ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١، ٢ - ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ قال ابن عباس: يريد القرآن وما أنزل فيه من البيان والحلال والحرام (١)، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ قال الكلبي: أقسم بـ حم والقرآن (٢) ذلك لقد أنزلناه، فجواب القسم على ما ذكر:٣ - ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، وكذلك هو عند أهل التفسير.
وقال النحاس: يجوز أن يجعل جواب القسم: (إنا أنزلناه حم) فيكون تمام الكلام عند قوله: ﴿الْمُبِينِ﴾ وإن جعلت جواب القسم (إنا أنزلناه)، اتصل بالكلام الأول (٣).
قال صاحب النظم: لولا أن قوله (إنا أنزلناه) صفة القرآن والذي أقسم به وأخبر عنه، لاحتمل أن يكون جوابًا للقسم، ولكن ليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا عنه.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٦.
(٣) انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ٦٥٤، لكن بلفظ: إن جعلت جواب القسم ﴿حم﴾ كان هذا وقفًا، وإن جعلت الجواب: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ فالوقف: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾.
وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان (٥).
قوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾. قال ابن عباس: منذرين بالقرآن من عصى الله (٦).
(٢) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ١٠٧ عن قتادة وابن زيد. وانظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨١٧.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٣.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨١٧.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن عكرمة. انظر: تفسيره ١٣/ ١٠٩، وذكره البغوي عن عكرمة.
انظر: تفسيره ٧/ ٢٢، ونسبه ابن الجوزي لعكرمة. انظر: "زاد المسير" ٧/ ٣٣٨، ونسبه القرطبي لعكرمة. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٢٦.
(٦) لم أقف عليه.
وروى عنه [سعيد بن يحيى] (٤). في هذه الآية قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى (٥).
(٢) لعله: مهران أبو صفوان حديثه في الكوفيين روى عن ابن عباس، وعنه الحسن بن عمرو النُقيمي، قال أبو زرعة لا أعرفه إلا في الحديث وذكره ابن حبان في "الثقات". انظر: "ميزان الاعتدال" ٤/ ١٩٦، و"تهذيب التهذيب" ١٠/ ٣٢٨.
(٣) انظر: "تفسير البغوي"، وقد نسبه لابن عباس ٧/ ٢٢٧، ونسبة في "الوسيط" لابن عباس انظر: ٤/ ٨٥، وانظر: "زاد المسير" ٧/ ٣٣٨، وقد نسبه لابن عباس، ونسبه القرطبي لابن عباس. انظر: ١٦/ ١٢٧.
(٤) كذا في الأصل وهو تصحيف والصحيح (سعيد بن جبير) لأن سعيد بن يحيى متأخر، فلم يلق ابن عباس، فقد توفي سنة ٢٤٩ هـ. وانظر: تفسير الطبري، وقد نسبه لسعيد ابن جبير عن ابن عباس ١٣/ ١٠٩، وكذلك نسبه المؤلف لسعيد بن جبير عن ابن عباس. انظر: تفسيره "الوسيط" ٤/ ٨٥.
(٥) أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي على شرط مسلم. انظر: "المستدرك مع التلخيص" ٢/ ٤٤٨.
وحكى أبو علي الفارسي عن أبي الحسن أنه حمل قوله: ﴿أَمْرًا﴾ على الحال و (ذو الحال) (٤) قوله: ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وهو نكرة (٥).
قوله تعالى ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ قال المفسرون: يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (٦)، وقال صاحب النظم: يعني به الأنبياء.
٦ - قوله: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ ذكر الفراء وأبو إسحاق في انتصاب الرحمة ما ذكرنا في قوله: ﴿أَمْرًا﴾ وزاد وجهًا آخر وهو: أن يكون مفعولًا
(٢) سننه من الأصل لفظ ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾. وانظر: قول المبرد في "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٦، و"فتح القدير" ٤/ ٥٧٠.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩١.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩١، و"إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٦، ومشكل "إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٢٨٧.
(٥) كذا في الأصل وهي غير واضحة، وقد نقل مكي عن الجرمي: هو حال من نكرة، وهو: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ فحسن ذلك لما وصف النكرة بـ ﴿حَكِيمٍ﴾.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١٠، و"الثعلبي" ١٠/ ٩٣ ب، و"البغوي" ٧/ ٢٢٨.
قال ابن عباس: يريد رأفة مني بخلقي (٢).
وقال الكلبي: نعمة من ربك بما بعثنا إليهم من الرسل (٣).
وقال مقاتل: رحمة من ربك لمن آمن به من المؤمنين. ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لمن دعاه. ﴿الْعَلِيمُ﴾ بخلقه. قاله مقاتل (٤).
٧ - قوله: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بالرفع والخفض، فالرفع على قوله: ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ﴾، وإن شئت على الاستئناف على معنى: هو رب السموات هذا قول الفراء والزجاج (٥)، وزاد أبو علي وجهًا آخر فقال: ويكون ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ﴾ مبتدأ وخبره الجملة التي [عادت] (٦) الذكر منها إليه، وهو قوله: لا إله إلا هو، ومن خفضه جعله بدلاً من ﴿رَبِّكَ﴾ المتقدم ذكره (٧).
قوله تعالى: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ قال عطاء والكلبي عن ابن عباس: يريد من الهواء وغير ذلك من خَلْق (٨). ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ بذلك، وهو أنه لا إله
(٢) ذكره البغوي عن ابن عباس. انظر: تفسيره ٧/ ٢٢٨، ونسبه في "الوسيط" لابن عباس. انظر: ٤/ ٨٦.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٦.
(٤) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٢٨، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨١٨.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٣٩، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٤.
(٦) كذا في الأصل، ولعل الصواب (عاد).
(٧) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٦٥.
(٨) ذكر ذلك في "الوسيط" ولم ينسبه. انظر: ٤/ ٨٦.
٩ - قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ قال ابن عباس: في ضلال يتمادون (١)، وقال مقاتل: في شك من هذا القرآن يهزؤن به لاهين عنه (٢).
١٠ - قوله: ﴿فَارْتَقِبْ﴾ أي فانتظر، ويقال ذلك في المكروه، والمعنى: انتظر يا محمد عذابهم، فحذف مفعول الارتقاب لدلالة ما ذكره بعده عليه وهو قوله: ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ويجوز أن يكون ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ﴾ مفعول الارتقاب (٣).
قوله تعالى: ﴿بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ اختلفوا في معنى الدخان هاهنا، فالأكثرون على أن هذا الدخان كان حين دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه بمكة لما كذبوه فقال: "اللهم سبعًا كسني يوسف" (٤) فارتفع القطر، وأجدبت الأرض فأصابت قريشًا شدة المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء دخان، وهذا قول عطاء عن ابن عباس (٥) ومقاتل ومجاهد (٦) واختيار الفراء والزجاج وابن منبه، وهو قول ابن مسعود، وكان ينكر أن الدخان إلا هذا الذي أصابهم من شدة
(٢) انظر: "إملاء ما منَّ به الرحمن" ٢/ ٢٣٠.
(٣) ذكر ذلك في "الوسيط" عن ابن عباس. انظر: ٤/ ٨٦.
(٤) أخرج هذا الحديث الجاري في صحيحه -كتاب التفسير - تفسير سورة الدخان - باب [٢]: يغشى الناس هذا عذاب أليم ٦/ ٣٩، ومسلم -كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- باب (٧) الدخان ٣/ ٢١٥٧، والإمام أحمد ١/ ٢٨٠، ٤٢١، ٤٤١.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١١، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٢٩، ولم أقف على نسبته لابن عباس.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٨/ ٨١٣، و"تفسير مجاهد" ص ٥٩٧.
وذكر ابن قتيبة معنيين آخرين أحدهما: أن الجوع يقال له: دخان، ليُبْس الأرض في سنة الجدب، وانقطاع المطر وارتفاع الغبار فيه، فيشبه ما يرتفع منه بالدخان، ولهذا يقال لسنة المجاعة الغبراء، ومنه جوع أغبر، وهذا معنى قول مجاهد في قوله: ﴿بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ قال: الجدب وإمساك القطر عن كفار قريش (٢). قال: وربما وضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا فيقولون: كان بيننا أمر ارتفع له دخان (٣).
القول الثاني في الدخان: أنه آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة، فيدخل في أسماع أهل الغي ويعتري أهل الإيمان منه كهيئة الزكام، وهذا قول ابن عباس [والحسين] (٤) وابن عمر وعلي (٥). روى الحارث (٦) عنه أنه قال: الدخان لم يمض بعد يأخذ المؤمنين كهيئة الزكام،
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٩٧.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٢، و"مشكل القرآن وغريبه" ٢/ ١٢٥.
(٤) كذا في الأصل وهو تصحيف، والصحيح (الحسن).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١٣، وتفسير الثعلبي ١٠/ ٩٤ ب، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٢٩، و"زاد المسير" ٧/ ٣٣٩.
(٦) هو الحارث بن قيس الجعفي الكوفي. روى عن ابن مسعود وعلى وعنه خيثمة ويحيى ابن هانئ قال ابن المديني: قتل مع علي، وقال ابن حبان في الثقات: مات الحارث في ولاية معاوية، وصلى أبو موسى على قبره بعد ما دفن. انظر: "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٥٤، و"الإصابة" ١/ ٣٧٠.
١١ - قوله تعالى: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ من صفة قوله: (بِدُخَانٍ) والناس على القول الأول في الدخان: أهل مكة. وعلى القول الثاني: عام (٢).
قوله تعالى: ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قال الفراء: يراد به ذلك العذاب. قال: ويقال: إن الناس كانوا يقولون لهذا الدخان: عذاب (٣)، وعلى هذا تقدير الكلام يقولون: هذا عذاب أليم، وقال صاحب النظم: (هذا) إشارة إليه وإخبار عن دنوه واقترابه، كما يقال في الكلام: هذا الشتاء فاعدد له، وهذا العدو فاستقبله، على التقريب.
١٢ - قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ هذا على ما ذكرنا من التقدير: يقولون هذا عذاب أليم ربنا اكشف، وإن لم يضمروا القول هناك أضمرت هنا، والعذاب قال الكلبي: الجوع والدخان (٤) ﴿إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ أي: بمحمد والقرآن.
١٣ - قال الله تعالى: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾، قال ابن عباس: كيف يتعظون، والمعنى أن الله أبعد عنهم الاتعاظ والتذكير بعد توليهم عن محمد وتكذيبهم إياه (٥). وهو قوله: ﴿وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ بين الرسالة لم يكن عندهم بكذاب.
(٢) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" ١٦/ ١٣١.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٠.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٤٩٦.
(٥) ذكر ذلك القرطبي عن ابن عباس. انظر "الجامع" ١٦/ ١٣٢.
١٥ - قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ﴾ التقدير: [كاشفو] (١) العذاب لأنه إخبار عما لم يمض، ولكنه خفف بحذف النون كقوله: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] وقد مر. قال المفسرون: يعني عذاب الجوع. ﴿قَلِيلًا﴾. قال مقاتل: يعني: يوم بدر. ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ أي: في كفركم وتكذيبكم (٢)، أعلمهم الله أنهم لا يتعظون، وإذا زال عنهم المكروه عادوا في طغيانهم، وهذه الآيات تدل على صحة القول الأول في الدخان (٣).
١٦ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ تفسير البطش قد تقدم [الأعراف: ١٩٥]، قال صاحب النظم: التأويل (إِنَّا مُنتَقِمُونَ) (يَوْمَ نَبْطِشُ)، فقوله: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ﴾ ظرف لقوله: ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ قال أبو إسحاق: ﴿يَوْمَ﴾ لا يجوز أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿مُنْتَقِمُونَ﴾ لأن ما بعد ﴿إِنَّا﴾ لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، ولكنه منصوب بتقدير: واذكر يوم نبطش البطشة الكبرى (٤)، واختلفوا في ذلك اليوم، فالأكثرون على أنه
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨١٩.
(٣) وهو الذي رجحه الطبري في تفسيره ١٣/ ١١٤، وهو ما أصاب قريش من الجهد بدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٥.
وقال أهل المعاني: معنى البطش الأخذ بيده (٣)، وأكثر ما يكون بوقع الضرب المتتابع، وأجري إيقاع الألم المتتابع مجراه.
١٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ قال ابن عباس: ابتلينا (٤)، وقال أبو إسحاق: بلونا (٥)، والمعنى: عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسول إليهم، ودعاهم إلى الحق.
قوله: ﴿وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ قال ابن عباس وقتادة: يريد موسى (٦)، واختلفوا في معنى الكريم هاهنا، فقال الكلبي: كريم على ربه (٧) يعني: بما
(٢) أخرج ذلك الطبري عن ابن عباس والحسن انظر: تفسيره ١٣/ ١١٧، و"زاد المسير" ٧/ ٣٤٢، ومعانى القرآن للنحاس ٦/ ٤٠٠، و"تفسير الوسيط" ونسبه لابن عباس والحسن. انظر: ٤/ ٨٧
(٣) البطش: تناول الشيء بصولة. انظر: "مفردات الراغب" كتاب الياء ص ٥٠.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) لم أجده في "معاني القرآن" للزجاج وقد ذكره البغوي في تفسيره ٧/ ٢٣٠، والسيوطي في "الدر المنثور" ونسبه لابن عباس ٧/ ٤٠٩، وذكره الشوكاني في تفسيره ونسبه للزجاج، انظر: "فتح القدير" ٤/ ٥٧٤.
(٦) أخرج ذلك الطبري عن قتادة. انظر: تفسيره ١٣/ ١١٨، وذكره الماوردي ولم ينسبه ٥/ ٢٤٩.
(٧) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٦.
وقال مقاتل: حسن الخلق (١).
وقال الفراء: يقال: كريم من قومه؛ لأنه قل ما بعث نبي إلا من سر (٢) قومه (٣).
وقال صاحب النظم: معنى هذه الآية على التقديم والتأخير والتقدير، ولقد جاء قوم فرعون رسول كريم وفتناهم؛ لأن الفتنة كانت بعد مجيء الرسول.
١٨ - قوله تعالى: ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ قال صاحب النظم: المعنى يقول لهم: أدوا إليَّ، أي: يأمرهم به.
وقال غيره: المعنى وجاءهم رسول بأن أدوا (٤)، فحذف الجار، ويستقيم الكلام من غير تقدير الجار؛ لأنك تقول: أرسلت إليه أن يفعل كذا، وهذا من قول موسى لفرعون وذويه، يقول: ادفع إليَّ بني إسرائيل ولا تعذبهم أي: أطلقهم من عذابك كما قال: ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: ١٠٥]. وهذا قول ابن عباس والمفسرين (٥).
(٢) كذا في الأصل، وفي بعض نسخ معاني الفراء [سرا] والمثبت في معاني الفراء [في شرف قومه] وقال الأزهري في تهذيب اللغة: [سرى] قال ابن السكيت وغيره: يقال: سَرُؤ الرجلُ يَسْرُؤ وسرا يَسرؤ وسَرِى يَسْرَى: إذا شرُف، انظر: ١٣/ ٥٢.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٠.
(٤) انظر: مشكل "إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٢٨٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١٨، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٤٩، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٠.
وذكر الفراء والزجاج وجهًا آخر وهو: أن يكون ﴿أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ نصبًا على النداء، ويكون المعنى: أن أدوا إلى ما أمركم الله به يا عباد الله (٢)
وذكر الأزهري وجهًا آخر وهو: أن يكون: ﴿أَدُّوا إِلَيَّ﴾ بمعنى استمعوا إلى، كأنه يقول: أدوا إلى سمعكم أبلغكم رسالة ربكم (٣).
قوله تعالى: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ قال ابن عباس: ائتمنني الله على وحيه (٤).
١٩ - ﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ قال: لا تتجبروا على الله.
وقال قتادة: لا تعتدوا على الله، وقال مقاتل: يريد وحِّدوه (٥).
﴿إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ بحجة بينة يخضع لها كل جبار، وقال الحسن: لا تستكبروا على الله بترك طاعته، وعن ابن عباس: لا تطغوا بافتراء الكذب على الله (٦).
٢٠ - قال المفسرون: فلما قال لهم هذا، توعدوه بالقتل (٧)، فقال:
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٠، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٥.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (أدى) ١٤/ ٢٣٠.
(٤) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس. وانظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٣٤.
(٥) أخرج الطبري عن قتادة بلفظ: (لا تبغوا على الله). انظر: تفسيره ١٣/ ١١٩، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٠.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١٩، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٤٩.
(٧) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٩٥ ب، و"تفسير الماوردي" ٧/ ٢٣١، و"تفسير البغوي" ٢٣١، و"تفسير الوسيط" ٤/ ٨٨.
٢١ - ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي﴾ أي: لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني، ولما آتيتكم به من الحجة، فاللام في (لي) لام الأجل (٣).
﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾ قال الكلبي: فاتركوني لا معي ولا علي (٤)، وقال قتادة: خلوا سبيلي (٥)، قال ابن عباس: فا عتزلوا أذاي (٦). وعلى هذا حذف المضاف.
٢٢ - قوله تعالى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾ قال صاحب النظم: الفاء في: ﴿فَدَعَا﴾ دليل على أنه متصل بخبر قبله لم يذكر، على تأويل أنهم كفروا ولم يؤمنوا، فدعا موسى ربه بأن هؤلاء قوم مجرمون، قال الكلبي ومقاتل: مشركون لا يؤمنون.
٢٣ - فأجاب الله دعاءه وأمره أن يسري (٧) وهو قوله: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا﴾ قال مقاتل: فاستجاب الله له فأوحى إليه أن أسر بعبادي (٨) يعني من آمن به من بني إسرائيل. ﴿إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ يتبعكم فرعون وقومه، أعلمه الله
(٢) أخرج ذلك الطبري عن أبي صالح. انظر: "تفسيره" ١٣/ ١١٩، وذكره الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٢٥٠.
(٣) كذا ذكر القرطبي في "الجامع" ١٦/ ١٣٥.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٧.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن قتادة ١٣/ ١٢٠.
(٦) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٣١، فقد نسبه لابن عباس، وكذلك في "الوسيط" نسبه لابن عباس. انظر: ٤/ ٨٨.
(٧) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٧، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢١.
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢١.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ وقال أبو عبيدة: أي ساكناً وأنشد قول بشر بن أبي خازم:
فإن أَهْلِكْ عُمَيْرُ فَرُبَّ زَحْفٍ | يُشبهُ نَقْعُهُ رَهْوًا ضَبَابًا (١) |
قال الليث: الرَّهْو مشي في سكون (٥). يقال رَهَا يَرْهُو رهوًا فهو رَاهٍ، ومن هذا يقال: عيش راهٍ إذا كان حافظًا وادعًا، وأفعلُ ذلك سهوًا رهوًا، أي ساكنًا بغير تشدد، أبو عبيد عن الأصمعي، يقال لكل ساكن لا يتحرك ساجٍ ورَاه، والإرْها الإسكان، ومعنى الآية على هذا القول قال الليث: بلغنا أن موسى لما دخل البحر عَجلَ وأَعْجَل أصحابه، فأوحى الله إليه: واترك البحر رهوًا، أي: ساكنًا على [هِينَتِكَ (٦)، والرهو من نعت موسى] (٧)
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤١.
(٣) انظر: قول المبرد في "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٩.
(٤) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٢.
(٥) انظر: "كتاب العين" (رهو) ٤/ ٨٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٣، ٤٠٤ (رها) ٦/ ٣٧٠، و"اللسان" (رها) ١٤/ ٣٦٠ فقد ورد فيهما بنصه.
(٧) كذا في الأصل، وفي "كتاب العين" (والرهو من نعت سير موسى) وأهل التفسير يقولون في قوله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾: أي: ساكناً على هِينةٍ.
وقال قتادة: لما قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبع فرعون وجنوده فقيل له: (واترك البحر رهوًا) يقول: كما هو طريقاً يابساً (٣). وقال مقاتل: لما قطعوا البحر قالوا لموسى: اجعل لنا البحر كما كان، فإنا نخشى أن يقطعه فرعون في آثارنا، فأراد موسى أن يفعل ذلك، فقال الله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ قال: يعني: صفوفًا (٤)، فعلى قول مجاهد معناه: اتركه ذا وهو أي: ساكنًا كما هو، وعلى قول قتادة ومقاتل: الرهو بمعنى السكون، إنما الرهو الفرجة بين الشيئين.
قال الأصمعي: [مَرَّ فالج (٥) بأعرابي] (٦) فقال: سبحان الله رهو بين
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٩٨، و"تفسير الوسيط" عن مجاهد ٤/ ٨٨.
(٣) أخرج ذلك الطبري عن قتادة ١٣/ ١٢١.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢١ بلفظ: (يعني صفوفًا ويقال ساكناً) ولم أتوصل إلى معنى صفوفًا.
(٥) الفلج: الفحج في الساقين، والفلج في الثنيتين. "تهذيب اللغة" (فلج) ١١/ ٨٧.
(٦) كذا لفظها في الأصل وهو تصحيف، والصحيح (ومر بأعرابي فالج). انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٥، وفي اللسان: نظر أعرابي إلى بعير فالج.
وعبارات المفسرين في تفسير الرهو مختلفة، وذكرنا ما وافق اللغة، قال الربيع: سهلاً (٥)، وقال الضحاك: دمثًا (٦)، وقال عكرمة: يبسًا (٧)، وكل هذا من نعت الطريق الذي أظهره الله في البحر، وكأن ذلك الطريق يجمع هذه الأوصاف، وقال أبو سعيد: الرهو ما اطمأن وارتفع ما حوله (٨).
وقوله: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ يريد دعه كما فلقته لك؛ لأن الطريق في البحر كان رهوًا بين ملقى البحر، وهذا القول أيضًا من نعت الطريق غير أنه
(٢) هو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري مولاهم، ويقال: الثقفي، وقد ينسب إلى جده، أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن أبي هريرة وابن عباس مرسلاً، وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه. انظر: "تهذيب التهذيب" ١/ ٢٣٨.
(٣) انظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٠، و"الدر المنثور" ٧/ ٤١٠.
(٤) أخرج ذلك الطبري من رواية علي بن أبي طلحة ١٣/ ١٢١، ونسبه الماوردي لابن عباس ٥/ ٢٥٠.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن الربيع ١٣/ ١٢١، وذكره الماوردي ٥٨/ ٢٥٠، ونسبه القرطبي للربيع. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٣٧.
(٦) أخرج ذلك الطبري عن الضحاك ١٣/ ١٢٢.
(٧) أخرج ذلك الطبري عن عكرمة ١٣/ ١٢٢، ونسبه القرطبي لعكرمة. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٣٧.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٦.
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ أخبر الله تعالى موسى أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في ترك البحر كما جاوزه.
٢٥ - قوله: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ﴾ قال صاحب النظم: كم هاهنا دلالة على الكثرة، ودلت الآية على أنه أغرقهم وأخرجهم من هذه الجنات وما اتصل بها، وهذه الآية وما بعدها مفسرة في سورة الشعراء [آية: ٥٧].
٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني به المنابر هاهنا (١)، وقال عطاء: هي منابر كانت بمصر يعظم فرعون عليها (٢)، وقال آخرون: هي المجالس الحسنات من مجالس الملوك (٣).
٢٧ - ﴿وَنَعْمَةٍ﴾ قال علماء اللغة: نعمة العيش بفتح النون: حسنه وغَضَارته ونعمة الله مَنُّهُ وعطاؤه (٤)، وقال المفسرون: وعيش لين رغد كانوا متنعمين (٥)، وتفسير الفاكهة قد تقدم في سورة يس [آية: ٥٥].
٢٨ - ﴿كَذَلِكَ﴾ قال أبو إسحاق: موضع ﴿كَذَلِكَ﴾ رفع على خبر الابتداء المضمر، المعنى: الأمر كذلك (٦).
قال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني (٧).
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٣، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥١.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (نعم) ٣/ ١٠، و"اللسان" (نعم) ١٢/ ٥٨٢.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٣، و"الثعلبي" ١٠/ ٩٦ أ، و"الماوردي" ٥/ ٢٥٢.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٦.
(٧) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٣٩.
٢٩ - قوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ روى أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه ويرزق، وباب يدخل فيه عمله فإذا مات فقداه وبكيا عليه" (٢) وتلا هذه الآية، قال: وذلك أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملًا صالحًا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء كلام طيب ولا عمل صالح فيبكي عليهم، وهذا قول جميع المفسرين ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل وقتادة، قالوا: لم تبك عليهم مصاعد أعمالهم على السماء، ولا مواضع سجودهم (٣) من الأرض.
وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحًا (٤)، فقلت له: أتبكي؟ فقال: أو تعجب!! وما للأرض لا تبكي
(٢) أخرج ذلك الترمذي في سننه كتاب التفسير باب (٤٦) ومن سورة الدخان، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وموسى بن عبيدة ويزيد بن إبان الرقاشي يضعفان في الحديث ٥/ ٣٨٠، وأخرجه الثعلبي في تفسيره عن أنس ١٠/ ٩٦ ب، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" ٨/ ٣٢٧، والخطيب في "تاريخ بغداد" ١١/ ٢١٢، وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن أنس. انظر: ٧/ ١٦٠، وأشار محقق المسند إلى ضعفه، وذكره أيضًا ابن حجر في "المطالب العالية" ٣/ ٣٦٩. وعزاه إلى أبي يعلى وقال إسناده: ضعيف، انظر: "المطالب العالية" ٣/ ٣٦٩.
(٣) أخرج ذلك الطبري عنهم، انظر: تفسيره ١٣/ ١٢٥، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٢، وكذا رسمها في الأصل ولعل المراد (إلى السماء).
(٤) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد، انظر: تفسيره ١٣/ ١٢٥، ونسبه ابن كثير لمجاهد، انظر: "تفسيره" ٦/ ٢٥٤، ونسبه في "الوسيط" لمجاهد، انظر: ٤/ ٩٠.
وذكر أهل المعاني في هذا قولين آخرين أحدهما: أن التقدير: أهل السماء والأرض، فحذف المضاف والمعنى: ما بكت عليهم الملائكة ولا المؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، والثاني: أن العرب تقول في هذا كالرجل العظيم الشأن، أظلمت له الشمس، وكسف القمر لفقده، وبكته الريح والبرق والسماء والأرض، يريدون المبالغة في وصف المصيبة وأنها قد شملت وعمت، وليس ذلك بكذب لأنهم جميعًا متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه ونيتهم في قولهم: أظلمت الشمس، كادت تظلم، وكذلك في سائر الألفاظ التي يقصدون بها التعظيم والاستقصاء في الصفة. ومعنى الآية: أن الله تعالى حين أهلك فرعون وقومه وأورث منازلهم وجناتهم غيرهم لم يبك عليهم باك ولم يجزع جازع ولم يوجد لهم فَقْد، ولو كانت السماء والأرض ممن تبكي لم تبك على هؤلاء لاستحقاقهم العقوبة والهلاك، والقولان: ذكرهما ابن قتيبة (٢) وغيره.
(٢) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١٢٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٦/ ٤٠٥، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٢، و"زاد المسير" ٧/ ٣٤٥، و"الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٢٨٤.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والتعب في العمل.
٣١ - ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ هذا مُكَررَةٌ على قوله: ﴿مِنَ الْعَذَابِ﴾ أي: نجيناهم من العذاب ونجيناهم من فرعون (٢) ويجوز أن يكون ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ من صلة العذاب (٣) والمعنى: من العذاب الذي كان يلحقهم من جهة فرعون.
قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: كان عاليًا على عباد الله من المشركين والمعنى: كان جبارًا عاصيًا من المشركين ونحو هذا رواه الكلبي عنه (٤) والعالي: إذا أطلق كان صفة مدح، وهاهنا مقيد بأنه عال في الإسراف، والعالي في الإحسان صفة مدح، والعالي الإساءة صفة ذم (٥).
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ يعني: بني إسرائيل على علم علمه الله فيهم (عَلَى الْعَالَمِينَ) على عالمي زمانهم، قاله ابن عباس والكلبي ومقاتل (٦) وقتادة والجميع، قال مجاهد: فضلناهم على
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٦، و"الثعلبي" ١٠/ ٩٦ ب، و"البغوي" ٧/ ٢٣٢.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٣١.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٦، و"تنوير المقباس" ص ٤٩٧.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٤٢.
(٦) انظر: قول مقاتل في تفسيره ٣/ ٨٢٢، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٧، =
قال أهل المعاني: ويدل على هذا التخصيص قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ الآية [آل عمران: ١١٠] هذا مقتضى أنه ما اختارهم على من هو خير منهم، وإنما أختارهم على من في وقتهم من العالمين (٢).
٣٣ - قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ أكثر المفسرين على أن البلاء المبين معناه النعمة البينة الظاهرة، وعنى بالآيات فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى والتوراة، وغير ذلك من النعم التي أنعمها الله عليهم، وهذا قول مجاهد ومقاتل والكلبي (٣) وغيرهم، [وهذا ذهب] (٤) آخرون إلى أن معنى البلاء هاهنا الاختبار والتجربة (٥) فذكر ابن عباس (٦) في رواية عطاء في هذه الآية أنه أراد بالبلاء المبين: السلسلة التي كانت في زمان داود وقصتها مشهورة. قال: ويريد الساريتين اللتين من دنا
(١) أخرج الطبري قولي قتادة ومجاهد في "تفسيره" ١٣/ ١٢٧، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٦/ ٢٥٥.
(٢) هذا قول ابن جرير الطبري، انظر: "تفسيره" ١٣/ ١٢٧، وابن كثير في "تفسيره" ٦/ ٢٥٥ والزجاج في "معاني القرآن" ٤/ ٤٢٧، والنحاس في "إعراب القرآن" ٤/ ١٣٢.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٧، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٣، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٤ و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٣.
(٤) كذا في الأصل ولعل الصواب (هذا وذهب).
(٥) انظر: "الكشاف" للزمخشري ٣/ ٤٣٣، و"فتح القدير" للشوكاني ٤/ ٥٧٦، و"روح المعاني" للألوسي ٢٥/ ١٢٦.
(٦) لم أقف عليه.
٣٤، ٣٥ - ثم رجع إلى ذكر كفار مكة فقال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ يعني: كفار مكة ﴿لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ﴾ إضمار على شريطة التفسير، وقد تقدمت نظائره (٢) ﴿إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى﴾ أي: ما الموتة إلا موتة نموتها في الدنيا ثم لا نبعث، وهو قوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ﴾ أي: بمبعوثين.
٣٦ - ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا﴾ الذين ماتوا (٣) أي: ابعثوهم لنا ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنا نُبْعث بعد الموت، قال الفراء: يخاطبون النبي -صلى الله عليه وسلم- وحده وهو كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] ومنه قوله: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ (٤) [المؤمنون: ٩٩].
٣٧ - ثم خوفهم الله مثل عذاب الأمم الخالية، فقال: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وهذا استفهام إنكار أي: ليسوا خيرًا منهم، بمعنى أقوى وأعتى وأشد منهم، قال ابن عباس: (أهم خير) يريد أشد (٥)، قال أبو عبيدة:
(٢) كقوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥]، وقوله: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: ٢٩].
(٣) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٣، و"زاد المسير" ٧/ ٣٤٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٤٤.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٢.
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" ولم ينسبه ٥/ ٢٥٥، وذكره الزمخشري ونسبه لابن عباس، انظر: "الكشاف" ٣/ ٤٣٤.
أو لا يقولُ اللهُ في آياتِه | والله يوحي ما يشاء وينزل |
أنتم كتُبَّع أو كسَائِرِ قَوْمِهِ | بل قومُ تبَّعٍ في الفضائل أفْضَلُ (٢) |
وعِشْنَا بخيرٍ في الحَيَاةِ وقَبْلَنَا | أَصَابَ المَنَايَا رَهْط كِسْرًا وتُبَّعا |
وقال كعب: ذَمَّ الله قومه ولم يذمَّه (٤)، قال وهب: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سب أسعد وهو تبع، وكان على دين إبراهيم (٥).
وقال الكلبي: وهو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب (٦)، وتبع اسم الملك منهم كفرعون وكـ هامان.
(٢) لم أقف على قائل هذين البيتين.
(٣) أخرجه الحاكم عن عائشة، وقال: حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، انظر: المستدرك كتاب التفسير ٢/ ٤٥٠، وأخرجه الطبري عن عائشة ١٣/ ١٢٨، ونسبه البغوي لعائشة، انظر: "تفسيره" ٧/ ٢٣٤، ونسبه في "الوسيط" لعائشة، انظر: "تفسير الوسيط" ٤/ ٩١.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٢٩، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٤، و"زاد المسير" ٧/ ٣٤٨، و"الجامع لأحكام القرآن" عن كعب ١٦/ ١٤٦.
(٥) ذكر ذلك السيوطي في "الدر المنثور" ٧/ ٤١٥، وعزاه لابن المنذر وابن عساكر.
(٦) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٣، و"تنوير المقباس" ص ٤٩٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٤٦.
٣٩ - قوله: ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ قال الكلبي والفراء: أي: للحق (٢).
وقال أبو إسحاق: أي: لإقامة الحق (٣).
قال ابن عباس: يريد: للثواب والعقاب (٤) ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال: يريد المشركين.
٤٠ - ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ قال ابن عباس: يريد: يوم يفصل الرحمن بين العباد وهو يوم القضاء (٥)، ﴿مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يريد: البر والفاجر، قال مقاتل: ميعادهم أجمعين، يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون.
٤١ - ثم نعت ذلك اليوم فقال (٦): ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾، قال ابن عباس: يريد قريباً من قريب (٧)، ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٧، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٢.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٧.
(٤) ذكر هذا المعنى البغوي في تفسيره ولم ينسبه. انظر: ٧/ ٢٣٥.
(٥) ذكر البغوي في تفسيره هذا المعنى ولم ينسبه. انظر: ٤/ ٢٣٥، وكذلك ورد من غير نسبة في "تفسير الوسيط" ٤/ ٩١.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٤.
(٧) ذكر ذلك البغوي ولم ينسبه. انظر: "تفسيره" ٧/ ٢٣٥، ونسبه ابن الجوزي لمقاتل، انظر: /٣٤٨، وذكره السمرقندي في "تفسيره" ولم ينسبه. انظر: ٣/ ٢٢٠، والقرطبي ولم ينسبه ١٦/ ١٤٨.
٤٢ - ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ فيكون: ﴿مَنْ﴾ في موضع رفع كما تقول: لا يقوم أحدٌ إلا فلان، والمعنى: لا يغني قريب إلا المؤمن، والوجهان في الاستثناء ذكرهما الفراء (٢)، وهو قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ قال مقاتل: العزيز في نقمته من أعدائه الذين لا شفاعة لهم، الرحيم بالمؤمنين الذين استثنى في هذه الآية (٣).
٤٣ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ﴾ قد تقدَّم تفسيره في سورة الصافات [آية: ٦٢].
٤٤ - قوله تعالى: ﴿طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾ قال ابن عباس: يريد طعام أبي جهل، وهو قول مجاهد ومقاتل (٤)، وقال الكلبي: الأثيم: الفاجر، وهو هاهنا الوليد بن المغيرة المخزومي (٥)، والأثيم: معناه: ذو الإثم، يقال:
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٢، و"تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٠.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢٤/ ٨٢٤.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٩٧ ب، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٤، وذكره البغوي ولم ينسبه، انظر: ٧/ ٢٣٦.
(٥) انظر: تفسير أبي الليث السمرقندي ٣/ ٢٢٠، و"تنوير المقباس" ص ٤٩٨.
٤٥ - قوله: ﴿كَالْمُهْلِ﴾ سبق تفسيره في سورة الكهف [آية: ٢٩]، وقد شَبَّه الله تعالى هذا الطعام بالمهل وهو: دردي الزيت وعكر القطران على ما ذكره المفسرون (٢) كما سبق بيانه [الكهف: ٢٩]، وتم الكلام هاهنا ثم أخبر عن غليانه في بطون الكفار فقال (٣): ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ وقرئ: (يغلي) بالياء فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الشجرة، ومن قرأ بالياء حَمَلَه على الطعام في قوله: ﴿طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾ لأن الطعام هو الشجرة في المعنى، ألا ترى أنه خبرُ الشجرة، والخبر في المعنى إذا كان مفردًا هو المبتدأ، واختيار أبي عبيد الياء قال: لأن الاسم المذكر يعني: المهل هو الذي يلي الفعل، فصار أَوْلى به للتذكير وللقرب وكذلك في قوله: ﴿أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى﴾ [آل عمران: ١٥٤] و ﴿صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠] و ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧] يختار الياء في هذه الآيات (٤).
قال أبو علي: لا يجوزُ أن يحمل الغلي على المهل؛ لأن المهل لا يغلي في البطون إنما يغلي ما شبه به (٥)، وأما سائر الآيات التي ذكرها فالياء والتاء فيها سواء لأن كل واحد مما فيها هو الآخر، فالنطفة والمني سواء.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٢٤٠، و"تفسير الماوردي" ٣/ ٣٠٣، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٦.
(٣) انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ٦٥٦.
(٤) أورد النحاس اختيار أبي عبيد في "إعراب القرآن" ولم يؤيده بل رده كما رده وضعفه أبو علي الفارسي، انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٣٤.
(٥) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٦٦، و"المسائل العضديات" ص ١١٦.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ﴾ أي: يقال للزبانية: خذوه يعني: الأثيم فاعتلوه، قُرِئ بكسر التاء، قال الليث: العتل أن تأخذ بتَلْبيب الرجل فتعتله أي: تجرّه إليك وتذهب به إلى حَبْس أو بلية (٢)، وأخذ فلان بزمام الناقة فعتلها، وذلك إذا قبض على أجل الزمام عند الرأس وقادها قودًا عنيفاً.
وقال ابن السكيت: عَتَلْته إلى السجن، وعَتَنْتهُ فأنا أَعْتُلُهُ وأعْتِنه (٣) إذا دَفَعْته دفعًا عنيفًا (٤)، وهذا معنى قول جميع أهل اللغة في معنى العتل (٥) وذكروا اللغتين ضم التاء وكسرها وهما صحيحان (٦) مثل: ﴿يَعْكُفُونَ﴾ و ﴿يَعْكِفُونَ﴾ و ﴿يَعْرِشُونَ﴾ و ﴿يَعْرُشُونَ﴾. وأنشدوا للفرزدق فقال:
لَيْسَ الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أَبَاهَمُ | حتى تُرَدَّ إلى عَطِيَّةَ تُعْتَلُ (٧) |
(٢) انظر: "كتاب العين" (عتل) ٢/ ٦٩.
(٣) في "تهذيب اللغة" زيادة لفظ: (وأَعْتنُه) ٢/ ٢٧٠.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (عتل) ٢/ ٢٧٠.
(٥) انظر: "جمهرة اللغة" (تلع) ٢/ ٢١، و"مقاييس اللغة" (عتل) ٤/ ٢٢٣، والصحاح (عتل) ٥/ ١٧٥٨، و"اللسان" (عتل) ١١/ ٤٢٣، و"المفردات" للراغب (عتل) ص ٣٢١.
(٦) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ﴾ بضم التاء، عبيد عن أبي عمرو: ﴿فَاعْتِلُوهُ﴾ و ﴿فَاعْتِلُوهُ﴾ بالكسر والضمِّ جميعًا، وقرأ الباقون: ﴿فَاعْتِلُوهُ﴾ بالكسر، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٥٩٢، ٥٩٣، و"الحجة" لأبي علي ٦/ ١٦٥.
(٧) انظر: "ديوانه" ص ٧٢٢، و"تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٣.
قال مجاهد ومقاتل: ادفعوه على وجهه (٢)، وقال الكلبي: سوقوه إلى سواء الجحيم قال: وسط الجحيم (٣)، كقوله: ﴿فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥].
٤٨ - ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ﴾ قال مقاتل: يعني: أبا جهل، وذلك أن مالكًا خازن جهنم يضربه ضربة على رأسه بمَقْمع من حديد فيثقب رأسه عن دماغه فيجري دماغه على جسده ثم يصب الملك فيه ماء حميمًا قد انتهى حَرُّه فيقع في بطنه، فيقول الملك: ذق العذاب (٤) فذلك قوله: ﴿ذُقْ﴾ ونحو هذه الآية قوله: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾ [الحج: ١٩] قوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ قال عكرمة والكلبي: التقى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو جهل فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أمرني أن أقول لك ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ " [القيامة: ٣٤] "فقال: يا محمد بأي شيء تهددني فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئًا إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه، فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل هذه الآية (٥)، وهذا قول أهل التفسير قالوا: إنه كان يقول أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقول له الملك: ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم، يوبخه ويصغره (٦). قال أبو إسحاق:
(٢) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد ١٣/ ١٣٣، وانظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٥.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٥.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٨، و"الدر المنثور" ٧/ ٤١٨، وأخرج الطبري نحوه عن قتادة ١٣/ ١٣٤، ونسبه القرطبي لعكرمة، انظر: "الجامع" ١٦/ ١٥١.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٩٨ أ، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٥١، و"تفسير الوسيط" ٤/ ٩٢.
أَبْلِغْ كُلَيْبُا وأَبْلِغْ عَنْكَ شَاعِرهَا | أَنَّي الأَعَزُّ وأَنِي زَهْرةُ الْيَمَنِ (٣) |
أَلَمْ تَكُنْ في وُسُومٍ قد وَسَمْتُ بها | مَنْ حَانَ مَوْعِظَةً يا زَهْرةَ اليَمَنِ (٤) |
(٢) لم أقف على ترجمته.
(٣) ورد هذا البيت في "الحجة" لأبي علي ٦/ ٤٦٧، و"المسائل الحلبيات" ص ٨٢، و"الخصائص" لابن جني ٢/ ٤٦٣، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٥، و"الدر المصون" ٦/ ١١٨، و"تفسير ابن عطية" ١٤/ ٣٠٠.
(٤) انظر: "ديوان جرير" ص ٤٣٠، حان: هلك، الوسوم: جمع وسم وهو أثر الكي ويريد به هنا أذى هجائه، والشاهد قوله: (يا زهرة اليمن) أي: يا من قال إني زهرة اليمن، ولست عندي كذلك، والذي في الديوان: يا حارث اليمن.
وقال صاحب النظم: من فتح الهمزة كان قوله: ﴿ذُقْ﴾ واقعًا على تأويل: ذق، وقال هذا القول وجزاؤه (٤)، وقال مقاتل: فلما ذاق العذاب قال الملك الخازن: إن هذا العذاب ما كنتم به تمترون يعني: تشكون في الدنيا أنه غير كائن والمعنى تكذبون به (٥)، كقوله: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ [الزخرف: ٦١] وقد مر قبل.
٥١، ٥٢ - ثم ذكر مستقر المتقين فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الدخان: ٥١] قال ابن عباس: يريد: أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلود دائم (٦)، وعلى هذا المعنى: أنهم قد أمنوا الشخوص، وقال مقاتل: أمينٍ
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٣، و"الحجة" لأبي علي ٦/ ١٦٧.
(٣) انظر: كتاب "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص ٥٩٣، والكشف عن وجوه القراءات لمكي ٢/ ٢٦٥٨، و"تحبير التيسير" لابن الجزري ص ١٧٩، و"الدر المصون" ٦/ ١١٨.
(٤) يظهر أن فيه سقطاً ولكن كتاب "نظم القرآن" مفقودًا، ولم أتوصل إلى النص فيما لدي من مراجع.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٥.
(٦) لم أقف عليه.
وقد جمع أبو إسحاق هذه الأشياء فقال: قد أمنوا فيه الغِيَر (٣)، وقرأه العامة (مقام) بفتح الميم يراد به المجلس والمشهد، ووصفه بالأمن يقوي أنه يراد به المكان، ووصف بالأمن كما يوصف بالخوف، [وقرأ عامر] (٤) ونافع بضم الميم، فيحتمل أن يراد به المكان من أقام، فيكون على هذا معنى القراءتين واحداً، وقد يجوز أن يجعله مصدراً ويقدر المضاف محذوفاً على تقدير في موضع إقامة (٥).
٥٣ - قوله: ﴿مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ مر تفسيره في سورة الكهف [آية: ٣١].
قوله: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ أي: لا يرى بعضهم قفا بعض ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كما وصفنا يكون حالهم والمعنى: الأمر كذلك الذي ذكرنا ووصفنا.
٥٤ - قوله: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ قال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجاً كلما يزوج النعل بالنعل، جعلناهم اثنين اثنين (٦)، وقال يونس: أي: قرناهم بهن (٧)، وليس من عقد التزويج، والعرب لا تقول: تزوجت بها، إنما يقولون: تزوجتها، والتنزيل يدل على ما قال يونس، وذلك قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: ٣٧] ولو كان على تزوجت بها،
(٢) ذكر ذلك السيوطي فى "الدر المنثور" ٧/ ٤٢٠، وعزاه لابن أبي شيبة عن الضحاك.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٨.
(٤) كذا في الأصل ولعل الصواب: (وقرأ ابن عامر). انظر: "الحجة" ٦/ ١٦٧، و"الكشف عن وجوه القراءات" لمكي ٢/ ٢٦٥.
(٥) انظر: "الحجة" لأبي عبيد ١٦/ ١٦٧، ١٦٨، و"الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٢٦٥.
(٦) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٠٩.
(٧) انظر: "الصحاح" (زوج) ١/ ٣٢٠.
وقال الفراء: هي لغة في أزد شنوءة (٣) هذا كلامه، وقول أبي عبيدة حسن لأنه جعل قوله: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ﴾ من التزويج الذي هو بمعنى: جعل الشيء زوجًا، لا بمعنى عقد النكاح، ومن هذا يجوز أن يقال: كان فردًا وزوجته بآخر، كما يقال شفعته بآخر، فإنما يمتنع الباء عند من يمتنع إذا كان بمعنى التزويج، ونحو هذا قال الأخفش في هذه الآية: جعلناهم أزواجًا بالحور (٤).
وقال مجاهد: أنكحناهم الحور العين التي يحار فيها الطرف، باديًا مخ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمِرْآة، من رقة الجلد وصفاء اللون (٥)، وقال قتادة: بجَوَارٍ بيض (٦).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (زاج)) ١/ ١٥٢ بلفظ: تقول العرب زوجته، و"اللسان" (زوج) ٢/ ٢٩٣.
(٣) انظر: قول الفراء في "تهذيب اللغة" (زاج) ١١/ ١٥٢، ولم أقف عليه في معاني الفراء.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩١.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد ١٣/ ١٣٦، وانظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٩٨، ونسبه ابن حجر في "تغليق التعليق" لمجاهد، انظر: ٤/ ٣١٠.
(٦) ذكره الطبري بلفظ: (بيض عين)، ونسبه لقتادة، انظر. "تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٦، وقال القرطبي: الحور: البيض في قول قتادة والعامة، انظر: "الجامع" ١٦/ ١٥٢.
وقال مقاتل: الحور: البيض الوجوه، العين: الحسان الأعين (٢).
وأصل الحور البياض والتحوير التبييض، وذكرنا ذلك في تفسير الحوريين، وعين حوراء، إذا اشتد بياضُها، واشتد سوادُ سوادها، ولا تسمى المرأة [حمراء] (٣) حتى تكون مع حور عينيها بيضاء لون الجسد (٤).
وقال أبو عبيد: الحوراء: الشديدة بياض العين الشديدة سوادها (٥)، و (العين) جمع عَيْناء، وهي: العظيمة العينين من النساء، قال اللحياني: إنه لأعين، إذا كان ضخم العين واسعها، والأنثى عيناء، [والجمع عين عينًا]، (٦)، ويدل على أن المراد بالحور في هذه الآية البيض، قراءة ابن مسعود: بعيس عين (٧)، والعيس: البيض.
قال الحسن: الحور العين، عجائزكم ينشئهن الله خلقًا آخر (٨)، وقال
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٦.
(٣) كذا في الأصل وهو تصحيف والصحيح (حوراء).
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (حار) ٥/ ٢٢٩.
(٥) انظر: اللسان (حور) ٤/ ٢١٨، وغريب الحديث لأبي عبيد (حور) ١/ ٢١٧.
(٦) كذا في الأصل وفي "تهذيب اللغة": (والجميع منها عين). انظر: قول اللحياني في "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٠٦.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٦/ ٤١٦، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٤، و"المحتسب" لابن جني ٢/ ٢٦١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٥٢.
(٨) لم أقف عليه.
٥٥ - قوله تعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ قال ابن عباس: قد أمنوا الموت والأسقام والأوجاع والتخم (٢).
٥٦ - قوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ قال أهل المعاني: جعل الموت في مقاساة الآلام والأسباب التي يحدث عندها الموت، كالطعام الذي يكره ذوقه، فلذلك استعير له الذوق وهو في الحقيقة عَرَض لا يذاق (٣).
فإن قيل: أليس أهل النار لا يموتون، فلم بشر أهل الجنة بهذا مع مشاركة غيرهم في هذا المعنى؟ قيل: إن أهل الجنة في حياة هنيئة بشارتهم بالخلود تزيدهم سرورًا وقرة عين، وأهل النار يموتون موتات كثيرة بما يقاسون من الشدة، وانتفاء الموت عنهم يزيدهم حسرةً وشدة وَجْد (٤).
وقوله: ﴿إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ قال ابن عباس: يريد: التي كانت في الدنيا (٥)، وقال مقاتل: يعني: المرة الأولى التي كانت في الدنيا (٦).
قال أبو إسحاق: المعنى: لا يذوقون فيها الموت البتة سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا، وهذا كما قال (٧) {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
(٢) لم أقف عليه وذكر الثعلبي ١٠/ ٩٨ ب، عن قتادة: آمنين من الموت والأوصاب والشيطان، ونسبه البغوي ٧/ ٢٣٧، لقتادة، ونسبه القرطبي ١٦/ ١٥٤ لقتادة.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ص ٤١٧، ٤١٨.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٦.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٨.
وقال بعض أهل المعاني: (إلا) بمعنى: بعد، أي: بعد الموتة الأولى، وقيل (إلا) بمعنى: لكن، كأنه قيل: لكن الموتة الأولى (٢)، وقد ذاقوها، وذكر ابن قتيبة وجهًا حسنًا فقال: إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا، من موت في الجنة؛ لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من أسباب الجنة، فيلقون الروح والريحان، ويرون منازلهم من الجنة، وتفتح لهم أبوابها، فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لا تصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها، فجاز أن يستثني الموتة الأولى من مكانهم في الجنة (٣).
٥٧ - قوله: ﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ﴾ قال الفراء والزجاج: المعنى: فعل ذلك ربهم فضلاً وتفضلاً منه (٤).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٣، فقد ذكر أنها تأتي بمعني بعد، وذكر القرطبي المعنين. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٥٤، وانظر: "غرائب التفسير وعجائب التأويل" للكرماني ٢/ ١٠٨٠.
(٣) انظر: مشكل القرآن وغريبه لابن قتيبة ١/ ٢١٥ (بتصرف).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٤، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٩.
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب (فانتظر لهم).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٩، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٣٧.