تفسير سورة سورة الدخان من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
المعروف بـالمنتخب
.
لمؤلفه
مجموعة من المؤلفين
.
ﰡ
١ - حم: ابتدأت هذه السورة ببعض الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف.
٢ - أقسم الله بالقرآن الكاشف عن الدين الحق، الموضح للناس ما يُصلح دنياهم وآخرتهم، إعلاماً برفعة قدره.
٣ - إننا ابتدأنا إنزال القرآن فى ليلة وفيرة الخير، كثيرة البركات، لأن من شأننا الإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
٤ - فى هذه الليلة المباركة يُفَصَّل ويُبيَّن كل أمر محكم، والقرآن رأس الحكمة، والفيصل بين الحق والباطل، ولذا كان إنزاله فيها.
٥ - أعنى بهذا الأمر أمراً عظيماً صادراً من عندنا كما اقتضاه تدبيرنا، لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب لتبليغ العباد.
٦ - لأجل رحمة ربك بعباده أرسل رسله للناس يبلغونهم هَدْيه، لأنه - وحده - السميع لكل مسموع، المحيط علماً بكل معلوم.
٧ - هو خالق السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بالحق، مذعنين له، مؤمنين بأنه المنزل للقرآن رحمة وهداية.
٨ - لا إله يستحق العبادة سواه، هو - وحده يحيى ويميت، وهو - وحده - خالقكم وخالق آبائكم الأولين.
٩ - بل الكفار فى شك من هذا الحق، يتبعون أهواءهم، وذلك شأن اللاهين اللاعبين، لا شأن أهل العلم واليقين.
١٠ - فانتظر - أيها الرسول - حينما ينزل بهم القحط، فيصابون بالهزال وضعف البصر، فيرى الرجل بين السماء والأرض دخاناً واضحاً!.
١١ - يحيط هذا الدخان بالمكذبين الذين أصابهم الجدب، فيقولون لشدة الهول: هذا عذاب شديد الإيلام.
١٢ - كما يقولون استغاثة بالله: إننا سنؤمن بعد أن تكشف عنا عذاب الجوع والحرمان.
١٣ - كيف يتعظ هؤلاء، ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم رسول واضح الرسالة بالمعجزات الدالة على صدقه، وذلك أعظم موجبات الاتعاظ؟.
١٤ - ثم أعرضوا عن التصديق بالرسول المؤيد بالمعجزات الواضحة، وقالوا - كذباً وافتراءً -: تارة يعلمه البشر، وقالوا تارة أخرى: اختلط عقله.
١٥ - فرد الله عليهم: إنا سنرفع عنكم العذاب زمن الدنيا، وهو قليل، وإنكم عائدون - لا محالة - إلى ما كنتم عليه.
١٦ - اذكر - أيها الرسول - يوم نأخذهم الأخذة الكبرى بعنف وقوة، إننا - بهذا الأخذ - منتقمون منهم.
١٧ - ولقد امتحنا قبل كفار مكة قوم فرعون بالدعوة إلى الإيمان، وجاءهم موسى رسول كريم على الله، فكفروا به عناداً، وكذلك شأن هؤلاء المشركين.
١٨ - قال لهم الرسول الكريم: أدَّوا إلىَّ يا عباد الله ما هو واجب عليكم من قبول دعوتى، لأنى لكم رسول إليكم خاصة، أمين على رسالتى.
١٩ - ولا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأنى آتيكم بمعجزة واضحة تبين صدق نبوتى ورسالتى.
٢٠ - وإنى اعتصمت بخالقى وخالقكم من أن تتمكنوا من قتلى رجماً.
٢١ - وإن لم تصدقوا بى فكونوا بمعزل منى، ولا تُؤْذُونى.
٢٢ - فدعا موسى ربه - شاكياً قومه حين يئس من إيمانهم - بأن هؤلاء قوم تناهى أمرهم فى الكفر، فافعل بهم ما يستحقون.
٢٣ - فسِر بالمؤمنين ليلا فى خفية، حتى لا يدركوكم، لأن فرعون وجنوده سيتبعونكم، إذا علموا، للإيقاع بكم.
٢٤ - واترك البحر ساكناً على هيئته بعد ضربه بالعصا، ليدخله المنكرون، فإنهم مغرقون لا محالة.
٢٥ - تركوا بعد إغراقهم كثيراً من الجنات الناضرة والعيون الجارية.
٢٦ - والزورع المتنوعة والمنازل الحسنة.
٢٧ - وعيشة مترفة نضرة كانوا فيها متنعمين.
٢٨ - مثل ذلك العقاب يعاقب الله من خالف أمره، وخرج على طاعته، ويحول ما كان فيه من النعم إلى قوم آخرين ليسوا منهم فى شئ من قرابة ولا دين.
٢٩ - فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب لهوان شأنهم، ولم يُنظَروا لتوبة، ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم، احتقاراً لهم.
٣٠ - ولقد نجَّى الله بنى إسرائيل من العذاب المذل لهم.
٣١ - نجاهم من فرعون، إن فرعون كان مستعلياً على قومه، مسرفاً فى الشر والطغيان.
٣٢ - أقسم: لقد اخترنا بنى إسرائيل على علم منا بأحقيتهم بالاختيار على عالمى زمانهم، فبعثنا فيهم أنبياء كثيرين مع علمنا بحالهم.
٣٣ - وآتاهم الله على يد موسى من الدلائل ما فيه اختبار ظاهر لهم.
٣٤ -، ٣٥ - إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون: ما الموتة إلا موتتنا الأولى فى الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين.
٣٦ - ويقولون لرسول الله والمؤمنين: إن كنتم صادقين فى دعواكم أن ربكم يحيى الموتى للحساب فى الآخرة، فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك.
٣٧ - أكفار مكة خير فى القوة والمنعة والسلطان وسائر أمور الدنيا أم قوم تبع ومن سبقهم؟ ليس مشركو قومك - يا محمد - أقوى منهم، وقد أهلكناهم فى الدنيا بكفرهم وأجرامهم، فليعتبروا بهم.
٣٨ - وما خلق الله السموات والأرض وما بينهما بحكمة ولحكمة.
٣٩ - ما خلقناهما إلا خلقاً منوطاً بالحكمة على نظام ثابت يدل على وجود الله ووحدانيته وقدرته، ولكن أكثر هؤلاء فى غفلة عمياء، لا يعلمون هذه الدلالة.
٤٠ - إن يوم الحكم بين المحق والمبطل وقت موعدهم أجمعين.
٤١ - يوم لا يدفع أى قريب عن أى قريب، ولا أى حليف عن أى حليف شيئاً قليلاً من العذاب، ولا هم ينصرون عند الله بأنفسهم.
٤٢ - لكن الذين رحمهم الله من المؤمنين يعفو الله عنهم، ويأذن لهم بالشفاعة، إنه الغالب على كل شئ، الرحيم بعباده المؤمنين.
٤٣ -، ٤٤ - إن شجرة الزقوم - المعروفة بقبح منظرها وخبث طعمها وريحها - طعام الفاجر كثير الآثام.
٤٥ -، ٤٦ - طعامها كسائل المعدن الذى صهرته الحرارة، يغلى فى البطون كغلى الماء الذى بلغ النهاية فى غليانه.
٤٧ - خذوا - يا زبانية جهنم - هذا الفاجر الأثيم فقودوه بعنف وغلظة إلى وسط جهنم.
٤٨ - ثم صبوا فوق رأسه الماء الشديد الحرارة، زيادة فى تعذيبه وإيلامه.
٤٩ - يقال له - استهزاء وتهكماً به - ذق العذاب الشديد، إنك أنت العزيز فى قومك، الكريم فى حسبك.
٥٠ - إن هذا العذاب الذى لمستموه حقيقة واقعة هو ما كنتم تخاصمون بشأنه فى الدنيا، وتشكُّون فى وقوعه.
٥١ - إن الذين وقوا أنفسهم من المعاصى بالتزام طاعة الله فى مكان عظيم يأمنون فيه على أنفسهم.
٥٢ - فى جنات ينعمون فيها، وعيون من الماء تجرى من تحتها، إكراماً لهم بإعظام نعيمهم.
٥٣ - يلبسون ما رقَّ وما غلظ من الحرير زيادة فى زينتهم، متقابلين فى مجالسهم، ليتم لهم الأنس.
٥٤ - ومع هذا الجزاء زوَّجناهم فى الجنة بحور عين، يحار فيهن الطرف لفرط حسنهن وجمالهن وسعة عيونهن.
٥٥ - يطلبون فى الجنة كل فاكهة يشتهونها، آمنين من الغصص والزوال والحرمان.
٥٦ - لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا عند انقضاء آجالهم، وحفظهم ربهم من عذاب النار.
٥٧ - حفظوا من العذاب - فضلا وإحساناً من خالقك - ذلك الحفظ من العذاب ودخول الجنة هو غاية الفوز العظيم.
٥٨ - فإنما سهَّلنا عليك تلاوة القرآن وتبليغه مُنَزَّلا بلغتك ولغتهم كى يتعظوا فيؤمنوا به ويعملوا بما فيه.
٥٩ - فانتظر ما يحل بهم، إنهم منتظرون ما يحل بك وبدعوتك من الدوائر.