ﰡ
﴿الحاقة﴾ الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجئ التي هي آتية لا ريب فيها من حق بحق بالكسر أي وجب
﴿مَا الحاقة﴾ مبتدأ وخبر وهما خبر الحاقة والأصل الحاقة ما هي أي شيء هي تفخيما لشأنها وتعظيما لهو لها أي سقها أن يستفهم عنها لعظمها فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل
﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ وأي شيء أعلمك ﴿مَا الحاقة﴾ يعني أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها لأنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية المخلوقين وما هي بالابتداء وإدراك الخبر والجملة بعه في موضع نصب لأنها مفعول ثان لأدري
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة﴾
أي بالحاقة فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة وسميت بها لأنها تقرع الناس بالأفزاع والأهوال ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بهاوما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم
فَأَمَّا
﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾ بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة واختلف فيها فقيل الرجفة وقيل الصيحة وقيل الطاغية مصدر كالعافية أي بطغيانهم ولكن هذا لا يطابق قوله
﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ﴾ أي بالدبور لقوله ﷺ نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ﴿صَرْصَرٍ﴾ شديدة الصوت من الصرة الصيحة أبو باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها ﴿عَاتِيَةٍ﴾ شديدة العصف أو عتت على خزانها فلم يضبطوها بإذن الله غضبا على أعدا الله
﴿سَخَّرَهَا﴾ سلطها ﴿عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ﴾ وكان ابتداء العذاب يوم الأربعاء آخر الشهر إلى الأربعاء الأخرى ﴿حُسُوماً﴾ أي متتابعة لا تنقطع جمع حاسم كشهود تمثيلاً لتتابعها بتتابع فعل الحسام في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم وجاز أن يكون مصدراً أي تحسم حسوماً بمعنى تستأصل استئصالاً ﴿فَتَرَى﴾ أيها المخاطب ﴿القوم فِيهَا﴾ في مهابها أو في الليالي والأيام ﴿صرعى﴾ حال جمع صريع ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ حال أخرى ﴿أَعْجَازُ﴾ أصول ﴿نَخْلٍ﴾ جمع نخلة ﴿خَاوِيَةٍ﴾ ساقطة أو بالية
﴿فَهَلْ ترى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ﴾ من نفس باقية أومن بقاء كالطاغية بمعنى الطغيان
﴿وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ﴾ ومن تقدمه من الأمم وَمِن قَبْلِهِ بصري وعلي أي ومن عنده من أتباعه ﴿والمؤتفكات﴾ قرى قوم لوط فهي ائتفكت أي انقلبت بهم ﴿بالخاطئة﴾ أبو بالفعلة أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم
﴿فعصوا﴾ أي قوم لوط ﴿رسول ربهم﴾ لوط ﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾
﴿إنا لما طغى الماء﴾ ارتفع وقت الطوفان على أعلى جبل في الدنيا خمسة عشر ذراعاً ﴿حملناكم﴾ أي آباءكم ﴿فِى الجارية﴾ في سفينة نوح عليه السلام
﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ أي الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين ﴿لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ عبرة وعظة ﴿وَتَعِيَهَا﴾ وتحفظها ﴿أُذُنٌ﴾ بضم الذال غير نافع ﴿واعية﴾ حافظة لما تسمع قال قتادة وهي أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِى الصور نَفْخَةٌ واحدة﴾ هي النفخة
الأولى ويموت عندها الناس والثانية يبعثون عندها
﴿وحملت الأرض والجبال﴾ رفعت عن موضعهما ﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة﴾ دقتا وكسرتا أي ضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيباً مهيلاً وهباء منبثاً
﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ فحينئذ ﴿وَقَعَتِ الواقعة﴾ نزلت النازلة وهي القيامة وجواب إذا وقعت ويومئذ بدل من إذا
﴿وانشقت السماء﴾ فتّحت أبواباً ﴿فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ مسترخية ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة
﴿والملك﴾ الجنس بمعنى الجمع وهو أعلم من الملائكة ﴿على أَرْجَائِهَا﴾ جوانبها واحدها رجا مقصور لأنها إذا انشقت وهي مسكن الملائكة فيلجئون إلى أطرافها ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ﴾ فوق الملك الذين على أرجائها ﴿يَوْمَئِذٍ ثمانية﴾ منهم واليوم تحمله أربعة وزيدت أربعة أخرى يوم القيامة وعن الضحاك ثمانية صفوف وقيل ثمانية أصناف
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ للحساب والسؤال شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرّف أحواله ﴿لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا وبالياء كوفي غير عاصم وفي الحديث يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تطير
﴿فَأَمَّا﴾ تفصيل للعرض ﴿مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ﴾ سروراً به لما يرى فيه من الخيرات خطابا لجماعته ﴿هاؤم﴾ اسم الفعل أي خذاوا ﴿اقرؤوا كتابيه﴾ تقديره هاؤم كتابي اقرءوا كتابيه فحذف الأول لدلالة الثاني عليه والعامل في كتابيه اقرءوا عند البصريين لأنهم يعملون الأقرب والهاء في كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه للسكت وحقها أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل وقد استحب إيثار الوقف إيثاراً لثباتها لثبوتها في المصحف
﴿إِنّى ظَنَنتُ﴾ علمت وإنما أجرى الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام ولأن ما يدرك بالاجتهاد قلما يخلو عن الوسواس والخواطر وهي تفضي إلى الظنون فجاز إطلاق لفظ الظن عليها لمالا يخلو عنه ﴿أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ﴾ معاين حسابي
﴿فهو في عيشة راضية﴾ ذات رضا بها صاحبها كلابن
﴿فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ رفيعة المكان أو رفيعة الدرجات أو رفيعة المباني والقصور وهو خبر بعد خبر
﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ ثمارها قريبة من مريدها ينالها القائم والقاعد والمتكئ يقال لهم
﴿كلوا واشربوا هنيئا﴾ كلا وشربا هنيئاً لا مكروه فيهما ولا أذى أو هنتم هنيئاً على المصدر ﴿بِمَا أَسْلَفْتُمْ﴾ بما قدمتم من الأعمال الصالحة
﴿فِى الأيام الخالية﴾ الماضية من أيام الدنيا وعن ابن عباس هي في الصائمين أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله
﴿وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لَمْ أُوتَ كتابيه﴾ لما يرى فيها من الفضائح
﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾ أي يا ليتني لم أعلم ما حسابى
﴿يا ليتها﴾ يا ليت الموتة التي متها ﴿كَانَتِ القاضية﴾ أى القاطعة لامرى فلم أبعث بعدها وام ألق ما ألقي
﴿مَا أغنى عَنِّى مَالِيَهْ﴾ أي لم ينفعني ما جمعته فى الدنيا فما نفعى والمفعول محذوف أي شيئاً
﴿هَلَكَ عَنّى سلطانيه﴾ ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيرا ذليلا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ضلت عني حجتي أي بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا فيقول الله تعالى لخزنة جهنم
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ أي اجمعوا يديه إلى عنقه
﴿ثم الجحيم صلوه﴾ أى ادخلوه يعنى لا ثم تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى أو نصب الجحيم بفعل يفسره صَلُّوهُ
﴿ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ طولها ﴿سَبْعُونَ ذِرَاعاً﴾ بذراع الملك عن ابن جريج وقيل لا يعرف قدرها إلا الله ﴿فَاْسْلُكُوهُ﴾ فأدخلوه والمعنى فى تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصليه
﴿إنه﴾ تعليل كانه قيل ماله يعذب هذا العذاب الشديد فأجيب بأنه ﴿كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم﴾
﴿وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾ على بذل طعام المسكين وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرص غيره على إطعام المحتاجين وفيه دليل قوي على عظم جرم حرمان المسكين لأنه عطفه على الكفر وجعله دليلاً عليه وقرينة له لآنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق
﴿فليس له اليوم ها هنا حَمِيمٌ﴾ قريب يرفع عنه ويحترق له قلبه
﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ غسالة أهل النار فعلين
من الفسل والنون زائدة وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم
﴿لا يأكله إلا الخاطئون﴾ للكافرون أصحاب الخطايا وخطىء الرجل إذا تعمد الذنب
﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ﴾ من الأجسام والأرض والسماء
﴿وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴾ من الملائكة والأرواح فالحاصل أنه أقسم بجميع الأشياء
﴿إِنَّهُ﴾ أي إن القرآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ أى محمد ﷺ أو جبريل عليه السلام أي بقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ كما تدعون ﴿قَلِيلاً ما تؤمنون﴾
﴿ولا بقول كاهن﴾ كا تقولون ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ وبالياء فيهما مكي وشامي ويعقوب وسهل وبتخفيف الذال كوفي غير أبي بكر والقلة في معنى العدم يقال هذه أرض قلما تنبت أي لا تنبت أصلاً والمعنى لا تؤمنون ولا تذكرون البتة
﴿تَنزِيلٌ﴾ هو تنزيل بياناً لأنه قول رسول نزل عليه ﴿مّن رّبّ العالمين﴾
﴿ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل﴾ ولو ادعى علينا شيئا لم نفعله
﴿لأخَذْنَا مِنْهُ باليمين﴾ لقتلناه صبراً كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول وهو أن يأخذ بيده وتضرب رقبته وخص اليمين لأن القتّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيسار وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعنى لأخذنا منه باليمين لآخذنا بيمينه وكذا
﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾ لقطعنا وتينه وهو نياط القلب إذا قطع مات صاحبه
﴿فَمَا مِنكُم﴾ الخطاب للناس أو للمسلمين ﴿مّنْ أَحَدٍ﴾ من زائدة ﴿عَنْهُ﴾ عن قتل محمد وجمع ﴿حاجزين﴾ وإن كان وصف أَحَدٍ لأنه فى معنى الجماعة ومنه قوله تعالى لانفرق بين أحد من رسله
﴿وَإِنَّهُ﴾ وإن القرآن ﴿لِتَذْكِرَةٌ﴾ لعظة ﴿لّلْمُتَّقِينَ﴾
﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ﴾
﴿وَإِنَّهُ﴾ وإن القرآن ﴿لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين﴾ به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به
﴿وَإِنَّهُ﴾ وإن القرآن ﴿لَحَقُّ اليقين﴾ لعين اليقين ومحض اليقين
﴿فَسَبِّحْ باسم رَبّكَ العظيم﴾ فسبح الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله سبحان الله
بسم الله الرحمن الرحيم