تفسير سورة الحاقة

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْحَاقَّةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْحَاقَّةُ) : قِيلَ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْوَاقِعَةِ. وَ (مَا) الثَّانِيَةُ: مُبْتَدَأٌ، وَ «أَدْرَاكَ» : الْخَبَرُ. وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥)).
وَ (الطَّاغِيَةِ) : مَصْدَرٌ كَالْعَافِيَةِ. وَقِيلَ: اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الزَّائِدَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧)).
(سَخَّرَهَا) : مُسْتَأْنَفٌ، أَوْ صِفَةٌ، وَ «حُسُومًا» : مَصْدَرٌ؛ أَيْ قَطْعًا لَهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ؛ أَيْ مُتَتَابِعَاتٍ. وَ (صَرْعَى) : حَالٌ، وَ «كَأَنَّهُمْ» : حَالٌ أُخْرَى مِنَ الضَّمِيرِ فِي صَرْعَى.
وَ (خَاوِيَةٍ) : عَلَى لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ النَّخْلَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (٨)).
وَ (بَاقِيَةٍ) : نَعْتٌ؛ أَيْ حَالَةٍ بَاقِيَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى بَقِيَّةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩)).
وَ (مَنْ قَبْلَهُ) : أَيْ مَنْ تَقَدَّمَهُ بِالْكُفْرِ، وَ (مَنْ قَبْلَهُ) : أَيْ مَنْ عِنْدَهُ وَفِي جُمْلَتِهِ.
وَ (بِالْخَاطِئَةِ) أَيْ جَاءُوا بِالْفَعْلَةِ ذَاتِ الْخَطَأِ عَلَى النَّسَبِ، مِثْلُ تَامِرٍ، وَلَابِنٍ.
قَالَ تَعَالَى: (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَعِيَهَا) : هُوَ مَعْطُوفٌ؛ أَيْ وَلِتَعِيَهَا. وَمَنْ سَكَّنَ الْعَيْنَ فَرَّ مِنَ الْكَسْرَةِ، مِثْلُ فَخْذٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣)).
(وَاحِدَةً) : تَوْكِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّفْخَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا وَاحِدَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (٢٥) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (٢٦)).
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) : بِالتَّخْفِيفِ. وَقُرِئَ مُشَدَّدًا؛ أَيْ حُمِلَتِ الْأَهْوَالُ.
وَ (يَوْمَئِذٍ) : ظَرْفٌ لِـ «وَقَعَتْ» وَ (يَوْمئِذٍ) : ظَرْفٌ لِـ «وَاهِيَةٌ».
قَالَ تَعَالَى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١)).
وَ (هَاؤُمُ) : اسْمٌ لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى خُذُوا. وَ (كِتَابِيَهْ) : مَنْصُوبٌ بِاقْرَءُوا، لَا بِـ «هَاؤُمُ»، عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَبِهَاؤُمُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ.
وَ (رَاضِيَةٍ) : عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: هِيَ بِمَعْنَى مَرَضِيَّةٍ، مِثْلُ دَافِقٍ بِمَعْنَى مَدْفُوقٍ.
وَالثَّانِي: عَلَى النَّسَبِ؛ أَيْ ذَاتِ رِضًا، مِثْلُ لَابِنٍ وَتَامِرٍ.
وَالثَّالِثُ: هِيَ عَلَى بَابِهَا؛ وَكَأَنَّ الْعِيشَةَ رَضِيَتْ بِمَحَلِّهَا وَحُصُولِهَا فِي مُسْتَحِقِّهَا، أَوْ أَنَّهَا لَا حَالَ أَكْمَلُ مِنْ حَالِهَا، فَهُوَ مَجَازٌ.
قَالَ تَعَالَى: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا أَغْنَى عَنِّي) : يَحْتَمِلُ النَّفْيَ وَالِاسْتِفْهَامَ، وَالْهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ لِتَتَّفِقَ رُءُوسُ الْآيِ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢)).
وَ (الْجَحِيمَ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ.
وَ (ذَرْعُهَا سَبْعُونَ) : صِفَةٌ لِسِلْسِلَةٍ، وَ «فِي» تَتَعَلَّقُ بِـ «اسْلُكُوهُ» وَلَمْ تَمْنَعِ الْفَاءُ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ فَاسْلُكُوهُ، وَ «ثُمَّ» لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِ عَنِ الْمَقُولِ قَرِيبًا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦)).
وَالنُّونُ فِي «غِسْلِينَ» زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَسَّالَةُ أَهْلِ النَّارِ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لَيْسَ لَهُ حَمِيمٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينَ وَلَا طَعَامٌ.
وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَطْعَمُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) [الْبَقَرَةِ: ٢٤٩] وَأَمَّا خَبَرُ لَيْسَ فَهُوَ «هَاهُنَا»، أَوْ «لَهُ» وَأَيُّهُمَا كَانَ خَبَرًا فَالْآخَرُ إِمَّا حَالٌ مِنْ حَمِيمٍ أَوْ مَعْمُولُ الْخَبَرِ، وَلَا يَكُونُ «الْيَوْمَ» خَبَرًا؛ لِأَنَّهُ زَمَانٌ، وَالِاسْمُ جُثَّةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)).
وَ (قَلِيلًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَعْرَافِ. وَ (تَنْزِيلٌ) : فِي يس.
قَالَ تَعَالَى: (لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)).
وَ (بِالْيَمِينِ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذْنَا، أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: مِنَ الْمَفْعُولِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) :«مِنْ» زَائِدَةٌ، وَ «أَحَدٍ» مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: «حَاجِزِينَ»، وَجُمِعَ عَلَى مَعْنَى أَحَدٍ، وَجُرَّ عَلَى لَفْظِ أَحَدٍ.
وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِمَا، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمِنْكُمْ فَصْلًا؛ وَأَمَّا «مِنْكُمْ» عَلَى هَذَا فَحَالٌ مِنْ أَحَدٍ. وَقِيلَ: تَبْيِينٌ.
وَالثَّانِي: الْخَبَرُ «مِنْكُمْ» وَ «عَنْ» يَتَعَلَّقُ بِحَاجِزِينَ. وَالْهَاءُ فِي «إِنَّهُ» لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
Icon