ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ يعني السماوات والسبع في اتساعها وارتفاعها، وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات، ولهذا قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾ يعني الشمس المنيرة على جميع العالم يتوهج ضوءها لأهل الأرض كلهم، وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ قال ابن عباس : المعصرات : الرياح، تستدر المطر من السحاب، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : من المعصرات أي من السحاب، وقال الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال : امرأة معصر إذ دنا حيضها ولم تحض، وعن الحسن وقتادة :﴿ مِنَ المعصرات ﴾ يعني السماوات وهذا قول غريب، والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب، كما قال تعالى :﴿ الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ [ الروم : ٤٨ ] أي من بينه، وقوله جلَّ وعلا :﴿ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ قال مجاهد :﴿ ثَجَّاجاً ﴾ : منصباً، وقال الثوري : متتابعاً، وقال ابن زيد : كثيراً، قال ابن جرير : ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج، وإنما الثج الصب المتتابع، ومنه قول النبي ﷺ :« أفضل الحج العج والثج »
وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾ أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم، ولا شراباً طيباً يتغذون به، ولهذا قال تعالى :﴿ إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾، وقال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم، ومن الشارب الغساق، قال الربيع بن أنَس : فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحمُّوه، والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار، وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه، وقوله تعالى :﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾ أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة، وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً ﴾ أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون، ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾ أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسُلِهِ صلوات الله وسلامه عليهم فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة، وقوله ﴿ كِذَّاباً ﴾ أي تكذيباً، وهو مصدر من غير الفعل، وقوله تعالى :﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ﴾ أي وقد علمنا أعمال العباد وكتبناها عليهم، وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وقوله تعالى :﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ أي يقال لأهل النار ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلاّ عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج قال قتادة : لم ينزل على آية أشد من هذه الآية ﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ فهم في مزيد من العذاب أبداً.