ﰡ
﴿طسم﴾ طس ويس وحم ممالة كوفي غير الأعشى والبرجمي وحفص ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة وغيرهما يدغمها
﴿تلك آيات الكتاب المبين﴾ الظاهر إعجازه وصحة أنه من عند الله والمراد به السورة أو القرآن والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين
﴿لعلّك باخعٌ﴾ قاتل ولعل للإشفاق ﴿نّفسك﴾ من الحزن يعني أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزناً على ما فاتك من إسلام قومك ﴿ألاّ يكونوا مؤمنين﴾ لئلا يؤمنوا أو لا متناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا
﴿إن نّشأ﴾ إيمانهم ﴿ننزّل عليهم مّن السّماء آيةً﴾ دلالة واضحة ﴿فظلّت﴾ أي فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل تقول إن زرتني أكرمتك أي أكرمك كذا قاله الزجاج ﴿أعناقهم﴾ رؤساؤهم ومقدموهم أو جماعتهم يقال جاءنا عنق من الناس لفوج منهم ﴿لها خاضعين﴾ منقادين وعن ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فينا وفي بني أمية فتكون لنا عليهم الدولة
الشعراء (١٣ - ٥)
فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة
﴿وما يأتيهم مّن ذكرٍ مّن الرّحمن محدثٍ ألاّ كانوا عنه معرضين﴾ أي وما يجدد لهم الله
﴿فقد كذبوا﴾ محمدا ﷺ فيما أتاهم به ﴿فسيأتيهم﴾ فيسعلمون ﴿أنباء﴾ أخبار ﴿ما كانوا به يستهزؤون﴾ وهذا وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ما الشئ الذى كانوا يستهزءون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم
﴿أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا﴾ كم نصب بانبتنا ﴿فيها من كلّ زوجٍ﴾ صنف من النبات ﴿كريمٍ﴾ محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذي نفعه عام وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة وبه نبه هلى كمال قدرته
﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مّؤمنين﴾ أي إن في إنبات تلك الأصناف لآية على أن منبتها قادر على إحياء الموتى وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجى إيمانهم
﴿وإنّ ربّك لهو العزيز﴾ في انتقامه من الكفرة ﴿الرّحيم﴾ لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا والمراد أن في كل واحدى من تلك الأزواج لآية أي آية
﴿وإذ﴾ مفعول به أي اذكر إذ ﴿نادى﴾ دعا ربّك موسى أن ائت إن بمعنى أي ﴿القوم الظّالمين﴾ أنفسهم بالكفر وبني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم ثم عطف
﴿قوم فرعون﴾ عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد ﴿ألا يتّقون﴾ أي ائتهم زاجراً فقد آن لهم أن يتقوا وهي كلمة حث وإغراء ويحتمل أنه حال من الضمير فى الظالمين أى يظلموا غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال
﴿قال ربّ إنّي أخاف﴾ الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع ﴿أن يكذّبون﴾
﴿ويضيق صدري﴾ بتكذيبهم
الشعراء (١٨ - ١٣)
إياي مستأنف أو عطف على أخاف ﴿ولا ينطلق لساني﴾ بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال وأسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفاً على يكذبون فالخوف متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع ﴿فأرسل إلى هارون﴾ أي أرسل إليه جبريل واجعله نبياً يعينني على الرسالة وكان هرون بمصر حين بعث موسى نبياً بالشام ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفاً في الامتثال بل التماس عون في تبليغ الرسالة وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل
﴿ولهم عليّ ذنبٌ﴾ أي تبعة ذنب بقتل القبطي فحذف المضاف أو سمى تبعة الذنب ذنباً كما سمى جزاء السيئة سيئة ﴿فأخاف أن يقتلون﴾ أي يقتلوني به قصاصاً وليس هذا تعللاً أيضاً بل استدفاع للبلية المتوقعة وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع وجمع له الاستجابتين معاً في قوله
﴿قال كلاّ فاذهبا﴾ لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الله الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فأجابه بقوله اذهبا أي جعلته رسولاً معك فاذهبا وعطف فاذهبا على الفعل الذي يدل عليه كلا كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهرون ﴿بأياتنا﴾ مع آياتنا وهي اليد والعصا وغير ذلك ﴿إنّا معكم﴾ أي معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما إليه بالعلم والقدرة ﴿مّستمعون﴾ خبر لان ومعكم لغو أو هما خبران أي سامعون والاستماع في غير هذا الإصغاء للسماع يقال استمع فلان حديثه أي أصغى إليه ولا يجوز حمله ههنا على ذلك فحمل على السماع
﴿فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول ربّ العالمين﴾ لم يثن الرسول كما ثنى في قوله انا رسولا ربك لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوي فى الوصف به الواحد والتثنية والجمع ولانهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كأنهما رسول واحد أو أريد إن كل واحد منا
﴿أن أرسل﴾ بمعنى أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال وفيه معنى القول ﴿معنا بني إسرائيل﴾ يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فأتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب إن ههنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين فقال ائذن له لعلنا نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك
﴿قال ألم نربّك فينا وليداً﴾ وإنما حذف فأتيا فرعون فقالا اختصاراً والوليد الصبي لقرب عهده من الولادة أى ألم تكن
الشعراء (٢٤ - ١٨)
صغيراً فربيناك ﴿ولبثت فينا من عمرك سنين﴾ قيل ثلاثين سنة
﴿وفعلت فعلتك التي فعلت﴾ يعني قتل القبطي فعرض إذ كان ملكاً ﴿وأنت من الكافرين﴾ بنعمتي حيث قتلت خبازي أو كنت على ديننا الذي تسميه كفراً وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية
﴿قال فعلتها إذاً﴾ أي إذ ذاك ﴿وأنا من الضّالّين﴾ الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشئ هو الذاهب عن معرفته أو الناسين من قوله أن تضل احداهما فتذاكر إحداهما الأخرى فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين واذا جواب وجزاء معاً وهذا الكلام وقع جواباً لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى نعم
﴿ففررت منكم﴾ إلى مدين ﴿لمّا خفتكم﴾ أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج الآية ﴿فوهب لي ربّي حكماً﴾ نبوة وعلماً فزال عني الجهل والضلالة ﴿وجعلني من المرسلين﴾ من جملة رسله
﴿وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ أن عبّدتّ بني إسرائيل﴾ كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله وأبي أن تمسى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدا ووحد الضمير فى تمنها وعبدت وجمع فى منكم وخفتكم لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملته المؤتمرين بقتله بدليل قوله إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها ومحل أن عبدت الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين﴾ أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول ما زيد تعني أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره
﴿قَالَ﴾ موسى مجيباً له على وفق سؤاله ﴿رَبّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ أي وما بين الجنسين ﴿إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾ أي إن كنتم تعرفون الأشياء
الشعراء (٣٠ - ٢٥)
هذه الأشياء دليلا أو ان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب والالم ينفع والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن
﴿قَالَ﴾ أي فرعون ﴿لِمَنْ حَوْلَهُ﴾ من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾ معجباً قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وأن لهما رباً فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث
﴿قال ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم وإنما قال رَبّ آبائكم لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم
﴿قَالَ﴾ أي فرعون ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ حيث يزعم أن في الوجود إلهاً غيري وكان فرعون ينكر إلهية غيره
﴿قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولاً بخلق السموات والأرض وما بينهما ثم خصص من العام البيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستومن أظهر ما استدل به ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والاماتة على نمرودين كنعان وقيل سأله فرعون عن الماهية جاهلاً عن حقيقة سؤاله فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته
﴿قَالَ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى﴾ أي غيري إلهاً ﴿لأجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾ أي لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل ولو قيل لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وإن كان أخصر
﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أى أتفعل
الشعراء (٣٩ - ٣٠)
بي ذلك ولو جئتك ﴿بِشَىء مُّبِينٍ﴾ أي جائيا بالمعجزة
﴿قَالَ فَأْتِ بِهِ﴾ بالذي يبين صدقك ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أن لك بينة وجواب الشرط مقدر أي فأحضره
﴿فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ ظاهر الثعبانية لا شئ يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر روي أن العصا ارتفعت في السماء قدر ميل ثم الخطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين﴾ فيه دليل على أن بياضها كان شئ يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نورياً روي أن
﴿قَالَ﴾ أي فرعون ﴿لِلْمَلإِ حَوْلَهُ﴾ هو منصوب نصبين نصب في اللفظ والعامل فيه ما يقدر في الظرف ونصب في المحل وهو النصب على الحال من الملأ أي كائنين حوله والعامل فيه قال ﴿إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ﴾ بالسحر ثم أغوى قومه على موسى بقوله
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا﴾ منصوب لأنه مفعول به من قولك أمرتك الخير ﴿تَأْمُرُونَ﴾ تشيرون في أمره من حبس أو قتل من المؤامرة وهي المشاورة أو من الأمر الذي هو ضد النهي لما تحير فرعون برؤية الآيتين وزل عنه ذكر دعوى الالهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائضه خوفا طفق يؤامر قومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أو جعلهم آمرين ونفسه مأموراً
﴿قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفاً من الفتنة ﴿وابعث فِى المدائن حاشرين﴾ شرطاً يحشرون السحرة وعارضوا قول فرعون إن هذا لساحر عليم بقولهم
﴿يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ فجاءوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقه
﴿فَجُمِعَ السحرة لميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي يوم الزينة وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى عليه السلام من يوم الزينة في قوله تعالى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وأن يحشر الناس ضحى والميقات ما وقت به أحد أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام
﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ﴾ أي اجتمعوا وهو استبطاء لهم في الاجتماع والمراد منه استعجالهم
الشعراء (٤٩ - ٤٠)
﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة﴾ في دينهم ﴿إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين﴾ أي غلبوا موسى في دينه وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلي أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى
﴿فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ﴾ وبكسر العين علي وهما لغتان ﴿وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين﴾ أي قال فرعون نعم لكم أجر عندي وتكونون مع ذلك من المقربين عندي في المرتبة والجاه فتكونون أول من يدخل علي وآخر من يخرج ولما كان قولهم أئن لنا لأجراً في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله وإنكم إذا لمن المقربين معطوفاً عليه دخلت إذا قارة فى مكانها الذى تقتضيه من الجواب والجزاء
﴿قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾ من السحر فسوف ترون عاقبته
﴿فَأَلْقَوْاْ حبالهم﴾ سبعين ألف حبل ﴿وَعِصِيَّهُمْ﴾ سبعين ألف عصا وقيل كانت الحبال اثنين وسبعين ألفاً وكذا العصي ﴿وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون﴾ أقسموا بعزته وقوته وهو من أيمان الجاهلية
﴿فألقى موسى عصاه فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ﴾ تبتلع ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ويزوّرونه ويخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى
﴿فَأُلْقِىَ السحرة ساجدين﴾ عبر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لأنه
﴿قالوا آمنا برب العالمين﴾ عن عكرمة رضى الله عنه أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء
﴿رب موسى وهارون﴾ عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا أن يعزلوه وقيل إن فرعون لما سمع منهم آمنا برب العالمين قال إياي عنيتم قالوا رب موسى وهرون
﴿قال آمنتم له قبل أن آذن لَكُمْ﴾ بذلك ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر﴾ وقد تواطأتم على أمر ومكر ﴿فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وبال ما فعلتم ثم صرح فقال ﴿لأقَطّعَنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف﴾
الشعراء (٥٦ - ٤٩)
من أجل خلاف ظهر منكم ﴿وَلأصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعوهم فى الإيمان
﴿قَالُواْ لاَ ضَيْرَ﴾ لا ضرر وخبر لا محذوف أي في ذلك أو علينا ﴿إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ﴾
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خطايانا أَن كُنَّا﴾ لأن كنا ﴿أَوَّلُ المؤمنين﴾ من أهل المشهد أو من رعية فرعون أرادوا لا ضرر علينا في ذلك بل لنا أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله من تكفير الخطايا أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به إنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه وأرجاها أو لا ضير علينا في قتلك إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا إنقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان
﴿وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ﴾ وبوصل الهمزة حجازي ﴿بِعِبَادِى﴾ بني إسرائيل سماهم عباده لإيمانهم بنبيه أى سربهم ليلاً وهذا بعد سنين من
﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى المدائن حاشرين﴾ أي جامعين للناس بعنف فلما اجتمعوا قال
﴿إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ والشرذمة الطائفة القليلة ذكرهم بالاسم الدال على القلة ثم جعلها قليلا بالوصف ثم جمع القليل فجمع كل حزب منهم قليلاً واختار جمع السلامة الذى هو للقلة وأراد بالقلة الذلة لا قلة العدد أي أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غلبتهم وإنما استقل قوم موسى وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً لكثرة من معه فعن الضحاك كانوا سبعة الآف ألف
﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ أي أنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا وهي خروجهم من مصرنا وحملهم علينا وقتلهم أبكارنا
﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون﴾ شامي وكوفي وغيرهم حذرون فالحذر المتيقظ والحاذر الذي يجدد حذره وقيل المؤدي في السلاح وإنما يفعل ذلك حذراً واحتياطاً لنفسه يعني ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر
الشعراء (٦٦ - ٥٧)
والفتور
﴿فأخرجناهم مّن جنات﴾ بساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ وأنهار جارية
﴿وَكُنُوزٍ﴾ وأموال ظاهرة من الذهب والفضة وسماها كنوزاً لأنهم لا ينفقون منها في طاعة الله تعالى ﴿وَمَقَامٍ﴾ ومنزل ﴿كَرِيمٌ﴾ بهي بهيج وعن ابن عباس رضى الله عنهما المنابر
﴿كذلك﴾ يحتمل النصب على أخرجناهم مثل ذلك الآخراج الذي وصفنا والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك ﴿وأورثناها بَنِى إسرائيل﴾ عن الحسن لما عبروا النهر رجعوا وأخذوا ديارهم وأموالهم
﴿فَأَتْبَعُوهُم﴾ فلحقوهم فاتبعوهم يزيد ﴿مُشْرِقِينَ﴾ حال أي داخلين في وقت شروق الشمس وهو طلوعها أدرك قوم فرعون موسى وقومه وقت طلوع الشمس
﴿فلما تراءى الجمعان﴾ أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه والمراد بنو إسرائيل والقبط ﴿قَالَ أصحاب موسى إنا لمدركون﴾ أى قرب أن يلحقنا عدونا وأمامنا البحر
﴿قَالَ﴾ موسى عليه السلام ثقة بوعد الله إياه ﴿كَلاَّ﴾ ارتدعوا عن سوء الظن بالله فلن يدركوكم ﴿إِنَّ مَعِىَ﴾ مَعِىَ حفص ﴿رَبّى سَيَهْدِينِ﴾ أي سيهديني طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم سيهديني بالياء يعقوب
﴿فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر﴾ أي القلزم أو النيل ﴿فانفلق﴾ أي فضرب فانفلق وانشتى فصار اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ﴾ أي جزء تفرق منه ﴿كالطود العظيم﴾ كالجبل المنطاد في السماء
﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ﴾ حيث انفلق البحر ﴿الآخرين﴾ قوم فرعون أي قربناهم من بني إسرائيل أو من البحر
﴿وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ﴾ من الغرق
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين﴾ فرعون وقومه وفيه إبطال القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث فإنهم اجتمعوا في الهلاك مع اختلاف طوالعهم روي أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل القبط فيقول رويدكم يلحق آخركم بأولكم فلما انتهى موسى إلى البحر قال يوشع لموسى أين أمرت فهذا البحر أمامك وغشيك آل فرعون قال موسى ههنا فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا وروي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك يا من كان قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ
﴿إن في ذلك﴾ أى فيما فعلنا
الشعراء (٧٩ - ٦٧)
بموسى وفرعون ﴿لآيَةً﴾ لعبرة عجيبة لا توصف ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أي المغرقين ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ قالوا لم يؤمن منهم إلا آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم التي دلت موسى على قبر يوسف
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ بالانتقام من أعدائه ﴿الرحيم﴾ بالإنعام على أوليائه
﴿واتل عَلَيْهِمْ﴾ على مشركي قريش ﴿نَبَأَ إبراهيم﴾ خبره
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ قوم إبراهيم أو قوم الأب ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ أي أي شيء تعبدون وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة الأصنام ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس بمستحق للعبادة
﴿قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً﴾ وجواب مَا تَعْبُدُونَ أَصْنَاماً كيسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ماذا قال ربكم قالوا الحق
﴿قَالَ﴾ أي إبراهيم ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ هل يسمعون دعاءكم على حذف المضاف لدلالة ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ عليه
﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ﴾ إن عبدتموها ﴿أَوْ يَضُرُّونَ﴾ إن تركتم عبادتها
﴿قَالُواْ بَلْ﴾ إضراب أي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولا نعبدها لشئ من ذلك ولكن ﴿وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾ فقلدناهم
﴿قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون﴾
﴿أنتم وآباؤكم الأقدمون﴾ الأولون
﴿فإنهم﴾ أى الأصنام ﴿عدو لي﴾ والعدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والجماعة يعني لو عبدتهم لكانوا أعداء لي في يوم القيامة كقوله سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً وقال الفراء هو من المقلوب أي فإني عدوهم وفي قوله عدو لي دون لكم زيادة نصح ليكون أدعى لهم إلى القبول ولو قال فإنهم عدو لكم لم يكون بتلك المثابة ﴿إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾ استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت الأعداء كأنه قال لكن رب العالمين
﴿الذى خَلَقَنِى﴾ بالتكوين في القرار المكين ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ لمناهج الدنيا ولمصالح الدين والاستقبال في يهديني مع سبق العناية لأنه يحتمل يهديني للأهم الأفضل والأتم الأكمل أو الذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهديني إلى آداب خلته
﴿والذى هُوَ يُطْعِمُنِى﴾ أضاف الإطعام إلى ولي الإنعام لأن لركون إلى الأسباب عادة الأنعام ﴿وَيَسْقِينِ﴾ قال ابن عطاء هو الذي يحييني بطعامه ويرويني بشرابه
الشعراء (٨٩ - ٨٠)
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾ وإنما لم يقل أمرضني لأنه قصد الذكر بلسان الشكر فلم يضف إليه ما يقتضي الضر قال ابن عطاء وإذا مرضت برؤية الخلق ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ بمشاهدة الحق قال الصادق إذا مرضت برؤية الأفعال فهو يشفين بكشف منة الإفضال
﴿والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ ولم يقل إذا مت لأنه الخروج من حبس البلاء ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء وأدخل ثم في الإحياء لتراخيه عن الإفناء وأدخل الفاء في الهداية والشفاء لأنهما يعقبان الخلق والمرض لامعاً معاً
﴿والذى أَطْمَعُ﴾ طمع العبيد في الموالي بالإفضال لا على الاستحقاق بالسؤال ﴿أَن يَغْفِرَ لِى خطيئتي﴾ قيل هو قوله انى سقيم بل فعله كبيرهم هذا ربى للبازغ هي أختي لسارة وما هي إلا معاريض جائزة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم وتعليم للأمم في طلب المغفرة ﴿يَوْمَ الدين﴾ يوم الجزاء
﴿رَبّ هَبْ لِى حُكْماً﴾ حكمة أو حكماً بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله ﴿وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قال وَإِنَّهُ فِى الآخرة لَمِنَ الصالحين
﴿واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الآخرين﴾ أي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الأمم التي تجئ بعدي فأعطي ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به
﴿واجعلنى مِن﴾ يتعلق بمحذوف أي وارثاً من ﴿وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم﴾ أي من الباقين فيها
﴿واغفر لأبِى﴾ اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الإسلام يوم فارقه ﴿إِنَّهُ كَانَ من الضالين﴾ الكافرين
﴿ولا تحزني﴾ الإخزاء من الخزي وهو الهوان أو من الخزاية وهو الحياء وهذا نحو الاستغفار كما بينا ﴿يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ الضمير فيه للعباد لأنه معلوم أو للضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه أي ولا تخزني في يوم يبعث الضالون وأبي فيهم
﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ﴾ هو بدل من يوم الأول ﴿وَلاَ بَنُونَ﴾ أحداً
﴿إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ عن الكفر والنفاق فقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى فِى قُلُوبِهِمْ مرض أي إن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب أو جعل المال والبنون في معنى الغني كأنه قيل يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبينه وقد جعل من مفعولا لينفع أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله ومع بنيه
الشعراء (١٠١ - ٩٠)
حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين وقد صوب الجليل استثناء الخليل إكراماً له ثم جعله صفة له في قوله وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم إِذْ جاء ربه بقلب سليم وما أحسن ما رتب عليه السلام من كلامه
﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي قربت عطف جملة على جملة أي تزلف من موقف السعداء فينظرون اليها
﴿وَبُرّزَتِ الجحيم﴾ أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها ﴿لِلْغَاوِينَ﴾ للكافرين
﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ﴾ يوبخون على إشراكهم فيقال لهم أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار
﴿فكبكبوا﴾ انكسوا وطرح بعضهم بعض ﴿فِيهَا﴾ في الجحيم ﴿هُمْ﴾ أي الآلهة ﴿والغاوون﴾ وعبدتهم الذين برزت لهم والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة إثر مرة حتى يستقر في قعرها نعوذ بالله منها
﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن
﴿قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ يجوز أن ينطق الله الأصنام حتى يصح
﴿تالله إِن كُنَّا لَفِى ضلال مُّبِينٍ﴾
﴿إِذْ نُسَوّيكُمْ﴾ نعدلكم أيها الأصنام ﴿بِرَبّ العالمين﴾ في العبادة
﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون﴾ أي رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك
﴿فَمَا لَنَا مِن شافعين﴾ كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة
﴿وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادي الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المتقين أو فما لنا من شافعين
الشعراء (١١١ - ١٠٢)
ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك أو من الحامّة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل وسئل حكيم عن الصديق فقال اسم لا معنى له وجاز أن يراد بالصديق الجمع
﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ رجعة إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ وجواب لو محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت أو لو في مثل هذا بمعنى التمني كأنه قيل فليت لنا كرة لما بين معنى لو وليت من التلاقى
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ فيما ذكر من الأنباء ﴿لآيَةً﴾ أي لعبرة لمن اعتبر ﴿وَمَا كَانَ أكثرهم مؤمنين﴾ فيقال فريقاً منهم آمنوا
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين﴾ القوم يذكر ويؤنث قيل ولد نوح في زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة أو برد أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلاً فلذا جمع أو لأن من كذب واحداً منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما في هذه السورة
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ﴾ نسباً لا ديناً ﴿نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ كان مشهوراً بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام فى قريش
﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الحق
﴿وما أسألكم عَلَيْهِ﴾ على هذا الأمر ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ جزاء ﴿إن أجري﴾ بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص ﴿إِلاَّ على رَبّ العالمين﴾ فلذلك أريده
﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ كرره ليقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحد منهما بعلة فعلة الأول كونه أمينا فبما بينهم وعلة الثاني حسم طمعه منهم كأنه قال إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله ثم إذا عرفتم احترازي من الأجر فاتقوا الله
﴿قالوا أنؤمن لك واتبعك﴾ الواو للحال وقد مضمرة بعدها دليله قراءة يعقوب وأتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال ﴿الأرذلون﴾ السفلة والرذلة الخسة والدناءة وإنما استرذلوهم
الشعراء (١٢٧ - ١١٢)
أن يسمى المؤمن رذلاً وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً وما زالت أتباع الأنبياء كذلك
﴿قال وما علمي﴾ وأي شيء وأعلم ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان وقيل إنهم طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وقالوا إن الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر
﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ أن الله يحاسبهم على ما في قلوبهم
﴿وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين﴾ أي ليس من شأني أن أتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعاً في إيمانكم
﴿إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ ما علي إلا أن أنذركم إنذاراً بيناً بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم
﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نُوحُ﴾ عما تقول ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين﴾ من المقتولين بالحجارة
﴿قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ﴾ ليس هذا إخباراً بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد أنهم كذبوني في وحيك ورسالتك
﴿فافتح بيني وبينهم فتحا﴾ أي فاحكم بيني وبينهم حكما والفتاحة الحكوم والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق كما سمي فيصلاً لأنه يفصل بين الخصومات ﴿وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى﴾ معي حفص ﴿مِنَ المؤمنين﴾ من عذاب عملهم
﴿فأنجيناه وَمَن مَّعَهُ فِى الفلك﴾ الفلك السفينة وجمعه فلك فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن أسد ﴿المشحون﴾ المملوء ومنه شحنة البلد أي الذي يملؤه كفاية
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ﴾ أي بعد إنجاء نوح ومن آمن ﴿الباقين﴾ من قومه
﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ المنتقم بإهانة من جحد وأصر ﴿الرحيم﴾ المنعم بإعانة من وحد واقر
﴿كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين﴾ هي قبيلة وفي الأصل اسم رجل هو ابوالقبيلة
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فاتقوا الله﴾ في تكذيب الرسول الأمين ﴿وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين﴾
﴿أتبنون بكل ريع﴾
مكان مرتفع ﴿آية﴾ برج حمام أو بناء يكون لارتفاعه كالعلامة يسخرون بمن مر بهم ﴿تَعْبَثُونَ﴾ تلعبون
﴿وتتخذون مصانع﴾ مآخذ الماء أو قصور مشيدة أو حصوناً ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ ترجون الخلود فى الدنيا
﴿وإذا بطشتم﴾ أخذتم أخذ العقوبة ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب
﴿فاتقوا الله﴾ في البطش ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما أدعوكم إليه
﴿واتقوا الذى أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ من النعم ثم عددها عليهم فقال
﴿أمدكم بأنعام وبنين﴾ قرن البنين الأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام عليها
﴿وجنات وعيون﴾
﴿إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إن عصيتمونى
﴿قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الواعظين﴾ أى لا يقبل كلامك ودعوتك وعظت أم سكت ولم يقل أم لم تعظ لرءوس الآى
﴿إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين﴾ ما هذا الذى نحن عليه من الحياة والموت واتخاذا لا بتناء إلا عادة الأولين أو ما نحن عليه دين الأولين إلا خلق الأولين مكي وبصري ويزيد وعلى أى ما جئت به اختلاف الأولين وكذب المتنبئين قبلك كقولهم أساطير الأولين أو خلقنا كخلق الأولين نموت ونحيا كما حيوا
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ في الدنيا ولا بعث ولا حساب
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أي هوداً ﴿فأهلكناهم﴾ بريح صرصر عاتية ﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالح أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾
﴿وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين﴾
﴿أَتُتْرَكُونَ﴾ إنكار لأن يتركوا خالدين في نعيمهم لا يزالون عنه ﴿في ما ها هنا﴾ فى الذى استقر
الشعراء (١٥٧ - ١٤٧)
فى هذا المكان من النعيم ﴿آمنين﴾ من العذاب والزوال والموت ثم فسره بقوله
﴿فِى جنات وَعُيُونٍ﴾ وهذا أيضاً إجمال ثم تفصيل
﴿وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ﴾ وعطف نخل على جنات مع أن الجنة تتناول النخل أول شيء تفضيلاً للنخل على سائر الشجر ﴿طَلْعِهَا﴾ هو ما يخرج من النخل كنصل السيف ﴿هَضِيمٌ﴾ لين خضيج كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره
﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ تنقبون ﴿مِنَ الجبال بُيُوتاً فارهين﴾ شامي وكوفي حاذقين حال وغيرهم فرهين أشرين والفراهة الكيس والنشاط
﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين﴾ الكافرين أو التسعة الذين عقروا الناقة جعل الأمر مطاعاً على المجاز الحكمي والمراد الامر وهو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول كقولهم أنبت الربيع البقل
﴿الذين يُفْسِدُونَ فِى الأرض﴾ بالظلم والكفر ﴿وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ بالإيمان والعدل والمعنى أن فسادهم مصمت ليس معه شيء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح
﴿قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين﴾ المسحر الذي سحر كثيراً حتى غلب على عقله وقيل هو من السحر الرئة وأنه بشر
﴿ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ في دعوى الرسالة
﴿قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ﴾ نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه ﴿وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ لا تزاحمكم هي فيه روي أنهم قالوا نريد ناقة عشراء تخرج
﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء﴾ بضرب أو عقر أو غير ذلك ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ عظم اليوم لحلول العذاب فيه ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد
﴿فَعَقَرُوهَا﴾ عقرها قدار ولكنهم راضون به فأضيف إليهم روي أن عاقرها قال لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين فتقول نعم وكذلك صبيانهم ﴿فَأَصْبَحُواْ نادمين﴾ على عقرها خوفاً من نزول العذاب بهم لاندم توبة أو ندموا حين لا ينفع الندم وذلك
الشعراء (١٧١ - ١٥٨)
عند معاينة العذاب أو على ترك الولد
﴿فَأَخَذَهُمُ العذاب﴾ المقدم ذكره ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾
﴿وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين﴾
﴿أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين﴾ أراد بالعالمين الناس
﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم﴾ من تبيين لما خلق أو تبعيض والمراد بما خلق العضو المباح منهن وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم وفيه دليل على تحريم أدبار الزوجات والمملوكات ومن أجازه فقد أخطأ خطأ عظيماً ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ العادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحد أي بل أنتم قوم أحق بأن توصوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة
﴿قالوا لئن لم تنته يا لوط﴾ عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين﴾ من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال
﴿قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين﴾ هو أبلغ من أن يقول قال فقولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم والقلى البغض يقلي الفؤاد والكبد وفيه دليل على عظم المعصية لأن قلاه من حيث الدين
﴿رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ من عقوبة عملهم
﴿فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾ يعني بناته ومن آمن معه
﴿إِلاَّ عَجُوزاً﴾ هي امرأة لوط وكانت راضية بذلك والرضى بالمعصية في حكم العاصي واستثناء الكافرة من الأهل وهم مؤمنون للاشتراك فى هذا الاثم وإن لم تشاركهم في الإيمان ﴿فِى الغابرين﴾ صفة لها أى في الباقين في العذاب فلم تنج منه والغابر في اللغة الباقي كأنه قيل
الشعراء (١٨٤ - ١٧٢)
صفتها وقت تنجيهم
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين﴾ والمراد بتدميرهم الائتفاك بهم
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا﴾ عن قتادة أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم الله وقيل لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطراً من حجارة ﴿فَسَاء﴾ فاعله ﴿مَطَرُ المنذرين﴾ والمخصوص بالذم وهو مطرهم محذوف ولم يرد بالمنذرين قوماً بأعيانهم بل المراد جنس الكافرين
﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾
﴿كذب أصحاب الأيكة﴾ بالهمزة والجر هي غيضة تنبت ناعم الشجر عن الخليل ليكة حجازي وشامي وكذا في ص علم لبلد قيل أصحاب الأيكة هم أهل مدين التجئوا إلى غيضة إذ ألح عليهم الوهج والأصح أنها غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية وأكثر شجرهم المقل بدليل أنه لم يقل هنا أخوهم شعيب لأنه لم يكن من نسبهم بل ك كان من نسب أهل مدين فغي الحديث أن شعيباً أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة ﴿المرسلين﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾
﴿وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين﴾
﴿أَوْفُواْ الكيل﴾ أتموه ﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين﴾ ولا تنقصوا الناس حقوقهم فالكيل وافٍ وهو مأمور به وطفيف وهو منهي عنه وزائد وهو مسكوت عنه فتركه دليل على أنه ان فعل فقد أحسن وإن لم يفعل فلا شيء عليه
﴿وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم﴾ وبكسر القاف كوفي غير أبي بكر وهو الميزان أو القبان فإن كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس وإلا فهو رباعي
﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس﴾ يقال بخسته حقه إذا نقصته إياه ﴿أشياءهم﴾ دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافها ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ﴾ ولا تبالغوا فيهم في الإفساد نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه يقال عنا فى الارض إذا أفسد وعن في الأرض لغة في عثا
﴿واتقوا الذى خَلَقَكُمْ والجبلة﴾ الجبلة عطف على كم أى اتقوا الذى
الشعراء (١٩٥ - ١٨٥)
خلقكم وخلق الجبلة ﴿الأولين﴾ الماضين
﴿قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين﴾
﴿وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا﴾ إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف للرسالة عندهم التسحير والبشرية وتركها في قصة ثمود ليفيد معنى واحداً وهو كونه مسحراً ثم قرر بكونه بشراً مثلهم ﴿وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين﴾ إن مخففة من الثقيلة واللام دخلت الفرق بينهما وبين النافية وإنما تفرقنا على فعل الظن وثاني مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ والخبر كقولك إن زيد المنطلق فلما كان بابا كان وظننت من جنس باب المبتدأ والخبر فعل ذلك فى البابين فقيل ان فإن زيد لمنطلقا وان ظننته لمنطلقنا
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ كِسُفا حفص وهما جمعا كسفة وهي
﴿قال ربي﴾ بفتح الياء حجازى وأبو عمروا وبسكونها غيرهم ﴿أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي إن الله أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل وإن أراد عقاباً آخر فإليه الحكم والمشيئة
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة﴾ هي سحابة أظلتهم بعد ما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحر فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ وقد كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر تقرير المعانيها في الصدور ليكون أبلغ في الوعظ والزجر ولأن كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تحتم بما اختتمت به
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين﴾ منزل منه
﴿نَزَلَ بِهِ﴾ مخفف والفاعل ﴿الروح الأمين﴾ أي جبريل لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص وغيرهم بالتشديد ونصب الروح والفاعل هو الله تعالى أي جعل الله الروح نازلاً به والباء على القراءتين للتعدية
﴿على قَلْبِكَ﴾ أي حفظك وفهمك إياه وأثبته فى قلبك إثبات مالا ينسى كقوله سنقرئك فلا تنسى ﴿لتكون من المنذرين﴾
﴿بلسان عربي﴾ بلغة
الشعراء (١٩٩ - ١٩٥)
قريش وجرهم ﴿مبين﴾ فصيح ومصحح عما صفحته العامة والباء إما أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام أو بنزل أي نزله بلسان عربي لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلاً ولقالوا ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهّمه قومك ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون لبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه ناظراً إلا إلى معاني الكلام وإن كلم بغيرها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها وإن كان ماهرا بمعرفتها فهذا تقريرا أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين
﴿وَإِنَّهُ﴾ وإن القرآن ﴿لَفِى زُبُرِ الأولين﴾ يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية وقيل إن معانيه فيها دليل أالقرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلاً على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة
﴿أو لم يكن لهم آيةٌ﴾ شامي جعلت آية اسم كان وخبره ﴿أَن يَعْلَمَهُ﴾ أي القرآن لوجود ذكره في التوراة وقيل في تكن ضمير القصة وآية خبر مقدم والمبتدأ أن يعلمه والجملة خبر كان وقيل كان تامة والفاعل آية
﴿وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين﴾ جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين والعجمي الذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح وقرأ الحسن الأعجمين وقيل الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف ياء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجوز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه عجماء
﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ والمعنى أنا أنزلناه القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجزوا انضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتعاب قبله على أن البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا فلم يؤمنوا به وسموه شعراً تارة وسحراً أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة السلام ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلاً أن يقدر على نظم مثله فقرأ عليهم هكذا معجزاً لكفروا به كما كفروا ولتحملوا لجحودهم عذرا وسموه سحراً ثم قال
﴿كذلك سلكناه﴾
أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين ﴿فِى قُلُوبِ المجرمين﴾ الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم
﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذباً مجحوداً في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ويجوز أن يكون حالاً أي سلكناه فيها غير مؤمن به ﴿حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم﴾ المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم
﴿فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بإتيانه
﴿فَيَقُولُواْ﴾ وفيأتيهم معطوفان على يروا ﴿هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ﴾ يسألون النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها
﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك
﴿أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ﴾ قيل هي سنو مدة الدنيا
﴿ثم جاءهم ما كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ من العذاب
﴿مَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ﴾ به في تلك السنين والمعنى أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى أفبعذابنا يستعجلون أشراً وبطراً واستهزاء واتكالاً على الأمل الطويل ثم قال هب أن الأمر كما
﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ﴾ رسل ينذرونهم ولم تدخل الواو على الجملة بعد إلا كما في وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قرية إلا ولها كتاب معلوم لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة
الشعراء (٢١٨ - ٢٠٩)
بالموصوف
﴿ذِكْرِى﴾ منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة أو حال من الضمير فى منذرون أي ينذرونهم ذوي تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة أو المرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ﴿وَمَا كُنَّا ظالمين﴾ فنهلك قوماً غير ظالمين
ولما قال المشركون إن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ﴾ أي القرآن ﴿الشياطين﴾
﴿وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه
﴿إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ﴾ لممنوعون بالشهب
﴿فَلاَ تدع مع الله إلها آخر فَتَكُونَ مِنَ المعذبين﴾ مورد النهي لغيره على التعريض والتحريك له على زيادة الاخلاص
﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين﴾ خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً وأن النجاة في اتباعه دون قربة ولما نزلت صعد الصفا ونادى فالاقرب فالقرب وقال يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئاً
﴿واخفض جَنَاحَكَ﴾ وألن جانبك وتواضع وأصله أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلاً في التواضع ولين الجانب ﴿لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ من عشيرتك وغيرهم
﴿فإن عصوك﴾ يعني أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض جناحك لهم وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره
﴿وتوكل على العزيز الرحيم﴾ على الذى يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره وقالوا المتوكل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله وقال الجنيدر رضى الله عنه التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فإن حاجتك إليه في الدارين فتوكل مدني وشامي عطف على فقل أو فلا تدع
﴿الذى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ متهجداً
﴿وتقلبك﴾ أى ويرى
الشعراء (٢٢٤ - ٢١٩)
فقلبك ﴿في الساجدين﴾ فى المصلين أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون وليعلم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم وقيل معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة هل تجد الصلاة بالجماعة فى القرآن فقال لا يحضرنى فتلاله هذه الآية
﴿إِنَّهُ هُوَ السميع﴾ لما تقوله ﴿العليم﴾ بما تنويه وتعمله هوّن عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقوله... بعينى ما يتحمل المتحملون من أجلى...
ونزل جواباً لقول المشركين إن الشياطين تلقى السمع على محمد صلى الله عليه وسلم
﴿هَلْ أُنَبّئُكُمْ﴾ أي هل أخبركم أيها المشركون على مَن تَنَزَّلُ الشياطين ثم نبأ فقال
﴿تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ مرتكب للآثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة ومحمد ﷺ يشتم الأفاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه
﴿يُلْقُونَ السمع﴾ هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم ويلقون حال أي تنزل ملقين السمع أو صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء
﴿والشعراء﴾ مبتدأ خبره ﴿يَتَّبِعُهُمُ الغاوون﴾ أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الانسان ومدح من لا يستحق المدح ولا يستحسن ذلك منهم إلا
الشعراء (٢٢٧ - ٢٢٥)
الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون قال الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون يتبعهم نافع
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ﴾ من الكلام ﴿يَهِيمُونَ﴾ خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون والهائم الذاهب على وجه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأبخلهم على حاتم عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله...
فقال وجب عليك الحد فقال قد درأ الله عني الحد بقوله
﴿وأنهم يقولون ما لا يَفْعَلُونَ﴾ حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله
﴿إلا الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم ﴿وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً﴾ أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعراً قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب وقال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور ﴿وانتصروا﴾ وهجوا من بعد ما ظَلَمُواْ هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله ﷺ والمسلمين وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله ﷺ وهجاه وعن كعب بن مالك أن رسول الله ﷺ قال له اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل وكان يقول لحسان وقل وروح القدس معك ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله ﴿وَسَيَعْلَمْ﴾ وما فيه من الوعيد البليغ وقوله ﴿الذين ظلموا﴾ واطلافه وقوله ﴿أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ وإبهامه وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظو بها قال ابن عطاء سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا وأي منصوب ينقلبون على المصدر لا بيعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي يتقلبون أي الانقلاب
سورة النمل
سورة النمل مكية وهي ثلاث وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم