أخبرنا كامل بن أحمد، وأخبرنا محمد بن مسلم، قال : حدّثنا إبراهيم بن شريك، قال : حدّثنا أحمد بن يونس، قال : حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن أبي أمامة عن أُبي بن كعب، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَنْ قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حساباً يسيراً ).
وأخبرنا أبو الحسين الخبازي، قال : حدّثنا أبو الشيخ الحافظ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد، قال : حدّثنا أبو زرعة، قال : حدّثنا عمرو بن عثمان، قال : حدّثنا محمد بن حميد عن فضالة بن شريك عن أبي الزاهرية، قال : سمعته يقول : من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال، ومن قرأها كان له نوراً من فوق رأسه إلى قدمه.
ﰡ
مكّية: وهي ألف وأربعة وثمانون حرفا، وست وخمسون كلمة، واثنان وخمسون آية
أخبرنا كامل بن أحمد، وأخبرنا محمد بن مسلم، قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حِساباً يَسِيراً» [٢٠] «١».
وأخبرنا أبو الحسين الخبازي، قال: حدّثنا أبو الشيخ الحافظ، قال: حدّثنا الحسن بن محمد، قال: حدّثنا أبو زرعة، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا محمد بن حميد عن فضالة بن شريك عن أبي الزاهرية، قال: سمعته يقول: من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال، ومن قرأها كان له نورا من فوق رأسه إلى قدمه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ١٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ أي القيامة، وسمّيت حاقّة لأنها حقّت فلا كاذبة لها. ولأن فيها حواق الأمور وحقائقها. ولأنّ فيها يحق الجزاء على الأعمال أي يجب، فيقال: حق عليه الشيء
والْحَاقَّةُ والحقّة هي ثلاث لغات بمعنى واحد، والْحَاقَّةُ الأولى رفع بالابتداء وخبره فيما بعده، وقيل: الْحَاقَّةُ الأولى مرفوعة بالثانية لأنّ الثانية بمنزلة الكتابة عنها كأنه عجب منها وقال: الحاقة ما هي؟ كما تقول: زيد ما زيد، والْحَاقَّةُ الثانية مرفوعة بما، وما بمعنى أي شيء، وهو رفع بالحاقة الثانية، ومثله الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ «٢»، وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ «٣»، ونحوهما.
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ أي بالعذاب الذي نزل بهم حين وعدهم نبيّهم حتى هجم عليهم فقرع قلوبهم. وقال ابن عباس وقتادة: بالقيامة.
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ أي بطغيانهم وعصيانهم، وهي مصدر كالحاقة، وقيل: هي نعت مجازه: بفعلتهم الطاغية، وهذا معنى قول مجاهد وابن زيد، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها «٤» وقال قتادة: يعني بالصيحة الطاغية التي جاوزت مقادير الصياح فاهمدتهم.
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ عتت على خزانها فلم تطعهم وجاوزت المقدار.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا محمد بن حمدان بن سعد قال: حدّثنا أبو زرعة الرازي قال: حدّثنا المعافى بن سلمان البحراني قال: حدّثنا موسى بن عمر عن سعيد عن موسى بن المسيب عن شهر بن خوشب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أرسل الله سبحانه من ريح إلّا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلّا بمكيال، إلّا يوم عاد ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزائن فلم يكن لهم عليها سبيل، ثمّ قرأ: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ» [٢١] «٥».
سَخَّرَها أرسلها وسلطها. عَلَيْهِمْ والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار. سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ قال وهب: هي الأيام التي سمّاها العرب: أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة وإنما نسبت هذه الأيام الى العجوز لأن عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب في اليوم الثامن.
(٢) سورة القارعة: ١- ٢.
(٣) سورة الواقعة: ٢٧.
(٤) سورة الشمس: ١١.
(٥) جامع البيان للطبري: ٢٩/ ٦١.
كسع «١» الشتاء بسبعة غبر... أيّام شهلتنا «٢» من الشهر
فبآمر وأخيه مؤتمر... ومعلّل وبمطفئ الجمر «٣»
ذهب الشتاء مولّيا عجلا... وأتتك واقدة من النجر «٤»
واسم اليوم الثامن: مكفي الظعن.
حُسُوماً قال ابن عباس: تباعا، ومجاهد وقتادة: متابعة ليس فيها فترة، وعلى هذا القول هو من جسم الكي وهو أن تتابع عليه بالمكواة، وقال مقاتل والكلبي: دائمة، والضحاك:
كاملة لم تفتر عنهم حتى أفنتهم، عطيّة: شؤما كأنّها حسمت الخير عن أهلها، الخليل: قطعا لدابرهم، والحسم: القطع والمنع ومنه حسم الداء وحسم الدفاع، قال يمان والنظر بن شميل:
حسمهم فقطعهم وأهلكهم وهو نصب على الحال والقطع.
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها أي في تلك الليالي والأيام، صَرْعى هلكى جمع صريع كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ أصول نَخْلٍ خاوِيَةٍ ساقطة، وقيل: خالية الأجواف. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ بقاء.
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرأ أبو عمرو والحسن والسلمي والحجري والكسائي ويعقوب:
بكسر القاف وفتح الباء أي ومن معه من جنوده وأتباعه وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم اعتبار:
بقراءة عبد الله وأبيّ ومن معه، وقرأ أبو موسى الأشعري: ومن تلقاه، وقرأ الآخرون: وَمَنْ قَبْلَهُ بفتح القاف وجزم الباء، أي ومن تقدّمه من القرون الخالية.
وَالْمُؤْتَفِكاتُ قراءة العامّة بالألف، وقرأ الحسن والمؤتفكة: بغير ألف بِالْخاطِئَةِ بالخطيئة والمعصية وهي الكفر فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً نامية عالية غالية. قال ابن عباس: شديدة، وقيل: زائدة على عذاب الأمم.
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي عتا فخرج بلا وزن ولا كيل. قال قتادة: طغى الماء فوق كل
(٢) الشهلة: العجوز. [.....]
(٣) الصحاح: ٣/ ٨٨٤.
(٤) النجر: الحرّ.
عبرة وموعظة وَتَعِيَها
قرأ طلحة بإسكان على العين تشبها بقوله: وَأَرِنا، واختلف فيه عن عاصم وابن بكر وهي قراءة رديئة غير قويّة، الباقون: مشبع.
أُذُنٌ واعِيَةٌ عقلت عن الله ما سمعت.
الفاربي بن فنجويه، قال: حدّثنا ابن حيان قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن عليّ قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي قال:
حدثني عبد الله بن الحسن قال: حين نزلت هذه الآية وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ» [٢٢] «١» قال علي: فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنساه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثني ابن حسن قال: حدّثنا أبو القيّم بن الفضل قال: حدّثنا محمد بن غالب بن الحرب قال: حدثني بشر بن آدم قال: حدثني عبد الله بن الزبير الأسدي قال: حدّثنا صالح بن ميثم قال: سمعت بريرة الأسلمي يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: «إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلّمك وأن تعي وأن حقّا على الله سبحانه أن تعي» قال: ونزلت وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
[٢٣] «٢».
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وهي النفخة الأولى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وما عليها وَالْجِبالُ وما فيها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فكسّر ودقّتا دقة واحدة فصارتا هباء منبثّا، وإنّما قال:
فَدُكَّتا ولم يقل: دككن لأنّه جعل الأرض كالشيء الواحد، وجعل الجبال كالشيء الواحد.
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ قامت القيامة وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ضعيفة وَالْمَلَكُ يعني الملائكة عَلى أَرْجائِها نواحيها وأقطارها، بلغة هذيل واحدها رجاء وتثنيته رجوان وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.
قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عددهم إلّا الله،
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين، فكانوا ثمانية» [٢٤] «٣».
وأخبرنا الإمام أبو منصور الحمادي قال: حدّثنا الإمام أبو الوليد قال: حدّثنا جعفر قال:
حدّثنا عليّ بن حجر قال: حدّثنا شريك عن سماك عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد
(٢) كنز العمّال: ١٣/ ١٣٦، ح ٣٦٤٢٦.
(٣) جامع البيان للطبري: ٢٩/ ٧٣.
وفي الحديث: «إن لكلّ ملك منهم أربعة أوجه: وجه رجل، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر» [٢٥] «١».
وقيل: أنشد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول أمية بن أبي الصلت:
رجل وثور تحت رجل يمينه | والنسر للأخرى وليث مرصد |
والشمس تصبح كل آخر ليلة | حمراء تصبح لونها يتورّد |
تأبى فما تطلع لنا في رسلها | إلّا معذّبة وإلّا تجلّد «٢» |
وروى عن عليّ بن الحسن أنه قال: إنّ الله سبحانه خلق العرش رابعا لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء: الهواء، والقلم، والنور، ثمّ خلق من ألوان أنوار مختلفة، من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أحمر منه احمرت الحمرة، ونور أبيض فهو نور الأنوار، ومنه ضوء النهار ثمّ جعله سبعين ألف ألف ألف طبق ليس من ذلك طبق إلّا يسبّح بحمده ويقدّسه بأصوات مختلفة لو أذن للسان منها أن تسمع لهدم الجبال والقصور ولخسف البحار.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٨ الى ٥٢]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٦٦.
في الحديث قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأمّا عرضتان فجدال وخصومات «١» ومعاذير، وأمّا الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» [٢٧] «٢».
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ أي تعالوا اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ها الوقف وأخواته مثله إِنِّي ظَنَنْتُ علمت وأيقنت أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ.
أخبرنا الحسن قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا أبو القيّم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم بن خالد عن عبد الرحمن قال: حدّثنا مرحوم بن أبي أرطبان ابن عم عبد الله بن عون قال: حدّثنا عاصم الأحول عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل من يعطى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ من هذه الأمّة عمر بن الخطّاب، وله شعاع كشعاع الشمس!» فقيل له: فأين أبو بكر؟
قال: «هيهات هيهات زفّته الملائكة إلى الجنّة!» «٣».
أخبرنا الحسن، حدّثنا منصور بن جعفر بن محمد النهاوندي، قال: حدّثنا أبو صالح أحمد ابن محمد بن أسعد البروجردي، قال: حدّثنا أسد بن عاصم، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد، قال: حدّثنا أبو عمر الضرير عن حماد عن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة كلّ الناس يحاسبون يوم القيامة إلّا أبو بكر» [٢٨] «٤».
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ مرضية كقوله: ماءٍ دافِقٍ «٥» وقيل: ذات رضا مثل لأبن وتأمن فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ رفيعة قُطُوفُها دانِيَةٌ ثمارها قريبة ينالها القائم والقاعد والمضطجع، يقال لهم كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ قدّمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية وهي الدنيا.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا عبد الله قال: أخبرت عن عبد الله بن أبي بكر بن عليّ المقدمي قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر قال: سمعت يوسف بن يعقوب الخيفي يقول: بلغنا أن الله سبحانه وتعالى يقول يوم القيامة: يا أوليائي طال ما نظرت إليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم، وكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ.
(٢) مسند أحمد: ٤/ ٤١٤.
(٣) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٦٩.
(٤) كنز العمّال: ١١/ ٥٥٨، ح ٣٢٦٣٥، وح ٣٢٦٣٦ بتفاوت.
(٥) سورة الطارق: ٦.
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ذهبت عنّي حجّتي عن أكثر المفسّرين، وقال ابن زيد: زال عنّي ملكي وقولي فيقول الله لخزنة جهنّم: خُذُوهُ، ويروى أنّه يجتمع على شخص واحد من أهل النار مائة ألف من الزبانية، فيقطع في أيديهم قال: فلا يرى على أيديهم منه إلّا الودك، ثمّ يعاد خلقا جديدا.
فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أدخلوه ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ فأدخلوه في ذراع الملك، فيدخل دبره ويخرج من منخريه. وقيل: يدخل من فيه ويخرج من دبره.
روى سفيان عن بسر بن دعلوق عن نوف البكالي قال: كلّ ذراع سبعون باعا والباع أبعد ممّا بينك وبين مكّة، وكان في رحبة الكوفة «١».
وقال سفيان الثوري: كلّ ذراع من سبعين ذراعا سبعون ذراعا وقال: بأي ذراع هو؟،
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن رصاصة مثل هذه- وأشار إلى جمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض فهي مسيرة خمسمائة سنة بلغت الأرض قبل الليل، ولو أنّها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها» [٢٩] «٢».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبش قال: حدّثنا ابن زنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن عليّ قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: حدّثنا بكار ابن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة عن كعب في قوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ قال: لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال:
حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيب قال: حدّثنا سويد بن يحيى قال: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة، ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لذاب من حرّها.
(٢) مسند أحمد: ٢/ ١٩٧. [.....]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ ترون وما لا ترون، وأراد جميع المكونات والموجودات، وقيل: الدنيا والآخرة. وقيل: ما في ظهر السماء والأرض وما في بطنها. وقيل:
الأجسام والأرواح.
وقيل: النعم الظاهرة والباطنة.
وقال جعفر الصادق: بِما تُبْصِرُونَ من صنعي في ملكي وَما لا تُبْصِرُونَ من برّي بأوليائي.
وقال الجنيد: ما تُبْصِرُونَ من آثار الرسالة والوحي على حسن محمد وَما لا تُبْصِرُونَ من السر معه ليلة الإسراء. وقيل: ما أظهر الله للملائكة واللوح والقلم، وما استأثر بعلمه فلم يطلع عليه أحدا.
وقيل: ما تُبْصِرُونَ: الإنس وَما لا تُبْصِرُونَ: الجن والملائكة. وقال ابن عطا: ما تُبْصِرُونَ من آثار القدرة وَما لا تُبْصِرُونَ من أسرار القرية.
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أي تلاوة محمد وتبليغه، وقيل: لقول مرسل رسول كريم فحذف كقوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١».
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ قرأ ابن عامر ويعقوب أبو حاتم: يؤمنون ويذكرون بالياء، وغيرهم بالتاء فيهما تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ تخرّص واختلق عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ قيل: من صلة مجازه:
لعاقبناه وانتقمنا منه بالحق كقوله: قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ «٢» أي من قبل الحق.
وقال ابن عباس: لأخذناه بالقوة والقدرة، كقول الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد | تلقّاها غرابة باليمن «٣» |
(٢) سورة الصّافات: ٢٨.
(٣) الصحاح: ١/ ١٨٠.
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ نياط القلب، عن ابن عباس وأكثر الناس، وقال قتادة: حبل القلب، وقال مجاهد: الحبل الذي في الظهر. وقيل: هو عرق بين العلباء والحلقوم.
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ مانعين يحجزوننا عن عقوبته وما نفعله به وإنّما جمع وهو فعل واحد ردا على معناه كقوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «١»،
وقال (عليه السلام) :
«لم تحل الغنائم لأحد «٢» سود الرؤوس [ممّن] قبلكم»
[٣٠] «٣» لفظه واحد ومعناه الجميع.
وَإِنَّهُ يعني القرآن لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ إذا رأوا ثواب متابعيه وقد خالفوه. وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ الذي كلّ شيء في جنب عظمته صغير.
(٢) في بعض المصادر: لقوم.
(٣) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٧٦، وأحكام القرآن للجصّاص: ٣/ ٦٠.