تفسير سورة سورة فاطر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها خمس وأربعون
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ فاطر السموات والأرض ﴾ موجبها على غير مقال يحتذى [ آية ١٤ الأنعام ص ٢١٧ ].
والمراد بهما : العالم بأسره. ﴿ جاعل الملائكة رسلا ﴾ أي إلى الأنبياء، يبلغونهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة. أو إلى العباد بنعمه أو نقمه. ﴿ أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع ﴾ ذوي أجنحة عديدة ؛ فلبعضها في كل جانب اثنان، ولبعضها ثلاثة، ولبعضها أربعة. والمراد : كثرة الأجنجة لا الحصر ؛ فلا ينافى الزيادة في بعضها عن ذلك. " ومثنى " اسم معدول به عن اثنين اثنين، ممنوع من الصرف. وكذلك يقال في " ثلاث ورباع ". ﴿ يزيد في الخلق ﴾ أي في خلق كل ما يريد خلقه﴿ ما يشاء ﴾ كل ما يشاء أن يزيده من الأمور التي لا يحيط بها بالوصف ؛ ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء. وكذلك ينقص في الخلق ما يشاء ؛ والكل جار على مقتضى الحكمة والتدبير.
﴿ ما فتح الله للناس من رحمة ﴾ أي ما يرسل الله للناس رحمة، أي رحمة كانت مطرا أو رزقا أو نعمة، أو أمنا أو علما أو حكمة، أو نحو ذلك. ﴿ فلا ممسك لها ﴾ فلا أحد يقدر على منعها.
﴿ اذكروا نعمة الله عليكم ﴾ أي اذكروا بألسنتكم وقلوبكم ما أنعم الله به عليكم من النعم التي عددناها في الآيتين السابقتين وغيرها، واحفظوها بمعرفة حقها والإقرار بها، وطاعة موليها وتخصيصه بالعبادة. ثم بين وحدة المنعم بقوله :﴿ هل من خالق غير الله ﴾ لكم ولغيركم ! ؟ أي لا خالق غيره سبحانه ! وهو استفهام تقرير وتوبيخ أو إنكار. ﴿ يرزقكم من السماء والأرض ﴾ رزقا حسنا فيه بقاؤكم. والجملة مستأنفة، أو صفة ل " خالق ". ﴿ لا إله إلا هو ﴾ جملة مستأنفة لتقرير النفي المستفاد مما قبله.
﴿ فأنى تؤفكون ﴾ فكيف تصرفون عن توحيد خالقكم ورازقكم إلى الشرك في عبادته ! ؟ من الأفك – بالفتح – [ آية ٧٥ المائدة ٢٠٢ ] أو فكيف يقع منكم التكذيب بتوحيده ؛ من الإفك – بالكسر – وهو الكذب، وهو راجع إلى الأول لأنه قول مصروف عن الصدق.
﴿ ولا يغرنكم بالله ﴾ بسبب حلمه وإمهاله﴿ الغرور ﴾ أي البالغ في الغرور والخداع، وهو الشيطان بما يمنيكم من الأماني الكاذبة.
﴿ أفمن زين له سوء عمله ﴾ أي أفمن زين له الشيطان أو نفسه وهواه عمله القبيح فرآه حسنا ؛ كمن لم يزين له ؟ لا يستويان. و " من " موصولة مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة الكلام عليه. وقد صرح بالجزأين في نظير هذه الآية من قوله تعالى : " أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله " .
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ( ٨ ) والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ( ٩ ) من كان يريد العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد
﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ أي لا تمض نفسك ؛ بمعنى : لا تهلك ولا تمت أسفا علهم، وندما على عدم إيمانهم [ آية ١٦٧ البقرة ص ٥٥ ]. و " عليهم " متعلق ب " حسرات ". ونظير هذه الآية قوله تعالى : " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " .
﴿ والله الذي أرسل الرياح ﴾ مبتدأ وخبر. ﴿ فتثير سحابا ﴾ تحركه وتزعجه من مكانه.
أو تجمعه وتجئ به. ﴿ كذلك النشور ﴾ أي مثل إحياء الموات الذي تشاهدونه – إحياء الأموات للحساب ؛ في كمال الاختصاص بالقدرة الإلهية ؛ من نشر [ آية ٢١ الأنبياء ص ٣٣ ].
﴿ من كان يريد العزة ﴾ أي الشرف والمنعة ؛ من قولهم : أرض عزاز، أي صلبة قوية. أي من كان يريد العزة التي لا ذلة معها فليعتز بالله تعالى﴿ فلله العزة جميعا ﴾ في الدنيا والآخرة، دون ما عبدوه من الأوثان وغيرها. ومن اعتز بالله أعزه الله، ومن اعتز بالعبيد أذله الله. وكان المشركون يتعززون بالأصنام ؛ كما قال تعالى : " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا " والمنافقون يتعززون بالمشركين ؛ كما قال تعالى : " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة ". ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾ هو كل كلام هو ذكر لله تعالى. أو هو لله سبحانه ؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة والعلم النافع. وصعوده إليه : قبوله والرضا به. أو صعود صحائفه. أي إليه تعالى لا إلى غيره يصعد الكلم الطيب ؛ أي يقبل عنده ويكون مرضيا. أو ترفع الصحف التي هو فيها فيجازى الله يوم القيامة أصحابها بالحسنى. وهو بيان لطريق تحصيل العزة وحث على سلوك سبيلها. ﴿ والعمل الصالح يرفعه ﴾ أي يرفعه الله ويقبله
من المؤمنين ؛ فالفاعل ضمير عائد إلى الله، والضمير المنصوب عائد إلى العمل. ﴿ ومكر أولئك هو يبور ﴾ أي يبطل ويفسد فلا ينفعهم ؛ من البوار [ آية ٢٨ إبراهيم ص ٤١٣ ]. والمشار إليهم هم صناديد قريش الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة.
﴿ والله خلقكم من تراب ﴾ دليل آخر على صحة البعث والنشور وكمال القدرة عليه. ﴿ ثم من نطفة ﴾ هي المني [ آية ٤ النحل ص ٤٢٨ ]﴿ وما يعمر من معمر ﴾ أي ما يمد في عمر أحد﴿ ولا ينقص من عمره ﴾ أي من عمر أحد آخر﴿ إلا في كتاب ﴾ عنده تعالى ؛ أي في اللوح المحفوظ، أو في الصحيفة، أو في العلم الأزلي، أو بقضائه تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : ليس أحد قضي له طول العمر إلا وهو بالغ ما قدر له من العمر، وإنما ينتهى إلى الكتاب الذي قدر له لا يزيد عليه. وليس أحد قضي له أنه قصير العمر ببالغ العمر – أي الذي بلغه الأول – ولكن ينتهى إلى الكتاب الذي قدر له.
﴿ وما يستوى البحران ﴾ مثل للمؤمن والكافر. فالبحر العذب : مثل للمؤمن، والبحر الملح : مثل للكافر. وكما أن البحرين – وإن اشتركا في بعض الفوائد – لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من كل منهما. كذلك المؤمن والكافر – وإن اشتركا في بعض الصفات كالشجاعة والسخاء والأمانة لا يتساويان في الخاصية العظمى ؛ لبقاء الأول على الفطرة الأصلية ومعاندة الآخر لها. ﴿ هذا عذب فرات ﴾ [ آية ٥٣ الفرقان ص ١٠١ ]. ﴿ سائغ شرابه ﴾ سهل انحداره في الحلق لعذوبته. ﴿ أجاج ﴾ [ آية ٥٣ الفرقان ]. ﴿ وتستخرجون حلية تلبسونها ﴾ أي اللؤلؤ والأصداف والمرجان، وهي إنما تستخرج من الملح خاصة. وما يفيده ظاهر الآية من أنها تستخرج من كل من العذب والملح غير مراد ؛ بل الكلام جرى على نمط قوله تعالى :﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ﴾ .
وقول القائل : لو رأيت الحسن والحجاج لرأيت خيرا وشرا ؛ فالأول للأول، والثاني للثاني. وهنا الأول وهو اللحم الطري من البحرين. والثاني وهو الحيلة من الثاني وهو الملح.
﴿ وترى الفلك فيه مواخر ﴾ شواق للماء بصدرها، يجزيها الله مقبلة ومدبرة بريح واحدة. [ آية ١٤ النحل ص ٤٣١ ].
﴿ يولج الليل في النهار... ﴾ يدخل أحدهما في الآخر [ آية ٢٧ آل عمران ص ١٠٢ ].
﴿ ذلكم الله ربكم له الملك ﴾ أي ذلكم العظيم الشأن، المتصف بالصفات المتقدمة – من أول السورة إلى هنا – هو الله وهو ربكم، وهو الذي له التصرف المطلق في العالم كله. ﴿ ما يملكون من قطمير ﴾ ما يملكون قشرة نواة فما فوقها، ولا يقدرون على شيء. والقطمير : القشرة البيضاء الرقيقة الملتفة على النواة. أو هو النكتة في ظهر النواة ؛ يضرب مثلا للشيء الدنئ الطفيف.
﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ؛ وإنما تحمل كل نفس إثم الفعل الذي باشرته أو تسببت فيه. ﴿ وإن تدع مثقلة إلى حملها... ﴾ الحمل – بالكسر - : ما وضع على الظهر أو الرأس ؛ أي وإن تطلب نفس مثقلة بالذنوب من يحمل عنها ذنوبها التي أثقلتها
ليخفف عنها، لا تجد من يستجيب لها ولو كان من أقربائها. ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾ من تطهر من دنس الكفر والذنوب بالإيمان والتوبة والعمل الصالح فإنما يتطهر لنفسه ؛ وإليها يعود الأجر والثواب. وهو حث على تزكية النفس وتطهيرها.
﴿ وما يستوي الأعمى والبصير... ﴾ مثّل الكافر في هذه الآية بالأعمى في عدم اهتدائه، والمؤمن بالبصير في اهتدائه، والكفر بالظلمات، والإيمان بالنور، ومستقرها في الآخرة بالظل والحرور : ثم مثل العلماء بالله بالأحياء، والجاهلون بالله بالأموات. وزيادة " لا " في المواضع الثلاثة الني أولها " ولا الظلمات " لتأكيد نفي الاستواء.
و﴿ الحرور ﴾ : الريح الحارة بالليل ؛ كالسموم بالنهار. وقيل : الحرور يكون ليلا ونهارا، والسموم لا يكون إلا بالنهار. والمراد به : النار. كما أن المراد بالظل : الجنة.
﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ أي ما من أمة ماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء. والعرب أمة قد بعث إليهم إسماعيل عليه السلام، كما بعث موسى وعيسى إلى بني إسرائيل [ آية ٤٦ القصص ص ١٣٨، آية ٣ السجدة ١٧٠ ].
﴿ وبالزبر ﴾ أي بالكتب المنزلة من عند الله، جمع زبور وهو المكتوب ؛ كصحف إبراهيم وموسى. ﴿ وبالكتاب المنير ﴾ أي التوراة والإنجيل المنزلين ؛ وهو من عطف الخاص على العام.
﴿ فكيف كان نكير ﴾ أي إنكاري عليهم بحلول عقوبتي بهم.
﴿ ألم تر أن الله أنزل ﴾ خطاب لكل من يصلح له بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة، والصنعة البديعة يوجب الإيمان بالله، ويدفع في صدور المكذبين ؛ بعد أن ذكر أخذه تعالى لهم عقوبة على التكذيب والجحود. وهو اختلاف ألوان الثمرات والجبال، والناس والدواب والأنعام اختلافا بينا.
﴿ ومن الجبال جدد.. ﴾ أي ذوو طرائق وخطوط تخالف لون الجبل : بيض وحمر وسود. جمع جدة، وهي الطريقة في السماء والجبل. وأصلها الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. ﴿ مختلف ألوانها ﴾ أي أصنافها بالشدة والضعف. ﴿ وغرابيب سود ﴾ جمع غريب، وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه. و " سود " بدل من " غرابيب "، وهي معطوفة على " بيض ". وقيل : معطوفة على " جدد ". أي ومن الجبال مخطط ذو جدد، ومنها ما هو على لون واحد وهو السواد الشديد. والمراد : أنها مختلفة الألوان كثيرا.
﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ أي إنما يخافه تعالى بالغيب العالمون به، وبما يليق به من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة ؛ لأن مدار الخشية معرفة المخشى، والعلم بصفاته وأفعاله. أما الجاهلون به تعالى فلا يخشون ولا يخافون عقابه. وهذه الآية مكملة لقوله تعالى : " إنما ننذر الذين يخشون ربهم بالغيب " بتعيين من يخشاه من الناس، بعد بيان اختلاف طبقاتهم ومراتبهم في الصفات.
﴿ يرجون تجارة ﴾ أي معاملة مع الله تعالى لنيل الربح وهو الثواب. ﴿ لن تبور ﴾ أي تكسد [ آية ١٠ من هذه السورة ] – والجملة خبر " إن ".
﴿ شكور ﴾ أي مجازيهم على طاعاتهم أوفى الجزاء.
﴿ ثم أورثنا الكتاب... ﴾ أي ثم جعلنا القرآن الذي أوحينا إليك : ميراثا منك لأمتك – التي اصطفينا على سائر الأمم، وجعلناها أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس – ينتفعون به، ويفقهون ما فيه من العلوم والأحكام والمواعظ والأمثال ؛ بالذات كالعلماء الراسخين، أو بالواسطة كغيرهم. و " ثم " للتراخي الزماني. والمراد ب " الذين اصطفينا " أمة الإجابة. وفي التعبير بالاصطفاء تنويه بفضلها على سائر الأمم. ثم قسمها الله تعالى إلى ثلاث أنواع : أشار إلى الأول بقوله تعالى :﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ بارتكاب صغائر الذنوب المؤدى إلى نقصانه من الثواب. وإلى الثاني بقوله :﴿ ومنهم مقتصد ﴾ معتدل في أمر الدين، لا يميل إلى إفراط ولا إلى تفريط. وإلى الثالث بقوله :﴿ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ﴾ وهو السابق لغيره في أمور الدين. وقيل الظالم : من رجحت سيئاته على حسناته. والمقتصد : من استوت حسناته وسيئاته. والسابق : من رجحت حسناته على سيئاته ؛ وكلهم من أهل الجنة.
﴿ ذلك ﴾ أي توريث الكتاب لمن اصطفيناه.
﴿ يدخلونها ﴾ الضمير راجع للأنواع الثلاثة.
﴿ وقالوا ﴾ أي يقولون عند دخولهم الجنة. وعبر بصيغة الماضي للدلالة على تحققه.
﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ أي جنس الحزن الشامل لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة. والحزن والحزن : ضد الفرح.
﴿ لا يمسنا فيها نصب ﴾ لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة وعناء. يقال : نصب – كفرح – إذا تعب وأعيا. ﴿ ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ إعياء من التعب، وكلال من النصب. يقال : لغب لغبا ولغوبا ولغوبا – كمنع وسمع وكرم – أعيا أشد الإعياء.
﴿ وهم يصطرخون فيها ﴾ يستغيثون ويضجون في النار رافعين أصواتهم. افتعال من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة، ويستعمل كثيرا في الاستغاثة ؛ لجهد المستغيث صوته. والصارخ : المستغيث. وأصله يصترخون ؛ فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجها من الصاد لما ثقلت. ﴿ أو لم نعمركم ﴾ أي ألم نمهلكم ونعمركم العمر الذي يتمكن من التذكر فيه من أراد التذكر !.
﴿ جعلكم خلائف في الأرض ﴾ خلفاء في أرضه، وملككم منافعها ومقاليد التصرف فيها ؛ لتشكروه بالتوحيد والطاعة. أو جعلكم خلفا لمن سبقكم من الأمم الذين كذبوا الرسل فهلكوا ؛ فلم تتعظوا بحالهم وما حل بهم من الهلاك. جمع خليفة. ﴿ إلا مقتا ﴾ أي أشد البغض والاحتقار والغضب. ﴿ إلا خسارا ﴾ هلاكا وخسرانا في الآخرة.
﴿ أرأيتم شركاءكم... ﴾ أي أخبروني عن حال شركائكم ! أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الألوهية والشركة ! ؟ ورأى بصرية تتعدى بالهمزة إلى مفعولين : أولهما " شركاءكم ". والثاني الجملة الاستفهامية بعدها ؛ والاستفهام إنكاري فيه وفي الموضعين بعده. و " أروني " أي أخبروني تأكيدا ل " أرأيتم ". ﴿ أم لهم شرك ﴾ أي بل ألهم شركة مع الله في خلق السموات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم ؟ ﴿ أم آتيناهم كتابا ﴾ أي بل آتيناهم كتابا بالشركة. ﴿ فهم على بينت منه ﴾ أي حجة ظاهرة منه ؟ ﴿ إلا غرورا ﴾ أي وعدا باطلا، وهو قولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ غاية اجتهادهم في تغليظها [ آية ٥٣ المائدة ص ١٩٦ ]. ﴿ نفورا ﴾ تباعد عن الحق والهدى.
﴿ استكبارا في الأرض ﴾ بدل من " نفورا ". أو مفعول لأجله. ﴿ ومكر السيء ﴾ معطوف على " استكبار ". وأصل التركيب : وأن مكروا المكر السيئ، فأقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة له. ومكرهم : شركهم بالله، أو كيدهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ﴾ أي لا يحيط مكروه ذلك المكر إلا بأهله الماكرين ؛ من الحوق وهو الإحاطة. يقال : حاق به كذا، أي أحاط به. أولا يصيب ولا ينزل إلا بهم. والله أعلم