ﰡ
بإجماع المفسرين مكية، وآيها: ستون آية، وحروفها: ألف ومئتان وسبعة وثماثون حرفًا، وكلمها: ثلاث مئة وستون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)﴾.[١] ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ يعني: الرياح التي تذرو (١) التراب ذروًا، وذروًا (٢) نصب على المصدر. قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، وحمزة: بإدغام التاء في الذال، والباقون: بكسر التاء من غير إدغام (٣).
* * *
﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢)﴾.
[٢] ﴿فَالْحَامِلَاتِ﴾ أي: السحاب الموقراة بالماء.
﴿وِقْرًا﴾ ثقلًا، مفعول (الحاملات).
(٢) "وذروًا" سقط من "ت".
(٣) انظر: "الكشف" لمكي (١/ ١٥١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٢٨٨ - ٣٠٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٤٣).
[٣] ﴿فَالْجَارِيَاتِ﴾ أي: السفن.
﴿يُسْرًا﴾ تجري في الماء جريًا سهلًا (١). قرأ أبو جعفر: (يُسُرًا) بضم السين، والباقون: بإسكانها (٢)، ويسرًا مصدر في موضع الحال؛ أي: ميسرة.
* * *
﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)﴾.
[٤] ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾ هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق؛ من الأرزاق والأمطار وغيرها على ما أمروا به، و (٣) (أَمْرًا) مفعول (الْمُقَسِّماتِ)، أقسم الله تعالى بهذه الأشياء؛ لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته.
* * *
﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)﴾.
[٥] وجواب القسم؛ ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾ من الثواب والعقاب.
﴿لَصَادِقٌ﴾ أي: لوعد صادق.
* * *
﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾ أي: الحساب والجزاء ﴿لَوَاقِعٌ﴾ لا محالة.
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٩٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٤٣).
(٣) "و" زيادة من "ت".
[٧] ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ الطرائق التي تكون في السماء من آثار الغيم، جمع حبيكة، وهو قَسَمٌ ثانٍ.
* * *
﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)﴾.
[٨] جوابه: ﴿إِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة.
﴿لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ تصديق وتكذيب بمحمد، أو في قول مختلف في نفسه، قوم منكم يقولون: ساحر، وقوم: كاهن، وقوم: شاعر، وقوم: مجنون، إلى غير ذلك.
* * *
﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)﴾.
[٩] ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ﴾ يُصرف عن الإيمان به.
﴿مَنْ أُفِكَ﴾ من صُرف عن السعادة في الأزل.
* * *
﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ أي: لُعن الكذابون أصحابُ القول المختلف.
* * *
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ أي: في غلبة الجهل، غافلون عما يراد بهم.
[١٢] ﴿يَسْأَلُونَ﴾ استهزاء: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي: متى يوم الجزاء؟
* * *
﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)﴾.
[١٣] قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ﴾ أي: يكون هذا الجزاء في يوم.
﴿عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ يعذبون.
* * *
﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)﴾.
[١٤] فإذا عذبوا، قيل لهم: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ أي: حريقكم.
﴿هَذَا﴾ العذابُ ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ تكذيبًا به واستهزاء.
* * *
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وابن ذكوان عن ابن عامر: (وَعِيُونٍ) بكسر العين، والباقون: بضمها (١).
[١٦] ﴿آخِذِينَ﴾ قابلين ﴿مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ بسرور؛ لأنه في غاية الجودة، فليس فيه ما يُرَدُّ ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي: المتقون ﴿كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ أعمالَهم.
* * *
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)﴾.
[١٧] لأنهم ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ خبر (كان).
﴿مَا يَهْجَعُونَ﴾ ينامون، و (ما) زائدة، و (قَليلًا) نعت لمصدر محذوف؛ أي: هجوعًا قليلًا؛ أي: كانوا في معظم الليل يصلون ويذكرون.
* * *
﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ قيل: يا رسول الله! كيف الاستغفار؟ قال: "قولوا: اللهمَّ اغفر لنا، وارحمنا، وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم" (١).
* * *
﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ﴾ الطالب ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾ أي: يُحسب غنيًّا، فيحرم؛ لتعففه.
[٢٠] ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ﴾ دلالات على التوحيد.
﴿لِلْمُوقِنِينَ﴾ وإذا ساروا فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار وأنواع النبات.
* * *
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ آيات أيضًا بتنقلها من حال إلى حال، ثم إلى الزوال.
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الصنعة، فتستدلون بها على صانعها؟
* * *
﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ أي: المطر؛ لأنه سبب الرزق.
﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ من الجنة؛ لأنها فوق السماء السابعة، وجميع المقدر مكتوب في السماء.
* * *
﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ثم أقسم بنفسه فقال: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ﴾ أي: هذا القول.
﴿لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ فتقولون: لا إله إلا الله. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر عن عاصم: (مِثْلُ) برفع اللام صفة لـ (حقٌ)؛
قال الحسن في هذه الآية: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قاتل الله أقوامًا أقسمَ الله لهم بنفِسه، فلم يصدِّقوه" (٢).
* * *
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ قرأ هشام: (إِبْراهامَ) بالألف، وأبو عمرو: (حَدِيث ضيْفِ) بإدغام الثاء في الضاد (٣)، وضيف اسم جنس يقع للجمع والواحد، وروي أن أضياف إبراهيم هؤلاء: جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأتباع لهم من الملائكة صلى الله عليه وعليهم.
﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ لأنهم كرام على الله، ولأن إبراهيم خدمهم هو وامرأته، وسماهم ضيفًا؛ لأنهم كانوا في صورة الضيف.
قال - ﷺ -: "مَنْ كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فليكرمْ ضيفَه" (٤).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٦/ ٢٠٦).
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٩٢)، والإدغام في "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٥٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٤٦).
(٤) رواه البخاري (٥٦٧٢)، كتاب: الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومسلم (٤٧)، كتاب: الإيمان، باب: الحث على إكرام الجار والضيف، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
[٢٥] ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا﴾ عند دخولهم ﴿سَلَامًا﴾ مصدر؛ أي: سلموا سلامًا.
﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ عليكم، مبتدأ وخبره. قرأ حمزة، والكسائي: (سِلْمٌ) بكسر السين وإسكان اللام من غير ألف، وقرأ الباقون: بفتح السين واللام وألف بعدها (١)، فنكرهم، فقال: أنتم ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ أي: غرباء لا نعرفكم.
* * *
﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿فَرَاغَ﴾ فمال (٢) ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ سرًّا ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ مشوي.
* * *
﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾ ليأكلوه، فتركوه.
﴿قَالَ﴾ إنكارًا عليهم (٣): ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ منه؟
(٢) "فمال" زيادة من "ت".
(٣) "عليهم" زيادة من "ت".
[٢٨] ﴿فَأَوْجَسَ﴾ فأضمر في نفسه ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ لأنه ظنهم أعداءً؛ لعدم أكلهم، ولغرابة شكلهم.
﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ روي أن جبريل مسح بجناحه العجل، فقام يمشي خلف أمه.
﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ﴾ هو إسحق عليه السلام ﴿عَلِيمٍ﴾ يكمُلُ علمُه إذا بلغ.
قرأ ابن كثير: ﴿وَبَشَّرُوهُو﴾ بواو يصلها بهاء الكناية في الوصل وشبهه حيث وقع.
* * *
﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ﴾ سارة إلى بيتها، وكانت في زاوية تنظر إليهم.
﴿فِي صَرَّةٍ﴾ شِدَّة صوت؛ من الصرير.
﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ لطمته بجميع أصابعها تعجُّبًا كعادة النساء إذا أنكرن شيئًا.
﴿وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ فكيف ألد؟ والعقيم: من مُنع الولد، والعُقْم في اللغة: المنع، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك.
* * *
﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿قَالُوا كَذَلِكِ﴾ مثلَ ذلك الذي بشرنا به ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ وإنما نخبرك به عنه.
* * *
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١)﴾.
[٣١] ثم ﴿قَالَ﴾ إبراهيم -عليه السلام- للملائكة:
﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ والخطب: الأمر المهم، وقلما يعبر به إلا عن الشدائد والمكاره، حتى قالوا: خطوب الزمان، ونحو هذا، فكأنه يقول لهم: ما هذه الطامة التي جئتم لها؟
* * *
﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ يعني: قوم لوط، والمجرم: فاعلُ الجرائم، وهي صعاب المعاصي.
* * *
﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾ مطبوخٍ بالنار، روي أنه طين طبخ نار جهنم حتى صار حجارة كالآجُرّ.
* * *
﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿مُسَوَّمَةً﴾ معلَّمة، عليها اسمُ من يُرمى بها، ونصبه على الحال.
* * *
﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا﴾ في قرى لوط، وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن ذلك معلوم.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ممن آمن بلوط منجيًا لهم، وذلك قوله: ﴿قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٨١].
* * *
﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ هو بيت لوط، وكان هو وابنتاه، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعًا؛ لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم.
* * *
﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا﴾ في مدينة قوم لوط، وهي سدوم.
﴿آيَةً﴾ عبرة ﴿لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ فإنهم المعتبرون بها.
* * *
﴿وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨)﴾.
[٣٨] وتعطف على قوله: ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا﴾ ﴿وَفِي مُوسَى﴾ أي: وتركنا فيه
﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ بحجة ظاهرة.
* * *
﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ﴾ أعرض عن الإيمان بجمعه؛ لأنهم له كالركن للبناء.
﴿وَقالَ﴾ لموسى: هو ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ تقسيم ظن؛ أي: إنه لا بد أن يكون أحدَهما.
* * *
﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ فطرحناهم في البحر.
﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ والمليم: الذي أتى من المعاصي ونحوها ما يُلام عليه.
* * *
﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)﴾
[٤١] ﴿وَفِي عَادٍ﴾ أي: في إهلاكهم آيةٌ ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ التي لا خير فيها، لا تفلح شجرًا، ولا تسوق مطرًا، وهي الدبور.
* * *
﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ﴾ من أنفسِهم وأموالهم.
﴿أَتَتْ﴾ مرَّت ﴿عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ البالي.
[٤٣] ﴿وَفِي﴾ هلاكِ (١) ﴿ثَمُودَ﴾ آيةٌ.
﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ﴾ إلى انقضاء آجالكم، وهي ثلاثة أيام.
* * *
﴿فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤)﴾.
[٤٤] وذلك أنهم لما عقروا الناقة، قيل لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
﴿فَعَتَوْا﴾ ترفعوا ﴿عَن﴾ امتثال ﴿أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ بعد الأيام الثلاثة. قرأ الكسائي: (الصَّعْقَةُ) بإسكان العين من غير ألف، والباقون: بكسر العين وألف قبلها (٢)، وهي على القراءتين: الصيحة العظيمة، ومنه يقال للوقعة الشديدة من الرعد: صاعقة، وهي التي معها النار ﴿وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ إليها نهارًا.
* * *
﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ﴾ ما قدروا على النهوض عند نزول العذاب بهم.
﴿وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ﴾ ممن أهلكهم.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٠٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٣٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٤٨).
[٤٦] ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: (وَقَوْمِ) بخفض الميم عطفًا على (وَفِي ثَمُودَ)، وقرأ الباقون: بنصبها بمضمر (١)؛ أي: وأهلكنا قومَ نوح.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل إهلاك (٢) هؤلاء المذكورين.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ بالكفر والعصيان.
* * *
﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ لقادرون.
* * *
﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا﴾ مَهَدْناها ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ نحن.
* * *
﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ صنفين ونوعين مختلفين، وهي إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء؛ كالليل والنهار، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والسماء والأرض، والسواد والبياض،
(٢) "إهلاك" زيادة من "ت".
* * *
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ بالتوبة والطاعة ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.
* * *
﴿وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)﴾.
[٥١] ثم نهى عن عبادة كل مدعو من دون الله تعالى بقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ وكرر ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ حرصًا على هدايتهم.
* * *
﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: سيرة الأمم كذلك ﴿مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: قبلَ قومك يا محمد.
﴿مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا﴾ له: أنتَ ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ تلخيصه: المرسلون قبلك كُذِّبوا كما كُذِّبت.
* * *
﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ توقيف وتعجيب من تراود نفوس الكفرة في تكذيب الأنبياء على تفرق أزمانهم؛ أي: إنهم لم يتواصوا.
* * *
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)﴾.
[٥٤] ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي: عن الحرص المفرط عليهم، وذهاب النفس حسرات.
﴿فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ لأنك بلغت الرسالة.
* * *
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿وَذَكِّرْ﴾ عِظْ بالقرآن ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولمن قُضِي (١) له أن يكون منهم.
قال ابن عطية: وعلى هذا التأويل، فلا نسخ في الآية، إلا في معنى الموادعة التي فيها؛ فإنّ آية السيف نسخت جميع الموادعات (٢).
* * *
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾.
[٥٦] ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ قال ابن عباس، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-: المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ١٨٢).
* * *
﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)﴾.
[٥٧] ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾ لي، ولا لأنفسهم وغيرهم.
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ ولا أنفسَهم ولا غيرَهم.
* * *
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ الذي يرزق كلَّ ما يفتقر إلى الرزق.
﴿ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ الشديد القوة نعتًا لـ (ذو)، المعنى: أنا غني عنكم، فاشتغلوا بما أمرتكم به تفلحوا.
* * *
﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسَهم بالكفر ﴿ذَنُوبًا﴾ نصيبًا من العذاب ﴿مِثْلَ ذَنُوبِ﴾ نصيب ﴿أَصْحَابِهِمْ﴾ المراد: من تقدم من الأمم المعذبة، وهذا
﴿فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ﴾ بالعذاب، فهو نازل بهم لا محالة في وقته المحتوم.
قرأ يعقوب: (لِيَعْبُدُوِني) (يُطْعِمُوني) (يَسْتَعْجِلُوني) بإثبات الياء فيهن وصلًا ووقفًا، وحذفها الباقون في الحالين (٢).
* * *
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فيه بالعذاب، وهو يوم القيامة، والويل: الشقاء والهم، وروي أن في جهنم واديًا يسمى ويلًا، والله أعلم.
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٧٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٥٠ - ٢٥١).