تفسير سورة الدّخان

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله عز وجل :﴿ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾.
﴿ أَمْراً ﴾ هو منصوب بقوله : يفرق، على معنى يفرق كل أمر فرقاَ وأمرا وكذلك.
قوله :﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾، يفرق ذلك رحمة من ربك، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، تجعل الرحمة هي النبي صلى الله عليه.
وقوله :﴿ رَبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
خفضها الأعمش وأصحابه، ورفعها أهل المدينة، وقد خفضها الحسن أيضا على أن تكون تابعة لربك رب السماوات.
ومن رفع جعله تابعا لقوله :﴿ إنهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ ﴾، ورفع أيضا آخر على الاستئناف كما قال :«وما بينهُما الرحمنُ ».
وقوله :﴿ تَأْتِي السَّماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾.
كان النبي صلى الله عليه دعا عليهم، فقال : اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم كَسِنيِ يوسف، فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.
وقوله :﴿ يَغْشَى الناسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
يراد به ذلك عذاب، ويقال : إن الناس كانوا يقولون : هذا الدخان عذاب.
وقوله :﴿ إِنا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائدُونَ ﴾.
يقال : عائدون إلى شرككم، ويقال : عائدون إلى عذاب الآخرة.
وقوله :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ ﴾.
يعنى : يوم بدر، وهي البطشة الكبرى.
[ ١٧٢/ب ] وقوله :﴿ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾.
أي على ربه كريم، ويكون كريم من قومه ؛ لأنه قال : ما بعث نبي إِلا وهو في شرف قومه.
وقوله :﴿ أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ﴾.
يقول : ادفعوهم إليّ، أرسلوهم معي، وهو قوله :﴿ أَرْسِلْ مَعِيَ بَنيِ إِسْرَائيلَ ﴾.
ويقال : أن أدّوا إلىّ يا عباد الله، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا.
وقوله :﴿ أَن تَرْجُمُونِ ﴾.
الرجم ههنا : القتل.
وقوله :﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾.
يقول : فاتركون لا عليّ، ولا لي.
وقوله :﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ ﴾.
تفتح ( أنَّ )، ولو أضمرت القول فكسرتها لكان صوابا.
وقوله :﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ﴾.
يقول : ساكنا، قال : وأنشدني أبو ثروان :
كأنما أهلُ حجر ينظرون مَتى يَرَونَني خارجاً طير تَنادِيد
طيرٌ رأَتْ بازياً نَضْخُ الدماء به أو أمةٌ خرجَتْ رهواً إلى عيد
وقوله :﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾.
يقال : منازل حسنة، ويقال : المنابر.
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو شعيب عن منصور ابن المعتمر عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماء وَالأَرْضُ ﴾ قال : يبكي على المؤمن من الأرض مصلاَّه، ويبكى عليه من السماء مصعد عمله.
قال الفراء : وكذلك ذكره حبان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس.
وقوله :﴿ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ وفي حرف عبد الله :«مِنْ عَذَابِ المُهِين ».
وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله :﴿ ولَدَارُ الآخِرَةِ خيرٌ ﴾. مثل قوله :﴿ وذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ وهي في قراءة عبد الله :«وذلك الدينُ القَيِّمَةُ ».
وقوله :﴿ وَآتَيْناهُم مِّنَ الآيَاتِ ما فِيهِ بَلاء مُّبِينٌ ﴾.
يريد : نعم مبيِّنة، منها : أن أنجاهم من آل فرعون، وظللهم بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وهو كما تقول للرجل : إن بلائي عندك لحسن، وقد قيل فيهما : إن البلاء عذاب، وكلٌّ صواب.
وقوله :﴿ فَأْتُواْ بِآبَائنا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
يخاطبون النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده، وهو كقوله :﴿ يا أيُّها النَّبيُ إذا طلَّقتُمُ النِّساء ﴾ في كثير من كلام العرب، أن تجمع العرب فعل الواحد، منه قول الله عز وجل :﴿ قَالَ رَبِّ أرْجِعونِ ﴾.
وقوله :﴿ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾.
يريد : للحق.
وقوله :﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾.
يريد : الأولين والآخرين، ولو نصب ﴿ مِيقَاتُهم ﴾ لكان صواباً يجعل اليوم صفة، قال : أنشدني بعضهم :
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
فنصب : يوم الرحيل، على أنه صفة.
وقوله :﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾.
فإن المؤمنين يشفّع بعضهم في بعض، فإِن شئت فاجعل - من - في موضع رفع، كأنك قلت : لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام تريد : اللهم إلاَّ من رحمت.
وقوله :﴿ طَعَامُ الأَثِيمِ ﴾.
يريد : الفاجر.
وقوله :﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِي ﴾.
قرأها كثير من أصحاب عبد الله :«تغلى »، وقد ذُكرت عن عبد الله، وقرأها أهل المدينة كذلك، وقرأها الحسن «يغلى ». جعلها للطعام أو للمهل، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة.
ومثله قوله :﴿ أَمَنَةً نُعاساً ﴾ تغشى ويغشى ؛ فالتذكير للنعاس، والتأنيث للأمَنَة، ومثله :﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَّنِيٍّ تُمْنَى ﴾ التأنيث للنطفة، والتذكير من المني.
وقوله :﴿ فَاعْتِلُوهُ ﴾.
قرأها بالكسر عاصم والأعمش، وقرأها أهل المدينة :«فاعتلُوه ». بضم التاء.
وقوله :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾.
قرأها القراء بكسر الألف. حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدثني شيخ عن حجر عن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال : سمعت الحسن بن على بن أبى طالب على المنبر يقول :«ذُقْ أَنك » بفتح الألف. والمعنى في فتحها : ذق بهذا القول الذي قلته في الدنيا، ومن كسر حكى قوله، وذلك أن أبا جهل لقي النبي - صلى الله عليهٍ وسلم - قال : فأخذه النبي صلى الله عليه فهزه، ثم قال [ له ] : أولى لك يا أبا جهل أولى فأنزلها الله كما قالها النبي صلى الله عليه وسلم. ورد عليه أبو جهل، فقال :[ و ] الله ما تقدر أنت ولا ربك عليَّ، إني لأكرم أهل الوادي على قومه، وأعزُّهم ؛ فنزلت كما قالها قال : فمعناه - فيما نرى والله أعلم - : انه توبيخ أي [ ١٧٣/ب ] ذق فإنك كريم كما زعمت، ولست كذلك.
وقوله :﴿ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾.
قرأها الحسن والأعمش وعاصم :﴿ مَقامٍ ﴾، وقرأها أهل المدينة ( في مُقام ) بضم الميم. والمَقام بفتح الميم أجود في العربية ؛ لأنه المكان، والمُقام : الإقامة وكلٌّ صواب.
وقوله :﴿ وَزَوَّجْناهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾.
وفي قراءة عبد الله :«وَأَمْدَدْناهُمْ بِعِيسٍ عِين »، والعيساء : البيضاء. والحوراء كذلك.
وقوله :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيها الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى ﴾.
يقول القائل : كيف استثنى موتا في الدنيا قد مضى من موت الآخرة، فهذا مثل قوله :﴿ ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم من النِّساء إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ ﴾ فإلاّ في هذا الموضع بمنزلة سوى، كأنه قال : لا تنكحوا، لا تفعلوا سوى ما قد فعل آباؤكم، كذلك قوله :﴿ لا يذُوقون فيها الموتَ ﴾. سوى الموتة الأولى، ومثله :﴿ خالدِينَ فيها ما دَامتِ السّماوَاتُ والأرضُ إِلا ما شَاء ربُّك ﴾ أي سوى ما شاء ربك لهم من الزيادة على مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل في الكلام : لك عندي ألفٌ إِلاَّ ما لَكَ من قِبَل فلان، ومعناه : سوى مالك على من قِبَل فلان، وإلا تكون على أنها حطٌّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لك من هذه الآيات فهو زيادة على ما قبل إلا، والحط مما قبلَ إلا قولُك : هؤلاء ألفٌ إلاَّ مائة فمعنى هذه ألف ينقصون مائة.
وقوله :﴿ فضلاً ﴾.
أي فعله تفضلا منه، وهو مَّما لو جاء رفعا لكان صوابا أي : ذلك فضل من ربك.
Icon