تفسير سورة الصافات

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

قوله ﴿ وَالصَّافَّاتِ ﴾ كل شيء بين السماء والأرض لم يضم قتريه فهو صاف.
﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً ﴾ أي القارئات والتالي القارئ. ﴿ ذكراً ﴾ : كتاباً ؛ والتالي المتبع في موضع آخر.
﴿ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ لم تعمل الباء فيها التي هي في ﴿ بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب ﴾ فمجازها : وحفظناها قال كعب بن زهير :
يَسْعَى الوُشاةُ جَنَابَيْها وقِيلَهُمُ إنك يابن أبي سُلمَى لمقتولُ
قيلهم بالنصب : ويقولون.
﴿ دُحُوراً ﴾ مصدر ﴿ دَحَرتُ ﴾ تقول العرب : ادحر عنك الشيطان : أبعد عنك الشيطان. ﴿ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴾ أي دائم قال أبو الأسود الدؤلي :
لا أشتري الحمدَ القليلَ بقاؤه يوماً بذَمِّ الدهر أجمعَ واصِبا
﴿ ثَاقِبٌ ﴾ الثاقب البين المضيء، يقال : أثقب نارك، وحسب ثاقب أي كثير مضيء مشهور وقال أبو الأسود :
أَذاع بِه في الناس حتى كأنه بعَلْيَاءِ نارٌ أُوقدتْ بثُقُوبِ
﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ ﴾ أي فسلهم.
﴿ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ﴾ مجازها مجاز " لازم " قال نابغة بني ذبيان :
ولا يَحسبون الخيرَ لا شرَّ بعدَه **** ولا يحسبون الشرَّ ضَربةَ لازِبِ
وقال النجاشي :
بَنَى اللومُ بيتاً فاستقرتْ عِمادُه ***عليكم بني النَّجَّارِ ضَربَة لازبِ
﴿ يَسْتَسْخرُونَ ﴾ ويسخرون سواء.
" أَوَ آبَاؤُنَا الأوَّلُونَ } الواو متحركة لأن مجازها : وآباؤنا، فأدخل فيها ألف الاستفهام وليست بواو التي تنتقل بها من شيء إلى شيء أو تجري مجرى " أم ".
﴿ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ صاغرون أشد الصغر، صاغر : داخر.
﴿ هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ الثواب والحساب، تقول العرب : كما تدين تدان.
﴿ هَذَا يَوْمُ الفَصْل الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ الفصل قطع القضاء ثم خرجت ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ﴾ مخرج المختصر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:﴿ هَذَا يَوْمُ الفَصْل الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ الفصل قطع القضاء ثم خرجت ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ﴾ مخرج المختصر.
﴿ فَاهْدُوهُمْ إلىَ صِرَاطِ الْجِحِيمَ ﴾ تقول العرب : هديت المرأة إلى زوجها أي دللتها ومنهم من يقول : أهديتها، جعلها من الهدية إليه.
﴿ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ المستسلم الذي يعطى بيديه.
﴿ إذَا قيلَ لَهُمْ لاَ إلَهَ إلاّ اللّهُ ﴾ مجازها : إذا قيل لهم : قولوا لا إله إلا الله.
﴿ إنَّكمُ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ، إلاّ عِبَادَ اللّهِ المُخْلِصِين ﴾ تقول العرب : إنكم لذاهبون إلا زيداً.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:﴿ إنَّكمُ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ، إلاّ عِبَادَ اللّهِ المُخْلِصِين ﴾ تقول العرب : إنكم لذاهبون إلا زيداً.
﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين ﴾ مضموم الأول والثاني وبعض العرب يفتحون الحرف الثاني من أشباه هذا من باب المضاعف.
﴿ بِكَأْسٍ مِّنْ مَّعِينٍ ﴾ الكأس الإناء بما فيه والمعين الماء الطاهر الجاري.
﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ مجازها : ليس فيها غول والغول أن تغتال عقولهم قال الشاعر :
وما زالت الكأْسُ تغتالُنا وتذهب بالأول الأولِ
﴿ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يَنْزُفُونَ ﴾ تقول العرب : لا يقطع عنه وينزف سكراً قال الأبيرد الرياحي من بني محجل :
لَعَمري لئن أنزفُتُم أو صَحَوتُمُ لبئس النَّدامَى كنتُمُ آل أَبْجرا
أبجر من بني عجل.
﴿ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾ راضيات، اقتصر فلان على كذا.
﴿ عِيْنٌ ﴾ العيناء واسعة العين.
﴿ بَيْضٍ مَّكْنُونٍ ﴾ أي مصون كل لؤلؤ أو أبيض أو متاع صنته فهو مكنون وكل شيء أضمرته في نفسك فقد أكننته قال أبو دهبل :
وهي زَهراء مثل لُؤلؤة الغوّ اص مُيزَت من جوهر مكنونِ
﴿ أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ أي مجزيون، يقال : دنته أي جزيته بكذا وكذا
﴿ فِي سَوَاءِ الْجِحَيمِ ﴾ في وسط الجحيم، قال أبو عبيدة : سمعت عيسى بن عمر يقول : كنت وأنا شاب أقعد بالليل فأكتب حتى ينقطع سوائي، أي وسطي.
﴿ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينَ ﴾ أرديته أهلكته وردى هو أي هلك.
﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نَزُلاً ﴾ النُزُل والنَزَل واحد وهو الفضل يقال : هذا طعام لا نزل ونزل أي ريع.
﴿ ثُمَّ إنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ﴾ تقول العرب : كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب.
﴿ أَلَفُوا آبَاءَهُم ضَالِّينَ ﴾ وجدوا.
﴿ يُهْرَعُونَ ﴾ يستحثون من خلفهم ويعطف أوائلهم.
﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إلاَّ عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ ﴾ نصبها للاستثنا، من المنذرين.
﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِين ﴾ أي أجال عليهم ضرباً للآلهة.
﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْه يَزِفُّونَ ﴾ تقول العرب للنعامة : تزف وهو أول عدوها وآخر مشيها وجاءني الرجل يزف زفيف النعامة أي من سرعته.
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾ أي أدرك ما أن يسعى على أهله أدرك وأعانه.
﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي صرعه وللوجه جبينان والجبهة بينهما قال ساعدة بني جوءية الهذلي :
وطلَّ تَلِيلاً لِلجَبينِ ***
﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبحٍ عَظيمٍ ﴾ الذبح المذبوح والذبح الفعل تقول العرب : قد كان بين بني فلان وبين بني فلان ذبح عظيم فتلى كثيرة.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الآخِرِينَ ﴾ حكاية أي تركناهم يقال لهم في الآخرين.
﴿ سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ أي يقال لهم هذا.
﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً ﴾ أي رباً يقال : أنا بعل هذه الدابة أي ربها، والبعل الزوج ويقال : لما استبعل واستغنى بماء السماء من النخل ولم يكن سقياً فهو بعل والبعل هو العذي أيضاً ما لم يسق.
﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ مجازها : لمهلكون.
﴿ إلاّ عِبَادَ اللّهِ ﴾ استثناء.
﴿ سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِين ﴾ أي سلام على الياسين وأهله وأهل دينه جمعهم بغير إضافة الياء على العدد فقال سلام على الياسين قال الشاعر :
قَدْنِي من نَصْر الخُبَيْبَيْنِ قَدِمي ميري بالشِّحِيح المُلْحِدِ
فجعل عبد الله بن الزبير أبا خبيب ومن كان على رأيه عدداً ولم يضفهم بالياء فيقول الخبيبيون قال أبو عبيدة يعني بالخبيبين أبا خبيب ومصعباً أخاه وقال أبو عمرو بن العلاء : نادى منادٍ يوم الكلاب : هلك اليزيدون يعني يزيد بن عبد المدار ويزيد بن هوبر ويزيد بن مخرم : الحارثيون ؛ ويقال جاءتك الحارثون والأشعرون وكذلك يقال في الاثنين وأسمائهما شتى قال قيس بن زهير :
جزاني الزَّهدمان جزاء سَوْءٍ وكنتُ المَرْءَ يُجْزَى بالكرامَهْ
وإنما هما زهدم وكردم العبسيان أخوان. وقيل لعلي بن أبي طالب : نسلك فينا سنة العمرين : يعنون أبا بكر وعمر فإن قيل : كيف بدئ بعمر قبل أبي بكر وأبو بكر أفضل منه وهو قبله ؟ فإن العرب تفعل هذا تقول : ربيعة ومضر وسليم يبدءون بالأخس وقيس وخندق، ولم يترك قليلاً ولا كثيراً وزعم أن أهل المدينة يقولون : سلام على آل ياسين أي على أهل آل ياسين وقال أصحاب سعد بن أبي وقاص وابن عمر واهل الشام هم قومه ومن كان على دينه واحتجوا بالقرآن ﴿ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ فقال هم قومه ومن كان على دينه، وقالت الشيعة آل محمد أهل بيته واحتجوا بأنك تصغر " آل " فتجعله " أَهَيل ".
﴿ إذْ أَبَقَ إِلى الْفُلْكِ المَشْحُونِ ﴾ فزع إلى الفلك.
﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ تقول العرب : أدحض الله حجته أي أبطلها والدحض الماء والزلق قال ذو الإصبع :
لبئس المرءُ في شيء *** من الأمْرار والنقضِ
غُدُواً ورواحاً وَ *** هْو في مَزْلَقةٍ دَحْضِ
﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ تقول العرب : ألام فلان في أمره وذلك إذا أتى أمراً يلام عليه قال لبيد بن ربيعة :
سَفَهاً عذلتِ ولُمتِ غير مُليم وهداكِ قبل اليوم غير حَكيم
﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ﴾ تقول العرب : نبذته بالعراء أي الأرض الفضاء قال الخزاعي :
رَفّعتُ رِجْلاً لا أَخافُ عِثارَها ونبذتُ بالبلد العَراء ثِيابي
البلد العراء : الذي لا يواره شيء من شجر ولا من غيره.
﴿ شَجَرَةً مِّنْ يَقْطِينٍ ﴾ : كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين نحو الدبا والحنظل والبطيخ.
﴿ إلَى مَائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِْيدُونَ ﴾ : أو ها هنا ليس بشك وهي في موضع آخر ﴿ بل يزيدون ﴾، وفي القرآن ﴿ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون ﴾ ليس بشك وقد قالوهما جميعاً فهي في موضع الواو التي للموالاة وقال جرير :
أثَعلَبَة الفوارس أو رِياحا عَدَلت بهم طهَّيَة والخِشابا
والمعنى ثعلبة الفوارس ورياحاعدلت بهم طهية والخشابا وقال آخر :
إنّ بها أكتَلَ أَو رِزاما خُوَيْرِ بَيْنِ ينُقفان الهَامَا
ولو كان شكاً أو اسماً واحداً لما قال " خُوَير بَيْن ينقفان " إنما هو أكتل ورزام.
Icon