تفسير سورة الرحمن

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الرحمن
وهي مكية في قول الأكثرين وقال بعضهم هي مدنية.

قَوْله تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن﴾ قَالَ الْحسن هُوَ اسْم لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يَنْتَحِلهُ وَيُقَال اسْم مُمْتَنع وَإِنَّمَا لم يَصح أَن يُقَال لغير وَصَحَّ أَن يُقَال رَاحِم وَرَحِيم لِأَن معنى الرَّحْمَن أَن رَحمته وسعت كل شَيْء وَهَذَا لَا يَصح فِي غير الله جلّ وَعلا وَحكى بَعضهم أَن الرَّحْمَن هُوَ مَجْمُوع فواتح ثَلَاث سور " الر - حم - ن ".
وَقَوله ﴿علم الْقُرْآن﴾ أى يسر وَسَهل تعلمه.
وَقَوله (خلق الْإِنْسَان) قَالَ قَتَادَة: هُوَ آدم - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَقَالَ الضَّحَّاك هُوَ مُحَمَّد وَعَن بَعضهم هُوَ جنس النَّاس وَاحِد بِمَعْنى الْجمع مثل قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفى خسر﴾ اى النَّاس.
وَقَوله ﴿علمه الْبَيَان﴾ فعلى القَوْل الَّذِي قُلْنَا إِن المُرَاد بِهِ آدم فَمَعْنَى تَعْلِيم الْبَيَان تَعْلِيم الْأَسْمَاء وعَلى القَوْل الَّذِي يَقُول إِنَّه مُحَمَّد فَمَعْنَى تَعْلِيم الْبَيَان هُوَ أَنه بَين لَهُ الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال بَين لَهُ طَرِيق الْهدى وَطَرِيق الضَّلَالَة وَيُقَال بَين الْخَيْر وَالشَّر وَإِذا حملنَا على جنس النَّاس فَمَعْنَى الْبَيَان هُوَ الْمنطق وَالْكَلَام وكل عَاقل مُمَيّز لَهُ بَيَان يعقله وتمييزه.
وَقَوله ﴿الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان﴾ أى بِحِسَاب قَالَه مُجَاهِد وَغَيره وَيُقَال بحسبان أَي بجرى مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْلُومَة وَقَالَ السّديّ بِأَجل مَعْلُوم فَإِذا بلغا أجلهما هلكا. وَقيل الحسبان قطب الرحا وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا يدوران كَمَا يَدُور {وَالْقَمَر بحسبان (٥) والنجم وَالشَّجر يسجدان (٦) وَالسَّمَاء رَفعهَا وَوضع الْمِيزَان (٧) أَلا تطغوا فِي الْمِيزَان (٨) وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ وَلَا تخسروا الْمِيزَان (٩) وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام (١٠) الرحا على القطب.
وَقَوله: ﴿والنجم وَالشَّجر يسجدان﴾ قَالَ أهل اللُّغَة: النَّجْم كل مَا نبت لَا على سَاق، وَالشَّجر مَا نبت على سَاق. وَيُقَال: النَّجْم نجم السَّمَاء، وَالشَّجر جَمِيع الْأَشْجَار. وَأما سجودهما، قَالَ ابْن عَبَّاس: يسجدان إِذا طلعت الشَّمْس وَإِذا قَالَت الشَّمْس إِلَى أَن تغرب. وَيُقَال: سجودهما هُوَ مَا سخرهما الله تَعَالَى على مَشِيئَته وَأمره. وَالْأولَى هُوَ أَن يُقَال: إِن سُجُود الْموَات ثَابت بِنَصّ الْكتاب، هُوَ على مَا أَرَادَ الله تَعَالَى، وَالْعلم بحقيقته موكول إِلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة. وَيُقَال: سجودهما بدوران الظل يَمِينا وَشمَالًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاء رَفعهَا﴾ أَي: أَعْلَاهَا بِحَيْثُ لَا تنالها الْأَيْدِي.
وَقَوله: ﴿وَوضع الْمِيزَان﴾ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: أَنه الْمِيزَان الْمَعْرُوف، وَالْآخر: أَن المُرَاد مِنْهُ الْعدْل.
وَقَوله: ﴿أَن لَا تطغوا فِي الْمِيزَان﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " لَا تطغوا فِي الْمِيزَان " أَي: لَا تَجُورُوا فِيهِ، وَلَا تجوزوا الْحَد. والطغيان: مُجَاوزَة الْحَد.
وَقَوله: ﴿وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ. وَإِقَامَة الْوَزْن: إِقَامَة لِسَان الْمِيزَان من غير ميل وجور.
وَقَوله: ﴿وَلَا تخسروا الْمِيزَان﴾ أَي: لَا تنقصوا وَلَا تبخسوا. وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: يَا معشر الموَالِي يَعْنِي: الْعَجم إِنَّكُم وليتم أَمر من فيهمَا هلك كثير من الْأُمَم قبلكُمْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام﴾ أَي: بسطها. وَفِي الْأَنَام ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: ذكره الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه الْجِنّ وَالْإِنْس. وَالْآخر: أَنه الْإِنْس خَاصَّة. وَالثَّالِث:
323
﴿فِيهَا فَاكِهَة وَالنَّخْل ذَات الأكمام (١١) وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان (١٢) فَبِأَي﴾ كل مَا دب ودرج.
324
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهَا فَاكِهَة﴾ الْفَاكِهَة كل مَا يتفكه بِهِ.
وَقَوله: ﴿ذَات الأكمام﴾ جمع الْكمّ، والكم: كل مَا يُغطي شَيْئا، وَمِنْه الْكمّ الْمَعْرُوف، فَلِأَنَّهَا تغطي الْيَد. والقلنسوة تسمى الكمة؛ لِأَنَّهَا تغطي الرَّأْس. ومعتى الْكمّ هَاهُنَا: هُوَ الغلاف الَّذِي يكون لثمرة النّخل، وَيُقَال: الْكمّ هُوَ الطّلع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان﴾ العصف: ورق الزَّرْع، فَإِذا يبس صَار تبنا، وَيُقَال: العصف هُوَ البقل الَّذِي ينْبت من الأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَالريحَان﴾ أَي: الثَّمَرَة. قَالَ ابْن كيسَان: إِذا نبت الزَّرْع فأوله يكون عصفا، ثمَّ يظْهر فِيهِ الريحان، وَهُوَ ثَمَرَته. وَقيل: إِن الريحان هُوَ الرزق، قَالَ الشَّاعِر:
(سَلام الْإِلَه وريحانه وَرَحمته وسماء دُرَر)
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: هُوَ الريحان الَّذِي يشم. وَأولى الْأَقَاوِيل أَن العصف هُوَ التِّبْن، وَالريحَان هُوَ الْحبّ الَّذِي خلق فِيهِ للْأَكْل، سَمَّاهُ ريحانا؛ لِأَن مِنْهُ رزق الْعباد. وَفِي الْمَصَاحِف: " وَالْحب والعصف " وَمَعْنَاهُ: وَخلق الْحبّ ذَا العصف.
وَقَوله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مَعْنَاهُ: بِأَيّ نعم رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ أَيهَا الْإِنْس وَالْجِنّ؟ وَالْمرَاد من الآلاء النعم الَّتِي عدهَا من قبل. وَقد ثَبت بِرِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر أَن النَّبِي قَرَأَ سُورَة الرَّحْمَن على أَصْحَابه، فَلم يجيبوا بِشَيْء، فَقَالَ: " مَا لي أَرَاكُم سكُوتًا! للجن كَانُوا أحسن مِنْكُم ردا، مَا قَرَأت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة من مرّة ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْء من نعمك رَبنَا نكذب، فلك الْحَمد ". ﴿آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣) خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار (١٤) وَخلق الجان من مارج من نَار (١٥) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار﴾ الصلصال: الطين الْيَابِس الَّذِي يصوت إِذا نقر وحرك.
وَقَوله: ﴿كالفخار﴾ أَي: الخزف. فَإِن قيل: قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿من طين لازب﴾، وَقَالَ فِي مَوضِع: ﴿من حمأ مسنون﴾، وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿من صلصال﴾ فَكيف وَجه التَّوْفِيق؟
الْجَواب عَنهُ: أَن الْجَمِيع صَحِيح على الْقطع، فَالله تَعَالَى خلق آدم من تُرَاب جعله طينا لازبا، ثمَّ جعله حمأ مسنونا، ثمَّ جعله صلصالا كالفخار، ثمَّ صوره. قَالَ قَتَادَة: هُوَ المَاء يُصِيب الأَرْض، ثمَّ يذهب المَاء فيجف مَوضِع المَاء وييبس وينشق، فَهُوَ الصلصال كالفخار. وَذكر أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي تَفْسِيره: أَنه ورد فِي بعض الحَدِيث أَن الله تَعَالَى حِين أَرَادَ أَن يخلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل التُّرَاب طينا لازبا، وَتَركه أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ جعله صلصالا كالفخار، وَتَركه أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ صوره وَتَركه جسدا لَا روح فِيهِ أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَت الْمَلَائِكَة يَمرونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الَّذِي خلقك لامر مَا خلقك. وَقد ثَبت عَن النَّبِي " أَن إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة لما رأى الصُّورَة فَوَجَدَهُ أجوف، فَعلم أَنه خلق لَا يَتَمَالَك ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَخلق الجان من مارج من نَار﴾ أَي: من لَهب النَّار. وَيُقَال: خَالص النَّار. وَإِن الجان هُوَ أَبُو الْجِنّ.
وَقَوله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قد بَينا مَعْنَاهُ. وَقَالَ الْحسن: الجان هُوَ
324
﴿رب المشرقين وَرب المغربين (١٧) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨) مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَينهمَا برزخ لَا يبغيان (٢٠) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) إِبْلِيس.
وَقَوله: {من مارج من نَار﴾
قد ذكرنَا. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: المارج: الخضرة الَّتِي تكون بَين النَّار وَبَين الدُّخان. وَيُقَال: المارج نَار مختلطة بسواد. وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: ﴿من نَار﴾ : هِيَ نَار دون الْحجاب، وَمِنْهَا الصَّوَاعِق الَّتِي يَرَاهَا النَّاس.
326
قَوْله تَعَالَى: ﴿رب المشرقين وَرب المغربين﴾ مَعْنَاهُ: مشرق الصَّيف، ومشرق الشتَاء. وَالَّذِي قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿رب الْمشرق وَالْمغْرب﴾ هُوَ مشرق كل يَوْم فِي الصَّيف والشتاء. وَيُقَال: المشرقان: الشَّمْس وَالْفَجْر، والمغربان: الشَّمْس والشفق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ﴾ أَي: خلاهما وأرسلهما، قَالَه الْفراء والزجاج وَغَيرهمَا، وَعَن بَعضهم: مرج الْبَحْرين أَي: لَاقَى بَينهمَا.
وَقَوله: ﴿الْبَحْرين﴾ فِيهِ أَقْوَال: قَالَ مُجَاهِد: بَحر السَّمَاء وَالْأَرْض. وَقَالَ الْحسن: بَحر فَارس وَالروم. وَيُقَال: بَحر الْمشرق وَالْمغْرب. وَيُقَال: بَحر الْملح والعذب.
وَقَوله: ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ أَي: يلقِي أَحدهمَا صَاحبه.
وَقَوله: ﴿بَينهمَا برزخ لَا يبغيان﴾ أى حاجزه وَقَوله: لَا يبغيان أَي: لَا يخلتط أَحدهمَا بِالْآخرِ، لَا يخْتَلط الْملح بالعذب [فيفسده]، وَلَا العذب بالملح فيختلج. وَيُقَال: الحاجز حاجز من الْقُدْرَة.
وَالْآيَة وَردت فِي مَوضِع مَخْصُوص من بَحر فَارس وَالروم. وَقيل: فِي مَوضِع مَخْصُوص من العذب وَالْملح. والعذب هُوَ النّيل، وَالْملح هُوَ بَحر الرّوم، يَلْتَقِيَانِ وَلَا يختلطان.
326
﴿يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان (٢٢) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام (٢٤) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥) ﴾
وَقَالَ بَعضهم: الحاجز هُوَ الأَرْض من بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض. وَعَن بَعضهم: أَن الحاجز هُوَ جَزِيرَة الْعَرَب.
327
قَوْله تَعَالَى: ﴿يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان﴾ وَقُرِئَ: " يخرج " و " يخرج " أَي: يخرج الله. وَأما اللُّؤْلُؤ، فَهُوَ الْحبّ الْمَعْرُوف مِنْهُ الصغار والكبار، وَأما المرجان، قَالَ ابْن مَسْعُود: هُوَ خرز أَحْمَر. وَيُقَال: إِنَّه [البسد] جَوْهَر مَعْرُوف. وَقَالَ قَتَادَة وَغَيره: المرجان كبار اللُّؤْلُؤ، واللؤلؤ صغاره، وَقيل على الْعَكْس: المرجان صغَار اللُّؤْلُؤ، واللؤلؤ كباره. فَإِن قيل: قد قَالَ: ﴿يخرج مِنْهُمَا﴾ وَأجْمع أهل الْعلم بِهَذَا الشَّأْن أَنه يخرج من الْملح دون العذب. وَالْجَوَاب: أَنه ذكرهمَا وَالْمرَاد أَحدهمَا، كَمَا تَقول الْعَرَب: أكلت خبْزًا ولبنا، وَإِنَّمَا الْأكل فِي أَحدهمَا دون الآخر. قَالَ الزّجاج: لما ذكر الْبَحْرين ثمَّ ذكر اللُّؤْلُؤ والمرجان، وَهُوَ يخرج من أَحدهمَا، صحب الْإِضَافَة إِلَيْهِمَا على لِسَان الْعَرَب. وَذكر الْقفال الشَّاشِي فِي تَفْسِيره: أَن اللُّؤْلُؤ والمرجان لَا يكون إِلَّا فِي ملتقى الْبَحْرين فِي أول مَا يخلق، ثمَّ حِينَئِذٍ مَوضِع الأصداف هُوَ الْبَحْر الْملح دون العذب، فصح قَوْله: ﴿يخرج مِنْهُمَا﴾ لِأَنَّهُمَا فِي ابْتِدَاء عِنْد ملتقى الْبَحْرين، وَهَذَا قَول حسن إِن كَانَ كَذَلِك. وروى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن السَّمَاء إِذا أمْطرت ارْتَفَعت الأصداف إِلَى وَجه الْبَحْر وَفتحت أفواهها، فَمَا وَقع من قطر السَّمَاء فِي أفواها يكون الدّرّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَله الْجوَار الْمُنْشَآت﴾ وَقُرِئَ بِكَسْر الشين، وَالْأول أشهر؛ فَمَعْنَى الْكَلِمَة على الْفَتْح أَي: المرفوعات الشَّرْع، وَيُقَال: الْمَخْلُوقَات. وَمعنى الْكَلِمَة بِالْكَسْرِ أَي: المقيلات، وَيُقَال: المبتدئات فِي السّير، فعلى هَذَا الْمَعْنى إِذا قرئَ بِالْفَتْح فَمَعْنَاه: أبتدئ بِهن فِي السّير، ذكره الْأَزْهَرِي. والجواري: هِيَ السفن.
وَقَوله: ﴿فِي الْبَحْر كالأعلام﴾ أَي: الْجبَال، قَالَ الشَّاعِر:
327
﴿كل من عَلَيْهَا فان (٢٦) وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام (٢٧) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨) يسْأَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن (٢٩) فَبِأَي آلَاء﴾
(إِذا قطعن علما بدا علم...
وَقَالَت الخنساء:
(وَإِن صخرا ليأتم الهداة بِهِ كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار)
أَي: جبل. وَيُقَال: كالأعلام أَي: كالقصور. وَعَن بعضم: أَن السفن فِي الْبَحْر كالجبال فِي الْبر.
328
قَوْله تَعَالَى: ﴿كل من عَلَيْهَا فان﴾ أَي: كل من على الأَرْض هَالك.
وَقَوله: ﴿وَيبقى وَجه رَبك﴾ أَي: يبْقى رَبك، وروى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَنه يبْقى مَا أُرِيد بِهِ وَجه رَبك.
وَقَوله: ﴿ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام﴾ أَي: الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة. وَأما الْإِكْرَام: هُوَ مَا أكْرم أولياءه، وأصفياءه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يسْأَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال: أَحدهَا: يسْأَله من فِي السَّمَاء الرَّحْمَة، وَمن فِي الأَرْض الرزق وَالْمَغْفِرَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ أحد من أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض. وَقَالَ قَتَادَة: يسْأَله أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض الْمَغْفِرَة. وَعَن بَعضهم: يسْأَله من فِي السَّمَاء أَي: الْمَلَائِكَة لأهل الأَرْض الْمَغْفِرَة والرزق، ويسأله من فِي الأَرْض لأَنْفُسِهِمْ الْمَغْفِرَة والرزق، وَهَذَا قَول الْحسن الْبَصْرِيّ. فالمسئول لَهُ فِي السؤالين أهل الأَرْض. وَالْجُمْلَة أَن معنى الْآيَة: أَن كل أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض يسألونه حوائجهم، وَلَا غنى لأحد عَنهُ.
وَقَوله: ﴿كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن﴾ روى أَبُو الدَّرْدَاء عَن النَّبِي قَالَ: " يغْفر ذَنبا،
328
﴿رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠) سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان (٣١) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢) يَا﴾ ويفرج كربا، وَيرْفَع قوما، وَيَضَع آخَرين ".
وَعَن بَعضهم: يُعْطي سَائِلًا، ويجيب دَاعيا، ويفك عانيا. وَعَن بَعضهم: يحيي وَيُمِيت، ويعز ويذل، ويخلق ويرزق. وَعَن بَعضهم: يعْتق رقابا، وَيُعْطِي رغابا، ويفحم خطابا.
329
قَوْله تَعَالَى: ﴿سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان﴾ أَي: الْجِنّ وَالْإِنْس.
والثقل فِي كَلَام الْعَرَب: كل مَا يتنافس فِيهِ، ويسمون بيض النعامة ثقلا؛ لِأَنَّهُ يتنافس فِيهَا. وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " تركت فِيكُم الثقلَيْن، كتاب الله وعترتي ". وَهُوَ إِخْبَار عَن عظم قدرهما. فَإِن قيل: قد قَالَ: ﴿سنفرغ﴾ والفراغ لَا يكون إِلَّا عَن شغل، وَلَا يجوز الشّغل على الله تَعَالَى، فَكيف مَعْنَاهُ؟
وَالْجَوَاب: أَن هَذَا على طَرِيق التهديد والوعيد، كالإنسان يَقُول لغيره: سأفرغ لَك، وَإنَّهُ لم يكن فِي الْحَال فِي شغل. وَقَالَ الزّجاج: والفراغ يكون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الْفَرَاغ من الشّغل. وَالْآخر: بِمَعْنى الْقَصْد، كَالرّجلِ يَقُول لغيره: قد تفرغت لأذاى ومكروهي أى أخذت فِي كروهى وأذاى وَيَقُول الرجل لغيره اصبر حَتَّى أتفرغ
329
﴿معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان (٣٣) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار﴾ لَك أَي: أقصدك وأعمدك، فَمَعْنَى قَوْله: ﴿سنفرغ لكم﴾ أَي: سنقصد ونعمد بلمؤاخذة والمجازاة.
وَأنْشد الْمبرد فِي هَذَا الْمَعْنى قَول جرير:
330
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ أَي: جَوَانِب السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَوله: ﴿أَن تنفذوا﴾ أَي: تخْرجُوا.
وَقَوله: ﴿فانفذوا﴾ أَي: اخْرُجُوا، وَهَذَا على طَرِيق التهديد.
وَقَوله: ﴿لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان﴾ أَي: حجَّة. وَيُقَال: لَا تنفذون إِلَّا فِي سُلْطَان، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي، حَيْثُمَا كُنْتُم فَأنْتم فِي سلطاني وملكي. وَاخْتلفُوا أَن هَذَا القَوْل مَتى يكون؟ فالأكثرون على أَنه يَوْم الْقِيَامَة يكون، وَينزل الله تَعَالَى لملائكة حَتَّى ينفذوا على أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَإِذا رأى الْجِنّ وَالْإِنْس أهوال الْقِيَامَة هربوا، فتردم الْمَلَائِكَة.
وروى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا يكون النَّاس فِي أسواقهم إِذا رَأَوْا السَّمَاء قد تشققت، وَنزلت الْمَلَائِكَة، فيهرب النَّاس، فتتبعهم الْمَلَائِكَة ويردونم إِلَى أَمر الله تَعَالَى وَهُوَ الْهَلَاك. وَهَذَا قَول غَرِيب. وَيُقَال: إِن المُرَاد هُوَ الْهَرَب من الْمَوْت، يَعْنِي: إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض هربا من الْمَوْت فانفذوا.
وَقَوله: ﴿لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان﴾ يَعْنِي: حَيْثُ مَا كُنْتُم أدرككم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار﴾ أَي: لَهب من نَار، قَالَه ابْن عَبَّاس.
330
﴿ونحاس فَلَا تنتصران (٣٥) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٦) فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان (٣٧) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٨) فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه﴾
وَقَالَ مُجَاهِد: قِطْعَة من النَّار فِيهَا خضرَة. وَالْمرَاد بِالْإِرْسَال هُوَ إرْسَال الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿عَلَيْكُمَا﴾ منصرف إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس.
وَقَوله: ﴿ونحاس﴾ يقْرَأ بِكَسْر السِّين وَضمّهَا، والنحاس من الدُّخان، وَفِي قَول الْأَكْثَرين، قَالَ الشَّاعِر:
(لما اتَّقى الْقَيْن الْعِرَاقِيّ [باسته] فرغت إِلَى العَبْد الْمُقَيد فِي الحجل)
(يضيء كضوء سراج السليطة لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحَاسا)
وَقَالَ مُجَاهِد: النّحاس: الصفر الْمُذَاب على رُءُوس الْكفَّار.
وَقَوله: ﴿فَلَا تنتصران﴾ أَي: لَا تمتنعان، يُقَال: لَا يكون لَكمَا قُوَّة دفع الْعَذَاب.
331
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة﴾ أَي: حَمْرَاء.
وَقَوله: ﴿كالدهان﴾ وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كالأديم الْأَحْمَر، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ: أَن الوردة وردة النَّبَات، وَهِي تكون حَمْرَاء فِي الْأَغْلَب، قَالَ عبد بني الحساس:
(فَلَو كنت وردا لَونه [لعشقنني] وَلَكِن [رَبِّي شانني] بسواديا)
وَذكر الْفراء والزجاج وَغَيرهمَا أَن الوردة هَاهُنَا: لون الْفرس الْورْد، وَهُوَ الْكُمَيْت. وَذَلِكَ يَتلون فِي فُصُول السّنة، فَيكون أصفر فِي فصل، وأحمر فِي فصل، وأغر فِي فصل. والدهان جمع الدّهن، وَهِي مُخْتَلفَة الألوان. فَمَعْنَى الْآيَة: أَن السَّمَاء يخْتَلف لَوْنهَا يَوْم الْقِيَامَة كاختلاف لون الْورْد، وَاخْتِلَاف لون الدّهن. وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوضِع آخر ﴿يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ﴾ قَالُوا: هُوَ دردي الزَّيْت، أَي: فِي اللَّوْن.
وَقَالَ بَعضهم: يصير مثل الدّهن الْأَصْفَر، وَهَذَا كُله من فزع الْقِيَامَة وهولها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان﴾ أَي: لَا يسْأَل سُؤال
331
﴿إنس وَلَا جَان (٣٩) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٠) يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام (٤١) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢) هَذِه جَهَنَّم الَّتِي يكذب بهَا المجرمون (٤٣) يطوفون بَينهَا وَبَين حميم آن (٤٤) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥) ﴾ استعلام، وَإِنَّمَا يسْأَل سُؤال تقريع وتوبيخ، وَلَا يُقَال لَهُم: هَل فَعلْتُمْ؟ بل يُقَال لَهُم: لم فَعلْتُمْ؟
وَعَن بَعضهم: أَن مَعْنَاهُ: لَا يسْأَل بَعضهم بَعْضًا. وَعَن بَعضهم: أَن الْمَلَائِكَة لَا يسْأَلُون عَن ذنُوب بني آدم؛ لأَنهم قد رفعوا الصُّحُف، وأدوا الْأَمَانَة فِيهَا. وَالْقَوْل الأول هُوَ الصَّحِيح.
332
قَوْله تَعَالَى: ﴿يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره: بسواد الْوُجُوه وزرقة الْعُيُون.
وَقَوله: ﴿فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام﴾ أَي: يجرونَ بنواصيهم وأقدامهم إِلَى النَّار، وَيُقَال: يجمع بَين نواصيهم وأقدامهم ويشد، ثمَّ يلقى (فِي) النَّار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَذِه جَهَنَّم الَّتِي يكذب بهَا المجرمون﴾ يُقَال لَهُم هَذَا حِين يرَوْنَ جَهَنَّم، وَهَذَا على طَرِيق التقريع والتوبيخ، يَعْنِي: مَا أنكرتموه وجحدتموه فأبصروه عيَانًا.
وَقَوله: ﴿يطوفون بَينهَا وَبَين حميم آن﴾ أَي: يُطَاف بهم مرّة إِلَى الْحَمِيم، وَمرَّة إِلَى الْجَحِيم.
وَقَوله: ﴿آن﴾ هُوَ الْحَمِيم الَّذِي انْتهى حره. وَقيل: آن أَي: آن وَحضر وَقت عَذَابهمْ بِهِ وشربهم إِيَّاه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان﴾ لما ذكر عَذَاب الْكفَّار أتبع ذكر نعيم الْمُؤمنِينَ.
332
﴿وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان (٤٦) فَبِأَي ألاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ﴾
وَقَوله: ﴿خَافَ مقَام ربه﴾ أَي: قِيَامه بَين يَدي ربه للسؤال والحساب، وَيُقَال: هُوَ من قدر على الذَّنب فَذكر ربه فخاف مِنْهُ وَتَركه. وَعَن عَطِيَّة بن قيس: " أَن الْآيَة وَردت فِي الرجل الَّذِي أوصى بنيه، وَقَالَ: إِذا مت فأحرقوني واسحقوني وذروني فِي الرّيح، لعَلي أضلّ الله، فَفَعَلُوا، فأحياه الله تَعَالَى وَقَالَ: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَ: مخافتك، فغفر الله لَهُ ". وَهَذَا خبر صَحِيح.
وَعَن الزبير أَن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا محكي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. قَالَ الضَّحَّاك: شرب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَبَنًا، ثمَّ سَأَلَ عَنهُ، وَكَانَ من غير وَجهه، فاستقاه، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿جنتان﴾ أَي: بُسْتَان. وَيُقَال: بُسْتَان لمسكنه، وبستان لخدمه وحشمه. وَيُقَال: مسكن لَهُ، وبستان لَهُ. وَعَن بَعضهم مَعْنَاهُ: جنَّة عدن، وجنة النَّعيم، وَهَذَا قَول حسن. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿خَافَ مقَام ربه﴾ أَي: هم بالمعصية فَتَركهَا خوفًا من الله تَعَالَى.
وَقَالَ الْفراء: الجنتان هَاهُنَا بِمَعْنى الْجنَّة الْوَاحِدَة، وَقد ورد هَذَا فِي الشّعْر.
قَالَ الشَّاعِر:
(ومهمهمين فرقدين مرَّتَيْنِ...
وَأَرَادَ بِهِ الْوَاحِدَة. وَقد أنكر عَلَيْهِ ذَلِك. وَقيل: هَذَا ترك الظَّاهِر، وَإِنَّمَا الجنتان بستانان. وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور أَن النَّبِي قَالَ: " جنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا، وجنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا " رَوَاهُ أَبُو مُوسَى.
333
﴿ذواتا أفنان (٤٨) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩) فيهمَا عينان تجريان (٥٠) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١) فيهمَا من كل فَاكِهَة زوجان (٥٢) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣) متكئين على فرش بطائنها من إستبرق﴾
334
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذواتا أفنان﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ: ذواتا ألوان من الْفَاكِهَة، كَأَن الأفنان بِمَعْنى الْفُنُون. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الأفنان بِمَعْنى الأغصان، وَهُوَ الْأَظْهر. قَالَ عِكْرِمَة: ظلّ الأغصان على الْحِيطَان. وَأما الأول قَالَه الضَّحَّاك، وَجمع عَطاء بَين الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: على كل غُصْن ألوانه من الْفَوَاكِه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فيهمَا عينان تجريان﴾ فَقَالَ: هما التسنيم والسلسبيل، وَعَن بَعضهم: تجريان بِكُل خير وبركة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فيهمَا من كل فَاكِهَة زوجان﴾ أَي: نَوْعَانِ وصنفان، وَهُوَ الرطب من الْفَوَاكِه وَمَا يشبهها، كالعنب وَالزَّبِيب، وَالرّطب وَالتَّمْر، وَنَحْو ذَلِك. وَعَن ابْن عَبَّاس: لَيْسَ مِمَّا وصف فِي الْجنَّة فِي الدُّنْيَا شَيْء إِلَّا الْأَسْمَاء. كَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَن شَيْئا مِمَّا فِي الدُّنْيَا لَا يماثل مَا فِي الْجنَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿متكئين على فرش بطائنها من إستبرق﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: بطائنها أَي: ظواهرها، تَقول الْعَرَب: هَذِه بطن السَّمَاء، وَهَذِه ظهرهَا، لما يرى من السَّمَاء، وَهَذَا القَوْل ذكره الْفراء أَيْضا، وَأما سَائِر أهل التَّفْسِير قَالُوا: إِن المُرَاد من البطائن حَقِيقَة البطانة. والإستبرق: هُوَ الديباج الغليظ، مثل مَا يعلق من الديباج على الْكَعْبَة. وَقيل: إِنَّهَا فارسية معربة من قَوْلهم: إستبر. وَعَن بَعضهم: أَنه مثل الْحَرِير الصيني. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: هَذِه البواطن، فَمَا ظنكم بالظواهر، وَمثله عَن ابْن مَسْعُود. وَعَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ظواهرها نور يتلألأ. وَعَن بَعضهم: ظواهرها مِمَّا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾.
334
﴿وجنى الجنتين دَان (٥٤) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصرات الطّرف لم يطمثهن إنس وَلَا جَان (٥٦) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٧) ﴾
وَقَوله: ﴿وجنى الجنتين دَان﴾ أَي: ثمار الجنتين دانية، وَمِنْه قَول الْعَرَب: هَذَا جناي خِيَار فِيهِ، إِذْ كل جَان يَده إِلَى فِيهِ، وَهُوَ يَحْكِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ حِين دخل بَيت المَال بِالْكُوفَةِ، وَرَأى مَا فِيهِ من الذَّهَب ولبفضة فَقَالَ: يَا صفراء، وَيَا بَيْضَاء غرا غَيْرِي، ثمَّ قَالَ: هَذَا جناي... إِلَى آخِره.
وَقَوله: ﴿دَان﴾ أَي: قريب المتناول. قَالَ قَتَادَة: لَا يردهُ عَنْهَا بعد وَلَا شوك. وَقَالَ غَيره: يَتَنَاوَلهَا قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعا.
335
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهِنَّ قاصرات الطّرف﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿فيهم﴾ وَإِنَّمَا ذكر الجنتين؟
وَالْجَوَاب: قَالَ بَعضهم: إِن الِاثْنَيْنِ يذكران بِلَفْظ الْجمع، فَيجوز أَن يرد الْكَلَام إِلَيْهِمَا بِلَفْظ الْجمع. وَالأَصَح أَن قَوْله: ﴿فِيهِنَّ﴾ ينْصَرف إِلَى الْفرش، وَمَعْنَاهُ: عَلَيْهِنَّ، مثل قَوْله: ﴿ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل﴾ أَي: على جُذُوع.
وَقَوله: ﴿قاصرات الطّرف﴾ أَي: قصرن أطرافهن على أَزوَاجهنَّ لَا يرَوْنَ غَيرهم، وَهَذَا أحسن خصْلَة من خِصَال النِّسَاء. قَالَ ابْن مَسْعُود: لسن بمتبرجات، وَلَا ضماخات، وَلَا دفرات. وَقَالَ بَعضهم: لسن بمتشرغات، وَلَا بمتطلعات، وَلَا صياحات، وَلَا صخابات. وَقَالَ الْحسن: لسن بالطوافات فِي الْأَسْوَاق.
وَقَوله: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان﴾ أَي: لم يمسسهن إنسي وَلَا جني. قَالَ الْفراء: الطمث: هُوَ الْوَطْء بالتدمية، وَهُوَ الافتضاض.
قَالَ الفرزدق:
335
﴿كأنهن الْيَاقُوت والمرجان (٥٨) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٩) هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان (٦٠) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦١) ﴾
(رفعن إِلَيّ لم يطمثن فبلي وَهن أصح من بيض النعام)
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن المُرَاد من قَوْله: ﴿فِيهِنَّ قاصرات الطّرف﴾ هن الْمُؤْمِنَات من الآدميات. فعلى هَذَا قَالَ بَعضهم: يجوز أَن يطَأ الجني الإنسية، وَاسْتدلَّ بِظَاهِر الْآيَة. وَأما الْأَكْثَرُونَ أَنْكَرُوا هَذَا، وَقَالُوا: معنى الْآيَة: لم يطمثهن، الجنية جني، وَلَا الإنسية إنسي، وَقَوله: ﴿فِيهِنَّ قاصرات الطّرف﴾ يتَنَاوَل الإنسيات والجنيات. فَإِن قَالَ قَائِل: هَل يَقُولُونَ إِن الْجِنّ يدْخلُونَ الْجنَّة، وَيكون لَهُم أَزوَاج مثل الْإِنْس؟
وَالْجَوَاب: أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: يدْخل الله الْمُؤمنِينَ مِنْهُم الْجنَّة كَمَا يدْخل الْكَافرين مِنْهُم النَّار، وَهُوَ قَول ضَمرَة بن جُنْدُب وَغَيره. وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ لَهُم ثَوَاب. قَالَ لَيْث بن أبي سليم: مؤمنو الْجِنّ يحاجزون من النَّار ثمَّ يجْعَلُونَ تُرَابا، وَأما الْكفَّار مِنْهُم يخلدُونَ فِي النَّار.
وَأما على الأول إِذا حملنَا الْآيَة على الْحور الْعين لَا يرد شَيْء من هَذِه الأسئلة.
336
قَوْله تَعَالَى: ﴿كأنهن الْيَاقُوت والمرجان﴾ أى فِي صفاء الْيَاقُوت وَبَيَاض المرجان وَقد بَينا أَن المرجان هُوَ اللُّؤْلُؤ الصغار وَقيل الْكِبَار
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان﴾ مَعْنَاهُ: هَل جَزَاء الطَّاعَة إِلَّا الثَّوَاب. وَيُقَال: هَل جَزَاء من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الْجنَّة. وَفِي رِوَايَة ابْن عمر عَن النَّبِي أَنه قَالَ حاكيا عَن الله تَعَالَى: " جَزَاء مَا أَنْعَمت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا أَن أدخلته جنتي ". وَقيل: الْآيَة على الْجُمْلَة، وَمَعْنَاهَا: هَل جَزَاء من أحسن إِلَّا أَن يحسن إِلَيْهِ. وَعَن بَعضهم: أَنه يحْتَمل أَن معنى الْآيَة: هَل جَزَاء إِحْسَان الله إِلَيْكُم إِلَّا أَن تحسنوا بِالطَّاعَةِ.
336
﴿وَمن دونهمَا جنتان (٦٢) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٣) مدهامتان (٦٤) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٥) فيهمَا عينان نضاختان (٦٦) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٧) فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان (٦٨) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩) ﴾
337
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن دونهمَا جنتان﴾ أَي: من دون الجنتين جنتان، فَيُقَال: الجنتان، فَيُقَال: الجنتان المذكورتان أَولا للمقربين، والمذكورتان آخرا لأَصْحَاب الْيَمين، وَيُقَال: المذكورتان أَولا للسابقين، والمذكورتان آخرا للتابعين. وَاخْتلف القَوْل فِي قَوْله: ﴿وَمن دونهمَا جنتان﴾ قَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ: أَن الجنتين المذكورتين آخرا دون الجنتين المذكورتين أَولا فِي النَّعيم والكرامة. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَأْخُوذ من الدنو على معنى الْقرب، كَأَن هَاتين الجنتين أقرب إِلَى الْمُؤمن يَعْنِي: إِلَى مَسْكَنه ومنزله من الجنتين الأولتين. فَإِن قَالَ قَائِل: أَي كَرَامَة فِي ذكر الجنتين، وَهنا ذكر جنَّة وَاحِدَة؟
وَالْجَوَاب: أَن التنقل من بُسْتَان إِلَى بُسْتَان من الاستلذاذ والتنعم مَا لَا يخفى، فَذكر الجنتين للزِّيَادَة والكرامة وَالنعْمَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مدهامتان﴾ أَي: خضراوتان من الرّيّ. قَالَ مُجَاهِد: مسودتان من شدَّة الخضرة، وَهَذَا قَول صَحِيح؛ لِأَنَّهُ مَا من أَخْضَر إِلَّا واشتدت خضرته يضْرب إِلَى السوَاد، وَالْعرب كَانَت تسمى قرى الْعرَاق سوادا لشدَّة خضرتها، وَكَثْرَة أشجارها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فيهمَا عينان نضاختان﴾ أَي: فوارتان، والنضخ فَوق النَّضْح وَدون الجري. وَيُقَال: نضاختان بالعنبر والمسك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان﴾ حُكيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الرُّمَّان لَيْسَ من الْفَاكِهَة، وَكَذَلِكَ الرطب؛ لِأَنَّهُمَا أفردا بِالذكر عَن الْفَاكِهَة، وَذكر الْفراء هَذَا أَيْضا. و [هَذَا] عَن ابْن عَبَّاس قَول غَرِيب، وَالْأَكْثَرُونَ على أَن الْجَمِيع فَاكِهَة؛ لِأَن الْفَاكِهَة مَا يتفكه بِهِ، والإفراد بِالذكر للتّنْبِيه على نوع فضل، لَا أَنه لَيْسَ من الْفَاكِهَة، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى﴾ وَمثل قَوْله
337
﴿فِيهِنَّ خيرات حسان (٧٠) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧١) حور مقصورات فِي الْخيام (٧٢) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٣) لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان (٧٤) فَبِأَي آلَاء﴾ تَعَالَى: ﴿من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال﴾.
وَالرُّمَّان نوع فَاكِهَة يمص ويرمى بثفله. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لَو قَالَ رجل لامْرَأَته: إِن أكلت فَاكِهَة فَأَنت طَالِق، فَأكلت الرُّمَّان أَو الرطب وَقع الطَّلَاق. وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم وَهُوَ الْمُخْتَار وَعند ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع الطَّلَاق قَالَ سعيد بن جُبَير: نخل الْجنَّة جذوعها من ذهب، وأغلافها من ذهب، وكرانيفها من زمرد، وسعفها كسْوَة أهل الْجنَّة، وَثَمَرهَا كالدلاء، أحلى من كل شَيْء، وألين من كل شَيْء.
338
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهِنَّ خيرات حسان﴾ قرئَ فِي الشاذ: " خيرات حسان " وهما بِمَعْنى وَاحِد، مثل: هَين وهين، وليل ولين. وَمعنى الْآيَة: خيرات الْأَخْلَاق، حسان الْوُجُوه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿حور مقصورات فِي الْخيام﴾ أَي: محبوسات، وَلَيْسَ هَذَا الْحَبْس إهانة، إِنَّمَا هُوَ حبس الْكَرَامَة، قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ الْخَيْمَة مجوفة. وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كل خيمة لَهَا أَرْبَعَة أَبْوَاب، يدْخل عَلَيْهِ من كل يَوْم هَدِيَّة جَدِيدَة من الله تَعَالَى. وَعَن ابْن عَبَّاس: الْخَيْمَة فَرسَخ فِي فَرسَخ من درة وَاحِدَة، لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب. وَقَالَ بَعضهم: الْخَيْمَة بِمَعْنى الْقبَّة، وَهِي قباب الْعَرَب الَّتِي كَانُوا يسكنونها فِي الْبَادِيَة، فَذكر لَهُم مثل مَا كَانُوا يستلذونها ويستطيبونها، وَقد كَانُوا يستطيبون السُّكْنَى فِي الْخيام فِي الْبَوَادِي، وَقد قيل: إِن هَذِه الْخيام خَارج الْجنَّة كالبوادي للحاضرة.
وَقَوله: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿متكئين على رَفْرَف﴾ قَالَ الْفراء: هُوَ رياض الْجنَّة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
338
﴿رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٥) متكئين على رَفْرَف خضر وعبقري حسان (٧٦) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٧) تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام (٧٨) ﴾ فرش الْجنَّة. وَعَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: ﴿لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى﴾ أَي: رفرفا أَخْضَر قد سد الْأُفق، وَهُوَ الْبسَاط. وعَلى الْجُمْلَة: الرفرف كل فرش يرْتَفع، مَأْخُوذ من الرف، وَهُوَ الْمُرْتَفع فِي الْجِدَار.
وَقَوله: ﴿وعبقري حسان﴾ وَقُرِئَ فِي الشاذ: " عباقري حسان " قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: عبقري حسان هُوَ الوسائد.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الطنافس، وَعَن بَعضهم: الزرابي، وعبقري: قَرْيَة بِالْيمن ينسج بهَا الوشي، وهم ينسبون إِلَيْهَا كل شَيْء حسن. وَفِي " كتاب الغريبين ": أَن عبقر قَرْيَة يسكنهَا الْجِنّ، وَالْعرب ينسبون كل شَيْء فائق إِلَيْهَا، قَالَ الشَّاعِر:
(بخيل عَلَيْهَا جنَّة عبقرية جديرون يَوْمًا أَن ينالوا ويستعلوا)
وَقد ذكر بَعضهم أَن العبقري هَاهُنَا: هُوَ الوشي. قَالَ مُجَاهِد: هُوَ الديباج. وَعَن بَعضهم: هُوَ الديباج الَّذِي عمل فِيهِ بِالذَّهَب. وَأما الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي عمر: " فَلم أر عبقريا يفري فِرْيَة ". مَعْنَاهُ: فَلم أر سيد قوم وجليلهم يعْمل عمله.
339
قَوْله تَعَالَى: ﴿تبَارك اسْم رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام﴾ وفرئ: " ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام " مَعْنَاهُ: ذُو العظمة والمهابة. وَيُقَال: ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام أَي: يجل الْمُؤمنِينَ ويكرمهم، وَالْقَوْل الأول أولى؛ لِأَنَّهُ ينْصَرف إِلَى عَظمَة الله وعلو شَأْنه.
339
وَقَوله: ﴿ذُو الْجلَال﴾ ينْصَرف إِلَى الِاسْم، وَقَوله: ﴿ذِي الْجلَال﴾ ينْصَرف إِلَى الرب، وَالِاسْم والمسماة وَاحِد عِنْد أَكثر أهل السّنة. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام " أَي: الزموا وداموا عَلَيْهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى تَكْرِير قَوْله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فِي هَذِه السُّورَة؟ وَكَانَ يُوقف على الْمَعْنى بالمرة الْوَاحِدَة؟
وَالْجَوَاب: أَن الْقُرْآن نزل على لِسَان الْعَرَب على مَا كَانُوا يعتادونه ويتعارفونه فِي كَلَامهم، وَمن عَادَتهم أَنهم إِذا ذكرُوا النعم على إِنْسَان، يكررون التَّنْبِيه على الشُّكْر أَو ذكر التوبيخ عِنْد عدم الشُّكْر، وَالله تَعَالَى عد النعم فِي هَذِه السُّورَة، وَذكر عِنْد كل نعْمَة هَذِه الْكَلِمَة؛ لِئَلَّا ينسوا شكرها، ويعرفوا إِحْسَان الله عَلَيْهِم، ويجددوا الْحَمد عَلَيْهَا. تمت السُّورَة.
340

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿إِذا وَقعت الْوَاقِعَة (١) لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة (٢) خافضة رَافِعَة (٣) إِذا رجت﴾
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة
وَهِي مَكِّيَّة، وَعَن مَسْرُوق أَنه قَالَ: من أَرَادَ أَن يعلم نبأ الْأَوَّلين والآخرين، ونبأ أهل الْجنَّة وَأهل النَّار، ونبأ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فليقرأ سُورَة الْوَاقِعَة. وَالله أعلم.
341
Icon