ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن مهدي بن ميمون قال: حدّثنا عمران القصير عن الحسن قال: من قرأ سورة «الدخان» ليلة الجمعة غفر له.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)حم (١) وَالْكِتابِ مخفوض بالقسم. الْمُبِينِ من نعته.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٣]
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قال أبو جعفر: وقد ذكرنا عن العلماء أنها ليلة القدر.
فأما البركة التي فيها فهي نزول القرآن، وقال أبو العالية: هي رحمة كلّها لا يوافقها عبد مؤمن يعمل إحسانا إلّا غفر له ما مضى من ذنوبه. وقال عكرمة: يكتب فيها الحاجّ حاجّ بيت الله جلّ وعزّ فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم أحد فقيل لها: مباركة لثبات الخير فيها ودوامه. والبركة في اللغة. الثبات والدوام.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٤]
فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)
أي فيه الحكمة من فعل الله جلّ وعزّ.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥]
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا في نصبه «١» خمسة أقوال: قال سعيد الأخفش: نصبه على الحال بمعنى أمرين. وقال محمد بن يزيد: نصبه نصب المصادر أي إنّا أنزلناه إنزالا، والأمر مشتمل على الأخبار. قال أبو عمر الجرميّ: هو حال من نكرة، وأجاز على هذا: هذا رجل مقبلا. وقال أبو إسحاق: «أمرا» مصدر، والمعنى فيها يفرق فرقا و «أمرا» بمعنى:
فرق، والقول الخامس أن معنى يفرق يؤمر ويؤتمر فصار مثل: هو يدعه تركا.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٦]
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦)رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ في نصبه خمسة أقوال: قال الأخفش: هو نصب على الحال. وقدّره الفراء «١» مفعولا على أنه منصوب بمرسلين، وجعل الرحمة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وقال أبو إسحاق:
يجوز أن يكون رحمة مفعولا من أجله. وهذا أحسن ما قيل في نصبها. وقيل: هي بدل من أمر، والقول الخامس: أنها منصوبة على المصدر. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يكون «هو» زائدا فاصلا، ويجوز أن يكون مبتدأ و «السميع» خبره والْعَلِيمُ من نعته.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٧ الى ٩]
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)
رَبِّ السَّماواتِ نعت للسميع، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ. وهذه قراءة المدنيين والبصريين سوى الحسن فإنه والكوفيين قرءوا رب السماوات «٢» على البدل بمعنى رحمة من ربّك ربّ السّموات، وكذا ربكم ورب آبائكم الأولين بالرفع والخفض.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ١٠]
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠)
وسمع من العرب في جمع دخان دواخن. وزعم القتبيّ أنه لم يأت على هذا إلّا دخان وعثان. قال أبو جعفر: وهذا القول ليس بشيء عند النحويين الحذاق وإنما دواخن جمع داخنة وهذا قول الفراء نصا وكلّ من يوثق بعلمه، وحكى الفراء: دخنت النار فهي داخنة إذا أتت بالدخان.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١١ الى ١٢]
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)
قال أبو إسحاق: أي يقول الناس الذين أصابهم الجدب «هذا عذاب أليم».
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى في موضع رفع بالابتداء على قول سيبويه، وعلى قول غيره بإضمار فعل. قال أبو الحسن بن كيسان: «أنّى» تجتذب معنى «أين» «وكيف» أي من أي المذاهب وعلى أي حال، ومنه قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا [ال عمران: ٣٧] أي من أي المذاهب وعلى أي حال.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ١٥]
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥)
إِنَّا أصله إنّنا فحذفت النون تخفيفا. كاشِفُوا الْعَذابِ الأصل كاشفون حذفت
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٠، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٢.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١٦ الى ١٧]
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧)
يَوْمَ نَبْطِشُ منصوب بمعنى اذكروا، ولا يجوز أن يكون منصوبا بمنتقمين لأن «أنّ» لا يجوز فيها مثل هذا. وقرأ أبو جعفر وطلحة يَوْمَ نَبْطِشُ «١» وهي لغة معروفة وقراءة أبي رجاء يَوْمَ نَبْطِشُ «٢» بضم النون وكسر الطاء على حذف المفعول. يقال:
بطش وأبطشه. قال أحمد بن يحيى: وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أي عند ربه جلّ وعزّ، قال: وقال «كريم» من قومه.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ١٨]
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨)
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ «أن» في موضع نصب والمعنى بأن ونصبت «عباد الله» بوقوع الفعل عليهم أي سلّموا إلى عباد الله أي اطلقوهم من العذاب ويجوز أن تنصب عباد الله على النداء المضاف، ويكون المعنى: أن أدّوا إليّ ما أمركم الله عزّ وجلّ به يا عباد الله.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ١٩]
وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩)
وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ معطوفة على «أن» الأولى إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال أبو إسحاق: أي بحجّة واضحة بيّنة أني نبيّ.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ويجوز إدغام الذال في التاء لقربها منها وأن التاء مهموسة أَنْ تَرْجُمُونِ قال الضحاك: أي أن تشتموني وحذفت الياء لأنها رأس آية، وكذا فَاعْتَزِلُونِ.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٢]
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢)
من قال: إنّ هؤلاء فالمعنى عنده قال: إنّ هؤلاء.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٣]
فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣)
فَأَسْرِ بِعِبادِي من سرى، ومن قال: أسرى قال: فأسر لَيْلًا ظرف.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٤]
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً على الحال. قال محمد بن يزيد: يقال: عيش راه خفض وادع
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٣٥.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٥]
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥)
«كم» في كلام العرب للتكثير و «ربّ» للتقليل وزعم الكسائي أنّ أصل «كم» كما فإذا قلت: كم مالك؟ فالمعنى كأيّ شيء من العدد مالك، وحذفت الألف من «ما» كما تحذف مع حروف الخفض مثل لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: ٤٣] قيل له: فلم أسكنت الميم؟ قال: لكثرة الاستعمال كما تسكّن في الشعر، وأنشد: [البسيط] ٤١٤-
فلم دفنتم عبيد الله في جدث | ولم تعجّلتم ولم تروحونا |
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٦]
وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦)
في أبي صالح عن ابن عباس: أنّ المقام الكريم المنازل الحسنة. قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة أن يقال للموضع الذي يقام فيه: مقام كريم، وفي الضحاك عن ابن عباس: أن المقام المنابر، وكذا قال سعيد بن جبير، وهو مروي عن عبد الله بن عمر، وقد ذكرناه بإسناده في سورة «الشعراء» «٢».
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٧]
وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧)
قال يعقوب بن السكّيت: النعمة التنعّم. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: «فكهين» معجبين، وعنه فاكهين فرحين. وحكى أبو عبيد عن أبي زيد الأنصاري أنه يقال: رجل فكه إذا كان طيّب النفس ضحوكا، وزعم الفراء «٣» أنّ فكها وفاكها بمعنى واحد، كما يقال: حذر وحاذر. فأما محمد بن يزيد ففرق بين فعل وفاعل في مثل هذا تفريقا لطيفا فقال: الحذر الّذي في خلقته الحذر، والحاذر المستعدّ. قال أبو
(٢) انظر كتاب معاني القرآن للنحاس في تفسير الآية ٥٨- الشعراء.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٤٩.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٨]
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨)
الكاف في موضع رفع أي الأمر ذلك، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى كذلك يفعل بمن يهلكه وينتقم منه.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٢٩]
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ أكثر أهل التفسير على أنه حقيقة وأنها تبكي على المؤمن موضع مصلّاه من الأرض وموضع مصعده من السماء. وقيل: هو مجاز والمعنى: وما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض وقول ثالث نظير قول العرب: ما بكاه شيء، وجاء بكت على تأنيث السماء. وزعم الفراء «١» : أنّ من العرب من يذكّرها.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٣٠]
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠)
نعت للعذاب، وزعم الفراء أن في قراءة عبد الله مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ «٢» وذهب إلى إضافة الشيء إلى نفسه مثل: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥]. قال أبو جعفر: وإضافة الشيء إلى نفسه عند البصريين «٣» محال، والقراءة مخالفة للسواد، ولو صحّت كان تقديرها: من عذاب فرعون المهين ثم أقيم النعت مقام المنعوت ويكون الدليل على الحذف.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٣١]
مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
روي عن ابن عباس قال: من المشركين وعن الضحاك قال: من الفتّاكين.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٣٢]
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢)
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ الضمير يعود على بني إسرائيل أي اخترناهم للرسالة والتشريف عَلى عِلْمٍ لأن من اخترناه منهم للرسالة يقوم بأدائها عَلَى الْعالَمِينَ لكثرة الرسل فيهم وقيل: عالم أهل زمانهم.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٣٣]
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣)
أصحّ ما قيل فيه أن البلاء هاهنا النعمة مثل وجميل بلائه لديك. قال الفراء «٤» :
وقد يكون البلاء هاهنا العذاب.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٤١، والبحر المحيط ٨/ ٣٧.
(٣) انظر الإنصاف المسألة رقم (٦١). [.....]
(٤) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٢.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٩]
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨)ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩)
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى أي يقولون هذا على العادة بغير حجّة وقد تبيّنت لهم البراهين وظهرت الحجج لهم، ولهذا لم يحتجّ عليهم هاهنا وخوّفوا وهدّدوا فقيل أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ أي فقد علموا أنّهم كانوا أعزّ منهم. وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ عطف على قوم، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وما بعده خبره، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل دلّ عليه أهلكناهم إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٤٠]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠)
وأجاز الكسائي والفرّاء إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ بالنصب. قال أبو إسحاق:
يكون يوما منصوب على الظرف، ويكون التقدير: أنّ ميقاتهم في يوم الفصل. قال أبو جعفر: يفرّق بين إنّ واسمها بالظرف فتقول: إنّ حذاءك زيدا، وإنّ اليوم القتال لأن الظرف معناه في الكلام وإن لم تلفظ به فهذا لا اختلاف بين النحويين فيه، واختلفوا في الحال فأجاز الأخفش: تقديمها ومنعه محمد بن يزيد. وأجاز الأخفش: إنّ قائمين فيها إخوتك تنصب قائمين على الحال. «أجمعين» في موضع خفض توكيد للهاء والميم.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢)
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً نصبت يوما على البدل من يوم الأول. قال الضحّاك مَوْلًى عَنْ مَوْلًى أي عن وليّ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ في إعراب «١» من أربعة أوجه: قال الأخفش سعيد: «من» في موضع رفع على البدل، تقديره بمعنى ولا ينصر إلا من رحم الله. ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء أي إلّا من رحم الله فيعفى عنه.
وقال غيره «من» في موضع رفع بمعنى لا يغني إلّا من رحم الله أي لا يشفع إلّا من رحم الله. وهذا قول حسن لأنه قد صحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه يشفع لأمته حتّى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الإيمان، وصح عنه أن المؤمنين يشفعون. والقول الرابع في «من» أنها في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، وهذا قول الكسائي والفراء «٢».
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)
وعن أبي الدرداء قال: طعام الفاجر، وهذا تفسير وليس بقراءة لأنه مخالف للمصحف.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٢.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦)كالمهل تغلي في البطون قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، وقراءة ابن كثير كَالْمُهْلِ يَغْلِي «١» وهو اختيار أبي عبيد. وهو مخالف لحجّة الجماعة من أهل الأمصار. والمعنى فيه أيضا بعيد على ما تأوله أبو عبيد لأنه جعل يغلي للمهل لأنه أقرب إليه، وليس المهل الذي يغلي في البطون إنما المهل يغلي في القدور، كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه أخذ فضة من بيت المال فأذابها ثم وجّه إلى أهل المسجد فقال: هذا المهل. وعن ابن عباس قال: المهل: درديّ الزيت. قال أبو جعفر: إلّا أنه لا يكون لدرديّ الزيت إلّا أن يغلي بذلك على ظاهر الآية.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٤٧]
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧)
خُذُوهُ فَاعْتُلُوهُ قراءة أهل المدينة. وقرأ أهل الكوفة فَاعْتِلُوهُ «٢» وهما لغتان إلا أنّ القياس الكسر لأنه مثل ضربه يضربه. وأجاز الخليل وسيبويه: «خذوهو فاعتلوهو» بإثبات الواو في الإدراج إلّا أنّ الاختيار حذفها، واختلف النحويون في ذلك فمذهب سيبويه أن الأصل: «خذوهو» بإثبات الواو إلّا أنها حذفت لاجتماع حرفين من حروف المدّ واللين. ومذهب غيره أنّها حذفت من أجل الساكنين. وقال جويبر عن الضحّاك: إنه نزل في أبي جهل «خذوه فاعتلوه» إذا أمر به يوم القيامة. قال الضحّاك:
فَاعْتِلُوهُ فادفعوه، إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أي إلى وسط الجحيم.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٤٨]
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨)
روي عن ابن عباس: الحميم الحارّ الذي قد انتهى حرّه.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٤٩]
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)
كسرت «إن» لأنها مبتدأة، ومن قرأ ذُقْ إِنَّكَ «٣» جعله بمعنى لأنك وبأنك.
والقراءة بالكسر عليها حجّة الجماعة، وأيضا فإن الكفر أكثر من قوله: أنا العزيز الكريم لأن تأويل من قرأها بالفتح ذق لأنك كنت تقول: أنا العزيز الكريم.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥٠]
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)
قيل: دلّ بهذا على أنهم يعذبون على الشك وقيل: بل كانوا مع شكّهم يجحدون
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٠، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٩٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٠.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣)
«١» قراءة الكوفيين وأبي عمرو، وقرأ المدنيون فِي مَقامٍ بضم الميم. قال الفرّاء «٢» مقام أجود في العربية لأنه للمكان. قال أبو جعفر: وهذا ما ينكر على الفراء أن يقال للقراءات التي قد روتها الجماعة عن الجماعة: هذه أجود من هذه لأنها إذا روتها الجماعة عن الجماعة قيل: هكذا أنزل لأنهم لا يجتمعون على ضلالة فكيف تكون إحداهما أجود من الأخرى؟ ومقام بالضم معناه صحيح يكون بمعنى الإقامة كما قال: [الكامل] ٤١٥-
عفت الدّيار محلّها فمقامها
«٣» والمقام أيضا الموضع إذا أخذته من أقام، والمقام بالفتح الموضع أيضا إذا أخذته من قام. أَمِينٍ قال الضحّاك: أمنوا فيه الجوع والسقم والهرم والموت وأمنوا الخروج منه.
قال مجاهد: عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الصافات: ٤٤] لا يرى بعضهم قفا بعض.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥)
كَذلِكَ الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك، ويجوز أن يكون في موضع نصب أي كذلك يفعل بالمتقين. وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ قال الضحّاك: الحور البيض والعين الكبار الأعين. قال الأخفش: ومن العرب من يقول: بحير عين. قال أبو جعفر: هذا على إتباع الأول للثاني، ونظيره من روى «ارجعن مأزورات غير مأجورات» «٤» والفصيح البيّن ارجعن «موزورات» و «بحور» فأما «عين» فهو جمع عيناء وهو فعل كسرت منه فاء الفعل لأن بعدها ياء.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥٦]
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى نصب لأنه استثناء ليس من الأول.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٤.
(٣) الشاهد للبيد في ديوانه ٢٩٧، ولسان العرب (خرج)، و (أبد)، و (غول)، (وصل)، وجمهرة اللغة ٩٦١، وتاج العروس (خرج) و (غول) و (رجم) و (مني) و (قوم)، ومقاييس اللغة ١/ ٣٤، والمخصّص ١٥/ ١٧٦، وبلا نسبة في لسان العرب (رجم)، وجمهرة اللغة ٤٦٦، وديوان الأدب ١/ ١٨٩. وعجزه:
«بمنى تأبد غولها فرجامها»
(٤) أخرجه أبو داود في سننه في الجنائز- الحديث رقم (٣١٦٧)، وابن ماجة في سننه- باب ٥٠- الحديث رقم (١٥٧٨).
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥٧]
فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧)فَضْلًا منصوب على المصدر، والعامل فيه المعنى، واختلف في ذلك المعنى، فقال أبو إسحاق فيه إنه يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ قال: ويجوز أن يكون العامل فيه إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ، وقال غيره العامل فيه وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، وجواب رابع أن يكون هذا كلّه عاملا فيه لأن معناه كلّه تفضّل من الله جلّ وعزّ. وكلّه يحتاج إلى شرح. وذلك أن يقال: قد قال جلّ وعزّ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:
١٢٧، ويوسف: ١٢] وبِما كانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: ١٢٩] فما معنى التفضل هاهنا ففي هذا غير جواب منها أن تكليف الله جلّ وعزّ الأعمال ليس لحاجة منه إليها، وإنّما كلّفهم ذلك ليعملوا فيدخلوا الجنة فالتكليف وإدخالهم الجنة تفضّل منه جلّ وعزّ.
فأصحّ الأجوبة في هذا أنّ للمؤمنين ذنوبا لا يخلون منها، وإن كانت لكثير منهم صغائر فلو أخذهم الله جلّ وعزّ بها لعذّبهم غير ظالم لهم، فلما غفرها لهم وأدخلهم الجنة كان ذلك تفضلا منه جلّ وعزّ، وأيضا فإنّ لله جلّ وعزّ على عباده كلّهم نعما في الدنيا فلو قوبل بتلك النعم أعمالهم لاستغرقها فقد صار دخولهم الجنة تفضلا، كما قال صلّى الله عليه وسلّم «ما أحد يدخل الجنّة بعمله» قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلّا أنا يتغمّدني الله منه برحمة».
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥٨]
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ قيل: معنى يسّرناه علمناكه وحفّظناكه وأوحينا إليك لتتذكّروا به وتعتبروا.
[سورة الدخان (٤٤) : آية ٥٩]
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)
فَارْتَقِبْ أي فارتقب أن يحكم الله جلّ وعزّ بينك وبينهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ فيه قولان: أحدهما أنه مجاز، وأن المعنى أنهم بمنزلة المرتقبين لأن الأمر حال بهم لا محالة، وقيل هو حقيقة أي أنهم مرتقبون ما يؤمّلونه.