سورة الشعراء
إلا أربع آيات من آخر السورة مكية " والشعراء يتبعهم الغاوون "
وهي مائتان وسبع وعشرون آية
روى الحاكم في المستدرك عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى ".
ﰡ
﴿ طسم١ ﴾ قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر هاهنا وفي القصص والنمل بإمالة الطاء وأهل المدينة بين بين والباقون بالفتح وأظهر النون عند الميم هاهنا وفي القصص أبو جعفر وحمزة وأدغمها الباقون قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال ﴿ طسم١ ﴾ عجزت العلماء عن تفسيرها وروى علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس أنه قسم وهو اسم من أسماء الله عز وجل وقال قتادة إسم من أسماء القرآن وقال مجاهد اسم للسورة وقال محمد بن كعب القرظي أقسم الله بطوله وسنانه ومجده والحق انه رمز بين الله وبين رسوله.
﴿ تلك ﴾ إشارة إلى السورة أو القرآن ﴿ آيات الكتاب المبين ﴾ الظاهر إعجازه وصحته أو المظهر للأحكام وسبيل الهدي.
﴿ لعلك باخع نفسك ﴾ أي قاتل نفسك عما يقال بخع نفسه كمنع قتلها غما وأصل البخع أو يبلغ الذبح بالفتح وهو عرق في الصلب ويجري في أعظم الرقبة وذلك حد الذبح وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشري ثم استعمل في كل مبالغة ﴿ ألا يكونوا مؤمنين ﴾ أي لئلا يؤمنوا أو كراهة ألا يكونوا مؤمنين نزلت هذه الآية حين كذبه أهل مكة وشق ذلك عليه لما كان يحرص على إيمانهم وجاز أن يكون شدة غمه صلى الله عليه وسلم إيمانهم خوفا من الله تعالى أن يعاقب لأجل إنكار قومه فهذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وكلمة لعل للترجي وهاهنا للإشفاق يعني أشفق على نفسك ولا تغتم فإنك إن تغنم فلعلك تقتل نفسك غما فإنا لم نشأ إيمانهم
فانه ﴿ إن نشأ ﴾ إيمانهم ﴿ ننزل عليهم من السماء آية ﴾ أي دالة ملجئة إلى الإيمان او بلية قاصرة عليه ﴿ فظلت ﴾ عطف على ننزل ومعناه فتظل ﴿ أعناقهم لها خاضعين ﴾ أي منقادين قال قتادة لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم بعده معصية لا تزول عليهم وقال ابن جريج معناه لو شاء الله لأنزل بهم أمرا من أموره لا يعمل احد منهم بعده معصية أو رد خاضعين موضع خاضعة لوفاق رؤوس الآي وقيل أصله فظلوا لهذا خاضعين فزيدت الأعناق مقحما لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله وقيل أصله ظلت أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأن الأعناق إذا خاضعت فأربابها خاضعون فجعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال وقال الأخفش رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه وقيل لما وصفت الأعناق بالخضوع وهو من صفات العقلاء أجريت مجراهم وقال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى المذكر وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى المؤنث وقيل أراد بالعنق جميع البدن كما في قوله تعالى :﴿ ذلك بما قدمت يداك ﴾ و﴿ ألزمناه طائره في عنقه ﴾ والمعنى فظلوا خاضعين وقال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء الكبراء والمعنى فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات يقال جاء القوم عنقا عنقا أي جماعات وطوائف.
﴿ وما يأتيهم ﴾ أي كفار مكة عطف على مضمون جملة سابقة أو حال ﴿ من ذكر ﴾ موعظة أو طائفة من القرآن يذكر الله سبحانه من زائدة في محل الرفع ﴿ من الرحمان ﴾ من الابتداء صفة للذكر أي منزل منه على نبيه ﴿ محدث ﴾ إنزاله وان كان قديما في الوجود ﴿ إلا كانوا عنه معرضين ﴾ استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب في يأتيهم أو المرفوع يعني ما يأتيهم في حال إلا في حال إعراضهم عن الإيمان به
﴿ فقد كذبوا ﴾ بالذكر بعد إعراضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الاستهزاء المخبر به عنهم ضمنا في قوله تعالى :﴿ فسيأتيهم ﴾ إذا نزل بهم العذاب يوم بدر أو يوم القيامة ﴿ أنباء ما كانوا به يستهزؤون ﴾ من أنه كان حقا أو باطلا كان حقيقا بأن يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف أمره ويستهزأ به
﴿ أولم يروا إلى الأرض ﴾ الاستفهام للإنكار والواو للعطف على محذوف والتقدير يطلبون آية على ما يدعيه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والبعث بعد الموت ولم ينظروا إلى الأرض يعني لا ينبغي لهم طلب الآية وقد نظروا إلى الأرض وهي آية فإن إنكار النفي إثبات ﴿ كم أنبتنا فيها ﴾ بدل اشتمال من الأرض وكم خبرية يعني ألم ينظروا إلى كثرة إنباتنا فيها ﴿ من كل زوج ﴾ صنف من النبات ﴿ كريم ﴾ حسن محمود كثير المنفعة غذاء للناس أو الدواب ودواء مفيدة فائدة ما إما وحده أو مع غيره وأيضا كرم كل زوج من نبات الأرض دلالته على قدرة الخالق على إيجاده وإعادته بعد الإعدام وتوحده وصفات كماله كل لإحاطة الأفراد وكم لكثرتها
﴿ إن في ذلك ﴾ أي في إنبات تلك الأصناف أو في واحد منها ﴿ لآية ﴾ حوالة على فاعل واجب لذاته تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة ﴿ وما كان أكثرهم مؤمنين ﴾ في علم الله وقضائه فلذلك لم ينفعهم تلك الآيات العظام وقال سيبويه كان هاهنا زائدة والمعنى وما كان أكثرهم مؤمنين بعد مشاهدة الآيات
﴿ وإن ربك لهو العزيز ﴾ الغالب القادر على انتقام من الكفرة ﴿ الرحيم ﴾ حيث أمهلهم او العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن.
أذكر ﴿ إذ نادى ربك موسى ﴾ حين رأى الشجرة والنار معطوف على مضمون قوله :﴿ لعلك باخع نفسك ﴾ فإن التقدير لا تحزن على كفر قومك ولا تبخع نفسك واذكر وقت نداء ربك موسى وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يكون كلاما مستأنفا والظرف متعلق بقوله قال رب ﴿ أن ائت ﴾ أن مفسرة لنادي أو مصدرية أي ائت أو بأن ائت ﴿ القوم الظالمين ﴾ بالكفر واستعباد بني إسرائيل وسومهم سوء العذاب من ذبح الأبناء وغير ذلك
﴿ قوم فرعون ﴾ بدل أو عطف بيان لما سبق ولعل الاقتصار على القوم للعلم بأن فرعون كان أولى بذلك ﴿ ألا يتقون ﴾ استفهام للإنكار والتوبيخ ومعناه الأمر أي ليتقوا أنفسهم عن عذاب الله بطاعته ويحتمل أن يكون التقدير ألا يا قوم اتقون فهو بتقدير القول حال من فاعل ائت يعني ائت قائلا لهم من الله يا قوم اتقون نظيره ألا يسجدوا بتقدير ألا يا قوم اسجدوا.
﴿ قال ﴾ موسى ﴿ رب إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وبفتح الياء والباقون بإسكانها
﴿ أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ﴾ قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أخاف ويعقوب بالنصب عطفا على تكذبون وكذا الخلاف في قوله ﴿ ولا ينطلق لساني ﴾ لأجل عقدة كانت فيه ويضيق صدري لأجل عدم مساعدة اللسان ببيان المرام في إقامة الحجة الدافعة للتكذيب وقال البغوي أي يضيق صدري من تكذيبهم ﴿ فأرسل ﴾ الوحي أو أرسل جبرئيل بالوحي ﴿ إلى هارون ﴾ الفاء للسببية قال البيضاوي رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه أي عن التكذيب وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لأنها إذا اجتمعت الأمور مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابة متى يعتريه الحبسة حتى لا يحمل دعوته وليس ذلك تعللا منه وتوفقا في امتثال الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:﴿ قال ﴾ موسى ﴿ رب إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وبفتح الياء والباقون بإسكانها
﴿ أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ﴾ قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أخاف ويعقوب بالنصب عطفا على تكذبون وكذا الخلاف في قوله ﴿ ولا ينطلق لساني ﴾ لأجل عقدة كانت فيه ويضيق صدري لأجل عدم مساعدة اللسان ببيان المرام في إقامة الحجة الدافعة للتكذيب وقال البغوي أي يضيق صدري من تكذيبهم ﴿ فأرسل ﴾ الوحي أو أرسل جبرئيل بالوحي ﴿ إلى هارون ﴾ الفاء للسببية قال البيضاوي رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه أي عن التكذيب وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لأنها إذا اجتمعت الأمور مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابة متى يعتريه الحبسة حتى لا يحمل دعوته وليس ذلك تعللا منه وتوفقا في امتثال الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله.
﴿ ولهم على ذنب ﴾ على حذف المضاف أي تبعه ذنب أو دعوى ذنب والمراد قتل القبطي سماه ذنبا على زعمهم وإلا فهو كان مباح الدم غير معصوم لأجل كفره وهذا اختصار قصة مبسوطة في غير هذا الموضع ﴿ فأخاف أن يقتلون ﴾ أي أخاف أن يقتلوني قيل أداء الرسالة وهذا أيضا ليس تعللا وعدم امتثال الأمر بالتبليغ لخوف القتل بل استدفاعا للبلية المتوقعة المانعة من التبليغ
﴿ قال ﴾ الله تعالى :﴿ كلا فاذهبا ﴾ إجابة إلى الطلبين بوعده للدفع اللازم لروعه وضم أخيه إليه في الإرسال والخطاب في ﴿ فاذهبا ﴾ على تغليب الحاضر وهو معطوف على الفعل الذي دل عليه كلا كأنه قال ارتدع يا موسى عن توهم قتلك فاذهب أنت ومن طلبت ضمه إليك ﴿ بآياتنا إنا معكم ﴾ يعني مع موسى وهارون ومن تبعهما بالنصر أو معكما ومن عاداكما بالعلم ﴿ مستمعون ﴾ أي سامعون ما جرى بينكم من الكلام فأظهركما عليهم خبر ثان أو هو الخبر وحده ومعكم ظرف لغو
﴿ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين١٦ ﴾ أفرد الرسول لأنه هاهنا بمعنى الرسالة وهو مشترك بين المرسل والرسالة في القاموس الاسم الرسالة بالكسر والفتح وكصبور وأمير والرسول أيضا المرسل.
قال البيضاوي لذلك ثنى تارة وأفرد أخرى يعني إذا أريد به المرسل مثنى وإذا أريد به الرسالة أفرد والمعنى هاهنا إنا ذو رسالة رب العالمين أو لأن الفعول يطلق على الواحد والجمع قال في القاموس لم يقل ﴿ إنا رسل رب العالمين ﴾ لان مفعولا وفعيلا تستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون الرسول بمعنى إثنين والجمع يقول العرب هذا رسولي ووكيلي وهذان رسولي ووكيلي كما قال الله تعالى :﴿ وهم لكم عدو ﴾ وقيل أفرد لاتحادهما للأخوة أو الوحدة المرسل به أو أراد أن كل واحد منا رسول رب العالمين
﴿ أن ﴾ مفسرة لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول ﴿ أرسل ﴾ أي خل ﴿ معنا بني إسرائيل ﴾ تذهب إلى الشام ولا تستعبدهم قال البغوي كان فرعون استعبدهم أربع مائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستة مائة وثمانين ألفا فأنطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصاه والمكتل معلق في رأس العصا وفيه زاده فدخل وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسل إليك حتى ندعو فرعون فخرجت أمهما وصاحت وقالت إن فرعون يطلبك ليقتلك ولو ذهبتما إليه لقصا.
فلم يمتنع لقولها وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودق الباب ففزع البوابون وقالوا من بالباب وروي انه إطلع البواب عليهما فقال من أنتما فقال موسى ( إنا رسول رب العالمين ) فذهب البواب إلى فرعون وقال أن مجنونا بالباب ويقول إنه رسول رب العالمين فترك حتى أصبح ثم دعاهما.
وروي أنهما أنطلقا جميعا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول إليه فدخل البواب وقال لفرعون هاهنا إنسان يزعم إنه رسول رب العالمين فقال فرعون أائذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه وأديا رسالة الله عز وجل فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته ﴿ وقال ألم نربك فينا ﴾ في منازلنا ﴿ وليدا ﴾ طفلا سمي به لقربه من الولادة ﴿ ولبثت فينا من عمرك سنين ﴾ قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم ودعاهم إلى الله ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين سنة
﴿ وفعلت فعلتك التي فعلت ﴾ يعني قتل القبطي ﴿ وأنت من الكافرين ﴾ أي من الجاحدين بنعمتي وحق تربيتي حتى عمدت إلى قتل خواصي كذا روى العوفي عن ابن عباس وهو قول أكثر المفسرين وقال إن فرعون لم يكن يعلم بالكفر بالله وقال الحسن والسدي أراد وأنت كنت من الكافرين بإلهك الذي تدعو إليه الآن وتعبده حيث كنت معنا على ديننا والجملة حال من أجدى التاءين ويجوز أن يكون حكما مبتدءا عليه بأنه من الكافرين بألوهيته أو بنعمته لما عاد إليه من المخالفة أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم
﴿ قال فعلتها إذا ﴾ يعني إذا فعلتها ﴿ وأنا من الظالين ﴾ الجملة حال من التاء في فعلت يعني فعلت ما فعلت ﴿ وأنا من الضالين إذا فعلت من الجاهلين ﴾ لم يأتني من الله شيء أو الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله لأنه أراد به التأديب دون القتل وقيل من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد يعني من المخطئين وقيل من الفاعلين فعل أولياء الجهل والسفه وقيل من الناسين من قوله :﴿ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ﴾
﴿ ففررت منكم ﴾ إلى مدين ﴿ لما خفتكم فوهب لي ربي حكما ﴾ أي حكمة وعلما.
﴿ وجعلني من المرسلين ﴾
﴿ وتلك ﴾ مبتدأ إشارة إلى تربيته وليدا ﴿ نعمة ﴾ بدل من اسم الإشارة أو خبر منه ﴿ تمنها علي ﴾ صفة لنعمة و﴿ أن عبدت بني إسرائيل ﴾ مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي أو على أنه بدل من نعمة أو مجرور بإضمار الباء وهو خبر المبتدأ يعني بمقابلة جفائك أو بسبب جفائك والتي هي أن عبدت أو النصب بحذف الباء أو على الظرف بتقدير الوقت أو على الحال وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء صهمة ﴿ وأن عبدت ﴾ عطف بيان لها ومعنى عبدت اتخذتهم عبيدا لك يقال عبدت فلانا وأعبدته استعبدته وتعبدنه اتخذته عبدا اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية.
قال بعضهم هو إقرار وعدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل فكأنه قال بلى وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني ولم تستعبدني وقال بعضهم هو إقرار ظاهرا أو إنكار معنى رد موسى أولا ما وبخه به قدحا في أبوته ثم كر على ما عده من النعمة ولم يصرح بإنكاره لأنه كان صادقا في دعواه بل نبه على انه كان في الحقيقة نعمة لكونه في مقابله الجفاء أو مسببا عنه فقال وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل فتلك النعمة مقابلة بالجفاء أو بسبب الجفاء فإنه بسبب استعبادك بني إسرائيل وقتلك أبناءهم رفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم كان لي من أهلي من يرييني ولم يلقوني في اليم فتضمن هذا الإقرار الإنكار وقيل هو إنكار وهمزة الاستفهام للإنكار مقدرة تقديره أتلك التربية نعمة لك علي أن عبدت بني إسرائيل يعني أتربيتك إياي نعمة وقت تعبدك بني إسرائيل أو الحال إنك عبدت بني إسرائيل فتعبيدك قومي بني إسرائيل أحبط إحسانك إلي وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده والخوف والفرار منه ومن قومه
ولما سمع فرعون جواب ما طعن في موسى وأرى أنه لم يرعو بذلك شرع في الإعتراض على دعواه فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل و﴿ قال فرعون وما رب العالمين٢٣ ﴾ ولما كان بيان حقيقة الواجب تعالى مستحيلا بما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته والإمتناع تعريف الإفراد إلا بذكر الخواص والأفعال ذكر موسى أظهر خواصه وآثاره
و ﴿ قال رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي يعني ﴿ رب العالمين رب السماوات والأرض وما بينهما ﴾ من الكائنات ﴿ إن كنتم موقنين ﴾ بثبوت حقائق الأشياء فاستدلوا بها على خالقها فإنها أجرام محسوسة ممكنة لتركها وتعددها وتغير أحوالها فلا بد لها من مبدأ واجب لذاته وذلك المبدأ لا بد أن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محالان أما التعدد فلا ستلزامه تركبهما مما فيه اشتراكهما وما به امتياز كل منهما عن الأخر والتراكب دليل الحدوث مناف للوجوب وأما الاستغناء فهو مناف للإمكان ثم ذلك لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته هذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى
ولما كان فرعون غبيا لم يدرك حسن الجواب﴿ قال لمن حوله ﴾تعجبا ﴿ ألا تستمعون ﴾ جوابه يعني إني سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله أو يزعم أن للسموات ربا وهي قديمة واجبة لذواتها كما هو مذهب الدهرية أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر
فحينئذ ﴿ قال ﴾ موسى ﴿ ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ عدولا إلى ما لا يمكن توهم القدم والوجوب ولا يشك في افتقارها إلى مصور حكيم ويكون أقرب للناظر وأوضح عند التأمل
﴿ قال ﴾ فرعون ﴿ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ﴾ أسئلة عن شيء يعني عن حقيقته ويجيبني عن آخر وسماه رسولا على السخرية
﴿ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ﴾ تشاهدون كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع ينتظم به أمور الكائنات ﴿ إن كنتم تعقلون ﴾ يعني إن كان لكم عقل أدركتم أنه لا جواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولا ثم لما رأى شكيمتهم أي شدتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم
﴿ قال ﴾ فرعون عدولا عن المحاجة بعد الانقطاع إلى التهديد كما هو دأب الجاهل المحجوج ﴿ لئن اتخذت إلها غيري ﴾ جواب قسم محذوف ﴿ لأجعلنك من المسجونين ﴾ أي من المحبوسين واللام للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجني قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا يهوى به في الأرض إستدل فرعون بقدرته على التعذيب على ألوهيتة وإنكاره للصانع وكان قوله ﴿ ألا تستمعون ﴾ صادرا منه تعجبا من نسبة الربوبية إلى غيره ولعله كان دهريا يعتقد أن من الملك قطرا من الأرض وتولى أمره بقوة طالعة استحق العبادة من أهله.
﴿ قال ﴾ موسى في جواب تهديده ﴿ أولو جئتك بشيء مبين ﴾ الهمزة للاستفهام للتوبيخ والإنكار والواو للحال بعد حذف الفعل تقديره أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين توبيخ على الإساءة حال فجيئة بالحجة الواضحة على صدقه وقيل الواو للعطف على شرطية محذوفة والشرطيتان حال من فاعل فعل محذوف تقديره أتجعلني من المسجونين لو لم أجبك على دعواي بحجة ولو جئتك بشيء مبين حجة والمآل واحد
﴿ قال ﴾ فرعون ﴿ فأت به ﴾ أي بشيء مبين ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾ في أن ذلك بينة أو في دعواك فإن مدعي النبوة لا بد له من حجة
﴿ فألقى ﴾ موسى ﴿ عصاه فإذا هي ثعبان مبين ﴾ ظاهر ثعبانيته أو مبين أي مظهر لصدق دعواه عطف على قال
﴿ ونزع ﴾ موسى ﴿ يده ﴾ إذا قال فرعون وهل غيرهما ﴿ فإذا هي ﴾ أي يده ﴿ بيضاء للناظرين ﴾ لها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق فتحير فرعون وعجز.
﴿ قال للملأ حوله ﴾ أي مستقرين حوله ظرف وقع موقع الحال ﴿ إن هذا ﴾ يعني موسى ﴿ لساحر عليم ﴾ فائق في علم السحر.
﴿ يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون٣٥ ﴾ لما غلب عليه سلطان المعجزة حطه عن دعوى الربوبية إلى الاستظهار من القوم وجعلهم أمراء على نفسه وتنفيرهم عن موسى وإظهار الخوف عن ظهوره واستيلائه على ملكه.
﴿ قالوا أرجه وأخاه ﴾ يعني أخر أمرهما ﴿ وابعث في المدائن حاشرين ﴾ ناسا يحشرون أي يجمعون السحرة
﴿ يأتوك ﴾ مجزوم في جواب الأمر ﴿ بكل سحار عليم ﴾ يفضلون عليه في السحر امال سحار ابن عامر وأبو عمرو والكسائي
﴿ فجمع السحرة لميقات يوم معلوم٣٨ ﴾ يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة.
قال البغوي روى عن ابن عباس قال وافق ذلك يوم السبت في أول يوم السنة وهو النيروز
﴿ وقيل للناس هل أنتم مجتمعون٣٩ ﴾ استفهام بمعنى الأمر وفيه استبطاء لهم في الاجتماع حثا على عدم الاستبطاء والمبادرة إليه
﴿ لعلنا نتبع السحرة ﴾ يعنون موسى وهارون وقومهما أي نتبعهم في دينهم.
قلت : وجاز أنهم يعنون به السحرة الذين طلبهم أي لعلنا نتبع السحرة في إبطال أمر موسى ﴿ إن كانوا هم الغالبين ﴾ والترجي يناسب التأويل الثاني وأما على التأويل الأول فالترجي باعتبار الغلبة المقتضية للإتباع ومقصودهم الأصلي أن لا يتبعوا أمر موسى.
﴿ فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ﴾ استفهام للتقرير
﴿ قال نعم وإنكم ﴾ عطف على مضمون نعم يعني أن لكم أجرا وأنكم ﴿ إذا ﴾ أي إذا كان لكم الغلبة متعلق بما بعده ﴿ لمن المقربين ﴾ التزم لهم القربة زيادة على ما طلبوا من الأجر عند الغلبة.
فقال السحرة لموسى ( إما أن تلقي وأما أن نكون نحن الملقين ) كما مر في الأعراف فحينئذ ﴿ قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ﴾ لم يرد به الأمر بالسحر بل أراد به الإذن في تقديم ما هم فاعلون لا محالة توسلا إلى إظهار أمره فلا يرد عليه أن الأمر بالمعصية حرام أو يقال هذا الأمر للتحقير أي لتحقير سحرهم في مقابلة المعجزة فليس من باب الطلب في شيء
﴿ فألقوا ﴾ أي السحرة ﴿ حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ﴾ تبركوا بعزة فرعون لفرط إعتقادهم أنه من السعداء أو أقسموا بعزته على إتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر
﴿ فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ﴾ أي تبتلع قرأ حفص بالتخفيف والباقون بالتشديد ﴿ ما يأفكون ﴾ ما موصولة يعني ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيحل حبالهم وعصيهم أنهما حيات تسعى أو مصدرية أي تبتلع إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة
﴿ فألقى السحرة ساجدين ﴾ يعني أنهم لما رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أنفسهم لعلمهم بأن مثله لا يتأتى بالسحر فطرحوا على وجوههم وانه تعالى ألقاهم بما وفقهم للتوبة وفيه دليل على ان منتهى السحر تمويه وتزوير يخيل شيئا لا حقيقة له
﴿ قالوا آمنا برب العالمين ﴾ بدل من ألقى بدل اشتمال أو حال بإضمار قد
﴿ رب موسى وهارون ﴾ إبدال للتوضيح ودفع التوهم والإشعار على أن الموجب لأيمانهم ما أجرى على أيديهما من المعجزة
﴿ قال ﴾ فرعون تعنتا ليلبس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق ﴿ آمنتم له ﴾ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر وروح ءامنتم بالهمزتين والباقون بهمزة واحد وحذف همزة الاستفهام الإنكاري ﴿ قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ﴾ فعلمكم شيئا دون شيء ولذلك غلبكم أو المعنى أنه وادعكم ذلك وتواطئتم عليه ﴿ فلسوف تعلمون ﴾ تهديدا إجمالا ثم فصله بقوله ﴿ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ﴾
﴿ قالوا لا ضير ﴾ أي لا ضرر علينا في ذلك لاستلزامه الشهادة والأجر الجزيل الذي يتلاشى في مقابلته المصائب الدنيوية ﴿ إنا إلى ربنا منقلبون ﴾ أتوعدنا به أو بسبب آخر من أسباب الموت وقتلك أنفعها وأرجاها تعليل لنفي الضير
﴿ إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا ﴾ أي لأن كنا ﴿ أول المؤمنين ﴾ من إتباع فرعون أو من أهل المشهد قلت : والظاهر أن معناه أن كنا من أول المؤمنين وأول المؤمنين هم الذين يقتدى بهم غيرهم والجملة تعليل ثان لنفي الضمير أو تعليل للعلة المتقدمة أو بدل اشتمال لها.
﴿ وأوحينا إلى موسى ﴾ بعدما أقام بين أظهرهم سنين يدعوهم إلى الحق ويريهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وفسادا ﴿ وأن أسر بعبادي ﴾ قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إنكم متبعون ﴾ يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر تعطيل للإسراء قال البغوي روي عن ابن عباس قال أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن جمع بني إسرائيل أهل كل أربعة أبيات في بيت ثم أذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة فلا تدخل بيتا على بابه دم وسآمرها فيقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ثم اخبزوا خبزا فطيرا فانه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ففعل ذلك
فلما أصبحوا قالوا لفرعون هذا عمل موسى وأتباعه قتلوا بكارنا من أنفسنا وأموالنا فأرسل في أثره ألف ألف وخمس مائة ألف ملك سود مع كل ملك ألف وخرج فرعون في الكرسي العظيم لكن قلت عدد جنوده بهذه المثابة مما يستعبده العقل ولم يرو من النقل ما يوجب العلم به ﴿ فأرسل فرعون ﴾ معطوف على محذوف تقديره فأسرى موسى قومه فبلغ الخبر فرعون وأراد أن يتبعهم فأرسل ﴿ في الدائن حاشرين ﴾ يعني الشرط ليحشروا أي ليجمعوا الجيش.
قلت : لعله بعث ناسا ليجمعوا أهل المدائن المتصلة بمصر بحيث يكمن إجتماعهم في تلك الليلة إلى الصباح قائلا لهم
﴿ إن هؤلاء ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ لشرذمة ﴾ بالكسر القليل من الناس كذا في القاموس ثم أكده بقوله﴿ قليلون ﴾ لإشعاره غاية القلة فهذه الآية تدل على بطلان ما روى أنهم كانوا ست مائة وسبعين ألفا وإنما استقلهم بالإضافة إلى جنوده على ما قيل في مدد جنوده أنه كانت مقدمته سبع مائة ألف والساقة والجناحين والقلب على قياس ذلك فانه لا يجوزه العقل نظرا إلى أجياد ملوك الأرض لاسيما ملك مصر قلت لعل إيراد الشرذمة لبيان قلتهم بالنسبة إلى جنود فرعون وإيراد قليلون لبيان قلتهم في نفس الأمر
﴿ وإنهم لنا لغائظون٥٥ ﴾ لنا متعلق بغائظون والمعنى أنهم أصحاب غيظ وعداوة لنا يعني مبغضون لنا أو المعنى إنهم لفاعلون بنا ما يغيظنا
﴿ وإنا لجميع حاذرون٥٦ ﴾ قرأ أهل الحجاز والبصرة حذرون وفرهين بغير ألف ووافقهم هشام في حذرون والباقون حاذرون وفارهين بالألف فيهما والأول للثبات والثاني للتجدد وهذا معنى ما قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الآن والحذر المخاوف وقيل حاذرون مؤدون مفرون أي ذووا إذاءة وقوة أي مستعدون السلاح كذا قال الزجاج ومعنى حذرون خائفون مستيقظون أي غير غافلين
﴿ فأخرجناهم ﴾ تقديره فاجتمعوا واتفقوا على الإتباع فأخرجناهم يعني أنهم خرجوا بتقديرنا ومشيئتنا ﴿ من جنات ﴾ أي بساتين ﴿ وعيون ﴾ أنهار
﴿ وكنوز ﴾ أي أموال من الذهب والفضة ﴿ ومقام كريم ﴾ أي منازل حسنة ومجالس بهية يعني مجالس الأمراء والرؤساء تحفها الأتباع
﴿ كذلك ﴾ أي الأمر كذلك ﴿ وأورثناها ﴾ يعني تلك الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم ﴿ بني إسرائيل ﴾ وذلك بأن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن
﴿ فأتبعوهم مشرقين٦٠ ﴾ أي داخلين في وقت شروق الشمس
﴿ فلما تراء ﴾ قرأ حمزة فإمالة فتحة الراء فالراء فإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين على أصله فيصير بين ألفين ممالتين الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة وهذا بحكم المشابهة غير أن هذا حقيقته على مذهبه و الباقون يخلصون فتحة الراء والهمزة في حال الوصل فأما الوقف فالكسائي يقف بإمالة فتحة الهمزة فيميل الألف التي بعدها المنقلبة من الباء لإمالتها وورش يجعلها فيه بين بين على أصله في ذوات الياء والباقون يقفون بالفتح ﴿ الجمعان ﴾ أي تقاربا بحيث يرى كل فريق من قوم موسى وقوم فرعون آخرين ﴿ قال أصحاب موسى إنا لمدركون ﴾ يعني سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم
﴿ قال ﴾ موسى ثقة بوعد الله ﴿ كلا ﴾ لن يدركونا ﴿ إن معي ﴾ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ ربى ﴾ بالعون والحفظ ﴿ سيهدين ﴾ أي يدلني على طريق النجاة
﴿ فأوحينا إلى موسى أن ﴾ مفسرة لأوحينا لما فيه معنى القول ﴿ اضرب بعصاك البحر فانفلق ﴾ عطف على محذوف تقديره فضرب موسى عصاه على البحر فانفلق البحر إلى النيل ﴿ فكان كل فرق ﴾ من الماء ﴿ كالطود العظيم ﴾ كالجبل الضخم الثابت في مقره فدخل كل سبق في شعب من شعابها
﴿ وأزلفنا ﴾ أي قربنا ﴿ ثم ﴾ في ذلك المكان ﴿ الآخرين ﴾ يعني قوم فرعون
﴿ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين٦٥ ﴾ بحبس البحر عن الجريان إلى أن عبروا
﴿ ثم أغرقنا الآخرين٦٦ ﴾ يعني قوم فرعون
﴿ إن في ذلك ﴾ أي أنجاء موسى ومن معه وإهلاك فرعون وقومه ﴿ لآية ﴾ حجة واضحة على صدق موسى عليه السلام ﴿ وما كان أكثرهم ﴾ أي اكثر اتباع فرعون ﴿ مؤمنين ﴾ قيل لم يكن امن لموسى من آل فرعون إلا آسية امراة فرعون وحزئيل مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه وامرأته ومريم بنت ناموسيا التي دلت علي قبر يوسف عليه السلام
﴿ وإن ربك لهو العزيز ﴾ في الانتقام من أعدائه ﴿ الرحيم ﴾ بأوليائه.
﴿ واتل عليهم ﴾ أي على أهل مكة عطف قوله ﴿ إذ نادى ربك موسى ﴾ لكونه مقدرا باذكر ﴿ نبأ إبراهيم إذ قال ﴾ إبراهيم متعلق بمحذوف أي أذكر
إذ قال بدل من قوله واتل عليهم ﴿ لأبيه ﴾ آزر سماه الله أبا لكونه عما ومربيا له ﴿ وقومه ما تعبدون ﴾ سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة
﴿ قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين٧١ ﴾ أطالوا في الجواب تبجحا وافتخارا ونظل هاهنا بمعنى ندوم وقال البغوي كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل
﴿ قال ﴾ إبراهيم ﴿ هل يسمعونكم ﴾ أي هل يسمعون دعاءكم وقال ابن عباس معنا ه هل يسمعون لكم ﴿ إذ تدعون ﴾ أورد صيغة المضارع مع إذ على حكاية الحال لماضية
﴿ أو ينفعونكم ﴾ على عبادتكم لها ﴿ أو يضرون ﴾ أعرض عنها
﴿ قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ﴾ يعنون أنها لا تسمع قولا ولا تنفع نفعا ولا تدفع ضرا بل اقتدينا بآبائنا يفعلون مفعول ثان لوجدنا وكذلك صفة لمصدر محذوف ليفعلون يعني بل ﴿ وجدنا آباءنا يفعلون ﴾ فعلا كذلك الفعل أي كفعلنا ذلك
﴿ قال ﴾ إبراهيم ﴿ أفرأيتم ما كنتم تعبدون ﴾ ﴿ أنتم وآباؤكم الأقدمون ﴾ همزة الاستفهام للتقرير أي حمل المخاطب على الإقرار والفاء للعطف على محذوف وما استفهامية والجملة الاستفهامية قائمة مقام مفعولي رأيتم أو موصولة وهي مع صلتها أول مفعولي رأيتم والثاني مقدر وتقدير الكلام أتأملتم فرأيتم الذي تعبدونه شيء لا ينفعكم لا يضركم ووصف الآباء بالتقدم للإشعار بأن التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ قال ﴾ إبراهيم ﴿ أفرأيتم ما كنتم تعبدون ﴾ ﴿ أنتم وآباؤكم الأقدمون ﴾ همزة الاستفهام للتقرير أي حمل المخاطب على الإقرار والفاء للعطف على محذوف وما استفهامية والجملة الاستفهامية قائمة مقام مفعولي رأيتم أو موصولة وهي مع صلتها أول مفعولي رأيتم والثاني مقدر وتقدير الكلام أتأملتم فرأيتم الذي تعبدونه شيء لا ينفعكم لا يضركم ووصف الآباء بالتقدم للإشعار بأن التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقا
﴿ فإنهم عدو لي ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وورش بفتح الياء والباقون بإسكانها يعني إن عبدتهم فإنهم عدولي أسند عداوتهم إلى نفسه تعريضا وإشعارا بأنهم أعداء لكم حيث يتضررون بعبادتها فوق ما يتضرر الرجل من عدوه وهذا دأب الناصح الكريم يبدأ بنفسه والتعريض أنفع من التصريح ونظيره قوله تعالى :﴿ وما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ يعني مالكم لا تعبدونه وإطلاق العدو على الجمادات مبني على التجوز إما لوصول الضرر من جهتها أو باعتبار ما يؤل الأمر إليه يوم القيامة قال الله ﴿ سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾ وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر على وزن فعول كالقبول أو على معنى أن كل معبود لكم فهو عدو لي وقيل يجوز إطلاق العدو والصديق على الواحد والجمع لان كل صفة على وزن فعول أو فعيل يستعمل كذلك يقال رجل عدو وقوم عدو قال الله تعالى :﴿ فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ﴾ وقال الله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ﴾ ﴿ إلا رب العالمين ﴾ استثناء منقطع كأنه قال فأنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي وقيل إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله تعالى فقال إبراهيم كل من تعبدونه عدو لي إلا رب العالمين أو يقال كان من آبائهم من يعبد الله
﴿ الذي خلقني فهو يهدين٧٨ ﴾ فإنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد قال الله ﴿ والذي قدر فهدى ﴾ هداية مدرجة من مبدأ الإيجاد إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار مبدأها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من السرة ومنتهاها إلى طريق الجنة ولذائذها الموصول مع صلتها صفة لرب العالمين أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي خلقني أو منصوب على المدح والفاء للعطف واختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية والموصولات الثلاثة معطوفات عليه أو الموصول مبتدأ خبره ﴿ فهو يهدين ﴾ والفاء للسببية
وقوله ﴿ والذي هو يطعمني ويسقين٧٩ ﴾ على هذا مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده وتكرير للموصول على الوجوه كلها للدلالة على أن كل واحد من الصلات مستقلة لاقتضاء الحكم
﴿ وإذا مرضت فهو يشفين٨٠ ﴾ عطفه على ﴿ يطعمني ويسقين ﴾ لكونها من روافدها فإن الصحة والمرض في الغالب يتبعان المأكول والمشروب ولم ينسب المرض إلى الله تعالى مع أن المرض والشفاء كلا منهما بخلقه سبحانه رعاية لحسن الأدب كما قال خضر ﴿ فأردت أن أعيبها ﴾ وقال ﴿ فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ﴾ وأسند إلى نفسه هضما ونظرا إلى أن ما أصاب الإنسان من مصيبة فبما كسبت يداه ولأن المقصود تعديد النعم وأسند الموت إلى الله سبحانه لأن الموت من حيث أنه لا يحس به لا ضرر فيه وإنما الضرر في مقدماته وهي المرض ولأن الموت لأهل الكمال خلاص من أنواع المحن ووصله إلى نيل النعم التي يستحقر دونها الحياة الدنيوية كما قيل الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب.
وفي الحديث " موت الفجاءة راحة للمؤمن وأخذة الأسف للفاجر " رواه أحمد والبيهقي بسند حسن عن عائشة مرفوعا وفي الحديث " الموت كفارة لكل مسلم " رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي بسند ضعيف عن أنس ولأن المريض في الغالب يحدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه ولما بين الأخلاط والأركان من التنافي والتنافر والصحة إنما يحصل باستحفاظ اجتماعهما والاعتدال المحفوظ عليها قهرا بقدرة العزيز الحكيم
﴿ والذي يميتني ثم يحيين٨١ ﴾ في الآخرة.
﴿ والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين٨٢ ﴾ ذكر هضما لنفسه أو تعليما لامته ان يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر منها ويطلبوا المغفرة لما صدر عنهم أو استغفار لما فات منه العزيمة وعمل بالرخصة شفقة على أمته كيلا يضيق عليهم نطاق الأمر وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث قوله ﴿ إني سقيم ﴾ وقوله ﴿ بل فعله كبيرهم ﴾ وقوله لسارة هذه أختي كما قال به مجاهد وقوله للكوكب هذا ربي كما قال الحسن زائدا على الثلاث ضعيف لأنها معاريض وليست بخطايا والله أعلم. روى البغوي عن مسروق عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ابن جدعان في الجاهلية كان يصل الرحم ويطعم المساكين فهل كان نافعه ؟ قال لا ينفعه إنه لم يقل يوما ﴿ رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين ﴾ وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه وإشعار بأنه من لا يستطيع أن يفعل هذا لا يصلح للألوهية.
﴿ رب هب لي حكما ﴾ أي كمالا في العلم والعمل بحيث يستعد خلافه الحق ورياسة الخلق ﴿ وألحقني بالصالحين ﴾ ووفقني الكمال في العمل حتى أنتظم في سلك الصالحين الذين لا يشوبهم فساد أصلا وهم الأنبياء المعصومون.
﴿ وأجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾ يعني ثناء حسنا وذكرا جميلا مطابقا للواقع وقبولا عاما في الأمم اللآتي يأتين من بعدي والمعنى يكون لسان الآخرين في ثنائي صادقا
﴿ وأجعلني من ورثة جنة النعيم ﴾ في الآخرين.
﴿ واغفر لأبي ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وورش بفتح الياء والباقون بإسكانها يعني إغفره بالهداية والتوفيق للإيمان ﴿ إنه كان من الضالين ﴾ عن طريق الحق وكان هذا الدعاء قبل أن يتبين له انه عدو لله ولم يقدر له الهداية والإيمان قال الله تعالى :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ﴾ أو لأنه لم يمنع بعد الاستغفار للكفار.
﴿ ولا تخزني ﴾ أي لا تفضحني بمعاتبتي على ما فرطت أو ينقص مرتبتي عن مرتبة الصالحين من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بمعنى الحياء ﴿ يوم يبعثون ﴾ الضمير للعباد لكونهم معلومين أو للضالين أخرج الشيخان في الصحيحين عن ابن عمر أنه سئل كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى قال :" يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول علمت كذا وكذا فيقول نعم ثم يقول نعم ثم يقول إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطي كتاب حسناته بيمينه وأما الكافر والمنافق فينادي به على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين "
﴿ يوم لا ينفع مالا ولا بنون٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم٨٩ ﴾ أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد قال البغوي هذا قول أكثر المفسرين قال سعيد بن جبير القلب السليم قلب المؤمن وقلب الكافر والمنافق مريض قال أبو عثمان النيشافوري هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة يعني أهل السنة والجماعة يعني لا ينفع مالا ولا بنون أحدا إلا مؤمنا مفرغ في محل النصب أولا ينفع مال ولا بنون إلا مال مؤمن وبنوه فالمستثنى في محل الرفع على البدلية والحاصل أن الكافر وإن بذل ماله في صلة الرحم وإطعام المساكين لا ينفعه لعدم إسلامه وكذا بنوه وإن كانوا صلحاء أو أنبياء لا ينفعون أبائهم بالشفاعة أو الاستغفار ﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى ﴾ روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم أنظر ما تحت رجليك فينظر فإذا بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار فيتبرأ منه يومئذ " انتهى. وأما المؤمن فينفعه ماله الذي أنفقه في الطاعة وولده بالشفاعة والاستغفار وقيل الاستثناء منقطع والمعنى ولكن سلامة من أنى الله بقلب سليم ينفعه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ يوم لا ينفع مالا ولا بنون٨٨ إلا من أتى الله بقلب سليم٨٩ ﴾ أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد قال البغوي هذا قول أكثر المفسرين قال سعيد بن جبير القلب السليم قلب المؤمن وقلب الكافر والمنافق مريض قال أبو عثمان النيشافوري هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة يعني أهل السنة والجماعة يعني لا ينفع مالا ولا بنون أحدا إلا مؤمنا مفرغ في محل النصب أولا ينفع مال ولا بنون إلا مال مؤمن وبنوه فالمستثنى في محل الرفع على البدلية والحاصل أن الكافر وإن بذل ماله في صلة الرحم وإطعام المساكين لا ينفعه لعدم إسلامه وكذا بنوه وإن كانوا صلحاء أو أنبياء لا ينفعون أبائهم بالشفاعة أو الاستغفار ﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى ﴾ روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم أنظر ما تحت رجليك فينظر فإذا بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار فيتبرأ منه يومئذ " انتهى. وأما المؤمن فينفعه ماله الذي أنفقه في الطاعة وولده بالشفاعة والاستغفار وقيل الاستثناء منقطع والمعنى ولكن سلامة من أنى الله بقلب سليم ينفعه.
﴿ وأزلفت الجنة للمتقين٩٠ ﴾ بحيث يرونها من الموقف بأنهم للمحشورون
﴿ وبرزت الجحيم للغاوين ﴾ فيرونها مكشوفة ويرون أنهم يساقون إليها قال البيضاوي وفي اختلاف القولين ترجيح لجانب الوعد
﴿ وقيل لهم ﴾ أي الغاوين ﴿ أين ما كنتم تعبدون ﴾ يعني أين الذين كنتم تعبدونها وترجون شفاعتها
﴿ من دون الله ﴾ حال من الضمير المنصوب ﴿ هل ينصرونكم ﴾ الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي هل يمنعونكم من العذاب ﴿ أو ينتصرون ﴾ أي يدفعون العذاب عن أنفسهم بل هم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم
﴿ فكبكبوا فيها ﴾ قال البغوي قال ابن عباس أي جمعوا وقال مجاهد دهوروا قال مقاتل قذفوا وقال الزجاج طرح بعضهم على بعض وقال القتيبي ألقوا على رؤوسهم وفي القاموس كبه أي قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب وهو لازم يعني كب وكبكب بمعنى واحد وقال البيضاوي كبكب تكرير الكب لتكرير معناه كأن من ألقى في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها ﴿ هم ﴾ يعني الآلهة الباطلة ﴿ والغاوون ﴾ أي عابدوها
﴿ وجنود إبليس ﴾ أي متبعوه من عصاه الثقلين ويقال ذريته ﴿ أجمعون ﴾ تأكيد للجنود إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير المرفوع في كبكبوا مع ما عطف عليه.
﴿ قالوا ﴾ يعني الغاوون للشياطين والمعبودين ﴿ وهم فيها يختصمون ﴾ حال من فاعل قالوا والضمير المرفوع المنفصل يعود إلى العابدين والمعبودين جميعا ينطق الله الأصنام فيخاصمون العبدة
﴿ تالله إن كنا لفي ضلال مبين٩٧ ﴾ إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة والجملة مقولة
قالوا ﴿ إذ نسويكم ﴾ أيها المعبودون في استحقاق العبادة ﴿ برب العالمين ﴾ إذ نسويكم متعلق بقوله كنا ويجوز أن يكون الضمير المنفصل وما يعود إليه راجعا إلى العبدة فحسب كما في قالوا بناء على عدم صلاحية الإختصاص في الأصنام والخطاب إلى الأصنام وفائدة الخطاب المبالغة في التحسر والندامة والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ إضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة فيتحسرون عليها
﴿ وما أضلنا إلا المجرمون٩٩ ﴾ قال مقاتل يعنون الشياطين وقال الكلبي الأولين الذين اقتدروا بهم
﴿ فما لنا من شافعين ﴾ كما أن للمؤمنين شفعاء من النبيين والملائكة وإخوانهم الصالحين
﴿ ولا صديق ﴾ أي صادق في المودة جمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء ولأطلاق الصديق على الجمع كالعدو كما ذكرنا أن وزن فعول وفعيل يجيء في الجمع والواحد ولأنه في الأصل مصدر كالجنين والصهيل ﴿ حميم ﴾ أي قريب في القاموس حميم كأمير القريب جمعه أحماء وقد يكون الحميم للجمع والمؤنث يعنون أنه ليس لنا صديق ولا ريب يشفع لنا فإن ﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾ روى البغوي عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فان لهم شفاعة يوم القيامة
﴿ فلو أن لنا كرة ﴾ أي رجعة إلى الدنيا تمني للرجعة أقيم فيه لو مقام ليت لاشتراكهما في معنى التقدير أو شرط حذف جوابه يعني لكان خيرا ﴿ فنكون من المؤمنين ﴾ جواب للتمني أو عطف على كرة
﴿ إن في ذلك ﴾ أي فيما ذكر من قصة إبراهيم ﴿ لأية ﴾ أي لحجة واضحة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر فإنها جاءت على نظم ترتيب وأحسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصوير الأمر في نفسه وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول وأيضا فيه حجة واضحة على صدق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وما كان أكثرهم ﴾ أي أكثر قومه ﴿ مؤمنين ﴾ به
﴿ وإن ربك لهو العزيز ﴾القادر على الانتقام ﴿ الرحيم ﴾ بإهمال الكفار لكي يؤمنوا به هم أو واحد من ذريتهم وإنعام المؤمنين.
﴿ كذبت قوم نوح المرسلين ١٠٥ ﴾ القوم مؤنث ولذلك تصغر على قويمة أورد المرسلين بصيغة الجمع والمراد به الجنس يقال يركب فلان الخيل وإن لم يكن له إلا فرس واحد أو لأنهم كانوا ينكرون بعث الرسل وروى عن الحسن البصري انه قيل له يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى :﴿ كذبت قوم نوح المرسلين١٠٥ ﴾ كذبت عاد المرسلين وكذبت ثمود المرسلين.
وإنما أرسل إليهم رسول واحد قال إن الآخر جاء بما جاء الأول فإذا كذبوا واحدا كذبوا الرسل ﴿ إذ قال لهم أخوهم ﴾ في النسب لا في الدين ﴿ نوح ﴾ عطف بيان للأخ ﴿ ألا تتقون ﴾ الله فتتركون عبادة غيره.
﴿ إني لكم ﴾ لهدايتكم إلى ما هو خير لكم ﴿ رسول ﴾ من الله ﴿ أمين ﴾ على وحيه مشهور فيكم بالصدق والأمانة.
﴿ فاتقوا الله ﴾ اجتنبوا من عذابه ﴿ وأطيعون ﴾ فيما أمركم به من التوحيد والعبادة لله وحده.
﴿ وما أسألكم عليه ﴾ أي على دعائكم إلى الله والنصح ﴿ من أجر ﴾ حتى تتهموني في النصح بالطبع ﴿ إن أجرى ﴾ قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين ﴾
﴿ فاتقوا الله وأطيعون ﴾ كرره للتأكيد والنسبية على أن دلالة كل واحد من أمانته وعدم طمعه مستقلة على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا
﴿ قالوا ﴾ يعني قومه إنكارا عليه ﴿ أنؤمن لك واتبعك ﴾ حال بتقدير قد. قرأ يعقوب أتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال، ﴿ الأرذلون ﴾ جمع أرذل على وزن أعوس على السلامة في القاموس وهو الدون الخسيس، قال البيضاوي الأقل جاها ومالا، قال البغوي السفالة وعن ابن عباس الصاغة قال عكرمة الحاكة والأساكفة وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على حطام الدنيا حتى جعلوا الأتباع فيها مانعا عن اتباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه ودليلا على بطلانه وأشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك ﴿ قال ﴾ نوح ﴿ وما علمي بما كانوا يعملون ﴾
﴿ قال وما علمي بما كانوا يعملون ﴾ يعني إني لا أعلم أنهم عملوا ذلك الاتباع إخلاصا لله أو طمعا في رفعة في الدنيا وما علي إلا اعتبار الظاهر
﴿ إن حسابهم ﴾ يعني ما حسابهم على بواطنهم ﴿ إلا على ربي ﴾ فانه المطلع عليها ﴿ لو تشعرون ﴾ يعني لو كان لكم شعور لأدركتم ذلك ولكن الله عطل مشاعركم عن درك الحق وأعمى بصائركم قال البغوي يعني لو علمتم ذلك ما عبتموهم بصنائعهم قال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات
﴿ وما أنا بطارد المؤمنين١١٤ ﴾ جواب لما أوهم قولهم من استدعاء طردهم
﴿ إن أنا إلا نذير مبين ﴾ كالعلة لعدم الطرد يعني سواء كانوا أعزاء وأذلاء فكيف يسوغ لي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء إذ ما علي إلا إنذاركم.
قال الضحاك : إنذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علي أن أطردهم لاسترضائكم
﴿ قالوا لئن لم تنته يا نوح ﴾ عما نقول ﴿ لتكونن من المرجومين ﴾ من المشتومين كذا قال الضحاك أومن المقتولين بالحجارة كذا قال مقاتل والكلبي
﴿ قال رب إن قومي كذبون ﴾ إظهار لما يدعو إلى دعائه عليهم وهو تكذيب الحق لا تخويفهم إياه واستخفافهم به
﴿ فافتح بيني وبينهم فتحا ﴾ من الفتاحة ﴿ ونجني ومن معي ﴾ قرأ ورش وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ من المؤمنين ﴾ من قصدهم أو شؤم عملهم
﴿ فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ﴾ المملوء
﴿ ثم أغرقنا بعد ﴾ أي بعد إنجائه والمؤمنين ﴿ الباقين ﴾ من قومه وهم الكافرون
﴿ إن في ذلك لآية ﴾ شاعت وتواترت ﴿ وما كان أكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز الرحيم ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:﴿ إن في ذلك لآية ﴾ شاعت وتواترت ﴿ وما كان أكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز الرحيم ﴾.
﴿ كذبت عاد المرسلين١٢٣ ﴾ أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيهم.
﴿ إذ قال لهم أخوهم ﴾ في النسب في الدين ﴿ هود ألا تتقون ﴾ عذاب الله بالتوحيد وترك الإشراك
﴿ إني لكم رسول أمين١٢٥ ﴾ أمين على الرسالة قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة يعني ما كنتم تتهموني قبل ذلك فكيف تتهموني اليوم ﴿ فاتقوا الله وأطيعون ﴾
﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى ﴾ قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها
﴿ إلا على رب العالمين ﴾ فإن أداء الرسالة طاعة لله تعالى فأجره عليه.
مسألة :
لا يجوز أخذ الأجرة على الطاعة وإلا لا تكون الطاعة طاعة لله تعالى ولا يستحق الأجر من الله تعالى.
﴿ أتبنون بكل ريع ﴾ الإستفهام للتوبيخ أو التقرير والإستغراق في كل ريع غير حقيقي بل المراد به الكثير بالكثرة في نفسها دون الكثرة بالإضافة قال الوالبي عن ابن عباس أي بكل شرف يعني بكل مكان مرتفع وريع الأرض لنمائها.
وقال الضحاك ومقاتل بكل طريق وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وعن مجاهد هو الفج بين الجبلين وعنه أيضا المنظر وفي القاموس الريع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض والطريق المنفرج في الجبل أو الجبل المرتفع أو مسيل الوادي من كل مكان مرتفع وبالكسر الصومعة وبرج الحمام ﴿ آية ﴾ أي علامة مذكرة للبناني ﴿ تعبثون ﴾ أي تفعلون فعلا لا يفيدكم في الآخرة بل في الدنيا أيضا أو معنى الآية : علامة للمارة تعبثون ببنائها إذا كانت المارة والسابلة فسيخرون منهم ويعبثون بهم وعن سعيد بن جبير هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها بدليل قوله تعبثون أي تلعبون وهم كانوا يلعبون بالحمام قلت : والظاهر أنهم كانوا يبنون قصورا أو بروجا وقلاعا تبقى على وجه الأرض بمر الدهور تكون ذلك علامة مذكرة لمن بناه كما هو دأب أهل الدنيا يدل عليه قوله تعالى :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد٦ إرم ذات العماد٧ التي لم يخلق مثلها في البلاد٨ ﴾ وكل ذلك عبث فأنكر عليهم هود عليه السلام كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :" إذا أراد الله بعبد شرا حصر له في اللبن والطين حتى يبنى " رواه الطبراني بسند جيد من حديث جابر ورواه في الأوسط من حديث أبي البشر الأنصاري بلفظ " إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان " وقال صلى الله عليه وسلم :" كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه " رواه الطبراني بسند حسن عن واثلة بن الأسقع وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرج يوما ونحن معه فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه ؟ قال أصحابه هذه لفلان رجل من الأنصار فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم عليه في الناس فأعرض عنه، صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب منه والإعراض عنه فشكى ذلك إلى أصحابه فقال والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا خرج فرأى قبتك، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها قال ما فعلت القبة ؟ قالوا شكى إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا مالا إلا مالا " رواه أبو داود واللفظ له يعني إلا ما لا بد منه، وروى أحمد وابن ماجه عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم " أما إن كل بناء فهو وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجد أو دار " ويدل على ما ذكرت قوله تعالى ﴿ وتتخذون مصانع ﴾
﴿ وتتخذون مصانع ﴾ مآخذ الماء وقصورا مشيدة وحصونا عطف على تبنون ﴿ لعلكم تخلدون ﴾ كأنكم تبقون فيها أبدا فتحكمون بنائها.
مسألة :
يكره طول الأمل ويستحب قصره عن ابن عمر قال " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور " رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو قال :" مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وأمي نطين شيئا فقال ما هذا يا عبد الله ؟ قلت شيء نصلحه قال الأمر أسرع من ذلك " رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فأقول يا رسول الله أن الماء منك قريب فيقول :" ما يدريني لعلي لا أبلغه " رواه البغوي في شرح السنة وابن الجوزي في كتاب الوفاء.
﴿ وإذا بطشتم ﴾ أخذتم أخذا بالعنف تعذيبا، الظرف متعلق بقوله ﴿ بطشتم ﴾ معطوف على تبنون ﴿ جبارين ﴾ قتالين في غير حق بلا رأفة، في القاموس الجبار المتكبر وقلب لا يدخله رحمة والقتال في غير حق
﴿ فاتقوا الله ﴾ بترك هذه الأشياء ﴿ وأطيعون ﴾ فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم
﴿ واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون١٣٢ ﴾ كرر الأمر بالتقوى مرتبا على إمداد الله إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلا له وتنبيها على الوعد بدوام الإمداد والوعيد على تركه بالانقطاع
ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساوئهم المدلول عليها آجلا بالإنكار في ألا تتقون مبالغة في الاتعاظ والحث على التقوى فقال :﴿ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ﴾ بدل من أمدكم السابق
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٣:ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساوئهم المدلول عليها آجلا بالإنكار في ألا تتقون مبالغة في الاتعاظ والحث على التقوى فقال :﴿ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ﴾ بدل من أمدكم السابق
ثم أوعدهم فقال ﴿ إني ﴾ فتح الياء حرميان وأبو عمرو والباقون يسكنونها ﴿ أخاف عليكم ﴾ إن عصيتموني كذا قال ابن عباس ﴿ عذاب يوم عظيم ﴾ في الدنيا أو الآخرة فان القادر على الإنعام قادر على الانتقام والجملة في مقام التعليل.
﴿ قالوا ﴾ يعني قوم هود في جوابه ﴿ سواء علينا ﴾ مصدر بمعنى المفعول غير مقدم لقوله ﴿ أوعظت أم لم تكن من الواعظين ﴾ مبتدأ بتأويل المصدر يعني مستو عندنا وعظك إيانا وعدمه لا نترك ما نحن عليه بوعظك، والوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد، غير شق النفي عما يقتضيه المقابلة حيث لم يقل أوعظت أم لم تعظ للمبالغة في عدم اعتدادهم لوعظه
﴿ إن هذا إلا خلق الأولين١٣٧ ﴾ قرأ أبو جعفر وأبو عمرو والكسائي ويعقوب بفتح الخاء وسكون اللام يعني ما هذا الذي جئتنا به من الوعظ إلا كذب الأولين واختلاقهم كما في قوله تعالى :﴿ وتخلقون إفكا ﴾ أو المعنى ما خلقنا هذا إلا خلق الأولين نحيى ونموت مثلهم لا بعث ولا حساب، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وابن كثير بضمتين أي ما هذا الذي جئتنا به إلا عادة أولين كانوا يكذبون مثله وما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها
﴿ وما نحن بمعذبين١٣٨ ﴾ على ما نحن عليه
﴿ فكذبوه ﴾ تأكيد وتقرير لما سبق من قوله :﴿ إن هذا إلا خلق الأولين١٣٧ ﴾ على بعض التأويلات ﴿ فأهلكناهم ﴾ السبب التكذيب بريح صرصر كما ذكر في غير هذا الموضع ﴿ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين٨ ﴾ فيه إشارة إلى أنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب وأن قريشا إنما عصموا عن مثله ببركة من آمن منهم قال الله تعالى :﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ﴾ إلى قوله :﴿ لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ﴾
﴿ ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ قرأ نافع وابن عامر وأبو عمر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين ﴾
﴿ أتتركون في ما هاهنا ﴾إنكار لتركهم فيما أنعموا في الدنيا أو تذكير بالنعمة في تخلية الله إياهم في أسباب التنعم ﴿ آمنين ﴾ غير خائفين من العذاب ثم فسر ما هاهنا بقوله ﴿ في جنات ﴾مع ما عطف عليه بدل من قوله فيما هاهنا ﴿ وعيون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٦:﴿ أتتركون في ما هاهنا ﴾إنكار لتركهم فيما أنعموا في الدنيا أو تذكير بالنعمة في تخلية الله إياهم في أسباب التنعم ﴿ آمنين ﴾ غير خائفين من العذاب ثم فسر ما هاهنا بقوله ﴿ في جنات ﴾مع ما عطف عليه بدل من قوله فيما هاهنا ﴿ وعيون ﴾
﴿ وزروع ونخل طلعها ﴾ أي ثمرتها ﴿ هضيم ﴾ قال ابن عباس أي لطيف ومنه هضيم الكشح إذا كان لطيفا وروى عطية عنه نافع نضيح وقال عكرمة هو اللين وقال الحسن هو الرخو وقال مجاهد متهشم متفتت إذا يبس وذلك انه ما دام رطبا فهو هضيم فإذا يبس فهو هشيم وقال الضحاك ومقاتل قد ركب بعضها بعضا أي كثير وقال أهل اللغة هو المنضم بعضه إلى بعض في دعائه قبل أن يظهر قال الأزهري هو الداخل بعضه في بعض وقيل هضيم أي هاضم يهضم الطعام وكل هذا للطافته
﴿ وتنحتون من الجبال بيوتا ﴾ عطف على قوله آمنين لتضمنه معنى الفعل على طريقة ﴿ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ﴾ والتقدير تأمنون وتنحتون أو حال من ضمير آمنين بتقدير وأنتم تنحتون ﴿ فارهين ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو فرهين وهو أبلغ لأنه صفة مشبهة يدل على الدوام والباقون فارهين يعني حاذقين بنحتها من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره وقال عكرمة معناه ناعمين وقال قتادة معجبين بصنيعكم وقال السدي متجبرين وقال الأخفش فرحين والعرب يعاقب بين الحاء والهاء مثل مدحته ومدهته وقال أي شرهين يعني حريصين والشره غلبة الحرص وقال أبو عبيدة مرحين أشرين بطرين وهو الطغيان بالنعمة وعدم قبول الحق تكبرا
﴿ فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين١٥١ ﴾ قال ابن عباس أي المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذي عقروا الناقة
﴿ فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين١٥١ ﴾ قال ابن عباس أي المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذي عقروا الناقة
﴿ الذين يفسدون في الأرض ﴾ بالمعاصي ﴿ ولا يصلحون ﴾ ولا يطيعون الله فيما أمرهم به.
﴿ قالوا ﴾ يعني ثمود ﴿ إنما أنت من المسحرين ﴾ أي من المسحورين المخدوعين كذا قال مجاهد وقتادة وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب يقال سحره أي علله بالطعام والشراب يعني أنك تأكل الطعام والشراب ولست بملك بل ﴿ ما أنت إلا بشر مثلنا ﴾فلا أنت بنبي أو المعنى إنك ذو سحر وهي الرئة أي إنسان فحينئذ ما أنت إلا بشر مثلنا تأكيد له
﴿ ما أنت إلا بشر مثلنا ﴾ فلا أنت بنبي أو المعنى إنك ذو سحر وهي الرئة أي إنسان فحينئذ ما أنت إلا بشر مثلنا تأكيد له ﴿ فأت بآية ﴾ دليل على صحة قولك ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾ في دعواك
فأخرج الله سبحانه ناقة من الصخرة بدعائه على ما اقترحوا آية على صدقه حتى ﴿ قال ﴾ صالح ﴿ هذه ناقة ﴾ آية صدقي ﴿ لها شرب ﴾ أي حظ ونصيب من الماء صفة لناقة ﴿ ولكم شرب يوم معلوم ﴾ فأقتصروا على شربكم ولا تزاحموها في شربها والجملة حال عن الضمير المستكن في " لها شرب " فكانت الناقة تشرب الماء كله في يوم نوبتها ولا تشرب أصلا في يوم نوبتهم وهذا دليل على جواز المهايأة
﴿ ولا تمسوها بسوء ﴾ أي بضرب وعقر عطف على هذه ناقة﴿ فيأخذكم عذاب يوم عظيم ﴾ أي يوم عظيم عذابه وهو أبلغ من تعظيم العذاب لان الوقت إذا عظم بسببه كان وقعه من العظمة أشد
﴿ فعقروها ﴾ عطف على قال، نسب العقر إلى الكل مع صدوره من بعضهم لأمرهم ورضائهم به وكذلك أخذوا في العذاب كلهم ﴿ فأصبحوا نادمين ﴾ على عقرها خوفا من نزول العذاب لا توبة، أو عند معاينة العذاب حين لا ينفعهم
﴿ فأخذهم العذاب ﴾ الموعود ﴿ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين١٥٨ ﴾﴿ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾.
﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين ﴾ جملة﴿ إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين١٦٥ ﴾
جملة أتأتون بيان أو بدل لقوله ألا تتقون يعني أتأتون من دون من عداكم من العالمين الذكران تجامعونهم لا يشارككم فيه غيركم أو أتأتون الذكران بالجماع دون النساء من العالمين من أولاد آدم عليه السلام مع كثرتهم وغلبة النساء فيهم فالمراد بالعالمين على الأول كل من ينكح وعلى الثاني الناس.
﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم ﴾ لأجل استمتاعكم ﴿ من أزواجكم ﴾ من للبيان إن أريد بما جنس الإناث وللتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فإنهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم أيضا كما تفعله الرافضة وفيه دليل على حرمة إدبار الزوجات والمملوكات ﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ مجاوزون من حد الحلال إلى الحرام في قضاء الشهوة زدتم في قضائها على سائر الناس بل على الحيوانات أو مفرطون في المعاصي وهذا من جملة ذلك أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكاب هذه اللائمة.
﴿ قالوا لئن لم تنته ﴾ جواب قسم محذوف ﴿ يا لوط ﴾ عما تدعيه أو عن نهينا بقبيح أمرنا ﴿ لتكونن من المخرجين ﴾ من قريتنا
﴿ قال إني لعملكم من القالين١٦٨ ﴾ من المبغضين فآية البغض لا أبالي من الإخراج وهو أبلغ من أن يقول إني لعملكم قال لدلالته على انه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم وكذلك قوله ﴿ بل انتم قوم عادون ﴾ مكان تعدون
ثم لما ظهر عند لوط عدم تأثير دعوته فيهم دعا ربه أن ينجيه من مصاحبتهم ويعافيه مما يلحقهم من العذاب فقال ﴿ رب نجني وأهلي مما يعملون١٦٩ ﴾
أي من شؤمه وعذابه
﴿ فنجيناه ﴾ عطف على قال المقدر قبل قوله ﴿ رب نجني ﴾ ﴿ وأهله أجمعين ﴾ أي أهل بيته ومتبعيه في دينه إخراجهم من بينهم وحلول العذاب بهم دونه.
﴿ إلا عجوزا في الغابرين١٧١ ﴾ مقدرة في الباقين في العذاب والهلاك أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم وقيل كانت فيمن بقي في القرية ولم يخرج مع لوط عليه السلام
﴿ ثم دمرنا ﴾ أي أهلكنا ﴿ الآخرين ﴾
﴿ وأمطرنا عليهم مطرا ﴾ قال وهب بن منبه الكبريت والنار ﴿ فساء مطر المنذرين ﴾ اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.
قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بفتح اللام والتاء غير مهموز وهم اسم بلد غير منصرف ولم يختلفوا في سورة الحجر وق فإنهما مهموزتان مكسورتان مع سكون اللام غير أن ورشا يلقي حرمة الهمزة على اللام على أصله
والأيكة الغيضة من الشجر الملتف كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة فبعث الله تعالى إليهم شعيبا كما بعثه إلى مدين وكان شعيب من أهل مدين ولم يكن من أصحاب الأيكة ولذلك قال :﴿ إذ قال لهم شعيب ﴾
وكان شعيب من أهل مدين ولم يكن من أصحاب الأيكة ولذلك قال :﴿ إذ قال لهم شعيب ﴾ولم يقل أخوهم شعيب كما قال في ذكر مدين ﴿ أخاهم شعيبا ﴾ لأنه كان منهم نسبا
﴿ وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين ﴾ إنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من طلب الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة ومن ثم قال الله تعالى :﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ﴾ وقال الله تعالى :﴿ أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾ فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى } قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين ﴾ إنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من طلب الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة ومن ثم قال الله تعالى :﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ﴾ وقال الله تعالى :﴿ أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾
﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إلا على رب العالمين ﴾ إنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من طلب الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة ومن ثم قال الله تعالى :﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ﴾ وقال الله تعالى :﴿ أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾
﴿ أوفوا الكيل ﴾ يعني أتموه، الجملة مع ما عطف عليه بيان للتقوى ﴿ ولا تكونوا من المخسرين ﴾ الناقصين لحقوق الناس بالتطفيف.
﴿ وزنوا بالقسطاس ﴾ قرأ حمزة والكسائي بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان وهو إن كان عربيا فان كان من القسط بمعنى العدل ففعلاع بتكرير العين وإلا فهو فعلال رباعي ﴿ المستقيم ﴾ المستوى الذي لا تطفيف فيه.
﴿ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ﴾ أي لا تنقصوا شيئا من حقوقهم ﴿ ولا تعثوا ﴾ أي لا تفسدوا ﴿ في الأرض ﴾ بالقتل والغارة وقطع الطريق والنهب وغير ذلك ﴿ مفسدين ﴾ يعني قاصدين الفساد فمن وقع منه نوع فساد بنية الإصلاح كمن رمى كافرا ( تترس بأسير مسلم ) يليه الكافر وأصاب الأسير المسلم فلا غرم عليه ومن وقع منه فساد خطأ من غير قصد فهو غير مفسد.
﴿ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ﴾أي ذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق.
﴿ قالوا إنما أنت من المسحرين١٨٥وما أنت إلا بشر مثلنا ﴾ الواو للعطف على ما سبق للدلالة على أنه جامع بين وصفين منافيين للرسالة مبالغة في تكذيبه وجاز أن يكون حالا مما سبق
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٥:﴿ قالوا إنما أنت من المسحرين١٨٥وما أنت إلا بشر مثلنا ﴾ الواو للعطف على ما سبق للدلالة على أنه جامع بين وصفين منافيين للرسالة مبالغة في تكذيبه وجاز أن يكون حالا مما سبق
﴿ قالوا إنما أنت من المسحرين١٨٥وما أنت إلا بشر مثلنا ﴾ الواو للعطف على ما سبق للدلالة على أنه جامع بين وصفين منافيين للرسالة مبالغة في تكذيبه وجاز أن يكون حالا مما سبق
﴿ وإن نظنك ﴾ يعني وإنا نظنك ﴿ لمن الكاذبين ﴾في دعواك
﴿ فأسقط علينا كسفا ﴾ قرأ حفص هاهنا وفي سبأ بفتح السين والباقون بسكونها أي قطعة ﴿ من السماء إن كنت من الصادقين ﴾ في دعواك
﴿ قال ﴾ شعيب ﴿ ربي أعلم بما تعملون ﴾ من بخس الكيل والوزن وغير ذلك وهو يجازيكم عليه إن شاء وليس العذاب إلي وما علي إلا الدعوة
﴿ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ﴾ وذلك أنه أخذهم حر شديد وكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا فأظلهم سحابة وهي الظلة فاجتمعوا إليها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا قد ذكر القصة في سورة هود
﴿ إنه كان عذاب يوم عظيم١٨٩إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين١٩٠وإن ربك لهو العزيز الرحيم١٩١ ﴾ هذا آخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدا للمكذبين به.
﴿ إنه كان عذاب يوم عظيم١٨٩إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين١٩٠وإن ربك لهو العزيز الرحيم١٩١ ﴾ هذا آخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدا للمكذبين به.
﴿ إنه كان عذاب يوم عظيم١٨٩إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين١٩٠وإن ربك لهو العزيز الرحيم١٩١ ﴾ هذا آخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدا للمكذبين به.
﴿ وإنه ﴾ أي القرآن ﴿ لتنزيل رب العالمين ﴾ مصدر بمعنى المفعول يعني منزل من رب العالمين عطف على قوله ﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾
﴿ نزل به الروح الأمين١٩٣ ﴾ حل بتقدير قد أو تأكيد لما سبق أو علة لكونه تنزيلا من الله قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص نزل بالتخفيف ﴿ الروح الأمين ﴾ بالرفع على الفاعلية يعني نزل بالقرآن الروح الأمين يعني جبرائيل عليه السلام وهو أمين الله على الوحي إلى الأنبياء وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد التاء ونصب الروح الأمين على المفعولية يعني نزل الله جبرئيل بالقرآن
﴿ على قلبك ﴾ يا محمد حتى وعيته والمراد بالقلب هو القلب الصنوبري دون اللطيفة الربانية واللامكانية التي أصلها فوق العرش وبرزتها في القلب الصنوبري لأنه من عالم الأمر وهو لا يحتمل إعياء الوحي والنبوة بل الحمل لها هو القلب الصنوبري الجامع للعناصر والنقش وبرزات عالم الأمر ومن ثم لم يوجد الإيحاء إلا بعد كمال البدن أو بلوغه أشده عند أربعين سنة ﴿ لتكون من المنذرين ﴾ أي المخوفين عما يؤدي إلى العذاب من فعل أو ترك.
﴿ بلسان عربي مبين١٩٥ ﴾ واضح المعنى قال ابن عباس يعني بلسان قريش لئلا يكون لهم عذر بأنا لم نفهم ما أوحي إلينا متعلق بنزل أو بالمنذرين قيل معناه نزل به على قلبك بلسان عربي ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك لأنك حينئذ تسمع صوتا لا تفهم معناه وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا كلمه أحد بلغة نشأ عليها أحاط قلبه أولا بمعاني الكلام وإن كلمه بغيرها كان قلبه أولا متوجها إلى ألفاظها ثم في معانيها فيقول بلسان عربي تقرير لقوله نزل على قلبك.
﴿ وإنه ﴾ أي ذكر إنزال القرآن كذا قال أكثر المفسرين وقال مقاتل أي ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وقيل معناه أي القرآن ﴿ لفي زبر الأولين ﴾ أي كتبهم وهذه الجملة معطوفة على ما سبق أو حال وعلى التأويل الأخير قال بعض الحنفية القرآن اسم للمعنى فقط لأنه لم يكن في الزبر السابقة بهذا اللفظ العربي قطعا ومن أجل ذلك أجاز أبو حنيفة القراءة في الصلاة بالفارسي وهذا القول مردود بل القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا حيث قال الله تعالى :﴿ قرآنا عربيا ﴾ فإن العربي صفة للنظم ولأن القرآن معجز والإعجاز من خواص النظم ومن أجل ذلك جاز للجنب أن يقرأ ترجمة القرآن بالفارسي وإنما أجاز أبو حنيفة القرآن بالفارسي في حق جواز الصلاة خاصة لجعله النظم ركنا غير لازم في الصلاة خاصة رعاية للخضوع وقد رجع أبو حنيفة عن هذا القول وقال بعدم جواز القراءة بالفارسي كما قال صاحباه وأكثر الأئمة وبه يفتى
﴿ أو لم يكن لهم آية ﴾ الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف تقديره ألم يعرفوا رسولهم ولم يكن لهم آية على رسالته قرأ ابن عامر تكن بالتاء الفوقانية وآية بالرفع على أنه اسم كان وخبره لهم وأن يعلمه بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف وجاز أن يكون لم تكن تامة فاعله آية لهم حال منه وأن يعلمه بدل من الفاعل أو خبر مبتدأ محذوف او يكون في لم تكن ضمير القصة وأن يعلمه مبتدأ وآية خبره مقدم عليه ولهم حال من آية والعامل معنى الثبوت المستفاد من الحمل والجملة خبر كان وقرأ الباقون بالياء التحتانية وآية منصوب على الخبرية واسمه أن يعلمه ولهم حال من آية ﴿ أن يعلمه ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المذكورة في التوراة كما يعرفون أبناءهم أو يعلمون القرآن أنه منزل من الله { علماء بني إسرائيل ﴾ قال عطية كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة وأسد وأسيد وقال ابن عباس بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا إن هذا لزمانه وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته
﴿ ولو نزلناه ﴾ أي القرآن ﴿ على بعض الأعجمين ﴾ هو جمع أعجم هو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان عربيا في النسب والعجمي هو المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا بالعربية ومعنى الآية ولو نزلناه على رجل غير فصيح اللسان بالعربية وقال البيضاوي هو جمع أعجمي على التخفيف ولذلك جمع جمع السلامة يعني لو كان جمع أعجم لما جاز جمعه للسلامة لأن مؤنثه عجماء فإن أفعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة ونظيره أشعرون من جمع أشعري على التخفيف أصله أشعريون والمعنى ولو نزلنا القرآن عربيا كما هو على بعض الأعجمين زيادة في الإعجاز أو بلغة العجم
﴿ فقرأه ﴾ أي الأعجمي ﴿ عليهم ﴾ أي على أهل مكة ﴿ ما كانوا به مؤمنين ﴾ لفرط عنادهم واستكبارهم واستنكافهم من إتباع الأعجمي أو لعدم فهمهم يقولون ما نفقه ما تقول نظيره قوله تعالى :﴿ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ﴾
﴿ كذلك ﴾ في محل النصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ﴿ سلكناه ﴾ الضمير عائد إلى الشرك والتكذيب المدلول عليه بقوله ﴿ ما كانوا به مؤمنين ﴾ كذا قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعني أدخلنا الشرك والتكذيب في قلوب المجرمين فتدل الآية على أنه بخلق الله تعالى وقيل الضمير للقرآن أي أدخلنا القرآن في قلوبهم فعرفوا معانيه وإعجازه ومع ذلك لم يؤمنوا به عنادا
﴿ لا يؤمنون به ﴾ أي بالقرآن بيان لقوله ﴿ كذلك سلكناه ﴾ أو حال أو دليل على ما سبق وفي الآية إخبار بحال من علم الله موته على الشرك ﴿ حتى يروا العذاب الأليم ﴾ الملجئ إلى الإيمان وذلك بعد الموت في القبور
﴿ فيأتيهم ﴾ العذاب ﴿ بغتة وهم لا يشعرون ﴾ بإتيانه
﴿ فيقولوا ﴾ حينئذ تحسرا وتأسفا ﴿ هل نحن منظرون ﴾ الاستفهام للتمني يتمنون الرجعة والنظرة قال مقاتل لما أوعدهم الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا إلى متى ما توعدنا به ومتى هذا العذاب قال الله تعالى ﴿ أفبعذابنا يستعجلون٢٠٤ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠٣:﴿ فيقولوا ﴾ حينئذ تحسرا وتأسفا ﴿ هل نحن منظرون ﴾ الاستفهام للتمني يتمنون الرجعة والنظرة قال مقاتل لما أوعدهم الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا إلى متى ما توعدنا به ومتى هذا العذاب قال الله تعالى ﴿ أفبعذابنا يستعجلون٢٠٤ ﴾
﴿ أفبعذابنا يستعجلون٢٠٤ ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أبوعيدنا لا يستيقنون فبعذابنا يستعجلون وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة وقيل هذا كناية عن قولهم ﴿ أنزل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ وقولهم ﴿ فأتنا بما تعدنا ﴾ ولما كان استعجالهم العذاب بناء على اعتقادهم أنه غير كائن وأنهم يتمتعون أعمارا طوالا في سلامة وأمن، أنكر الله تعالى على استعجالهم ثم قال على تقدير التسليم
﴿ أفرأيت ﴾ الإستفهام للتقرير والفاء للعطف على المحذوف تقديره أتفكرت فرأيت يعني فعلمت ﴿ إن متعناهم سنين ﴾ كثيرة ولو مدة حياة الدنيا
﴿ ثم جآءهم ما كانوا يوعدون٢٠٦ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون٢٠٧ ﴾ والمعنى أنهم إذا رأوا العذاب الأليم حين يأتيهم بغتة يقولون هل نحن منظرون ولكنهم لا ينظرون أي لا يمهلون ولو سلمنا إمهالهم فلو تفكرت علمت أنا إن متعناهم سنين كثيرة ثم جاءهم ما كانوا يوعدون به من العذاب ما أغنى عنهم تمتيعهم وإمهالهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه بل صار التمتع نسيا منسيا كأنهم لم يكونوا في نعيم قط
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠٦:﴿ ثم جآءهم ما كانوا يوعدون٢٠٦ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون٢٠٧ ﴾ والمعنى أنهم إذا رأوا العذاب الأليم حين يأتيهم بغتة يقولون هل نحن منظرون ولكنهم لا ينظرون أي لا يمهلون ولو سلمنا إمهالهم فلو تفكرت علمت أنا إن متعناهم سنين كثيرة ثم جاءهم ما كانوا يوعدون به من العذاب ما أغنى عنهم تمتيعهم وإمهالهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه بل صار التمتع نسيا منسيا كأنهم لم يكونوا في نعيم قط
﴿ وما أهلكنا من قرية إلا ﴾ قرية﴿ لها منذرون ﴾ أي رسل أنذروا أهلها فلم يرتدعوا
﴿ ذكرى ﴾ أي تذكرة ومحلها النصب على العلة أو المصدرية لأنها في معنى الإنذار أو الرفع لأنها صفة منذرون بإضمار ذووا أو يجعلهم ذكرى مبالغة لإمعانهم في التذ كرة أو خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراضية ﴿ وما كنا ظالمين ﴾.
﴿ وما تنزلت به الشياطين٢١٠ ﴾ عطف على نزل به الروح الأمين ويعني ليس كما زعمت المشركون أن الشياطين يلقون القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وما ينبغي لهم ﴾ أي للشياطين أن يلقوا القرآن على محمد فإن القرآن هداية والشياطين إنما هم دعاة إلى الضلال ﴿ وما يستطيعون ﴾ أن يلقوا الأخبار بالمغيبات المذكورة في القرآن
﴿ إنهم ﴾ أي الشياطين﴿ عن السمع ﴾لكلام الملائكة من السماء ﴿ لمعزولون ﴾ أي محجوبون مرجومون بالشهب.
﴿ فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين٢١٣ ﴾ تهيج لازدياد الإخلاص ولطف لسائر المكلفين قال ابن عباس يحذر به غيره يقول أنت أكرم الخلق علي ولو أتخذت إلها غيري لعذبت
﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ الأقرب منهم فالأقرب فإنهم أولى باهتمام شأنهم أو لنفي التهمة فإن الإنسان يساهل قرابته أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئا وأن النجاة في إتباعه قال البغوي روى محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أنذرهم وأناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليها حتى جاءني جبرئيل فقال يا محمد إن لم تفعل ما تؤمر يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا له دعا بالطعام الذي صنعت فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا بسم الله فأكل القوم حتى ما بهم حاجة وايم الله وإن كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا وايم الله الرجل أو أحد يشرب مثله فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لغد يا علي إن هذا الرجل قد سبق إلى ما علمت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا بمثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فأحجم القوم عنها جميعا فقلت وأنا أحدثهم سنا أنا يا نبي الله أنا وزيرك عليه فأ خذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون : أمرنا أن نسمع لعلي ونطيع وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا فينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شد يد قال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴾ إلى آخر السورة " وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ قال : يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا " وذكر البغوي حديث ابن عباس بلفظ لما نزلت ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين٢١٤ ﴾ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد على الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا يخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا، قال إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت تبت يدا أبي لهب قد تب هكذا قرأ الأعمش يومئذ وروى البغوي عن عبد الله بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا وإنه قال كل مال نحلته عبادي فهو لهم حلال وإني خلفت عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وإن الله أمرني أن أخوف قريشا فقلت يا رب إذا يتلفوا رأسي حتى يدعوه خبزة فقال بعثت لأبتليك وأبتلي بك قد أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه في المنام واليقظة فاغزهم تغزك وأنفق عليك وأبعث جيشا فمددك بخمسة أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك ثم قال : أهل الجنة ثلاثة إمام مقسط ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ورجل غنى عفيف متعفف متصدق وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون بذلك أهلا ولا مالا ورجل إن أصبح أصبح يخادعك عن أهلك ومالك ورجل لا يخفى له طمع وإن دق إلا ذهب به والشنظير وذكر البخل والكذب " والله أعلم
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال لما نزلت ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين٢١٤ ﴾ بدأ بأهل بيته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى :﴿ واخفض جناحك ﴾ أي لين جانبك ﴿ لمن اتبعك ﴾ مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط ﴿ من المؤمنين ﴾ بيان لمن اتبعك لأن من اتبع أعم ممن اتبع الدين أو غيره أو للتبعيض على أن المراد بمن اتبعك كمال الإتباع وبالمؤمنين أعم منهم ومن عصاة المؤمنين كما يدل عليه قوله﴿ فإن عصوك ﴾
﴿ فإن عصوك ﴾
في بعض الأمور ﴿ فقل إني برئ مما تعملون ﴾يعني برئ مما تعملون من المعاصي والسيئات وليس فيه براءة من أنفسهم
﴿ وتوكل ﴾ قرأ أهل المدينة والشام فتوكل بالفاء وكذا في مصاحفهم على أنه بدل من قوله :﴿ فقل إني برئ مما تعملون ﴾والباقون بالواو عطفا على قوله ﴿ وأخفض جناحك ﴾ والتوكل تفويض أمره إلى غيره وهذا لا يجوز عقلا وشرعا إلا على من كان قادرا على نفعه ودفع الضرر عنه سميعا بأقواله بصيرا بأحواله عليما بعاقبة أمره رقيبا عليه ولذلك قال ﴿ على العزيز ﴾أي الغالب الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه ﴿ الرحيم ﴾ الذي يرحم عليك وعلى أتباعك
﴿ الذي يراك حين تقوم٢١٨ ﴾ داعيا للناس إلى التوحيد ومجاهدا في سبيل الله والمراد حين تقوم إلى الصلاة كذا قال المفسرون
﴿ وتقلبك في الساجدين٢١٩ ﴾ عطف على الضمير المنصوب في يراك يعني ويرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك أومن محل تقوم يعني يراك حين تقوم وحين تقلبك وقال عطية وعكرمة عن ابن عباس في الساجدين أي في المصلين وقال مقاتل ومع المصلين في الجماعة يعني يراك حين تصلي وحدك وحين تصلي مع المصلين في الجماعة وقال مجاهد يرى تقلب بصرك في المصلين فإنه كان يبصر من خلفه كما كان يبصر من أمامه روى البغوي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال :" هل ترون قبلتي هاهنا فوالله لا يخفى علي خضوعكم إني لأراكم من وراء ظهري " وقال الحسن تقلبك في الساجدين أي تصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين وقال سعيد بن جبير يعني وتصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك والساجدون هم الأنبياء وقيل معناه تزودك في تصفح أحوال المتهجدين قال البيضاوي روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة وإنما ذكر تقلبه في الساجدين من أحواله لكونه من أسباب الرحمة المقتضية للتوكل على من يتصف به.
وقال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك في أصلاب الآباء من نبي إلى نبي لكن في هذا التأويل ليس كمال المدح لاشتراك قريش بل جميع الناس فيه بل الأولى أن يقال المراد منه تقلبك من أصلاب الطاهرين الساجدين لله إلى أرحام الطاهرات الساجدات ومن أرحام الساجدات إلى أصلاب الطاهرين أي الموحدين والموحدات حتى يدل على أن أباء النبي صلى الله عليه وسلم كلهم كانوا مؤمنين كذا قال السيوطي وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي شعر :
وينقل أحمد نورا عظيما | تلألأ في وجوه الساجدين |
تقلب فيهم قرنا فقرنا | إلى أن جاء خير المرسلين |
ومما يؤيد هذا التأويل ما رواه البخاري في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال :" بعث من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه " وروى مسلم من حديث واثلة بن الأسقع قوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم " وروى البيهقي في دلائل النبوة من حديث أنس قال :" ما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله من خيرهما فأخرجت من بين أبوي ولم يصبني شيء من عهد الجاهلية خرجت من نكاح لم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا " وقد صنف السيوطي رحمه الله في إثبات إيمان آباء النبي صلى الله عليه وسلم إجمالا وتفصيلا كتابا وذكر فيه ما له وما عليه ولخصت منه رسالة فليرجع إليها
﴿ إنه هو السميع ﴾ بأقواله ﴿ العليم ﴾ بأفعاله ونياته وعواقب أموره فهو الحقيق بالتوكل.
﴿ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين٢٢١ ﴾ متصل بقوله :﴿ وما تنزلت به الشياطين٢١٠ ﴾ جوابا عن قولهم تنزل عليه شيطان ثم بين فقال ﴿ تنزل على كل أفاك أثيم ﴾
﴿ تنزل ﴾ في الموضعين مضارع من التفعل بإسقاط إحدى التائين ﴿ على كل أفاك ﴾ كثير الإفك أي الكذب ﴿ أثيم ﴾ كثير الإثم غير مطيع لله تعالى ففيه بيان أن محمدا لا يصح أن يكون من يتنزل عليه شيطان بوجهين أحدهما أنه إنما يتنزل على شرير كذاب كثير الإثم لاشتراط التناسب بين المفيض والمستفيض ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس كذلك وثانيهما قوله ﴿ يلقون السمع ﴾
﴿ يلقون السمع ﴾ إلى الشياطين فيتلقون منهم أشياء فيضمون إليها أشياء على حسب تخيلاتهم لا يطابق أكثرها الواقع وذلك قوله تعالى :﴿ وأكثرهم كاذبون ﴾ ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس كذلك فإنه يخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وكلما يخبر بشيء يطابق الواقع لا محالة والجملة صفة لأثيم أو استئناف. عن عائشة قالت " سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة " متفق عليه وعنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فيذكر الأمر الذي قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فيسمعه فيوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " رواه البخاري وعن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فسمعها مسترقوا السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ( ووصفه سفيان بكفه فحرفها وبدر بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما يلقيها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا كذا ويوم كذا كذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " رواه البخاري وعن ابن عباس عن رجل من الأنصار " أنهم بينا هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بنجم واستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى مثل هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم عنا قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذه السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون " رواه مسلم والله أعلم.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال تهاجا رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله تعالى :﴿ والشعراء يتبعهم الغاوون٢٢٤ ﴾ كذا ذكر البغوي عن الضحاك قال وهي رواية عطية عن ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه وقال أكثر المفسرين أراد به شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مقاتل أسماءهم فقال عبد الله بن زبير السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وشافع بن عبد مناف وأبو غرة عبد الله بن عمر الجمحي وأمية بن أبي الصلت الثقفي فتكلموا بالكذب والباطل، وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ويقولون أشعارا ويجمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيروون عنهم فذلك قوله تعالى :﴿ والشعراء يتبعهم الغاوون٢٢٤ ﴾ هم الرواة الذين يروون هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقال قتادة ومجاهد الغاوون هم الشياطين وهذه الجملة مستأنفة لإبطال كون النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا ويقرره قوله تعالى :﴿ ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ﴾
﴿ ألم تر ﴾ أيها المخاطب ﴿ أنهم ﴾ أي الشعراء﴿ في كل واد ﴾﴿ من أودية الكلام كالمدح والذم والافتخار وبيان الحب والبغض وغير ذلك والوادي نوع من أنواع الكلام يقال أنا في واد آخر { يهيمون ﴾ جملة ألم تر تعليل لما سبق والهائم الذاهب على وجهه بحيث لا يقف على حد يعني يبالغون في الكلام كل المبالغة لا يبالون الكذب وأكثر مقدماتهم خيالية لا حقيقة لها قال قتادة يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل وقيل في كل واد يهيمون أي على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.
﴿ وأنهم يقولون ما لا يفعلون٢٢٦ ﴾ أي يكذبون كثيرا في أشعارهم ولما كان إعجاز القرآن من جهة النظم والمعنى وكانوا يقدحون في المعنى بأنه مما تنزلت به الشياطين وفي اللفظ بأنه من جنس الشعر رد الله سبحانه قولهم ببيان المباينة والمضادة بين حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال الكهنة والشعراء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لأن يمتلئ جوف قيحا حتى يفسده خيرا له من أن يمتلئ شعرا " رواه البخاري ومسلم واحمد وأبو داود والترمدي والنسائي وابن ماجة وروي عن أبي سعد الخذري قال بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لان يمتلئ جوف رجل قيحا خيرا له من أن يمتلئ شعرا " عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هلك المتنطعون قالها ثلاثا رواه مسلم يعني الغالبون في الكلام وعن أبي ثعلبة الخشتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مساوئكم أخلاقا الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون " رواه البيهقي في شعب الإيمان قال في النهاية الثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق والمتشدقون المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز قلت : وهذا صفة الشعراء.
وروى الترمذي عن جابر نحوه وفي رواية قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال " المتكبرون " وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مررت ليلة ما أسرى بي بقوم يقرض شفاههم بمقارض من نار فقلت يا جبرئيل من هؤلاء ؟ قال خطباء أمتك الذي يقولون مالا يفعلون " رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب والله أعلم.
أخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون على قوله ما لا يفعلون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله إني منهم فأنزل ﴿ إلا الذين آمنوا ﴾إلى آخر السورة وأخرج هو وابن جرير والحاكم عن أبي الحسن البراد قال لما نزلت والشعراء يتبعون الغاوون الآية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فقالوا يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء هلكنا فأنزل الله ﴿ إلا الذين آمنوا ﴾ الآية فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا ﴾ أي لم يشغلهم الشعر عن الإكثار في الذكر ويكون أكثر أشعارهم في الذكر والتوحيد والثناء على الله والحث على طاعته قال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه الحضور ﴿ وانتصروا من بعد ما ظلموا ﴾ ولو كان في كلامهم هجو لأحد أرادوا به الانتصار مما هجاهم ومكافحة هجاء المسلمين روى البغوي في شرح السنة والمعالم عن كعب بن مالك انه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد أنزل في الشعر ما أنزل قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل " وفي الاستيعاب لابن عبد البر أنه قال يا رسول الله ماذا ترى في الشعر ؟ قال " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ".
وروى البغوي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله يقول الشعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" خل عنه يا عمر فهي أسرع فيهم من نضح النبل " وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت " اهج المشركين فإن جبرئيل معك " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول لحسان :" أجب عني اللهم أيده بروح القدس " وروى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" اهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل " وروى عنها أيضا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان :" إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله وقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وروى البغوي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أهجوا قريشا فإنها أشد عليهم من رشق النبل " فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم وهاجهم فلم يرض فأرسل إلى كعب ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه حسان قال قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه يحركه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك فيهم نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد خلص لي نسبك فالذي بعثك بالحق لأسلنك كما يسل الشعر من العجين قال حسان شعر :
هجوت محمدا فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمد برا حنيفا *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وفاء
أمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء
وعن ابن سيرين مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك هيه فأنشده فقال لهو أشد عليهم من وقع النبل.
فائدة :
ثبت من هذه الأحاديث أن الشعر لا بأس به ما اجتنب الكذب وأشباهه من المحرمات روى الدارقطني عن عائشة قالت : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح " ورواه الشافعي عن عروة مرسلا وذكر البغوي أنه قالت عائشة الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطلا " متفق عليه وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن الصلت شيء ؟ قال نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت " رواه مسلم وعن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض المشاهد وقد دميت أصبعه فقال :" هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت " متفق عليه وعن الشعبي قال كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان علي أشعر الثلاثة وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشد فروى أنه دعا عمرو بن ربيعة فاستنشده القصيدة أولها شعر :
أمن آل نعمى أنت غاد ومبكر *** غداة غد أم رائح فمهجر
فأنشد ابن ربيعة القصيدة على آخرها وهي قريب من سبعين بيتا ثم أن ابن عباس أعاد القصيدة جميعا وكان يحفظها بمرة واحدة
فائدة :
الشعر طاعة إن كان فيه ذكر الله أو علما من علوم الدين أو نصحا ووعظا للمسلمين عن أبي بن كعب قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن من الشعر حكمة " رواه البخاري وعن الصخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول :" إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا " رواه أبو داود وعن ابن عباس " إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما " رواه أبو داود وأحمد وقد مر فيما سبق " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " وروى أبو داود والنسائي والدارمي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "
وبعدما ذكر الله سبحانه شعراء المشركين والمسلمين أوعد شعراء المشركين " فقال ﴿ وسيعلم الذين ظلموا ﴾ أي أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ أي منقلب ﴾ مصدر أو ظرف منصوب بما بعده قدمه لاقتضاء الاستفهام صدر الكلام والجملة الاستفهامية قائمة المفعولين ليعلم والاستفهام للتهديد.
﴿ ينقلبون ﴾ يعني أي رجوع أي مرجع يرجعون بعد الموت قال ابن عباس إلى جهنم والسعير قال البيضاوي تهديد شديد لما في " سيعلم " من الوعيد البليغ وفي " الذين ظلموا " من الإطلاق والتعميم وفي " أي منقلب " من الإيهام والتهويل والمعنى أن الظالمين يطمعون أن ينقلبوا من عذاب وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الإنقلاب أخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها قالت كتب أبي في وصية سطرين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر ويتقي الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب ﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين قد وقع الفراغ من تفسير سورة الشعراء من التفسير المظهري يوم الخميس رابع رجب من السنة الخامسة بعد الألف ومائتين من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ويتلوه سورة النمل إن شاء الله تعالى.