تفسير سورة مريم

معاني القرآن
تفسير سورة سورة مريم من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله :﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا١ ﴾
الذكر مرفوع بكهيعص. وإن شئت أضمرت : هذا ذكر رحمةِ ربِّك. والمعنى ذكر ربِّك عبده برحمته فهو تقديم وتأخير. ( زَكَرِيَّا ) في موضع نصب.
وقوله :﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائكَ رَبِّ شَقِيّاً٤ ﴾ يقول : لم أَشْقَ بدعائك، أَجبتني إذ دعوتك.
وقوله :﴿ الْمَوَالِيَ ٥ ﴾ هم بنو ( عم الرجل ) وورثتَه والولي والمَوْلى في كلام العرب واحد وفي قراءة عبد الله ( إنَّما مَوْلاَكُمُ اللهُ ورَسُولَهُ ) مكان ( وَليُّكُمْ ) وذكر في خَفَّتِ الموالى أنه قلَّت، ذُكِر عن عثمان ( بن عفان ).
وقوله١٠٨ ب :﴿ يَرِثُنِي ٦ ﴾ تُقرأ جزما ورفعاً : قرأها يحيى بن وَثّاب جزما والجزمُ الوجه ؛ لأن ( يرثني ) من آية سوى الأولى فحسن الجزاء. وإذا رفعت كانت صلةً للوليّ : هب لي الذي يرثني. ومثله ﴿ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ﴾ و ﴿ يُصَدِّقْنِي ﴾.
وإذا أوقعت الأمر على نكرة : بعدها فعل في أوّله الياء والتّاء والنون والألف كان فيه وجهان : الجزم على الجزاء والشرطِ، والرفع على أَنه صلة للنكرة بمنزلة الذي، كقول القائل : أعِرني دابَّة أركبْها، وإن شئت أركبُها : وكذلك ﴿ أَنْزِلْ علَيْنا مائدَةً مِنَ السَّماء تَكُونُ لَنا ﴾ ولو قال ( تَكُنْ لَنا ) كان صَوابا. فإذا كان الفعل الذي بعد النكرة ليْسَ للأوَّل ولا يصلح فيه إضمار الهاء إن كان الفعل واقعاً على الرجل فليسَ إلاّ الجزم ؛ كقولك : هَبْ لي ثوباً أَتَجَمَّل مع الناس لا يكون ( أتجمَّل ) إلاَّ جَزْما ؛ لأن الهاء لا تصلح في أتجمل. وتقول : أَعِرني دابَّة أركبُ يا هذا لأنك تقول أركبُها فتضمر الهاء فيصلح ذلك.
وقوله :﴿ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ٧ ﴾ لم يسمّ أحد بيحيى قبل يحيى بن زكريّا.
وقوله :﴿ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً ﴾ و ( عِتيّا ) وقرأ ابن عباس ( عُسِيّاً ) وأنت قائل للشيخ إذا كبِر، قد عَتَا وعَسَا كما يقال للعُود إذا يَبِس.
وقوله :﴿ قَالَ كَذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ علي هَيِّنٌ ٩ ﴾ أي خَلْقُه علي هيِّن.
وقوله :﴿ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناسَ ثَلاَثَ لَيَال ١٠ ﴾
( أن ) في موضع رفع أي آيتك هَذَا. و ( تُكَلِّمَ ) منصوبة بأن ولو رُفعتْ ( كما قال : أَفَلاَ يَرْوَنَ ان لاَ يَرجِعُ إِلَيْهِمْ قُوْلاً :) كان صواباً. )
وإذا رأيت ( أن ) الخفيفة معها ( لا ) فامتحنها بالاسم المكنِّى مثل الهاء والكاف. فإن صلحا كان في الفعل الرفع والنصب وإن لم يصلحا لم يَكن في الفعل إِلاّ النصب ؛ ألا ترى أنه جائز أن تقول : آيَتك أنّك لا تكلّم الناس والذي لا يكون إلاّ نصباً.
قوله :﴿ يُريدُ اللهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً ﴾ لأن الهاء لاَ تصْلح في ( أن ) فقِس على هذين. وقوله ﴿ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ﴾ يقال : من غير خَرَس.
وقوله :﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ١١ ﴾ أي أشار إليهم. والعرب تقول أوحى إلىَّ ووَحى وأومأ إلىَّ ووَمَى بمعنى واحد، ووَحَى يَحى و ( وَمَى يَمِى ) وإنه ليِحي إِلى وَحْيا ما أعرفه.
وقوله :﴿ وَحَنانا مِّن لَّدُنا ١٣ ﴾ الحَنان : الرحمة ( ونصب حَنانا أي ) وفعلنا ذلكَ رَحمةً لأبويه ( وَزَكَاةً ) يقول : وصلاحا. ويقال : وتزكية لهما.
وقوله :﴿ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكَانا شَرْقِياً ١٦ ﴾
يقال في مَشْرُقَة دارِ أهلها. والعرب تقول : هو منى نَبْذَة ونُبْذَة.
وقوله :﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً ١٧ ﴾ كانت إذا أتاها الحيض ضربت حِجاباً.
وقوله :﴿ لأَهَبَ لَكِ ١٩ ﴾
الهِبَة من الله، حكاها جبريل لها، كأنه هو الواهب. وذلك كثير في القرآن خاصّة. وفي قراءة عبد الله ( لِيَهَبَ لَكِ ) والمعنى : ليهبَ الله لكِ. وأَما تفسير ( لأهب لَكِ ) فإنه كقولك أرسَلني بالقول لأهب لك فكأنه قال : قال : ذا لأهب لك والفعل لله تعالى.
وقوله :﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ٢٠ ﴾ البَغِيّ : الفاجرةَ.
وقوله :﴿ هُوَ على هَيِّنٌ ٢١ ﴾ خَلْقه على هَيِّن.
وقوله :﴿ مَكَانا قَصِيّاً ٢٢ ﴾ ( قاصيا ) بمعنى واحدٍ. أنشدني بعضهم.
لتقعُدِنَّ مَقعدَ القِصىّ منى ذي القاذورةِ المقليّ
وقوله :﴿ فَأَجَاءها الْمَخَاضُ ٢٣ ﴾ من جئت كما تقول : فجاء بها المخاضُ إلى جِذْع النخلة. فلما ألقَيْتَ الباء جعلتَ في الفعل ألِفا ؛ كما تقول : آتيتكَ زيدا تريد : أتيتك بزيد. ومثله ﴿ آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ ﴾ فلما ألقيت الباء زدْت ألِفا وإنما هو ائتوني بزُبَر الحديد. ولغة أخرى لا تصلح في الكتاب وهي تميميّة : فأشَاءها المَخَاضُ، ومن أمثال العرب : شرٌّ ما ألجأك إلى مُخَّة عُرْقُوب. وأهل الحجاز وأهل العالية يقولون : شرّ ما أجاءك إلى مُخَّة عرقوب، والمعنى واحد. وتميم تقول : شرّ ما أشاءك إلى مُخَّة عرقوب.
وقوله :﴿ وَكُنتُ نَسْياً ﴾١٠٩ ا أصحاب عبد الله قرءوا نَسْيا بفتح النون. وسائر العرب تكسر النون وهما لغتان مثل الجَسْر والجِسْر والحَجْر والحِجْرِ والوَتْر والوِتْر. والنِّسْي : ما تلقيه المرأة من خِرَق اعتلالها ( لأنه إِذا رُمى به لم يُرَدّ ) وهو الَلَقَى مقصور. وهو النَّسْىُ ولو أردت بالنَّسْي مصدر النسيان كان صواباً.
بمنزلة قولك : حِجْرا محجوراً : حراما محرما، نَسْيا مَنِسيّا. والعرب تقول : نسيته نِسيانا، ونسيا، أنشدني بعضهم :
من طاعة الربّ وعَصْى الشيطان ***...
يريد : وعصيان الشيطان. وكذلك أتيته إتيانا وأَتْياً. قال الشاعر :
أَتْىُ الفواحشِ فيهمُ معروفة *** ويرون فعل المكرُمات حَرَاما
وقوله :﴿ فَنادَاها مِن تَحْتِها ٢٤ ﴾ و﴿ نادَاها مِن تَحْتَها ﴾ وهو المَلَك في الوجهين جميعاً. أي فناداها جبريل مِن تحتها، وناداها مَن تحتها : الذي تحتها وقوله ( سَرِيّاً ) السرِيّ : النهر.
وقوله :﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ٢٥ ﴾ العرب تقول : هَزَّ بهِ وهزَّه، وخذ الخِطَام وخذ بالخِطَام، وتعلَّق زيدا وتعلَّق بزيد، وخُذْ برأسه وخذ رأسه، وامدد بالحبل ( وامدد الحبلَ ) قال الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماء ﴾ معناه : فليمدد سبباً ( إلى السّماء ) وكذلك في قوله ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ لو كانت : وهُزّي جذعَ النخلة كان صوابا.
وقوله :﴿ يَسَّاقط ﴾ ويُقرأ ﴿ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ ﴾ وتَسَاقط وتُسَاقِط ( بالتاء ) فمن قرأها يَسَّاقط ذهب إلى الجِذْع. وقد قرأها البَرَاء بن عازب الياء، وأصحابُ عبد الله ( تساقط ) يريدون النخلة، فإن شئت شدَّدت وإن شئت خففت. وإن قلت ﴿ تُسَاقِط عَلَيك ﴾ كان صوابا. والتشديد والتخفيف في المبدوء بالتاء والتشديد في المبدوء بالياء خاصَّة. لو قرأ قارئ تُسْقِط عليك رطبا يذهب إلى النخلة أو قال يَسْقط عَليكِ رُطَباً يذهب إلى الجِذْع كان صَواباً.
وقوله ( جَنِيّاً ) الجَنِيّ والمَجْنِيّ واحد وهو مفعول به.
وقوله :﴿ وَقَرِّي عَيْنا ٢٦ ﴾ جاء في التفسير : طِيبي نَفساً. وإنما نصبت العين لأن الفعل كان لها، فصيَّرْته للمرأة. معناه : لتَقْرَرْ عينُك، فإذا حُوّل الفعل عن صاحبه إلى ما قبله نُصب صَاحبُ الفعل على التفسير. ومثله ﴿ فَإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفساً ﴾ وإنما معناه : فإن طالت أنفسهنَّ لكم، وَضاق به ذَرْعاً وضِقت به ذَرْعاً، وسؤت به ظَنا إنما ( معناه : ساء به ظنّي ) وكذلك مررت برَجل حسنٍ وجها إنما كان معناه : حَسُن وجهُه، فحوّلْتَ فعل الوجه إلى الرجل فصَار الوجه مفسِّرا. فاْبنِ على ذا ما شئت. وقوله :﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْما ﴾ أي صمتاً.
وقوله :﴿ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ٢٧ ﴾ الفرِيّ : الأمر العَظيم. والعرب تقول : يَفْرِى الفَرِيّ إذا هو أجاد العمل أو السَّقْيَ ففَضَل الناسَ قِيل هذا فيه. وقال الراجز.
قد أَطعمتنْي دَقَلاً حَجْرِيّاً قد كنت تفرين به الفَرِيَّا
أي قد كنت تأكلينه أكلاً كثيراً.
وقوله :﴿ يا أُخْتَ هارُونَ ٢٨ ﴾ كان لَها أخ يقال له هارون من خيار بني إسرائيل ولم يكن من أبويها فقيل : يا أخت هارونَ في صلاحه. أي إن أخاك صَالح وأبواك أبواك كالتعْيير لها. أي أهل بيتك صَالحونَ وَقد أتيتِ أمراً عظيما.
وقوله :﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ٢٩ ﴾ إلى ابنَها. ويقال إن المهد حِجْرها وحَجْرها. ويقال : سَريره والحِجْر أجود.
وقوله :﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ٣١ ﴾ يُتعلم منى حيثما كنتُ.
وقوله :﴿ جَبَّاراً ٣٢ ﴾ الجبَّار : الذي يقتل على الغضب، ويضرب على الغضب.
وقوله ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي ﴾ نصبته على وجَعلني نبيَّا وجعلني بَرَّا. مُتْبَع للنبي كقوله ( وَجَزَاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً ) ثم قال ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيهِمْ ظِلاَلُها ﴾ ( دانيةً ) مردودة على ﴿ مُتَّكِئين فيها ﴾ كما أن البَرّ مردودة على قوله ﴿ نَبِيّاً ﴾.
وقوله :﴿ وَالسَّلاَمُ علي ٣٣ ﴾ جَاء في التفسير السَّلامة عليّ.
وقوله :﴿ قَوْلَ الْحَقِّ ٣٤ ﴾
في قراءة عبد الله ( قالُ اللّهِ الحقُّ ) والقول والقالُ في معنى واحد.
والحقّ في هذا الموضع يراد به الله. ولو أريد به قول الحقّ فيضاف القول إلى الحقّ ومعناه القول الحق كان صَوابا كما قيل :﴿ إنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليَقِين ﴾ فيضاف الشيء إلى مثله ومثله قول الله ﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الذي كانُوا يُوعَدُونَ ﴾ ومعناه الوعد الصدق. وكذلك ﴿ ولَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ إنما هو : والدار الآخرةُ.
وقد قرأت القراء بالنصب ( قَوْلَ الحقّ ) وهو كثير يريدون به : حَقّاً. وإن نصبت القول وهو في النيِّة من نعت عيسى كان صَوَابَا، كأنك قلت : هذا عبد الله أخاه بعينه. والعرب تنصب الاسم المعرفة في هذا وذلكَ وأخواتهما. فيقولون : هذا عبد الله الأَسَدَ عادياً كما يقولونَ : أسداً عاديا.
وقوله :﴿ ما كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ٣٥ ﴾ ( أن ) في موضع رفع.
وقوله :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ ٣٦ ﴾ تقرأ ﴿ وأَنَّ اللهَ ﴾ فمن فتح أراد : ذلكَ أَنَّ الله ربّي وربكم. وتكون رفعاً وتكون ( في تأويل ) خفض على : ولأن الله كما قال ﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يكُنْ رَبكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ ﴾ ولو فتحت ( أنَّ ) على قوله ( وَأَوْصَاني بِالصَّلاَةِ والزكاةِ. ( وأن الله ) كان وجها. وفي قراءة أُبَىّ ( إِن الله ربّى وربّكم ) بغير واو فهذا دليل على أنها مكسورة.
وقوله :﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ٤١ ﴾ اقصص قِصّة إبراهيم : اتل عليهم. وكذلك قوله فيمن ذكر من الأنبياء ( أي )اقصُصْ عليهم قصصهم.
وقوله :﴿ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ ٤٥ ﴾ يريد : إني أعلم. وهو مثل قوله ﴿ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما ﴾ أي فعلمنا.
وقوله :﴿ لأَرْجُمَنَّكَ ٤٦ ﴾ لأسُبَّنَّكَ.
وقوله :﴿ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً ﴾ طويلاً يقال كنت عنده مَلْوةً من دهر ومُلْوةً ومِلْوةً ومُلاَوَةً منْ دهر وهذيل تقول : مِلاوة، وبعض العرب مَلاوة. وكلّه من الطول.
وقوله :﴿ كَانَ بِي حَفِيّاً ٤٧ ﴾ كان بي عالما لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته.
وقوله :﴿ عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً ٤٨ ﴾ يقول : إن دعوتُه لم أَشْقَ به.
وقوله :﴿ وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ علياً ٥٠ ﴾ ثناء حسنا في كلّ الأديان. حدثنا أبو العباسِ قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني عمرو بن أبى المقدام عن الحَكَم بن عُتَيبة عن مجاهد في قوله ﴿ واجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ ﴾ قال : ثناء حَسَنا.
وقوله :﴿ وَنادَيْناهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ٥٢ ﴾ ( من الجبل ) ليس للطور يمين ولا شِمال، إنما هو الجانب الذي يلي يمِينكَ كما تقول : عن يمين القِبلة وعن شِمالها.
وقوله ﴿ وَقَرَّبْناهُ نَجِيّاً ﴾ ( اسم ليسَ بمصدر ولكنه ) كقولك : مُجالس وجَلِيس. والنجِيّ والنَجْوَى قد يكونان اسما ومصدراً.
وقوله :﴿ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ٥٥ ﴾ ولو أَتت : مرضَوّا كان صَواباً ؛ لأن أصلها الواو ؛ ألا ترى أَنَّ الرضوان بالواو. والذين قالوا مرضيّاً بنوه على رَضِيت ( ومَرْضُوّاً لغة أهل الحجاز ).
وقوله :﴿ وَرَفَعْناهُ مَكَانا علياً ٥٧ ﴾ ذُكر أن إدريس كان حُبِّب إلَى مَلَكِ الموت حتى اسْتأذن ربَّه في خُلّته. فسأل إدريسُ مَلَكَ الموت أن يريه النار فاستأذنَ رَبه فأراها إيّاه ثم ( استأذنَ ربه ) في الجنّة فأراها إيّاه فدخلها. فقال له مَلك الموت : اخرج فقال : والله لا أخرج منها أبداً ؛ لأن الله قال ﴿ وَإِنْ ١١٠ ا مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُها ﴾ فقد وردتها يعنى النار وقال ﴿ وَما هُمْ منها بِمُخْرَجِينَ ﴾ فلستُ بخارج منها إلا بإذنه. فقال الله : بإذني دخلها فدعه. فذلك قوله ﴿ وَرَفَعْناه مَكَانا علياً ﴾.
وقوله :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ٥٩ ﴾ خَلْف : الخَلْف يُذهَب به إلى الذّم. والخَلَف الصالح. وقد يكون في الرديء خَلَف وفي الصالح خَلْف ؛ لأنهم قد يذهبون بالخَلْف إلى القَرْن بعد القرن.
وقوله :﴿ جَناتِ عَدْنٍ ٦١ ﴾ نَصْب. ولو رفعت على الاسْتئناف كان صواباً.
وقوله ﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مأتِيّاً ﴾ ولم يقل : آتَيا. وكلّ ما أتاكَ فأنت تأتيه ؛ ألا ترى أنك تقول أتيت على خمسين سَنة وأتت على خمسونَ سنة. وكلّ ذلك صواب.
وقوله :﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيّاً ٦٢ ﴾ ليسَ هنالك بكرة ولا عشِيّ، ولكنهم يُؤتَون بالرزق على مقادير من الغُدُوّ والعشيّ في الدنيا.
وقوله :﴿ وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ٦٤ ﴾ يعنى الملائكة وقوله : له ﴿ ما بَيْنَ أَيْدِينا ﴾ من أمر الدنيا ﴿ وَما خَلْفَنا ﴾ من أمر الآخرة ﴿ وَما بَيْنَ ذلك ﴾ يقال ما بين النفختين، وبينهما أَربعون سنةً.
وقوله :﴿ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً ٦٦ ﴾ و ( أُخْرُجُ ) قراءتان.
وقوله :﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ ٦٧ ﴾
وهي في قراءة أَبىّ ( يَتَذَكَّرُ ) وقد قرأت القراء ( يَذْكُرُ ) عاصم وغيره.
وقوله :﴿ خَيْرٌ مَّقَاما وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ٧٣ ﴾ : مجلساً. والندِىّ والنادى لغتان.
وقوله :﴿ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئياً ٧٤ ﴾ الأثاث : المتاع. والرِّئي : المنظر، والأثاث لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له. والعرب تجمع المتاع أمتعة وأماتيع ومُتُعاً. ولو جمعت الأثاث لقلت : ثلاثة آثَّةٍ، وأُثَت لا غير. وأهل المدينة يقرءونها بغير همز ( وَرِيّاً ) وهو وجه جيّد ؛ لأنه مع آيات لسن بمهموزات الأواخر. وقد ذُكر عن بعضهم أنه ذهب بالريِّ إلى رَوِيت. وقد قرأ بعضهم ( وَزِيّاً ) بالزاي. والزِّىُّ : الهيئة والمنظَر. والعرب تقول : قد زَيَّيْت الجارية أي زيَّنتها وهَيَّأتها.
وقوله :﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى ٧٦ ﴾ بالناسخ والمنسوخ.
وقوله :﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي ٧٧ ﴾ بغيرِ همز.
وقوله :﴿ لأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً٧٧ ﴾ حدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني المغيرة عن إبراهيم أنه كان يقرأ ( مالُهُ وَوُلْدُهُ ) وفي كهيعص ( مالاً ووُلْداً ) قال الفراء وكذلك قرأ يحيى بن وَثَّاب. ونصب عاصم الواو. وثقَّل في كلّ القرآن. وقرأ مجاهد ( مالُه ووُلْدُه إلاَّ خَسَاراً ) بالرفع ونصب سائر القرآن. وقال الشاعر :
ولقد رأيت معاشرا *** قد ثَمّروا مالاً ووُلْدَا
فخفف ( وثَمروا ) والوُلْد والوَلَد لغتان مثل ( ما قالوا ) : العَدَم والعُدْمُ ( والوُلْد والولد ) وهما واحد. ( وليسَ بجمع ) ومنْ أمثال العرب وُلْدُكِ مَن دَمَّى عقبيكِ. وقال بعض الشعراء :
فليت فلانا مات في بطن أمّه *** وليت فلانا كان وُلْدَ حمار
فهذا واحد. وقَيْس تَجعل الوُلْد جمعاً والوَلَدَ وَاحداً.
وقوله :﴿ وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ٨٠ ﴾ يعنى ما يزعم العَاصي بن وائل أنّه له في الجَنَّة فتجعله لغيره ﴿ وَيَأْتِينا فَرْداً ﴾ : خالياً من المال والولد.
وقوله :﴿ لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً ٨١ ﴾ يقول : ليكونوا لهم شُفَعاء في الآخرة.
فقال الله :﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ٨٢ ﴾ يكونون عليهم أعوانا.
وقوله :﴿ إنا أَرْسَلْنا الشَّيَاطِينَ على الْكَافِرِينَ ٨٣ ﴾ ( في الدنيا ) ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ : تزعجهم إلى المعاصي وتغريهم بها.
وقوله :﴿ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ٨٤ ﴾ يقال : الأيَّام والليالي والشهور والسنون. وقال بعض المفسِّرين : الأنفاس.
وقوله :﴿ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمانِ وَفْداً ٨٥ ﴾ الوَفْد : الركبان.
وقوله :﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ٨٦ ﴾
مُشَاة عطاشاً.
وقوله :﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ٨٧ ﴾ : لا يملكون أن يشفعوا ﴿ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمانِ عَهْداً ﴾ والعهد لا إله إلا الله. و ( مَن ) في موضع نصب على الاستثناء ولا تكون خفضاً بضمير اللام ولكنها تكون نصباً على معنى الخفض كما تقول في الكلام : أردت المرور اليوم إلاّ العدوّ فإني لا أمُرّ به فتسْتثنيه من المعْنى ولو أظهرت الباء فقلت : أردت المرور إلاّ بالعدوّ لخفضت. وكذلك لو قيل : لا يملكونَ الشَّفَاعَةَ إلاَّ لِمَن اتّخذ عند الرحمن [ ١١٠ ب ] عهداً.
وقوله :﴿ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ٨٩ ﴾
قرأتِ القرَّاء بكسر الأَلف، إلا أبا عَبد الرحمان السُّلَمِيَّ فإنه قرأها بالفتح ( أَدّا ) ومن العرب من يقول : لقد جئت بشيء آدٍّ مثل مادّ. وهو في الوجوه كلها : بشيء عظيم.
وقوله :﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ٩٠ ﴾ : كسراً.
وقوله :﴿ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ٩٠ ﴾ ويَنْفَطِرن. وفي قراءة عبد الله ( إن تكاد السَّماوات لتتصَدَّع منه ) وقرأها حمزة ( يَنْفَطِرْنَ ) على هذا المعنى.
وقوله :﴿ أَن دَعَوْا ٩١ ﴾ لأن دَعَوا، ومن أَن دَعَوا، وموضع ( أَن ) نَصْب لاتصالها. والكسائي كان يقول :( موضع أن ) خفض.
وقوله :﴿ إِلاَّ آتِي الرَّحْمانِ عَبْداً ٩٣ ﴾
ولو قلت : آتٍ الرحمن عبداً كان صوابا. ولم أسمعه من قارئ.
وقوله :﴿ وُدّاً ٩٦ ﴾ يقول : يجعل الله لهم وُدّا في صدور المؤمنين.
وقوله :﴿ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ٩٨ ﴾ الركز : الصوت.
Icon