تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي تسعون وست آيات
ﰡ
﴿علم القرآن﴾ علَّم نبيَّه عليه السَّلام القرآن ليس كما يقول المشركون: إنَّما يُعلِّمه بَشرٌ وقيل: معناه: يسَّر القرآن لأَنْ يُذكر فعلَّمه هذه الأُمَّة حتى حفظوه
﴿خلق الإنسان﴾ يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم
﴿علمه البيان﴾ القرآن الذين فيه بيان كلِّ شيءٍ وقيل: ﴿خلق الإنسان﴾ يعني: ابن آدم فعلَّمه النُّطق وفضَّله به على سائر الحيوان
﴿الشمس والقمر﴾ يجريان ﴿بحسبان﴾ بحسابٍ لا يجاوزانه
﴿والنجم﴾ كلُّ نبتٍ لا يقوم على ساق ولا يبقى على الشَّتاء ﴿والشجر يسجدان﴾ يخضعان لله تعالى بما يريد منهما
﴿والسماء رفعها﴾ فوق الأرض ﴿ووضع الميزان﴾ العدل والإنصاف
﴿أن لا﴾ لئلا ﴿تطغوا﴾ تجاوزوا القدر ﴿في الميزان﴾
﴿وأقيموا الوزن بالقسط﴾ بالعدل ﴿ولا تخسروا الميزان﴾ لا تنقصوا الوزن
﴿والأرض وضعها للأنام﴾ للجنِّ والإنس
﴿فيها فاكهة﴾ أنواع الفواكه ﴿والنخل ذات الأكمام﴾ أوعية الثَّمر
﴿والحب ذو العصف﴾ أَيْ: ورق الزَّرع وقيل: هو التِّبن ﴿والريحان﴾ الرِّزق ثمَّ خاطب الجن والإنس فقال:
﴿فبأي آلاء﴾ نِعمَ ﴿ربكما﴾ من هذه الأشياء التي ذكرها ﴿تكذبان﴾ لأنَّها كلَّها مُنعَمٌ بها عليكُم في دلالتها إيَّاكم على وحدانيَّة الله سبحانه ثمَّ كرر في هذه السُّورة هذه الآية توكيداً وتذكيراً لنعمه
﴿خلق الإنسان﴾ آدم ﴿من صلصال﴾ طينٍ يابسٍ يُسمع له صلصلةٌ ﴿كالفخار﴾ وهو ما طبخ من الطِّين
﴿وخلق الجان﴾ أَيْ: أبا الجن ﴿من مارج﴾ من لهب النار الخالص
﴿رب المشرقين ورب المغربين﴾ مشرق الصَّيف ومشرق الشَّتاء وكذلك المغربان
﴿مرج البحرين﴾ خلط البحر العذب والبحر المالح ﴿يلتقيان﴾ يجتمعان وذلك أنَّ البحر المالح فيه عيون ماءٍ عذبٍ
﴿بينهما برزخ﴾ حاجزٌ من قدرة الله ﴿لا يبغيان﴾ لا يختلطان ولا يُجاوزان ما قدَّر الله لهما فلا الملح يختلط بالعذب ولا العذب يختلط بالملح
﴿يخرج منهما﴾ أراد: من أحدهما وهو الملح ﴿اللؤلؤ﴾ وهو الحبُّ الذي يخرج من البحر ﴿والمرجان﴾ صغار اللؤلؤ
﴿وله الجوار﴾ السفن ﴿المنشآت﴾ المرفوعات ﴿كالأعلام﴾ كالجبال في العظم
﴿كلُّ مَنْ عليها﴾ على الأرض من حيوانٍ ﴿فانٍ﴾ هالكٌ
﴿ويبقى وجه ربك﴾ وهو السَّيِّد ﴿ذو الجلال﴾ العظمة ﴿والإكرام﴾ لأنبيائه وأوليائه
﴿يسأله من في السماوات والأرض﴾ من مَلَكٍ وإنس وجنِّ الرِّزقَ والمغفرة وما يحتاجون إليه ﴿كلَّ يوم هو في شأن﴾ من إظهار أفعاله وإحداث ما يريد من إحياءٍ وإماتةٍ وخفضٍ ورفعٍ وقبضٍ وبسطٍ
﴿سنفرغ لكم﴾ سنقصد لحسابكم بعد الإمهال ﴿أيها الثقلان﴾ يعني: الجن والإنس
﴿يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا﴾ تخرجوا ﴿من أقطار السماوات والأرض﴾ نواحيها هاربين من الموت ﴿فانفذوا﴾ فاخرجوا ﴿لا تنفذون إلاَّ بسلطان﴾ أَيْ: حيث ما كنتم شاهدتم حجَّة الله وسلطاناً يدلُّ على أنه واحد
﴿يرسل عليكما شواظ من نار﴾ وهو اللَّهب الذي لا دخان له ﴿ونحاس﴾ وهو الدخان الذي لا لهب له أَيْ: يرسل هذا مرَّةً وهو في يوم القيامة يُحاط على الخلق بلسانٍ من نارٍ ﴿فلا تنتصران﴾ أي: تمتنعان
﴿فإذا انشقت السماء﴾ انفجرت أبوبا لنزول الملائكة ﴿فكانت وردة﴾ في اختلاف ألوانه
﴿فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه﴾ سؤالَ استفهامٍ ولكن يُسألون سؤالَ تقريعٍ وتوبيخٍ
﴿يعرف المجرمون بسيماهم﴾ بعلامتهم وهي سواد الوجوه وزرقة العيون ﴿فيؤخذ بالنواصي والأقدام﴾ تضم نواصيهم إلى أقامهم ويُلقون في النَّار والنَّواصي: جمع النَّاصية وهو شعر الجبهة ثم يقال لهم:
﴿هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون﴾
﴿يطوفون بينها وبين حميم آن﴾ وهو الذي قد انتهى في الحرارة والمعنى أنَّهم إذا استغاثوا من النار جعل غيائهم الحميم الآني فيُطاف بهم مرة إلى الحميم مرة إلى النار
﴿ولمن خاف مقام ربه﴾ قيامه بين يدي الله تعالى للحساب فترك المعصية ﴿جنتان﴾
﴿فيهما عينان تجريان﴾ إحداهما بالماء الزُّلال والأخرى بالخمر
﴿فيهما من كلِّ فاكهة زوجان﴾ نوعان كلاهما حلو
﴿متكئين على فرش﴾ جمع فراش ﴿بطائنها﴾ ما بطن منها وهو ضدُّ الظَّاهر ﴿من إستبرق﴾ وهو ما غلظ من الدِّيباج ﴿وجنى الجنتين﴾ ثمرهما ﴿دان﴾ قريبٌ يناله القاعد والقائم
﴿فيهن قاصرات الطرف﴾ حابسات الأعين إلاَّ على أزواجهنَّ ولا ينظرون إلى غيرهم ﴿لم يَطْمِثْهُنَّ﴾ لم يُجامعهنَّ ﴿إنس قبلهم﴾ قبل أزواجهن ﴿ولا جانٌ﴾
﴿كأنهنَّ الياقوت﴾ في الصَّفاء ﴿والمرجان﴾ في البياض
﴿هل جزاء الإِحسان إلاَّ الإِحسان﴾ ما جزاء مَنْ أحسن في الدُّنيا بطاعة الله تعالى إلاَّ الإِحسان إليه في الآخر بالجنَّة ونعيمها
﴿ومن دونهما﴾ وسوى الجنتين الأوليين ﴿جنتان﴾ أخريان
﴿مدهامتان﴾ سوداوان لشدَّة الخضرة
﴿فيهن خيرات﴾ نساء فاضلات الأخلاق ﴿حسان﴾ الوجوه
﴿حور﴾ سود الأحداق ﴿مقصورات﴾ محبوساتٌ ﴿في الخيام﴾ من الذر المجوفة
﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾
﴿متكئين على رفرف﴾ وهو ما فضل من الفرش والبسط وقيل: الوسائد ﴿وعبقري﴾ أَيْ: الزَّرابي والطَّنافس ﴿حسان﴾ ثمَّ ختم السورة بما ينبغي أن يُمجَّد به ويعظم فقال:
﴿تبارك اسم ربك ذي الجلال والإِكرام﴾