ﰡ
قاله بلفظ المضارع، مع أن الوحي إلى من قبل النبيّ ماض، لأنه –كما قال الزخشري- قصد بالمضارع كون ذلك عادة وسنّة الله، وهذا لا يوجد في لفظ الماضي.
إن قلتَ : هذا يقتضي ثبوت مثله، إنما نفى مثل مثله ؟ !
قلتُ : المثل يقال للذات، كما في قولهم : مثلك لا يليق به كذا، فمعناه : ليس كذاته شيء، أو هو من باب الكناية، لأنه إذا نفى مثل مثله، والغرض أنه نفي.
٢ - معنى الآية: ليس له تعالى مثيل، ولا شبيه، ولا نظير، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والغرض تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، والكاف هنا لتأكيد النفي أي ليس مثله شيء، قال ابن قتيبة: العرب تقيم المِثل مقام النفس فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي أنا لا يقال لي هذا..
إن قلتَ : كيف قال :﴿ فيهما من دابة ﴾ مع أن الدواب إنما هي في الأرض فقط ؟
قلتُ : هو من إطلاق المثنّى على المفرد، كما في قوله تعالى :﴿ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] وإنما يخرجان من أحدهما، وهو الملح.
وقيل : إن الملائكة لهم دبيب مع طيرانهم أيضا، وهم مبثوثون في السماء، عملا بمفهوم قوله :﴿ وما من دابة في الأرض ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] على القول بالعمل به في مثل ذلك.
قاله هنا بلام التأكيد، وقاله في لقمان بدونها ( ١ )، لأن الصبر على مكروه حدث بظلم، كقتل ولد، أشدّ من الصبر على مكروه حدث بلا ظلم، كموت ولد، كما أن العزم على الأول، أوكد منه على الثاني، وما هنا من القبيل الأول، فكان أنسب بالتوكيد، وما في لقمان من القبيل الثاني، فكان أنسب بعدمه.
فإن قلتَ : لم قدّم الإناث مع أنّ جهتهنّ التأخير، ولم عرّف الذكور دونهنّ ؟
قلتُ : لأن الآية سيقت لبيان عظمة ملكه ومشيئته، وأنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاؤه عبيده، كما قال تعالى :﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ [ القصص : ٦٨ ]. ولما كان الإناث مما لا يختاره العباد، قدّمهن في الذّكر، لبيان نفوذ وإرادته ومشيئته، وانفراده بالأمر، ونكرهنّ وعرّف الذكور، لانحطاط رتبتهنّ، لئلا يُظنّ أن التقديم كان لأحقيتهنّ به، ثم أعطى كل جنس حقّه من التقديم والتأخير، ليُعلم أن تقديمهن لم يكن لتقدمهنّ، بل لمقتضى، فقال :﴿ أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ﴾ [ الشورى : ٥٠ ] كما قال :﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ [ الحجرات : ١٣ ].
المراد بالإيمان هنا : " شرائع الإسلام " وأحكامُه، كالصلاة، والصوم، وإلا فالأنبياء مؤمنون بالله، قبل أن يُوحى إليهم بأدلة عقولهم.
وقيل : المراد بالإيمان الكلمة التي بها دعوة الإيمان والتوحيد، وهي «لا إله إلا الله محمد رسول الله » والإيمان بهذا التفسير، إنما علمه بالوحي لا بالعقل.