ﰡ
والجواب : إن الضمير عائد على معلوم لا مذكور، وهي الموتة المطلقة التي يتوهم حصولها من أفراد كثيرة : فقالوا : ما تلك الموتة إلا محصورة في فرد واحد منها، وهي الأولى فلا تعقبها ثانية. وكذلك قولهم :﴿ إن هي إلا حياتنا الدنيا ﴾١، في الآية الأخرى.
وأما وصف الأولية فهو صادق باعتبار ما قاله المؤمنون، فإنهم قالوا لهم ثم موتة أخرى، فصار التعدد بحسب ما وقع الكلام فيه، أو بحسب ما يتوهمه المتكلم من إفراد الموت في ذهنه لا في الخارج. ومن قولهم :﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ﴾٢. وقوله تعالى :﴿ وما نحن بمبعوثين ﴾٣.
قال بعض نحاة العرب : هذه الآية فيها دليل قاطع على أن الواو ليست للترتيب لقولهم : " نموت ونحيا "، ومرادهم : نحيا ونموت لجحدهم البعث إذ لو كان الكلام على ظاهره مرتبا لكانوا معترفين بالحياة بعد الموت وليس كذلك، لقولهم ﴿ وما نحن بمبعوثين ﴾.
وهذا موضع حسن في هذا المقصد، غير أن المفسرين اختلفوا في تفسير الآية، فقال بعضهم : معناه : " نحن موتى قبل أن توجد ثم نحيى في وقت وجودنا ". وقيل : " نموت حين نطف ودم ثم نحيى بالزواج فينا " وقيل : " معناه نحيى ونموت "، وأن الواقع من اللفظ مؤخر هو مقدم، وهذا هو ظاهر اللفظ فإن القولين الأولين لم يذكر فيه الموت الذي هو خروج الروح من الجسد مع أنه الذي يسبق إلى الأفهام فيحصل مقصود الآية في الدلالة على أن الواو ليست للترتيب. وقيل : " مقصود الكلام الإخبار عن حال النوع، أي : يموت آباؤنا ويولد أبناؤنا ". وتقسيم الضمير أيضا خلاف الظاهر. ( الاستغناء : ٢٤٠-٢٤١ )
٢ - سورة الجاثية : ٢٤..
٣ - سورة المؤمنون : ٣٧..
وقيل : ما فيها من الاستدلال بها في ظلمات البر والبحر.
وأصل الحق الثابث، لأنه قبالة الباطل المنفي، والكل ثابت، أعني : المعنيين المتقدمين فيصير الكلام : " ما خلقناهما لسبب من الأسباب إلا لهذا السبب " فيكون استثناء من الأسباب التي لم ينطق بها في اللفظ. ويكون استثناء متصل. ( الاستغناء : ٥٠٢-٥٠٣ )
١١١١- قيل : " إلا " بمعنى : " سوى "، وقيل : " سوى ما شاء ربك من أنواع العذاب غير المذكور لنا ". ( الاستغناء : ٣٣٣ )
١١١٢- استثناء منقطع على الأصح١ مع أن المحكوم عليه بعد " إلا " هو بعض المحكوم عليه أولا من جنسه. ( تنقيح الفصول مع الذخيرة : ١/٩٦. والاستغناء : ٢٩٥ )
١١١٣- حصل الانقطاع بسبب أن الحكم بعد " إلا " بغير النقيض، لأن نقيض " لا يذوقون فيها الموت " : يذوقون فيها الموت. وكان يكون معنى الآية : " إلا الموتة الأولى ذاقوها " وليس كذلك بل لم يحكم إلا بذوقها في الدنيا، فحكم بغير النقيض. ( العقد المنظوم : ٢/٢٩٤. والاستغناء : ٢٩٦ )
١١١٤- قال بعض العلماء : الاستثناء متصل، لأن أصل الذوق حقيقة، إنما هو إدراك الطعوم باللسان، وإطلاقه على الشدائد والموت ونحوه إنما هو مجاز ؛ لأنها ليست من ذوات الطعوم، وإذا كان ذلك مجازا، فتحمل الآية على مطلق العام، ويكون معناها : " لا يعلمون فيها الموت إلا الموتة الأولى يعلمونها فيها " لأنهم في الجنة يعلمون أنهم ماتوا في الدنيا، فيكون الاستثناء متصلا للحكم بالنقيض على الجنس غايته وقوع المجاز في لفظ الذوق.
فالقائل بأنه منقطع يجوز به أيضا إلى إدراك ما يقوم بالإنسان من الموت وغيره. ونحن نجوز بأنه إلى أصل الإدراك، ويكون المجاز على المذهبين من باب التعبير بلفظ الأخص عن الأعم، فيتعرض المجاز الأخص والانقطاع، أيهما يقدم.
فالقائل : بالانقطاع التزم بالمجاز الأخص والانقطاع.
والقائل بالاتصال قال بالمجاز الأعم، وفاته قوة المجاز الأخص. فهذا تلخيص هذه الآية. ( العقد المنظوم : ٢/٢٩٦ )