تفسير سورة ق

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة ق من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة ق
عددها خمس وأربعون آية كوفية

﴿ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾ [آية: ١] وقاف جبل من زمردة خضراء محيط بالعالم، فخضرة السماء منه ليس من الخلق شىء على خلقه وتنبت الجبال منه، وهو وراء الجبال وعروق الجبال لكها من قاف، فإذا أراد الله تعالى زلزلة أرض أوحى إلى الملك الذي عنده أن يحرك عرقاً من الجبل، فتتحرك الأرض التي يريد وهو أول حبل خلق، ثم أبو قبيس بعده، وهو الجبل الذي الصفا تحته ودون قاف بمسيرة سنة، جبل تغرب فيه الشمس يقال له: الحجاب، فذلك قوله﴿ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ﴾[ص: ٣٢]، يعني بالجبل، وهو من وراء الحجاب، وله وجه كوجه الإنسان وقلب كقلوب الملائكة في الخشية لله تعالى، وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه، والحجاب دون قاف بمسيرة سنة، وما بنيهما ظلمة، والشمس تغرب من وراء الحجاب في أصل الجبل، فذلك قوله: ﴿ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ﴾ يعني بالجبل، وذلك قوله في مريم:﴿ فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً ﴾[مريم: ١٧]، يعني جبلاً.﴿ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾ يعني والقرآن الكريم، فأقسم تعالى بهما.
ثم استأنف ﴿ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ من أهل مكة ﴿ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [آية: ٢] يعني هكذا الأمر عجيب أن يكون محمد رسولاً، وذلك أن كفار مكة كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ليس من الله.
وقالوا أيضاً: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ ﴾ إلى الحياة ﴿ بَعِيدٌ ﴾ [آية: ٣] بأن البعث غير كائن، نزلت في أبي بن خلف الجمحي، وأبي الأشدين واسمه أسيدة بن كلدة، وهما من بني جمح، ونبيه، ومنبه أخوين ابني الحجاج السهميين، وكلهم من قريش، وقالوا: إن الله لا يحيينا، وكيف يقدر علينا إذا كنا تراباً وضللنا في الأرض؟.
يقول الله تعالى: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ مِنْهُمْ ﴾ يقول: ما أكلت من الموتى من لحوم، وعروق، وعظام بني آدم، ما خلى العصعص، وتأكل لحوم الأنبياء، والعروق، ما خلا عظامهم مع علمي فيهم ﴿ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [آية: ٤] يعني محفوظ من الشياطين، يعني اللوح المحفوظ، قل بل الله يبعثهم.
ثم استأنف ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعني القرآن ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ يعني حين جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ [آية: ٥] يعني مختلف ملتبس، ثم ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا.
فقال: ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾ بغير عمد ﴿ وَزَيَّنَّاهَا ﴾ بالكواكب ﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ [آية: ٦] يعني من خلل.
﴿ وَٱلأَرْضَ ﴾ أو لم يروا إلى الأرض كيف ﴿ مَدَدْنَاهَا ﴾ يعني بسطناها مسيرة خمس مائة سنة من تحت الكعبة ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ يعني الجبال وهي ستة أجبل، والجبال كلها من هذه الستة الأجبل ﴿ وَأَنبَتْنَا فِيهَا ﴾ في الأرض ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ يعني من كل صنف من النبت ﴿ بَهِيجٍ ﴾ [آية: ٧] يعني حسن.
﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ ﴾ يعني هذا الذي ذكر من خلقه جعله تبصرة وتفكرة ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [آية: ٨] يعني مخلص القلب بالتوحيد.
ثم قال: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً ﴾ يعني المطر فيه البركة حياة كل شىء ﴿ فَأَنبَتْنَا بِهِ ﴾ بالمطر ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ يعني بساتين ﴿ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ ﴾ [آية: ٩] يعني حين يخرج من سنبلة ﴿ وَ ﴾ أنبتنا بالماء ﴿ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ ﴾ يعني النخل الطوال ﴿ لَّهَا طَلْعٌ ﴾ يعني الثمر ﴿ نَّضِيدٌ ﴾ [آية: ١٠] يعني منضود بعضه على بعض مثل قوله:﴿ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴾[الواقعة: ٢٩].
وجعلنا هذا كله ﴿ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ ﴾.
ثم قال: ﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ ﴾ بالماء ﴿ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾ لم يكن عليها نبت فنبتت الأرض، ثم قال: ﴿ كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ ﴾ [آية: ١١] يقول: وهكذا تخرجون من القبور بالماء، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء، فهذا كله من صنيعه ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث.
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل أهل مكة ﴿ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ ﴾ يعني أصحاب البئر اسمها فلج، وهي البئر التي قتل فيها حبيب النجار صاحب ياسين ﴿ وَثَمُودُ ﴾ [آية: ١٢].
﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ﴾ [آية: ١٣] ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ﴾ يعني غيضة الشجر أكثرها الدوم المقل، وهم قوم شعيب، عليه السلام.
﴿ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ ﴾ ابن أبي شراح، ويقال: شراحيل الحميرى ﴿ كُلٌّ ﴾ كل هؤلاء ﴿ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [آية: ١٤] يعني فوجب عليهم عذابي فعذبتهم فاحذروا يا أهل مكة مثل الأمم الخالية، فلا تكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، لما قال كفار مكة:﴿ ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ﴾[ق: ٣].
فأنزل الله تعالى: ﴿ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ ﴾ في أول هذه السورة، وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، يقول الله تعالى: أعجزت عن الخلق حين خلقتهم، ولم يكونوا شيئاً، فكيف أعيي عن بعثهم، فلم يصدقوا، فقال الله تعالى بل يبعثهم الله. ثم استأنف، فقال: ﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [آية: ١٥] يقول في شك من البعث بعد الموت.
ثم قال: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ يعني قلبه ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾ [آية: ١٦] وهو عرق خالط القلب فعلم الرب تعالى أقرب إلى القلب من ذلك العرق.
ثم قال: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ ﴾ يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه ﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾ ملك يكتب الحسنات ﴿ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ ﴾ ملك ﴿ قَعِيدٌ ﴾ [آية: ١٧] يكتب السيئات فلا يكتب صاحب الشمال إلا بإذن من صاحب اليمين، فإن تكلم ابن آدم بأمر ليس له ولا عليه اختلفا في الكتاب، فإذا اختلفا نوديا من السماء ما لم يكتبه صاحب السيئات فليكتبه صاحب الحسنات.
فذلك قوله: ﴿ مَّا يَلْفِظُ ﴾ ابن آدم ﴿ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [آية: ١٨] يقول: إلا عنده حافظ قعيد يعني ملكيه.
قوله: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ ﴾ يعني غمرة ﴿ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ يعني أنه حق كائن ﴿ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [آية: ١٩] يعني من الموت تحيد، يعني يفر ابن آدم، يعني بالفرار كراهيته للموت.
قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ يعني النفخة الآخرة ﴿ ذَلِكَ يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ ﴾ [آية: ٢٠] يعني بالوعيد العذاب في الآخرة.
﴿ وَجَآءَتْ ﴾ في الآخرة ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ كافرة ﴿ مَّعَهَا سَآئِقٌ ﴾ يعني ملك يسوقها إلى محشرها ﴿ وَشَهِيدٌ ﴾ [آية: ٢١] يعني ملكها هو شاهد عليها بعلمها.
﴿ لَّقَدْ كُنتَ ﴾ يا كافر ﴿ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ اليوم ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ ﴾ يعني عن غطاء الآخرة ﴿ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [آية: ٢٢] يعني يشخص بصره، ويديم النظر فلا يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به في الدنيا.
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ ﴾ في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيىء في دار الدنيا ﴿ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [آية: ٢٣] يقول لربه: قد كنت وكلتني في الدنيا، فهذا عندي معد حاضر من عمله الخبي قد أتيتك به وبعمله، نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي.
قول الله تعالى: ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ يعني الخازن، وهو كلام العرب خذاه يخاطب الواحد مخاطبة الاثنين للواحد ﴿ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [آية: ٢٤] يعني المعرض عن توحيد الله تعالى: وهو الوليد بن المغيرة.
ثم ذكر عمله، فقال: ﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ يعني منع ابن أخيه وأهله عن الإسلام، وكان لا يعطي في حق الله، ويُسر الغشم والظلم، فهو ﴿ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعني شاكا في توحيد الله تعالى، يعني الوليد، ثم نعته ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ في الدنيا ﴿ فَأَلْقِيَاهُ ﴾ يعني الخازن ﴿ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ﴾ [آية: ٢٦] يعني عذاب جهنم.
﴿ قَالَ قرِينُهُ ﴾ يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر ﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ ﴾ فيما يعتذر إلى ربه يقول: لم يكن لي قوة أن أضله بغير سلطانك ﴿ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ [آية: ٢٧] يعني شيطانه ولكن كان في الدنيا الوليد بن المغيرة المخزومي في ضلال بعيد في خسران طويل ﴿ قَالَ ﴾ الله تعالى لابن آدم وشيطانه الذي أغواه: ﴿ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ ﴾ يعني عندي ﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ﴾ [آية: ٢٨] يقول: قد أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة.﴿ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾ يعني عندي الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيت ما أنا قاض ﴿ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [آية: ٢٩] يقول: لم أعذب على غير ذنب ﴿ يَوْمَ نَقُولُ ﴾ يقول الرب ﴿ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [آية: ٣٠] فينتقض. قال مقاتل: قال ابن عباس: وتقول قط قط، وتقول قد امتلأت، فليس في مزيد، تقول: ليس في سعة، وفي الجنة سعة، فيخلق الله لها خلقاً فيسكنون فضاءها.
﴿ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ ﴾ يعني قربت الجنة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الشرك ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [آية: ٣١] فينظرون إليها قبل دخولها حين تنصب عن يمين العرش يقول: ﴿ هَـٰذَا ﴾ الخير ﴿ مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ ﴾ مطيع ﴿ حَفِيظٍ ﴾ [آية: ٣٢] لأمر الله عز وجل، فقال: ﴿ مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ ﴾ فأطاعه ولم يراه ﴿ وَجَآءَ ﴾ في الآخرة ﴿ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ [آية: ٣٣] يعني بقلب مخلص ﴿ ٱدْخُلُوهَا ﴾ يعني الجنة ﴿ بِسَلاَمٍ ﴾ يقول: فسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عن سيئاتهم وشكر لهم اليسير من أعمالهم الصالحة ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ ﴾ [آية: ٣٤] في الجنة لا موت فيها، يعني في الجنة.
﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ ﴾ من الخير ﴿ فِيهَا ﴾ وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار كل يوم جمعة فى رمال المسكن فيقول: سلوني، فيسألونه الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم داري، وأنيلكم كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ثم يقول: سلوني ما شئتم، فيسألون حتى تنتهي مسألتهم فيعطون على ما سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا ﴾، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوا، ولم يتمنوا، ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله: ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [آية. ٣٥] يعني وعندنا مزيد.
ثم خوف كفار مكة، فقال: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ يعني قبل كفار مكة ﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾ يعني أمة ﴿ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم ﴾ من أهل مكة ﴿ بَطْشاً ﴾ يعني قوة ﴿ فَنَقَّبُواْ ﴾ يعنى هربوا ﴿ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾ ويقال: حولوا في البلاد ﴿ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾ [آية: ٣٦] يقول: هل من فرار.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ يعني في هلاكهم فى الدنيا ﴿ لَذِكْرَىٰ ﴾ يعني لتذكرة ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ يعني حيا يعقل الخير ﴿ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ ﴾ يقول: أن ألقى بأذنيه السمع ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [آية: ٣٧] يعني وهو شاهد القلب غير غائب.
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ وذلك أن اليهود، قالوا: إن الله حين فرغ من خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستة أيام، استراح يوم السابع، وهو يوم السبت، فلذلك لا يعملون يوم السبت شيئاً.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ ومقدار كل يوم ألف سنة من أيامكم هذه ﴿ وَمَا مَسَّنَا ﴾ يعني وما أصابنا ﴿ مِن لُّغُوبٍ ﴾ [آية: ٣٨] يعني يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
﴿ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ لقولهم إن الله استراح يوم السابع ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ يقول: وصل بأمر ربك ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ﴾ [آية: ٣٩] يقول: صلى بالغداة والعشي، يعني صلاة الفجر والظهر والعصر ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ يقول: فصل المغرب والعشاء ﴿ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ ﴾ [آية: ٤٠] الركعتين بعد صلاة المغرب وقتهما مالم يغب الشفق ﴿ وَٱسْتَمِعْ ﴾ يا محمد ﴿ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ ﴾ فهو إسرافيل وهى النفخة الآخرة ﴿ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [آية: ٤١] يعني من الأرض نظيرها في سبأ:﴿ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾[سبأ: ٥١] يعني من تحت أرجلهم، وهو إسرافيل، عليه السلام، قائم على صخرة بيت المقدس، وهى أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً، فيسمع الخلائق كلهم فيجتمعون ببيت المقدس، وهى وسط الأرض، وهو المكان القريب، وهو ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعني نفخة إسرافيل الثانية بالحق، يعني أنها كائنة، فذلك قوله: ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ ﴾ [آية: ٤٢] من القبور.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي ﴾ الموتى ﴿ وَنُمِيتُ ﴾ الأحياء ﴿ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٤٣] يعني مصير الخلائق إلى الله في الآخرة.
فقال: ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ﴾ إلى الصوت نظيرها في﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ ﴾[المعارج: ١] ﴿ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [آية: ٤٤] يعني جمع الخلاق علينا هين، وينادي في القرن، ويقول لأهل القبور: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها العروق المنقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، أخرجوا لتنفخ فيكم أرواحكم، وتجازون بأعمالكم ويديم الملك الصوت. فذلك قوله: ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ ﴾ من القبور.
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ في السر مما يكره النبي صلى الله عليه وسلم، يعني كفار مكة ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ ﴾ يا محمد ﴿ بِجَبَّارٍ ﴾ يعني بمسلط فتقتلهم ﴿ فَذَكِّرْ ﴾ يعني فعظ أهل مكة ﴿ بِٱلْقُرْآنِ ﴾ يعني بوعيد القرآن ﴿ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [آية: ٤٥] وعيدي عذابي في الآخرة، فحيذر المعاصي.
Icon