ﰡ
قوله: ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ متعلق برحمة، وفيه التفات من التكلم للغيبة، لمزيد من الإرهاب والترغيب، فالإرهاب للكفار، والترغيب للمؤمنين. قوله: ﴿ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ تعليل لما قبله، وإن حرف توكيد ونصب، والهاء اسمها، وهو ضمير فصل، و ﴿ ٱلسَّمِيعُ ﴾ خبر أول، و ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ خبر ثان، وقوله: ﴿ رَبِّ ﴾ خبر ثالث كما قال المفسر، ففيه إشارة لهذا الإعراب. قوله: (فأيقنوا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، والجملة الشرطية معترضة بين الأخبار، فإن قوله: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ خبر رابع. قوله: ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ﴾ بالرفع في قراءة العامة، على أنه بدل أو بيان أو نعت لرب السماوات والأرض فيمن رفعه، وقرئ شذوذاً بالجر والنصب، فالأول على أنه نعت لرب السماوات وفي قراءة من جره؛ والثاني على المدح. قوله: ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ﴾ إضراب على محذوف، والمعنى: فليسوا موقنين ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ﴾ وقوله: ﴿ يَلْعَبُونَ ﴾ حال، أي حال كونهم يلعبون بظواهرهم، من الأقوال والأفعالـ والمراد بلعبهم انهماكهم في الفاني واعراضهم عن الباقي، قال تعالى﴿ إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾[محمد: ٣٦].
قوله: (فقال اللهم أعني عليهم بسبع) أي سنين، هذا مفرغ على محذوف، أشار له المفسر بقوله: (استهزاء) أي فلما استهزؤوا به وكثر عنادهم، دعا علهيم بقوله: (اللهم أعني عليهم) أي على هداهم، وفي الحقيقة هو دعاء لهم، لأن من شأن النفوس، أنها إذا شبعت وكثر عليها الخير، تكبرت وطغت وبغت، فإذا جاعت واشتد بها الألم، ذلت وصغرت ورجعت للحق، لما ورد: أن الله تعالى لما خلق النفس قال لها: من أنا؟ قالت له: أنت أنت، وأنا أنا، فألقاها في بحر الجوع، فذلت وقالت أنت الله لا إله غيرك، ومن هنا كانت تربية العارفين نفوسهم بالجوع. قوله: (قال تعالى) أي إجابة لدعوته، واختلف هل حصل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، أو بعد هجرته إلى المدينة، وهو الراجح. قوله: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ ﴾ مفعول به، وعامله ﴿ فَٱرْتَقِبْ ﴾.
قوله: ﴿ بِدُخَانٍ ﴾ الدخان بوزن غراب وجبل ورمان الغبار، والجمع أدخنه ودواخن ودواخين، والتلاوة بوزن غراب. قوله: (فأجدبت الأرض) أشار بذلك إلى أن حصول مطلوبه فيهم بالفعل. قوله: (كهيئة الدخان) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد حقيقة الدخان، بل رأوا شيئاً يشبهه من ضعف أبصارهم، وهو قول ابن عباس ومقاتل ومجاهد وابن مسعود، فلما اشتد الأمر عليهم، جاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا لهم بالمطر فنزل واستمر عليهم سبعة أيام، حتى تضرروا من كثرته، فجاء أبو سفيان وطلب منه أن يدعو برفعه، فدعا فارتفع، وقال ابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن: إنه دخان حقيقة، يظهر في العالم في آخر الزمان، يكون علامة على قرب الساعة، يملأ ما بين المشرق والمغرب، وما بين السماء والأرض، يمكث أربعين يوماً وليلة، وأما المؤمن فيصيبه كالزكام، وأما الكافر فيصير كالسكران، فيملأ جوفه ويخرج من منخريه وأذنيه ودبره، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه للنار.
قوله: ﴿ قَلِيلاً ﴾ قيل إلى يوم بدر، وقيل إلى ما بقي من أعمارهم. قوله: (فعادوا إليه) أي استمروا عليه، لأنه لم يوجد منهم إيمان بالفعل، قوله: (اذكر) ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ يَوْمَ ﴾ منصوب بمحذوف، ويصح أن يكون بدلاً من ﴿ يَوْمَ تَأْتِي ﴾، قوله: (بلونا) أي امتحنا. والمعنى: فعانا بهم فعل الممتحن، بإقبال النعم عليهم منا، ومقابلتهم لها بالكفر والطغيان. قوله: ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ أي قبل قريش. قوله: (معه) أشار بذلك دفعاً لما يتوهم من ظاهر الآية؛ أن الابتلاء لخصوص قوم فرعون، فأجاب: بأن المراد هو وقومه.
قوله: (تتجبروا) ﴿ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ فسر العلو بالتجبر، وفسره غيره بالتكبر والبغي والافتراء والتعاظم والاستكبار، وكلها معان متقاربة، قوله: ﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ ﴾ تعليل للنهي. قوله: (فتوعدوه بالرجم) ظاهره أنه حين قال ﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ توعدوه بالرجم ولم يتمهلوا، مع أنه تقدم أن فرعون قال له:﴿ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾[الأعراف: ١٠٦] ومكث بينهم مدة عظيمة، وهو يأتيهم بالمعجزات الباهرة ثم لما توعدوه دعا عليهم، وحينئذ فيكون بين ما هنا وبين ما تقدم تناف، فالجواب: أن القصة ذكرت هنا مجملة، وما تقدم ذكرت مبسوطة، وذكر الشيء مفصلاً ثم مجملاً أثبت في النفس. قوله: ﴿ أَن تَرْجُمُونِ ﴾ الباء فيه وفي قوله: ﴿ فَٱعْتَزِلُونِ ﴾ من ياءات الزوائد لا يثبت في الرسم، وأما في اللفظ فيجوز إثباتها وحذفها حالة الوصل فقط، وأما في الوقت فيتعين حذفها. قوله: ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي ﴾ اللام بمعنى الباء، ويصح أن تكون لام العلة. والمعنى: إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني، إلخ. قوله: (فاتركوا أذاي) أي لا تتعرضوا لي بسوء. قوله: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ ﴾ عطف على مقدر قدره بقوله: (فلم يتركوه) وقوله: ﴿ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ إلخ، تعريض بالدعاء كأنه قال: فافعل ما يليق بهم، و ﴿ أَن ﴾ بفتح الهمزة في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بكسرها على إضمار القول. قوله: (بقطع الهمزة ووصلها) أي فهما قراءتان سبعيتان ولغتان جيدتان: الأولى من أسرى، والثانية من سرى، قال تعالى:﴿ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ﴾[الإسراء: ١] وقال تعالى:﴿ وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ ﴾[الفجر: ٤] والإسراء السير ليلاً، والإسراء السير ليلاً، وحينئذ فذكر الليل تأكيد بغير اللفظ. قوله: (إذا قطعته أنت وأصحابك) هذا تعليم لموسى بما يفعله في سيره قبل أن يسير، والمعنى: إذا سرت بهم، وتبعك كالعدو، ووصلت إلى البحر، وأمرناك بضربه، ودخلتم فيه ونجوتم منه، فاتركه بحاله ولا تضربه بعصاك فليلتئم، بل أبقه على حاله ليدخله فرعون وقومه فينطبق عليهم.
قوله: ﴿ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا ﴾ أي أحيوهم لنا ليخبرونا بصدقكم.
قوله: (من التزويج) أي وهو جعل الشيء زوجاً، والمعنى جعلناهم اثنين اثنين، فقوله: (أو قرناهم) مرادف له، وليس المراد بالتزويج الانكاح بالعقد، فإنه لا قابل به. قوله: ﴿ عِينٍ ﴾ جمع عيناء، وأصله عين بضم العين وسكون الياء، فكسرت العين لتصح الياء. قوله: (بنساء بيض) تفسير للحور، وقوله: (واسعات الأعين) تفسير لعين، وها على أن المراد بالحور البياض مطلقاً، وقيل: الحور شدة بياض العين وشدة سوادها، واختلف هل الأفضل في الجنة نساء الدنيا، أو الحور العين؟ والحق أن نساء الدنيا أفضل، لما روي: أن الآدميات أفضل من الحور بسبعين ضعف. قوله: ﴿ يَدْعُونَ ﴾ حال من الهاء في ﴿ زَوَّجْنَاهُم ﴾.
قوله: (قال بعضهم) هو الطبري، وبهذا اندفع ما قيل: كيف قال صفة أهل الجنة ذلك، مع أنهم لم يذوقوه فيها أصلاً؟ وهذا القول وإن كان يدفع الإشكال، إلا أن مجيء ﴿ إِلاَّ ﴾ بمعنى بعد لم يرد، وبعضهم يجعل الاستثناء منقطعاً، والمعنى: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها. قوله: (منصوب بتفضل) أي على أنه مفعول مطلق. قوله: ﴿ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ أي لأنه خلوص من المكاره وظفر بالمطلوب. قوله: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾ هذا إجمال لما فصل في السورة كأنه قال: ذكر قومك بهذا الكتاب المبين، فإننا سهلنا عليك تلاوته وتبليغه إليهم. قوله: (لكنهم لا يؤمنون) دخول على قوله: ﴿ فَٱرْتَقِبْ ﴾ قوله: ﴿ فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾ أشار المفسر إلى أن مفعول (كل) محذوف قدر الأول بقوله: (هلاكهم) والثاني بقوله: (هلاكك). قوله: (وهذا قبل الأمر بالجهاد) أي فهو منسوخ، لأن معنى ارتقب أمهلهم من غير قتال، حتى يحكم الله بينك وبينهم.