تفسير سورة الشعراء

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية. وفيها من مختلف المعاني والقصص والأخبار والأفكار ما يزجي بأوضح دلالة على حقيقة الإعجاز في القرآن الكريم. هذا الكتاب الحكيم الذي تضمن في خلاله كل علوم الدين والدنيا، ما بين القصص وتبشير وتنذير وأمر وزجر ونهي وترغيب وترهيب وتشريع ووعد ووعيد، وتذكير بالساعة وأخبارها وأهوالها. كل ذلك في كتاب جامع ظاهر باهر، ما كان ليحيط بكل ذلك لو لم يكن من عند الله.
والسورة مبدوءة بالتأنيس من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كيلا يهلك نفسه حزنا ألا يؤمن قومه إذ كذبوا واستكبروا.
وفي السورة إخبار عن كليم الله موسى، والطاغية فرعون، الذي شهد بنفسه المعجزات الحسية معاينة فعصى واستكبر. ثم لحاقه ببني إسرائيل عقب خروجهم فرارا من ظلمه وطغيانه، يبتغي قتلهم وإذلالهم. وهناك تتجلى المعجزة الكبرى في إنفلاق البحر لما ضربه موسى بعصاه فانحسر عن اثني عشر طريقا يبسا سار فيها بنو إسرائيل سالمين آمنين، ومياه البحر من حولهم وعلى جانبي كل سبط منهم شاهقة واقفة كالجبال.
إلى غير ذلك من تخاصم المجرمين فيما بينهم يوم القيامة قبل أن يكبكبوا جميعا في النار. ثم الإخبار عن قوم نوح وعاد وثمود وقم لوط وشعيب. ثم التذكير بالشعر والشعراء الذين يتبعهم الغواة وهم أهل الضلال من الإنس والجن، والذين يهيمون في كل فنون الريبة وأودية الفحش، كالهجاء والتزلف والنفاق والمبالغة في المديح والإطراء والغزل المبتذل. ويستثنى منهم، الشعراء المؤمنون المتقون الذين يسخّرون شعرهم في طاعة الله وفي نشر دعوة الإسلام والذب عنه. وبهم سميت السورة.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ طسم ( ١ ) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( ٢ ) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( ٣ ) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ( ٤ ) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ( ٥ ) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ( ٦ ) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( ٧ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ٨ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
مضى الكلام عن مثل هذه الحروف من فواتح السور. كقوله هنا ﴿ طسم ﴾ وقد ذكر في تأويل هذه الحروف الفواتح عدة أقوال، وهي لا نجد لها مستندا من دليل ظاهر. والذي نميل إليه أن هذه الحروف دليل يساق للاحتجاج على كون القرآن معجزا. وتقدير الكلام أن هذه الآيات التي عجزتم عن معارضتها مكونة من حروف كهذه الحروف. وعلى هذا فإن ﴿ طسم ﴾ مبتدأ، وخبره ﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ والمراد بالكتاب هنا القرآن. أي هذه آيات القرآن الظاهرة التي أنزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لتكون للناس نورا وهداية ومنهاجا يهتدون به وتصلح عليه أحوالهم في المعاش والمعاد.
﴿ طسم ﴾ مبتدأ، وخبره ﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ والمراد بالكتاب هنا القرآن. أي هذه آيات القرآن الظاهرة التي أنزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لتكون للناس نورا وهداية ومنهاجا يهتدون به وتصلح عليه أحوالهم في المعاش والمعاد.
قوله :﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ﴾ باخع بمعنى مهلك، بخع نفسه أي قتلها غما١ والمعنى : لعلك يا محمد مهلك إن لم يؤمن قومك بما جئتهم به من دين وتوحيد. وهذا تأنيس من الله لنبيه الكريم وتسلية له بما يُسري عنه ويخفف عنه الهم والاغتمام.
١ مختار الصحاح ص ٤٢.
قوله :﴿ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ﴾ يعني إن يشأ الله ينزل على هؤلاء المشركين المكذبين معجزة أو بلية من السماء تلجئهم إلى الإيمان إلجاء أو تضطرهم إليه قهرا. لكن الله قضى أن تكون الدلائل نظرية لتعيها قلوبهم وليدركوها بعقولهم إدراكا.
قوله :﴿ فظلت أعناقهم لها خاضعين ﴾ وذلك إخبار عن ذل الرقاب فهي إن ذلت ذل أصحابها. وقيل : المراد من أعناقهم، كبراؤهم ورؤساؤهم ؛ أي لو شاء الله لأنزل من السماء آية ظاهرة فذلوا وخضعوا وانقادوا للإيمان مقهورين.
قوله :﴿ وما يأتيهم من ذكر الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ﴾ ما يأتي هؤلاء العصاة المستكبرين من موعظة أو طائفة مجددة من آيات القرآن لتعظهم وتذكّرهم إلا أعرضوا عنها واستكبروا ولجوا في نفورهم وضلالهم.
قوله :﴿ فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ﴾ أي كذّب هؤلاء الظالمون السفهاء بما جاءهم من الحق الظاهر والدلائل الواضحة المستبينة. فتوعدهم الله بسوء العاقبة وتعْس المصير من أجل إعراضهم وتكذيبهم وسوف يرون نبأ ذلك بعد حين. وهو قوله ﴿ فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ﴾ أي سوف يرون عاقبة ما سخروا منه عندما ينزل بساحتهم الانتقام من الله في الدنيا وعذابه الوجيع في الآخرة.
قوله :﴿ أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ﴾ الاستفهام للتوبيخ، والواو للعطف. وذلك تنبيه من الله على عظيم صنعه وبالغ قدرته، إذ أنبت من الأرض بعد أن كانت قفرا يابسا، أصنافا شتى من النبات الحسن. أفلا يتدبر هؤلاء المكذبون المستهزئون ما جاءهم من الحق الظاهر والدلائل الواضحة المستبينة ؟ ولو تدبروا وتفكروا لآمنوا وأيقنوا لكنهم موغلون في العمه، سادرون خلف الأهواء والشهوات.
قوله :﴿ إن في ذلك لآية ﴾ الإشارة عائدة على ما ذكر من إنبات الأصناف المختلفة من الأرض بعد أن كانت هامدة ميتة. وفي ذلك دلالة ظاهرة على عظمة الله المقتدر. ومع كل ذلك فما آمن من الناس إلا قليل وأكثرهم سادرون في العماية والعصيان١
١ تح القدير جـ ٣ ص ٩٤ وتفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣١ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص٩١..
قوله :﴿ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾ الله منيع جبار، ينتقم من أعدائه، أعداء الحق والعقيدة والدين. وهو سبحانه رحيم بعباده المؤمنين المنيبين، يشملهم برحمته وفضله وإحسانه١
١ فتح القدير جـ ٣ ص ٩٤ وتفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣١ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص٩١..
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ١٠ ) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ ( ١١ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ( ١٢ ) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ( ١٣ ) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( ١٤ ) قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ( ١٥ ) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ١٧ ) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ( ١٨ ) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( ١٩ ) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ( ٢٠ ) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( ٢١ ) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
﴿ إذ ﴾، في محل نصب ظرف متعلق بفعل مقدر. وتقديره : واتل عليهم إذ نادى ربك١ يعني، واذكر يا محمد حين نادى ربك كليمه موسى بن عمران من جانب الطور الأيمن فكلمه وناجاه وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه من القبط، الظالمين الفجرة، الذين استخفهم فرعون فأطاعوه في الباطل والعتو عن أمر الله. وهو قوله :﴿ أن ائت القوم الظالمين ( ١٠ ) قوم فرعون ألا يتقون ﴾ أي ألا يخشون عقاب الله وانتقامه بسبب كفرهم وعصيانهم ثم ذكر موسى ما لديه من أعذار عسى الله أن يكشفها عنه. وذلك قوله :﴿ رب أني أخاف أن يكذبون ( ١٢ ) ويضيق صدري ولا ينطق لساني فأرسل إلى هارون ﴾
١ لبيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٢.
﴿ أن ائت القوم الظالمين ( ١٠ ) قوم فرعون ألا يتقون ﴾ أي ألا يخشون عقاب الله وانتقامه بسبب كفرهم وعصيانهم ثم ذكر موسى ما لديه من أعذار عسى الله أن يكشفها عنه. وذلك قوله :﴿ رب أني أخاف أن يكذبون ( ١٢ ) ويضيق صدري ولا ينطق لساني فأرسل إلى هارون ﴾
﴿ رب أني أخاف أن يكذبون ( ١٢ ) ويضيق صدري ولا ينطق لساني فأرسل إلى هارون ﴾ خشي موسى من تكذيبهم له لشدة جحودهم وفرط عنادهم. وخشي أيضا أن يضيق صدره ويغتم حزنا بتكذيبهم له فيحتبس لسانه عن الكلام. فاستجاب الله له ما طلب وآتاه سُؤله وأزال عنه ما كان به من اغتمام وضيق صدر وأذهب عنه الحبْسة التي كانت في لسانه أو بقيت منها بقية يسيرة، وأوحى إلى أخيه هارون ليكون معه نبيا ورسولا وظهيرا. فذهبا معا إلى فرعون وبلغاه دعوة الله. دعوة الإيمان والحق والتوحيد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:﴿ رب أني أخاف أن يكذبون ( ١٢ ) ويضيق صدري ولا ينطق لساني فأرسل إلى هارون ﴾ خشي موسى من تكذيبهم له لشدة جحودهم وفرط عنادهم. وخشي أيضا أن يضيق صدره ويغتم حزنا بتكذيبهم له فيحتبس لسانه عن الكلام. فاستجاب الله له ما طلب وآتاه سُؤله وأزال عنه ما كان به من اغتمام وضيق صدر وأذهب عنه الحبْسة التي كانت في لسانه أو بقيت منها بقية يسيرة، وأوحى إلى أخيه هارون ليكون معه نبيا ورسولا وظهيرا. فذهبا معا إلى فرعون وبلغاه دعوة الله. دعوة الإيمان والحق والتوحيد.
قوله :﴿ ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ﴾ المراد بالذنب هنا قتل القبطي الذي كان موسى قد وكزه فقضى عليه. وذلك لما استغاث به رجل من قومه عليه. فقد خشي موسى أن يقتله فرعون به.
قوله :﴿ قال كلا فاذهبا بآياتنا ﴾ ﴿ كلا ﴾، ردع وزجر ؛ أي لن يقتلوك. بل أنتم الغالبون بحول الله، وهم المغلوبون والخزايا. ﴿ فاذهبا بآياتنا ﴾ أي اذهب أنت وأخوك بما أنزلنا عليك من الحجج والبينات إلى فرعون لعله يتدبر أو يعتبر.
قوله :﴿ إنا معكم مستمعون ﴾ أي اسمع ما يقوله لكم فرعون وما يجيبكم به. وذلك تأنيس من الله لموسى وأخيه وتقوية لهما وشد لأزرهما يزداد يقينهما وثقتهما بالله. فهو نعم المولى ونعم النصير.
قوله :﴿ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ﴾ وإنما قال :{ رسول بالإفراد، لوجهين. أحدهما : أن المراد هنا الجنس، فوحد. ولو أراد به العدد لثنى. وثانيهما : أي يكون الرسول هنا بمعنى الرسالة. والتقدير : إنا ذوا رسالة رب العالمين١.
١ ١البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٢.
قوله :﴿ أن أرسل معنا بني إسرائيل ﴾ المراد من الإرسال، التخلية والإطلاق ؛ أي أطلقهم وخلّ سبيلهم يذهبوا معنا ويتخلصوا من قهرك لهم ومن استعبادك إياهم. وقيل : كان فرعون قد استذل بني إسرائيل واستعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفا. فلما طلب موسى من فرعون تخلية بني إسرائيل وإطلاقهم من إساره وقهره، أعرض وأبى واستكبر وراح يمنّ عليه في سخرية وتهكم وهو قوله " ﴿ ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ﴾.
﴿ ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ﴾ يعني ألست أنت الذي ربيناك صغيرا في بيتنا وعلى فراشنا فعشت بيننا في نعمة ورخاء مدة من السنين ثم قابلت ذلك بالجحود ؛ إذ فعلت فعلتك وهي قتل رجل من رجالنا. وهو قوله بعد ذلك ﴿ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ﴾.
﴿ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ﴾ فعلة، بالفتح اسم مرة. وبالكسرة اسم هيئة. وهي هنا بالفتح ؛ أي فعلت ما فعلت من قتل القبطي –وذلك لما وكزه موسى فقضى عليه ﴿ وأنت من الكافرين ﴾ الواو للحال أي قتلت القبطي وأنت بذلك من الجاحدين لنعمتنا عليك. وقيل : وأنت ممن عادته كفران النعم أي جحودها. وقيل : وأنت من الكافرين بفرعون وإلهيته. أو من الذين يكفرون بدين فرعون وقومه ؛ إذ كانت لهم آلهة يعبدونها.
قوله :﴿ قال فعلتها إذا وأنا من الظالمين ﴾ أي فعلت تلك الفعلة – وهي قتل القبطي- وأنا حينئذ من الجاهلين ؛ أي يجهلون أن الوكزة سوف تودي به ؛ لأنه وكزه على سبيل الزجر والتأديب. وقيل : من الضالين، يعني الناسين.
قوله :﴿ ففررت منكم لما خفتكم ﴾ يخاطب موسى فرعون وملأه من أتباعه وأعوانه، أنني فررت منكم إلى مدين لما خشيت أن تقتلوني بقتلي القبطي ﴿ فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ﴾ المراد بالحكم هنا النبوة ؛ أي أنعم الله علي بالنبوة وأرسلني إليكم لأبلغكم رسالة ربي.
قوله :﴿ وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ﴾ جملة ﴿ أن عبدت ﴾ في موضع رفع بدل من نعمة١ و ﴿ عبدت ﴾، بتشديد الباء يعني استعبدت. وتعبدتهم، أي اتخذتهم عبيدا. يقال : عبّدته، بتشديد الباء، وأعبدته، أي اتخذته عبدا٢. قال له موسى ذلك على سبيل الإنكار. والمعنى : أتمن علي بأن ربيتني وليدا وقد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم. فكيف تذكر إحسانك إلي وأنت تستذلهم وتستعبدهم استعبادا. وقيل : هذا من موسى لفرعون على سبيل الاستفهام. فالمعنى : أتمنّ علي أن اتخذت بني إسرائيل عبيدا. والمقصود أنك ما أحسنت إلي إذ ربيتني وأنعمت علي مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل، بقهرهم وقتلهم وإذلالهم وجعلهم لك عبيدا. فما ذكرته من نعمة لا يساوي شيئا في مقابلة ما فعلت ببني إسرائيل٣.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٣.
٢ مختار الصحاح ص ٤٠٨..
٣ تفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣٢ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص ٩٥ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٤٢..
قوله :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ( ٢٣ ) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ ( ٢٤ ) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ ( ٢٥ ) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأولين ( ٢٦ ) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ( ٢٧ ) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ قال فرعون جاحدا مستكبرا ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين سواي ؟ فقد كان فرعون في طغيانه وعتوه وفظاعة إجرامه يزعم أنه من دون الله وكان يحمل قومه على اعتقاد إلهيته لكي يعبدوه فاستخفهم بذلك أيما استخفاف. فرد موسى مقالته ومضى يبين له حقيقة وحدانية الله، وأن الله خالق كل شيء وهو قوله :﴿ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾.
﴿ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ من خلائق وأشياء. فليس من شيء أو أحد من أناسيّ وغيرهم في السماوات أو الأرض إلا هو مملوك لله وحده ﴿ إن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾ أي إن كنتم موقنين بشيء قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره واستبانته.
قوله :﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ ﴾ قال فرعون لمن حوله من قومه وبطانته المشركين : ألا تستمعون لما يقوله موسى. وإنما قال فرعون ذلك على سبيل التعجب من جواب موسى، فقد كانت عقيدة قومه أن فرعون إلههم ومعبودهم.
قوله :﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأولين ﴾ أي إلهكم الذي أدعوكم لعبادته هو خالقكم وخالق آباءكم الذين من قبلكم. وليس فرعون إلا مربوبا لا ربا كما يفتري ويهذي.
قوله :﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ قال فرعون ذلك ؛ لأن كلام موسى كان غير مفهوم ولا معقول لدى قومه من الظالمين الذين استخفهم فأطاعوه ؛ إذ كانوا يعتقدون أن الإله هو فرعون فقط. فلما ذكر لهم موسى أن الله خالق كل شيء لم يعقلوا معنى كلامه، فسوّل لهم فرعون أن موسى مجنون.
وقيل : إن موسى لم يجب فرعون عما سأله بل كان ماضيا في تذكيرهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده. ومن أجل هذا قال فرعون لقومه : إن موسى لمجنون. ومع ذلك لم يلتفت موسى إلى مقالة فرعون وما كان يتيه فيه من باطل القول وظلم الافتراء. بل صدع بالحق المبين غير عابئ ولا متهيب بطش القوم وطغيانهم فقال :﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ هذه مجاهرة صريحة من موسى للقوم الظالمين يبين لهم فيها أن الله وحده رب كل شيء وهو خالقه ومالكه. وما من شيء إلا هو مربوب لله ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ إن كانت لكم أفهام تعقلون بها وتدركون ما أقوله لكم وتميزون بها ما بين الحق والباطل.
قوله تعالى :﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ( ٢٩ ) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ( ٣٠ ) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ٣١ ) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ) ٣٢ ) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ( ٣٣ ) قَالَ لِلْمَلا حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ٣٤ ) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ( ٣٥ ) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾
قامت الحجة على الظالم المتجبّر، حتى انقطع في باب الدليل والبرهان، فجنح بظلمه وطغيانه إلى أسلوب البطش والتنكيل كالحبس أو القتل أو التعذيب. وهذا هو ديدن الطغاة والمستبدين في كل زمان. أولئك الذين يسوسون الناس بالظلم والتسلط الغاشم، وهم ليس لهم في سلطانهم وحكمهم أيما حجة من منطق أو برهان إلا التعسف والعدوان ؛ إنهم حينئذ لا يواجهون خصومهم بالاحتجاج أو الدليل إنما يواجهونهم بالشدة والتنكيل والتقتيل. وفي طليعة هؤلاء جميعا ذلكم الطاغية الكنود، فرعون ؛ فقد غابت عن ذهنه وخياله كل ظواهر المنطق والاحتجاج فبادر إلى العسف والتهديد. فقد توعد موسى لئن اتخذ إلها آخر غيره لسوف يسجننه. فأجابه موسى عليه السلام في ثقة بالله ويقين، وفي عزيمة شامخة راسخة لا تتزعزع ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ﴾.
﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ﴾ أي ببرهان قاطع مكشوف
﴿ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ طلب فرعون على سبيل المكابرة والمعاندة والتحدي أن يأتيه ببرهان
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ والثعبان، ضرب من الحيات طوال، وجمعه ثعابين. يقال : ثعبْتُ الماء أي فجرته. والثعب، مسيل الماء في الوادي وجمعه ثعبان١ والمراد بالثعبان هنا الحية الهائلة المَخوفة التي لا يراها بشر إلا هالته وراعته بمنظرها.
١ مختار الصحاح ص ٨٣.
قوله :﴿ وَنَزَع يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾ أي نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء تتلألأ كأنها قطعة مضيئة من القمر. ولم يتردد فرعون دون المكابرة والعناد حتى بادر إلى التكذيب والجحود والاستكبار. وذلك هو خلق المجرمين من الأشقياء العتاة الذين لا تأخذهم الحجة ولا يثنيهم الدليل الظاهر عن المكابرة والاستكبار. ومن أجل ذلك قال ﴿ قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ٣٤ ) ﴾
﴿ قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ٣٤ ) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ قال فرعون لقومه الذين استخفهم فأطاعوه : إن موسى ساحر خبير بارع. وإنما يريد بسحره هذا أن يستهوي الناس ليجتمعوا من حوله فيتقوّى بهم على التغلب عليكم وإخراجكم من أرضكم مصر. وفرعون في ذلك يريد أن يهيّج قومه ويحرّضهم على مواجهة موسى بالاستنكار والاستنكاف والتصدي. وقد تحصّل له ذلك ؛ إذ تمكن من قذف الوهم في قلوبهم بعد أن طلب منهم أن يشيروا عليه بما يصنعه.
فأشاروا عليه بمقارعته وقهره عن طريق السحرة البارعين ليغلبوه. وهو قوله :﴿ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ٣٤ ) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ قال فرعون لقومه الذين استخفهم فأطاعوه : إن موسى ساحر خبير بارع. وإنما يريد بسحره هذا أن يستهوي الناس ليجتمعوا من حوله فيتقوّى بهم على التغلب عليكم وإخراجكم من أرضكم مصر. وفرعون في ذلك يريد أن يهيّج قومه ويحرّضهم على مواجهة موسى بالاستنكار والاستنكاف والتصدي. وقد تحصّل له ذلك ؛ إذ تمكن من قذف الوهم في قلوبهم بعد أن طلب منهم أن يشيروا عليه بما يصنعه.
فأشاروا عليه بمقارعته وقهره عن طريق السحرة البارعين ليغلبوه. وهو قوله :﴿ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾

﴿ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ ﴿ أرجه ﴾، قُرئ أرجئه بالهمز وبغير الهمز. وهما لغتان. يقال : أرجأته وأرجيته إذا أخرته. والمعنى : أخره وأخاه لوقت اجتماع السحرة من مدائن الدولة وأقاليم البلاد ليقابلوه ويأتوا بنظير ما جاءهم به فتكون لك الغلبة والنصرة عليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:﴿ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ ﴿ أرجه ﴾، قُرئ أرجئه بالهمز وبغير الهمز. وهما لغتان. يقال : أرجأته وأرجيته إذا أخرته. والمعنى : أخره وأخاه لوقت اجتماع السحرة من مدائن الدولة وأقاليم البلاد ليقابلوه ويأتوا بنظير ما جاءهم به فتكون لك الغلبة والنصرة عليه.
قوله :﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( ٣٨ ) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ( ٣٩ ) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( ٤٠ ) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( ٤١ ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( ٤٢ ) قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ( ٤٣ ) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ( ٤٤ ) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ( ٤٥ ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ٤٦ ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٤٧ ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ احتشد الناس من أهل مصر في يوم ظاهر معلوم، وقد تمالأت فيه فئات الكفر والضلال والنفاق من أجل أن يطفئوا نور الله وليصدوا دعوة التوحيد صدا فتكون لهم الكبرياء والغلبة على الناس. وذلك هو من شأن المضلين والمجرمين من مشركين وحاقدين ومنافقين ؛ فإنهم جميعا لا يبرحون الكيد للحق كيما يستأصلوه من الدنيا استئصالا.
قوله :﴿ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ( ٣٩ ) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ بعث فرعون جنوده وأعوانه في المدائن لترغيب الناس وتحضيضهم على الاجتماع والتلاقي في يوم الزينة، يوم المناظرة الكبرى بين الحق الذي يدعو إليه موسى وأخوه وحيدين، ليس لهما من ظهير ولا نصير سوى الله ذي الملكوت والجبروت، وبين الباطل الهائج المنتفش ومن ورائه الطاغية المغرور فرعون ومن ورائه أتباعه وأشياعه من الأعوان والمنافقين والرعاع. وقد تنادى هؤلاء فيما بينهم قائلين :﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾
﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ أي لكي نتبع السحرة في دينهم إن غلبوا موسى. وإنما غرضهم الكلي أن لا يتبعوا موسى وقد كان السحرة حينئذ جمعا غفيرا من الخلق ؛ إذ بلغوا بضعة آلاف. واختلفت الأقوال في حقيقة عدتهم لعدم الدليل على ذلك.
قوله :﴿ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾ سألوه إن كان لهم حظ من الأجر أو الجزاء في مقابل انتصارهم على موسى ﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ وافقهم فرعون على ما سألوه وابتغوه من الجزاء، وزيادة. وهي أن يكونوا عنده من المقربين فيكونوا من ذوي المكانة والجاه والحظوة.
قوله :﴿ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ أي ألقوا ما عندكم من حبال وعصي
﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾ أي ألقَوْا ما عندهم من الحبال والعصي وأقسموا لدى إلقائها –بقوة فرعون وسلطانه إنهم هم الغالبون.
قوله :﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ ألقى موسى عصاه فانقلبت حية هائلة مَخوفَة تبتلع كل ما ألقاه السحرة من إفك، وهو السحر المفترى الذي لا حقيقة له إلا التوهيم والتخييل والخداع والبراعة في التمويه والحركة.
قوله :﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ٤٦ ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٤٧ ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ لما حصحص الحق واستبانت الحجة ساطعة جلية وأيقنوا أن ما جاء به موسى لهو من عند الله، خروا لوجوههم ساجدين لله، مذعنين له بالطاعة والخضوع والامتثال. معلنين في مجاهرة واضحة أنهم آمنوا بالله خالق كل شيء وأنه إله العالمين وهو رب موسى وهارون١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣٤ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٤٤-٤٦ والكشاف جـ ٣ ص ١١٢، ١١٣. وتفسير الرازي جـ ٢٤ ص ١٣٢-١٣٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٦:قوله :﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ٤٦ ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٤٧ ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ لما حصحص الحق واستبانت الحجة ساطعة جلية وأيقنوا أن ما جاء به موسى لهو من عند الله، خروا لوجوههم ساجدين لله، مذعنين له بالطاعة والخضوع والامتثال. معلنين في مجاهرة واضحة أنهم آمنوا بالله خالق كل شيء وأنه إله العالمين وهو رب موسى وهارون١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣٤ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٤٤-٤٦ والكشاف جـ ٣ ص ١١٢، ١١٣. وتفسير الرازي جـ ٢٤ ص ١٣٢-١٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٦:قوله :﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ٤٦ ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٤٧ ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ لما حصحص الحق واستبانت الحجة ساطعة جلية وأيقنوا أن ما جاء به موسى لهو من عند الله، خروا لوجوههم ساجدين لله، مذعنين له بالطاعة والخضوع والامتثال. معلنين في مجاهرة واضحة أنهم آمنوا بالله خالق كل شيء وأنه إله العالمين وهو رب موسى وهارون١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٣٤ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٤٤-٤٦ والكشاف جـ ٣ ص ١١٢، ١١٣. وتفسير الرازي جـ ٢٤ ص ١٣٢-١٣٤..

قوله تعالى :﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( ٤٩ ) قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ( ٥٠ ) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
استنكر فرعون إيمان السحرة وخرورهم ساجدين لله مؤمنين منيبين، فغشيه بسبب ذلك من التغيظ والغضب ما غشيه حتى أخذ يقرّعهم تقريع الأحمق المأفون، الذي يهذي من غير حجة ولا منطق، لأنهم آمنوا من غير أن يستأذنوه. وهو قوله :﴿ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ﴾ كان هذا الشقي المتجبر يفيض طبعه فظاظة وشقاوة وكبرا. وكان لفرط اغتراره واستكباره وخيلائه يعجب أن يؤمن أحد من قومه دون الرجوع إليه ؛ فهو يعجب في لجوج وغرور من إيمان القوم قبل أن يأذن لهم لذلك. فراح بذلك يزجرهم ويقرعهم ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ أي إنما فعلتم ذلك عن مواطأة بينكم وبين موسى وهو رئيسكم في السحر وهو الذي علّمكم صنعة السحر. ثم راح يتهددهم متوعدا أن ينزل بهم العقاب الأليم. وهو قوله :﴿ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ والقطع من خلاف، معناه قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. أما الصلب فهو مصدر صلب يصلب صلبا، وأصله من الصليب وهو الودك، أي دسم اللحم. والصلب هو قتلة معروفة، مشتق من ذلك ؛ لأن ودك الثقيل المصلوب وصديده يسيل١.
١ لسان العرب جـ ١ ص ٣٤.
قوله ﴿ قَالُوا لا ضَيْرَ ﴾ ؛ الضير معناه الضر أو الضرر، أي لا ضرر علينا، أو لا يضرنا الذي تتوعدنا به من عقاب وتنكيل فإنا لا نجزع بذلك ولا نبالي به ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ أي إنا إلى الله راجعون فهو مجازينا بما صبرنا على ضُرك وعقابك.
قوله :﴿ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ نرجو من الله أن يمحو عنا ما قارفناه من الذنوب والخطايا ﴿ أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ أَن كُنَّا ﴾، يعني لأنْ كنا. أو بسبب أنا كنا أول المبادرين للإيمان من القبط، أو من الذين حضروا هذا الموقف.
لكن فرعون لم يتورع عن فعل الخطيئة البشعة النكراء ؛ إذ قتلهم جميعا – وهم ألو فمن المؤمنين- وذلك بتقطيعهم من خلاف وتصليبهم في جذوع النخل كما توعدهم بذلك قبحه الله. والله جل وعلا، هو المنتقم الجبار قاصم الطغاة والعتاة والفجار، وهو لا يغفل عما يفعل الظالمون من فظاعة وبشاعة وإجرام. إن الله لفرعون وأمثاله من الطغاة المناكيد في كل زمان ومكان بالمرصاد. حتى إذا جاء الوعد بالانتقام من الظالمين في الدنيا قصمهم قصم عزيز مقتدر، قبل أن يُصار بهم إلى جهنم. وفي الخبر " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".
قوله تعالى :﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ( ٥٢ ) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٥٣ ) إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( ٥٤ ) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ( ٥٥ ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ( ٥٦ ) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ٥٧ ) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( ٥٨ ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
بعد أن قامت الحجة على فرعون وملئه من المشركين الظالمين، خشي هذا اللعين أن يشيع دين موسى في البلاد بما لديه من قوة الأدلة والبراهين. ومن أجل ذلك أزمع فرعون على التصدي لموسى والذين معه بالقتل والإبادة. فأوحى الله إلى كليمه موسى بالخروج وقومه من البلاد تنجية لهم من كيد فرعون، فخرج ببني إسرائيل من مصر ليلا ومضى بهم إلى حيث أمره الله وهم يحملون معهم ما استعاروه من القبط من الحلي ليتزينوا به في عيدهم. وهو قوله :﴿ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾ أي يتبعكم فرعون وجنوده ليردوكم إلى القهر والاستعباد.
قوله :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾ أي بعث فرعون إلى الأقاليم في البلاد من يجمع جنوده وعساكره ليمضوا في أثر بني إسرائيل. وقد نادى فيهم ﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾
﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾ الشرذمة، الطائفة من الناس، والقطعة من الشيء١ فقد وصفهم بالقلة والذلة. وذلك على سبيل الاستهجان والاستخفاف والاستضعاف. وقد احتشد من حوله أتباعه من العساكر والجنود والرعاع فكانوا جمعا عظيما من الخلق. ولقد لحقوا بموسى ومن معه من بني إسرائيل لكي يردوهم إلى حكمهم حيث القهر والإذلال والتسلط الظالم.
١ مختار الصحاح ص ٣٣٤.
قوله :﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ﴾ اللام للتأكيد. وغائطون من الغيط وهو الغضب. يعني يفعلون ما يغيظنا. وهو خروجهم سرا من غير أن نأذن لهم بذلك، فضلا عن تمردهم على أمرنا وحكمنا، وخروجهم عن العبودية لنا ليستقلوا بأنفسهم عنا.
قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ ﴿ حَاذِرُونَ ﴾ جمع حاذر، وهو المستعد. أو حذر وهو المتيقظ المنتبه. والمعنى : أننا مجتمعون وقد أخذنا حذرنا واستعدادنا للقضاء على بني إسرائيل واستئصال شأفتهم.
قوله :﴿ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ أخرج الله فرعون وجنوده وأتباعه وأعوانه من أرض مصر حيث البساتين والزروع والثمرات والأنهار والأموال والجاه والسلطان ﴿ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾
﴿ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ الكنوز، يراد بها الخزائن. وقيل : الدفائن من الذهب والفضة. والمقام الكريم، يراد به المساكن الفاخرة العظام والمجالس البهية الحسان التي كانت لفرعون وجنده وملئه يتنعمون فيها وهم تحيط بهم ظواهر العزة والمجد.
قوله :﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف. أي مثل ذلك الإخراج أخرجناهم. أو في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير : الأمر مثل ذلك.
قوله :﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ والمراد أن جميع ما ذكر من الجنات والعيون والأنهار والكنوز والمنازل الحسنة أورثه الله بني إسرائيل ؛ إذ رجعوا إلى مصر –بعد مهلك فرعون وجنده- سالمين آمنين غانمين١.
١ تفسير البضاوي ص ٤٨٩ والكشاف جـ ٣ ص١١٥ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص ١٠٥.
.

قوله تعالى :﴿ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ( ٦٠ ) فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( ٦١ ) قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٦٢ ) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ( ٦٣ ) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ ( ٦٤ ) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ( ٦٥ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ( ٦٦ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ٦٧ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ لحق فرعون وجنوده ببني إسرائيل ﴿ مُّشْرِقِينَ ﴾ أي حين وقت الشروق. وهو من أشرقت الشمس شروقا إذا طلعت.
قوله :﴿ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ ﴿ تَرَاءى الْجَمْعَانِ ﴾، أي تقابلا وجها لوجه. وهو فريق المؤمنين من قوم موسى، وفريق الطغاة والمجرمين الكافرين من فرعون وملأه وأشياعه وأتباعه من الرعاع والمنافقين. حينئذ خاف بنو إسرائيل وأصابهم من الذعر والوجل ما أصابهم وقالوا :﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ أي ملحقون. وذلك لما انتهى بهم السير إلى ساحل البحر الأحمر فرأى كل من الفريقين صاحبه. وإذ ذاك ساءت بهم الظنون وكاد اليأس أو الرعب يطغى عليهم وهم يرون أن فرعون قد لحق بهم وربما تمكن من رقابهم. لكن موسى كان قلبه مطمئنا بالإيمان، وكان واثقا بنصر الله وتأييده، موقنا أن الله مع المؤمنين الصابرين ولن يخلف الله وعده الذي وعدهم. لذلك رد عليهم موسى قولهم زاجرا ومذكرا بوعد الله ﴿ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
﴿ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ أي، الله بقوته وتأييده وجلاله معي وسيهديني، أي سيدلني على طريق النجاة والخلاص مما ترون من الأخطار. فإذا أهلك الله فرعون وجنده الأشرار، فلا جرم أن يكون ذلك نصرا ظاهرا من الله.
قوله :﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ ﴾ وهذه بداية النصر والتأييد من الله بإهلاك الظالمين المجرمين، فرعون وجنوده أجمعين. فقد أمر الله كليمه موسى أن يضرب البحر بعصاه فانفلق ؛ أي صار فيه اثنا عشر طريقا على عدد أسباط بني إسرائيل ؛ ليمضي كل سبط منهم في طريق. وكل ذلك بقدرة الله المطلقة ومشيئته التي لا تعرف الحدود. نوقن بذلك تمام اليقين ونحن نتصور العصا، هذا الجرم الصغير المهين، وهو يُضرب به البحر ؛ فإنه في معيار الطبيعة وقوانينها لا يساوي شيئا ولا يؤثر في البحر أهون تأثير. لكن الله العزيز المقتدر خالق الأشياء والكائنات، والذي أودع فيها ما أودع من القوانين والخصائص قادر أن يفعل ما يريد من المعجزات الحسية التي تتعطل عندها قوانين الطبيعة ونواميسها. وهذه واحدة من المعجزات الكبرى التي تحققت لبني إسرائيل بقيادة النبي العظيم موسى عليه الصلاة والسلام. وهي انفراق البحر اثني عشر طريقا يبسا ممهدا يسيرون فيه في أمن ويسر.
قوله :﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ الفرق، القطعة أو الجزء المنفرق من البحر. والطود، معناه الجبل العظيم١ والمعنى : قام الماء عن يمين كل طريق من هذه الطرق وعن يساره كالجبل الشاهق العظيم. وهذه معجزة كبيرة مثيرة توجج العجب وتدير الرأس. وللمرء أن يتخيل الماء وهو يقف شاهقا مركوما على جانبي كل طريق من هذه الطرق. ومجرد قيامه عاليا متراكما لا يسقط ولا يسيل، ينبئ بمعجزة ظاهرة ثانية.
وذكر كثير من المفسرين أنه قد جُعلت لهم كوى أو منافذ في الجدران المائية التي تفصل بين الأسباط الاثني عشر ليرى بنو إسرائيل بعضهم بعضا. وهذه معجزة ثالثة من معجزات حسية قد أوتيها بنو إسرائيل ليشكروا الله على ما آتاهم من فضله من عظيم العطايا مما لم يعط مثله أحد غيرهم في العالمين. لكنهم في الحقيقة لم يشكروا ولم يتذكروا، ولم يقابلوا عطايا الله بالخشوع والتواضع والرحمة بالبشرية بل إنهم وذراريهم من بعدهم قد جحدوا واستكبروا بعد أن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم. فهم أولوا طبائع غريبة. بما خالطها من انحراف وعوج وبما تجلى في نفوسهم وسلوكهم وطريقة تفكيرهم من زيغ واعوجاج وجنوح للتخريب وبما مردوا عليه خلال تاريخهم الطويل من رغبة ملحة في التدسس خلف المجتمعات لإضعافها والسيطرة عليها.
١ مختار الصحاح ص ٣٩٩.
قوله :﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ ﴾ ﴿ وَأَزْلَفْنَا ﴾ يعني قرّبنا وأدنينا. و ﴿ ثم ﴾، يعني هناك، والمراد البحر. والمراد بالآخرين، فرعون وجنوده ؛ أي قربناهم من البحر تمهيدا لدخولهم فيه وتغريقهم فلا ينجو منهم أحد.
قوله :﴿ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ أنجا الله كليمه موسى ومعه بنو إسرائيل، إذ سلك كل سبط منهم في البحر طريقا يبسا آمنا.
قوله :﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين ﴾ توهم فرعون وغلبه الاغترار والصلف وجنون العظمة والاستكبار، إذ رأى البحر منفلقا فاختال في نفسه تيها وكبرا وغرورا. فحمل قومه على الدخول في البحر معه ليلاقوا مصيرهم البئيس فدخلوا ثم أطبق عليهم البحر إطباقا فغرقوا شر تغريق ولم ينج منهم أحد.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية ﴾ إن في هذه القصة وما انطوت عليه من أحداث عجاب ومعجزات مثيرة مذهلة، دلالة ظاهرة على قدرة الله ؛ فهو الفعال لما يريد. وهو الذي ينصر أولياءه الصالحين المغلوبين كلما أحاطت بهم الأهوال والشدائد ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي لم يؤمن من قوم فرعون إلا قليل منهم آسية امرأة فرعون. ورجل مؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ إن الله لهو القوي الجبار المنتقم ممن كفر به وكذب رسله وآذى أولياءه المؤمنين الصابرين. وهو سبحانه الرحيم بعباده المؤمنين الطائعين فينجيهم من كل المهالك والكروب ويكتب الثواب وحسن الجزاء في الآخرة١.
١ تفسير الطبري جـ ١٩ ص ٥٠-٥٢ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص ١٠٧، ١٠٨.
قوله تعالى :﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ( ٦٩ ) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ( ٧٠ ) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ( ٧١ ) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ( ٧٢ ) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ( ٧٣ ) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ( ٧٤ ) قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( ٧٥ ) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ( ٧٦ ) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ( ٧٧ ) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( ٧٨ ) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ( ٧٩ ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( ٨٠ ) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ( ٨١ ) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ ذلك إخبار من الله عن النبي الأوّاه الحليم، خليل الله إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. فقد كان مثالا يحتذى به في قوة الصبر وعظيم الاحتمال والثبات على العقيدة، والجرأة البالغة في قول الحق مهما تكن النتائج أو أطبقت المحن والأهوال، أو أحاطت بالنفس مكائد الكافرين المجرمين.
والله جل وعلا يأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقصص على أمته خبر هذا النبي الفذ، إبراهيم عليه السلام. وهو قوله :﴿ إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ سأل إبراهيم قومه في صراحة وجرأة، غير مداهن ولا متردد، ولا متوجس أيما خيفة، عن الذي يعبدونه وهو يعلم أنهم يعبدون أصناما صما. لكنه إنما يبتغي بذلك أن يلزمهم الحجة ليعلموا أنهم لا يعبدون شيئا. فهم بذلك ليسوا غير تائهين في الجهالة والضلالة.
قوله :﴿ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾ من الاعتكاف، وهو الاحتباس١ أي نظل مقيمين على عبادتها.
١ مختار الصحاح ص ٤٤٩.
قوله :﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ( ٧٢ ) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ الاستفهام للتقرير، لكي تقوم عليهم الحجة بعبادتهم أجساما لا تجدي ولا تغني. وهي كذلك لا تضر ولا تنفع. والمعنى : هل يسمعون دعاءكم وأنتم تدعونهم أو تعبدونهم. وهم موقنون أن الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل. لكن الحماقة والضلالة والسفه وفساد التقليد، كل أولئك قد ركب عقولهم وقلوبهم فباتوا لا يحسنون الاعتبار والتفكير. وهو قوله :﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٢:قوله :﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ( ٧٢ ) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ الاستفهام للتقرير، لكي تقوم عليهم الحجة بعبادتهم أجساما لا تجدي ولا تغني. وهي كذلك لا تضر ولا تنفع. والمعنى : هل يسمعون دعاءكم وأنتم تدعونهم أو تعبدونهم. وهم موقنون أن الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل. لكن الحماقة والضلالة والسفه وفساد التقليد، كل أولئك قد ركب عقولهم وقلوبهم فباتوا لا يحسنون الاعتبار والتفكير. وهو قوله :﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾
﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ هؤلاء الضالون السفهاء سادرون في ظلام التقليد الأعمى للآباء والأجداد، جانحون للسير على خطاهم دون أن يعبئوا في ذلك بزيغ أو عوج، ولم يسعفهم فيه أثارة من حجة أو دليل إلا التقليد الأصم.
وهذه خطيئة كبرى وسفه غليظ يتلبس به في مختلف الأزمان كثير من الناس أفرادا وجماعات ؛ إذ يجنحون في كثير من سلوكهم وتصرفاتهم وأهوائهم وعباداتهم إلى ما كان يصنعه الآباء والأجداد ؛ فهم يتلقون عنهم كل ذلك دون تمحيص أو إعمال لنظر، ولا يبالون في ذلك أن يكون المأخوذ عن الغابرين زيفا أو هراء أو ضلالا.
قوله :﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( ٧٥ ) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ( ٧٦ ) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ كان إبراهيم يخاطب قومه المشركين الضالين في شجاعة بالغة وجرأة ليس لها نظير. جرأة لم يخالطها أيما مداهنة أو لين، إلا الصدق في القول الصريح المستبين ؛ لأن القوم لفرط زيغهم وضلالهم واستغراقهم في العمه والضلال والباطل لا تجدي معهم غير المفاصلة في القول، والوضوح من الخطاب الصريح لكي يتدبروا ويزدجروا. فقد قال لهم إبراهيم : أرأيتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام أنتم وآباؤكم الأولون من قبلكم ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:قوله :﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( ٧٥ ) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ( ٧٦ ) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ كان إبراهيم يخاطب قومه المشركين الضالين في شجاعة بالغة وجرأة ليس لها نظير. جرأة لم يخالطها أيما مداهنة أو لين، إلا الصدق في القول الصريح المستبين ؛ لأن القوم لفرط زيغهم وضلالهم واستغراقهم في العمه والضلال والباطل لا تجدي معهم غير المفاصلة في القول، والوضوح من الخطاب الصريح لكي يتدبروا ويزدجروا. فقد قال لهم إبراهيم : أرأيتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام أنتم وآباؤكم الأولون من قبلكم ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي ما اتخذتم من الأصنام آلهة، عدو لي يوم القيامة، لو أني عبدتهم في الدنيا. كقوله :﴿ كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾ والعدو، هنا بمعنى الجمع. وقد وحده لخروجه مخرج المصدر، مثل القعود والجلوس. ورب العالمين، منصوب على الاستثناء المنقطع. فيكون المعنى : أفرأيتم ما عبدتموه أنتم وآباؤكم فهو عدو لي، لكن رب العالمين ليس كذلك.
قوله :﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ وصف إبراهيم ربه بما هو أهله، إذ قال : الله الذي خلقني ولم أكن شيئا وهو يهديني للصواب والسداد من القول والفعل ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الله سبحانه الذي أنزل من بركات السماء ماء فأخرج به من خيرات الأرض طعاما نأكله وشرابا نشربه.
قوله :﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ إذا اعتل بدني وسقم جسمي فإن الله هو الذي يقدر لي الشفاء بما يهديني إليه من دواء.
قوله :﴿ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ الله المبدئ المعيد. وهو بقدرته المطلقة يبعث الخلائق بعد الموت ليلاقوا الجزاء والحساب.
قوله :﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ الله الذي أرجو أن يتجاوز لي عن خطاياي ﴿ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ أي يوم الجزاء. فإبراهيم وإن كان يعلم أنه معصوم من الذنوب وأنه مغفور له، فقد قال ذلك على سبيل الإقرار المطلق بكامل العبودية وبتمام الخضوع والتذلل لله رب العالمين١.
١ تفسير القرطبي جـ١٣ ص ١١٢ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٥٣، ٥٢.
قوله تعالى :﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( ٨٣ ) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ( ٨٤ ) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ( ٨٥ ) وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ( ٨٦ ) ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ( ٨٧ ) يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ( ٨٨ ) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾.
دعا إبراهيم ربه دعاء المنيب المتذلل. ودعاؤه جامع شامل يفيض بالإخلاص والزهد وطهر النفس. إذ قال :﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ سأل إبراهيم ربه أن يهبه الحكم وهو العلم والحكمة. وقيل : المعرفة بحدود الله وأحكامه. وأن يلحقه في علو الدرجة والمنزلة بالنبيين من قبله. قوله :﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ﴾
﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ﴾ ﴿ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾، أي ثناء حسنا.
فقد سأل إبراهيم ربه الثناء وخلد المكان. وقد أجاب الله دعاءه فكل أمة من أهل الديانات السماوية تعظمه وتجله إجلالا، وهي مشدودة إليه بحسن المودة وجليل الرباط. وعلى هذا لا بأس أن يحب المرء الثناء عليه بصالح الذكر إذا قصد بذلك وجه الله تعالى، وليس مجرد الثناء والذكر أو حبا في الشهرة والظهور.
قال ابن العربي في أحكام القرآن : قال المحققون من شيوخ الزهد : في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يُكسب الثناء الحسن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم علمه، أو ولد صالح يدعو له ".
وقيل : سأل ربه أن يجعل من ولده من يقوم بالحق من بعده إلى يوم الدين فقُبلت الدعوة ولم تزل النبوة فيهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين والمرسلين.
قوله :﴿ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ سأل الله أن يمن عليه بالسعادة في الآخرة وهي الجنة. وفي ذلك رد لمقالة من يدعو : لا أسأل جنة ولا نارا. بل ندعو الله إلحاحا ونحن نسأله جل جلاله النجاة من النار، والفوز بجنة النعيم في زمرة المؤمنين العاملين المتقين.
قوله :﴿ وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ سأل إبراهيم ربه أن يصفح لأبيه، إذ كان ضالا مشركا. وكان إبراهيم قد وعده أبوه أن يؤمن برسالته ودينه فاستغفر له. فلما استبان لإبراهيم أن أباه عدو لله وأنه لم يؤمن تبرأ منه.
قوله :﴿ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ أي تذليني ولا تفضحني أمام الخلائق يوم القيامة. وأجرني من الخزي والعقاب يومئذ ﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ( ٨٨ ) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ( ٨٨ ) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ﴿ يَوْمَ ﴾، بدل من ﴿ يَوْمَ ﴾ الأول وفي هذا اليوم تشتد الأهوال والكروب، وتدلهم القوارع والخطوب، وتغشى الناس أحداث مزلزلة مذهلة تطير منها العقول، وتتقطع لفظاعتها القلوب. وحينئذ لا تجدي الشفاعات والجاهات والوساطات. ولا تغني الأموال ولا البنون ولا ينفع حميم حميما ﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ أي مبرأ من الشرك والنفاق والمرض على اختلاف صوره وأنواعه. عامر باليقين والخوف من الله. وذلكم الذي يجدي وينفع ليكون حائلا دون التردي في العذاب والخسران١.
١ أحكام القرآن لابن العربي جـ ٣ ص ١٤٢٤ وفتح القدير جـ ٣ ص ١٠٦..
قوله تعالى :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ( ٩٠ ) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ( ٩١ ) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( ٩٢ ) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ( ٩٣ ) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ( ٩٤ ) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ( ٩٥ ) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ( ٩٦ ) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ( ٩٧ ) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٩٨ ) وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ ( ٩٩ ) فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( ١٠٠ ) ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ( ١٠١ ) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ١٠٢ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٠٣ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
ذلك إخبار من الله للعباد عن أحداث مَخوفة تجري يوم القيامة. أحداث هائلة ومذهلة تثير الرعب وتبلغ منها القلوب الحناجر وتنشر في قلوب المجرمين والظالمين الفزع والإياس الكامل. وقد بدأ ذلك كله بذكر المتقين وإزلاف الجنة لهم وهو قوله :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أي أدنيت وقرّبت ليتمكنوا من دخولها سالمين آمنين مطمئنين. وهو ما يزيد الإياس والحسرة لدى المجرمين الأشقياء.
قوله :﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾ أي أُظهرت الجحيم بنارها اللاهبة المستعرة للذين غووا وضلوا عن دين الله وجانبوا صراطه المستقيم ليزدادوا بذلك ترويعا وتحسرا.
قوله :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ ينادى المجرمون الغاوون يوم القيامة زيادة في التعنيف لهم والتنكيل بهم : أين الشركاء والأنداد من الأصنام والأوثان والآلهة المصطنعة التي كنتم تعبدونها في الدنيا من دون الله، هل ينفعونكم اليوم بدرء العذاب عنكم أو يملكون أن يدرؤوا عن أنفسهم النار ؟ !.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:قوله :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ ينادى المجرمون الغاوون يوم القيامة زيادة في التعنيف لهم والتنكيل بهم : أين الشركاء والأنداد من الأصنام والأوثان والآلهة المصطنعة التي كنتم تعبدونها في الدنيا من دون الله، هل ينفعونكم اليوم بدرء العذاب عنكم أو يملكون أن يدرؤوا عن أنفسهم النار ؟ !.
قوله :﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴾ نقول : كبكبه، أي كبّه، بمعنى قلبه على وجهه١ وكُبكبوا، من الكبكبة وهي تكرار للكب. جعل التكرار في اللفظ دليلا على التكرار في المعنى كأنهم إذا ألقوا في جهنم يكبون مرة بعد أخرى حتى يستقروا في قعر النار، فهم يقلبون على رؤوسهم قلبا ويلقى بعضهم على بعض حين يهوى بهم في النار. والمراد بهم الأصنام والأنداد وسائر الآلهة المصطنعة والذين عبدوها من البشر الغواة ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾
١ القاموس المحيط جـ ١ ص ١٢٥ ومختار الصحاح ص ٥٦٠.
﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ أي أتباع إبليس من الجن والإنس، فقد كبكبوا جميعا مع الأصنام وعبدتها الغاوين في النار.
وفي هذا اللفظ القرآني البديع ما يكشف عن مدى المهانة والتقريع والتنكيل الذي يغشى المجرمين وهم يلقى بعضهم فوق بعض في النار مقلوبين منكوسين على رؤوسهم ووجوههم، زيادة لهم في التعذيب والهوان. وذلك من جملة التصوير الذي يتجلى في القرآن وهو يرسم لنا صورة جلية عن الحدث. صورة يتخيلها الذهن ويستشعرها الحس وتتملاها النفس وهي تتصور حال الطغاة والغواة المجرمين وهم يكبّون على رؤوسهم في النار كبا.
قوله :﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ الضمير يعود على جميع المكبكبين من الأصنام والأنداد والغاوين الذين عبدوهم. وكذا جنود إبليس من الجن والإنس.
أولئك جميعا يختصمون وهم في النار. فيا لهول المنظر الرعيب المخوف ! منظر الطاغين والمجرمين من عبدة الشياطين من الجن والإنس ومعبوديهم من الأصنام والأنداد، يتجادلون في اختصام شديد مضطرع وهم يتقاحمون في النار ؛ إذ يحلفون قائلين ﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾
﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ( ٩٧ ) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ إن ﴾، المخففة من الثقيلة. واللام بعدها فارقة بينها وبين النفي. والمعنى : قالوا تالله إنا كنا في حيرة وخسران ظاهر ؛ إذ كنا نَعدلكم برب العالمين فنشرككم معه في العبادة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ( ٩٧ ) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ إن ﴾، المخففة من الثقيلة. واللام بعدها فارقة بينها وبين النفي. والمعنى : قالوا تالله إنا كنا في حيرة وخسران ظاهر ؛ إذ كنا نَعدلكم برب العالمين فنشرككم معه في العبادة.
قوله :﴿ وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ ﴾ قال المكبكبون في النار : ما أبعدنا عن طريق الله وأسلمنا إلى الخسران والضلال إلا الشياطين الذين سوّلوا لنا عبادة الأصنام والزيغ عن دين الله الحق ﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( ١٠٠ ) ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾
﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( ١٠٠ ) ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ أي ليس لنا من الملائكة أو النبيين أو المؤمنين من يشفع لنا فننجو من العذاب. وليس لنا كذلك من صديق ذي قرابة ومودة ينفعنا اليوم ويشفق علينا فيدفع عنا ما حاق بنا من الهوان والخزي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٠:﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( ١٠٠ ) ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ أي ليس لنا من الملائكة أو النبيين أو المؤمنين من يشفع لنا فننجو من العذاب. وليس لنا كذلك من صديق ذي قرابة ومودة ينفعنا اليوم ويشفق علينا فيدفع عنا ما حاق بنا من الهوان والخزي.
قوله :﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فتحت ﴿ أَنَّ ﴾ لوقوعها بعد لو. والتقدير : لو وقع لنا كرة ( نكون )، منصوب على جواب التمني بالفاء١ والكرة بمعنى الرجعة٢ عندما ييأس المجرمون من عبدة الأصنام والشياطين وتغمرهم الحسرة والندامة، يتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا فيتداركوا ما فاتهم من إيمان بالله وطاعته. والمعنى : ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنعمل بعمل أهل الجنة وننجو مما نحن فيه من البلاء. وتلك هي أمنيات النادمين الخاسرين يوم القيامة. وحينئذ لا ينفعهم ندم ولا توبة ولا تحسّر.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٥..
٢ المصباح المنير جـ ٢ ص ١٩٠..
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي فيما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من الحجج الظاهرة، وفيما تبين من قصته معهم وجميل صبره عليهم وحرصه على هدايتهم، لعظة وعبرة لمن أراد أن يتذكر أو يعتبر. ومع ذلك، ما كان أكثر قومه في سابق علم الله مؤمنين.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ ذلك تأكيد من الله أنه قوي شديد المحال وأنه منتقم من الظالمين الذين شاقوا الله ورسله وسلكوا في حياتهم الدنيا مسالك الشياطين١.
١ تفسير الطبري جـ ١٩ ص٥٥، ٥٦ وفتح القدير جـ ٣ ص١٧٠، ١٠٦.
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ( ١٠٥ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ألا تَتَّقُونَ ( ١٠٦ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٠٧ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٠٨ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٠٩ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١١٠ ) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ ( ١١١ ) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١١٢ ) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ( ١١٣ ) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ( ١١٤ ) إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( ١١٥ ) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ( ١١٦ ) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ( ١١٧ ) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ١١٨ ) فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ١١٩ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ( ١٢٠ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٢١ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
ذلك إخبار من الله عن عبد عظيم من عباده المصطفين أولي العزم من الرسل وهو نوح عليه السلام ؛ إذ بعثه الله إلى أهل الأرض داعيا لهم على عبادة الله وحده ونبذ الأصنام وعدم الاغترار بها فإنها جامدة هامدة بلهاء. لكن قومه الضالين كذبوه وخالفوه وتصدوا له بالإيذاء والتنكيل وهو قوله :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي كذبت جماعة قوم نوح المرسلين. وذكر المرسلين بالجمع مع أن المراد رسول الله نوح، لان من كذب رسولا فقد كذب سائر الرسل. فالإيمان وحدة متكاملة لا تتجزأ وإنما يناط بالمؤمنين من كل الأمم والشعوب أن يؤمنوا بالنبيين والمرسلين كافة دون تفريق بين أحد منهم.
قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ ﴿ أَخُوهُمْ نُوحٌ ﴾، يراد بذلك أُخوّة النسب وليس الدين والعقيدة ؛ فقد دعاهم نوح ونصح لهم وحذرهم من عبادة الأصنام وهو قوله لهم :﴿ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ أي ألا تخشون ربكم في عبادة الأنداد من دونه ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ إني أصدقكم الحديث فيما أقوله لكم، وأنا أمين لكم فيما جئتكم به من عند الله من رسالة ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ أي خافوا الله واستتروا من عقابه بطاعتكم له وعبادتكم إياه وحده وأطيعوني في نُصحي لكم، وفيما آمركم به.
قوله :﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي ما أطلب منكم على نصحي لكم وتبليغكم دعوة الله أيّما أجر أو جزاء فإنما أبتغي التواب والجزاء من الله رب العالمين ﴿ فاتقوا الله وأطيعون ﴾
﴿ فاتقوا الله وأطيعون ﴾ خافوا الله واخشوا عذابه وانتقامه وأطيعوني فيما أبلغتكم وما جئتكم به من دين.
قوله :﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ ﴾ الاستفهام للإنكار أي أنصدقك في قولك ونتبعك فيما جئتنا به وما تدعونا إليه وما اتبعك إلا الأرذلون. الأرذلون أو الأراذل بالتكسير جمع ومفرده الأرذل، وهو الدون والخسيس١. فكيف نتبعك ولم يؤمن بك إلا الدون من الناس، أو الأخسّ من قومنا. كذلك كان تصور المشركين السفهاء في الأزمنة الغابرة وما عقبها من أزمان ؛ إذ توزن المقادير والاعتبارات للبشر بالنظر لمكانتهم في تصور المجتمعات الجاهلية الضالة وأعرافها.
وإنما المعيار الثابت والاعتبار المستقيم في تصور الإسلام وفي ميزانه لهو الإيمان والتقوى والعلم الصحيح النافع كقوله سبحانه :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾.
١ مختار الصحاح ص ٢٤٠..
قوله :﴿ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي ما علمي بأعمالهم، فإنما أعتبر فيهم الظاهر وليس الباطن أو السرائر. فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا ومن أظهر سوءا ظننت به غير الخير. وكأنما قال له المشركون : إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في الحظوة من الاعتزاز والمال.
قوله :﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ أي ما حسابهم على بواطن أمورهم وما خفي من أعمالهم وأقوالهم إلا على ربي فهو محاسبهم على ذلك كله، لو كنتم تفهمون أو تعقلون.
قوله :﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لست ممن يطرد المؤمنين لرذالتهم وهي خستهم واتضاع أحوالهم ومقاماتهم. ويفهم من ذلك أنهم طلبوا من نوح أن يطرد الفقراء من مجلسه.
قوله :﴿ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي ما أنا إلا نذير لكم أبلغكم رسالة ربكم وأنصح لكم وأحذركم بطش الله وانتقامه.
قوله :﴿ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ لئن لم تنته عما تقوله لنا وتدعونا إليه ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ أي بالحجارة.
وقيل : مشتومين بالسب. وقيل : بالقتل. وهذا عُدول منهم عن المحاورة والجدال إلى التهديد والوعيد بالإيذاء والتنكيل.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴾ قال ذلك نوح بعد أن يئس من قومه وأيقن أنهم غلف وصم لا يدّكرون ولا يزدجرون بل هم سادرون في الضلال والغي والطغيان.
فقد دعا ربه خاشعا متذللا رب إن قومي كذبوني فيما جئتهم به من دين ورسالة فاحكم بيني وبينهم حكما تهلك به الكافرين الظالمين وتنجي منه المؤمنين الذين صدقوا رسولك وآمنوا بما أنزلته إليهم.
قوله :﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ أنجى الله رسوله نوحا والذين معه في السفينة المشحونة، أي المملوءة بالناس والدواب ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ﴾
﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ﴾ أي أغرقنا المشركين الظالمين فأخذهم الطوفان أخذا وبيلا بعد أن نجينا نوحا والذين آمنوا معه.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي فيما فعل الله بقوم نوح من إهلاكهم بالطوفان، وتنجية المؤمنين مع نوح، عبرة وعظة لمن يتعظ ويعتبر. وهذه هي سنة الله في المجرمين الذين يحادون الله ورسوله ويتيهون في الأرض كفرا وضلالا، أن يصار بهم إلى الهلاك والتدمير ثم الخسران في الآخرة وسوء المصير ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ لم يؤمن مع نوح إلا نفر قليل، فكان أكثرهم كافرين ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ الله القوي الجبار، ينتقم من عباده الظالمين الفجار، ويرأف بعباده المؤمنين التائبين والأبرار١.
١ تفسير الطبري جـ ١٩ ص ٥٥-٥٨ وفتح القدير جـ ٣ ص ١٠٩..
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ( ١٢٣ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٢٤ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٢٥ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٢٦ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٢٧ ) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ( ١٢٨ ) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ( ١٢٩ ) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ( ١٣٠ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٣١ ) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ( ١٣٢ ) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ( ١٣٣ ) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٣٤ ) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( ١٣٥ ) قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ ( ١٣٦ ) إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأولين ( ١٣٧ ) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( ١٣٨ ) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٣٩ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
ذلك إخبار من الله عن قوم عاد ؛ إذ كانوا يسكنون الأحقاف قريبا من حضرموت، وكانوا عتاة ظالمين. فقد دعاهم رسول الله هود عليه السلام، وهو أخوهم في القرابة والنسب، لا في الدين، إذ قال لهم :﴿ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ وذلك خطاب كريم، في غاية التذكير واللين عسى أن يزدجروا ويهتدوا.
﴿ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ وذلك خطاب كريم، في غاية التذكير واللين عسى أن يزدجروا ويهتدوا.
والمعنى : ألا تخشون عذاب الله، فتطيعوه وتعبدوه وتجتنبوا عصيانه والإشراك به ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ إني مرسل من عند الله إليكم أبلغكم دعوة ربكم، وأنا أمين فيما بعثني الله به إليكم ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ اتقوه بعبادته وحده ومجانبة عصيانه، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه من إيمان بالله وحده لا شريك له.
قوله :﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ لا أطلب منكم أيما جزاء أو ثواب في مقابلة ما أدعوكم إليه من إيمان وتوحيد وإنما أرجو من الله وحده المثوبة والجزاء.
قوله :﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ الاستفهام للإنكار. والريع، بكسر الراء، يعني المرتفع من الأرض. وقيل : الجبل١ والآية بمعنى العلم. والمراد به هنا البناء المرتفع. والمعنى : أتتخذون المباني في الأماكن المرتفعة لتتفاخروا بها. وإنما كانوا يفعلون ذلك على سبيل اللهو واللعب والعبث لا للاحتياج. ومن أجل ذلك أنكر عليهم نبيهم هود عبثهم هذا لما فيه من تضييع للوقت وإفناء للأبدان وهم لا يريدون بذلك إلا التفاخر بالقوة وزينة الحياة الدنيا والإشراف على المسافرين والمارة فيسخرون منهم.
١ مختار الصحاح ص ٢٦٦.
قوله :﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ المصانع، الحصون أو القصور المشيدة١. أي تبنون القصور المشيدة الضخمة لكي تخلدوا. أو كأنكم خالدون باقون. فحالكم حال من يخلد فلا يتفكر في الموت.
١ مختار الصحاح ص ٣٧١.
قوله :﴿ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ البطش معناه الأخذ بعنف١ ﴿ جَبَّارِينَ ﴾ جمع جبار، وهو القتال ظلما بغير حق. وقيل : المتسلط العاصي. فقد وصف قومه بأنهم أشداء ظلمة، وأنهم قساة عتاة يضربون الناس في طغيان وجبروت لا يثنيهم عن ذلك رأفة ولا رحمة.
١ المصباح المنير جـ ١ ص ٥٨٠.
قوله :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ أي خافوا الله بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه وأطيعوني فيما جئتكم به.
قوله :﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ﴾ أي خافوه واعبدوه وحده ؛ فهو الذي أعطاكم ما تعلمونه من الخيرات والثمرات والأموال وغير ذلك من صنوف النعم. ثم فصّل ذلك تفصيلا بقوله :﴿ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾
﴿ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾ أي رزقكم المواشي بأصنافها المختلفة فمنها تأكلون وتلبسون. وكذلك رزقكم البنين الذين تحبونهم وتفاخرون بهم وتعتزون ﴿ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾
﴿ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ أي رزقكم البساتين حيث الزروع والثمرات وما يتفجر منها من ينابيع ثجاجة.
قوله :﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ حذرهم من عاقبة كفرانهم وتكذيبهم ؛ إذ النار الحامية والعذاب البئيس يتهاوى فيه الجاحدون المكذبون.
قوله :﴿ قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ لم يعبئوا بموعظة نبيهم هود، ولم يكترثوا بتحذيره إياهم وتخويفه لهم من سوء المصير وما ينتظرهم من العذاب المهين. فقالوا له : يستوي عندنا وعظك إيانا وعدمه. أي وعظك وعدم وعظك لنا سيان. فلسنا بمؤمنين لك ولا مصدقين بما جئتنا به ﴿ إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأولين ﴾
﴿ إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأولين ﴾ أي ما هذا الذي نحن عليه من العبادة والدين إلا عادة الأولين ودينهم ونحن بهم مقتدون، وعلى آثارهم ماضون.
قوله :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ وهذا إنكار منهم للبعث والمعاد. أي نعيش كما عاش الأولون ونموت كما ماتوا. وإن هي إلا موتة واحدة لا رجوع بعدها فلا حساب ولا عذاب.
قوله :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية ﴾ يعني كذبت عاد رسولهم هودا فأخذهم الله بتكذيبهم، ودمر عليهم تدميرا وذلك بما أرسله عليهم من ريح عاتية صرصر. ولقد كان في إهلاكهم وتدميرهم عبرة لمن يعتبر ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي وما كان أكثر المهلكين مؤمنين في علم الله القديم، فما آمن منهم إلا قليل.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ الله ذو القوة المتين، ينتقم من الظالمين والعتاة الذين عتوا عن أمر الله فضلوا ضلالا كبيرا. وهو سبحانه يرأف بالذين آمنوا ومضوا على صراطه المستقيم١.
١ تفسير الطبري ج ١٩ ص ٦٠، ٦١ وتفسير القرطبي جـ ١٣ ص ١٢٢-١٢٦..
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ( ١٤١ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٤٢ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٤٣ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٤٤ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٤٥ ) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ( ١٤٦ ) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٤٧ ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ( ١٤٨ ) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ( ١٤٩ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٥٠ ) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ( ١٥١ ) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرض ولا يُصْلِحُونَ ( ١٥٢ ) قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( ١٥٣ ) مَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ١٥٤ ) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( ١٥٥ ) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( ١٥٦ ) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ( ١٥٧ ) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٥٨ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
ذلك إخبار من الله عز وجل عن قوم آخرين كفروا بربهم وكذبوا نبيهم وظلوا سادرين في عتوهم حتى أخذهم الله بالعذاب فأُهلكوا. وهؤلاء هم ثمود، قوم نبي الله صالح عليه السلام. وكانوا عربا يسكنون الحجر جنوب الشام.
لقد دعاهم نبيهم صالح ليتقوا الله ويعبدوه وحده وأن يكفوا عن الشرك والباطل وفعل المعاصي وأن يطيعوه ويصدقوه فيما جاءهم به من ربه وأنه لا يبتغي بذلك منهم حمدا ولا شكورا، ولا أجرا أو جزاء إنما أجره وجزاؤه عند ربه. لكنهم أبوا وعتوا. وقد فصلنا القول في معنى الآيات الخمس هذه فيما مضى.
١٤٢
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٢:لقد دعاهم نبيهم صالح ليتقوا الله ويعبدوه وحده وأن يكفوا عن الشرك والباطل وفعل المعاصي وأن يطيعوه ويصدقوه فيما جاءهم به من ربه وأنه لا يبتغي بذلك منهم حمدا ولا شكورا، ولا أجرا أو جزاء إنما أجره وجزاؤه عند ربه. لكنهم أبوا وعتوا. وقد فصلنا القول في معنى الآيات الخمس هذه فيما مضى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٢:لقد دعاهم نبيهم صالح ليتقوا الله ويعبدوه وحده وأن يكفوا عن الشرك والباطل وفعل المعاصي وأن يطيعوه ويصدقوه فيما جاءهم به من ربه وأنه لا يبتغي بذلك منهم حمدا ولا شكورا، ولا أجرا أو جزاء إنما أجره وجزاؤه عند ربه. لكنهم أبوا وعتوا. وقد فصلنا القول في معنى الآيات الخمس هذه فيما مضى.
قوله :﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ﴾ الاستفهام للإنكار ؛ أي أتظنون أنكم متروكون هنا فيما أنتم فيه من النعم التي أسبغها الله عليكم وأنكم ناجون من الموت والانتقام ؟ وقد فصّل الله أنواع النعم التي منّ بها عليهم، وظنوا أنهم ماكثون فيها لا يموتون فقال :﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٤٧ ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٦:قوله :﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ﴾ الاستفهام للإنكار ؛ أي أتظنون أنكم متروكون هنا فيما أنتم فيه من النعم التي أسبغها الله عليكم وأنكم ناجون من الموت والانتقام ؟ وقد فصّل الله أنواع النعم التي منّ بها عليهم، وظنوا أنهم ماكثون فيها لا يموتون فقال :﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٤٧ ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٦:قوله :﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ﴾ الاستفهام للإنكار ؛ أي أتظنون أنكم متروكون هنا فيما أنتم فيه من النعم التي أسبغها الله عليكم وأنكم ناجون من الموت والانتقام ؟ وقد فصّل الله أنواع النعم التي منّ بها عليهم، وظنوا أنهم ماكثون فيها لا يموتون فقال :﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٤٧ ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾

﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ١٤٧ ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾ الطلع، ما يطلع من النخلة ثم يصير ثمرا إن كان النخلة أنثى١.
والهضيم، معناه اللطيف. وقيل : اللين النضيج. والمراد بذلك، النخل النضيج الذي أرطب ثمره.
١ المصباح المنير جـ ٢ ص ٢٣..
قوله :﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ ﴿ فَارِهِينَ ﴾ منصوب على الحال من واو تنحون١ و ﴿ فَارِهِينَ ﴾، من الفراهة، وهي النشاط والحذق والكيس.
وقيل : الأشْر والبطر. والمعنى : أنهم كانوا يتخذون البيوت المنحوتة في الجبال عبثا وبطرا ولهوا، من غير حاجة لهم في ذلك إلى السكنى إلا البطر، والمفاخرة والتجبّر. وقد كانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها. وقد كان ذلك مشاهدا للناظرين الذين يمرون على آثارهم ومنازلهم في أسفارهم إلى بلاد الشام.
١ البيان لابن الأنباري---- جـ ٢ ص ٢١٥.
وبسبب ضلالهم وتجبرهم وما كانوا مستغرقين فيه من البطر والاستعلاء والجنوح للدنيا بلذاتها وزخرفها، دعاهم نبيهم صالح أن يتقوا الله بتوحيده وعبادته، وأن يطيعوه فيما أمرهم به، وأن يحذروا المسرفين الذين يضلونهم ضلالا. وهو قوله :﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ﴾
﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ( ١٥١ ) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرض ولا يُصْلِحُونَ ﴾ المراد بالمسرفين، الذين كانوا يجترئون على الباطل والفساد وهم الرهط التسعة. وقيل : الذين عقروا الناقة : وقيل : المراد رؤساؤهم وكبراؤهم في الضلال والظلم والذين يدعون الناس إلى الشرك والمعاصي ويفسدون في الأرض.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥١:﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ( ١٥١ ) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرض ولا يُصْلِحُونَ ﴾ المراد بالمسرفين، الذين كانوا يجترئون على الباطل والفساد وهم الرهط التسعة. وقيل : الذين عقروا الناقة : وقيل : المراد رؤساؤهم وكبراؤهم في الضلال والظلم والذين يدعون الناس إلى الشرك والمعاصي ويفسدون في الأرض.
قوله :﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ أي إنك لمن المسحورين الذين لا عقل لهم ﴿ مَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ مَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ أي أنت لست إلا بشرا مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب، فأنى لك أن تكون نبيا ورسولا. فإن كنت كما تزعم فأتنا بآية تدل على صدق ما تقول. وقد طلبوا منه أن يخرج لهم من الصخرة ناقة.
قوله :﴿ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ أتاهم صالح بناقة أخرجها الله لهم من صخرة. وقال لهم : هذه ناقة الله لكم آية تدل على صدق رسالتي وما جئتكم به، على أن لها حظا من الماء يوما ولكم حظ يوم آخر منه. فكانت الناقة إذ كان يوم شربها شربت الماء كله أول النهار وتستقيهم اللبن آخر النهار. وإن كان شربهم أي حظ يومهم كان الماء كله لهم ولمواشيهم وحرثهم، وبذلك ليس لهم في يوم ورودها أن يشربوا منه شيئا ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئا.
ثم حذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء وهو قوله :﴿ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ أي لا تمسوها بأذى أو عقر أو غير ذلك فينتقم الله منكم ﴿ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ﴾
﴿ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ﴾ خالفوا أمر نبيهم صالح عليه السلام فعقروها قتلا فغشيهم من الندم ما لا ينفعهم ولا يجزيهم شيئا من العقاب ؛ لأنهم ندموا لما عاينوا العذاب أو أيقنوا أن نقمة الله نازلة بهم ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ﴾
﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ دمر الله عليهم بالزلازل والصيحة. فقد زلزلت بهم الأرض أفظع زلزال وأخذتهم الصيحة المريعة التي أطارت فيهم القلوب فأصبحوا في ديارهم جاثمين موتى.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ إن فيما وقع بقوم ثمود من تدمير وإهلاك بسبب تكذيبهم وعصيانهم أمر ربهم وقتلهم الناقة عتوا وظلما، لعبرة للذين يعتبرون ويذكرون من الناس فيبادرون التصديق والامتثال لأمر الله. ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي أكثر قومه قد كفروا، وما آمن منهم إلا قليل.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ الله ذو بأس وقوة وانتقام، يعجل للمجرمين العقوبة ويسبغ على المؤمنين فيضا من رحمته١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٤٤ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٦٢-٦٤..
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ( ١٦٠ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٦١ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٦٢ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٦٣ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٦٤ ) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ( ١٦٥ ) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ( ١٦٦ ) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ( ١٦٧ ) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ ( ١٦٨ ) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ( ١٦٩ ) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ( ١٧٠ ) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ( ١٧١ ) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ( ١٧٢ ) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ( ١٧٣ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٧٤ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
ذلك إخبار من الله عن نبيه ورسوله لوط عليه السلام. وهو ابن أخي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد بعثه الله إلى أمة كبيرة في حياة إبراهيم وقد كانوا يسكنون سدوم وما حولها من القرى التي دمر الله عليها أشد تدمير، وهي مشهورة ببلاد الغور حيث البحر الملح الأجاج، المسمى بالبحر الميت ؛ لأنه لا تعيش فيه الأحياء بسبب فرط ملوحته. وهو إلى الشرق الجنوبي من بيت المقدس. وهو قوله سبحانه :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ كذبوا نبيهم لوطا، فكأنما كذبوا المرسلين جميعا ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾
﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ ليس لوط أخاهم في العقيدة والدين ؛ بل هو أخوهم في النسب والقربى ؛ فقد دعاهم إلى تقوى الله بعبادته وحده ومجانبة الإشراك والدنس.
وقد بين لهم أنه مرسل من ربه وأنه صادق فيما يقوله لهم، مؤتمن في تبليغهم دعوة ربهم. فعليهم بذلك أن يتقوا الله بالخوف منه ومبادرة الخضوع لجلاله الكريم والامتثال لأمره العظيم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦١:﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ ليس لوط أخاهم في العقيدة والدين ؛ بل هو أخوهم في النسب والقربى ؛ فقد دعاهم إلى تقوى الله بعبادته وحده ومجانبة الإشراك والدنس.
وقد بين لهم أنه مرسل من ربه وأنه صادق فيما يقوله لهم، مؤتمن في تبليغهم دعوة ربهم. فعليهم بذلك أن يتقوا الله بالخوف منه ومبادرة الخضوع لجلاله الكريم والامتثال لأمره العظيم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦١:﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ ليس لوط أخاهم في العقيدة والدين ؛ بل هو أخوهم في النسب والقربى ؛ فقد دعاهم إلى تقوى الله بعبادته وحده ومجانبة الإشراك والدنس.
وقد بين لهم أنه مرسل من ربه وأنه صادق فيما يقوله لهم، مؤتمن في تبليغهم دعوة ربهم. فعليهم بذلك أن يتقوا الله بالخوف منه ومبادرة الخضوع لجلاله الكريم والامتثال لأمره العظيم.

قوله :﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ لا أطلب منكم جزاء أو مثوبة على ما أدعوكم إليه. وإنما أبتغي الجزاء والمثوبة من الله رب العالمين.
قوله :﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ( ١٦٥ ) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم ﴾ الاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقبيح. والذكران جمع ذكر١ أي لقد كانوا يأتون هذه الفعلة المستقذرة النكراء، وهي نكاح الذكور في أدبارهم. لا جرم أن هذا إسفاف مذهل وهبوط بالنفس السقيمة إلى الحضيض من دركات القذر والرجس. لقد كانوا يفعلون ذلك وقد خلق الله لهم من أنفسهم أزواجا يقضون منهن أوطارهم.
١ مختار الصحاح ص ٢٢٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٥:قوله :﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ( ١٦٥ ) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم ﴾ الاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقبيح. والذكران جمع ذكر١ أي لقد كانوا يأتون هذه الفعلة المستقذرة النكراء، وهي نكاح الذكور في أدبارهم. لا جرم أن هذا إسفاف مذهل وهبوط بالنفس السقيمة إلى الحضيض من دركات القذر والرجس. لقد كانوا يفعلون ذلك وقد خلق الله لهم من أنفسهم أزواجا يقضون منهن أوطارهم.
١ مختار الصحاح ص ٢٢٢..


قوله :﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ أي متجاوزون لحدود الله، فأنتم تلهثون وراء الدنس مما تهواه النفس السقيمة في أسوأ حالات الهبوط والانحدار، التي تحيط بها في كثير من الأحيان.
قوله :﴿ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴾ ذلك تهديد من القوم المجرمين الفاسدين، قوم لوط، يتوعدون به نبيهم لوطا بالإخراج من بلدهم إذا لم يكف عن دعوتهم إلى الاستقامة والطهر والفضيلة، وينههم عن الفحشاء والقاذورات في أخص صورها.
قوله :﴿ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ ﴾ ﴿ الْقَالِينَ ﴾، أي المبغضين، من القلى، وهو البغض. قلاه يقليه قلى وقلاء، أي أبغضه بغضا١. والمعنى : إنني لما تعملونه من إتيان الذكران دون الإناث، من المبغضين المستنكرين.
١ مختار الصحاح ص ٥٥٠..
قوله :﴿ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ( ١٦٩ ) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ( ١٧٠ ) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ﴾ لما توعد لوطا قومه بالإخراج من قراهم استغاث بالله متضرعا لكي ينجيه وأهله من العقاب الذي ينتظر القوم المجرمين.
فاستجاب الله دعاءه ؛ إذ نجاه وأهله الذين آمنوا وهم قلة.
باستثناء امرأة في الغابرين، وهي امرأته. والمراد بالغابرين، الباقون في العذاب وذلك لطول مرور السنين عليها فصارت هرمة. فلقد أهلكها مع القوم لفساد خلقها وخيانتها وسوء نيتها ؛ إذ نكّس الله بهم الأرض والبنيان والبيوت، وجعل عاليها سافلها
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧١:باستثناء امرأة في الغابرين، وهي امرأته. والمراد بالغابرين، الباقون في العذاب وذلك لطول مرور السنين عليها فصارت هرمة. فلقد أهلكها مع القوم لفساد خلقها وخيانتها وسوء نيتها ؛ إذ نكّس الله بهم الأرض والبنيان والبيوت، وجعل عاليها سافلها
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ﴾ أرسل الله عليهم من السماء حجارة من سجيل ﴿ فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ المخصوص بالدم محذوف، وتقديره المطر. أي فبئس ذلك المطر الذي أمطر به هؤلاء الذين أنذرهم نبيهم لوط فكذبوه.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية ﴾ أي فيما ذكره الله من إهلاك لقوم لوط بالتدمير والخسف والحجارة لعبرة وموعظة لمن يعتبر ويتعظ ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي لم يؤمن منهم إلا قليل وهم آل بيت لوط باستثناء امرأته ؛ إذ كانت مع الهلكى.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ الله القوي ذو الجبروت ينتقم من الظالمين المجرمين، ويرحم عباده المؤمنين التائبين١.
١ تفسير الطبري جـ ١٩ ص ٦٣، ٦٤ وتفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٤٤.
.

قوله تعالى :﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة الْمُرْسَلِينَ ( ١٧٦ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٧٧ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٧٨ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٧٩ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٨٠ ) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ( ١٨١ ) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ( ١٨٢ ) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ ( ١٨٣ ) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأولين ( ١٨٤ ) قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( ١٨٥ ) وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( ١٨٦ ) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ١٨٧ ) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ١٨٨ ) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( ١٨٩ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٩٠ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
المراد بأصحاب الأيكة أهل مدين، على الصحيح. ونبيهم شعيب وهو من أنفسهم. وجمع الأيكة الأيك، وهو الشجر الكثير الملتف. فمن قرأ الأيكة بالألف واللام، عرّفه بالألف واللام وجره بالإضافة. والأيكة هنا بمعنى الغيضة التي تنبت السدر والأراك ونحوهما. ومن قرأ، ليكة، بلام مفرده أصيلة لم يصرفه بسبب التعريف والتأنيث. وليكة، اسم قرية. وهما مثل بكّة ومكة١.
وسواء في ذلك، وهي مجمع الشجر الملتف، أو ليكة وهي اسم القرية، فإن أهلها هم أهل مدين. وقد بعث الله إليهم شعيبا رسولا يبلغهم دعوة ربه فكذبوا المرسلين ؛ لان تكذيبهم واحدا من رسل الله كأنه تكذيب بسائر المرسلين.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٦ ومختار الصحاح ص ٣٦..
قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٧٧ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٧٨ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٧٩ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دعا شعيب قومه إلى الإيمان بالله وحده ونبذ الشرك والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله، وحذرهم سوء المصير في الدنيا والآخرة إذا لم يصدقوه فيما جاءهم به من عند الله ولم يطيعوه فيما دعاهم إليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٧:قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٧٧ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٧٨ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٧٩ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دعا شعيب قومه إلى الإيمان بالله وحده ونبذ الشرك والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله، وحذرهم سوء المصير في الدنيا والآخرة إذا لم يصدقوه فيما جاءهم به من عند الله ولم يطيعوه فيما دعاهم إليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٧:قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ( ١٧٧ ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٧٨ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( ١٧٩ ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دعا شعيب قومه إلى الإيمان بالله وحده ونبذ الشرك والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله، وحذرهم سوء المصير في الدنيا والآخرة إذا لم يصدقوه فيما جاءهم به من عند الله ولم يطيعوه فيما دعاهم إليه.
وهو لا يسألهم على تبليغهم رسالة ربهم أيما جزاء أو عطاء أو أجر، وإنما يرتجي من الله وحده جزاءه ؛ فهو سبحانه الرب المالك المقتدر الذي يجازي عباده المؤمنين الصابرين تمام الثواب وحسن الجزاء.
قوله :﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ﴾ أي أوفوا الناس حقوقهم من الكيل ولا تكونوا ممن ينقصون الناس حقوقهم إذا كالوهم أو وزنوهم.
قوله :﴿ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ القسطاس، معناه الميزان١ ؛ أي زنوا بالميزان المستقيم الذي لا بخس فيه ولا جور ﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾
١ مختار الصحاح ص ٥٣٤..
﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾ ﴿ تَبْخَسُوا ﴾ من البخس وهو الناقص. بخسه حقه، إذا نقصه. يقال للبيع الصحيح السليم من عيب الوزن والكيل : لا بخس فيه ولا شطط١. والمعنى : لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن.
قوله :﴿ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ عثا، بمعنى أفسد، فهو عاث أي مفسد والمعنى : لا تسعوا في الأرض فسادا.
١ مختار الصحاح ص ٤٢ والمصباح المنير جـ ١ ص ٤٣...
قوله :﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأولين ﴾ الجبلّة، بمعنى الطبيعة والخليقة. والجمع الجبلات١ والمراد بالجبلة هنا الخلق الكثير من الناس. والمعنى : اتقوا الله بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، واحذروا عقابه الوبيل، فهو سبحانه الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم من الأولين السابقين.
١ مختار الصحاح ص ٩٢ والمصباح المنير جـ ١ ص ٩٨...
قوله :﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ أي لست أنت إلا مسحورا من المسحورين ﴿ وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
﴿ وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ أي لست إلا بشرا مثلنا تأكل الطعام كما نأكل، وتشرب الشراب كما نشرب. وبذلك ما نظنك إلا كاذبا من الكاذبين.
قوله :﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ ﴿ كِسَفًا ﴾ جمع كسفة بكسر الكاف، القطعة من الشيء١. والمعنى : إن كنت يا شعيب صادقا فيما تقول بأنك مرسل من الله فأسقط علينا جانبا أو قطعا من السماء عذابا لنا.
١ القاموس المحيط جـ ٣ ص ١٩٦..
قوله :﴿ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ قال لهم شعيب : إن ربي عليم بما تصنعونه من الأعمال. وهو سبحانه محيط بها لا تخفى عليه منها خافية، وهو مجازيكم بها، وما علي إلا أن أبلغكم ما أمرت به.
قوله :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ كذبوا قول نبيهم شعيب ولم يصدقوه فيما جاءهم به من عند الله فعاقبهم الله عقابا ليس له في صنوف العذاب في هذه الدنيا نظير. وذلك هو عذاب الظلة. وهي سحابة أظلتهم حتى إذا تتاموا واجتمعوا تحتها التهبت عليهم نارا فاحترقوا.
قال ابن عباس في معنى الظلة : أصابهم حر شديد فأرسل الله سبحانه سحابة فهربوا ليستظلوا بها فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا. وقيل : بعث الله سموما فخرجوا إلى الأيكة يستظلون بها فأضرمها الله عليهم نارا فاحترقوا فكان ذلك عذابا أليما أصاب الله به قوم شعيب فنكّل بهم تنكيلا في يوم عظيم مشهود من أيام الدنيا.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ إن فيما وقع لقوم شعيب من بلاء وما نزل بهم من شديد العذاب في يوم عظيم، لعبرة لمن يتدبر أو يتفكر. وأنه لم يؤمن من قوم شعيب إلا قليل فكان أكثرهم ظالمين معرضين.
قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ أي إن ربك يا محمد لقوي منتقم من الظالمين الطاغين الذين يشاقون الله ورسله ويتنكبون عن صراط الله المستقيم ليعتاضوا عنه بمسالك الشياطين من الضلالات وألوان الباطل. وهو سبحانه رحيم بعباده المؤمنين الذين يصدقون الله ورسله أجمعين ويمضون في طريق الهداية والسداد١.
١ تفيسر القرطبي جـ ١٣ ص ١٣٤-١٣٧ وتفسير القرطبي جـ ١٩ ص ٦٧-٦٩.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٩٢ ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ( ١٩٣ ) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين ( ١٩٤ ) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ( ١٩٥ ) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين ( ١٩٦ ) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ١٩٧ ) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ( ١٩٨ ) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( ١٩٩ ) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ( ٢٠٠ ) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ( ٢٠١ ) فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( ٢٠٢ ) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾.
الضمير، في قوله :﴿ وَإِنَّهُ ﴾ إلى الذكر الذي في قوله :﴿ وما يأتيهم من ذكر الرحمن محدث ﴾ والمراد به القرآن ؛ فإنه تنزيل رب العالمين ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمين ﴾
﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمين ﴾ وهو جبريل عليه السلام، الملك العظيم الكريم الذي ائتمنه الله على خير الأمانات في العالمين، وهي أمانة الرسالة الربانية المباركة التي تحمل الخير والطهر والرحمة للبشرية.
أنزله الله بالقرآن المبين على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ تلاه عليه فوعاه بقلبه كامل الوعي وهو قوله :﴿ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين ﴾ أي لتكون من المرسلين الذين ينذرون الناس ويبلغونهم ما جاءهم من عند الله ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ أي لينذر الناس بلسان عربي ظاهر فصيح ؛ كيلا يكون لقومه من العرب حجة بأنهم لا يفهمونه.
قوله :﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين ﴾ الزبر جمع زبور وهو الكتاب ؛ أي أن هذا القرآن مذكور خبره فيما أنزله الله من الكتب على رسله. وقيل : المراد ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في كتب الأولين، كقوله :﴿ يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ﴾ وسواء كان المراد القرآن أو محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن ذلكم دليل قاطع ومكشوف على صدق هذا الكتاب الحكيم وأنه منزل حقا من عند الله خالق السماوات والأرض. أو على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مرسل من ربه أرسله للعالمين بشيرا ونذيرا. وهذه حقيقة ظاهرة بلجة لا يجحدها إلا المكابرون والمعاندون والأشرار من أولي القلوب الجاحدة البور، التي لا خير فيها ولا لين إلا الغلظة والكزازة والموت.
قوله :﴿ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أفلا يكفيهم من الشهادة الجلية على صدق هذا الكتاب الكريم، أو صدق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن العلماء من بني إسرائيل يشهدون بصدقه وأنه حق وصادق فيما يقول.
قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن هذا لزمانه وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته. وعلى هذا فإن لفظ العلماء يرجع إلى كل من كان له علم بكتب أهل الكتاب، سواء أسلم أو لم يسلم. فشهادة أهل الكتاب كانت حجة على المشركين ؛ لأنهم كانوا يرجعون في كثير من أمور الدين إلى أهل الكتاب. وقيل : المراد بعلماء بني إسرائيل الذين أسلموا كعبد الله وغيره ممن أسلم منهم.
قوله :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ( ١٩٨ ) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ الأعْجَمِينَ ﴾ جمع أعجمي. وأصله الأعجميين١ أي لو نزلنا هذا القرآن على رجل من الأعاجم ليس بعربي اللسان لما آمنوا به. محتجين بأنه أعجمي فلا يفقهون ما يقول.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩٨:قوله :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ( ١٩٨ ) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ الأعْجَمِينَ ﴾ جمع أعجمي. وأصله الأعجميين١ أي لو نزلنا هذا القرآن على رجل من الأعاجم ليس بعربي اللسان لما آمنوا به. محتجين بأنه أعجمي فلا يفقهون ما يقول.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٦..

قوله :﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ الضمير في ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾ يعود على الكفر أو على التكذيب بالقرآن. أي ندخل التكذيب بالقرآن أو الكفر به في قلوب المجرمين. فقلوبهم غلف لا تعي ولا تدّكر ؛ فهم بذلك ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾
﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾ هؤلاء الضالون المجرمون أولوا طبائع كزة، وقلوب موصدة بور. وهم بذلك لا يلج الإيمان قلوبهم حتى يعاينوا العذاب معاينة ترتعد منها الأبدان والفرائص أيما ارتعاد.
قوله :﴿ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ يأتيهم العذاب يوم القيامة فجأة وهم لا يعلمون من قبله بمجيئه، حتى إذا نزل بهم وعاينوه غشيهم من الرعب والإياس ما غشيهم ﴿ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠٢:قوله :﴿ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ يأتيهم العذاب يوم القيامة فجأة وهم لا يعلمون من قبله بمجيئه، حتى إذا نزل بهم وعاينوه غشيهم من الرعب والإياس ما غشيهم ﴿ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾

﴿ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾ أي ممهلون، من الإنظار وهو التأخير والإمهال، أي يتمنى المجرمون اليائسون يوم القيامة عند معاينة العذاب لو يرجعون إلى الدنيا فيعملون غير ما كانوا يعملون ؛ فهم يتمنون ويأسون وييأسون من غير أن يجديهم ذلك شيئا. وليس لهم حينئذ إلا النار وبئس القرار١.
١ تفسير القرطبي جـ ١٣ ص ١٣٨-١٤٠ وتفسير ابن كثير جـ ٣ ص ٣٤٨.
قوله تعالى :﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ( ٢٠٤ ) أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ( ٢٠٥ ) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ( ٢٠٦ ) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ( ٢٠٧ ) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ ( ٢٠٨ ) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ الاستفهام للإنكار ؛ فقد كان المشركون يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التكذيب والاستعباد : ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به فنزلت الآية.
فأنكر الله عليهم سؤلهم وتكذيبهم مهددا متوعدا ثم قال :﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ( ٢٠٥ ) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ( ٢٠٦ ) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ الاستفهام للإنكار، والفاء للعطف. والمعنى : لو أمهلناهم وطولنا لهم الأعمار حينا من الدهر، ثم جاءهم الموت والعذاب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠٥:فأنكر الله عليهم سؤلهم وتكذيبهم مهددا متوعدا ثم قال :﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ( ٢٠٥ ) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ( ٢٠٦ ) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ الاستفهام للإنكار، والفاء للعطف. والمعنى : لو أمهلناهم وطولنا لهم الأعمار حينا من الدهر، ثم جاءهم الموت والعذاب.
﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ ﴿ مَا ﴾، الأولى استفهامية. و ﴿ مَّا ﴾ الثانية، اسم موصول، أو مصدرية.
يعني : أي شيء يغني عنهم ما كانوا فيه من التمتع والنعيم. أو ما أغنى عنهم العمر الذي كانوا يمتعون فيه، هل نفعهم ذلك شيئا إلا التخسيس وسوء المصير.
قوله :﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ أي ما أخذنا قرية من القرى بالهلاك والتدمير إلا أرسلنا فيها رسلنا منذرين ينذرونهم بأسنا.
قوله :﴿ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ ذكرى، فيه قولان : أحدهما : النصب على المصدر ؛ أي ذكرنا ذكرى. وقيل : على الحال. وثانيهما : الرفع، على أنه خير لمبتدأ محذوف وتقديره : إنذارنا ذكرى١ والمعنى : أرسلنا إليهم رسلنا ينذرونهم تذكرة لهم وتنبيها على ما فيه نجاتهم من العذاب ﴿ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ لا يظلم الله أحدا من خلقه. وهو ليس بظلام للعبيد ؛ بل أقام على عباده الحجة وأعذر إليهم إعذارا٢.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٧..
٢ فتح التقدير جـ ٣ ص ١١٩ وتفسير الطبري جـ ١٩ ص ٧١..
قوله تعالى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ( ٢١٠ ) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ( ٢١١ ) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ( ٢١٢ ) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ ذلك إخبار من الله عن قرآنه المجيد بأنه منزل من لدن مقتدر حكيم فلم يخلص إليه زيف أو باطل من بين يديه ولا من خلفه بل هو محفوظ مكنون، مصون من عبث العابثين إلى يوم الدين.
قوله :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ أي ما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما زعم المشركون الجاهلون. وإنما نزل به الروح الأمين جبريل.
قوله :﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ أي ما يصلح للشياطين أن يتنزلوا بهذا القرآن، فهذا القرآن كلام رباني مبارك وكريم. وهو في غاية الطهر والرحمة والكمال والجمال والسمو والبركة. فأنى للشياطين أن يحملوه وهم أولو طبائع حافلة بالرجس، وسجايا، غاية في الشقاوة والكنود والعتو، فضلا عما جُبلوا عليه من فرط الحقد والخبث والقسوة والجنوح للكيد والإفساد ؛ فهم بذلك لا يستطيعون أن ينزلوا بمثل هذا القرآن من أجل الطبائع الخبيثة التي جبلوا عليها. وهو قوله :﴿ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ( ٢١١ ) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾
﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ أي لا تقدر الشياطين أن تتنزل بالقرآن على الأرض ؛ لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى مكانه الذي هو فيه فيستمعونه. أو هم معزولون عن بلوغ مكانه وعن سماعه. ولو تدانوا من مكان نزوله في العلا لأحرقتهم الشهب.
قوله :﴿ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ أي لا تعبد مع الله إلها غيره فينزل بك العذاب. والمخاطب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن المقصود غيره من الناس. فرسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطايا والمخالفات وإنما يحذر الله عباده من الشرك واتخاذ الأنداد مع الله أو من دونه، وذلكم ظلم عظيم يفضي بالمتلبسين به إلى سوء المصير١
١ تفسير البيضاوي ص ٤٩٨ والكشاف جـ ٣ ص ١٣١..
قوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ( ٢١٤ ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ٢١٥ ) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ( ٢١٦ ) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ( ٢١٧ ) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( ٢١٨ ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ( ٢١٩ ) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ المراد بعشيرته الأقربين، قريش. وقيل : بنو عبد مناف ؛ فقد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن ينذرهم ويحذرهم عذاب ربهم وبأسه فإنه أليم شديد. ولا يعرض عن دين الله أو يستنكف عن شرعه ومنهجه للعالمين إلا جهول ظلوم أودى بنفسه في الهوان والخسران. وفي صحيح مسلم : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ".
وثمة أخبار في نزول هذه الآية، منها ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال : لما أنزل الله ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ﴾ أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى " يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتمونى ؟ " قالوا : نعم : قال : " فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا. وأنزل الله عقب ذلك ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾.
وكذلك روى الإمام أحمد عن عائشة قالت : لما نزلت ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ﴾ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم ".
وكذلك ما رواه أحمد عن أبي هريرة قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص وقال : " يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا "
قوله :﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ خفض الجناح، تليينه ليكون به المرء هينا رقيق الجانب، رفيق الحديث والخطاب. والمعنى : ألن جانبك وكلامك للذين آمنوا معك.
قوله :﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ أي إن عصاك الذين أنذرتهم وحذرتهم ونصحت لهم وأبوا إلا الإشراك والضلال وعبادة الأصنام فقل لهم : إني أبرأ إلى الله من عصيانكم وضلالكم وما تفعلونه من الآثام والمنكرات.
قوله :﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ أي فوض أمرك إلى الله، فإنه القوي ذو الجبروت الذي لا يغلبه غالب، وهو الرحيم بعباده المؤمنين الطائعين المتوكلين عليه، فلا يدعهم ولا يخذلهم. وهو سبحانه ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( ٢١٨ ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾
﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( ٢١٨ ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ الله يراك وأنت تقوم إلى الصلاة من جوف الليل، أو تقوم للصلاة بالناس جماعة، أما تقلبه في الساجدين فهو أن الله يراه فيما بينهم قائما وراكعا وساجدا ؛ إذ كان إماما لهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١٨:﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( ٢١٨ ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ الله يراك وأنت تقوم إلى الصلاة من جوف الليل، أو تقوم للصلاة بالناس جماعة، أما تقلبه في الساجدين فهو أن الله يراه فيما بينهم قائما وراكعا وساجدا ؛ إذ كان إماما لهم.
قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ الله يسمع ما تقوله في صلاتك من تلاوة وذكر. وهو سبحانه يعلم ما تنويه أو تفعله فأنت بمرأى من الله ومسمع.
قوله تعالى :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٢٢٢ ) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ( ٢٢٣ ) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ( ٢٢٤ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ( ٢٢٥ ) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ( ٢٢٦ ) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾.
ذلك رد لمقالة الكافرين وزعمهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قد افتعله من تلقاء نفسه. أو أنه أتاه به شيطان من الجن. لقد نزه الله عز وجل رسوله الأمين عما افتروه واصطنعوه من كذب بما يبين أنه ﴿ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ الأفاك، الكذاب. والأثيم، كثير الإثم. والمعنى : أن الشياطين إنما تنزل على كل كذوب شرير كثير الإثم من الناس الأشقياء كالكهنة الذين تأتيهم كفرة الجن. بما يسترقونه من أخبار السماء. لا جرم أن الكهنة من شرار البشر الذين ضلوا ضلالا مبينا وأضلوا كثيرا من الناس بضلالهم ودجلهم وفساد قلوبهم وعقولهم. فأولئك هم الأفاكون الآثمون الذين تنزل عليهم الشياطين والذين ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة، ويزيدون عليها أضعافا مضاعفة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من أشقياء البشر ليحدثوا الناس بها فيصدقوهم في كل ما قالوه جهلا وسفها. ولذلك فإن أكثر هؤلاء الكهان كاذبون فيما يقولونه أو يحدثون به الرعاع والجهلة والسفهاء من الناس. وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الصدوق الأمين، أن يضله جني أو شيطان أو يدنو منه أيما دنو.
وأنى لهذا الكلام الرباني العاطر الفذ، الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم على البشر أن يكون من اصطناع الجن، وهو أحسن الحديث، وخير ما سمعت به الخلائق والثقلان، بما يتجلى من مزايا السمو والكمال والجمال، سواء في الألفاظ والمباني، أو في الأحكام والأخبار والمعاني. إن ذلكم لهو الإعجاز الذي لا يدانيه إعجاز.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢١:قوله تعالى :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٢٢٢ ) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ( ٢٢٣ ) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ( ٢٢٤ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ( ٢٢٥ ) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ( ٢٢٦ ) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾.
ذلك رد لمقالة الكافرين وزعمهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قد افتعله من تلقاء نفسه. أو أنه أتاه به شيطان من الجن. لقد نزه الله عز وجل رسوله الأمين عما افتروه واصطنعوه من كذب بما يبين أنه ﴿ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ الأفاك، الكذاب. والأثيم، كثير الإثم. والمعنى : أن الشياطين إنما تنزل على كل كذوب شرير كثير الإثم من الناس الأشقياء كالكهنة الذين تأتيهم كفرة الجن. بما يسترقونه من أخبار السماء. لا جرم أن الكهنة من شرار البشر الذين ضلوا ضلالا مبينا وأضلوا كثيرا من الناس بضلالهم ودجلهم وفساد قلوبهم وعقولهم. فأولئك هم الأفاكون الآثمون الذين تنزل عليهم الشياطين والذين ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة، ويزيدون عليها أضعافا مضاعفة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من أشقياء البشر ليحدثوا الناس بها فيصدقوهم في كل ما قالوه جهلا وسفها. ولذلك فإن أكثر هؤلاء الكهان كاذبون فيما يقولونه أو يحدثون به الرعاع والجهلة والسفهاء من الناس. وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الصدوق الأمين، أن يضله جني أو شيطان أو يدنو منه أيما دنو.
وأنى لهذا الكلام الرباني العاطر الفذ، الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم على البشر أن يكون من اصطناع الجن، وهو أحسن الحديث، وخير ما سمعت به الخلائق والثقلان، بما يتجلى من مزايا السمو والكمال والجمال، سواء في الألفاظ والمباني، أو في الأحكام والأخبار والمعاني. إن ذلكم لهو الإعجاز الذي لا يدانيه إعجاز.


﴿ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ الأفاك، الكذاب. والأثيم، كثير الإثم. والمعنى : أن الشياطين إنما تنزل على كل كذوب شرير كثير الإثم من الناس الأشقياء كالكهنة الذين تأتيهم كفرة الجن. بما يسترقونه من أخبار السماء. لا جرم أن الكهنة من شرار البشر الذين ضلوا ضلالا مبينا وأضلوا كثيرا من الناس بضلالهم ودجلهم وفساد قلوبهم وعقولهم. فأولئك هم الأفاكون الآثمون الذين تنزل عليهم الشياطين
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢١:قوله تعالى :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( ٢٢٢ ) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ( ٢٢٣ ) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ( ٢٢٤ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ( ٢٢٥ ) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ( ٢٢٦ ) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾.
ذلك رد لمقالة الكافرين وزعمهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قد افتعله من تلقاء نفسه. أو أنه أتاه به شيطان من الجن. لقد نزه الله عز وجل رسوله الأمين عما افتروه واصطنعوه من كذب بما يبين أنه ﴿ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( ٢٢١ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ الأفاك، الكذاب. والأثيم، كثير الإثم. والمعنى : أن الشياطين إنما تنزل على كل كذوب شرير كثير الإثم من الناس الأشقياء كالكهنة الذين تأتيهم كفرة الجن. بما يسترقونه من أخبار السماء. لا جرم أن الكهنة من شرار البشر الذين ضلوا ضلالا مبينا وأضلوا كثيرا من الناس بضلالهم ودجلهم وفساد قلوبهم وعقولهم. فأولئك هم الأفاكون الآثمون الذين تنزل عليهم الشياطين والذين ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة، ويزيدون عليها أضعافا مضاعفة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من أشقياء البشر ليحدثوا الناس بها فيصدقوهم في كل ما قالوه جهلا وسفها. ولذلك فإن أكثر هؤلاء الكهان كاذبون فيما يقولونه أو يحدثون به الرعاع والجهلة والسفهاء من الناس. وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الصدوق الأمين، أن يضله جني أو شيطان أو يدنو منه أيما دنو.
وأنى لهذا الكلام الرباني العاطر الفذ، الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم على البشر أن يكون من اصطناع الجن، وهو أحسن الحديث، وخير ما سمعت به الخلائق والثقلان، بما يتجلى من مزايا السمو والكمال والجمال، سواء في الألفاظ والمباني، أو في الأحكام والأخبار والمعاني. إن ذلكم لهو الإعجاز الذي لا يدانيه إعجاز.


والذين ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة، ويزيدون عليها أضعافا مضاعفة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من أشقياء البشر ليحدثوا الناس بها فيصدقوهم في كل ما قالوه جهلا وسفها. ولذلك فإن أكثر هؤلاء الكهان كاذبون فيما يقولونه أو يحدثون به الرعاع والجهلة والسفهاء من الناس. وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الصدوق الأمين، أن يضله جني أو شيطان أو يدنو منه أيما دنو.
وأنى لهذا الكلام الرباني العاطر الفذ، الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم على البشر أن يكون من اصطناع الجن، وهو أحسن الحديث، وخير ما سمعت به الخلائق والثقلان، بما يتجلى من مزايا السمو والكمال والجمال، سواء في الألفاظ والمباني، أو في الأحكام والأخبار والمعاني. إن ذلكم لهو الإعجاز الذي لا يدانيه إعجاز.
قوله :﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ الشعراء جمع شاعر، وهو الذي يقرض الشعر. وهو الكلام الموزون المقفى١. والغاوون، جمع ومفرده الغاوي وهو من الغي بمعنى الضلال والخيبة٢ والمراد بالغاوين، الضالون عن الحق من الإنس والجن ؛ أي أن الشعراء يتبعهم أهل الغي لا أهل الحق والهداية. واختلفوا في المراد بالغاوين في الآية، فقد قيل : يراد بهم الشياطين، وقيل : عصاة الجن، وقيل : المشركون. وقيل : السفهاء. وقال الطبري : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن.
ولعل الصواب فيما قيل في الشعر والشعراء الذين يتبعهم الغاوون أنهم الذين يسخرون شعرهم في الفساد والباطل وفي مجانبة البر والفضيلة والخلق الكريم. كالثناء على المفسدين والظالمين وأهل الباطل. أو هجاء الصالحين وأهل الفضيلة والاستقامة من الناس. أو الخوض في أعراض المسلمين وتتبع عوراتهم والنيل من شرفهم وسمعتهم وقدرهم، بالقبيح من الكلام المستهجن المسف. أو ما كان إطراء للساسة والأمراء والأغنياء على سبيل التزلف والنفاق ؛ ابتغاء للمال وطلبا للحظوة من شهرة ومكانة أو نحو ذلك من وجوه الباطل. وهي وجوه كثيرة ومختلفة سخر فيها شعراء الضلال والباطل قصائدهم ؛ طمعا في كسب حرام أو رغبة في نفاق مجرد لا يحفز إليه غير الخور والخسة والهوى.
قال الزمخشري في الكشاف في الشعراء الذين يتبعهم الغاوون : إنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، والنسب بالحرم٣ والغزل ومدح من لا يستحق المدح. ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار٤.
وقال القرطبي في ذلك : وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه، وصاحبه ملوم فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وأن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء، رغبة في تسلية النفس وتحسين القول.
فهذا هو حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه. فإنه لا يحل سماعه أو إنشاده لما فيه من إشاعة للباطل والرذائل ونشر للفساد والفحش وإيذاء العباد.
وهو هنا كمنثور الكلام القبيح. وقد روي في الخبر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حسن الشعر كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام ".
وفي التحذير من قرض الشعر المذموم لمجونه أو فساده، وفي التنديد به وبقائله روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه٥ خير من أن يمتلئ شعرا " وأحسن ما قيل في تأويل هذا الحديث : أنه الذي غلب على شعره ما كان في الباطل والمجون وما نهى الله عنه كالإكثار من اللغط والغيبة وقبيح القول. أو ما كان في وصف الخمر والزنا وهتك الحرمات. ونحو ذلك من وجوه الفسق والفحش والأذى.
أما الشعر الحسن فهو ما كان في الخير والفضيلة فإنه مستحب ومرغوب فيه.
وذلك كالذي يتضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه، أو ما كان فيه إطراء الإسلام والذب عنه وعن المسلمين وعن رسولهم الأمين. فذلكم مندوب إليه كشعر حسان ابن ثابت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنه، ودفع أذى المشركين وقدحهم وافتراءاتهم.
قال الإمام الشافعي في هذا الصدد : الشعر نوع من الكلام، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه. وبذلك فإن الشعر لا يكره لذاته وإنما يكره لما تضمنه من المعاني المذمومة.
١ المعجم الوسيط جـ ٢ ص ٤٨٤..
٢ مختار الصحاح ص ٤٨٥..
٣ النسيب بالحرم: التعريض بهوى النساء وحبهن. انظر المعجم الوسيط جـ ٢ ص ٩١٦..
٤ الشطار: جمع شاطر. وهو الذي أعيا أهله لؤما وخبثا. انظر المصباح المنير جـ ١ ص ٣٣٥..
٥ يريه: من الوري. يقال: وروى القيح جوفه يريه وريا، أي أكله. انظر مختار الصحاح ص ٧١٨.
.

قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ ﴿ يَهِيمُونَ ﴾، أي يخرجون على وجوههم لا يدرون أين يتوجهون١ والمراد بهم هنا الخائضون في وجوه اللغو والباطل.
قال الرازي في ذلك : المراد منه الطرق المختلفة ؛ لأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذموه وبالعكس، وقد يعظمونه بعد أن استحقروه بالعكس، وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق لا الصدق.
١ المصباح المنير جـ ٢ ص ٣١٩..
قوله :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ﴾ أي يقولون شعرهم في الكذب والباطل والتفاخر والغزل وهجاء المؤمنين والمظلومين ونحو ذلك من صنعة القول وتكلف الحديث والمعاني بغير حق.
قوله :﴿ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ روي أن عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ وقالوا : هلكنا يا رسول الله فأنزل الله ﴿ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ يعني ذكروا الله كثيرا في كلامهم وانتصروا في رد المشركين عن هجائهم. وقد روى الترمذي وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر : يا ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول الشعر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" خل عنه يا عمر فإنه أسرع فيهم من نضح النبل ".
فقد استثنى الله من الشعراء، شعراء المؤمنين الذين وصفهم بعمل الصالحات وأنهم يذكرون الله كثيرا في كل أحوالهم ﴿ وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ أي انتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلما بشعرهم وهجائهم إياهم وإجابتهم عما هجوهم به.
قوله :﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ ﴿ أَيَّ ﴾، منصوب بقوله يَنقَلِبُونَ } وتقديره أي انقلاب ينقلبون. فأَيَّ، منصوب على المصدر١ والمنقلب معناه المصير والمرجع. وذلك تهديد مخوف ومروع يتوعد الله به الظالمين الذين يحادون الله ورسوله، والذين يؤذون المؤمنين وينكلون بهم. فأولئك يتوعدهم الله بقوله : أي مصير بئيس يصير إليه هؤلاء المجرمون، وأي معاد يعودون إليه بعد موتهم. لا جرم أنهم صائرون إلى نار لا ينطفئ سعيرها ولا يسكن لهيبها٢.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٢١٧..
٢ تفسير الطبري جـ ١٩ ص ٧٨-٨٠ وتفسير الرازي جـ ٢٤ ص ١٧٥ وأحكام القرآن جـ ٣ ص ١٤٢٧-١٤٢٩..
Icon