تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب مجاز القرآن
.
لمؤلفه
أبو عبيدة
.
المتوفي سنة 210 هـ
ﰡ
﴿ الم ﴾ : افتتاح كلام، شِعار للسورة، وقد مضى تفسيرها في البقرة، ثم انقطع فقلتَ :﴿ اللهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ ﴾
﴿ اللهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ ﴾ : استئناف.
﴿ آياتٌ مُحْكمَاتٌ ﴾ : يعنى هذه الآيات التي تُسَمّيها في القرآن.
﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ : يشبه بعضها بعضاً.
﴿ فِي قُلُوِبهِمْ زَيْغٌ ﴾ أي جور.
﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ : ما يشبه بعضه بعضاً، فيَطعنون فيه.
﴿ ابْتغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ : الكفر.
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ : العلماء، ورَسخ أيضاً في الإيمان.
﴿ تَأوِيَلهُ ﴾ : التأوِيل : التفسير، والمرجع : مَصِيرُه، قال الأعشى :
عَلَى أَنها كانت تَأَوّلُ حُبِّها | تأوُّلَ رِبْعِيّ السِّقابِ فأصْحَبا |
قوله : تأول حبها : تفسيره : ومرجعه، أي إنه كان صغيراً في قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب فصار قديما، كهذا السَقْب الصغير لم يزل يشِبُّ حتى أصحب فصار كبيراً مثل أمِّه.
﴿ مِنْ لَدُنْكَ ﴾ أي من عندك.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ لا شك فيه.
﴿ لَنْ تُغْنِى عَنْهُم أمْوَالهُم وَلاَ أوْلاَدُهُمْ مِن الله شَيئاً ﴾ : يعنى عند الله.
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ : كسُنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز :
ما زال هذا دأبُها ودأبِي
﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ أي بكتُبنا وعلاماتنا عن الحق.
﴿ قَدْ كَانَ لَكمُ آيةٌ ﴾ أي علامةٌ.
﴿ فِي فِئَتَيْنِ ﴾ أي في جماعتين.
﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ : إن شئت، عطفتَها على
﴿ فِي ﴾، فجررتَها وإن شئتَ قطعتها فاستأنفت، قال، كُثَيِّر عَزّة :
فكنتُ كذي رجْلِين رِجْلٍ صحيحةٍ | ورِجْلٍ رَمَى فيها الزمانُ فشَلَّتِ |
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
﴿ يَرَوْنَهُم مِثْلَيْهم رَأْىَ العَيْنِ ﴾ : مصدر، تقول : فعَل فلان كذا رأْىَ عينى وسَمْعَ أُذِني.
﴿ يُؤَيِّدُ ﴾ يقوّى، من الأيد، وإن شئتَ من الأد.
﴿ لَعِبْرَةً ﴾ : اعتبار.
﴿ والقَناطِير ﴾ : واحدها قِنطار، وتقول العرب : هو قَدْر وزنٍ لا يحدّونه. ﴿ المُقَنْطَرة ﴾ مفنعلة، مثل قولك : ألفٌ مؤلفَّةٌ.
قال الكلبي : مِلء مَسْك ثَوْرٍ من ذهب أو فضة ؛ قال ابن عباس : ثمانون ألف درهم ؛ وقال السُّدِّى مائة رِطلٍ، من ذهب أو فضة ؛ وقال جابر بن عبد الله : ألف دينار ".
﴿ والْخَيْلِ المُسوَّمة ﴾ المُعْلمة بالسيماء، ويجوز أن تكون ﴿ مسوّمة ﴾ مُرعاةً، من أسمتُها ؛ تكون هي سائمة، والسَّائِمة : الراعية، وربُّها يُسيمها.
﴿ اْلأَنْعَام ﴾ : جماعة النَّعَم.
﴿ والحَرْث ﴾ : الزرع.
﴿ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا ﴾ يمتِّعهم، أي يقيمهم.
﴿ المَآب ﴾ المرجع، من آب يؤب.
﴿ مُطَهَّرة ﴾ : مهذَّبة من كل عيب.
﴿ والقَانِتيِن ﴾ : القانت المطيع.
﴿ شَهِدَ اللهُ ﴾ : قضَى الله. ﴿ أنَّه لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ ﴾ شُهُودٌ على ذلك.
﴿ بالقِسْطِ ﴾ أقسط : مصدر المقُسِط وهو العادل ؛ والقاسط : الجائر.
﴿ الذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ﴾ : الأمَم الذين أتتْهم الكتُب والأنبياء.
﴿ والأُمِّيِّين ﴾ : الذين لم يأتهم الأنبياءُ بالكتب ؛ والنبيُّ الأميُّ : الذي لا يكتب.
﴿ يَفْتَرُونَ ﴾ يختلقون الكذب.
﴿ تُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهار ﴾ : تَنقُص من الليل فتزيد في النهار، وكذلك النهار من الليل ﴿ وتُخْرِجُ الْحَيَّ مِن المَيِّتِ ﴾ أي الطيِّبَ من الخبيث، والمسلم من الكافر.
﴿ تُقاةً ﴾ وتَقِيّة واحدة.
﴿ أمَداً ﴾ : الأَمد الغاية.
﴿ فإن تَولَّوْا ﴾، في هذا الموضع : فإن كفروا.
﴿ إذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ﴾ معناها : قالت : امرأة عِمران.
﴿ مُحَرَّراً ﴾ أي عتيقاً لله، أعتقته وحرّرته واحد.
﴿ فَتَقَبَّلَها رَبُّها بقبَول حَسَنٍ ﴾ : أوْلاَها.
﴿ وكَفَلها زَكَريّا ﴾ أي ضمَّها، وفيها لغتان : كفَلها يكفُل وكَفِلها يكفَل.
﴿ المِحْرابَ ﴾ : سيِّدُ المجالس ومقدَّمها وأشرفها، وكذلك هو من المساجد.
﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا ﴾ أي من أين لكِ هذا، قال الكمُيت بن زيد :
أنّيَ ومن أيْن آبك الطُّرَبُ | مِن حيث لا صَبْوَةٌ ولا رِيَبُ |
﴿ يُبَشِّرُكَ ﴾،
﴿ يَبْشُرُكَ ﴾ واحد.
﴿ بِكَلِمَةٍ مِنَ الله ﴾ أي بكتاب من الله ؛ تقول العرب للرجل : أَنشِدْني كلمة كذَا وكذا، أي قصيدة فلان وإن طالت.
﴿ وحَصَوراً ﴾ : الحصور له غير موضع والأصل واحد ؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النَّدامَى فلا يُخرِج شيئاً، قال الأخطل :
وشاربٍ مُرْبِحٍ لِلكأس نادَمَنى | لا بالحَصور ولا فيها بسَوّارِ |
الذي لا يساور جليسَه كما يساور الأسدُ ؛ والحَصور : أيضاً الذي لا يخرج سِرّا أبَداً، قال جرير :
ولقد تُسقِّطنى الوُشَاةُ فصادفوا | حَصِراً بِسرّكِ يا أُمَيْم ضَنِينا |
﴿ وقَدَ بلَغَني الكِبَرُ ﴾ أي بلغتُ الكبرَ، والعرب تصنع مثل هذا، تقول : هذا القميص لا يقطعنى أي أنت لا تقطعه، أي إنه لا يبَلغ ما أُريد من تقديرٍ.
﴿ عَاقِرٌ ﴾ العاقِر : التي لا تلد، والرجل العاقر : الذي لا يولد له، قال عامر بن الطُّفَيْل :
لَبئس الفَتَى إن كنتُ أعورَ عاقراً | جَباناً فما عُذرى لَدى كل مَحضَرِ |
﴿ إلاّ رَمْزاً ﴾ : باللسان من غير أن يُبين، ويخفض بالصوت مثل هَمْسٍ.
﴿ والإبْكَارِ ﴾ : مصدرُ من قال أبكر يُبكر، وأكثرها بكرّ يبكرّ وباكَر.
﴿ وَإِذْ قَالَتْ الَملاَئِكَةُ ﴾ : مثل قالت الملائكة.
﴿ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ ﴾ : من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ ﴾ أي عندهم.
﴿ أَقْلاَمَهُمْ ﴾ : قداحهم.
﴿ يَكْفُلُ ﴾ أي يَضُمّ.
﴿ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ﴾ : الرسالة، هو ما أوحَى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولداً.
﴿ وَجِيهاً ﴾ الوَجِيه : الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك.
﴿ اْلأكْمَه ﴾ : الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة :
وكَيْدِ مَطَّالٍ وَخَصْمٍ مِنْدَهٍ | هَرَّجْتُ فَارْتدَّ ارْتِدَادَ اْلأكْمَهِ |
هرّجته حتى هَرَج، مثل هَرَج الحرّ.
﴿ وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ بعض يكون شيئاً من الشيء، ويكون كلَّ الشيء، قال لبيد بن ربيعة :
تَراكُ أمكنةٍ إذا لم أَرْضَهَا | أو يَعتِلقْ بعضَ النفوسِ حمامُها |
فلا يكون الحمامَ ينزل ببعض النفوس، فيُذهب البعضَ، ولكنه يأتى على الجميع.
﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ أي عرف منهم الكفر.
﴿ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللهِ ﴾ أي مَن أعْواني في ذات الله.
﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ﴾ : صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم، وقالوا : القصّارون ؛ والحواريات : من النساء اللاتى لا ينزلن البادية، وينزلن القُرَى، قال الحادي :
لما تَضمَّنتِ الحوَاريَّات
وقال أبو جَلْدَة اليَشْكُرِىّ :وقُلْ لِلْحَواريات تبكين غيرَنا | ولا تبكنا إلاَّ الِكلابُ النوابحُ |
﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ﴾ : أهلكهم الله.
﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ : أي هم عند الله خير من الكفار.
﴿ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ : الكافرين.
﴿ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبَكَ { ٥٩، ٦٠ ﴾ : انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال :﴿ الحقُّ مِنْ رَبِّكَ. فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ أي الشّاكِّين.
﴿ ثمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ أي نَلْتعن ؛ يقال : ماله بهَلَه اللهُ، ويقال : عليه بهْلَةُ الله ؛ والناقة باهلٌ وباهلة، إذا كانت بغير صِرارٍ، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصاً ؛ ويقال : أبهلتُ ناقتى، تركتُها بغير صِرَارٍ.
﴿ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ ﴾ أي الخبر اليقين.
﴿ فإنْ تَوَلَّوْا ﴾ : فإن كفروا، وتركوا أمر الله.
﴿ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي النِّصف، يقال : قد دعاك إلى السواء فاقبلْ منه.
﴿ إلَى كَلِمَةٍ ﴾ مفسرة بعد ﴿ أن لاَ نَعبُدَ إلاّ اللهَ، وَلاّ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ﴾ بهذه الكلمة التي دعاهم إليها.
﴿ لمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ﴾ : بكتب الله.
﴿ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ أي تعرفون.
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ أي لم تَخْلِطون، يقال : لبَست عليّ أمرك.
﴿ وَجْهَ النّهَارِ ﴾ أوله، قال ربيع بن زياد العَبْسِي :
مَن كان مسروراً بمَقْتَل مالكٍ | فليأتِ نِسوتَنا بوجهِ نهارِ |
كقولك : بصدر نهار.
﴿ وَلاَ تُؤْمِنُوا إلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ : لا تُقِرُّوا : لا تصدِّقوا.
﴿ إّلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائماً ﴾ يقول : ما لم تفارقه.
﴿ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ ﴾ أي لا نصيب لهم.
﴿ وَلاَ يُزَكِّيِهْم ﴾ لا يكونون عنده كالمؤمنين.
﴿ يَلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بالْكِتَابِ ﴾ أي يقلبونه ويُحرِّفونه.
﴿ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيينَ ﴾ : لم يعرفوا ربانيين.
﴿ عَلَى ذَلِكمُ إِصْرِي ﴾ أي عهدي.
﴿ فَمَنِ افتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ ﴾ أي اختلق.
﴿ لَلّذِي ببَكَّةَ ﴾ : هي اسم لبطن مكةَ، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون.
﴿ تَبْغُوَنهَا عِوَجاً ﴾ : مكسورة الأول، لأنه في الدِّين، وكذلك في الكلام والعمل ؛ فإذا كان في شيء قائمٍ نحو الحائط، والجِذع : فهو عَوَج مفتوح الأول.
﴿ وَأنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ أي علماء به.
﴿ عَلَى شَفَا حُفْرةٍ ﴾ أي حرفٍ مثل شَفا الرَّكِيّة وحروفها.
﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ ترك
﴿ شَفَا ﴾، ووقع التأنيث على
﴿ حفرة ﴾ وتصنع العرب مثل هذا كثيراً، قال جرير :
رَأَتْ مَرَّ السنين أخذن منِي | كما أَخذ السِّرَارُ من الهِلاَلِ |
وقال العّجاج :
طَولُ الليالِي أسرعتْ في نَقْضِى ***طَوَيْنَ طُولِى وطَوَيْنَ عَرْضِي
﴿ وَلتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ﴾، و " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ }، أما قوله :﴿ إنَّ إبرَهِيمَ كَانَ أُمَّةً قانتاً ﴾ ﴿ ١٦/ ١٢٠ ﴾ أي كان إماماً مُطيعاً، ويقال أنت أُمَّة في هذا الأمر، أي يُؤتم بك. ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ ﴿ ١٢ /٤٥ ﴾ : بعد قرن، ويقال :﴿ بَعْد أَمَهٍ ﴾ أي نسيان، نسيتُ كذا وكذا : أي أمِهْتُ، وأنا آمَهُهُ، ويقال : هو ذو أمِهٍ. مكسور الميم، وبعُضهم يقول : ذو أُمَّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة ؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي دَوْم منه ؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة ﴾ أي جماعة ؛ وهو أمَّةٌ على حِدة، أي واحد، ويقال : يُبعَث زيد بن عمرو ابن نُفَيل أمةً وحده، وقال النابغة في أُمة وإِمَّةٍ، معناه الدِّين والإستقامة :
وهل يأثمَنْ ذو أمة وهو طائعُ ***
ذو أمة : بالرّفع والكسر، والمعنى الدِّين، والاستقامة.
﴿ فأمّا الذِينَ اسوَدَّتْ وُجُوههم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ ﴾ : العرب تختصر لعلم المخاطَبُ بما أريد به، فكأنه خرج مَخرج قولك : فأما الذين كفروا فيقول لهم : أكفرتم، فحذف هذا واختُصر الكلام، وقال الأَسَدِيّ :
كذبتم وبيتِ اللهِ لا تُنكِحُونها | بَنِي شابَ قَرْناها تَصُرّ وتَحْلُبُ |
أراد : بنى التي شاب قرناها، وقال النابغة الذيبانيّ :
كأنكَ مِن جمال بني أُقَيْشٍ | يُقَعْقَع خَلفَ رجْلَيه بشنّ |
بني أقَيْشٍ : حَيٌّ من الجن، أراد : كأنك جمل يقعقع خلف الجمل بشنّ، فألقى الجمل، ففُهم عنه ما أراد.
﴿ تِلْكَ آياتُ اللهِ نتْلُوهَا عَلَيْكَ بالْحَقِّ ﴾ أي عجائب الله،
﴿ نتلوها ﴾ : نقصُّهَا.
﴿ إلاَّ بحَبْلِ مِنَ اللهِ ﴾ : إلا بعهد من الله، قال الأعشى :
وَإذا تجوّزُها حِبالُ قبيلَةٍ | أخذتْ من الأخرى إليكَ حبالهَا |
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ وَلتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ﴾، و " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ }، أما قوله :﴿ إنَّ إبرَهِيمَ كَانَ أُمَّةً قانتاً ﴾ ﴿ ١٦/ ١٢٠ ﴾ أي كان إماماً مُطيعاً، ويقال أنت أُمَّة في هذا الأمر، أي يُؤتم بك. ﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ ﴿ ١٢ /٤٥ ﴾ : بعد قرن، ويقال :﴿ بَعْد أَمَهٍ ﴾ أي نسيان، نسيتُ كذا وكذا : أي أمِهْتُ، وأنا آمَهُهُ، ويقال : هو ذو أمِهٍ. مكسور الميم، وبعُضهم يقول : ذو أُمَّةٍ بمعنًى واحد، أي ذو دين واستقامة ؛ وكانوا بأمةٍ وبإمة، أي استقامة من عيشهم، أي دَوْم منه ؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة ﴾ أي جماعة ؛ وهو أمَّةٌ على حِدة، أي واحد، ويقال : يُبعَث زيد بن عمرو ابن نُفَيل أمةً وحده، وقال النابغة في أُمة وإِمَّةٍ، معناه الدِّين والإستقامة :
وهل يأثمَنْ ذو أمة وهو طائعُ ***
ذو أمة : بالرّفع والكسر، والمعنى الدِّين، والاستقامة.
﴿ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ﴾ أي أحرزوه وبانوا به.
﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِم المَسْكَنَةُ ﴾ : أي أُلزِمُوا المسكنة.
﴿ لَيْسُوا سَوَءاً منْ أَهْلِ الكِتَابِ أمّةٌ قَائمةٌ ﴾ : العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا : أكلوني البراغيثُ، قال أبو عبيدة : سمعتُها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجْهُ الكلام أن يقول : أكلني البراغيث. وفي القرآن :
﴿ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ : وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت :
﴿ ليسوا سواءً من أهل الكتاب ﴾، ثم قلتَ :
﴿ أُمَّةٌ قَائمةٌ ﴾، ومعنى
﴿ قَائمة ﴾ مستقيمة.
﴿ آناءَ اللَّيْلِ ﴾ : ساعاتِ الليل، واحدُها
﴿ إنْيٌ ﴾، تقديرها :
﴿ جِثْىٌ ﴾، والجميع
﴿ أجْثاء ﴾، قال أبو أثَيْلة :
حُلْوٌ ومُرٌّ كعِطْف القِدْح مِرَّته | في كل إنْيٍ قضَاه الليلُ يَنتعلُ |
﴿ كمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ﴾ : الصّر : شدة البرد، وعصوفٌ من الريح.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ ﴾ : البِطَانة : الدُّخلاء من غيركم.
﴿ لا يَألُوَنكُمْ خَبَالاً ﴾ أي لا تألوكم هذه البطانة خبالاً، أي شّراً.
﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ﴾ أي الأعلام.
﴿ إنَّ الله عَليمٌ بِذَات الصُّدُورِ ﴾ أي بما في الصدور.
﴿ مِن أَهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ للقِتَالِ ﴾ : مُتّخِذاً لهم مصافاً مُعَسكراً.
﴿ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِن المَلاَئِكَةِ مُسَوَّمِينَ ﴾ أي مُعْلَمين. هو مِن المُسَوَّم الذي له سِيماء بعمامة أو بصوفة أو بما كان.
﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِن الذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي ليهلك الذين كفروا.
﴿ أو يَكْبِتَهُمْ ﴾ تقول العرب : كبتَه الله لوجهه : أي صرَعه الله.
﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ : قد مضت، ﴿ سُنَنٌ ﴾ أي أعلامٌ.
﴿ وَلاَ تَهِنُوا ﴾ أي لا تَضْعفوا، هو من الوَهن.
﴿ إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ﴾، القَرْح : الجراح، والقتل.
﴿ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ ﴾ : كل مَن رجع عما كان عليه، فقد رجع على عقبيه.
﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أنْ تَمُوتَ ﴾ معناها : ما كانت نفسِ لتَموتَ إلاَّ بإذن الله.
﴿ رِبِّيُّون ﴾ الرِّبِّيُّون : الجماعة الكثيرة، والواحد منها رِبِّي.
﴿ وإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾ : تفريطنا.
﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾ أي بياناً.
﴿ إذْ تَحُسُّونَهم ﴾ : تستأصلونهم قَتْلاً، يقال : حسسناهم من عند آخرهم، أي استأصلناهم، قال رؤبة :
إذا شكَوْنا سَنَةً حَسوسا | تأكلُ بَعْدَ الأخضرِ اليَبيِسَا |
﴿ ثُمَّ صَرَفكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ أي ليبلوكم : ليختبركم، ويكون
﴿ ليبتليكم ﴾ بالبلاء.
﴿ إذْ تُصْعِدُونَ ﴾ في الأرض، قال الحادي :
قد كنتِ تبكين على الإصعادِ | فاليوم سُرّحتِ وصاحَ الحادي |
وأصل
﴿ الإصعاد ﴾ الصعود في الجبل، ثم جعلوه في الدَّرَج، ثم جعلوه في الإرتفاع في الأرض، أصعد فيها : أي تباعد.
﴿ أُخْرَاكُمْ ﴾ آخِركم.
جاء موضع رفعٍ :
﴿ وَطائِفةُ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أنْفُسهُمْ ﴾ ولو نصبتَ على الأول إذ كانت مفعولاً بها لجازت إن شاء الله، كقولك : رأيت زيداً، وزيداً أعطاه فلان مالاً، ومثلُها في القرآن :
﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالميِنَ أَعَدَّ لَهمُ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ فنصب
﴿ الظالمين ﴾ بنصب الأول على غير معنى : " يُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ".
﴿ ضَرَبُوا فِي اْلأَرْضِ ﴾ يقال : ضربتُ في الأرض : أي تباعدتُ.
﴿ أَوْ كَانُوا غُزّىً ﴾ لا يدخلها رفع ولا جرّ لأن واحدها : غازٍ، فخرجت مخرج قائل وقُوَّل، فُعَّل، وقال رؤبة :
وقُوَّلٍ إلاَّ دَهِ فلا دَهِ ***
يقول : إن لم يكن هذا فلا ذا. ومثل هذا قولهم : إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبداً، وإن لم يكن ذاك الآن لم يكن أبداً.
﴿ حَسْرَةً ﴾ الحسرة : الندامة.
﴿ فَبمِا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ ﴾ : أعملْتَ الباء فيها فجررتَها بها كما نصبت هذه الآية :﴿ إنَّ الله لاَ يَسْتَحْيى أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضةً ﴾.
﴿ لاَ نْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ ﴾ أي تفرَّقوا على كل وجه.
﴿ فَإذَا عَزَمْتَ ﴾ أي إذا أجمعتَ.
﴿ وَمَا كَانَ لنَبِيٍّ أنْ يُغَلَّ ﴾ : أن يُخان.
﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ ﴾ أي هم مَنَازلُ، معناها : لهم دَرَجات عند الله، كقولك : هم طبقات، قال ابن هَرْمة :
أرَجْماً لِلمَنُونِ يَكونُ قَوْمِي | لرِيبِ الدَّهر أم دَرَجُ السُيُولِ |
تفسيرها : أم هُم على درج السيول. ويقال للدرجة التي يصعَد عليها : دَرَجة، وتقديرها : قَصَبة، ويقال لها أيضاً : دُرَجة.
﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي إنكم أذنبتم فعُوقبتم.
﴿ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً ﴾ أي لو نعرف قتالا.
﴿ فَادْرَءُوا عَنْ أنْفُسِكُمْ ﴾ أي ادفعوا عن أنفسكم.
﴿ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ أي بل هم أحياء.
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمعُوا لَكُمْ ﴾ : وقع المعنى على رجل واحد، والعرب تفعل ذلك، فيقول الرجل : فعلنا كذا وفعلنا، وإنما يعنى نفسه، وفي القرآن :﴿ إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ والله هُوَ الخالق.
﴿ يُرِيدُ اللهُ أنْ لاَ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً ﴾ أي نصيباً.
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ مَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ ﴾ : ألف ﴿ أن ﴾ مفتوحة، لأن ﴿ يحسبن ﴾ قد عمِلت فيها، ﴿ وما ﴾ : في هذا الموضع بمعنى ﴿ الذي ﴾ فهو اسم، والمعنى من الإملاء ومن الإطالة، ومنها قوله :﴿ واهْجُرْني مَلِيّاً ﴾ : أي دهراً ؛ وتمليت حبيبك ؛ والمَلَوَان : النهار والليل كما ترى، قال ابن مُقْبِل :
ألا يا دِيارَ الحَيّ بالسَّبُعانِ *** أمَلَّ عليها بالبِلَى المَلَوَانِ
يعنى الليل والنهار، و " أملّ عليها بالبلى } : أي رجع عليها حتى أبلاها، أي طال عليها، ثم أستأنفتَ الكلام فقلت :﴿ إنّمَا تمَلي لهُمْ ليزْدَادُوا إثماً ﴾ فكسرتَ ألف ﴿ إنما ﴾ للابتداء فإنما أبقيناهم إلى وقت آجالهم ليزدادوا إثماً ؛ وقد قيل في الحديث : المَوْتُ خيْرٌ لِلُمْؤِمن لِلنَّجَاةِ مِن الفِتْنةِ، وَالمَوْتُ خيرٌ لِلكَافِرِ لِئَلاَّ يزْدَادَ إثماً.
﴿ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ : فذلك من الهَوَان.
﴿ يَجْتِبي مِن رُسُلِهِ ﴾ : يختار.
﴿ وَلاَ يَحْسَبنَّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضلِهِ هُوَ خيْراً لَهمُ ﴾ : انتَصَب، ولم تَعمل ﴿ هو ﴾ فيه، وكذلك كل ما وقفتَ فيه فلم يتمَّ إّلا بخبر نحو : ما ظننتُ زيداً هو خيراً منك، وإنما نصبتَ ﴿ خيراً ﴾، لأنك لا تقول : ما ظننت زيداً، ثم تسكت ؛ وتقول : رأيت زيداً فيتم ﴿ الكلام ﴾، فلذلك قلت : هو خير منك فرفعتَ وقد يجوز في هذا النصبُ.
﴿ سَيُطوَّقُونَ ﴾ : يُلزَمون، كقولك طوَّقته الطوقَ.
﴿ سَيُكْتَبُ مَا قَالُوا ﴾ : سيُحْفَظ.
﴿ عَذَابَ الْحَرِيق ﴾ : النارُ اسم جامع ؛ تكون ناراً وهي حريق وغير حريقٍ، فإذا التَهبت فهي حريق.
﴿ إنَّ اللهَ عَهِدَ إلَيْنَا ﴾ : أمرنا، ﴿ أَلاَّ نُؤمِنَا لِرَسُولٍ ﴾ : أن لا نَدِين له فنقرَّ به.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقةُ المَوْتِ ﴾ : أي ميّتة، قال :
الموتُ كأسٌ والمَرْء ذائقُها | في هذا الموضع شاربها. |
﴿ فنَبَذُوه وَراءَ ظُهُورِهم ﴾ أي لم يلتفتوا إليه يقال : نبذتَ حاجتي خلف ظهرك، إذا لم يلتفت إليها، قال أبو الأسْود الدُّؤَلِيّ :
نظَرْتَ إلى عنوانه فنَبذتُه | كنبذك نَعْلاً أخلقت مِن نِعالكا |
﴿ بِمَفَازَةٍ مِن العَذَاب ﴾ : أي تزَحْزُحٍ زِحْزَحٍ بعيدٍ.
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾ : العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم المستمع بتمامه فكأنه في تمام القول : ويقولون : ربنا ما خلقتَ هذا باطلا.
﴿ يُنَادِىِ لْلإِيمانِ ﴾ أي ينادى إلى الإيمان، ويجوز : إننا سمعنا منادياً للإِيمان ينادى.
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَني لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ﴾ : فتحت ألف
﴿ أن ﴾ لأنك أعملتَ
﴿ فاستجاب لهم ربهم بذلك، ولو كان مختصراً على قولك. وقال إني لا أضيع أجْرَ العامِلين فكسرت الألف. { لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ ﴿ لأذهبنّها عنهم أي لأمحونَّها عنهم ؛ { فاستجاب لهم ﴾ أي أجابهم، وتقول العرب : استجبتك، في معنى استجبت لك، قال الغَنَوِيّ :
وداعٍ دعا يا مَن يُجيب إلى النَّدَى | فلم يستجبه عند ذاك مُجيبُ |
﴿ نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ ﴾ أي ثواباً، ويجوز مُنْزَلاً من عند الله من قولك : أنزلتُه منزلاً.
﴿ وَرَابِطُوا ﴾ أي اثْبتُوا ودُوموا، قال الأخطل :
ما زال فينا رِباطُ الخيل مُعْلَمةً | وفي كُلَيْبٍ رِباطُ الُّلوم والعارِ |