ﰡ
مكّيّة وهى تسع وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) المظهر للحلال والحرام اى القران والواو للعطف ان كان حم مقسما به والا فللقسم والجواب قوله.
إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القران فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ لما فيها نزول القرآن السبب للمنافع الدينية والدنيوية وفيها نزول الملائكة والرحمة واجابة الدعاء وهى ليلة القدر كذا قال قتادة وابن زيد قالا انزل الله القران فى ليلة القدر من أم الكتاب الى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على النبي ﷺ نجوما فى عشرين سنة- وما قيل انها ليلة النصف من شعبان فليس بشئ لقوله تعالى شهر رمضان الّذى انزل فيه القران وقوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وما روى عن القاسم بن محمد عن أبيه او عمه عن جده عن رسول الله ﷺ انه قال ينزل الله جلّ ثناؤه ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس الا إنسانا فى قلبه شحناء او مشركا بالله- رواه البغوي لا يدل على نزول القران فى تلك الليلة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) الناس عن عذاب الله فى القران جملة مستأنفة او بدل اشتمال من قوله انّا أنزلناه-.
فِيها يُفْرَقُ اى يفعل او يقضى كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) اى محكم او متلبس بالحكمة او اسناده مجازى يعنى حكيم صاحبه جملة مستأنفة او صفة ثانية لليلة وفيه تنبيه على ان
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا اى اعنى بهذا الأمر امرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا وهو مزيد تفخيم الأمر ويجوز ان يكون حالا من كلّ امر او من الضمير المستكن فى حكيم وجاز ان يكون مفعولا به ليفرق بدلا من كل امر وجاز ان يكون المراد بالأمر طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وقع مصدرا ليفرق او لفعله مضمرا من حيث ان الفرق به او حالا من احدى ضميرى أنزلناه يعنى أمرين او مأمورا به إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) محمدا ﷺ ومن قبله من الرسل بدل اشتمال لقوله انّا كنّا منذرين اى انا أنزلنا القران لان من عادتنا الانذار وإرسال الرسل بالكتب الى العباد.
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعول له للارسال او لتفريق كل امر حكيم او مفعول به لمرسلين قال ابن عباس رأفة منى بخلقي ونقمة عليهم بما بعثنا عليهم من الرسل ووضع المظهر موضع الضمير للاشعار بان الرّبوبية اقتضت ذلك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) اى يسمع اقوال العباد ويعلم أحوالهم وهو وما بعده تحقيق لربوبيته فانها لا تحق الا لمن له هذه الصفات.
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما قرأ اهل الكوفة ربّ بالجر على انه بدل من قول ربّك والباقون بالرفع على انه خبر اخر لان او صفة للسّميع العليم او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) شرط حذفت جزاؤه يعنى ان كنتم من اهل الإيقان فى العلوم او ان كنتم موقنين فى
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا يستحق العبادة غيره إذ لا خالق سواه جملة مقررة لقوله رب السّموت والأرض او خبر اخر لان يُحْيِي وَيُمِيتُ كما تشاهدون خبر اخر لان او حال من هو رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) خبر اخر لان او بدل من هو.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من البعث او من القران إضراب من الإيقان يَلْعَبُونَ (٩) حال من الضمير فى الظرف اى يلهون بالقران ويستهزءون بك يا محمد فيه التفات من الخطاب الى الغيبة-.
فَارْتَقِبْ يا محمد الفاء للسببية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠).
يَغْشَى النَّاسَ يوم مفعول به لارتقب واختلفوا فى هذا الدخان قال ابن عباس وابن عمر والحسن رضى الله عنهم انه من اشراط الساعة اخرج ابن جرير والثعلبي والبغوي من حديث حذيفة يقول قال النبي ﷺ أول الآيات الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس الى المحشر تقيل معهم إذا قالوا قال حذيفة يا رسول الله ما الدخان فتلا هذه الاية يوم تأتي السّماء بدخان مبين يملاها بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة فامّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة واما الكافر كمنزلة السكران تخرج من منخره واذنيه ودبره- واخرج الطبراني بسند جيد عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله ﷺ ان ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل سمع فيه والدابة والثالث الدجال- له شواهد قوله هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ مقدر بالقول وقع حالا وقوله إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) وعد منهم بالايمان ان كشف عنهم العذاب تقديره يقول الكافرون من الناس هذا القول.
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى اى من اين لهم التذكر والاتعاظ بهذه الحالة الاستفهام للانكار والجملة مستأنفة قول من الله تعالى فى جواب هل يتذكرون وَقَدْ جاءَهُمْ يعنى والحال انه قد جاء
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) يعنى قال بعضهم هو معلّم علمه بشر وهو غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال بعضهم هو مجنون.
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ بقدر أربعين يوما جواب لقولهم ربّنا اكشف عنّا العذاب انّا مؤمنون قَلِيلًا اى كشفا قليلا او زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم او ما بقي من عمر الدنيا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) الى الكفر تعليل لقلة زمان الكشف-.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى الى يوم القيامة ظرف لما دلّ عليه قوله إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) لا لمنتقمون لان انّ يحجز عنه وأنكر ابن مسعود هذا التفسير روى البغوي عن ابى الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث فى كندة فقال يجئ دخان يوم القيامة فيأخذ باسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ففزعنا فاتيت ابن مسعود وكان متكيا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله اعلم فان من العلم ان يقول لما لا يعلم الله اعلم- فان الله تعالى قال لنبيه ﷺ قل ما اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلّفين وان قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي ﷺ فقال اللهم اعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حتى اهلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان فجاءه ابو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وان قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين الى قوله انّا كاشفوا العذاب قليلا حتى استسقى لهم النبي ﷺ ثم عادوا الى الكفر كما قال الله تعالى انّكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى اى يوم بدر انّا منتقمون- واخرج البغوي عن ابن مسعود قال خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان- وروى البخاري فى الصحيح عن ابن مسعود قال ان قريشا لما استقصوا على النبي ﷺ دعا عليهم بسنين كسنى يوسف فاصابهم قحط حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر الى السماء
وَلَقَدْ فَتَنَّا اى امتحنّا وبلونا جواب قسم محذوف قَبْلَهُمْ اى قبل كفار مكة قَوْمَ فِرْعَوْنَ معه وَجاءَهُمْ رَسُولٌ عظيم الشأن عطف او حال كَرِيمٌ (١٧) على الله او على المؤمنين او فى نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه وهو موسى عليه السلام.
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ ان مصدرية اى بان أدوا الىّ بنى إسرائيل وأرسلوهم معى واطلقوهم ولا تعذبوهم او بان أدوا الىّ حق الله من الايمان وقبول الدعوة يا عباد الله والمراد بعباد الله فرعون وقومه- وجاز ان يكون ان مفسرة لان مجئ الرسول يكون برسالة ودعوة ففيه معنى القول او مخففة من الثقيلة إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله أَمِينٌ (١٨) على وحيه او غير متهم لدلالة المعجزات على صدقى والجملة تعليل لادوا.
وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ عطف على ادّوا اى لا ترفعوا علىّ بالامتهانة وترك الطاعة وان كالاولى فى وجوهها إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) اى برهان بين على صدقى الجملة علة للنهى ولذكر الامين مع الأداء وتعلّي مع السلطان مناسبة بينة فلما قال ذلك توعدوه بالرجم فقال.
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) اى من ان ترجمونى قرأ ورش «ويعقوب فى الجالين- ابو محمد» بالياء وصلا فقط والباقون بحذفها فى الحالين قال قتادة ان تقتلونى بالرجم وقال ابن عباس تشتمونى وتقولوا ساحر والظاهر هو الاول لان موسى عليه السلام لو استعاذ من؟؟؟ لما شتموه وقد قالوا هذا سحر مبين.
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي قرأ ورش بفتح الياء والباقون بإسكانها اى ان لم تصدقونى فَاعْتَزِلُونِ (٢١) قرأ ورش بالياء «فصلا فقط ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» والباقون بحذفها اى فكونوا بمعزل منى لا علىّ ولا لى ولا تتعرّضوا لى بسوء.
فَدَعا رَبَّهُ بعد ما كذبوه ولم يتركوه وآذوه أَنَّ هؤُلاءِ
(٢٢) اى مشركون تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سمى دعاء..
فَأَسْرِ الفاء جزائية والجملة مقدرة بالقول يعنى فاجاب الله وقال ان كان الأمر كذلك فاسر قرأ نافع وابن كثير «وابو جعفر- ابو محمد» بوصل الهمزة من سرى يسرى والباقون بهمزة القطع من الاسراء بِعِبادِي اى المؤمنين وهم بنو إسرائيل لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) يتبعكم فرعون وقومه إذا علموا بخروجكم جملة مستأنفة.
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ إذا خرجت عنه وأصحابك رَهْواً حال من البحر اى مفتوحا ذا فجوة واسعة او ساكنا على هيئته ولا تضربه بعصاك حتى يلتئم قال قتادة لمّا قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه حتى يلتئم وخاف ان يتبعه فرعون وجنوده فقيل له اترك البحر رهوا كما هو قيل رهوا مصدر بمعنى الفاعل إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) الجملة مستأنفة فى مقام التعليل.
كَمْ تَرَكُوا اى تركوا كثيرا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) اى محافل مزينة ومنازل حسنة.
وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) اى متنعمين جملة كم تركوا معترضة.
كَذلِكَ قال الكلبي معناه كذلك افعل بمن عصانى وقيل معناه الأمر كذلك وَأَوْرَثْناها عطف على المقدر تقديره سلبناها منهم وأورثناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) اى بنى إسرائيل او عطف على تركوا.
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ عطف على مضمون الكلام السابق اى أهلكوا كفارا فما بكت وهذا مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم وعدم الاعتداد بوجودهم كقولهم فى نقيض ذلك بكت عليهم السماء وكسفت عليهم الشمس وقيل هو على الحقيقة وذلك بخلاف المؤمن إذا مات تبكى عليه السماء والأرض روى الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ ما من عبد الا وله فى السماء بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فاذا مات فقداه وبكيا عليه- وروى- ابن جرير والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس انه سئل عن قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ قال نعم انه ليس أحد من الخلائق الا له باب فى السماء ينزل منه رزقه
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) يعنى قتل الأبناء واستبقاء النساء واستعباد الرجال واستعمالهم فى الأعمال الشاقة.
مِنْ فِرْعَوْنَ بدل اشتمال من العذاب او جعله عذابا لافراطه فى التعذيب على المجاز او على حذف المضاف اى من عذاب فرعون فهو بدل الكل او حال من العذاب اى واقعا من جهتيه او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنَّهُ كانَ عالِياً اى متكبرا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) فى العتو والشرارة وهو خبر ثان اى كان متكبرا مسرفا او حال من الضمير فى عاليا اى كان رفيع الطبقة من بينهم والجملة معترضة او مستأنفة.
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ يعنى موسى وبنى إسرائيل عَلى عِلْمٍ حال اى عالمين بانهم أحقاء بذلك او اخترنا بنى إسرائيل على علم منّا بانهم يزيغون فى بعض الأحوال عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) اى على عالمى زمانهم.
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) قال قتادة نعمة بينة وقال ابن زيد ابتلاؤهم بالرخاء والشدة وقرا ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنة.
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار قريش إذ الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة الدلالة على انهم مثلهم فى الإصرار على الضلالة والانذار عن مثل ما حل بهم لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى يعنى ما العاقبة ونهاية الأمر الا الموتة الاولى المزيلة
فَأْتُوا بِآبائِنا الذين ماتوا خطاب للنبى ﷺ والمؤمنين جزاء شرط محذوف اى ان كان البعث بعد الموت ممكنا فاتوا بآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) فى انا نبعث بعد الموت شرط مستغن عن الجزاء بما مضى.
أَهُمْ خَيْرٌ فى القوة والشوكة والكثرة من قوم تبّع أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ خير منهم استفهام انكار وتقرير يعنى لستموا خيرا من قوم تبع وقوم تبع كانوا خيرا منهم. وتبع اسم رجل سمى تبع لكثرة اتباعه قيل كانت التبايعة رجالا كل واحد سمى تبعا لانه يتبع صاحبه- ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن ابن عباس وغيره قالوا كان اخر التبايعة هو اسعد ابو كرب بن مليك ذكر البغوي قصته فى تفسير هذه الاية وذكرت القصة فى تفسير سورة ق لانى قد سبق منى تفسير تلك السورة- ذم الله تعالى قومه ولم يذمه لانه قد اسلم وكذّبه قومه وقال محمد بن إسحاق فى المبتدا وابن هشام فى التيحان ان بيت ابى أيوب الذي نزل فيه رسول الله ﷺ مقدمة المدينة بناه تبع الاول اسمه تبان بن سعد وذكرت قصته فى سورة الجمعة والله اعلم وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الكافرة كعاد وثمود ونحوهم عطف على قوله قوم تبّع أَهْلَكْناهُمْ استئناف او حال بإضمار قد او خبر للموصول ان استؤنف به إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) اى مشركين تعليل وبيان للجامع المقتضى للاهلاك..
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما اى بين الجنسين لاعِبِينَ (٣٨) اى لاهين فاعلين فعلا عبثا باطلا والجملة ما خلقنا السّماوات إلخ حال من مضمون الكلام السابق المتضمن لانكار البعث تقديره أنكروا البعث والحال انه ما خلقنا السّماوات والأرض وما بينهما لاعبين بل خلقنا هما للاستدلال بهما على وجودنا وصفات كما لنا والابتلاء.
ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى لاظهار الحق
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ اى يوم القيامة الذي يفصل فيها الحق من الباطل والمحق من المبطل بالجزاء مِيقاتُهُمْ اى ميقات حشرهم وجزائهم أَجْمَعِينَ (٤٠) هذه الجملة مقررة لما سبق من ان خلقها للاستدلال والابتلاء.
يَوْمَ لا يُغْنِي بدل من يوم الفصل او ظرف لما دلّ عليه الفصل لانه للفصل اى يوم لا ينفع مَوْلًى من قرابة او غيره عَنْ مَوْلًى اىّ مولى كان شَيْئاً من الإغناء بجلب منفعة او دفع مضرة وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) اى يمنعون من العذاب والضمير لمولى الاول باعتبار المعنى لانه عام.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ بالعفو وقبول الشفاعة وهم المؤمنون فانه يشفع بعضهم لبعض ويؤذن لهم فى الشفاعة ومحل المستثنى الرفع على البدل من المستتر فى ينصرون او النصب على الاستثناء إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يستطيع واحد ان ينصر من أراد تعذيبه الرَّحِيمُ (٤٢) اخرج سعيد بن منصور عن ابى مالك قال ان أبا جهل كان يأتى بالتمر والزبد فيقول تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد فنزلت.
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣).
طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) اى كثير الإثم وهو الكافر هذه الجملة الى آخرها وما بعدها وهو قوله انّ المتّقين الى آخرها بيان لما سبق من ذكر الفصل والفرق بين المحق والمبطل.
كَالْمُهْلِ خبر اخر لانّ وهو ما يذوب فى النار من المعدنيات وقيل دردى الزيت الأسود كذا فى القاموس يَغْلِي خبر اخر لان قرأ ابن كثير «ورويش- ابو محمد» وحفص بالياء التحتية على ان الضمير للطعام او الزقوم لا للمهل إذ الجملة حال من أحدهما والباقون بالتاء الفوقانية على ان الضمير للشجرة فِي الْبُطُونِ (٤٥) اى بطون الكفار.
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) اى غليانا مثل غليانه روى البغوي عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ ايها الناس اتقوا الله حق تقاته فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على
خُذُوهُ اى يقال للزبانية خذوه اى الأثيم وجملة يقال خبر اخر لان فَاعْتِلُوهُ قرأ اهل الكوفة وابو جعفر وابو عمرو بكسر التاء والباقون بضمها وهما لغتان اى ادفعوه قهرا والعتل الاخذ بجامع الشيء وجرّه بقهر إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) اى وسطه.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) كان أصله صبّوا فوق رأسه الحميم فقيل صبّوا فوق رأسه عذابا هو الحميم للمبالغة أضيف العذاب الى الحميم للتخفيف وزيدت من للدلالة على ان المصبوب بعض هذا النوع.
ذُقْ تقديره قائلين ذق هذا العذاب إِنَّكَ قرأ الكسائي بفتح الهمزة اى لانك والباقون بكسرها على الابتداء أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) فى زعمك قال البغوي قال مقاتل ان خازن النار يضرب على رأسه فينقب رأسه عن دماغه فيصبّ فيه ماء حميما قد انتهى حرّه ثم يقال ذق انّك أنت العزيز الكريم وذلك ان أبا جهل كان يقول انا أعزّ اهل الوادي وأكرمهم ويقول هذا خزنة النار على طريق الاستخفاف والتوبيخ واخرج الأموي فى مغازيه عن عكرمة قال لقى رسول الله ﷺ أبا جهل فقال ان الله أمرني ان أقول لك اولى لك فاولى قال فنزع ثوبه من يده وقال ما يستطيع لى أنت ولا صاحبك من شىء لقد علمت انى امنع اهل البطحاء وانا العزيز الكريم فقتله الله يوم بدر واذله وعيره بكلمته وانزل ذق انّك أنت العزيز الكريم- واخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.
إِنَّ هذا العذاب ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) اى تشكون وتمارون فيه..
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ قرأ اهل المدينة والشام بضم الميم على انه مصدر ميمى اى فى اقامة والباقون بفتح الميم اى موضع اقامة أَمِينٍ (٥١) يأمن فيه صاحبه عن
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(٥٢) بدل من مقام جئ به للدلالة على نزاهته واشتماله على ما يستلذ به من المآكل والمشارب.
يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ خبر ثان او حال من الضمير فى الجار والمجرور او استئناف السّندس مارق من الحرير والإستبرق ما غلظ منه اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس اليوم فى الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم- واخرج الصابوني فى الماءتين عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون فى ساعته سبعون لونا مُتَقابِلِينَ (٥٣) فى مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض.
كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) الجملة حال بتقدير قد او عطف على خبران اى الزمناهم وقرنّاهم بهن ولذلك عدى بالباء وليس من عقد التزويج لانه لا يقال زوجته بامراة قال ابو عبيدة جعلناهم أزواجا بهن كما تزوج النعل بالنعل اى جعلناهم اثنين اثنين والحور النساء النقيات البياض يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن جمع حوراء والعين جمع العيناء وهى العظيم العينين- اخرج الطبراني عن ابى امامة قال قال رسول الله ﷺ خلق الحور العين من الزعفران- واخرج البيهقي مثله عن انس مرفوعا وعن ابن عباس موقوفا وعن مجاهد كذلك واخرج ابن المبارك عن زيد بن اسلم قال ان الله تبارك وتعالى لا يخلق الحور العين من تراب انما خلقهن من مسك وكافور وزعفران- واخرج ابن ابى الدنيا عن انس قال قال رسول الله ﷺ لو ان حورا بزقت فى بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال لو ان حورا أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها ولو أخرجت نصيفها لكان الشمس عند حسنه مثل الفتيلة فى الشمس لا ضوء لها ولو أخرجت وجهها لاضاء حسنها ما بين السماء والأرض- واخرج هناد عن حبان بن احيلة قال ان نساء اهل الدنيا إذا ادخلن الجنة فضلن على الحور العين
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ اشتهوها آمِنِينَ (٥٥) من نفادها ومضرتها الجملة حال اخر اخرج ابن ابى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهما عن ابن عباس قال ما فى الدنيا تمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل- واخرج ابن ابى حاتم وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء.
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ بل يحيون دائما حال اخر إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى الاستثناء منقطع او متصل والضمير للاخرة والموت أول أحوالها او الجنة والميت يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكانه فيها- او الاستثناء للمبالغة فى تعميم النفي وامتناع الموت فكانّه قال لا يذوقون فيها الموت الا إذا أمكن ذوق الموت الاولى فى المستقبل كقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء الّا ما قد سلف وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) الجملة حال من فاعل لا يذوقون بتقدير قد او عطف على اخبار ان.
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ مصدر لفعله المقدر اى فضلوا فضلا منه واعطوا كل ذلك عطاء منه لا حقا على الله تعالى عن جابر قال قال رسول الله ﷺ لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا برحمة الله- رواه مسلم ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) لانه خلاص عن المكاره وفوز بالمطالب-.
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ اى القران بِلِسانِكَ حال من الضمير المنصوب اى منلبسا بلغتك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) اى لكى يفهموا ويتذكروا الجملة متصلة بقوله انّا أنزلناه فى ليلة مّباركة وهو فذلكة للسورة.
فَارْتَقِبْ جزاء شرط محذوف تقديره وان لم يتذكروا- فارتقب اى فانتظر يا محمد ما يحل بهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) ما يحل بك او فانتظر نصرك انهم منتظرون قهرك بزعمهم- روى الترمذي بسند ضعيف عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ من قرأ حم الدخان فى ليلة أصبح يستغفر له سبعون