل في أخذهم العذاب للعهد في العذاب السابق أي عذاب ذلك اليوم العظيم.﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ الآية.﴿ أَتَأْتُونَ ﴾ إستفهام إنكار وتقريع وتوبيخ والذكر أن جمع ذكر مقابل الأنثى والإِتيان كناية عن وطء الرجال وقد سماه تعالى بالفاحشة.﴿ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ وهو مخصوص بذكر أن بني آدم وقيل مخصوص بالغرباء.﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ ﴾ ظاهر في كونهم لا يأتون النساء اما البتة وإما غلبة.﴿ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ ﴾ يدل على الإِباحة بشرطها.﴿ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ أي من الإِناث.﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ أي متجاوزون الحد في الظلم وهو إضراب بمعنى الإِنتقال من شىء إلى شىء ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه بالإِخراج وهو النفي من بلده الذي نشأ فيه أي لئن لم تنته عن دعواك النبوة وعن الإِنكار علينا فيما نأتيه من الذكر ان لننفينك كما نفينا من نهانا قبلك.﴿ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ ﴾ أي للفاحشة التي أنتم تعملونها ولعملكم متعلق بالقالين قال أبو عبد الله الرازي القلى البغض الشديد كأنه بغض فقلى الفؤاد والكبد " انتهى " ولا يكون قلى بمعنى أبغض وقلى من الشيّ والطبخ من مادة واحدة لاختلاف التركيب فمادة قلى من الشي من ذوات الواو وتقول قلوت اللحم فهو مقلو ومادة قلى من البغض من ذوات الياء قليت الرجل فهو مقلي ولست بمقلي الخلال ولا قال ولما توعدوه بالإِخراج أخبرهم ببغض عملهم ثم دعا ربه فقال:﴿ رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي ﴾ أي من عقوبة ما يعملون من المعاصي * ولما كانت زوجته مندرجة في الأصل وكان ظاهر دعائه دخولها في النتيجة وكانت كافرة استثنيت في قوله:﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ ﴾ وفي الغابرين صفة أي من الباقين من لداتها وأهل بيتها ونجاته عليه السلام ان أمره بالرحلة ليلاً وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه فأصابها حجر فهلكت فيمن هلك قال قتادة: أمطر الله تعالى على شذاذ القوم حجارة من السماء فهلكوا وقال مقاتل خسف الله بقوم لوط وأرسل الحجارة على من كان خارجاً من القرية ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط عليه السلام.﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ روي في الحديث أن شعيباً أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة أمرهم بإِيفاء الكيل وهو الواجب ونهاهم عن الإِخسار وهو التطفيف ولم يذكر الزيادة على الواجب لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن ومن تركه فلا حرج وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإِسراء.﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ ﴾ تقدم الكلام عليها ولما تقدم أمره عليه السلام بتقوى الله إياهم أمرهم ثانياً بتقوى من أوجدهم وأوجد من قبلهم تنبيهاً على أن من أوجدهم قادر أن يعدمهم ويهلكهم وعطف عليهم.﴿ وَٱلْجِبِلَّةَ ﴾ إيذاناً بذلك فكأنه قيل مصيركم إلى ما صار إليه أولوكم فاتقوا الله الذي تصيرون إليه والجبلة الخلق وقيل الخلق المتجمد الغليظ مأخوذ من الجبل ثم طلبوا منه إسقاط كسف من السماء عليهم وليس له ذلك فالمعنى إن كنت صادقاً فادع الذي أرسلك أن يسقط علينا كسفنا أي قطعة ودل طلبهم ذلك على التصميم على الجحود والتكذيب ولما طلبوا منه ما طلبوا أحال علم ذلك إلى الله تعالى وأنه هو العالم بأعمالكم وما تستوجبون عليها من العقاب فهو يعاقبكم بما يشاء.﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ ﴾ وهو نحو مما اقترحوا ولم يذكر الله تعالى كيفية عذاب الظلة وروي في حديثها اختلاف كثير فروي أنه حبس عنهم الريح سبعاً فابتلوا بحر عظيم يأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظل ولا ماء فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فأحرقتهم وكرر ما كرر في أوائل هذه القصص تنبيهاً على أن طريقة الأنبياء واحدة لا اختلاف فيها وهي الدعاء إلى توحيد الله تعالى وعبادته ورفض ما سواه وأنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما جاءت به الرسل عليهم السلام قبله وتلك عادة الأنبياء.
﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ الآية الضمير في وإنه عائد على القرآن أي أنه ليس بكهانة ولا سحر بل هو من عند الله تعالى وكأنه عاد أيضاً إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر ليتناسب المفتتح والمختتم والروح هنا جبريل عليه السلام وتقدم في سورة مريم لم أطلق عليه الروح والظاهر تعلق.﴿ عَلَىٰ قَلْبِكَ ﴾ ولتكون بنزل وخص القلب والمعنى عليك لأنه محل الوعي والتثبيت وليعلم أن المنزل على قلبه عليه الصلاة والسلام محفوظ لا يجوز عليه التبديل والتغيير وليكون عليه من التنزيل أو النزول اقتصر عليها لأن ذلك أزجر للسامع وإن كان القرآن نزله للإِنذار والتبشير والظاهر تعلق بلسان ينزل فكان يسمع من جبريل عليه السلام حروفاً عربية.﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن.﴿ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة منبه عليه مشار إليه.﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً ﴾ أي علامة على صحته علم بني إسرائيل إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور الثقيلة إلى بني إسرائيل ويسألونهم عنها ويقولون هم أصحاب الكتب الإِلهية وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير لاعتقادهم في صحة دينهم وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذا زمانه ووصفوا نعته وخلطوا في أمر محمد عليه الصلاة والسلام فنزلت الآية في ذلك ويؤيد هذا كون الآية مكية وقرىء يكن بالياء آية النصب خبر يكن وأن يعلمه أن مع الفعل بتأويل المصدر تقديره علم بني إسرائيل وهو إسم يكن وقرىء تكن بالتاء آية بالرفع وخرجه الزمخشري على أن آية إسم تكن وأن يعلمه الخبر فجعل النكرة إسم تكن وأن يعلمه المعرفة الخبر وهو عكس الإِعراب أعني جعل الإِسم نكرة والخبر معرفة وهو لا يجوز إلا في الشعر كقول الشاعر كان سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء والأحسن في هذه القراءة أن يكون في تكن ضمير القصة إسماً لها وآية وأن يعلمه جملة في موضع خبر تكن.﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ ﴾ بلغة العجم على رجل أعجمي فقرأه على العرب لم يؤمنوا به من حيث لم يفهموه واستنكفوا اتباعه وقال الفراء الأعجمين جمع أعجم أو أعجمي على حذف ياء النسب ما قالوا الأشعريين واحدهم أشعري.﴿ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم ﴾ أي على العرب بلسان العجم والضمير في سلكناه عائد على ما عادت عليه الضمائر قيل وهو القرآن والمعنى مثل ذلك المثل وهو الإِدخال والتمكين والتفهم لمعانيه.﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾ أدخلناه ومكناه في قلوب المجرمين والمعنى ما ترتب على ذلك السلك من كونهم فهموه وأدركوه فلم يزدهم ذلك إلا عناداً أو جحوداً أو كفروا به ورؤيتهم للعذاب قيل في الدنيا وقيل يوم القيامة.﴿ فَيَقُولُواْ ﴾ أي كل أمة معذبة.﴿ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾ مؤخرون وهذا على جهة التمني منهم والرغبة حيث لا تنفع الرغبة ثم رجع لفظ الآية إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب الله في طلبهم سقوط السماء كسفا وغير ذلك وقولهم للرسول أين الذي تعدنا به.﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴾ خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإِقامة الحجة عليهم في أن مدة الإِرجاء والإِمهال والإِملاء لا تغني إذ أنزل العذاب بعدها ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية من القرى إلا قد أرسل إليها من ينذرها عذاب الله إن هي عصت ولم تؤمن كما قال تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[الإسراء: ١٥] وجمع منذرون لأن من قرية عام في القرى الظالمة كأنه قيل وما أهلكنا القرى الظالمة والجملة من قوله لها منذرون في موضع الحال من قرية قال الزمخشري: فإِن قلت كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا ولم تعزل عنها في قوله وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم قلت الأصل عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾[الكهف: ٢٢] " انتهى " الإِعراب أن يكون لها في موضع الحال وارتفع منذرون بالمجرور أي إلا كائناً لها منذرون فتكون من مجيء الحال مفرد إلا جملة ولو قدرنا لها منذرون جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد إلا ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد إلا معتمدة على أداة الاستثناء نحو ما جاء في أحد إلا راكب وإذا سمع مثل هذا خرجوه على البدل أي إلا رجل ركب ويدعى على صحة هذا المذهب أن العرب تقول ما مررت بأحد إلا قائماً ولا يحفظ من كلامها مررت بأحد إلا قائم بالجر فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة لورد المفرد بعد إلا صفة لها فإِن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد إلا نحو ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو والتقدير ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد وأما كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في كلام النحويين لو قلت جاءني رجل وعاقل على أن يكون وعاقل صفة لرجل لم يجز وإنما تدخل الواو في الصفات جوازاً إذا عطف بعضها على بعض وتغاير مدلولها نحو مررت بزيد الكريم والشجاع والشاعر وأما ثامنهم كلبهم فقد تقدم الكلام عليه في موضعه. و ﴿ ذِكْرَىٰ ﴾ منصوب على المصدر والعامل فيه منذرون لأنه في معنى مذكرون وقال الزمخشري: ووجه آخر وهو أن تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له معنى والتقدير وما أهلكنا من أهل قرية ظالمة إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم.﴿ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ فنهلك قوماً غير ظالمين وهذا الوجه عليه المعول " انتهى " هذا لا معول عليه لأن مذهب الجمهور إن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعاً له غير معتمد على الأداة نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير من عمرو والمفعول له ليس واحداً من هذه الثلاثة فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش وإن كانا لم ينصا على المفعول له بخصوصيته.﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ الآية كان مشركو قريش يقولون ان لمحمد تابعاً من الجن يخبره كما يخبر الكهنة فنزلت والضمير في به يعود على القرآن بل نزل به الروح الأمين وما أحسن ما ترتب نفي هذه الجمل نفي أولاً تنزل الشياطين به والنفي في الغالب يكون في الممكن وإن كان هنا لا يمكن من الشياطين التنزل بالقرآن ثم نفى ابتغاء ذلك والصلاحية أي ولو فرض الإِمكان لم يكونوا أهلاً له ثم نفى قدرتهم على ذلك وأنه مستحيل في حقهم التنزل به فارتقى في نفي الإِمكان إلى نفي الصلاحية إلى نفي القدرة والإِستطاعة وذلك مبالغة مرتبة في نفي تنزيلهم به ثم علل انتفاء ذلك على استماع كلام أهل السماء مرجومون بالشهب ثم قال تعالى:﴿ فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ والخطاب في الحقيقة للسامع لأنه تعالى قد علم أن ذلك لا يمكن أن يكون من الرسول عليه الصلاة والسلام ولذلك قال المفسرون المعنى قل يا محمد لمن كفر لا تدع مع الله إلهاً آخر ثم أمره تعالى بإِنذار عشيرته والعشيرة تحت الفخذ وفوق الفصيلة ونبه على العشيرة وإن كان مأموراً بإِنذار الناس كافة لأن في إنذارهم وهم عشيرته عدم محاباة ولطف بهم وأنهم والناس في ذلك شرع واحد في التخويف والإِنذار.﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ ﴾ تقدم الكلام على هذه الجملة في آخر الحجر وهو كناية عن التواضع نهاه عن التكبر بعد التواضع. و ﴿ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ عام في عشيرته وغيرهم.﴿ وَتَوكَّلْ ﴾ قرىء بالفاء والواو. و ﴿ حِينَ تَقُومُ ﴾ في التهجد والصلاة والقيام بالليل.﴿ وَتَقَلُّبَكَ ﴾ معطوف على مفعول يراك أي ويرى تقلبك.﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ أي قل يا محمد هل أخبركم وهذا استفهام توقيف وتقرير. و ﴿ عَلَىٰ مَن ﴾ متعلق بتنزل والجملة المتضمنة معنى الإِستفهام في موضع نصب لأنبئكم لأنه بمعنى أعلمكم فإِن قدرتها متعدية لاثنين كانت سادة مسد المفعول الثاني وأن قدرتها متعدية لثلاثة كانت سادة مسد الاثنين.﴿ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ ﴾ وهو الكثير الإِفك وهو الكذب. و ﴿ أَثِيمٍ ﴾ كثير الإِثم فأفاك وأثيم صيغتا مبالغة والمراد الكهنة والضمير في ﴿ يُلْقُونَ ﴾ يحتمل أن يكون عائد على الشياطين أي ينصتون ويصغون بأسماعهم ليسترقوا شيئاً مما تكلم به الملائكة حتى ينزلوا بها إلى الكهنة أو يلقون السمع أي المسموع إلى من يتنزلون عليه.﴿ وَأَكْثَرُهُمْ ﴾ أي وأكثر الشياطين الملقين.﴿ كَاذِبُونَ ﴾ فعلى معنى الإِنصات يكون استئناف اخبار وعلى إلقاء المسموع إلى الكهنة احتمل الاستئناف واحتمل أن يكون حالاً من الشياطين أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين ما سمعوا.﴿ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ﴾ قيل هي أمية بن أبي الصلت وأبي عزة ومسافع الجمحي وهبيرة بن أبي وهب وأبي سفيان بن الحرث وابن الزبعري وقد أسلم ابن الزبعري وأبو سفيان والشعراء عام يدخل فيه كل شاعر والمذموم من يمدح ويهجو شهوة محرمة ويقذف المحصنات ويقول الزور وما لا يسوغ شرعاً والغاوون قال ابن عباس: الرواة وقال أيضاً: المستحسنون لأشعارهم المصاحبون لهم.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة الحد في القصد حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأشحهم على حاتم ويبهتوا البريء ويفسقوا التقي.﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ وذلك لغلوهم في أفانين الكلام ولهجهم في الفصاحة والمعاني اللطيفة قد ينسبون لأنفسهم ما لا يقع منهم وقد درأ الحد في الخمر عمر بن الخطاب عن النعمان بن عدي في شعر قاله لزوجته حين احتج عليه بهذه الآية وقد كان ولاه ميسان فعزله وأراد أن يحده والفرزدق أنشد سليمان بن عبد الملك فبتن كأنهم مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام * فقال له سليمان لقد وجب عليك الحد فقال لقد درأ الله عني الحد بقوله: ﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ أخبر تعالى عن الشعراء بالأحوال التي تخالف أمر النبوة إذ أمرهم كما ذكر والمراد بالمستثنين حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام لكعب بن مالك" أهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل "وقال لحسان:" قل وروح القدس معك "ولما ذكر:﴿ وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكياد وأبهم في قوله:﴿ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ وكان السلف الصالح يتواعظون بها والمفهوم من الشريعة أن الذين ظلموا هم الكفار وقرأ ابن عباس وابن أرقم عن الحسن أي منفلت ينفلتون بفاءين وتاءين ومعناه بأن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الإِنفلات وهو النجاة وسيعلم هنا معلقة وأي ومنقلب استفهام والناصب له ينقلبون وهو مصدر والجملة في موضع المعمول لسيعلم.
Icon