تفسير سورة الدّخان

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الدخان مكية
إلا قوله :﴿ إنا كاشفوا العذاب ﴾
وهي سبع أو تسع وثلاثون ١ آية وثلاث ركوعات
١ كذا بالأصل والصواب: وخمسون..

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم والكتاب المبين ﴾، الواو للعطف، إن كان حم مقسما بها بإضمار حرف القسم، والجواب قوله، ﴿ إنا أنزلناه ﴾.
﴿ إنا أنزلناه ﴾، أي : الكتاب المبين، ﴿ في ليلة مباركة١، قال تعالى :﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ ( القدر : ١ ) أنزل فيها جملة واحدة ٢ من اللوح إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أنزل مفصلا بسبب الوقائع، وعن بعض : هي ليلة النصف٣ من شعبان٤، ﴿ إنما كنا منذرين ﴾ : محذرين بإنزال الكتاب، مستأنفة تبين فائدة الإنزال،
١ يعني ليلة القدر /١٢ كمالين..
٢ أخرج سعيد بن منصور عن سعيد جبير قال: نزل القرآن من السماء العليا إلى السماء الدنيا جميعا في ليلة القدر ثم فصل بعد ذلك في تلك السنين /١٢ در منثور..
٣ عن عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:" إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب"/ أخرجه الترمذي/١٢ الباب [ضعيف، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، وانظر ضعيف الجامع (١٧٦١)]..
٤ كذا روى عن عكرمة، قال الحافظ ابن كثير: ومن قال ليلة النصف من شعبان فقد أبعد، فإن نص القرآن أنها في رمضان، وأما حديث "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى أن الرجل لينكح ويولد له، وقد خرج اسمه في الموتى "، فهو، حديث مرسل، ومثله لا يعارض النصوص، كذا في المواهب هذا ما في الكمالين، وذكر في منهية الكمالين، أن الحديث رواه ابن جرير عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس مرسلا /١٢. [انظر الدر منثور(٥/٧٤٠)].
﴿ فيها ﴾ : في تلك الليلة، ﴿ يفرق ﴾ : يفصل ويثبت١، ﴿ كل أمر حكيم ﴾ : محكم لا يبدل من الأرزاق والآجال وجميع أمرهم إلى السعة، الآية، قال تعالى :﴿ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ﴾ ( القدر : ٤ )،
١ وفي نسخة(ن): يبين..
﴿ أمرا من عندنا ﴾، نصب على الاختصاص، أي : أعني به أمرا حاصلا من عندنا، أو حال من كل، أو من ضمير حكيم، ﴿ إنا كنا مرسلين ﴾، إلى الناس يتلوا عليهم آياتنا، بدل من إنا كنا منذرين، أي : أنزلنا القرآن، لأن من عادتنا إرسال الرسل،
﴿ رحمة من ربك ﴾، مفعول له، وقيل " إنا كنا " علة ليفرق، ورحمة مفعول به، أي : يفصل الأمور فيها، لأن من شأننا إرسال الرحمة، وفصل الأمور من باب الرحمة، ﴿ إنه هو السميع العليم ﴾، للأقوال والأحوال، والرب لا بد أن يكون كذلك،
﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ﴾ : في إقراركم بأن الله خالق السماوات والأرض، تعرفون مضمون ما ألقى إليكم من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتعترفوا به، فإن الكفرة معترفون بأن خالق الأشياء هو الله، أو معناه إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك،
﴿ لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون ﴾، في الدنيا، رد لكونهم موقنين،
﴿ فارتقب ﴾ : انتظر لهم، ﴿ يوم ﴾، مفعول به لارتقب، ﴿ تأتي السماء بدخان مبين ﴾ : هو الدخان الموعود، الذي هو من علامة قرب القيامة البين الواضح، الذي يراه كل أحد، وإليه ذهب حبر الأمة ابن عباس١ رضي الله عنه وكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مع الأحاديث من الصحاح والحسان،
١ وفي الكمالين وقال ابن عباس رضي الله عنه، وابن عمر والحسن وغيرهم: إن المراد بالدخان، الدخان المعدود من أشراط الساعة البين الواضح الذي يراه كل أحد، وقد ورد به الأحاديث الصحيحة عند مسلم، وغيره وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان مرفوعا "إن أول الآيات الدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر"، فقال حذيفة: يا رسول الله، وما الدخان؟ فتلا هذه الآية ﴿يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة، فأما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" /١٢. [ذكره الحافظ ابن كثير في "التفسير" (٤/ ١٣٩) من طريق ابن جرير، وقال،" موضوع بهذا السند"]..
﴿ يغشى الناس ﴾ : يحيط بهم، أما المؤمن فيصيبه كالزكام، وأما الكافر فهو كالسكران، ويخرج من منخريه وأذنيه ودبره، ﴿ هذا عذاب أليم ﴾
﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾، أي : قائلين هذا عذاب إلى مؤمنون، ﴿ إنا مؤمنون ﴾، وعد بالإيمان إن كشف عنهم، كأنه قيل : إن تكشف فإنا مؤمنون،
﴿ أنى لهم الذكرى ﴾ : من أين لهم التذكر ؟ ﴿ وقد جاءهم رسول مبين ﴾
﴿ ثم تولوا عنه وقالوا معلم ﴾، قال بعضهم : يعلمه غلام أعجمي، ﴿ مجنون ﴾، وقال بعضهم : مجنون، يعني : لا يتأتى منهم التذكر بهذا السبب، فإنه قد جاءهم أسباب أعلى من هذا، وما التفتوا إليها،
﴿ إنا كاشفوا العذاب قليلا ﴾ : زمانا قليلا يكشف الله تعالى الدخان، قيل : بعد أربعين يوما فيرتدون، ولا يفون بوعدهم، ﴿ إنكم عائدون ﴾ : في الكفر، ولا يلزم أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم بالكلية، ثم عادوا إليه، قال تعالى حكاية عن شعيب ﴿ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها ﴾ ( الأعراف : ٨٩ ) ولم يكن شعيب قط على ملتهم، قال قتادة : إنكم عائدون إلى عذاب الله تعالى،
﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾، هو يوم القيامة، ﴿ إنا منتقمون١، منهم، والعامل في " يوم " فعل دل عليه " إنا منتقمون "، لأن إن مانع من عمله فيما قبله، أو بدل من :" يوم تأتي "، وعن ابن مسعود رضي الله عنه وبعض آخر من السلف٢ أن المراد من الدخان الظلمة التي في عام القحط من قلة الأمطار، وكثرة الغبار، أو ما يرى الجائع كهيئة الدخان من المجاعة من ضعف بصره، وحين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتجئوا وقالوا : ادع الله تعالى لئن يكشف عنا لنؤمن لك، فدعا وكشف ولم يؤمنوا، فانتقم الله تعالى منهم يوم بدر، وهو البطشة الكبرى،
١ لما بين أن كفار مكة مصرون على كفرهم، بين أن كثيرا من المتقدمين أيضا كانوا كذلك، فبين حصول هذه الصفة في أكثر قوم فرعون، فقال: ﴿ولقد فتنا قبلهم﴾ الآية/ ١٢ كبير..
٢ قال ابن مسعود: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، وسأحدثكم إن قريشا لما استعصوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا عليهم، فقال:" اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف والعظام، وكانوا يرون بين السماء والأرض الدخان، حتى إن الرجل يحدث الرجل فيسمع صوته ولا يرى المتكلم من الدخان فمشى أبو سفيان ونفر معه فناشدوه الله والرحم، وواعدوه بالإيمان بعد كشف العذاب، فلما كشف عنهم بدعائه- صلى الله عليه وسلم- رجعوا إلى حالهم، فرحم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأرسل إليهم صدقة ومالا، وأنزل الله:﴿يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون﴾ /١٢ وجيز [أخرجه البخاري في "التفسير"، (٤٨٢١)]..
﴿ ولقد فتنا قبلهم ﴾ : قبل قريش، ﴿ قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ﴾، على الله،
﴿ أن أدوا ﴾، أن مفسرة، ﴿ إلى عباد الله ﴾ : بني إسرائيل وأرسلوهم معي ولا تعذبوهم، ﴿ إني لكم رسول أمين ﴾، على الوحي،
﴿ وأن لا تعلوا ﴾ : لا تتكبروا، ﴿ على الله ﴾، بترك طاعته، ﴿ إني آتيكم بسلطان مبين ﴾ : حجة ظاهرة على صدق قولي،
﴿ وإني عدت بربي وربكم ﴾ : التجأت إلى الله تعالى، ﴿ أن ترجمون ﴾ : تقتلوني، أو تشتموني فإنه الرجم باللسان،
﴿ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ﴾ : كونوا بمعزل مني، لا تتعرضوا إلي بسوء،
﴿ فدعا ربه ﴾، شاكيا بعد ما كذبوه، ﴿ أن هؤلاء ﴾، أي : بأنهم، ﴿ قوم مجرمون ﴾
﴿ فأسر بعبادي ﴾، أي : قال الله تعالى، إذا كان الأمر كذلك فأسر ببني إسرائيل، ﴿ ليلا ﴾ : قبل الصبح، ﴿ إنكم متبعون ﴾ : يتبعكم القبط،
﴿ واترك البحر رهوا ﴾، أي : اتركه حين قطعته، وعبرت ساكنا كهيئته، ولا تأمره بأن يرجع إلى ما كان، وذلك لما جاوز أراد أن يضرب بعصاه، حتى يعود كما كان ليصير حائلا بينهم وبين فرعون، فأمر الله تعالى أن يتركه على حاله، ﴿ إنهم جند مغرقون ﴾،
﴿ كم تركوا ﴾ كثيرا تركوا، ﴿ من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ﴾، في مصر وقراه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:﴿ كم تركوا ﴾ كثيرا تركوا، ﴿ من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ﴾، في مصر وقراه.
﴿ ونعمة كانوا فيها فاكهين ﴾ : متنعمين،
﴿ كذلك ﴾ : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها، ﴿ وأورثناها ﴾، عطف على الفعل المحذوف، ﴿ قوما آخرين ﴾، بني إسرائيل١،
١ كذا روى ابن جرير عن قتادة، كما نقله السيوطي في الدر المنثور، وفي الوجيز، قوما آخرين هم بنو إسرائيل، وفي سورة الشعراء ﴿كذلك أورثناها بني إسرائيل﴾ (الشعراء: ٥٩)، فلا تعتد ولا تعتبر على ما في التواريخ ليس بعزيز/١٢..
﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾، لكل مؤمن باب في السماء ينزل منه رزقه، ويصعد فيه عمله، فإذا مات أغلق بابه فقد بكا عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض بكت عليه وليس لقبط عمل صالح فما بكت١، وكلام بعض السلف : على أن بكاء الباب المذكور لكل مسلم، وأما بكاء السماء مطلقا فما بكت منذ كانت الدنيا إلا على اثنين يحيى بن زكريا، وحسين بن علي عليهما السلام٢ لما قتلا احمرت السماء وبكت، وقيل : مجاز عن عدم الاكتراث٣ بهلاكهم، قالت العرب في موت عظيم : بكته الريح وأظلمت له الشمس، ﴿ وما كانوا منظرين ﴾ : ممهلين لتوبة وغيرها.
١ هذا الكلام ورد نحوه مرفوعا، وقال الهيثمي في " المجمع" (٧/١٠٥):" رواه أبو يعلى وفيه موسى بن عبيدة الربذى وهو ضعيف"..
٢ هذا من كلام زيد بن زياد، وهو يفتقر إلى ما يؤيده..
٣ يقال ما أكثرت له، أي: ما أبالي به/١٢ صراح..
﴿ ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ﴾ : قتل الأبناء واستخدام النساء،
﴿ من فرعون ﴾، حال من ضمير المهين، أو بدل من العذاب، ﴿ إنه كان عاليا من المسرفين ﴾ : في الشرارة،
﴿ ولقد اخترناهم ﴾، بني إسرائيل، ﴿ على علم ﴾ : عالمين بأنهم أحقاء ﴿ على العالمين ﴾ : على عالمي زمانهم،
﴿ وآتيناهم من الآيات ﴾، على يدي موسى، ﴿ ما فيه بلاء١ : اختبار أو نعمة، ﴿ مبين ﴾
١ نعمة ظاهرة من فلق البحر، والمن والسلوى/١٢ جلالين..
﴿ إن هؤلاء ﴾ : قريشا والكلام فيهم، وحكاية القبط لتذكيرهم، ﴿ ليقولون ﴾
﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾، التي هي بعد الحياة الدنيا، وليست بعدها موتة القبر، فلا حياة فيه، ﴿ وما نحن بمنشرين ﴾ : من القبور، نفوا أولا بقوله : إلا موتتنا الأولى الإحياء في القبر بنفي الإماتة فيه، ثم نفوا البعث والإحياء بعد القبر، وهي ضمير مبهم يفسره الخبر، أو ما نهاية الأمر إلا الموت الذي بعد حياة الدنيا، يعني : ليس بعده إلا الفناء المحض، ولهذا صرحوا بقولهم : وما نحن بمنشرين،
﴿ فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين١أي : إن صدقتم أنه يمكن النشور بعد الموت، فاسألوا ربكم إحياء من مات من آبائنا، حتى نعلم صدق ما تقولون،
١ ولما كان حمير ومن تبعهم من قوم تبع أقرب المهلكين، لعدم إطاعة نبيهم حذر قريشا من أن يصيروا مثلهم فقال: ﴿أهم خير﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ أهم ﴾ : قريش، ﴿ خير ﴾، في القوة، والمنعة، ﴿ أم قوم تبع ﴾ وهم سبأ، أهلكهم الله تعالى، وخرب ديارهم وفرقهم شذر ومذر، وتبع اسم لمن ملك فيهم، كما أن كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر للروم، وفرعون لمصر، والنجاشي للحبشة، وهو الذي بنى سمرقند، وفي الحديث " لا أدري أتبع كان نبيا أم لا " ١ وقد رد أيضا " لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد٢ أسلم٣ " وهو كان في زمن موسى- عليه السلام، ﴿ والذين من قبلهم ﴾ : من الأمم الكافرة، ﴿ أهلكناهم ﴾، هدد بهم قريش، ﴿ إنهم كانوا مجرمين ﴾، كقريش،
١ صحيح، أخرجه أبو داود (٤٦٧٤) والحاكم (١/ ٣٦) وصححه وأقره الذهبي، ووافقهما الشيخ الألباني كما في الصحيحة (٢٢١٧). ثم قال: (فائدة): قال ابن عساكر:" وهذا الشك من النبي- صلى الله عليه وسلم- كان قبل أن يبين له أمره، ثم أخبر أنه كان مسلما، وذلك فيما أخبرنا...." ثم ساق الحديث الذي بعده..
٢ رواه الإمام أحمد والطبراني، وروى ابن إسحاق وغيره، أنه آمن من قبل البعثة بسبع مائة سنة، وكتب كتابا فيه: أما بعد، فإني آمنت بك، وبكتابتك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربك ورب كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربك، فإن أدركتك فبها ونعمت، إلا فاشفع لي، ولا تنسني يوم القيامة، فإني من أمتك الأولين، وبليعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك، وملة أبيك، ثم ختم الكتاب، ونقش عليه (لله الأمر من قبل ومن بعد) وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد الله نبي الله، ورسوله خاتم النبيين ورسول رب العالمين من تبع، فكان الكتاب عند أبي أيوب خالد ابن زيد حين بعثه النبي- صلى الله عليه وسلم- يتوارثونه كابرا عن كابر حتى أدوها النبي صلوات الله وسلامه عليه /١٢ وجيز.
وفي الفتح سمى تبعا لكثرة أتباعه، وقيل: كل واحد من ملوك اليمن يسمى تبعا، لأنه يتبع صاحبه الذي قبله كما سمى في الإسلام خليفة/ ١٢ فتح، وكان في شعره
وحدثت أن رسول المليك *** يخرج حقا بأرض الحرم
ولو مد دهري إلى دهره لكنت وزيرا له وابن عم
١٢ در منثور..

٣ رواه البيهقي، والحاكم، وصححه/١٢ فتح. [أخرجه أحمد (٥/٣٤٠) فالعزو إليه أولى، وذكر الشيخ الألباني، رحمه الله- في الصحيحة (٥/٢٥٢) أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.].
﴿ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما ﴾ : بين الجنسين١، ﴿ لاعبين ﴾ : لاهين،
١ ولذا لم يقل ما بينهن/١٢ منه..
﴿ ما خلقناهما إلا بالحق ﴾ : بسبب الحق هو البعث والجزاء وغيرهما، ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾
﴿ إن يوم الفصل١ : فصل الحق والمحق عن الباطل والمبطل، ﴿ ميقاتهم ﴾ : وقت وعدهم، ﴿ أجمعين ﴾
١ لما كان المقصود من قوله: ﴿ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين﴾ إثبات القول بالبعث والقيامة، فلا جرم ذكر عقيبه قوله: ﴿إن يوم الفصل﴾ الآية/١٢ كبير..
﴿ يوم لا يغني ﴾، بدل عن يوم الفصل، ﴿ مولى ﴾، أي مولى كان من قرابة أو غيرها، ﴿ عن مولى ﴾، أي مولى كان، ﴿ شيئا ﴾، من الإغناء مصدر، ﴿ ولا هم ينصرون ﴾، الضمير إما للمولى الأول، أي : هم ليسوا بناصر، ولا بمنصور١، وجاز عوده إلى الثاني، أو إليهما.
١ وجاز عود ضمير جمع إلى الفرد لفظا، لأن لفظه مطلق شائع وفي جنسه متأول لكل ولبعض /١٢ وجيز..
﴿ إلا من رحم الله ﴾، بدل من واو " ينصرون " أو نصب على الاستثناء منه فإنه جاز النصب، والمختار البدل، والمراد المؤمنون ﴿ إنه هو العزيز ﴾، الغالب الذي لا يغلب، ﴿ الرحيم١ لمن كان أهل الرحمة.
١ ولما كان السياق في الانتقام أخبر عن حال الفجار بطريق الاستئناف، فقال:﴿إن شجر الزقوم﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ إن شجرة الزقوم ﴾، سبق في الصفات بيانه.
﴿ طعام الأثيم ﴾ : كثير الإثم أي : الكافر لأن الكلام فيه.
﴿ كالمهل ﴾ : دردي الزيت، وقيل، هو ذائب الفضة والنحاس، ﴿ يغلى في البطون ﴾، ومن قرأ " يغلي " بالياء فباعتبار أن الشجرة طعام الأثيم
﴿ كغلي الحميم ﴾، غليان مثل غليان الماء الشديد الحرارة.
﴿ خذوه ﴾، أي : قلنا للزبانية : خذوا الأثيم، ﴿ فاعتلوه ﴾ : سوقوه بعنف، ﴿ إلى سواء الجحيم ﴾ : وسطها.
﴿ ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ﴾، الملك يضربه بحديد فيفتح دماغه، ثم يصب الحميم على رأسه فيسلت ما في بطنه من الأمعاء، فيتمزق على كعبيه، أعاذنا الله تعالى من ذلك.
﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾، أي : قولوا له ذلك سخرية وتقريعا، وعن١ عكرمة :٢ أنه عليه السلام قال لأبي جهل :" أمرني الله تعالى أن أقول لك أولى فأولى "، فقال : ما تستطيع لي ولا صاحبك٣ من شيء إني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم، فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته، وأنزل :﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾، وذكر غير واحد من السلف : أن المراد من الأثيم أبو جهل١.
١ ولما كانت السورة مكية فالظاهر نزول الآية عند قوله ما تستطيع أنت وصاحبك/١٢ وجيز..
﴿ إن هذا ﴾ : العذاب، ﴿ ما كنتم به تمترون ﴾ : ما تشكون فيه.
﴿ إن١ المتقين في مقام ﴾ : موضع إقامة، ﴿ أمين ﴾ : يأمن صاحبه عن كل مكروه.
١ لما ذكر حال المجرمين أعقبه بحال المتقين كما هو عادة كلام الله/١٢ وجيز..
﴿ في جنات ﴾، بدل من مقام، ﴿ وعيون ﴾
﴿ يلبسون ﴾، خبر ثان، أو حال، أو استئناف، ﴿ من سندس ﴾ : ما رقّ من الحرير، ﴿ وإستبرق ﴾ : ما غلظ منه، ﴿ متقابلين ﴾، لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره لأنس بينهم.
﴿ كذلك ﴾، أي : الأمر كذلك، أو أثبناهم مثل ذلك، ﴿ وزوجناهم بحور ﴾ : قرناهم بهن، والحور : النساء النقيات البياض، ﴿ عين ﴾ : عظيمة العينين.
﴿ يدعون فيها بكل فاكهة ﴾ : يأمرون بإحضار أنواع الفواكه، ﴿ آمنين ﴾، من كل مكروه.
﴿ لا يذوقون فيها الموت ﴾، بل حياتهم أبدية، ﴿ إلا الموتة الأولى ﴾، لكن ذاقوا الموتة الأولى في الدنيا، قيل الاستثناء للمبالغة، فإن الغرض من إعلام أنهم لا يذوقون الموت أصلا، كأنه قال : لو فرضنا ذوق الموت في الجنة لما ذاق إلا الموتة الأولى وذوق تلك الموتة محال، لأنها ماضية، فالذوق محال، ﴿ ووقاهم عذاب الجحيم ﴾
﴿ فضلا ﴾، أي : أعطى كل ذلك تفضلا، ﴿ من ربك ذلك هو الفوز العظيم١
١ ولما امتن بأن جميع النعم من فضله سبحانه، أعقبه بفرد من الفضل تام فقال: ﴿فإنما يسرناه﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ فإنما يسرناه ﴾ : سهلنا القرآن، ﴿ بلسانك ﴾، فإنه بلغتك، ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ : لكي يفهموه فيتعظوا به.
﴿ فارتقب ﴾ : انتظر الفتح أو ما يحل بهم، ﴿ إنهم مرتقبون ﴾ : ما يحل بك من الدوائر١.
فالحمد لله رب العالمين.
١ فيما يزعمون من ظنونهم الكاذبة فهو وعد ووعيد، والحمد لله على كل حال/١٢ وجيز..
Icon