تفسير سورة القمر

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة القمر من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٥٤ شرح إعراب سورة القمر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القمر (٥٤) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ كسرت التاء لالتقاء الساكنين، ووجب أن تكون التاء ساكنة لأنها حرف جاء لمعنى، هذا قول البصريين. فأما قول الكوفيين فإنه لما كانت التاءات أربعا فضمّت تاء المخاطب وفتحت تاء المخاطب المذكّر وكسرت تاء المخاطبة المؤنثة فلم تبق حركة فسكّنت تاء المؤنثة الغائبة. والمعنى: اقتربت الساعة التي تقوم فيها القيامة فاحذروا منها لئلا تأتيكم فجأة وأنتم مقيمون على المعاصي وَانْشَقَّ الْقَمَرُ معطوف على اقتربت معناه المضيء.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢]
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا شرط وجوابه. والمعنى أنّهم سألوا آية فأروا القمر منشقّا فرأوا آية تدل على حقيقة أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأن ما جاء به صدق فأعرضوا عن التصديق وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ على إضمار مبتدأ أي هذا سحر مستمر.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣]
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي كذّبوا بحقيقة ما رأوه وتيقّنوه واثروا اتباع أهوائهم في عبادة الأوثان وترك ما أمرهم الله به أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ مبتدأ وخبر. والمعنى: وكلّ أمر من خير أو شرّ مستقرّ قراره ومتناه منتهاه.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤]
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)
أي ولقد جاء هؤلاء المشركين من أخبار الأمم الذين فعلوا كفعلهم فأهلكوا ما فيه منتهى عمّا هم عليه، كما قال مجاهد: مزدجر منتهى. والأصل عند سيبويه «١» مزتجر
(١) انظر الكتاب ٤/ ٦٠٠.
بالتاء إلّا أن التاء مهموسة والزاي مجهورة فثقل الجمع بينهما فأبدل من التاء ما هو من مخرجها وهو الدال. قال أبو جعفر: وهذا من أوجز قوله ولطيفه.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٥ الى ٦]
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦)
حِكْمَةٌ بدل من «ما» والتقدير ولقد جاءهم حكمة بالِغَةٌ أي ليس فيها تقصير، ويجوز أن تكون حكمة مرفوعة على إضمار مبتدأ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب بتغني. والتقدير: فأيّ شيء تغني النذر عمّن اتّبع هواه وخالف الحقّ، ويجوز أن تكون ما نافية لا موضع لها. وزعم قوم أن الياء حذفت من تغن في السواد لأن «ما» جعلت بمنزلة «لم». قال أبو جعفر: هذا خطأ قبيح لأن «ما» ليست من حروف الجزم، وهي تقع على الأسماء والأفعال فمحال أن تجزم ومعناهما أيضا مختلف: لأنّ «لم» تجعل المستقبل ماضيا و «ما» تنفي الحال. فأما حذف الياء من «تغن» في السواد فإنه على اللفظ في الإدراج ومثله يوم يدع الداعي إلى شيء نكر «١» تكتب بغير واو على اللفظ في الإدراج. فأما الداعي إذا حذفت منه الياء فالقول فيه أنه بني على نكرته. فأما البيّن فأن يكون هذا كله مكتوبا بغير حذف.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٧ الى ٨]
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
خُشَّعاً «٢» منصوب على الحال. أَبْصارُهُمْ مرفوع بفعله هذه قراءة أهل الحرمين، وقرأ أهل الكوفة وأهل البصرة خاشعا أبصارهم وعن ابن مسعود خاشعة أبصارهم فمن قال خاشعا وحّد، لأنه بمنزلة الفعل المتقدم، ومن قال: خاشعة أنّث كتأنيث الجماعة، ومن قال خشّعا جمع لأنه جمع مكسّر فقد خالف الفعل، ولو كان في غير القرآن جاز الرفع على التقديم والتأخير. يَخْرُجُونَ في موضع نصب على الحال أيضا مِنَ الْأَجْداثِ واحدها جدث، ويقال: جدف للقبر، مثل فوم وثوم كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ في موضع نصب على الحال وكذا قوله: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ مبتدأ وخبره.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٩]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ على تأنيث الجماعة. فَكَذَّبُوا عَبْدَنا يعني نوحا. وَقالُوا مَجْنُونٌ على إضمار مبتدأ وَازْدُجِرَ أي زجر وتهدّد بقولهم: لئن لم تنته لنرجمنّك «٣».
(١) انظر تيسير الداني ١٦٦ (قرأ ابن كثير «نكر» بإسكان الكاف والباقون بضمّها)...
(٢) انظر القراءات المختلفة في البحر المحيط ٨/ ١٧٣، وتيسير الداني ١٦٧، ومعاني الفراء ٣/ ١٠٥، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦١٨. [.....]
(٣) يشير إلى الآية ١١٦، من سورة الشعراء: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ.

[سورة القمر (٥٤) : آية ١٠]

فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ أي بأني قد غلبت وقهرت، وقرأ عيسى بن عمر فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ «١» بكسر الهمزة. قال سيبويه أي قال: إني مغلوب فَانْتَصِرْ أي لي بعقابك إياهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١١]
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ التقدير: فنصرناه ففتحنا أبواب السماء: لأن ما ظهر من الكلام يدلّ على ما حذف. بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي مندفق. قال سفيان منهمر ينصبّ انصبابا، وقال الشاعر: [الرمل] ٤٤٢-
راح تمريه الصّبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر
«٢»
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٢]
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً جمع عين في العدد، وقراءة الكوفيين عُيُوناً بكسر العين، والأصل الضمّ فأبدل من الضمة كسرة استثقالا للجمع بين ضمة وياء فَالْتَقَى الْماءُ «٣» والتقى لا يكون إلّا الاثنين. المعنى: فالتقى ماء الأرض وماء السماء، وهما جميعا يقال لهما ماء لأنّ ماء اسم للجنس. قال أبو الحسن بن كيسان: الأصل في ماء ماه فأبدلوا من الهاء همزة فإذا جمعوا ردّوه إلى أصله فقالوا: أمواه ومياه، ومويه في التصغير عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ «٤» قيل:
أي قدّره الله جلّ وعزّ في اللوح المحفوظ، وقيل: قدر ماء الأرض كماء السّماء.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٣]
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ أي على سفينة ذات ألواح وَدُسُرٍ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الدّسر المسامير، وكذا قال محمد بن كعب وقتادة وابن زيد، وقال الحسن: الدّسر صدر السفينة، وقال الضحاك: الدّسر طرف السفينة. قال: وأصل هذا من دسره يدسره ويدسره دسرا إذا شدّه ودفعه.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٤]
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي بمرأى منّا ومسمع، وقيل بأمرنا. وأعين جمع في القليل،
(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٤٧، والبحر المحيط ٨/ ١٧٥.
(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص ١٤٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ١٧٥ (وقرأ علي والحسن ومحمد بن كعب والجحدري «الماءان»، وقرأ الحسن «الماوان» ).
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ١٧٦ (وقرأ أبو حيوة «قدّر» بشدّ الدال، والمجهور بتخفيفها).
ويقال: أعيان، مثل بيت وأبيات. جَزاءً مصدر. لِمَنْ كانَ كُفِرَ في معناه أقوال. قال ابن زيد: «من» بمعنى «ما»، وتقديره عنده للذي كفر من النعم وجحد. قال: وهذا يمنعه أهل العربية جميعا، ومذهب مجاهد. أن المعنى جزاء لله. قال أبو جعفر: وهذا قول حسن أي عاقبناهم وعرفناهم جزاء لله جلّ وعزّ حين كفروا به وجحدوا وحدانيته فقالوا لا تذرنّ الهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا، وقيل: جزاء لمن كان كفر على لفظ «من»، ولو كان في غير القرآن لجاز على هذا القول كفروا على المعنى.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٥]
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً قيل: المعنى: ولقد تركنا هذه العقوبة لمن كفر وجحد الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم عظة وعبرة، ومذهب قتادة ولقد تركنا السفينة آية. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ هذه قراءة الجماعة وهي صحيحة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما رواه شعبة وغيره عن ابن إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ بالدال غير معجمة، وقال يعقوب القارئ: قرأ قتادة فهل من مذّكر «١» بالذال معجمة. قال أبو جعفر:
مدّكر أولى لما ذكرنا من الاجتماع في العربية والأصل عند سيبويه «٢» مذتكر فاجتمعت الذال وهي مجهورة أصلية والتاء وهي مهموسة زائدة فأبدلوا من التاء حرفا مجهورا من مخرجها فصار مذدكر، فأدغمت الذال في الدال فصار مدّكر، ممن قال مذّكر أدغم الدال في الذال، وليس على هذا كلام العرب إنما يدغمون الأول في الثاني.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٦]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦)
أي فكيف كان عقابي لمن كفر بي وعصاني وبإنذاري وتحذيري من الوقوع في مثل ذلك.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٧]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ قال ابن زيد: أي بيّنا، وقال مجاهد: هوّنّا، وقيل:
التقدير: ولقد سهّلنا القرآن بتبييننا إياه وتفصيلنا لمن أراد أن يتذكّره فيعتبر به. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يتذكّر ما فيه، وقيل هل من طالب خيرا أو علما فيعان عليه، فهذا قريب من الأول لأن الأول أبين على ظاهر الآية.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٨]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)
كَذَّبَتْ عادٌ قال أبو جعفر: في هذا حذف قد عرف معناه أي كذّبت عاد هودا
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٧٦.
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٦٠١.
كما كذّبت قريش محمدا صلّى الله عليه وسلّم فليحذروا مثل ما نزل بهم فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ «فكيف» في موضع نصب على خبر كان إلّا أنها مبنية لأن فيها معنى الاستفهام وفتحت لالتقاء الساكنين.
[سورة القمر (٥٤) : آية ١٩]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أهل التفسير يقولون: الصّرصر الباردة، وقال بعض أهل اللغة: إنما يقال لها صرصر إذا كان لها صوت شديد من قولهم صرّ الشيء إذا صوّت، والأصل صرر فأبدل من إحدى الراءات صاد. فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قال بعض أهل التفسير: النحس الشديد، ولو كان كما قال لكان يوم منونا ولقيل: نحس ولم يضف.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٠]
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠)
تَنْزِعُ النَّاسَ قيل: تنزعهم من الحفر التي كانوا حفروها كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ النخل تذكّر وتؤنّث لغتان جاء بها القرآن وزعم محمد بن جرير «١» أنّ في الكلام حذفا، وأن المعنى تنزع النّاس فتتركهم كأعجاز نخل. قال: فتكون الكاف على هذا في موضع نصب بالفعل المحذوف، وهذا لا يحتاج إلى ما قاله من الحذف. والقول فيه ما قاله أبو إسحاق قال: هو في موضع نصب على الحال أي تنزع الناس أمثال نخل منقعر أي في هذه الحال. قال أبو جعفر: وهذا القول حقيقة الإعراب فإن كان على تساهل المعنى فالمعنى يؤول إلى ما قاله محمد بن جرير. وقد روى محمد بن إسحاق قال: لمّا هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد فاصطفوا على باب الشّعب فسدّوا الريح عمّن في الشّعب من العيال، فأقبلت الريح تجيء من تحت واحد واحد ثم تقلعه فتقلبه على رأس فتدقّ عنقه حتّى أهلكت ستّة وبقي واحد يقال له: الخلجان فجاء إلى هود صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
ما هؤلاء الذين أراهم كالبخاتي «٢» تحت السحاب قال: هؤلاء الملائكة عليهم السلام قال: إن أسلمت فما لي قال: تسلم قال: أيقيدني ربّك من هؤلاء الذين في السحاب؟
قال: ويلك هل رأيت ملكا يقيد من جنده؟ قال: لو فعل ما رضيت قال: فرجع إلى موضعه، وأنشأ يقول: [الراجز] ٤٤٣-
لم يبق إلّا الخلجان نفسه يا شرّ يوم قد دهاني أمسه
«٣» ثم لحقه ما لحق أصحابه فصاروا كما قال جلّ وعزّ: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ.
وقال مجاهد في تشبيههم بأعجاز نخل منقعر: لأنه قد بانت أجسادهم من رؤوسهم
(١) انظر تفسير الطبري ٢٧/ ٩٩.
(٢) البخاتي: جمع البختيّة، وهي جمال طوال الأعناق (تاج العروس «بخت» ).
(٣) الشاهد بلا نسبة في تفسير الطبري ٢٧/ ٩٩.
فصاروا أجساما بلا رؤوس، وقال بعض أهل النظر: التشبيه للحفر التي كانوا فيها قياما صارت الحفر كأنها أعجاز نخل. قال أبو جعفر: وهذا القول قول خطأ، ولو كان كما قال كان كأنّها أو كأنّهن، وأيضا فإنّ الحفر لم يتقدّم لها ذكر فيكنى عنها. وأيضا فالتشبيه بالقوم أولى ولا سيما وهو قول من يحتجّ بقوله.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) أي فكيف كان عذابي إيّاهم على الكفر وإنذاري إيّاكم أن ينزل بكم ما نزل بهم. قال أبو إسحاق: نذر جمع نذير.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٣]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) لم يصرف ثمود: لأنه اسم للقبيلة ويجوز صرفه على أنه اسم للحيّ.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٤]
فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤)
فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ نصبت بشرا بإضمار فعل والمعنى: أنتّبع بشرا منّا واحدا ونحن جماعة؟ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أي في حيرة عن الطريق المستقيم وأخذ على العوج، ولا تعمل إذن إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها. وَسُعُرٍ يكون جمع سعير، ويكون مصدرا من قولهم سعر الرجل إذا طاش.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٥]
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا استفهام فيه معنى التوقيف. بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ الكوفيون يقولون: «بل» لا تكون إلّا بعد نفي فيحملون مثل هذا على المعنى لأن معنى ألقي عليه الذكر لم يلق عليه.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧)
سَيَعْلَمُونَ غَداً الأصل عند سيبويه غدو حذفت منه الواو. مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ مبتدأ وخبره في موضع نصب بسيعلمون، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ستعلمون غدا «١» وأبو عبيد يميل إلى القراءة بالياء لأن بعده إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ ولم يقل: لكم. قال أبو جعفر: التقدير لمن قرأ بالياء قال الله جلّ وعزّ: سَيَعْلَمُونَ غَداً، والقول يحذف كثيرا. والأصل إنّا مرسلون حذفت النون تخفيفا وأضيف فتنة
(١) انظر تيسير الداني ١٦٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦١٨، والبحر المحيط ٨/ ١٧٩.
لهم. قال أبو إسحاق: فتنة مفعول له، وقال غيره: هو مصدر أي فتناهم بذلك وابتليناهم. وكان ابتلاؤهم في ذلك أنّ الناقة خرجت لهم من صخرة صماء ناقة عظيمة فآمن بعضهم وكانت لعظمها كثيرة الأكل فشكوا ذلك إلى صالح صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء، فقال: ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء، ترد الماء يوما، وتردون يوما فكانت هذه الفتنة. فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ أي فاصبر على ارتقابك إيّاهم، والأصل واصتبر أبدل من التاء طاء لأن الطاء أشبه بالصاد لأنهما مطبقتان. قال أبو إسحاق: ينطبق الحنك على اللسان بهما، قال أيضا: وهما أيضا مطبقتان في الخطّ.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٨]
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ أي ذو قسمة مثل قولك: رجل عدل. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ مبتدأ وخبر. أي تحضر الناقة يوما وهم يوما، وغلّب المذكّر على المؤنّث فقيل بينهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٢٩]
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ وهم التسعة الذين انفردوا لعقر الناقة فنادى ثمانية منهم قدارا، فقالوا: هذه الناقة قد أقبلت فَتَعاطى فَعَقَرَ قيل: أي فتعاطى قتلها وحقيقته في اللغة فتناول الناقة فقتلها، من قولهم عطوت إذا تناولت، كما قال: [الطويل] ٤٤٤-
وتعطو برخص غير شثن كأنّه أساريع ظبي أو مساويك إسحل
«١»
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٠]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي أي عقابي إيّاهم على عصيانهم أي فاحذروا المعاصي. وَنُذُرِ أي إنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣١]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
وهذا من التمثيل العجيب لأن الهشم ما يبس من الشجر وتهشّم فصار يحظر به بعد أن كان أخضر ناضرا أي صاروا بعد النعمة رفاتا، وبعد البهجة حطاما كهيئة الشجر. وروي عن ابن عباس «كهشيم المحتظر» أي كالعظام المحترقة. قال أبو جعفر:
وحقيقة هذا القول في اللغة كهشيم قد حظر به وأحرق: وقال ابن زيد: هو الشوك
(١) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٧، وجمهرة اللغة ٣٦٣، وشرح المفصّل ٦/ ٩٢، و ٧/ ١٤٤، ولسان العرب (سرع) و (سحل) و (ششن)، و (ظبا)، والمنصف ٣/ ٥٨، وتاج العروس (سحل)، و (ششن)، و (ظبا).
تجعله العرب حوالى الغنم مخافة السبع. والتقدير في العربية كهشيم الرجل المحتظر، ومن قرأ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ «١» فتقديره كهشيم الشيء الذي قد احتظر.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٣]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣)
أي بالآيات التي أنذروا بها.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٤]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً أي حجارة تحصبهم. إِلَّا آلَ لُوطٍ نصب على الاستثناء، وال الرجل كلّ من كان على دينه ومذهبه كما قال جلّ وعزّ لنوح صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود: ٤٦] وهو ابنه وال بمعنى واحد، إلّا أن النحويين يقولون: الأصل في ال أهل، والدليل على ذلك أنّ العرب إذا صغّرت الا قالت: أهيل. نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ قال الفراء «٢» : سحر هاهنا يجري لأنه نكرة كقولك: نجّيناهم بليل. قال أبو جعفر: وهذا القول قول جميع النحويين لا نعلم فيه اختلافا إلّا أنه قال بعده شيئا يخالف فيه قال:
فإذا ألقت العرب من سحر الباء لم يجروه فقالوا: فعلت هذا سمر يا هذا. قال أبو جعفر: وقول البصريين أنّ سحر إذا كان نكرة انصرف وإذا كان معرفة لم ينصرف، ودخول الباء وخروجها واحد. والعلّة فيه عند سيبويه «٣» أنه معدول عن الألف واللام لأنه يقال: أتيتك أعلى السّحر فلما حذفت الألف واللام وفيه نيتهما اعتلّ فلم ينصرف تقول: سير بزيد سحر يا هذا، غير مصروف. ولا يجوز رفعه لعلّة ليس هذا موضع ذكرها.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٥]
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا قال أبو إسحاق: نصبت نعمة لأنها مفعول لها، قال: ويجوز الرفع بمعنى تلك نعمة من عندنا. كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ الكاف في موضع نصب أي نجزي من شكر جزاء كذلك النجاء.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٦]
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا أي التي بطشنا بهم. فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ أي كذّبوا بها شكّا، كما قال قتادة في فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ أي لم يصدّقوا بها.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٧]
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧)
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٨٠، ومعاني الفراء ٣/ ١٠٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٠٩. [.....]
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٣١٤.
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ «وضيف» بمعنى أضياف لأنه مصدر فلذلك لا تكاد العرب تثنيه ولا تجمعه، وحقيقته في العربية عن ذوي ضيفه. فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ يقال: طمس عينه وعلى عينه إذا فعل بها فعلا يصير بها مثل وجهه لا شقّ فيها ويقال طمست الريح الأعلام إذا سفت عليها التراب فغطّتها به، كما قال: [البسيط] ٤٤٥-
من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت عارضها طامس الأعلام مجهول
«١» فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ أي فقالت لهم الملائكة عليهما السلام: فذوقوا عذاب الله وعقابه ما أنذركم به.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)
قال سفيان: كان مع الفجر صرفت بكرة هاهنا لأنها نكرة، وزعم الفراء «٢» أن غدوة وبكرة يجريان ولا يجريان، وزعم أنّ الأكثر في غدوة ترك الصرف، وفي بكرة الصرف. قال أبو جعفر: قول البصريين أنهما لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة فإن زعم زاعم أنّ الأولى ما قال الفراء لأن بكرة هاهنا مصروف قيل له: هذا لا يلزم لأن بكرة هاهنا نكرة وكذا سحر، والدليل على ذلك أنه لم يقل: أهلكوا في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا بكرة فتكون معرفة فلما وجب أن تكون نكرة لم يكن فيها ذكر حجّة ولا سيما وفيه الهاء قيل: عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ أي يستقرّ عليهم حتّى أهلكهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤١]
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١)
أي أهل دينه والقائلين بقوله كما مرّ. «قد» إذا وقعت مع الماضي دلّت على التوقّع وإذا كانت مع المستقبل دلّت على التقليل نقول: قد يكرمنا فلان أي ذلك يقلّ منه.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٢]
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢)
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها في معناه قولان: أحدهما أن المعنى: كذّبوا بآياتنا التي أريناهم إيّاها كلّها والآخر أنه على التكثير، كما حكى سيبويه ما بقي منهم مخبّر. فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ قال قتادة: عزيز في انتقامه، وقال لي غيره: عزيز لا يغلب مقتدر على ما يشاء.
(١) الشاهد لكعب بن زهير في ديوانه ص ٩، ولسان العرب (نضخ)، و (عرض)، وتاج العروس (نضخ) و (عرض).
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٠٩.

[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٣]

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ مبتدأ وخبره قال: وهذا على التوقيف كما حكى سيبويه:
الشّقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ أي أكتب لكم أنكم لا تعذّبون.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٤]
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤)
على اللفظ ولو كان على المعنى قيل: منتصرون.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٥]
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ قال أهل التفسير: ذلك يوم بدر. وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ واحد بمعنى الجمع: كما يقال: كثر الدّرهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٦]
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ من قال: «بل» لا يكون إلا بعد نفي قال: المعنى: ليس الأمر كما يقولون إنهم لا يبعثون بل الساعة موعدهم. وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ أي من هزيمتهم وتولّيهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٧]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ أي ذهب عن الحق. وَسُعُرٍ أي نار تسعّر.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٨]
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ وفي قراءة ابن مسعود إلى النار «١» وهذه القراءة على التفسير، كما روى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه «يحضر المقتول بين يدي الله جلّ وعزّ فيقول له: فيم قتلت؟ فيقول: فيك، فيقول: كذبت أردت أن يقال: فلان شجاع فقد قيل: فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار» «٢». ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي يقال لهم.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٩]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)
«٣» فدلّ بهذا على أنّهم يعذّبون على كفرهم بالقدر. وزعم سيبويه أن نصب «كلّ»
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١١٠، والبحر المحيط ٨/ ١٨١.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه- الزهد ٩/ ٢٢٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ١٨١ (قراءة الجمهور بالنصب، وقرأ أبو السمال وقوم من أهل السنة بالرفع).
على لغة من قال: زيدا ضربته. وفي نصبه قولان آخران: أما الكوفيون فقالوا: «إنّا» تطلب الفعل والفعل بها أولى من الاسم، والمعنى إنا خلقنا كلّ شيء، قالوا: وليس هذا مثل قولنا: زيدا ضربته: لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى. ألا ترى أنك تقول: أزيدا ضربته فيكون النصب أولى: لأن هاهنا حرف هو بالفعل أولى والقول الثالث أنه إنما جاز هذا بالنصب وخالف زيد ضربته ليدل ذلك على خلق الأشياء فيكون فيه ردّ على من أنكر خلق الأفعال.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٠]
وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ مبتدأ وخبره. وقال علي بن سليمان: المعنى إلّا أمرة واحدة. وزعم الفراء: أنه روي وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ «١» بالنصب كما يقال: ما فلان إلّا ثيابه ودابّته أي إلّا يتعهّد ثيابه ودابته وكما حكى الكسائي: ما فلان إلّا عمّته أي يتعهّد عمّته. كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي في سرعته.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٥١]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)
فيه قولان: أحدهما أن أشياعهم هم الذين أهلكوا من قبلهم لأنهم كفروا كما كفروا فهل من متّعظ بذلك، وسمّوا أشياعهم لأنهم كذّبوا كما كذّبوا. والقول الآخر أن أشياعهم هم الذين كانوا يعاونونهم على عداوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين فأهلكوا فهل من متّعظ منكم بذلك. والقول الأول عليه أهل التأويل.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٢]
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
الهاء في فعلوه تعود على الأشياع في الزبر مكتوب عليهم قد كتبته الحفظة.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٣]
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)
يقال: سطر واستطر إذا كتب سطرا.
[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٤]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا عقاب الله جلّ وعزّ باجتناب محارمه وأداء فرائضه فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ قال أبو إسحاق: «نهر» بمعنى أنهار. قال أبو جعفر: وأنشد الخليل وسيبويه: [الرجز] ٤٤٦-
في حلقكم عظم وقد شجينا
«٢»
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١١١.
(٢) الرجز بلا نسبة في الكتاب ١/ ٢٧٠، ولطفيل في جمهرة اللغة ص (١٠٤١)، والمحتسب ٢/ ٨٧، وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه ١/ ٢١٢، ولسان العرب (شجا)، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧/ ٥٥٩، وشرح المفصّل ٦/ ٣٢، ولسان العرب (نهر) وسمع و (أمم) و (مأى) والمقتضب ٢/ ١٧٢. وقبله:
«لا تنكروا لقتل وقد سبينا».

[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٥]

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي في مجلس حقّ لا لغو فيها ولا باطل. عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي يقدر على ما يشاء.
Icon