تفسير سورة الذاريات

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٥١) سورة الذاريات مكيّة وآياتها ستّون
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
اللغة:
(الذَّارِياتِ) الرياح لأنها تذرو التراب وغيره أي تطيره.
(الحاملات) السحاب لأنها تحمل المطر.
(وِقْراً) بكسر الواو أي ثقلا.
301
(الْحُبُكِ) التكسر الذي يبدو على وجه الماء إذا ضربته الريح، قال البحتري يصف بركة المتوكل:
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا مثل الجواشن مصقولا حواشيها
وفي الكشاف: «الحبك: الطرائق مثل حبك الماء والرمل إذا ضربته الريح وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره قال زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه ريح خريق لضاحي مائه حبك
والدرع محبوكة لأن حلقها مطرّق طرائق»
يصف زهير قطاة فرّت من صقر حتى استغاثت منه بماء قريب وقبله:
حتى استغاثت بماء لا رشاء له من الأباطح في حافاته البرك
وبعده:
كما استغاث بسيء فزّ غيطلة خاف العيون فلم ينظر به الحشك
يقول إن هذا الماء القريب لا رشاء له أي لا حبل يستقى به منه لعدم احتياجه إليه من الأباطح أي في الأمكنة المتسعة المستوية وفي حافّاته أي جوانبه والبرك جمع بركة وهو نوع من طير الماء يكلل ذلك الماء بأصول النجم أي النبات الذي لا ساق له وتنسجه أي تثنيه ثنيا منتظما كالنسج فهو استعارة تصريحية والخريق الباردة والشديدة السير والضاحي الفاهر والحبك الطرق في الماء إذا ضربته الريح جمع حبيكة، السيئ بالفتح والكسر اللبن في طرف الثدي والغزّ ولد البقر الوحشية والغيطلة الشجر الملتف وأضيف الغز إليها لأنه فيها والعيون هنا رقباء الصيد وحشكت الدرة باللبن حشكا وحشوكا امتلأت به وفيه دلالة على أنها كانت ظمأى.
(الْخَرَّاصُونَ) الكذّابون والخرص الظن والحدس، يقال: كم
302
خرص أرضك؟ بكسر الخاء، وأصل الخرص القطع من قولهم خرص فلان كلاما واخترصه إذا اقتطعه من غير أصل.
(غَمْرَةٍ) الغمرة من غمره الماء يغمره إذا غطّاه والمراد بها هنا الجهل.
الإعراب:
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) الواو حرف قسم وجر والذاريات مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وذروا مفعول مطلق والعامل فيه اسم الفاعل والمفعول محذوف (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) الفاء حرف عطف والحاملات عطف على الذاريات ووقرا مفعول به لاسم الفاعل ومن فتح الواو اعتبرها مصدرا بناء على تسمية المحمول به.
(فَالْجارِياتِ يُسْراً) الفاء حرف عطف والجاريات عطف على ما قبله أيضا ويسرا مصدر في موضع الحال على رأي سيبويه أي جريا ذا يسر ويجوز أن يعرب صفة لمصدر محذوف نابت عنه فهو مفعول مطلق (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الفاء عاطفة والمقسمات معطوف أيضا وأمرا مفعول به لاسم الفاعل (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) إن حرف مشبّه بالفعل وما اسم موصول اسمها وجملة توعدون صلة والعائد محذوف أي توعدونه واللام المزحلقة وصادق خبر إن ويجوز أن تكون ما مصدرية فتكون وما في حيزها مؤولة بمصدر هو اسم إن أي إن وعدكم لصادق والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) عطف على ما تقدم (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) الواو حرف قسم وجر وبالسماء مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وذات الحبك نعت للسماء (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) إن واسمها واللام المزحلقة وفي قول
303
متعلقان بمحذوف خبر إن ومختلف نعت لقول والجملة لا محل لها أيضا لأنها جواب القسم (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) الضمير للقرآن أو للرسول أي يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف أشدّ منه وأعظم (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الجملة دعائية لا محل لها وقتل فعل ماض مبني للمجهول والخرّاصون وهم مبتدأ وفي غمرة متعلقان بساهون وساهون خبرهم والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة الموصول (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) يسألون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وأيّان اسم استفهام في محل نصب ظرف زمان وهو متعلق بمحذوف خبر مقدّم ويوم الدين مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب مفعول يسألون (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يوم مفعول فيه ظرف زمان متعلق بفعل محذوف تقديره يقع أو يجيء وهم مبتدأ وجملة يفتنون خبره وعلى النار متعلقان بيفتنون وعلى بمعنى في والجملة في محل جر بإضافة يوم إليها، وسيأتي مزيد من هذا الإعراب في باب الفوائد (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) الجملة مقول قول محذوف أي ويقال لهم حين التعذيب: ذوقوا. وذوقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وفتنتكم مفعول به وهذا مبتدأ والذي اسم موصول خبره وجملة كنتم صلة وكان واسمها وبه متعلقان بتستعجلون وجملة تستعجلون خبر كنتم.
البلاغة:
١- الكناية عن الموصوف: في قوله «يؤفك عنه من أفك» كناية عن موصوف وهو المكذب الجاحد للحق والضمير في عنه يعود للقرآن أو للرسول أي يصرف عنه من صرف صرفا لا أشد منه ولا أعظم وقيل يعود إلى يوم القيامة، أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم
304
بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاك ومنهم جاحد ثم قال يؤفك عن الإقرار بيوم القيامة من هو المأفوك، وفائدة الكناية هنا أنه لما خصص هذا بأنه هو الذي صرف أفهم أن غيره لم يصرف فكأنه قال: لا يثبت الصرف في الحقيقة إلا لهذا وكل صرف دونه يعتبر بمثابة المعدوم بالنسبة إليه.
٢- الاستعارة المكنية: وفي قوله «ذوقوا فتنتكم» شبّه العذاب بطعام يؤكل ثم حذف المشبّه به واستعير له شيء من لوازمه وهو الذوق وقد تقدم نظيره، وقيل إن أصل معنى الفتنة إذابة الجوهر ليظهر غشّه ثم استعمل في التعذيب والإحراق، وفي القاموس: «الفتن بالفتح الفن والحال ومنه العيش فتنان أي لونان حلو ومر، والإحراق، ومنه على النار يفتنون».
الفوائد:
قال الزجّاج: «يوم نصب على وجهين أحدهما أن يكون على معنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون والآخر أن يكون لفظه لفظ نصب ومعناه معنى رفع لأنه مضاف إلى جملة كلام، تقول يعجبني يوم أنت قائم ويوم أنت تقوم إن شئت فتحته وإن شئت رفعته كما قال الشاعر:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أرقال
وروى غير أن نطقت بالرفع لما أضاف غير إلى أن وليست متمكّنة فتح وكذلك لما أضاف يوم إلى الجملة فتح.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٥ الى ٢٣]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
305
اللغة:
(يَهْجَعُونَ) الهجوع الفرار من النوم أي القليل منه، وفي المختار: «الهجوع النوم ليلا وبابه خضع والهجعة: النومة الخفيفة ويقال أتيت فلانا بعد هجعة أي بعد نومة خفيفة من الليل» وقال الشاعر:
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
أسعى على جل بني مالك وكل امرئ في شأنه ساع
والشعر لقيس الأسلت، وحصت: أهلكت أو حلقت البيضة التي تلبس على الرأس في الحرب أي حلقت شعر رأسي من دوام لبسها للحرب، وشبّه النوم بالمطعوم على طريق الاستعارة المكنية.
الإعراب:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) إن واسمها وفي جنات متعلقان بمحذوف خبرها وعيون عطف على جنات (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ
306
كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ)
آخذين حال من الضمير المستكن في خبر إن أي استقروا راضين بما أعطاهم مسرورين به وما اسم موصول في محل نصب مفعول به لآخذين وجملة آتاهم ربهم صلة وإن واسمها وجملة كانوا خبرها والجملة تعليل لما ذكر وقبل ذلك ظرف متعلق بمحسنين ومحسنين خبر كانوا (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الجملة تفسيرية لا محل لها لأنها تفسير لإحسانهم وكان واسمها وقليلا ظرف زمان متعلق بيهجعون أو صفة لمفعول مطلق محذوف أي هجوعا قليلا ومن الليل صفة قليلا وما زائدة لتأكيد القلة لذلك وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين وجوّزوا أن تكون ما مصدرية في موضع رفع بقليلا أي كانوا قليلا هجوعهم وهو إعراب سهل حسن، وأن تكون ما موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره كانوا قليلا من الليل من الوقت الذي يهجعون فيه وفيه تكلف، وردّ بعضهم أن تكون ما مصدرية لأن قليلا حينئذ واقع على الهجوع لأنه فاعله وقوله من الليل لا يستقيم أن يكون صفة للقليل ولا بيانا له ولا يستقيم أن يكون من صلة المصدر لأنه تقدم عليه ولا كذلك على أنها موصولة فإن قليلا حينئذ واقع على الليل كأنه قال قليلا المقدار الذي كانوا يهجعون فيه من الليل فلا مانع أن يكون من الليل بيانا للقليل على هذا الوجه. ونص عبارة أبي البقاء «قوله تعالى «كانوا قليلا» في خبر كان وجهان أحدهما ما يهجعون وفي ما على هذا وجهان أحدهما هي زائدة أي كانوا يهجعون قليلا وقليلا نعت لظرف أو مصدر أي زمانا قليلا أو هجوعا قليلا والثاني هي نافية ذكره بعض النحويين ورد ذلك عليه لأن النفي لا يتقدم عليه ما في حيزه وقليلا من حيزه، والثاني أن قليلا خبر كان وما مصدرية أي كانوا قليلا هجوعهم كما تقول كانوا يقلّ هجوعهم ويجوز على هذا أن يكون ما يهجعون بدلا من اسم كان بدل الاشتمال ومن الليل لا يجوز أن يتعلق بيهجعون على هذا القول لما فيه من تقديم معمول المصدر عليه وإنما
307
هو منصوب على التبيين أي يتعلق بفعل محذوف يفسّره يهجعون، وقال بعضهم تمّ الكلام على قوله قليلا ثم استأنف فقال من الليل ما يهجعون وفيه بعد لأنك إن جعلت ما نافية فسد لما ذكرنا وإن جعلتها مصدرية لم يكن فيه مدح لأن كل الناس يهجعون في الليل» (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الواو حرف عطف وبالأسحار متعلقان بيستغفرون والباء بمعنى في وهم مبتدأ وجملة يستغفرون خبر وقدم متعلق الخبر لجواز تقديم العامل (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الواو حرف عطف وفي أموالهم خبر مقدم وحق مبتدأ مؤخر وللسائل متعلقان بمحذوف صفة والمحروم عطف على السائل والجملة معطوفة على خبر كان فهي خبر ثالث (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) الواو عاطفة أو استئنافية وفي الأرض خبر مقدّم وآيات مبتدأ مؤخر وللموقنين صفة لآيات (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) الواو عاطفة وفي أنفسكم خبر حذف مبتدؤه لدلالة سابقه عليه والتقدير آيات والهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف مقدّر ولا نافية وتبصرون فعل مضارع مرفوع (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) الواو عاطفة وفي السماء خبر مقدّم ورزقكم مبتدأ مؤخر والواو عاطفة وما موصولة عطف على رزقكم وتوعدون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة صلة والعائد محذوف (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الفاء استئنافية والواو حرف قسم وجر وربّ السماء مجرور بالواو والأرض عطف على السماء والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وإن واسمها واللام المزحلقة وحق خبرها ومثل بالنصب صفة لمفعول مطلق محذوف أي إنه الحق، حقا مثل نطقكم، ويجوز أن يكون منصوبا على الحال من الضمير المستكن في لحق وقيل حال من لحق وإن كان نكرة فقد أجاز ذلك الجرمي وسيبويه في مواضع من كتابه والنطق هنا عبارة عن الكلام بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني ويقول الناس هذا حق
308
كما أنك هاهنا وهذا حق كما أنك ترى
وتسمع. وما زائدة نصّ على ذلك الخليل وقيل نكرة موصوفة في محل جر بالإضافة إلى مثل وقيل إنه لما أضاف فعل إلى مبني وهو قوله أنكم بناه كما بنى يومئذ في نحو قوله من عذاب يومئذ وعلى حين عاتبت المشيب على الصبا وقوله الآنف:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أرقال
فغير في موضع رفع بأنه فاعل يمنع وإنما بنيت هذه الأسماء المبهمة نحو مثل ويوم وحين وغير إذا أضيفت إلى المبني لأنها تكتسي منه البناء لأن المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من التعريف والتنكير والجزاء والاستفهام تقول هذا غلام زيد وصاحب القاضي فيتعرف الاسم بالإضافة إلى المعرفة وتقول غلام من يضرب فيكون استفهاما وتقول صاحب من يضرب أضرب فيكون جزاء وقرئ بالرفع على أنه صفة لحق. وإن واسمها وجملة تنطقون خبرها وجملتها في محل جر بالإضافة وإذا جعلت ما نكرة موصوفة فتكون الجملة خبرا لمبتدأ محذوف أي هو أنكم.
البلاغة:
في قوله «فوربّ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون» فن القسم وقد مرّت الإشارة إليه، وأنه عبارة عن أن يريد المتكلم الحلف على شيء فيحلف بما يكون فيه فخر له أو تعظيم لشأنه أو تنويه بقدره أو ما يكون ذما لغيره أو جاريا مجرى الغزل والترقق أو خارجا مخرج الموعظة والزهد، فقد أقسم سبحانه بقسم يوجب الفخر لتضمنه التمدح بأعظم قدرة وأجلّ عظمة.
309
الفوائد:
روى الأصمعي قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على مقود له فقال: من الرجل؟ قلت: من بني أجمع قال: من أين أقبلت؟
فقلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال اتل عليّ، فتلوت والذاريات... فلما بلغت قوله تعالى وفي السماء رزقكم قال: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولّى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت دقيق فالتفت فإذا الأعرابي قد نحل واصفرّ فسلّم علي واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال وهل غير هذا فقرأت: فورب السماء والأرض إنه لحق فصاح وقال يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف ولم يصدّقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٣٧]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧)
310
اللغة:
(ضَيْفِ) الضيف: للواحد والجماعة لأنه في الأصل مصدر كالزور والصوم قيل كانوا اثني عشر ملكا وفي القاموس: «الضيف للواحد والجميع وقد يجمع على أضياف وضيوف وضيفان وهي ضيف وضيفة» أما الضيفن فهو من يجيء مع الضيف متطفلا وفي الأساس: ضاف إليه: مال إليه وضاف عنه: مال عنه وضاف السهم عن الهدف وضافت الشمس وضيّفت وتضيفت: مالت إلى الغروب وقال بشر:
طاو برملة أورال تضيفه إلى الكناس عشيّ بارد صرد
أي أماله إليه، والناقة تضيف إلى الفحل والجارية تضيف إلى الرجل: تستأنس إلى صوته وتريد أن تأتيه وأضف ظهرك إلى الحائط، قال امرؤ القيس:
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا إلى كل حاري جديد مشطّب
ونزلوا بضيف الوادي: بناحيته وتضايفوا الوادي: أتوا ضيفه، وضافني وتضيفني، قال الفرزدق:
311
وأضفته وضيّفته وهو ضيف وكذلك الجميع وهم ضيوف وأضياف وضيفان.
(فَراغَ) راغ: ذهب في خفية وهذا من أدب المضيف ليباده ضيفه بقراه وفي المصباح «وراغ الثعلب روغا من باب قال وروغانا ذهب يمنة ويسرة في سرعة وخديعة فهو لا يستقر في جهة وراغ فلان إلى كذا مال إليه سرّا».
(فَأَوْجَسَ) أضمر في نفسه.
(صَرَّةٍ) بفتح الصاد هي شدّة الصياح والرنّة والتأوّه من حرّ الجند وصرّ القلم والباب وقيل: جماعة من الناس، وفي الصحاح: «الصرة:
الضجة والصحة والصرة: الجماعة والصرّة الشدّة من حرب وغيره»
.
(فَصَكَّتْ) اختلف في الصك فقيل هو الضرب باليد مبسوطة وقيل هو ضرب الوجه بأطراف الأصابع مثل المتعجب وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئا، وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض.
(خَطْبُكُمْ) شأنكم والخطب في الأصل الأمر الجلل ومنه الخطبة لأنها كلام بليغ يستهدف أمورا جليلة.
(مُسَوَّمَةً) معلمة من السومة وهي العلامة.
الإعراب:
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) هل حرف استفهام والاستفهام هنا معناه التفخيم والتنبيه على أن الحديث ليس من علم رسول الله ﷺ وإنما عرفه بالوحي، وأتاك فعل ومفعول به مقدم وضيف إبراهيم مضاف إلى الحديث والمكرمين نعت لضيف
312
(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) إذ ظرف لما مضى من الزمن نصب بالمكرمين لأن إبراهيم أكرمهم أو فيما في ضيف من معنى الفعل أو بإضمار اذكر أو بحديث أي هل أتاك حديثهم وقت دخولهم عليه ورجحه ابن هشام لأنه مصدر فيه رائحة الفعل وجملة دخلوا في محل جر بإضافة الظرف إليها وعليه متعلقان بدخلوا، فقالوا معطوف على دخلوا وسلاما مفعول مطلق استغني عن فعله لأنه سدّ مسدّه وأصله نسلّم عليكم سلاما وقال فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو وسلام مبتدأ ساغ الابتداء به مع أنه نكرة لتضمنه معنى الدعاء وإنما عدل إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات وديمومة السلام حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم والخبر محذوف تقديره سلام عليكم، وقرئا مرفوعين، وقوم خبر لمبتدأ محذوف تقديره وأنتم أو هم ومنكرون صفة لقوم (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) الفاء عاطفة على مقدّر يقتضيه السياق أي فبادر إلى إكرامهم دون أن يشعرهم لأن من أدب الضيافة أن يباده المضيف ضيوفه بالقرى من غير أن يشعروا به حذرا من أن يكفوه فراغ. وراغ فعل ماض وفاعل مستتر وإلى أهله متعلقان براغ، فجاء عطف للتعقيب وبعجل متعلقان بجاء وسمين صفة لعجل (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) عطف على ما تقدم وإليهم متعلقان بقربه وألا أداة استفهام ولا نافية والاستفهام معناه العرض أو الإنكار وتأكلون فعل مضارع مرفوع والجملة مقول القول (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) الفاء عاطفة على مقدّر يقتضيه السياق أي فلما رأى امتناعهم وإصرارهم على الامتناع أوجس منهم خيفة ظنا منه أنهم يريدون إيقاع السوء به وخيفة مفعول أوجس (قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) لا ناهية وتخف فعل مضارع مجزوم بلا وبشّروه فعل ماض وفاعل ومفعول به وبغلام متعلقان ببشروه وعليم نعت غلام (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) عطف أيضا على مقدّر لا بدّ منه، أي لما سمعت سارة
313
امرأة إبراهيم البشارة أقبلت وهي تصيح وامرأته فاعل فأقبلت وفي صرة متعلقان بمحذوف حال أي صارّة، فصكت عطف على فأقبلت ووجهها مفعول به وقالت عطف أيضا وعجوز خبر لمبتدأ محذوف أي أنا عجوز وعقيم صفة أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد؟ وعقيم فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث أي معقومة كأنما شدّت برباط ويقال رجل عقيم أيضا قال:
ومنّا خطيب لا يعاب وقائل ومن هو يرجو فضله المتضيف
عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقيم
(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) قالوا فعل وفاعل وكذلك جار ومجرور في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أي قولا مثل ذلك الذي قلنا، وقال ربك فعل وفاعل وإن واسمها وهو ضمير فصل أو عماد لا محل له والحكيم العليم خبران لإن (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) قال فعل ماض وفاعله مستتر أي إبراهيم والفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر أي إن كنتم ملائكة كما تقولون فما شأنكم؟ وما اسم استفهام مبتدأ وخطبكم خبر وأيها منادى محذوف منه حرف النداء وهو مبني على الضم لأنه نكرة مقصودة والهاء للتنبيه والمرسلون بدل (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) إن واسمها وجملة أرسلنا خبر ونا نائب فاعل وجملة أرسلنا خبر إنّا وإن وما في حيزها مقول القول وإلى قوم متعلقان بأرسلنا ومجرمين نعت (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) اللام للتعليل ونرسل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر تقديره نحن وعليهم متعلقان بنرسل وحجارة مفعول به ومن طين نعت لحجارة ولام التعليل ومجرورها متعلقان بأرسلنا (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) مسومة صفة ثانية لحجارة أو حال منها لأنها وصفت بالجار والمجرور وعند ربك الظرف متعلق بمسومة وللمسرفين متعلقان بمسومة أيضا (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ
314
الْمُؤْمِنِينَ)
الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جمل قد حذفت، وأخرجنا فعل وفاعل ومن مفعول وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هم وفيها خبرها ومن المؤمنين حال وجملة كان صلة الموصول لا محل لها والضمير بقوله فيها يعود إلى قرى قوم لوط ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الفاء عاطفة وما نافية ووجدنا فعل وفاعل وغير بيت مفعول به ومن المسلمين صفة وهم لوط وابنتاه وقد وصفوا بالإيمان والإسلام لأنهم مصدقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الواو عاطفة وتركنا فعل وفاعل وفيها متعلقان بتركنا وآية مفعول به وللذين صفة لآية وجملة يخافون العذاب الأليم صلة الموصول.
البلاغة:
١- الاستفهام التقريري: في قوله «هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين» استفهام تقريري لتفخيم الحديث ولتجتمع نفس المخاطب كما تبدأ المرء إذا أردت أن تحدّثه بعجيب فتقرره هل سمع ذلك أم لا فكأنك تقتضي أن يقول لا ويطلب منك الحديث.
٢- الحذف: وفي قوله «قوم منكرون» الحذف وقد اختلف في تقدير المبتدأ المحذوف فقيل إن الذي يناسب حال إبراهيم عليه السلام أنه لا يخاطبهم بذلك إذ فيه من عدم الأنس ما لا يخفى بل يظهر أنه يكون التقدير هؤلاء قوم منكرون وقال ذلك مع نفسه أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه بحيث لا يسمع ذلك الأضياف وقيل أنكرهم لأنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم أو كان هذا سؤالا لهم كأنه قال أنتم قوم منكرون فعرّفوني من أنتم.
315
٣- المجاز المرسل: في قوله «قالوا لا تخف وبشّروه بغلام عليم» مجاز مرسل فقد سمي الغلام عليما باعتبار ما يئول إليه أمره إذا كبر.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣٨ الى ٤٢]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
اللغة:
(بِرُكْنِهِ) الركن: الجانب الذي يعتمد عليه، وفي القاموس: «ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا حال وسكن، والركن بالضم الجانب الأقوى والأمر العظيم وما يقوّى به من ملك وجند وغيره والعز والمنعة» ومعنى تولى بركنه: أعرض وازور وانحرف راكبا رأسه.
(بِرُكْنِهِ)
الركن: الجانب الذي يعتمد عليه، وفي القاموس: «ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا حال وسكن، والركن بالضم الجانب الأقوى والأمر العظيم وما يقوّى به من ملك وجند وغيره والعز والمنعة» ومعنى تولى بركنه: أعرض وازور وانحرف راكبا رأسه. (مُلِيمٌ) المليم الذي أتى بما يلام عليه من عناد ولجاج والملوم الذي وقع به اللوم وفي المثل: ربّ لائم مليم ورب ملوم لا ذنب له.
الإعراب:
(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) الواو عاطفة وفي موسى عطف على قوله فيها بإعادة الجار لأن المعطوف عليه ضمير مجرور فيتعلق بتركنا من حيث المعنى ويكون التقدير وتركنا في قصة
316
موسى آية ويجوز أن يتعلق بجعلنا مقدّرة لدلالة وتركنا، وأجاز ذلك الزمخشري قال أو يعطف على وتركنا فيها آية على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله: «علفتها تبنا وماء باردا» واعترضه أبو حيان فقال: «ولا حاجة إلى إضمار وجعلنا لأنه يمكن أن يكون العامل في المجرور وتركنا» وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بمحذوف لأنه نعت لآية أي آية كائنة في وقت إرسالنا ولك أن تعلقه بتركنا، وجملة أرسلناه في محل جر بإضافة الظرف إليها وإلى فرعون متعلقان بأرسلناه وبسلطان متعلقان بمحذوف حال أي مؤيدا ومبين نعت سلطان (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الفاء حرف عطف وتولى فعل ماض وفاعله مستتر يعود إلى فرعون وبركنه حال من ضمير فرعون وقال عطف على تولى وساحر خبر لمبتدأ محذوف أي هو ساحر وأو حرف عطف للإبهام على السامع أو للشك نزل نفسه منزلة الشاك مع أنه يعرفه نبيا حقا تمويها على قومه ومجنون عطف على ساحرَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)
الفاء حرف عطف وأخذناه فعل وفاعل ومفعول به وجنوده يجوز أن يكون معطوفا على مفعول أخذناه وهو الأولى وأن يكون مفعولا معه، فنبذناهم في اليمّ عطف على أخذناه وفي اليم متعلقان بنبذناه، وهو الواو للحال وهو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ومليم خبر والجملة في محل نصب حال من مفعول نبذناهم أو من مفعول أخذناه والفرق بين الحالين أن الواو في الأولى واجبة لازمة إذ ليس فيها ذكر ضمير يعود على صاحب الحال وفي الثانية ليست واجبة لازمة إذ في الجملة ذكر ضمير يعود عليه (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) عطف على ما تقدم ويقال فيها ما قيل في: وفي موسى إذ أرسلناه، وعليهم متعلقان بأرسلنا والريح مفعول به والعقيم نعت للريح (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ما نافية وتذر فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هي أي الريح والجملة حال من الريح ومن حرف جر زائد وشيء مجرور
317
لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به وجملة أتت عليه صفة لشيء وإلا أداة حصر وجعلته فعل وفاعل مستتر ومفعول به والجملة في موضع المفعول الثاني لتذر كأنه قيل ما تترك من شيء إلا مجعولا، وكالرميم جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لجعلته أو الكاف اسم بمعنى مثل مفعول به والرميم مضاف إليه.
البلاغة:
الاستعارة المكنية: في قوله «كالريح العقيم» استعارة مكنية، شبّه ما في الريح من الصفة التي تمنع من إنشاء مطر أو إلقاح شجر بما في المرأة من الصفة المذكورة التي تمنع الحمل ثم قيل العقيم وأريد به ذلك المعنى بقرينة وصف الريح به فالمستعار له الريح والمستعار منه ذات النتاج والمستعار العقم وهو عدم النتاج والمشاركة بين المستعار له والمستعار منه في عدم النتاج وهي استعارة محسوس لمحسوس للاشتراك في أمر معقول وهي من ألطف الاستعارات.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨)
اللغة:
(الصَّاعِقَةُ) التي تقع من السماء والصاعقة التي تصقع الرءوس،
318
وقال الأصمعي الصاعقة والصاقعة سواء وأنشد:
يحكون بالمصقولة القواطع تشقق البرق من الصواقع
وأما الصعقة فقيل أنها مثل الزجرة وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة، قال بعض الرجّاز:
لاح سحاب فرأينا برقه ثم تدانى فسمعنا صعقه
وفي المختار: «الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد، يقال صعقتهم السماء من باب قطع إذا ألقت عليهم الصاعقة والصاعقة أيضا صيحة العذاب».
الإعراب:
(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) عطف على ما تقدم أيضا وجملة تمتعوا مقول القول وحتى حرف غاية وجر وحين مجرور بحتى والجار والمجرور متعلقان بتمتعوا (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) الفاء حرف عطف للترتيب الإخباري وعتوا فعل وفاعل وعن أمر ربهم متعلقان بعتوا، فأخذتهم الصاعقة عطف على عتوا والواو للحال وهم مبتدأ وجملة ينظرون خبر والجملة في محل نصب على الحال (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) الفاء عاطفة وما نافية واستطاعوا فعل وفاعل ومن حرف جر زائد وقيام مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به والواو عاطفة وما نافية وكانوا فعل ماض ناقص والواو اسمها ومنتصرين خبرها (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) الواو عاطفة وقوم منصوب بفعل محذوف مفهوم ضمنا أي وأهلكنا قوم نوح ولك أن تقدّره واذكر قوم نوح وقرئ بالجر عطفا على وفي ثمود، ومن قبل: من حرف جر وقبل ظرف مبني على الضم
319
لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال وإن واسمها وجملة كانوا قوما فاسقين خبرها وجملة إن وما بعدها لا محل لها لأنها تعليل لهلاكهم (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الواو عاطفة والسماء نصب على الاشتغال والتقدير بنينا السماء بنيناها، وبنيناها فعل وفاعل ومفعول به والجملة لا محل لها لأنها مفسّرة وجملة بنينا السماء عطف على الجملة الفعلية السابقة ولذلك ترجح النصب وقرأ العامة ولم يقرأ بالرفع إلا اثنان من غير السبعة وهو أبو السمال وابن مقسم، وبأيد يجوز أن يتعلق بمحذوف حال من فاعل بنيناها أي ملتبسين بقوة أو من مفعوله أي ملتبسة بقوة ويجوز أن يتعلق ببنيناها فتكون الباء للسببية أي بسبب قدرتنا، والواو حالية وإن واسمها واللام المزحلقة وموسعون خبرها والجملة في محل نصب على الحال من فاعل بنيناها أو من مفعوله ومعنى موسعون قادرون من الوسع وهو الطاقة والموسع القوي على الإنفاق وفي المصباح: «وسع الله عليه رزقه يوسع بالتصحيح وسعا من باب نفع بسطه وكثره وأوسعه ووسعه بالألف والتشديد مثله وأوسع الرجل بالألف صار ذا سعة وغنى» (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) عطف على الجملة السابقة ويجري إعرابها كما جرى هناك، فنعم الفاء عاطفة ونعم فعل ماض جامد لإنشاء المدح والماهدون فاعل نعم والمخصوص بالمدح محذوف أي نحن فالجملة خبر له.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤٩ الى ٦٠]
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
320
اللغة:
(فَفِرُّوا) في المصباح: «فرّ من عدوه يفرّ من باب ضرب فرارا هرب وفرّ الفارس فرّا أوسع الجولان للانعطاف وفرّ إلى الشيء ذهب إليه».
(أَتَواصَوْا) التواصي: أن يوصي القوم بعضهم إلى بعض والوصية المتقدمة في الأمر بالأشياء المهمة مع النهي عن المخالفة.
(ذَنُوباً) : الذنوب بفتح الذال الدلو العظيمة وقال الراغب:
«الذنوب الدلو الذي له ذنب» وهو يؤنث ويذكّر قال:
لنا ذنوب ولكم ذنوب... فإن أبيتم فلنا القليب
وقال علقمة:
وفي كل حيّ قد ضبطت بنعمة... فحقّ لشاس من نداك ذنوب
321
الإعراب:
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الواو عاطفة ومن كل شيء يجوز أن يتعلق بخلقنا أي خلقنا من كل زوجين ويجوز أن يتعلق بمحذوف حال من زوجين لأنه في الأصل صفة له والتقدير خلقنا زوجين كائنين من كل شيء، وخلقنا فعل وفاعل وزوجين مفعول به ولعل واسمها وجملة تذكرون خبرها والأصل تتذكرون حذفت إحدى التاءين من الأصل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الفاء الفصيحة أي إذا علمتم أن الله تعالى فرد لا نظير له ولا نديد ففروا إليه ووحدوه ولا تشركوا به شيئا ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف أي إلى ثوابه، وفرّوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وإلى الله متعلقان بفرّوا وإن واسمها ولكم متعلقان بنذير وكذلك يتعلق منه ولك أن تعلقه بمحذوف على أنه حال من نذير لأنه في الأصل صفة له ونذير خبر إني ومبين نعت نذير (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الواو عاطفة ولا ناهية وتجعلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعله ومع الله ظرف مكان متعلق بمحذوف في موضع المفعول الثاني وإلها مفعول تجعلوا الأول وآخر نعت إلها وإني لكم منه نذير مبين تقدم إعرابها وهذه الجملة تكرير للتأكيد فالأولى مرتبة على ترك الإيمان والطاعة والثانية مرتبة على الإشراك (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الكاف خبر مبتدأ محذوف أي الأمر والشأن وما نافية وأتى فعل ماض والذين مفعوله المقدم ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الذين ومن حرف جر زائد ورسول مجرور بمن لفظا مرفوع محلا لأنه فاعل والجملة لا محل لها لأنها مفسرة وإلا أداة حصر وقالوا فعل وفاعل وساحر خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنت وأو حرف عطف ومجنون عطف على ساحر وقد تقدم معنى العطف وجملة
322
إلا قالوا في محل نصب على الحال من الذين من قبلهم كأنه قيل ما أتى الذين من قبلهم رسول إلا في حال قولهم هو ساحر أو مجنون (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي التعجبي وتواصوا فعل ماض وفاعل والواو فاعل تواصوا وبه متعلقان بتواصوا وبل حرف إضراب وعطف وهم مبتدأ وقوم خبر وطاغون نعت قوم (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) الفاء الفصيحة أي إن كان هذا شأنهم وقد بلوته وخبرته بنفسك فتولّ عنهم، فتولّ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بتول والفاء تعليلية للأمر وما نافية حجازية وأنت اسمها والباء حرف جر زائد وملوم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر ما (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الواو عاطفة وذكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت والفاء تعليل للأمر وإن واسمها وجملة تنفع المؤمنين خبرها (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الواو عاطفة وما نافية وخلقت فعل وفاعل والجن مفعول به والإنس عطف على الجن وإلا أداة حصر واللام للتعليل أو للعاقة ويعبدون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون والنون المذكورة للوقاية والواو فاعل وياء المتكلم المحذوفة في محل نصب مفعول به ولام التعليل ومدخولها متعلقان بخلقت وسيأتي مزيد بحث لهذه الآية التي شجر الخلاف حولها (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ما نافية وأريد فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنا ومنهم متعلقان بأريد ومن حرف جر زائد ورزق مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول أريد والواو حرف عطف وما أريد عطف على مثيلتها وأن حرف مصدري ونصب ويطعمون فعل مضارع منصوب بأن وياء المتكلم المحذوفة مفعول به وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول به أي وما أريد إطعامهم إياي (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) إن واسمها وهو ضمير فصل لا محل له والرزاق
323
خبر إن الأول وذو القوة خبر ثان والمتين خبر ثالث وقيل نعت للرزاق أو لذو (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) الفاء
الفصيحة أي إذا عرفت حال الكفرة الآنف ذكرهم مثل عاد وثمود وقوم نوح فإن لهؤلاء المكذبين نصيبا مثل نصيبهم وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب البلاغة، وإن حرف مشبه بالفعل وللذين جار ومجرور في محل نصب خبر مقدم لإن وجملة ظلموا صلة الموصول وذنوبا اسم إن المؤخر ومثل ذنوب أصحابهم صفة لذنوبا والفاء عاطفة لترتيب النهي عن الاستعجال ولا ناهية ويستعجلون فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والنون المذكورة المكسورة للوقاية والياء المحذوفة مفعول به (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) الفاء عاطفة لترتيب ثبوت الويل أي العذاب الشديد لهم وويل مبتدأ ساغ الابتداء به لما تضمنه من معنى الدعاء وللذين خبره وجملة كفروا صلة الموصول ومن يومهم صفة لويل وقرر الجلال أنها بمعنى في وهو أحد معاني من التي أنهاها صاحب المغني إلى خمسة عشر معنى ومثّل لذلك بقوله تعالى «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة» أي في يوم الجمعة، والذي صفة ليومهم ويوعدون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وجملة يوعدون صلة الذي.
البلاغة:
١- في قوله الجن والإنس طباق ومعنى إلا ليعبدون أي إلا مهيئين ومستعدين للعبادة، ذلك أنني خلقت فيهم العقل وركزت فيهم الحواس والقدرة التي تمكّنهم من العبادة وهذا لا ينافي تخلّف العبادة بالفعل من بعضهم لأن هذا البعض المتخلّف وإن لم يعبد الله مركوز فيه الاستعداد والتهيؤ الذي هو الغاية في الحقيقة، وقد شجر خلاف
324
بين أهل السنّة والاعتزال حول هذه الآية والواقع أنه لا خلاف لأن الآية إنما سيقت لبيان عظمته سبحانه وإن شأنه مع عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة والتكسب للسادة وبواسطة مكاسب عبيدهم قدر أرزاقهم والله تعالى لم يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما وإنما يطلب منهم عبادته ليس غير وزيادة على كونه لا يطلب منهم رزقا إنه هو الذي يرزقهم وهناك حجج يضيق عنها صدر هذا الكتاب فلتطلب في مظانها.
٢- الاستعارة التمثيلية التصريحية: وفي قوله «فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون» استعارة تمثيلية تصريحية لأن الأصل فيه السقاة الذين يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال:
لنا ذنوب ولكم ذنوب... فإن أبيتم فلنا القليب
ولما قال عمرو بن شاس:
وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة... فحقّ لشأس بعد ذاك ذنوب
قال الملك نعم وأذنبة:
وعبارة المبرد في الكامل: «وأصل الذنوب الدلو كما ذكرت لك وقال علقمة بن عبدة للحارث بن أبي شمر الغساني (وبعضهم يقول شمر وبعضهم يقول شمر) وكان أخوه أسيرا عنده وهو شأس بن عبدة أسره في وقعة عين أباغ (وبعضهم يقول إباغ) في الوقعة التي كانت بينه وبين المنذر بن ماء السماء في كلمة له مدحه فيها:
وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة... فحقّ لشأس من نداك ذنوب
فقال الملك: نعم وأذنبة.
325
Icon