تفسير سورة النبأ

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها :﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النبإ العظيم ﴾ أي : عن أي شيء يتساءلون عن أمر القيامة، وهو النبأ العظيم : يعني الخبر الهائل المفظع الباهر، قال قتادة : النبأ العظيم : البعث بعد الموت، وقال مجاهد : هو القرآن، والأظهر الأول، لقوله :﴿ الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ يعني الناس فيه مؤمن به وكافر، ثم قال تعالى متوعداً لمنكري القيامة :﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة، الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره، فقال :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مِهَاداً ﴾ أي ممهدة للخلائق ذلولاً لهم، قارة ساكنة ثابتة ﴿ والجبال أَوْتَاداً ﴾ أي جعلها لها أوتاداً، أرساها بها وثبتها وقررها، حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها، ثم قال تعالى :﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ يعني ذكراً وأنثى، يتمتع كل منهما بالآخر، ويحصل التناسل بذلك كقوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [ الروم : ٢١ ]، وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد، والسعي في المعايش في عرض النهار، ﴿ وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً ﴾ إي يغشى الناس بظلامه وسواده، كما قال :﴿ والليل إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [ الشمس : ٤ ]، وقال قتادة ﴿ وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً ﴾ أي سكناً، وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً ﴾ أي جعلناه مشرقاً نيراً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك.
وقوله تعالى :﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ يعني السماوات والسبع في اتساعها وارتفاعها، وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات، ولهذا قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾ يعني الشمس المنيرة على جميع العالم يتوهج ضوءها لأهل الأرض كلهم، وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ قال ابن عباس : المعصرات : الرياح، تستدر المطر من السحاب، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : من المعصرات أي من السحاب، وقال الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال : امرأة معصر إذ دنا حيضها ولم تحض، وعن الحسن وقتادة :﴿ مِنَ المعصرات ﴾ يعني السماوات وهذا قول غريب، والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب، كما قال تعالى :﴿ الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ [ الروم : ٤٨ ] أي من بينه، وقوله جلَّ وعلا :﴿ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ قال مجاهد :﴿ ثَجَّاجاً ﴾ : منصباً، وقال الثوري : متتابعاً، وقال ابن زيد : كثيراً، قال ابن جرير : ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج، وإنما الثج الصب المتتابع، ومنه قول النبي ﷺ :« أفضل الحج العج والثج »
2654
يعني صب دماء البدن. قلت : وفي حديث المستحاضة :« إنما أثج ثجاً » وهذا في دلالة على استعمال في الصب المتتابع الكثير، والله أعلم. وقوله تعالى :﴿ لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً ﴾ أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك ﴿ حَبّاً ﴾ يدخر للأناسي والأنعام، ﴿ وَنَبَاتاً ﴾ أي خضراً يؤكل رطباً، ﴿ وَجَنَّاتٍ ﴾ أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة، وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعاً، ولهذا قال :﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ قال ابن عباس وغيره : ألفافاً مجتمعة، وهذه كقوله تعالى :﴿ فِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [ الرعد : ٤ ].
2655
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل، وهو ( يوم القيامة ) أنه مؤقت بأجل معدود، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال تعالى :﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ [ هود : ١٠٤ ] أنه ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾ قال مجاهد : زمراً زمراً. قال ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ [ الإسراء : ٧١ ] قال البخاري :﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾ عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« » ما بين النفختين أربعون « قالوا : أربعون يوماً، قال :» أبيت «، قالوا : أربعون شهراً؟ قال :» أبيت «، قالوا : أربعون سنة؟ قال :» أبيت «، قال :» ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا بلي إلا عظماً واحداً، وهو ( عجب الذنب ) ومنه يركب الخلق يوم القيامة « » ﴿ وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة، ﴿ وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش ﴾ [ القارعة : ٥ ]، وقال ههنا ﴿ فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾ أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء، وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر، كما قال تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً ﴾ [ طه : ١٠٥١٠٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ﴾ أي مرصدة معدة ﴿ لِّلطَّاغِينَ ﴾ وهم المردة العصاة المخالفون للرسل، ﴿ مَآباً ﴾ أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاء، وقال الحسن وقتادة : لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار، فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس، وقوله تعالى :﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان، وقد اختلفوا في مقداره، فقال ابن جرير، قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال : نجده ثمانين سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، كل يوم ألف سنة، وعن الحسن والسدي : سبعون سنة. وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون، وقال بشيربن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة، أثنا عشر شهراً، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم منها كألف سنة. وقال السدي :﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ سبعمائة حقب، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة مما تعدون، وقال خالد بن معدان هذه الآية، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾
2656
[ هود : ١٠٧-١٠٨ ] في أهل التوحيد، قال بن جرير : والصحيح أنها لا انقضاء لها، كما روي عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى :﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ قال أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون، وقال قتادة، قال الله تعالى :﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وقال الربيع بن أنس :﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ لا يعلم عدة هذه الأحاب إلا الله عزَّ وجلَّ، وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة مما تعدون.
وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾ أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم، ولا شراباً طيباً يتغذون به، ولهذا قال تعالى :﴿ إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾، وقال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم، ومن الشارب الغساق، قال الربيع بن أنَس : فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحمُّوه، والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار، وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه، وقوله تعالى :﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾ أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة، وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً ﴾ أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون، ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾ أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسُلِهِ صلوات الله وسلامه عليهم فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة، وقوله ﴿ كِذَّاباً ﴾ أي تكذيباً، وهو مصدر من غير الفعل، وقوله تعالى :﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ﴾ أي وقد علمنا أعمال العباد وكتبناها عليهم، وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وقوله تعالى :﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ أي يقال لأهل النار ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلاّ عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج قال قتادة : لم ينزل على آية أشد من هذه الآية ﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ فهم في مزيد من العذاب أبداً.
2657
يقول تعالى مخبراً عن السعداء، وما أعد الله تعالى لهم من الكرامة والنعيم المقيم، فقال تعالى :﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾ قال ابن عباس متنزهاً، وقال مجاهد : فازوا فنجوا من النار، والأظهر ههنا قول ابن عباس لأنه قال بعده :﴿ حَدَآئِقَ ﴾ والحدائق البساتين من النخيل وغيرها، ﴿ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً ﴾ أي وحوراً كواعب، قال ابن عباس ومجاهد ﴿ كَوَاعِبَ ﴾ أي نواهد، يعنون أن ثديهن نواهد لهم يتدلين، لأنهن أبكار ( عرب أتراب ) أي في سن واحد، كما تقدم بيانه في سورة الواقعة، روى ابن أبي حاتم، عن ابن أبي القاسم الدمشقي، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ أنه قال :« إن قمص أهل الجنة لتبدو من رضوان الله، وأن السحابة لتمر بهم فتناديهم : يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم؟ حتى إنها لتمطرهم الكواعب الأتراب ». وقوله تعالى :﴿ وَكَأْساً دِهَاقاً ﴾ قال ابن عباس : مملوءة متتابعة، وقال عكرمة : صافية، وقال مجاهد والحسن ﴿ دِهَاقاً ﴾ الملأى المترعة، وقال سعيد بن جبير : هي المتتابعة، وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً ﴾ كقوله :﴿ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾ [ الطور : ٢٣ ] أي ليس فيها كلام لاغ عار عن الفائدة ولا إثم كذب، بل هي دار السلام وكل ما فيها سالم من النقص، وقوله :﴿ جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً ﴾ أي هذا الذي ذكرناه، جازاهم اللهبه بفضله ومنّه و إحسانه ﴿ عَطَآءً حِسَاباً ﴾ أي كافياً وافياً سالماً كثيراً، ومنه حسبي الله، أي الله كافيَّ.
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، وقوله تعالى :﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ﴾ أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه، كقوله تعالى :﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وكقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ هود : ١٠٥ ]، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ ﴾ اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا ما هو؟ على أقوال : أحدها : ما روي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم. الثاني : هم بنو آدم، قاله الحسن وقتادة : الثالث : أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم وليسوا بملائكة ولا ببشر قاله ابن عباس ومجاهد. الرابع : هو جبريل، قال الشعبي وسعيد بن جبير والضحّاك. الخامس أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات، قال ابن عباس : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقاً، والأشبه عندي - والله أعلم - أنهم بنو آدم، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن ﴾ كقوله :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ هود : ١٠٥ ]، وكما ثبت في الصحيح :« ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل »، وقوله تعالى :﴿ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ أي حقاً، ومن الحق ﴿ لاَ إله إِلاَّ الله ﴾ [ الصافات : ٣٥ ]، كما قاله عكرمة : وقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ اليوم الحق ﴾ أي الكائن لا محالة، ﴿ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ مَآباً ﴾ أي مرجعاً وطريقاً يهتدي إليه، ومنهجاً يمر به عليه، وقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ يعني يوم القيامة لتأكيد وقوعه صار قريباً، لأن كل ماهو آت قريب، ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ أي يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها. قديمها وحديثها كقوله تعالى :﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، وكقوله تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ]، ﴿ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ أي يود الكافر يومئذٍ أنه كان في الدار الدنيا تراباً، ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاين عذاب الله، ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة، وقيل : إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا، فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجوز، حتى نه ليقتص للشاة الجماء من القرناء، فإذا فرع من الحكم بينها قال لها : كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر ﴿ ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ أي كنت حيواناً فأرجع إلى التراب، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما.
Icon