تفسير سورة الدّخان

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الدخان
مكية. وهي سبع وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ فسوف تعلمون ﴾ [ الزخرف : ٨٩ ] على الاحتمال الثاني، أي : سوف تعلمون حقيقة ما أنزلنا على محمد، ثم أقسم أنه أنزل في ليلة مباركة، أو لقوله :﴿ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ﴾ [ الزخرف : ٨٨ ] أي : بما أنزلت إليّ، فأقسم الله تعالى أنه أنزله من عنده، أو يرجع لقوله :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] والحديث شجون، يجر بعضه بعضا.

بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ حم ﴾*﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾*﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾*﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾*﴿ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾*﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾*﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾*﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ﴾*﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ حم ﴾ يا محمد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

﴿ و ﴾ حق ﴿ الكتاب المبين ﴾ الواضح البيِّن، وجواب القسم :﴿ إِنا أَنزلناه ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

أي : الكتاب الذي هو القرآن ﴿ في ليلة مباركةٍ ﴾ ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، والجمهور على الأول، لقوله :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [ القدر : ١ ] وقوله :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وليلة القدر على المشهور في شهر رمضان، وسيأتي الجمع بينهما. ثم قيل : أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل نجوماً، على حسب الوقائع، في ثلاث وعشرين سنة، وقيل : معنى نزوله فيها : ابتداء نزوله.
والمباركة : الكثيرة الخير ؛ لما ينزل فيها من الخير والبركة، والمنافع الدينية والدنيوية، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة.
﴿ إِنا كنا منذِرينَ ﴾ استئناف مبين لما يقتضي الإنزال، كأنه قيل : إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب.
﴿ فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم ﴾ استئناف أيضاً مبين لسر تخصيص هذه الليلة بالإنزال، أي : إنما أنزلناه في هذه الليلة المباركة، لأنها فيها يُفرق كل أمر حكيم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

﴿ فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم ﴾ استئناف أيضاً مبين لسر تخصيص هذه الليلة بالإنزال، أي : إنما أنزلناه في هذه الليلة المباركة، لأنها فيها يُفرق كل أمر حكيم.
أي : ذي حكمة بالغة، ومعنى " يُفرق " : يفصل ويكتب كل أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم، من هذه الليلة إلى ليلة القدر المستقبلة، وقيل : الضمير في " فيها " يرجع لليلة النصف، على الخلاف المتقدم.
وروى أبو الشيخ، بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله :﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾ قال :" ليلة النصف من شعبان، يُدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء ويُثبت غيره ؛ الشقاوة والسعادة، والموت والحياة ". قال السيوطي : سنده صحيح لا غُبار عليه ولا مطعن فيه. ه. وروي عن ابن عباس : قال : إن الله يقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفي رواية : ليلة السابع والعشرين من رمضان، قيل : وبذلك يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ في ليلة النصف من شعبان، ويكمل في ليلة السابع والعشرين من رمضان١. والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ حكيم ﴾ الحكيم : ذو الحكمة، وذلك أن تخصيص الله كل أحد بحالة معينة من الرزق والأجل، والسعادة والشقاوة، في هذه الليلة، يدلّ على حكمة بالغة ؛ فأسند إلى الليلة لكونها ظرفاً، إسناداً مجازياً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.


١ في هامش النسخة الأم ما يلي: كيف يرتفع، والله تعالى يقول فيها - أي: الليلة المباركة "يفرق كل أمر حكيم" وهي ليلة القدر؟ على أنه: أي إشكال لكلام الله تعالى مع كلام غيره، والمرفوع بذلك ضعيف أيضا، فلا إشكال من كل جهة، ولله الحمد. هـ..
وقوله :﴿ أمراً من عندنا ﴾ منصوب على الاختصاص، أي : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، على مقتضى حكمتنا، وهو بيان لفخامته الإضافية، بعد بيان فخامته الذاتية، ويجوز أن يكون حالاً من كل أمر ؛ لتخصيصه بالوصف، ﴿ إِنا كنا مرسِلين ﴾ بدل من ﴿ إنا كنا منذرِين ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

و﴿ رحمةً من ربك ﴾ مفعول له، أي : أنزلنا القرآن ؛ لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب ؛ لأجل إفاضة رحمتنا. ووضع الرب موضع الضمير، والأصل : رحمة منا ؛ للإيذان بأن ذلك من أحكام الربوبية ومقتضياتها، وإضافته إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتشريفه وفخامته.
وقال الطيبي : هذه الجمل كلها واردة على التعليل المتداخل ؛ فكأنه لما قيل :﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾ قيل : فلِمَ أُنزل ؟ فأجيب : لأن من شأننا التحذير والعقاب، فقيل : لِمَ خص الإنزال في هذه الليلة ؟ فقيل : لأنه من الأمور المُحكَمة، ومن شأن هذه الليلة أن يُفرق فيها كل أمر حكيم، فقيل : لِمَ كان من الأمور المُحكَمة ؟ فأجيب : لأن ذا الجلال والإكرام أراد إرسال الرحمة للعالمين، ومن حق المنزَل عليه أن يكون حكيماً، لكونه للعالمين نذيراً، أو ﴿ داعياً إلى الله بإذنه. . . ﴾ الآية، فقيل : لماذا رحمهم الرب بذلك ؟ فأجيب : لأنه وحده سميع عليم، يعلم جريان أحوال عباده، ويعلم ما يحتاجون إليه دنيا وأخرى. ه. وهذا معنى قوله :﴿ إِنه هو السميع ﴾ لأقوالهم وحده، ﴿ العليم ﴾ بأحوالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

﴿ ربِّ السماوات والأرض وما بينهما ﴾ مَن جرّه بدر من " ربك "، ومَن رفعه خبر من مضمر، أي : هو رب العوالم العلوية والسفلية، وما بينها، ﴿ إِن كنتم موقنين ﴾ أي : من أهل الإيقان، ومعنى الشرط، أنهم كانوا يُقرون بأن للسماوات والأرض ربّاً وخالقاً، فإن كان إقرارهم عن علم وإيقان فهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل رحمة منه، وإن كانوا مذبذبين فليعلموا ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

﴿ لا إِله إِلا هو ﴾ مِن قصر إفرادٍ لا قصر قلبٍ، لأن المشركين كانوا يُثبتون الألوهية لله تعالى ويشركون معه غيره، فردّ الله عليهم بكونه لا يستحق العبادة غيره، ﴿ يُحيي ويُميت ﴾ ثم يبعث للجزاء، ﴿ ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين ﴾ أي : هو رب الجميع.
ثم ردّ أن يكونوا موقنين بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

ثم ردّ أن يكونوا موقنين بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾
وإقرارهم غير صادر عن علم وإيقان، بل قول مخلوط بهزؤ ولعب. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ حم ﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [ النجم : ١٠ ] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿ إنا أنزلناه ﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿ في ليلة مباركة ﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا١ :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
هـ.
أي : لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى :﴿ فيها يُفرق كل أمر حكيم ﴾ أي : في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.
وقوله تعالى :﴿ إِنّا كنا مرسلين رحمةً من ربك ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أنا الرحمة المهداة " ٢، فرحمة مفعول به، ﴿ إِنه هو السميع العليم ﴾ قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. ﴿ لا إِله إلا هو ﴾ أي : لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، ﴿ يُحيي ويميت ﴾ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله :﴿ بل هم في شك يلعبون ﴾ وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري : واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

ثم هددهم بقوله :
﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾*﴿ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾*﴿ رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ ﴾*﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾*﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴾*﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾*﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ فارتقبْ ﴾ فانتظر ﴿ يوم تأتي السماءُ بدُخان مبين ﴾ قال عليّ وابن عباس وابن عمر والحسن رضي الله عنهم : هو دخان يجيء قبل يوم القيامة، يُصيب المؤمن منه مثل الزكام، ويُنضج رؤوسَ المنافقين والكافرين، حتى تكون كأنها مصليَّة حنيذة١، وتكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه نار، ليس فيه خِصاص، ويؤيد هذا حديث حذيفة :" أول الآيات الدخان، ونزول عيسى، ونار تخرج من عدن، تسوق الناس إلى الحشر، تقيل معهم إذا قالوا. . . " ٢ الحديث، انظر الثعلبي.
وأنكر هذا ابن مسعود، وقال : هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف٣، فكان الرجل يرى من الجوع دخاناً بينه وبين السماء. ويؤيده ما يأتي بعده. وقوله :﴿ مبين ﴾ أي : ظاهر لا يشك أحد أنه دخان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.


١ المصلية والحنيذة: المشوية..
٢ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٥/١١٤، والبغوي في تفسيره ٧/٢٣٠..
٣ حديث: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤٤ حديث ٤٨٢٣، ومسلم في المنافقين حديث ٣٩..
﴿ يغشى الناسَ ﴾ أي : يحيط بهم، حتى كان الرجلُ يُحدّث الرجلَ، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان، أي : انتظر يوم شدة ومجاعة ؛ فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره، أو لأن عام القحط يُظلِم الهواء لقلة الأمطار، أو كثرة الغبار، ﴿ هذا عذابٌ أليم ﴾ أي : قائلين هذا عذاب أليم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

ولما اشتد بهم القحط، مشى أبو سفيان، ونفر معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله تعالى والرحم، وواعدوه إن دعا لهم، وكشف عنهم، أن يؤمنوا، وذلك قوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب إِنا مؤمنون ﴾ أي : سنؤمن إن كُشف عنا العذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

قال تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرَى ﴾ أي : كيف يذَّكرون ويتَّعظون ويَفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، ﴿ وقد جاءهم رسول مبين ﴾ أي : والحال أنهم يُشاهدون من دواعي التذكير وموجبات الاتعاظ، ما هو أعظم منه، حيث جاءهم رسول عظيم لشأن، بيِّن البرهان، يُبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة، ومعجزات قاهرة، تخرّ لها صُمّ الجبال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

﴿ ثم تَولوا عنه ﴾ أي : عن ذلك الرسول، بعدما شاهدوا من العظائم ما يوجب الإقبال عليه، ولم يقنعوا بالتولِّي، بل اقترفوا ما هو أشنع، ﴿ وقالوا ﴾ في حقه عليه السلام :﴿ مُعَلَّمٌ مجنون ﴾ أي : قالوا تارة مُعَلَّم يُعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف، وتارة مجنون، أو : يقول بعضهم كذا، وبعضهم كذا، وكيف يتوقع من قوم هذه صفتهم أن يتأثروا بالعظة والتذكير ؟ !
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

قال تعالى :﴿ إِنا كاشفو العذاب قليلاً ﴾ أي : زمناف قليلاً، أو كشفاً قليلاً، ﴿ إِنكم عائدون ﴾ إلى الكفر، الذي أنتم فيه، أو : إلى العذاب بعد صرف الدخان، على القول الأول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

﴿ يوم نبطشِ البطشةَ الكبرى ﴾ يوم بدر، أو يوم القيامة، ﴿ إِنا منتقمون ﴾ أي : ننتقم منهم في ذلك اليوم. وانتصاب ﴿ يوم نبطش ﴾ باذكر أو بما دلّ عليه ﴿ إنا منتقمون ﴾، وهو ننتقم، لا بمنتقمون، لأن ما بعد " إن " لا يعمل فيما قبله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ فارتقب ﴾ أيها العارف ﴿ يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي : يوم يبرز من سماء الغيوب بدخان الحس، وظلمة الأسباب تغشى قلوب الناس، فتحجبهم عن شمس العرفان، هذا عذاب أليم موجع للقلوب، حيث حجبها عن حضرة علاّم الغيوب. وأما العارف فشمسه ضاحية، ونهاره مشرق على الدوام، كما قال شاعرهم :
لَيلِي بوجهكَ مشْرقٌ وظلامُهُ في الناس سَارِ
الناسُ في سَدَفِ الظَّلامِ ونحنُ في ضوءِ النَّهارِ
وقال آخر١ :
طَلَعتْ شَمْسُ مَن أُحبُّ بِليلٍ فَاسْتَنارَتْ فما تلاها غُروبُ
إِن شمسَ النَّهارِ تَغْربُ بِليلٍ وشَمسُ القُلوبِ لَيْسَت تغِيبُ
قال القَشيري : قيامة هؤلاء - أي الصوفية - مُعَجَّلة لهم، يوم تأتي السماء فيه بدخان، مبين، وهو باب غيبة الأخبار، وانسداد باب ما كان مفتوحاً من الأنس بالأحباب. قلت : وأحسن من عبارته أن تقول : وهو باب غيبة الأنوار، وانسداد منبع الأسرار. ثم قال : وفي معناه قالوا٢ :
فلاَ الشمس شَمْسٌ تستنيرُ ولا الضحى بطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة بباردِ
هـ.
وقوله تعالى :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ قال القشيري : وقد يستزيد هؤلاء العذاب على العكس من أحوال الخلق، وفي ذلك أنشدوا٣ :
وكلُّ مآربي قدْ نِلْتُ مِنها سِوى مُلكِ وَدِّ قَلْبي بالعذاب
فهم يسألون البلاء بدل ما يستكشفه الخلق، وأنشدوا :
أَنْتَ البلاَءُ فكيف أرجو كَشْفه إنَّ البلاء إذا فقدتُ بلائي
هـ.

قلت : وأصرح منه قول الشاعر :
يا مَنْ عَذَابي عذبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مَلَلا

وقول الجيلاني رضي الله عنه :
تَلَذُّ ليَ الآلامُ إِذ كنتَ مُسقِمي وَإن تَخْتبِرني فهي عِنْدي صنَائِعُ
تَحكَّمْ بما تَهْواه فيَّ فإنني فَقِيرٌ لِسلطانِ المحبة طائِعُ
قوله تعالى :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ أي : كيف يتّعظ مَن تنكَّب عن صحبة الرجال، وملأ قلبه بالخواطر والأشغال ؟ وقد جاءهم مَن يدعوهم إلى الكبير المتعال، فأنكروه، وقالوا : مُعَلَّمٌ مجنون، إنا كاشفو العذاب عن قلوبهم من الشكوك والخواطر قليلاً، حين يتوجهون إلينا، ويفزعون إلى بابنا، أو يسمعون مِن بعض أوليائنا، ثم تكثر عليهم الخواطر، حين تنقشع عنهم سحابة أمطار الواردات من قلوب أوليائنا، إنكم عائدون إلى ما كنتم عليه، ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى ﴾ هي خطفة الموت، فلا ينفع فيها ندم ولا رجوع، بل يورثهم حزناً طويلاً، فلا يجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً، فننتقم ممن أعرض بسريرته عن دوام رؤيتنا.

ثم ذكر وبال من سلك مسلكهم، فقال :
﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾*﴿ أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾*﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾*﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾*﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾*﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾*﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾*﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولقد فتنا قبلهم ﴾ قبل هؤلاء المشركين، ﴿ قومَ فرعون ﴾ أي : امتحانهم بإرسال موسى عليه السلام، أو : أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الأرزاق، أو فعلنا بهم فعل المختبِر ؛ ليظهر ما كان باطناً، ﴿ وجاءهم رسولٌ كريمٌ ﴾ موسى عليه السلام، أي : كريم على الله، أو على المؤمنين، أو في نفسه حسيب نسيب، لأن الله تعالى لم يبعث نبيّاً إلا من سادات قومه :﴿ أنْ أدُّوا إِليَّ عبادَ الله ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
أي : بأن أدُّوا إليّ، أي : ادفعوا عبادَ الله، وهم بنو إسرائيل، بأن ترسلوهم معي، فكانت دعوة موسى لفرعون بعد الإقرار بالتوحيد إرسال بني إسرائيل من يده، أو : بأن أدُّوا إليّ يا عباد الله ما يجب عليكم من الإيمان، وقبول الدعوة، فالعباد على هذا عام. ف " إن " مفسرة ؛ لأن مجيء الرسل لا يكون إلا بدعوة، وهي تتضمن القول، أو مخففة، أي : جاءهم بأن الشأن أدوا إليّ، و " عبادُ الله " على الأول : مفعول به، وعلى الثاني : منادى، ﴿ إِني لكم رسولٌ أمين ﴾ تعليل للأمر، أو لوجوب المأمور، أي : رسول غير ظنين، قد ائتمنني الله على وحيه، وصدّقني بالمعجزات القاهرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
﴿ وأن لا تعلوا على الله ﴾ أي : لا تتكبّروا على الله بالاستهانة بوحيه وبرسوله أو : لا تتكبروا على نبيّ الله، ﴿ إِني آتيكم ﴾ من جهته تعالى ﴿ بسلطانٍ مبين ﴾ بحجة واضحة، لا سبيل إلى إنكارها، تدل على نبوتي، وفي إيراد الأداء مع الأمين، والسلطان مع العلو، من الجزالة ما لا يخفى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
﴿ وإِني عُذْتُ بربي وربكم ﴾ أي : التجأت إليه، وتوكلتُ عليه، ﴿ أن ترجمون ﴾ من أن ترجمون، أي : تؤذونني ضرباً وشتماً، أو تقتلوني رجماً.
قيل : لما قال :﴿ وأن لا تعلوا على الله ﴾ توعّدوه بالرجم، فتوكّل على الله، واعتصم به، ولم يُبال بما توعّدوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
﴿ وإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلونِ ﴾ أي : وإن كابرتم ولم تُذعنوا لي، فلا مولاة بيني وبين مَن لا يؤمن، فتنحُّوا عني، أو : فخلُّوني كفافاً لا لي ولا عليّ، ولا تتعرضوا لي بشرِّكم وأذاكم، فليس ذلك جزاء مَن دعاكم إلى ما فيه فلا حُكم، قال أبو السعود : وحَمْلُه على قطع الوصلة وعدم الموالاة بينه وبينهم، يأباه المقام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
﴿ فدعا ربَّه ﴾ بعدما تمادوا على تكذيبه، شاكياً إلى ربه :﴿ أَنَّ هؤلاء ﴾ أي : بأن هؤلاء، ﴿ قوم مجرمون ﴾ وهو تعريض بالدعاء عليهم، بذكر ما استوجبوه، ولذلك سمي دعاء، وقيل : كان دعاؤه : اللهم عجِّل لهم ما يستوجبونه بإجرامهم، وقيل : هو قوله :﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴾ [ القمر : ١٠ ] وقيل : قوله :﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [ يونس : ٨٥ ] وقُرئ بالكسر على إضمار القول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
قال تعالى له بعدُ :﴿ فأَسْرِ بعبادي ليلاً ﴾ والفاء تؤذن بشرط محذوف، أي : إن كان الأمر كما تقول ﴿ فأسْرِ بعبادي ﴾ بني إسرائيل ﴿ ليلاً إِنكُم مُتَّبعون ﴾ أي : دبّر الله أن تتقدموا، ويتبعكم فرعون وجنوده، فننجّي المتقدمين، ونغرف الباقين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
﴿ واترك البحر رَهْواً ﴾ ساكناً على حالته بعدما جاوزته، ولا تضربه بعصاك لينطبق، ولا تُغيره عن حاله ليدخله القبط، أراد موسى عليه السلام لمّا جاوزه أن يضربه بعصا لينطبق، فأمره أن يتركه ساكناً على هيئته، قاراً على حالته، من انتصاب الماء كالطود العظيم، وكون الطريق يبساً لا يُغير منه شيئاً، ليدخله القبط، فإذا دخلوا فيه أطبقه الله عليهم، فالرهو في كلام العرب : السكون، قال الشاعر :
طَيرٌ رَأَتْ بازياً نَضحَ الدُّعاءُ به وأُمَّةٌ خَرَجَتْ رَهْواً إلى عيدِ
أي : ساكنة، وقيل : الرهو : الفرجة الواسعة، أي : اتركه مفتوحاً على حاله منفرجاً، ﴿ إنهم جند مُغْرَقون ﴾ بعد خروجكم من البحر. وقرئ بالفتح، أي : لأنهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل زمان له فراعين، يحبسون الناسَ عن طريق الله، وعن خدمته، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم، ويأمرهم بتخلية سبيلهم، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم، فإذا كُذّب الداعي، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم، فيغرقون في بحر الهوى، ويهلكون في أودية الخواطر. وبالله التوفيق.
ثم حض على الاعتبار، فقال :
﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾*﴿ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾*﴿ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾*﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾*﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ﴾*﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيا إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾*﴿ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾*﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ كم تركوا من جناتٍ وعُيون ﴾ أي : كثيراً ما ترك فرعون وجنوده بمصر من بساتين. رُوي أنها كانت متصلة بضفتي النيل جميعاً، من رشيد إلى أسوان، ﴿ وعُيون ﴾ يحتمل أن يريد الخلجان، شَبَّهها بالعيون، أو كانت ثَمَّ عيون وانقضت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ وزُروعٍ ﴾ أي : مزارع، ﴿ ومَقام كريم ﴾ محافل مُزينة، ومنازل مُحسَّنة، وسمّاه كريماً ؛ لأنه مجلس الملوك، وقيل : المنابر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ ونَعْمةٍ ﴾ أي : بسطة ولذاذة عيش وتنعُّم، ﴿ كانوا فيها فاكِهين ﴾ أي : متنعّمين فرحين مسرورين.
وفي المشارق : النعمة - بالفتح التنعُّم، وبالكسر : اسم ما أنعم الله به على عباده، قال ابن عطية : النعمة - بالفتح : غضاوة العيش، ولذاذة الحياة، والنعمة - بالكسر : أعم من هذا كله، وقد تكون الأمراض والمصائب نِعماً، ولا يقال فيها نعمة بالفتح. ه فانظره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ كذلك ﴾ أي : الأمر كذلك، فالكاف في محل الرفع، على أنه خبر عن مضمر، أو نصب على أنه مصدر لمحذوف يدل عليه :﴿ تركوا ﴾ أي : مثل ذلك السلب سلبناهم إياها، ﴿ وأورثناها قوماً آخرين ﴾ ليسوا منهم في شيء في قرابة ولا دين، ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل، بأن تولُّوا أحكامها والتصرُّف فيها. وقال الحسن : رجعوا بعد هلاك فرعون إلى مصر، نظيره :﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفَونَ. . . ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] الآية، ومثله عن القرطبي والبيضاوي، وكذلك في نوادر الأصول، وقد تقدّم الكلام عليه في الشعراء١. وفي الآية اعتبار واستبصار، وتنبيه للعاقل على عدم الاغترار، وسيأتي في الإشارة ما فيه كفاية نظماً ونثراً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.


١ انظر تفسير الآية ٥٩ من سورة الشعراء..
﴿ فما بَكَتْ عليهم السماءُ والأرض ﴾ مجاز عن الاكتراث بهلاكهم، والاعتداد بوجودهم، وفيه تهكُّم بهم، وبحالهم المنافية، بحال مَن يعظم فقده، فيقال :﴿ بكت عليهم السماء والأرض ﴾ وكانت العرب إذا عظَّمت مهلك رجل قالوا : بكته الريحُ والبرقُ والسماء، قال الشاعر١ :
الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَها والبَرْقُ يَلْمعُ فِي الغمامَهْ
وقال جرير، يرثي عمر بن عبد العزيز٢ :
فالشَّمسُ طالِعةٌ ليستْ بكاسفةٍ تَبكي عليك نُجُومَ اللَّيل والْقَمَرَا
حُمّلْتَ أمراً عظيماً فاصطَبرَتْ له وقُمْتَ فينا بأمر اللّهِ يَا عُمَرا
وقيل : البكاء حقيقة، وأن المؤمن تبكي عليه من الأرض مُصلاَّه، ومحل عبادته، ومن السماء مَصْعدُ عمله، كما في الحديث٣، وإذا مات العالم بكت عليه حيتان البحر، ودوابه، وهَوام البر وأنعامه، والطير في الهواء، وهؤلاء لمَّا ماتوا كُفاراً لم يعبأ الوجودُ بفقدهم، بل يفرح بهلاكهم. ﴿ وما كانوا ﴾ لّمَّا جاء وقت هلاكهم ﴿ مُنظّرين ﴾ ممهلين إلى وقت آخر، أو إلى الآخر، بل عجّل لهم في الدنيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.


١ البيت لابن نفرغ في ديوانه ص ٢٠٨، ولسان العرب (درك)، ورواية عجز البيت في الديوان:
والبرق يضحك في الغمامه ***....

٢ البيتان في ديوان جرير ص ٧٣٦، والدرر ٣/٤٢، وشرح التصريح ٢/١٦٤، وشرح شواهد المغني ٢/٧٩٢، وشرح عمدة الحافظ ص٢٨٩، والمقاصد النحوية ٤/٢٢٩، والأشباه والنظائر ٥/٣٠٧، وأمالي المرتضى ١/٥٢، وشرح شواهد الشافية ص ٢٦، والعقد الفريد ١/٩٦، ولسان العرب (كسف) (بكى)..
٣ لفظ الحديث كما أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٤٤، حديث ٣٢٥٥: "ما من مؤمن إلا وله بابان، باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه، وذلك قوله عز وجل: ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾..
﴿ ولقد نجينا بني إِسرائيلَ ﴾ لما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا ﴿ من العذاب المهين ﴾ من استعباد فرعون إياهم، وقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ من فرعون ﴾ بدل من العذاب المهين بإعادة الجار، كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم، أو خبر عن مضمر، أي : ذلك من فرعون، وقُرئ " مَن فرعون " على معنى : هل تعرفونه مَن هو في عتوه وتفرعنه ؟ وفي إبهام أمره أولاً، وتبيينه بقوله تعالى :﴿ إِنه كان عالياً من المسرفين ﴾ ثانياً، من الإفصاح عن كُنه أمره في الشر والفساد مما لا مزيد عليه وقوله تعالى :﴿ من المسرفين ﴾ إما خبر ثان، أي : كان متكبراً مسرفاً، أو حال من الضمير في " عالياً " أي : كان رفيع الطبقة من بين المسرفين، فائقاً لهم، بليغاً في الإسراف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ ولقد اخترناهم ﴾ أي : بني إسرائيل ﴿ على عِلْمٍ ﴾ أي : عالِمين بأنهم أحقاء بالاختيار، أو عالِمين بأنهم يزيغون في بعض الأوقات، ويكثر منهم الفرطات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا، ليعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات، ﴿ على العالَمين ﴾ أي : عالمي زمانهم، لما كثر فيهم من الأنبياء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

﴿ وآتيناهم من الآيات ﴾ كفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وغيرها من عظائم الآيات، ﴿ ما فيه بلاء مبين ﴾ نعمة ظاهرة، أو : اختبار ظاهر، لينظر كيف يعملون، وقيل : البلاء المبين هو المطالبة بالشكر عند الرضا، والصبر عند الكدر والعناء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار، فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ

إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْغيثُ صَوب سحائبٍ عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فنيتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَلوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم تِلْك الوجوه عَلَيْهَا الدود تقتبلُ
قد طالَ ما أَكَلوا دهراً وما شَرِبُوا فَأصبحوا بَعدَ طُولِ الأكْلِ قد أُكلوا

وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
أَلاَ إِنَّما الدنيا كأَحْلامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْشٍ لاَ يَكونُ بِدائم ؟ !
تَأمَّلْ إذَا ما نِلْت بالأمْسِ لَذَّةً فَأفنَيْتها هَلْ أَنْتَ إلا كَحَالِم ؟ !
هذه فكرة اعتبار، وأما فكرة استبصار، فما ثَمَّ إلا تصرفات الحق، ومظاهر أسرار ذاته، وأنوار صفاته، ظهرت في عالم الحكمة بالأشكال والرسوم، وأما في عالم القدرة فما ثَمَّ إلا الحي القيوم.
تَجلّى حَبِيبي فِي مرائي جَمَالهِ فَفِي كلِّ مَرئيٍّ لِلحَبِيبِ طَلاَئِعُ
فلَمَّا تَبَدَّى حُسْنهُ متنوِّعاً تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ فهن مَطَالِعُ
وقوله تعالى :﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ يُفهم منه : أن من عظم قدره تبكي على فقده السموات والأرض ومَن فيهن، في عالم الحس، الذي هو عالم الأشباح، وتفرح به أهل السموات السبع في عالم الأرواح ؛ لتخلُّصه إليها، فيستبشر بقدومه كل مَن هنالك، وينظر اللّهُ إلى خلقه بعين الرحمة، فيرتحم ببركة قدومه الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
وقوله تعالى :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ قال القشيري : ويُقال : على علم بمحبة قلوبهم لنا مع كثرة ذنوبهم فينا، ويقال : على علم بما نُودع عندهم من أسرارنا، ونكاشفهم به من حقائق حقنا.
وقال الورتجبي :﴿ ولقد اخترناهم على علم ﴾ أي : على علم بصفاتنا، ومعرفة بذاتنا، ومشاهدة على أسرارنا، وبيان على معرفة العبودية والربوبية، ودقائق الخطرات والقهريات واللطيفات في زمان المراقبات. هـ.
وقال الواسطي : اخترناهم على علم منا بجنايتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا لهم، ليُعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات. وقال الجرّار : علما ما أودعنا فيهم من خصائص سرنا، فاخترناهم بعلمنا على العالمين. هـ. قلت : والمقصود بالذات : بيان أن اختياره - تعالى - مرتّب على سابق علمه الأزلي، وعلمه - تعالى - لا تُغيره الحوادث، وقد انقطعت دولة بني إسرائيل، فما بقي الكلام إلا مع الملة المحمدية.

ثم رد على من أنكر البعث، بعد أن ذكر بعض أشراطه، كالدخان وغيره، فقال :
﴿ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ ﴾*﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُوْلَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾*﴿ فَأْتُواْ بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾*﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾*﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾*﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّ هؤلاء ﴾ يعني كفار قريش ؛ لأن الكلام معهم، وقصة فرعون مسوقة للدلالة على مماثلتهم في الإصرار على الضلالة، والتحذير من حلول مثل حلّ بهم، ﴿ لَيقولون إِن هي إِلا موتَتنا الأُولى ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.
أي : ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى، المزيلة للحياة الدنيوية، ولا قصد فيه لإثبات موته أخرى، كقولك : حجّ زيد الحجة الأولى ومات، أو : ما الموتة التي تعقبها حياة إلا الموتة الأولى، التي تقدّمت وجودنا، كقوله :﴿ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأحْيَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] كأنهم لما قيل لهم : إنكم تموتون موتة تعقبها حياة، كما تقدمتكم كذلك، أنكروها، وقالوا : ما هي إلا موتتنا الأولى، وأما الثانية فلا حياة تعقبها، أوْ : ليست الموتة إلا هذه الموتة، دون الموتة التي تعقب حياة القبر كما تزعمون، ﴿ وما نحن بمُنشَرِين ﴾ بمبعوثين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.
﴿ فأتوا بآبائنا ﴾ خطاب لمَن كان بعدهم النشر، من الرسول والمؤمنين، ﴿ إِن كنتم صادقين ﴾ أي : إن صدقتم فيما تقولون، فعجِّلوا لنا إحياء مَن مات من آبائنا بسؤالكم ربكم، حتى يكون دليلاً على أن ما تعدونه من البعث حق.
قيل : كانوا يطلبون أن ينشر لهم قُصيّ بن كلاب، ليُشاوروه، كان كبيرهم ومفزعهم في المهمات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.
قال تعالى :﴿ أَهُم خيرٌ أم قومُ تُبَّع ﴾ ردّ لقولهم وتهديد لهم، أي : أهم خير في القوة والمنعة، اللتين يدفع بهما أساب الهلاك، أم قوم تُبع الحميري ؟ وكان سار بالجيوش حتى حيّر الحيرة، وبنى سمرقند، وقيل : هدمها، وكان مؤمناً وقومه كافرين، ولذلك ذمّهم الله تعالى دونه، وكان يكتب في عنوان كتابه : بسم الله الذي ملك برّاً وبحراً ومضحاً وريحاً.
قال القشيري : كان تُبَّع ملك اليمن، وكان قومه فيهم كثرة، وكان مسلماً، فأهلك اللّهُ قومَه على كثرة عددهم وكمال قوتهم. ه. روي عنه عليه السلام أنه قال :" لا تسبُّوا تُبعاً فإنه كان مؤمناً " ١ ه وقيل : كان نبيّاً، وفي حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال :" لا أدري تُبعاً كان نبيّاً أو غير نبي " ٢.
وذكر السهيلي : أن الحديث يُؤذن بأنه واحد بعينه، وهو - والله أعلم - أسعد أبو كرب، الذي كسا الكعبة بعدما أراد غزوه، وبعدما غزا المدينة، وأراد خرابها، ثم انصرف عنها، لما أخبر أنها مهاجَر نبي اسمه " أحمد " وقال فيه شعراً، وأودعه عند أهلها، فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر، إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدُّوه إليه. ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب الأنصاري : حتى نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إليه، وفي الكتاب الشعر، وهو :
شَهِدتُ عَلَى أَحمَدٍ أَنه رَسولٌ مِنَ الله بارِي النَّسمْ
فَلَو مُدَّ عُمْرِي إلَى عُمْرهِ لكنتُ وزيراً له وابن عَمْ
وأَلْزَمتُ طَاعَتَه كلَّ مَن عَلَى الأَرْضِ، مِنْ عُرْبٍ وعَجمْ
ولَكِن قَوْلي له دَائماً سَلاَمٌ عَلَى أَحْمَدٍ في الأمَمْ
وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا : أنه حُفر قبرٌ بصنعاء في الإسلام، فوجد فيه امرأتان، وعند رؤوسهما لوح من فضة، مكتوب فيه بالذهب اسمهما، وأنهما بنتا تُبع، تشهدان ألا إله إلا الله، ولا تُشركان به شيئاً، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما. ه. ويقال لملوك اليمن : التبابعة ؛ لأنهم يُتبعون، ويقال لهم : الأقيال لأنهم يتقيلون. ه.
﴿ والذين مِن قبلهم ﴾ عطف على " قوم تُبع "، والمراد بهم عاد وثمود، وأضرابهم من كل جبار عنيد، أُولي بأس شديد، ﴿ أهلكناهم ﴾ بأنواع من العذاب ﴿ إِنهم كانوا مجرمين ﴾ تعليل لإهلاكهم، ليعلم أن أولئك حيث أهلكوا بسبب إجرامهم مع ما كانوا عليه من غاية القوة والشدة، فكان مهلكَ هؤلاء - وهم شركاؤهم في الإجرام، مع كونهم أضعف منهم في الشدة والقوة - أولى.
قال الطيبي : لما أنكر المشركون الحشر، بقولهم :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ وبَّخهم بقوله :﴿ أهم خير أم قوم تبع ﴾ إيذاناً بأن هذا الإنكار ليس عن حجة قاطعة ودليل ظاهر، بل عن مجرد حب العاجلة، والتمتُّع بملاذ الدنيا، والاغترار بالمال والمآل والقوة والمنعة، أي : كما فعل بمَن سلك قبلَهم من الفراعنة والتبابعة حتى هلكوا، كذلك يفعل بهؤلاء إن لم يرتدعوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.

١ أخرجه أحمد في المسند ٥/٣٤٠..
٢ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨/٣٢٩، والحاكم في المستدرك ١/٣٦..
ثم قرّر أن الحشر لا بُد منه بقوله :﴿ وما خلقنا السماواتِ والأرضَ وما بينهما ﴾ أي : بين الجنسين، ﴿ لاعبين ﴾ لاهين من غير أن يكون في خلقهما غرض صحيح، وغاية حميدة، جلّ جناب الجلال عن ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.
﴿ ما خلقناهما إِلا بالحق ﴾ أي : ما خلقناهما ملتبساً بشيء من الأشياء إلا ملتبساً بالحق، أو : ما خلقناهما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، الذي هو الإيمان والطاعة في الدنيا، والبعث والجزاء في العقبى.
قال الطيبي : وقد سبق مراراً : أنه ما خلقهما إلا ليوحَّد ويُعبَد، ثم لا بد أن يجزي المطيع والعاصي، وليست هذه دار الجزاء. وقال ابن عرفة : قوله :﴿ إلا بالحق ﴾ أي : إلا مصاحبين للدلالة على النشأة الآخرة، وهي حق. ه. ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ أنهن خُلقن لذلك، بل عبثاً، تعالى الله عن ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون :﴿ إن هي إلا موتتنا الأولى ﴾ أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال :" الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " ١. وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسلام.
ثم ذكر شأن البعث الذي أنكرته الجاهلية، فقال :
﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾*﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾*﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾*﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴾*﴿ طَعَامُ الأَثِيمِ ﴾*﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾*﴿ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾*﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾*﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾*﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾*﴿ إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّ يوم الفصل ﴾ : أي : فصل الحق عن الباطل، وتمييز المحق من المبطل، أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبابه، وهو يوم القيامة، ﴿ ميقاتُهم أجمعين ﴾ أي : وقت موعدهم كلهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
﴿ يومَ لا يُغني مَوْلىً عن مَوْلىً شيئاً ﴾ لا يغني ناصر عن ناصر، ولا حميم عن حميم، ولا نسب عن نسيب، شيئاً من الإغناء.
قال قتادة : انقطعت الأسباب يومئذ بابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمَن أصاب يومئذ خيراً، سعد به، ومَن أصاب يومئذ شرّاً شقي به. ه. و﴿ يوم ﴾ بدل من يوم الفصل، أو : صفة لميقاتهم، أو : ظرف لما دلّ عليه الفصل، أي : يفصل في هذا اليوم، ﴿ ولا هم يُنصرون ﴾ يُمنعون مما أراد الله، والضمير ل " مولى " باعتبار المعنى ؛ لأنه عام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
وقوله :﴿ إلا مَن رحم ﴾ بدل من الواو في " يُنصرون "، أي : لا يمنع من العذاب إلا مَن رحم الله، بالعفو عنه، أو بقبول الشفاعة فيه، أو : منصوب على الاستثناء المنقطع، أو : مرفوع على الابتداء، أي : لكن مَن رحم ﴿ اللّهُ ﴾ فيُغْنِي عنه ﴿ إِنه هو العزيزُ ﴾ الغالب، الذي لا يُنصر مَن أراد تعذيبه، ﴿ الرحيمُ ﴾ لمَن أراد أن يرحمه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
﴿ إِنَّ شجرةَ الزقوم ﴾ هي على صورة شجرة الدنيا، لكنها من النار، والزقوم تمرها ؛ وهو كل طعام ثقيل. رُوي : أنها لما نزلت، جمع أبو جهل عجوة وزبداً، وقال لأصحابه : تزقَّموا، فهذا هو الزقوم، وهو طعامي الذي حدّث به محمد١، فقصد بذلك المغالطة والتلبيس على الجهلة. أي : إن ثمر شجرة الزقوم هو ﴿ طعامُ الأثيم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.

١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٧٥٢..
أي : الكثير الإثم، وهو الكافر ؛ لدلالة ما قبله وما بعده عليه. وقيل : نزلت في أبي جهل، ثم تعم. وكان أبو الدرداء يُقرئ رجلاً، فكان أبو الدرداء يقول : طعام الأثيم، والرجل يقول : طعام اليتيم، فكرّر عليه، فلم يفهم منه ؛ فقال :" طعام الفاجر يا هذا " ١. قال النسفي : وبهذا يستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز، إذا كانت مؤدّية معناها، ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية، بشرط أن يؤدي القارئ المعاني كلها، من غير أن يَخْرِمَ منها شيئاً. انظر بقيته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.

١ أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٤٥١..
﴿ كالمُهل ﴾ وهو دُردِّيُّ الزيت، أو : ما يمهل في النار فيذوب، من نحاس وغيره، ﴿ يغلي في البطون ﴾ مَن قرأه بالغيب رده للمهل، أو للطعام، ومَن قرأه بالتاء رده للشجرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
﴿ كغلي الحميم ﴾ الماء الحار الذي انتهى غليانه، أي : غليان كغلي الحميم، فالكاف في محل نصب، ثم يقال للزبانية :﴿ خُذوه ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
أي : الأثيم ﴿ فاعتلوه ﴾ أي : جُروه، فالعتل : الأخذ بمجامع الشيء والسَّوق بالعنف والقهر، يقال : عتل يعتُلِ بالضم والكسر، أي : جروه ﴿ إلى سواء الجحيم ﴾ وسطها ومعظمها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
﴿ ثم صُبوا فوقَ رأسه من عذاب الحميم ﴾ المصبوب هو الحميم، لا عذابه، إلا أنه إذا صب عليه الحميم، فقد صب عليه عذابه وشدته : والأصل : ثم صُبوا فوق رأسه عذاباً هو الحميم، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للمبالغة، وزيد " من " للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع، ويقال له :﴿ ذقْ إِنك أنت العزيزُ الكريمُ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
على سبيل الهزؤ والتهكُّم، رُوي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فوالله لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً١، فتقول له الزبانية هذا على طريق الاستهزاء والتوبيخ.
وقرأ الكسائي :" أنك " بالفتح، أي : لأنك أنت العزيز في قومك، الكريم في زعمك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.

١ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٥/١٣٤..
﴿ إِنَّ هذا ما كنتم به تمترون ﴾ تشكُّون، وتُمارون فيه، والجمع باعتبار المعنى ؛ لأن المراد جنس الأثيم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين، ومقام عامة أهل اليمين، فيرتفع المقربون، ويسقط الغافلون، فلا يُغني صاحبٌ عن صاحب شيئاً، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال، إلا مَن رحم اللّهُ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار، من المريدين، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية ؛ فإنها تغلي في البطون، وتعوق عن الوصول، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله، أحبَّ أم كرِه، ومَن أكل الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِه، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم، وهي نار القطيعة والبُعد، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا، وشغب الخوض والخواطر، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
ثم شفع بضدهم، فقال :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾*﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾*﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾*﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾*﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾*﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾*﴿ فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾*﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾*﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّ المتقين في مقامٍ ﴾ بضم الميم : مصدر، أي : في إقامة حسنة، وبالفتح : اسم مكان، أي : في مكان كريم، وأصل المقام، بالفتح : موضع القيام، ثم عمّم واستعمل في جميع الأمكنة، حتى قيل لموضع القعود : مقام، وإن لم يقم فيه أصلاً، ويقال : كنا في مقام فلان، أي : مجلسه، فهو من الخاص الذي وقع مستعملاً في معنى العموم، وقوله :﴿ أمين ﴾ وصف له، أي : يأمن صاحبُه الآفات والانتقال عنه، وهو من الأمن ضد الخيانة، وصف به المكان مجازاً، لأن المكان المخيف يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

وقوله :﴿ في جنات وعُيون ﴾ بدل من " مقام " جيء به دلالة على نزاهته واشتماله على طيبات المآكل والمشارب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

﴿ يلبسون من سُندس ﴾ وهو ما رقَّ من الديباج، ﴿ وإِستبرقِ ﴾ ما غلظ منه، وهو مُعرّب، والجملة إما حال، أو استئناف، حال كونهم ﴿ متقابلين ﴾ في مجالسهم، يستأنس بعضهم ببعض.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

﴿ كذلك ﴾ أي : الأمر كذلك، قيل : المعنى فيه أنه لم يستوفِ الوصف، وأنه بمثابة ما لا يحيط به الوصف، فكأنه قال : الأمر نحو ذلك وما أشبهه، وليس بعين الوصف وتحققه.
﴿ وزوجناهم بحُور عِينٍ ﴾ أي : قرنّاهم وأصحبناهم، ولذلك عُدي بالباء. قال القشيري : وليس في الجنة عقد نكاح ولا طلاق، بل تمكن الوليّ من هذه الألطاف بهذه الأوصاف ه. والحور : جمع حَوْراء، وهي الشديدة سواد العين، والشديدة بياضها، والعين : جمع عيناء، وهي الواسعة العَين، واختلف في أنها نساء الدنيا أو غيرها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

﴿ يَدْعون فيها بكل فاكهةٍ ﴾ أي : يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهونه من الفواكه، لا يختص بزمان ولا مكان، ﴿ آمنين ﴾ من زواله وانقطاعه، ومن ضرره عند الإكثار منه، أو : من كل ما يسوءهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

﴿ لا يذوقون فيها الموتَ ﴾ أصلاً، بل يستمرون على الحياة الأبدية، ﴿ إِلا الموتَة الأولى ﴾ سوى الموتة الأولى، التي ذاقوها، أو : لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، فالاستثناء منقطع، أو متصل على أن المراد استحالة ذوق الموت إلا إذا كان يمكن ذوق الموتة الأولى حينئذ، وهو محال، على نمط قوله :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٢ ].
﴿ ووقاهم ﴾ ربهم ﴿ عذابَ الجحيم فضلاً من ربك ﴾. أي : أعطوا ذلك كله عطاءً وتفضُّلا منه تعالى ؛ إذ لا يجب عليه شيء، فهو مفعول له، أو مصدر مؤكد لِما قبله، لأن قوله :﴿ وقاهم ﴾ في معنى تفضل عليهم، ﴿ ذلك هو الفوز العظيم ﴾ الذي لا فوز وراءه ؛ إذ هو خلاص من جميع المكاره، ونيل لكل المطالب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٦:﴿ لا يذوقون فيها الموتَ ﴾ أصلاً، بل يستمرون على الحياة الأبدية، ﴿ إِلا الموتَة الأولى ﴾ سوى الموتة الأولى، التي ذاقوها، أو : لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، فالاستثناء منقطع، أو متصل على أن المراد استحالة ذوق الموت إلا إذا كان يمكن ذوق الموتة الأولى حينئذ، وهو محال، على نمط قوله :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٢ ].
﴿ ووقاهم ﴾ ربهم ﴿ عذابَ الجحيم فضلاً من ربك ﴾. أي : أعطوا ذلك كله عطاءً وتفضُّلا منه تعالى ؛ إذ لا يجب عليه شيء، فهو مفعول له، أو مصدر مؤكد لِما قبله، لأن قوله :﴿ وقاهم ﴾ في معنى تفضل عليهم، ﴿ ذلك هو الفوز العظيم ﴾ الذي لا فوز وراءه ؛ إذ هو خلاص من جميع المكاره، ونيل لكل المطالب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.


﴿ فإِنما يسَّرناه ﴾ أي : الكتاب، وقد جرى ذكره في أول السورة، أي : سهَّلنا قراءته ﴿ بلسانك ﴾ بلغتك ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي : كي يفهموه ويتعظوا به، ويعملوا بموجبه، فلم يفعلوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

﴿ فارتقبْ ﴾ فانظر ما يحلّ بهم، ﴿ إِنهم مرتَقِبون ﴾ ما يحلُّ بك. قال القشيري : فارتقب العواقب ترى العجائب، إنهم مرتَقِبون، ولكن لا يرون إلا ما يكرهون. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن المتقين شهود ما سوانا في مقام العرفان، وهو مقام المقربين، وهو محل الأمن والأمان، في جنات المعارف، وعيون العلوم والحِكَم، يلبسون من أسرار الحقيقة وأنوار الشريعة، ما تبتهج به بواطنهم وظواهرهم، متقابلين في المقامات، يجمعهم الفناء والبقاء، ويتفاوتون في اتساع المقامات والأسرار، تفاوت أهل غرف الجنان، كذلك، أي : الأمر فوق ما تصف، وزوجانهم بعرائس المعرفة، لا يذوقون في جنات المعارف - إذ دخلوها - الموت أبداً إلا الموتة الأولى، وهي موت نفوسهم، فَحييتْ أرواحهم حياة أبدية، وأما الموت الحسي فإنما هو انتقال من عالم إلى عالم، ومن مقام إلى مقام، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، فضلاً منه وإحساناً، خلقَ فيهم المجاهدة، ومَنَّ عليهم بالمشاهدة.
وقال الورتجبي بعد كلام : إذ أحضرهم - تعالى - في ساحة كبريائه، ويتجلّى لهم بالبديهة من غير الجبّارية والقهّارية ؛ يكونون في محل الفناء، وفي فناء الفناء، وغلبات سطوات ألوهيته، فإذا صاروا فانين، ألبسهم الله لباس بقائه، فيبقون ببقائه أبد الآبدين، فإذاً الاستثناء وقع على التحقيق، لا على التأويل، فيا رُبّ موتٍ هناك، ويا رُبّ حياة هناك ؛ لأن الحدَث لا يستقيم عند بروز حقائق بواطن القِدم، ألا ترى إلى إشارة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ١ أي : فيتلاشى الخلق ويبقى الحق.
قيل للجنيد : أهل الجنة باقون ببقاء الحق ؟ فقال : لا، ولكنهم مُبْقَوْن ببقاء الحق، والباقي على الحقيقة من لم يزل، ولا يزال باقياً. هـ.
والحاصل : أنه لا عدم بعد وجودهم بالله، ولا يكون إلا بعد الفناء عن أوصاف الخليقة، ووجود البشرية، بالاندراج في وجود الحق، ثم الحياة بحياته، والبقاء ببقائه أبداً، قاله في الحاشية الفاسية. والفرق بين الباقي والمبقى في كلام الجنيد : أن الباقي يدلّ على ثبوت بقائه مستقلاً، بخلاف المبقَى، لا وجود لبقائه، بل مبقى ببقاء غيره.
وقال في قطب العارفين، لمَّا تكلم على التقوى : التقوى مطرد في وجوه كثيرة، تقوى الشرك، ثم تقوى المعصية، ثم تقوى فضل المباح، ثم تقوى كل ما يسترق القلوب عن الله تعالى، وإلى هذا الصنف الإشارة بسر قوله تعالى :﴿ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون... ﴾ الآية. هـ. وعنه صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " ٢ ذكره في الجامع، وفي فضلها أحاديث، تركتها.

Icon