تفسير سورة الدّخان

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة الدخان
قوله عز وجل: يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤).
أَمْراً (٥) هو منصوب بقوله: يفرق، على معنى يفرق كل أمر فرقَا وأمرا «١» وكذلك.
قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (٦)، يفرق ذلك رحمة من ربك، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، تجعل الرحمة هى النبي صلّى الله عليه.
وقوله: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٧).
«٢» خفضها الْأَعْمَش وأصحابه، ورفعها أهل المدينة، وَقَدْ «٣» خفضها الْحَسَن أيضًا عَلَى أن تكون تابعة لربك رب السموات.
ومن رفع «٤» جعله تابعًا لقوله: «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، ورفع أيضًا آخر «٥» عَلَى الاستئناف كما قَالَ: «وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «٦».
وقوله: تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ «٧» هذا عَذابٌ (١١).
كان النبي صلّى الله عليه دعا عليهم، فَقَالَ: اللهم أشدد وطأتك عَلَى مضمر، اللهم سنين كَسِنيِ يُوسف، فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام «٨» والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.
(١) فى نصب «أمرا» أوجه: أحدها: هو مفعول منذرين، كقوله: لينذر بأسا شديدا. والثاني: هو مفعول له، العامل فيه: أنزلناه، أو منذرين، أو يفرق.
والثالث: هو حال من الضمير فى حكيم، أو من أمر لأنه قد وصف (ثم انظر العكبري فى إعراب القرآن ٢/ ١٢٠)
(٢، ٣) ساقط فى ح.
(٤) عاصم وحمزة والكسائي يخفضونها بدلا من ربك، أو صفة، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بالرفع على إضمار مبتدأ أي هو رب، أو مبتدأ خبره: لا إله إلا هو (الإتحاف ٣٨٨).
(٥) فى ش ورفع آخر أيضا.
(٦) سورة النبأ آية ٣٧. [.....]
(٧) لم يثبت (يغشى الناس) فى غير الأصل.
(٨) فى (ج) الطعام وهو تحريف.
وقوله: يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١).
يراد بِهِ ذَلِكَ عذاب، وَيُقَال: إن النَّاس كانوا يقولون: هَذَا الدخان عذاب.
وقوله: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥).
يُقال: عائدون إلى شرككم، وَيُقَال: عائدون إلى عذاب الآخرة.
وقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ (١٦).
يعنى: يوم بدر، وهى البطشة الكبرى.
[١٧٢/ ب] وقوله: رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧).
أي عَلَى ربه كريم «١»، ويكون كريم من قومه «٢» لأنَّه قَالَ «٣» : ما بعث نبي إلا وهو فِي شرف «٤» قومه.
وقوله: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ (١٨).
يَقُولُ: ادفعوهم إليَّ، أرسلوهم معي، وهو قوله: «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ».
ويقال: أن أدّوا إلىّ يا عباد اللَّه، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا.
وقوله: أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠).
الرجم هاهنا: القتل وقوله: وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١).
يَقُولُ: فاتركون لا عليّ، ولا لي وقوله: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ «٥» قَوْمٌ (٢٢).
تفتح (أنَّ)، ولو أضمرت القول فكسرتها لكان صوابا.
(١) سقط فى ح، ش.
(٢) فى ب من قوله
(٣) فى ح: قل.
(٤) فى ب: سرا والسرا بفتح السين: الشرف، والفعل ككرم ودعا.
(٥) فى ب: قومى، والقراءة (قوم).
وقوله: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً (٢٤).
يَقُولُ: ساكنًا، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان:
كأنما أهلُ حجر ينظرون مَتى يَرَونَني خارجًا طير تَنَادِيد «١»
طيرٌ رأَتْ بازيًا نَضْخُ «٢» الدماء بِهِ أَوْ أمةٌ «٣» خرجَتْ رهوًا «٤» إلى عيد
وقوله: وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦).
يقال: منازل حسنة، ويقال: المنابر.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٥» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو شعيب عن منصور ابن المعتمر عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير في قوله: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» (٢٩) قال: يبكي على المؤمن من الأرض مصلَاه، ويبكي عليه من السماء مصعد عمله.
قال الفراء: وكذلك ذكره حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس «٦».
وقوله: مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) وفي حرف عبد الله: «مِنْ عَذَابِ المُهين» «٧».
وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «٨» مثل قوله: «٩» «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَذَلِكَ الدينُ القَيِّمة» «١٠».
(١) فى هامش ب متفرقة. وانظر اللسان ح ٣/ ٤٢.
(٢) فى ح، ش: نضح بالحاء المهملة، والنضخ: الأثر.
(٣) فى ش: وأمة، وهو تحريف.
(٤) فى هامش (ا) رهوا، أي على سكون، وفى هامش ب: رهوا ساكنة على رسل.
(٥) زيادة فى ش.
(٦) في ح، ش: عن عباس، سقط.
(٧) جاء فى البحر المحيط ٨/ ٣٧: وقرأ عبد الله: «من عذاب المهين»، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كبقلة الحمقاء. [.....]
(٨) سورة يوسف الآية ١٠٩.
(٩) فى ح، ومثل له: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». وفى ش: ومثل قوله: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» سورة البينة الآية ٥.
(١٠) جاء فى تفسير الطبري: وأضيف الدين إلى القيمة، والدين هو القيم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما، وهى فى قراءة عبد الله فيما أرى فيما ذكر لنا: وذلك الدين القيمة. فأنث القيمة، لأنه جعل صفة للملة كأنه قيل: وذلك الملة القيمة هون اليهودية والنصرانية ح ٣٠/ ١٤٥.
وقوله: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣).
يريد: نعم مبينّة، منها: أن أنجاهم من آل فرعون، وظللهم بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وهو كما تَقُولُ للرجل: إن بلائي عندك لحسن، وَقَدْ قيل فيهما: إن البلاء عذاب، وكلٌّ صواب.
وقوله: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦).
يخاطبون النبي- صلى الله عليه- وحده، وهو كقوله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» «١» فِي كَثِير من كلام العرب، أن تجمع العرب فعل الواحد، مِنْهُ قول اللَّه عزَّ وجل: «قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» «٢».
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ (٣٩).
يريد: للحق.
وقوله: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠).
يريد: الأولين والآخرين، ولو نصب (ميقاتهم) لكان صوابًا يجعل «٣» اليوم صفة، قَالَ: أنشدني بعضهم:
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم «٤» يوم الرحيل فعلت «٥» ما لم أفعل
فنصب: يوم الرحيل، عَلَى أَنَّهُ صفة «٦».
وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ (٤٢).
فإن المؤمنين يشفّع بعضهم فِي بعض، فإِن شئت فاجعل- من- فِي موضع رفع، كأنك قلت:
لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبًا عَلَى الاستثناء والانقطاع عنْ أول الكلام تريد:
اللهم إلَّا من رحمت.
(١) سورة الطلاق الآية: ١
(٢) سورة المؤمنون الآية: ٩٩.
(٣) فى ب: فجعل.
(٤) فى ش عهدهم.
(٥) سقط (فعلت) فى ش.
(٦) فى ش فصه، وهو خطأ من الناسخ.
وقوله: طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤).
يريد: الفاجر.
وقوله: كَالْمُهْلِ تَغْلِي (٤٥) قرأها كَثِير من أصحاب عَبْد اللَّه: «تغلى»، وَقَدْ ذُكرت عنْ عَبْد اللَّه، وقرأها أهل المدينة كذلك، وقرأها الْحَسَن «يَغْلِي» «١». جعلها للطعام أَوْ للمهل، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة.
ومثله قوله: «أَمَنَةً نُعاساً» «٢» تغشى ويغشى فالتذكير للنعاس، والتأنيث للأمَنَة، ومثله:
«أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى» «٣» التأنيث للنطفة، والتذكير من المنى.
وقوله: فَاعْتِلُوهُ (٤٧).
قرأها بالكسر عاصم والأعمش، وقرأها أهل المدينة: «فَاعْتِلُوهُ». بضم التاء «٤».
وقوله: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩).
قرأها القراء بكسر الألف حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا «٥» الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ حُجْرٍ «٦» عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «٧» عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:
«ذُقْ إِنَّكَ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ «٨». وَالْمَعْنَى فِي فَتْحِهَا: ذُقْ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ كَسَرَ حَكَى قوله، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لقى النبي- صلّى الله عليه- قال: فأخذه النبي صلّى الله عليه فَهَزَّهُ، ثُمَّ قَالَ [لَهُ] «٩» : أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا جَهْلٍ أَوْلَى «١٠» فَأَنْزَلَهَا «١١» اللَّهُ كَمَا قَالَهَا النبي صلّى الله
(١) جاء فى الاتحاف (٣٨٨) : واختلف فى «تغلى». فابن كثير وحفص ورويس بالياء على التذكير، وفاعله يعود إلى الطعام، والباقون بالتأنيث، والضمير للشجرة.
(٢) سورة آل عمران الآية: ١٥٤.
(٣) سورة القيامة الآية ٣٧.
(٤) قال الأزهرى: وهما لغتان فصيحتان.
(٥) الزيادة من ب. [.....]
(٦) سقط فى ح، وفى ش: حدثنى شيخ حجر.
(٧) فى ب سمعت الحسن بن على رحمهما الله.
(٨) جاء فى الاتحاف ٣٨٩: واختلف فى «ذق أنك». فالكسائى بفتح الهمزة على العلة، أي لأنك. وافقه الحسن، والباقون بكسرها على الاستئناف المفيد للعلة فيتحدان، أو محكى بالقول المقدر، أي: اعتلوه، وقولوا له:
كيت وكيت.
(٩) زيادة من ب.
(١٠) سقط فى ج، ش.
(١١) فى ب فأنزل.
عليه. ورد عليه أبو جهل، فقال: [و] «١» الله مَا تَقْدِرُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ عَلَيَّ، إِنِّي لَأَكْرَمُ أَهْلِ الْوَادِي عَلَى قَوْمِهِ، وَأَعَزُّهُمْ فَنَزَلَتْ كَمَا قَالَهَا قَالَ: فَمَعْنَاهُ- فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أعلم-: انه توبيخ أي [١٧٣/ ب] ذُقْ فَإِنَّكَ كَرِيمٌ كَمَا زَعَمْتُ. وَلَسْتَ كَذَلِكَ.
وقوله: فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١).
قرأها الْحَسَن والْأَعْمَش وعاصم: (مَقامٍ)، وقرأها أهل المدينة (فِي مُقام) بضم الميم «٢».
والمَقام بفتح الميم أجود فى العربية لأن المكان، والمُقام: الإقامة وكلٌّ صواب.
وقوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وَأَمْدَدْناهُمْ بِعِيسٍ عين»، والعيساء: البيضاء. والحوراء كذلك.
وقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى (٥٦).
يَقُولُ القائل: كيف استثنى موتًا فِي الدنيا قَدْ مضى من موت فِي الآخرة، فهذا مثل قوله: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» «٣». فإلا فِي هَذَا الموضع بمنزلة سوى، كأنه قَالَ: لا تنكحوا، لا تفعلوا سوى ما قَدْ فعل آباؤكم، كذلك قوله: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ».
سوى الموتة الأولى، ومثله: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ» «٤» «٥» أي سوى ما شاء ربك «٦» لهم من الزيادة عَلَى مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل فِي الكلام: لَكَ عندي ألفٌ إلَّا ما لَك من قِبَل فلان، ومعناه: سوى مالك عليّ من قِبَل فلان، وإلا تكون عَلَى أنها حطٌّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لَكَ من هَذِهِ الآيات فهو زيادة عَلَى ما قبل إلا، والحط مما قبلَ إلا قولُك: هَؤُلَاءِ ألفٌ إلَّا مائةً «٧» فمعنى هَذِهِ ألف ينقصون مائة.
وقوله: وَوَقاهُمْ «٨» عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلًا (٥٧).
أي فعله تفضلا مِنْهُ، وهو ممَّا لو جاء رفعا لكان صوابًا أي: ذلك فضل من ربك.
(١) كذا فى ح، ش، وفى ا، ب. الله بنصب لفظ الجلالة.
(٢) جاء فى البحر المحيط ٨/ ٤٠: وقرأ عبد الله بن عمر، وزيد بن على، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والحسن، وقتادة، ونافع، وابن عامر «فى مقام» بضم الميم. وأبو رجاء وعيسى ويحيى والأعمش وباقى السبعة بفتحها.
(٣) سورة النساء الآية ٢٢.
(٤) سورة هود الآية ١٠٧.
(٥، ٦) ساقط فى ش.
(٧) فى (ا) : هو ألف إلا مائة، وما أثبتناه من ب، ح، ش، وهو أبين.
(٨) في ش: «وقاهم»، والقراءة: «ووقاهم».
Icon