تفسير سورة مريم

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة مريم من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ وإنِّي خِفْتُ المْوَاَليَ مِن وَّرَائِي ﴾ أي بني العم من ورائي، أي قدامي وبين يدي وأمامي، قال :
أَتَرجو بني مَرْوان سَمْعي وطاعتي ***وقَوْمي تميم والفَلاة ورائيا
قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهبٍ :
مَهْلاً بني عمنّا مَهْلاً مَوالينا لا تُظهرنَّ لنا ما كان مَدْفونا
" وكانَتَ امْرَأَتِي عَاقِراً } أي لا تلد، وكذلك لفظ المذكر مثل الأنثى، قال عامر بن الطفيل :
لَبئس الفَتَى إِن كنتُ أعورَ عاقراً جَباناً فما عُذْرى لَدَى كل مَحْضِر
﴿ فَهَبْ ليِ مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ أي من عندك ولداً ووارثاً وعضداً رضياً يرثني ؛ يرفعه قوم على الصفة، مجازه : هب لي ولياً وارثاً، يقولون : ائتني بدابة أركبها، رفع لأن معناها : ائتني بدابة تصلح لي أن أركبها ؛ ولم يرد الشرط ومن جزمه فعلى مجاز الشريطة والمجازاة كقولك : فإنك إن وهبته لي ورثني.
﴿ يَا زَكَريَّا ﴾ مجازه مجاز المختصر كأنك قلت :﴿ فقلنا يا زكريا ﴾ وفيه ثلاث لغات : زكرّياء ممدود، وزكرّيا ساكن، وزَكَرىٌّ تقديره بختِيٌّ.
﴿ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّاً ﴾ كل مبالغ من كبر أو كفرٍ أو فسادٍ فقد عتا يعتو عتياً.
﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ أي أهون.
﴿ وَحَنَانا مِّن لَّدُنَّا ﴾ أي رحمة من عندنا، قال امرؤ القيس ابن حجر الكندي :
ويمنَحُها بنو شَمَجي بن جَرْمٍ مَعِيزَهُمُ حَنَانكَ ذا الحَنانِ
وقال الحطيئة :
تَحنَّنْ علىَّ هداكَ المليك فإن لكل مقامٍ مقالا
أي ترحم، وعامة ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة العبدي :
أبا مُنْذر أفنيت فاستبق بِعضنَا حَنانَيْكَ بعض الشرّ أهونُ من بعضِ
﴿ إذِ انْتَبَذتْ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ اعتزلت وتنحت.
﴿ مَكَاناً شرْقِيّاً ﴾ مما يلي المشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي المغرب.
﴿ مَكانَاً قَصِيّاً ﴾ أي بعيدا.
﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلىَ جِذْعِ النَّخْلِة ﴾ مجازها أفعلها من جاءت هي وأجاء غيرها إليه، ؟يقال في المثل : شر ما أجاءني إلى مخه عرقوب، وقال زهير :
وجارٍ سار معتمداً إليكم أجاءتْه المخافُة والرَّجاء
﴿ وكنْتُ نِسْياً مَّنْسِياً ﴾ وهو ما نُسي مِن عصاً أو أدواةٍ أو غير ذلك، قال الشنفري :
كأَنَّ لها في الأرض نَسْياً تَقُصُّه على أَمِّها وإنْ تُحَدّثْك تَبْلَتِ
أي تقطع الحديث استحياءً وقال الكميت :
أتجعلنا قيسٌ لِكلب بضاعةً ولسْتُ بِنسيٍ في مَعّد ولا دَخلِ
وقال دكين الفقيمي :
كالنَّسْي مُلْقىً بالجَهادِ البَسْبَسِ ***
الجهاد غلظٌ من الأرض.
﴿ سَرِيّاً ﴾ أي نهراً، قال لبيد بن ربيعة :
فرمى بها عُرْضَ السَّرِيِّ فغادرا مسجورةً متجاورِاً قُلاّمُها
مسجورة أي مملوءة، القلام شجر يشبه القاقلي وهو نبت.
﴿ وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلِة ﴾ مجازه : هُزّي إليك جذع النخلة، الياء من حروف الزوائد، وقال :
نَضرب بالبِيض ونرجو بالفَرَجْ ***
معناه : ونرجو الفرج.
﴿ يَسَّاقَطْ عَلَيْكِ ﴾ من جعل ﴿ يساقط ﴾ بالياء فالمعنى على الجذع ومن جعله بالتاء فالمعنى على النخلة وهي ساكنة إذا كانت في موضع المجازات وموضع ﴿ يسَّاقط ﴾ في موضع يسقط عليك رطباً جنياً والعرب تفعل ذلك، قال أوفى ابن مطرٍ المازني :
تخاطَّأَت النَّبلُ أَحشاءَه وأُخِّر يَومى فلم يُعَجلِ
تخاطَّأت وهو في موضع أخطأت، وقال الأعشى :
ربي كريمٌ لا يكدِّر نِعمةً وإذا تُنُوشد بالمهَارِقِ أنشدا
هو في موضع نشد، أي سئل بالمهارق وهي الكتب، قال أمرؤ القيس :
ومثِلك بيضاءِ العوارضِ طَفْلةٍ لَعوبٍ تنَاساِني إذا قمتُ سِربالِي
في معنى تنسيني. وقال جرير :
لولا عظامُ طَرِيفٍ ما غفرتُ لكم بيعى قرايَ ولا نسَّأتكم غَضَبي
أي ما أنسأتكم لولا عظام طريف، يعني طريف بن تميم العنبري، قتله حمصيصة الشيباني، وهو ابن شراحيل.
﴿ إنيَّ نَذَرْتُ للرِحَّمْنِ صَوْماً ﴾ يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم، قال النابغة الذبياني.
خَيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمة تحتَ العَجَاج وخيلٌ تَعْلُكُ الُلجُما
﴿ شيئاً فَريّاً ﴾ أي عجباً فائقاً، وكذلك كل شيء فائق من عجب أو عمل أو جرى فهو فريٌ.
﴿ مَنْ كاَنَ فيِ الْمَهْدِ صَبِيَّاً ﴾ ول ﴿ كان ﴾ مواضع، فمنها لما مضى، ومنها لما حدث ساعته وهو : كيف نكلم من حدث في المهد صبياً، ومنها لما يجيئ بعد في موضع ﴿ يكون ﴾ والعرب تفعل ذلك، قال الشاعر :
إن يَسمعوا رِيبة طاروا بها فَرحاً منى وما يَسمعوا من صالح دَفَنوا
أي يطيروا ويدفنوا. ﴿ وكاَنَ اللهُ عَليماً حَكيِماً ﴾ فيما مضى والساعة، وفيما يكون ويجي ﴿ كان ﴾ أيضاً زائدة ولا تعمل في الاسم، كقوله :
فكيف إذا رأيت دِيارَ قومٍ وجِيرانٍ لهم كانوا كِرامِ
والمعنى وديار جيرانٍ كرامٍ كانوا، ﴿ وكانوا ﴾ فضلٌ لأنها لم تعمل فتنصب القافية، قال غيلان بن حريث الربعي :
إِلى كِناسٍ كان مستعيِدِه ***
وكان فضل، يريد إلى كِناسٍ مستعيدِ، وسمعت قيس بن غالب البدري يقول : ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم، أي لم يوجد مثلهم، ﴿ كان ﴾ فضل.
﴿ كاَنَ بِيَ حَفِيَّاً ﴾ أي متحفياً، يقال : تحفيت بفلان.
﴿ وَاجْتَبَيْنَا ﴾ أي اخترنا.
﴿ وَبُكيّاً ﴾ جمع باكٍ.
﴿ لاَ يَسْمَعُون فِيهَا لَغْواً ﴾ أي هذراً وباطلاً ﴿ إلاّ سلاماً ﴾ فالسلام ليس من اللغو والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه، فكان مجازه : لا يسمعون فيها لغواً إلا أنهم يسمعون سلاماً، قال :
يا بَن رُقَيع هل لها من مَغْبَقِ ما شَرِبتْ بعد طَوِيِّ الكُرْبَق
من قَطرةٍ غير النجاءِ الأدْفقِ **
فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها، قال أبو جندب الهذلي :
نَجا سالمٌ والنفسُ منه بشِدْقه ولم بنَجْ إلاّ جفْنُ سَيفِ ومئزَرا
ولسيا منه.
﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهَ سَمِيّاً ﴾ هل تعرف له نظيراً ومثلاً، إذا كان بعد هل تاء ففيها لغتان فبعضهم يبين لام ﴿ هل ﴾ وبعضهم يخمدها فيقول : " هتَّعلم "، كأنها أدغمت اللام في التاء فثقلوا التاء.
﴿ حَوْلَ جَهَنَّمِ جِثيِاًّ ﴾ جمع جاثٍ، خرج مخرج فاعل والجميع فعول، غير أنهم لا يدخلون الواو في المعتل.
﴿ عِتِيّاً ﴾ مصدر عتوت تعتو.
﴿ صِليّاً ﴾ مصدر " صليت تصلى " خرج مخرج فعلت فعولاً ولا يظهرون في هذا أيضاً الواو.
﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ أي مجلساً والندى والنادي واحد، قال حاتم طي :
ودُعيتُ في أُولَى النَّدِىِّ ولم يُنظَر إليَّ بأَعْيُن خُزْرِ
والجميع منها أندية، قال سلامة بن جندل :
يَوْمانِ يومُ مقَاماتٍ وأنديةٍ ويوم سُير إلى الأعداء تأويبِ
﴿ أثَاثاً ﴾ أي متاعا وهو جيد المتاع.
﴿ ورِئْياً ﴾ وهو ما ظهر عليه ورأيته عليه.
﴿ أَفَرَأَيْتَ الذَّيِ كَفَرَ بِآيَاتَنَا ﴾ إذا استفهموا ب ﴿ رأيت ﴾ فمنهم من يدعها على حالها كأنه لم يعده أحدث فيها شيئاً كما أحدث في ﴿ يَرَى ﴾ فيبقى همزتها، ومنهم من يرى أنه أحدث فيها شيئاً فيدع همزتها، قال أبو الأسود :
أَرَيْتَ اَمْرَءاً كنتُ لم أبْلُهُ أتاني فقال اتَّخِذْني خليلا
فخاللتُه ثم أكرمتُه فلم أستفد مِن لَديه فَتِيلا
ألستُ حقيقاً بتوديعه وإِتباعِ ذلك صَرْماً جميلا
وقال المتوكل الليثي :
أرأيتَ إن أهلكتُ مالِيَ كلَّه وتركت مالَك فيمَ أنْتَ تلومُ
﴿ تَؤُزُّهُمْ أزَّاً ﴾ أي تهيجهم وتغوبهم، فقال رؤبة :
لا يأخذ التأفيكُ والتَّحزّي فينا ولا قذفُ العُدَى ذو الأَزِّ
العدى بضم العين الأعداء، والعدى بكسر العين الغرباء.
﴿ إلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ﴾ جمع وافد.
﴿ إلَى جَهَنّمَ وِرْداً ﴾ مصدر " وَرَد يَردِ ".
﴿ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ﴾ عظيماً من أعظم الدواهي، قال رؤبة :
نَطَحَ بَني أُدٍ رؤوس الأدادْ ***
وقال :
كيْلاً على دُجوَةَ كَيْلا إدّاً كيْلا عليه أربعين مُدّا
وكذلك } إمْراً } وكذلك ﴿ شيئاً نُكْراً ﴾ وكذلك ﴿ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾ عظيماً من أعظم الدواهي.
﴿ تَكاَدُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ أي يتشققن كما يتفطر الزجاجة والحجر، ويقال : فطر نابه إذا شق نابه.
﴿ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدَّاً ﴾ مصدر هددت، أي سقطت ؛ فجاء مصدره صفةً للجبال.
﴿ أَنْ دَعَوْا للِرَّحمْنِ وَلَداً ﴾ وليس هو من دعاء الصوت، مجازه : أن جعلوا لله ولداً، قال الشاعر :
أَلا رُبَّ مَن تدعو نصيحا وإن تغب تجده بغيب غير منتصِح الصدْرِ
وقال ابن أحمر :
أهْوَى لها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرقَها وكنتُ أدعو قَذاها الإثمِدَ القَرِدا
القرد المنقطع من الإثمد يلزم بعضه بعضاً، أدعو أجمل ؛ الحشر السهم الذي حشر حشراً، وهو المخفف الريش ويقال للحمار : حشرٌ، إذا كان خفيفاً، وللرجل إذا كان صدعاً، والصدع : الربعة من الرجال.
﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدَّاً ﴾ أي محبة، وهو مصدر " وددت "، ﴿ سيجعل لهم ﴾ أي سيثيبهم ويزرقهم ذلك.
﴿ قَوْماً لُدّاً ﴾ واحدهم : ألد، وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل، قال مهلهل :
إنّ تحت الأحجار حَدَّاً وليناً وخَصيماً أَلدّ ذا مِغلاقِ
ويروى مغلاق الحجة عن أبي عبيدة وقال رؤبة :
أَسْكَتَ أَجراسَ القُرُوم الألواد الضَّيْغَمّياتِ العِظام الألدادْ
﴿ رِكْزاً ﴾ الركز : الصوت الخفي والحركة كركز الكتيبة، قال لبيد :
فتوجَّست رِكْزَ الأَنيس فَرابَها عن ظهر غيبٍ والأنيسُ سَقامُها
Icon