ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - (ق) اختلفوا في تأويله. فأكثر المفسرين قالوا: إنه جبل محيط بالدنيا من زَبَرْجَد، والسماء مقببةٌ عليه، وهو من وراء الحجاب التي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة، وما بينهما ظلمة. وهذا قول مقاتل، وابن بريدة، وعكرمة، والضحاك، ومجاهد، ورواية عطاء، وأبي الجوزاء عن ابن عباس. قال الفراء: على هذا القول: كان يجب أن يظهر الإعراب في قاف؛ لأنه اسم وليس هجاء. ثم قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال:قلتُ لها قِفِي فَقَالَتْ قَافْ (١)
قال: ذكرت قاف أرادت الوقف، أي أنا واقفة (٢). وقال قتادة: قاف
انظر: "الأغاني" للأصفهاني ٤/ ١٨١، "الخصائص" لابن جني ١/ ٣٠، "شرح شواهد الشافية" ص ٢٧١، "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٦٢، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٢٠٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٥.
قلنا لها قِفِي فَقَالَتْ قَافْ
معناه: قالت: أقف (٦).
(٢) انظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢١، حيث قال: "والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: (ص)، (ن)، (حم)، (طسم)، (الم) ونحو ذلك، فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا القول هو المرجح عند ابن كثير وغيره.
وانظر: "تفسير القاسمي" ١٥/ ٥٤٨٢.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤١.
(٥) تقدم في الصفحة السابقة.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤١.
وقد رد ابن كثير رحمه الله هذا القول، لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليها، ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف. انظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢١. =
قال الزجاج: ويكون المعنى: ق والقرآن المجيد لقد علمنا ما تنقص الأرض منهم. وحذفت اللام؛ لأن ما قبلها عوض منها كما قال -عز وجل-: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١] إلى قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ [الشمس: ٩] (٤). وقال الفراء: جواب القسم محذوف يدل عليه قوله: ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾ [ق: ٣] والمعنى: ق والقرآن المجيد لتبعثن بعد الموت، فقالوا: أإذا كنا ترابًا بعثنا، فجحدوا البعث. واختار الزجاج هذا القول أيضًا (٥).
وذهب كثير من الناس إلى أن الجواب قوله: ﴿بَلْ عَجِبُوا﴾ (٦). وقد
(١) (ك): (المجيد. والمجيد).
(٢) عند تفسيره لآية (٧٣) من سورة هود، حيث قال: المجيد الماجد وهو ذو الشرف والكرم. يقال: مسجد الرجل يمجد مجدًا ومجدادةً، ومجد يمجد. لغة قال الحسن والكلبي: المجيد الكريم، وهو قول أبي إسحاق. وقال ابن الأعرابي: المجيد الرفيع. قال أهل المعاني: المجيد الكامل الشرف والرفعة والكرم والصفات المحمودة.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩٦.
(٤) وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٢.
(٥) انظر: "معانى القرآن" للفراء ٣/ ٧٥، "معانى القرآن" للزجاج ٥/ ٤١، "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٦٨٢.
(٦) قاله نحاة الكوفة. انظر: "الجامع" للقرطبي ١٧/ ٣، "البحر المحيط" ٨/ ١٢٠.
٢ - قوله: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ مفسَّر في سورة ص (٢) قوله: ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ قال مقاتل: يعنون هذا الأمر عجب أن يكون محمد رسولاً (٣). والعجيب يعني المُعْجِب، وهو الذي يحملك علي العجب.
وقال الليث: يقال إنه عجيب وعجاب، ويقال: هذا شيء عجب وعجاب (٤)، على معنى أنه ذو عجيب أي: يعجب منه. وقوله: ﴿فَقَالَ
١ - حكى الكسائي والفراء والَزجاج أن جواب القسم: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ ثم نقل استبعاد الكسائي والفراء له.
٢ - أن يكون قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ اعترض بين القسم وجوابه: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومعناه: لكم أهلكنا. فلما طال الكلام المعترض بينهما حذفت اللام.
٣ - أن يكون قوله: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾.
٤ - أن موضع القسم: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كما قال: ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا﴾.
٥ - أن يكون لـ (ص) معنى يقع عليه القسم لا نعرفه كقولك: الحق والله.
٦ - الجواب محذوف تقديره: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار. قال الواحدي: وهو قول حسن. انظر: "البسيط" ٣/ ٢٠٤ أ.
(٢) عند تفسيره لآية (٤) من سورة: ص ومما قال: قال "صاحب النظم": هذا منظوم بقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ لأنه مسوق عليه بالواو.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٣ ب.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٣٨٦، "اللسان" ٢/ ٦٨٨ (عجيب). وفي (ك): (عجيب وعجيب).
أحدهما قوله: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ فهذا خبر تام.
ثم نسق عليه خبر آخر فقال: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ أخبر عنهم بالعجب وبقولهم: ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾. وفي هذه السورة عطف بالفاء؛ لأن الآية كلها خبر واحد، والعجب سبب لقولهم: ﴿هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ لأنهم عجبوا فقالوا: هذا شيء عجيب، كما تقول: قام فمرَّ. جعلت القيام سببًا للمرور. ولو قلت: قام ومر. كنت قد أخبرت عنه بشيئين ولم تجعل الأول سببًا للثاني، يدل على أن الآية في هذه السورة خبر واحد. قوله: ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ فهذا من جنس قوله: ﴿وَعَجِبُوا﴾ وقال في سورة ص: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ وهذا ليس من جنس عجبوا (١).
٣ - قوله تعالى: ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾ قال أبو إسحاق: أي أنُبْعث إذا متنا وكنا ترابًا. ولو لم يكن (٢) لإذا متعلق، لم يكن في الكلام فائدة (٣).
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ الرجع معناه الرد. قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٨٣] وقد مر (٤).
(٢) (ك): (ولم لم يكن) والصواب ما أثبته.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٢.
(٤) قال: معنى الرجع تصيير الشيء إلى المكان الذي كان فيه. يقأل رجعته رجعًا كقولك: ر ددته. ردًّا.
أي: يبعد عندنا أن نبعث بعد الموت. قال الفراء: جحدوا البعث أصلاً كما تقول للرجل يخطئ في المسألة: لقد ذهبت مذهبًا بعيدًا من الصواب. أي أخطأت (٢).
قال مقاتل: أنكروا البعث وقالوا: إن الله لا يحيينا، وكيف يقدر علينا وقد كنا ترابًا وضللنا في الأرض (٣). فقال الله تعالى:
٤ - ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ أي: ما تأكل من لحومهم ودمائهم وأشعارهم وأبدانهم.
وهذا قول الحسن، ومجاهد، ومقاتل، والكلبي (٤).
وقال السدي: قد علمنا من يموت منهم (٥). جعل نقص الأرض، من الناس الموت، وذلك أن من مات دفن في الأرض، فهي تأخذ من مات، وتنقص من الناس بالأخذ منهم. وهذا قول قتادة، والضحاك (٦).
ثم ذكر أن عنده بذلك كتابًا فقال: ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ قال ابن عباس: يريد اللوح المحفوظ (٧).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٥ - ٧٦.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ، "جامع البيان" ٢٦/ ٩٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٠.
(٥) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٤.
(٦) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٦، "جامع البيان" ٢٦/ ٩٤.
(٧) انظر: "الكشف والبيان" ١٠/ ١٧٥ ب، "غرائب القرآن" ٢٦/ ١٠٧ ولم ينسبه لقائل.
وقال مقاتل: محفوظ من الشياطين، يعني اللوح المحفوظ (٢).
٥ - ثم استأنف فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾ [ق: ٥] أي: بالقرآن ومحمد -صلى الله عليه وسلم-. قاله المفسرون (٣). ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ قال أبو عبيدة والمبرد: مختلط (٤). يقال للشيء المُخلّى، قد اختلط بعضه ببعض: مريج، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قد مرجت عهودهم وأماناتهم، وصاروا هكذا وشبك بين أصابعه، (٥). ذكره المبرد (٦). وأصله على هذا من قوله: مرج الشيء، إذا أرسله وخلاه، ومرج دابتَه، خلاها، ومنه قوله: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٩]، والمريج المهمل والمهمل يختلط، فسمي المختلط مريجًا.
(٢) انظر:"تفسير مقاتل" ١٢٤ أ.
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٢٨/ ١٥٣، "روح المعاني" ٢٦/ ١٧٤، وقال القرطبي في "جامعه" ١٧/ ٤ أي بالقرآن في قول الجميع.
(٤) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٢.
(٥) انظر: جزء من حديث صحيح رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ١٦٢، ٢١٢، وابن ماجه في "سننه" كتاب: الفتن، باب: التثبت في الفتنة ٢/ ١٣٠٧، وأبو داود في كتاب: الملاحم ٤/ ٥١٣، وانظر: "المسند" بتحقيق أحمد شاكر ١١/ ٧٠٤٧، ٧٠٦٢، "صحيح سنن ماجه" للألباني ٢/ ٣٥٤.
(٦) لم أجده في مؤلفات المبرد المطبوعة، ولعله نُقل من كتاب "إعراب القرآن" للمبرد، وهو من الكتب التي لم يصل إلينا سوى اسمها. انظر: "منهج ابن حيان النحوي الأندلسي" في كتابه: "ارتشاف الضرب من لسان العرب" تحقيق مزيد إسماعيل نعيم. رسالة في مكتبة الرسائل الجامعية بجامعة الإمام بالرياض.
فجالَتْ والتَمَسَتْ به حَشَاها | فَخَرَّ كأنَّهُ خُوطٌ مَرِيجُ (٢) |
وهذا الذي ذكرنا قول ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، والضحاك، وقد قال عطاء عن ابن عباس: يريد مختلط مثل البهائم الممرجة (٣).
وقيل في قول الهذلي: (خوط مريج) إنه الذي اختلط شعبه والتبس بعضه ببعض (٤). وقال قوم: أصل هذا من المرج وهو القلق والاضطراب.
انظر: "ديوان الأدب" ٣/ ٨٩، "تاريخ التراث العربي" ٢/ ٢٦١، "الأمالي" ١/ ٢٦٤.
(٢) البيت ورد منسوبًا في "ديوان الهذليين" ٣/ ١٠٣، "تهذيب اللغة" التحقيق ١١/ ٧٢، "اللسان" ٣/ ٤٦١ (مرج). وعند أبي عبيدة نسبه لأبي ذؤيب الهذلي، ولم أجده في "ديوانه".
انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٢، ومعناه أن البقرة راغت عن السهم فأصاب حشوة الجوف وكأن السهم غصن طرح وترك عندما سقط.
(٣) وممن قال به أيضًا: قتادة، وابن زيد، وابن جبير.
وقال ابن جرير: "وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها، وإن كانت متقاربات المعاني". "جامع البيان" ٢٦/ ٩٤.
وانظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٦، "الجاح لأحكام القرآن" ١٧/ ٤ - ٥.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٧٢ (مرج).
مَرجَ الدِّينُ فأعددتُ له | مُشْرِفَ الحَارِكِ مَحْبُوكَ الكَتَدْ (١) |
وعلى هذا: المريج المضطرب غير المستقر (٢). وعلى هذا الأصل قول من قال من المفسرين في المريج: الفاسد والمتغير. قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم (٣).
قال أبو إسحاق: هو أنهم كانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- مرة شاعر، ومرة ساحر، ومرة معلَّم. وللقرآن إنه سحر، ومرة يقولون مفترى. وهذا دليل أن أمرهم ملتبس مختلط عليهم. ثم دلهم -عز وجل- على قدرته على بعثهم بعد الموت بعظيم خلقه الذي يدل على (٤) قدرته على البعث (٥) فقال قوله تعالى:
٦ - ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ [ق: ٦] قال المفسرون: يعني بغير عمد (٦) ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ أي بالكواكب ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾، أي فتوق
والكتد: مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس. "اللسان" ٣/ ٢١٨ (كتد) ١/ ٦١٥ (حرك).
(٢) انظر: "اللسان" ٣/ ٤٦١، "المفردات" ٤٦٥ (مرج).
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢١.
(٤) (ك): (عليه على).
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٢.
(٦) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢١، "روح المعاني" ٢٦/ ١٧٥، "تفسير القاسمي" ١٥/ ٥٤٨٥.
تسدُّ به فَرْجَها من دُبُر (٣)
أراد لما بين فخذيها ورجليها.
٨ - قوله تعالى: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى﴾ قال أبو إسحاق: فعلنا لنبصر ونذكر به، ويدلُّ على القدرة: ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ يرجع إلى الله ويفكر في قدرته (٤).
٩ - قوله: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ يعني كثير الخير، وفيه حياة كل شيء وهو المطر. قوله ﴿وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ الحصيد المَحصود، وقد مَرَّ تفسيرُه عند قوله: ﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] (٥).
قال ابن عباس: يريد القمح (٦).
(٢) دوارج الدابة: قوائمها. "اللسان" ١/ ٩٦٣ (درج).
(٣) وصدره:
لها ذنب مثل ذيل العروس
انظر: "ديوانه" ص ١١٢، "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٥ (فَرَجَ)، "الخزانة" ٧/ ٢١٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٣.
(٥) عند تفسيره لآية (١٠٠) من سورة هود. ومما قال: الحصيد غير القائم وهو من الديار الخرب والمخسوف به، ومن الزرع ما أهلك ومحي أثره.
(٦) والذي ورد عنه رضي الله عنه قوله: (الحبوب كلها التي تحصد).
انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٣، وهو ما قال به الزجاج أيضًا.
وقال أبو إسحاق: جَمع بذلك جميع ما يقتات ويحصد من حب (٢). قال الفراء: الحب الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه (٣). والبصريون يقولون: أراد حب النبت الحصيد (٤).
١٠ - قوله: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ يعني طوالاً، وبسوقها طولها. يقال: جبل باسق، وبناء باسق، وحَسَب باسق، وبسقت المرأة إذا طالت، وكذلك النخلة (٥).
وأنشد أبو عبيدة (٦):
يا ابْنَ الذين بُضُلُهم | بَسَقْتَ على قَيسٍ فَزَارَة (٧) |
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٣.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٧٦، قال الأزهري: وقول الزجاج: أصح لأنه أعم. "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٢٦ (حصد).
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤١٣، "البحر المحيط" ٨/ ١٢١.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ٤١٨، "المفردات" ص ٤٦ (بسق).
(٦) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٣، "اللسان" ١/ ٢١٤ (بسق). والبيت لأبي نوفل يمدح ابن هبيرة.
"اللسان" ١/ ٢١٤ (بسق)، "الدر المصون" ١٠/ ٢٠ - ٢١.
(٧) قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. قبيلة عظيمة تشعبت إلى ثلاثة بطون من كعب وعمرو وسعد. وغلب اسم قيس على سائر العدنانية.
انظر: "معجم قبائل العرب" ٣/ ٩٧٢.
وفزارة بطن عص من غطفان وهم بنو فزارة بن ذبيان ومنهم جماعة من العلماء والأئمة من بطن بني غراب. كانت منازلهم بنجد ووادي القرى، ثم تفرقوا. لهم أيام في الإسلام وقبله. انظر: "معجم قبائل العرب" ٣/ ٩١٨.
قوله: ﴿لَهَا طَلْعٌ﴾ وهو أول ما يظهر من ثمر النخل. يقال: طَلَعَ الطَّلعُ أي يطلعُ طلوعًا، وأطلعت النخلة، إذا أخرجت طلعها. وطلعها كفرَّاها (٢) قبل أن ينشق. وقال المفضل: الطلع أول ما يرى من عذق النخلة الواحدة طَلْعَة (٣).
قوله: ﴿نَضِيدٌ﴾ يقال: نضدت الشيء أنضده نضدًا، إذا وضعت بعضه فوق بعض، وهو منضود ونضيد ونضد.
قال المفسرون (٤): (نضيد) منضود بعضه على بعض.
قال الفراء: طلع الكُفُرَّى نضيد ما كان في أكمامه، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد (٥). وهذا قول الكلبي، واختاره ابن قتيبة فقال: وذلك قبل أن ينفتح، فإذا انشق جفت الطلعة وتفرقت فليس بنضيد (٦). ومجاهد
انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٠، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٧، "جامع البيان" ٢٦/ ٩٦، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٢.
(٢) الكَفَرُ، الكُفُرِّي، والكِفِرَّي، والكَفَرَّي، والكُفَّري، وعاء طلع النخل.
وكفُرَّاهُ: بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها هو وعاء الطلع وقشره الأعلى. "اللسان" ٣/ ٢٧٥ (كفر).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٣، "اللسان" ٢/ ٦٠٥ (طلع).
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٧، "جامع البيان" ٢٦/ ٩٦ - ٩٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٦، ولم أجده منسوبًا للكلبي.
(٦) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤١٨، والجُفُّ: الوعاء، وجُفُّ الطلعة: وعاؤها الذي تكون فيه.
١١ - قوله تعالى: ﴿رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾ قال أبو إسحاق: ينتصب على وجهين:
أحدهما: على معنى رزقناهم رزقًا، لأن إنباته هذه الأشياء رزق، ويجوز أن يكون مفعولاً له، المعنى: فأنبتنا هذه الأشياء للرزق (٣).
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ أي من القبور. والمعنى: كما خلقنا هذه الأشياء نبعثكم كقوله: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ [الأعراف: ٥٧]. وقال ابن عباس: ينزل من السماء مطر كنطف الرجال تنبت عليهم اللحوم والعظام (٤). وهذا معنى قول مقاتل: يخرجون من القبور بالماء، كما أخرجنا النبت من الأرض بالماء (٥).
(٢) الشمراخ والشُّمروخ: العثكال الذي عليه الشر، وأصله في العذق وقد يكون في العنب.
والعثكال، والعثكول، والعثكولة: العذق. "اللسان" ٢/ ٣٥٧ (شمرخ) ٢/ ٦٨٥ (عثكل).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٣.
(٤) لم أجده عن ابن عباس وسيأتي نحوه عن علي رضي الله عنه عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ من سورة الطور.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ.
١٢ - ١٤ - قوله: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وأخبار هؤلاء قد سبق ذكرُها، وتُبّع هذا هو الذي ذكر في قوله: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وهو تبع الحميري (١)، أسلم ودعا قومه إلى الإسلام. وكانوا يعبدون النار فأحرقهم الله بالنار.
قوله: ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ قال ابن عباس: يعني ما أوجب الله لمن كذب أنبياءه من العذاب (٢). وقال مقاتل: فوجب عليهم عذابي (٣).
وقال أبو إسحاق: فحقت عليهم كلمةُ العذاب والوعيد لمكذبي الرسل (٤).
ثم أنزل جوابًا لقولهم: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ قوله تعالى:
١٥ - ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ يقال لكل من عجز عن شيء: عَيِيَ به، وعَيِيّ به، وعَيِيَ فلان بهذا الأمر. قال الشاعر:
عَيُّوا بأمْرِهِمُ كَمَا | عَيَّتْ ببَيْضَتِهَا الحَمَامَةْ |
انظر: "المعارف" ٦٣١، "تاريخ الأمم والملوك" ١/ ٣٧١، "البداية والنهاية" ٢/ ١٦٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٢.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٢.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٣.
وقال مقاتل: يقول الله: أعجزنا عن الخلق الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئًا، فكيف نعيا عن بعثهم (٢)؟ وهذا تقرير لهم؛ لأنهم اعترفوا بأن الله الخالق وأنكروا البعث. ثم ذكر أنهم في شك من البعث بعد الموت فقال: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ قال مجاهد، وقتادة: يمترون بالبعث بعد الموت (٣).
وقال الفراء: أي هم في ضلال وشك (٤).
وقال المبرد: التبس عليهم إعادة الخلق (٥). وذكرنا معنى اللبس عند قوله: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الأنعام: ٩] (٦).
١٦ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ يعني ابن آدم، وهو اسم
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٠، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٧، "جامع البيان" ٢٦/ ٩٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٧٧.
(٥) لم أجده عنه وهو معنى ما روي عن مجاهد، وقتادة، وأصحاب اللغة.
(٦) مما قال عند تفسيره لهذه الآية: لبست الأمر على القوم ألبسه لبسًا، إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلاً. قال ابن السكب: يقال: لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته. قال أهل اللغة: معنى اللبس منع النفس من إدراك المعنى بما هو كالستر له، وأصله من الستر بالثوب. ومنه لبس الثوب؛ لأنه ستر النفس به.
وانظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ٤٤٢ "اللسان" ٣/ ٣٣٥ (لبس).
قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ قال أهل اللغة: الوريد: عرق تحت اللسان يتفرق في البدن، وهو في العضد فَلِيقٌ (٢)، وفي الذراع الأكحل، وفيما تفرق من ظهر الكفِّ الأشاجعُ (٣)، وفي بطن الذراع الرَّواهش (٤).
وقال أبو الهيثم (٥): الوريدان عرقان بجنب الودجين عن يمين ثغرة النحر ويسارها. قال: والوريدان ينبضان أبدًا من الإنسان. فكل عرق ينبض فهو من الأوردة التي فيها مجرى الحياة، والوريد من العروق ما جرى فيه
والوسوسة هي الصوت الخفي من ريح، والوسوسة والوسواس: حديث النفس، والوسواس بالفتح هو الشيطان. انظر: "تهذيب اللغة" ١٣/ ١٣٦ (وسس)، "اللسان" ٣/ ٩٢٢ (وسس).
(٢) الفليق: عرق في العضد يجري على العظم إلى نغضِ الكتف. "تهذيب اللغة" ١٥٦/ ٩، "اللسان" ٢/ ١١٢٨ (فلق). ونغض الكتف هو أعلى منقطع غضروف الكتف.
(٣) الأشاجع: العصب الممدود فوق السّلامى من بين الرسغ إلى أصول الأصابع. وقيل: رؤوس الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل عروق ظاهر الكف، وهو مغرز الأصابع.
"تهذيب اللغة" ١/ ٣٣١، "اللسان" ٢/ ٢٧٣ (شجع).
(٤) الرواهش: واحدها راهشة، أو راهش، وهي عروق باطن الذراع. "تهذيب اللغة" ٦/ ٨١، "اللسان" ١/ ١٢٣٩ (رهش).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ١٦٣، "اللسان" ٣/ ٩٠٨ (ورد).
وقال الليث: هما وريدان مكتنفان صفحتي العنق، يقال للغضبان: قد انتفخ وريداه، والجميع الأوردة، والورد (١). وذكر الفراء وأبو عبيدة والزجاج أن الوريد في الحلق وباطن العنق (٢).
قال مقاتل: هو عرق يخالط القلب، فعِلْمُ الربِّ تبارك وتعالى أقرب إلى القلب من ذلك العرق (٣).
وقال أهل المعاني (٤): المعنى: ونحن أقرب إليه في العلم وما تحدث به نفسه من هذا العرق المخالط للإنسان، وذلك أن أبعاض الإنسان وأجزاءه يحجب بعضها بعضًا، ولا يحجب علم الله عنه شيء (٥).
ثم ذكر أنه مع علمه به وكَّل به ملكين يحفظان ويكتبان عليه عمله إلزامًا للحجة فقال: قوله:
١٧ - ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ (إذ) يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله وهو العلم، كأنه قيل: يعلم، ما يعمل، ويقول إذ يتلقى الملكان. أخبر أنه عالم
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٣، "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٦، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٤.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٩.
(٤) قال ابن الصلاح: وحيث رأيت في كتب التفسير (قال أهل المعاني) فالمراد به مصنفو الكتب في "معاني القرآن" كالزجاج ومن قبله. وفي بعض كلام الواحدي: أكثر أهل المعاني: الفراء والزجاج، وابن الأنباري. قالوا كذا
انظر: "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٢٩١
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١١/ ١٧٨ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٢، "الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ١٧.
قال مقاتل في هذه الآية: يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه (٣).
قوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ قعيدا كلِّ إنسان حافظاه، وهما الملكان الموكَّلان به، قال ابن قتيبة: قعيد بمنزلة قاعد. مثل: قدير وقادر، وقد يكون بمنزلة: أكيل وشريب (٤). فيكون القعيد بمعنى القاعد، وأصل هذا من القعود، ثم صار اسمًا للملازم للإنسان في كل حال من القيام والقعود والمشي والاضطجاع. ولهذا كانت العرب تطلق هذا الاسم تريد به الله تعالى، على معنى أن الله مع العبد بالعلم أينما كان فيقول: قَعْدَكَ الله وقعيدَك الله، بمنزلة نشدتك الله. وأنشد أبو الهيثم فقال:
(٢) عند تفسيره لآية (٣٧) من سورة البقرة، ومما قال: والتلقي في اللغة معناه الاستقبال.. ومنه الحديث: أنه نهى عن تلقي الركبان. قالوا معناه الاستقبال. وتفسير التلقي بالتلقن جائز صحيح وليس من لفظه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
(٤) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤١٨.
قَعِيدكُمَا الله الذي أنْتُما له | ألم تَسْمَعَا بالبيضَتَيْن المُنَادِيَا (١) |
قَعِيدَكِ ألَّا تُسْمِعِيني مَلامَةً | ولا تَنْكِئي قَرْحَ الفُؤادِ قبيحا (٢) |
نَحْن بما عِنْدَنا وأنْتَ بما | عِنْدَك رَاضٍ والرَّأيُ مُخْتَلِفُ |
ومثله أيضًا:
رَمَاني بأَمْرٍ كنتُ منه ووالِدِي | بريئًا ومن أجْلِ الطّوى رَمَانِي (٤) |
انظر: "ديوان الفرزدق" ٢/ ٣٦٠، "اللسان" ١/ ٢٩٨ (بيض) ٣/ ١٢٩ (قعد)، "همع الهوامع" ٤/ ٢٦٢.
(٢) ورد البيت منسوبًا في "المفضليات" ص ٢٦٩، "الإيضاح في شرح المفصل" ١/ ٢٣٧، "تهذيب اللغة" ١/ ١٩٩، "اللسان" ٣/ ١٢٩، (قعد)، "الخزانة" ٢/ ٢٠، وكل المصادر روته (فييجعا) بدل (قبيحًا).
(٣) البيت لقيس بن الخطيم والد ثابت بن قيس الصحابي الجليل، وينسب إلى عمرو بن امرئ القيس الخزرجي.
انظر: "ديوان قيس" ص ٢٣٩، "الكتاب" ١/ ٧٥، "المقتضب" ٣/ ١١٢، ٤/ ٧٣، "الأمالي" ابن الشجري ٢/ ٢٠، "الإنصاف" ص ٩٥.
(٤) البيت لعمرو بن أحمر أو لطرفة الفراصي. انظر: "الكتاب" ١/ ٧٥، "همع الهوامع" ٢/ ٨٤، "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٦٧٨، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٨، ونسبه أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ١٦١ للأَزرق الباهلي.
والمراد بالطوي البئر التي كان بينة وبين خصمه خلاف عليها.
إني ضَمِنْت لمن أتانِي ما جَنَى | وأبي فكان وكُنْتُ غَيْرَ غَدُورِ (٣) |
يا عاذلاتي لا تطلن ملامتي | إن العواذل لسن (٤) لي بأمير (٥) |
(٢) في (أ): (الفرزدق) والصواب ما أثبته. سبق ترجمته في سورة النساء.
(٣) ورد البيت في "الكتاب" ١/ ٣٨، "الإنصاف" ص ٩٥، "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٧، "المذكر والمؤنث" ص ٦٧٧، "الإيضاح في شرح المفصل"١/ ١٦٨، وليس في "ديوان الفرزدق". والشاهد فيه: "غدور" ولم يقل: "غدورين".
(٤) أي: (ليس).
(٥) قال البغدادي في شرح أبيات "مغني اللبيب" ٤/ ٤٨٣: والبيت مشهور بتداول العلماء إياه في مصنفاتهم، ولم أقف على قائله اهـ. ونسب في بعض المصادر ليزيد ابن الصعق.
انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٤٤، "اللسان" ٢/ ٦٥٨ (ظهر)، "الخصائص" ٣/ ١٧١، "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٣، وقوله: (بأمير) أي لسن لي بأمراء.
(٦) ومما قال عند تفسيره لآية: قال الفراء: وإنما وحد الرفيق وهو حقه الجمع؛ لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب بها العرب إلى الواحد وإلى الجمع، ولا يجوز أن تقول: حسن أولئك رجلاً. وقال بعضهم: حسن كل واحد منهما رفيقًا
(٧) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ٩٩، "الوسيط" ٤/ ١٦٥.
قوله: ﴿عَتِيدٌ﴾ قال الكلبي: حاضر معه يحفظ عمله (٢).
وقال الزجاج: ثابت لازم (٣). وذكرنا تفسيره عند قوله: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] (٤).
١٩ - قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ﴾ أي: وتجيء. وذُكر بلفظ الماضي إشعارًا بتحقق كونه، كما قال: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٤٤] وقد مر (٥) قوله ﴿سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله وفهمه. وذكرنا الكلام في هذا الحرف عند قوله: ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٥] (٦).
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٥، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١١، ولم ينسبوه لقائل.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٥.
(٤) ومما قال عند تفسيره الآية: يقال اعتدت الشيء فهو معتد وعتيد، وقد عند الشيء عتادة وهو عتيد حاضر، قاله الليث. قال: ومن هنالك سميت العتيدة التي فيها طيب الرجل وأدهانه.
(٥) عند تفسيره لآية (٤٤) من سورة الأعراف. ولم يذكر هناك شيئاً عن وروده بصيغة الماضي والله أعلم.
(٦) مما قاله عند تفسيره لهذه الآية: السَّكر سد الثقب لئلا ينفجر الماء، والسكر في الشرب هو تغير العقل وفساد اللب وقيل السكر في الشراب هو أن ينقطع عما كان =
وقال أبو إسحاق: أي بالموت الذي خلق له (٢). وقال الفراء: يقول بالحق الذي كان غير متبين لهم من أمر الآخرة، ويكون الحق هو الموت. أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت (٣).
قوله (٤) تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ أي يقال لمن جاءته سكرة الموت: (ذلك)، أي ذلك الموت ﴿مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ قال مقاتل: يعني كراهية الموت (٥). ونحو هذا قال ابن عباس: تكره (٦). يقال: حاد عن الشيء يحيد حيدًا وحَيْدُودة وحَيَدانا ومحيداً وحِيَاداً وحُيوداً، إذا مال عنه وهرب (٧). قال عطاء عن ابن عباس: يجتنب ويهرب (٨). وقال الضحاك: يزوغ ويميل وينكص، كل هذا من ألفاظهم (٩).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ قال مقاتل والكلبي: هي النفخة
وانظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٥، "اللسان" ٢/ ١٧٠، "المفردات" (٢٣٦) (سكر).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٧.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٥.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٧٨.
(٤) (ك): (وجاءت: أي وتجيء وذكر بلفظ الماضي إشعارًا قوله) والصواب حذفها.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٦، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨٠ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ١٨٩، "اللسان" ١/ ٧٦٦ (حيد).
(٨) لم أجده، وهو في معنى القول الأول.
(٩) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١/ ١٣.
٢١ - ﴿وَجَاءَتْ﴾ أي في ذلك اليوم ﴿كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ قال ابن عباس ومقاتل والحسن: سائق يسوقها إلى المحشر وإلى أمر الله، وشهيد يشهد عليها بما عملت، وهو قول الجميع (٣).
قال الكلبي: السائق هو الذي كان يكتب عليه السيئات، والشهيد هو الذي كان يكتب الحسنات (٤).
قال عبد الله بن مسلم: السائق قرينها من الشياطين، سمي سائقًا؛ لأنه يتبعها وإن لم يحثها ويدفعها. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوق أصحابه. أي يكون وراءهم. والشهيد الملك الشاهد عليها بما عملت (٥). والمراد بالنفس هاهنا نفس الكافر، يدل عليه قوله:
٢٢ - ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ اليوم في الدنيا ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ﴾ قال ابن عباس: الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك (٦).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٦، "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٨، "جامع البيان" ٢٦/ ١٠١، "المصنف" ١٣/ ٤٣٩، وهو قول عثمان بن عفان، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٥، "البحر المحيط" ٨/ ١٢٤، وقال (وهو قول ضعيف).
(٦) انظر. "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣، ولم ينسب.
وقال أبو إسحاق: هذا مثل، المعنى: كنت بمنزلة من عليه غطاء وعلى قلبه غشاوة ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ أي فعلمك بما أنت فيه نافذ، وليس يراد بهذا البصر بصر العين (٢). وهذا قول الكلبي واختيار الفراء، قال: المعنى كنت تكذب فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر هاهنا: العلم وليس بالعين (٣). والآخرون قالوا: هو العين.
قال ابن عباس في رواية عطاء: تبصر ما كنت تنكر في الدنيا (٤).
قال ابن قتيبة: أي: فأنت نافذ البصر لما كشفت عنك الغطاء (٥).
قال الضحاك: يحشر الكافر وبصره حديد، ثم يزرق ثم يعمى (٦).
وقال مقاتل: يشخص بصره، فلا يطرف حين يعاين في الآخرة ما كان يكذب به في الدنيا (٧).
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ قال مقاتل: يعني صاحبه، وهذا الملك الذي كان يكتب عمله السىِّء في الدنيا يقول لربه: كنت وكلتني به في الدنيا فهذا عندي معد حاضر قد آتيتك به (٨). ونحو هذا
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٥.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٧، "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٨، وأخرج ابن جرير في "جامعه" ٢٦/ ١٠٣ عن قتادة.
(٤) انظر: "معالم التزيل" ٤/ ٢٢٣، ولم ينسبه.
(٥) انظر: "تأويل المشكل" ص ٤٢٢. وعبارته: فأنت ثاقب.
(٦) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٥.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
وابن قتيبة صرح بالقول الثاني فقال: يعني ما كتبته من عمله حاضر عندي (٤). وسيبويه جعل ﴿مَا﴾ هاهنا نكرة فقال: المعنى هذا شيء لدي عتيد، فارتفع ﴿عَتِيدٌ﴾ لأنه صفة لـ ﴿مَا﴾ (٥). وذكر أبو إسحاق في رفع عتيد وجهين آخرين:
أحدهما: أن يرفع بإضمار (هو) كأنه قيل: هذا شيء لدي هو عتيد.
والآخر: أن يكون خبرًا بعد خبر، كما تقول: هذا حلو حامض (٦).
٢٤ - ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ قال مقاتل: يقول الله ألقيا في جهنم يعني الخازن، وهو في كلام العرب: خذاه، يعني الواحد (٧).
وقال الكلبي: كلام العرب ألقيا لواحد (٨) واختار الأخفش، والفراء هذا المذهب، وهو أن هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب يأمرون الواحد كما يأمر الاثنان، يقولون: قوما عنا للرجل. وويلك
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣، "الجامع" للقرطبي ١٧/ ١٦.
(٤) انظر: "تأويل المشكل" ص ٤٢٢.
(٥) انظر: "الكتاب" ١/ ٢٦٩، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٢٠.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٥.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب.
(٨) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٣، "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٣.
فقلتُ لصَاحِبي لا تَحْبِسَانا | بنَزْعِ أصُولِهِ واجْتَزّ شِيحَا |
فإن تَزْجُرانِي يابنَ عَفَّان أنزَجِرْ | وإن تَدَعَاني أحَمِ عِرْضاً مُمنَّعا (٢) |
خليلَيّ مُرّا بي على أمِّ جُنْدُبِ | لنَقْضِي حَاجَاتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ |
ألم تَرَيَانِي كُلّما جئْتُ طَارِقًا | وَجَدْتُ بها طِيبًا وإنْ لم تَطَيَّبِ (٤) |
وذكر أبو إسحاق عن المبرد أن هذا فعل مبني توكيدًا، كأنه لما قال:
(٢) البيت لسويد بن كراع. انظر: "شرح القصائد السبع" ص ١٦، "الأغاني" ١١/ ١٢٣، "شرح شواهد الشافية" ص ٤٨٤، "إملاء العكبري" ٢/ ٢٤٢، "الخزانة" ١١/ ١٧.
(٣) (ك): (قليلاً).
(٤) انظر: "ديوانه" ص ٤١، ١٢١، "الخصائص" ٣/ ٢٨١، "التصريح بمضمون التوضيح" ١/ ٢٠٢.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٨ - ٨٩.
قال أبو الفتح الموصلي: وهذا يدل على شدة اشتراك الفعل والفاعل، ألا ترى أنه لما بني أحدهما وهو ضمير الفاعل ناب عن تكرير الفعل، وإنما ناب عنه لقوة امتزاجهما، فكأن أحدهما إذا حضر فقد حضرا جميعًا (٢). وهذا الذي قاله الموصلي بيان علة جواز نيابة (ألقيا) عن ألق ألق.
قال أبو إسحاق: والوجه عندي أن يكون أمر الملكين؛ لأن (ألقيا) للاثنين، فأنا اعتقد أنه أمر الاثنين (٣).
وبهذا قال جماعة من المفسرين؛ فذكروا أن هذا خطاب للمتلقين معًا (٤)، أو للسائق والشاهد جميعًا (٥). والأشهر في هذا ما ذكره الفراء، ويدل عليه قراءة الحسن: (ألقين) بالنون الخفيفة، وهو خطاب الواحد (٦). قوله ﴿كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ قال الكلبي، ومقاتل: كل كَفّار للنعم، معرض عن
(٢) انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٢٥ - ٢٢٦
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٦.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٦.
(٥) قال ابن كثير: والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد، وبه قال الألوسي، وهو معنى ما قاله الزجاج.
انظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٦، "روح المعاني" ٢٦/ ١٨٥.
(٦) انظر: "الكشاف" ٤/ ٢٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٦، "البحر المحيط" ٨/ ١٢٦.
٢٥ - قوله تعالى: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ أي لا يبذل خيرًا. قال مقاتل: لا يعطي في حق الله (٣).
(مُعْتَدٍ) ظالم غشوم لا يقر بتوحيد الله، ﴿مُرِيبٍ﴾ قال قتادة والكلبي ومقاتل: شاك في الحق، وهو توحيد الله (٤). وهذا من قولهم: أراب الرجل، إذا صار ذا ريب. وقد ذكرنا ذلك في ابتداء سورة البقرة (٥). وذكر عطاء ومقاتل أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة.
٢٧ - قوله تعالى: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ اختلفوا في المراد بالقرين هاهنا فقال ابن عباس في رواية عطاء: يعني قرينه من الشياطين (٦).
(٢) قال عند تفسيره لهذه الآية: العنيد المعرض عن طاعة الله وهو قول ابن عباس. ومجاهد: هو المجانب للحق. وقال إبراهيم: الناكب عن الحق. وقال ابن زيد: المخالف للحق. وقال أبو إسحاق: الذي يعدل عن القصد. وقال ابن الأعرابي: أعند الرجل إذا عارض إنسانًا بالخلاف، وأعند إذا عارض بالاتفاق. وعند البعير خطامه أي عارضه. والعنود من الإبل التي تعاند الإبل فتعارضه. وقال قوم من أهل اللغة: معنى عند إذا أبى قبول الشيء مع العلم به تكبرًا عنه وبغيًا وطغيانًا.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٤ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٧.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٤، "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٧.
(٥) عند تفسيره لآية (٢) من سورة البقرة. ومما قال: الريب الشك. يقال: رابني فلان يريبني، أي علمت منه الريبة. وأرابني أوهمنيها ولم يحققها.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٤، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٦.
وقال الكلبي: يقول الملك: ربنا ما أطغيته (٥)، وعلى هذا القول المراد بالقرين الملك. وهو قول سعيد بن جبير. قال: يقول الكافر: رب إن الملك زاد عليّ في الكتابة (٦). واختار الفراء هذا القول فقال: إن الكافر يقول: يا رب إنه كان يعجلني عن التوبة، فيقول الملك: ربنا ما أطغيته (٧) أي: ما أعجلته عن التوبة وما زدت عليه. والمعنى: لم أكن سبب طغيانه بالإعجال والزيادة عليه، ولكن كان في ضلال بعيد لا يرجع إلى الحق ولا إلى التوبة. فيقول الله تعالى: ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ قال ابن قتيبة: وذكر الله
(٢) انظر: "تأويل المشكل" ص ٤٢٢.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٧، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤.
(٥) لم أجده.
(٦) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤، "الجامع" للقرطبي ١٧/ ١٧، "فتح القدير" ٥/ ٧٧.
وهو مروي عن ابن عباس، ومقاتل. انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٩، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨١ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٦.
قوله تعالى: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ يعني ما ذكر من الوعيد بالعذاب لمن عصى الرسل.
قال مقاتل: يقول قد أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة (٢). وقدَّم هاهنا إن كان واقعًا فالباء في ﴿بِالْوَعِيدِ﴾ زائدة مؤكدة، وإن كان لازمًا بمعنى يقدم كما ذكرنا في قوله: ﴿لَا تُقَدِّمُوا﴾ [الحجرات: ١] (٣) فالباء للتعدية (٤).
ثم ذكر أنه لا تبديل لقوله ولا خلف لوعده فقال:
٢٩ - ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد ما لوعدي خلف لأهل طاعتي ولا لأهل معصيتي (٥).
وقال مجاهد: قد قضيت ما أنا قاض (٦).
وقال مقاتل: يقول الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيته (٧)
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ.
(٣) قال: قدم هاهنا بمعنى تقدم. وهو لازم لا يقتضي مفعولاً.. قال الفراء: يقال: قدمت في أمر كذا وكذا وتقدمت. وقال الأزهري: ويقال: قدم ويقدم وتقدم يتقدم وأقدم يقدم واستقدم يستقدم بمعنى واحد.
(٤) انظر: "البحر المحيط" ٨/ ١٢٦، "فتح القدير" ٥/ ٧٧، "روح المعاني" ٢٦/ ١٨٦.
(٥) لم أجده.
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٢، "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٦.
(٧) (ك): (قضيت). والصواب ما أثبته.
قال المفسرون (٢): وهو قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩، السجدة: ١٣]. وقال أبو إسحاق: يعني قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ (٣).
فإن قيل: على هذا كيف يجوز النسخ مع قوله: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ قلنا سبق قضاؤه بنسخ ما ينسخه، فلو لم ينسخ وقد سبق به الحكم حينئذ لزم تبديل القول.
وهكذا نقول في فائدة الدعاء والشفاعة (٤). وذكر الكلبي في الآية قولاً آخر فقال: معنى الآية: ما يغير القول عندي بالكذب (٥). يعني من كذب عندي فالغيب لا يخفى علي، وعلى هذا القول هو قول العبد لا قول الله تعالى. واختار الفراء وابن قتيبة هذا القول.
قال الفراء: معناه ما يكذب عندي للعلم بالغيب (٦). وقال ابن قتيبة: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ أي لا يُغير عن جهته ولا يُحَرّف، ولا يزاد فيه ولا
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٧.
(٣) من آية (١٦٠) من سورة الأنعام. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٦.
(٤) انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ١٦، "مناهل العرفان" ٢/ ١٩٨، "مباحث في علوم القرآن" ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١١/ ١٨١ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤، "فتح القدير" ٥/ ٧٧.
(٦) انظر: "معانى القرآن" للفراء ٣/ ٧٩.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ﴾ قال أبو إسحاق: نصب ﴿يَوْمَ﴾ على وجهين:
على معنى: ما يبدل القول لديّ في ذلك اليوم.
وعلى معنى: أنذرهم يوم نقول، كما قال: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ (٣).
وقرأ نافع: (يقول) بالياء على معنى: يقول الله. وقراءة العامة (٤) أشبه بما قبله من قوله: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ﴾ وقوله: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ والنون في المعنى مثل: أقول، فهو أشبه بما قبله (٥).
وقوله: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾ قال جماعة علماء التأويل (٦): الله تعالى عالم هل امتلأت أم لا، وسؤالها عن امتلائها توبيخ لمن أُدْخِلها، ودلالة على صدق قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ أراها الله تعالى تصديق قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ فلما امتلأت قال لها: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾، قال أبو إسحاق: ووجه مخاطبتها جعل
(٢) ذكره الشوكاني، ثم قال: والأول أولى، "فتح القدير" ٥/ ٧٧.
(٣) من آية (٣٩) من سورة مريم. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٦.
(٤) قرأ نافع وأبو بكر (يقول) بالياء. وقرأ الباقون (نقول) بالنون. انظر: "حجة القراءات" ص ٦٧٨، "النشر" ٢/ ٣٧٦، "الإتحاف" ص ٣٩٨.
(٥) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢١٣.
(٦) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٨، "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٥، "القرطبي" ١٧/ ١٨.
قوله تعالى: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد هل فيّ من سَعَة. وقد ضاقت بأهلها (٢). وقال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح: وَعَدَهَا الله ليملأنها فقال: وفيتك. فقالت: فهل فيّ من مسلك (٣). وقال في رواية ابن أبي مريم: لا يزال يقذف فيها حتى تقول: قد امتلأت، فهل فيّ من مزيد (٤).
وروى مقاتل بن سليمان قال: فتنتفض فتقول: قد امتلأت وليس فيّ مزيد. تقول: ليس فيّ سَعَة (٥). وعلى هذا معنى الاستفهام في قوله: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ الإنكار (٦). أي قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح (٧): معنى قوله: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٥٩، من طريق الكلبي، "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٢، "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٥.
(٤) انظر: "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧، ونسب إخراجه لسعيد بن منصور وابن المنذر.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨١ ب.
(٦) قلت: قول المؤلف رحمه الله: ومعنى الاستفهام الإنكار هو من كلام شيخه الثعلبي، ولا يليق بهذا المقام على القراءتين إذ لا يتصور إنكار من مخلوق على الله تعالى وبخاصة في يوم القيامة، بل الاستفهام فيه من الضعف والاستصغار أمام عظمة الله تعالى ما يرد وصفه بالإنكار والله أعلم.
(٧) باذام أو باذان مولى أم هانئ. وثقه بعض أهل العلم، وتكلم فيه بعضهم، واختار الشيخ أحمد شاكر توثيقه، وقال ابن معين: إذا روى عنه الكلبي فليس بشيء، =
أحدها: أن هذا السؤال كان قبل دخول جميع أهل النار فيها (٢)
والآخر: إنَّما طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها (٣).
وقال أبو إسحاق: إنها تقول: هل من مزيد تغيظًا على من فيها، يعني أن طلب الزيادة حنقًا على أهلها، تقول: هل بقي أحد لم أنتقم لك منه، فالزيادة (٤) ليس أنها لم تمتلئ فطلب الزيادة (٥).
٣١ - قوله تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ قال مقاتل: قربت
انظر: "تهذيب الكمال" ١/ ١٣٧، "الجرح والتعديل" ١/ ٤٣٢، "مسند الإمام أحمد" بتحقيق شاكر ٣/ ٣٢٣، "تهذيب التهذيب" ١/ ٤١٦، "ميزان الاعتدال" ١/ ٢٩٦.
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٦، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨١ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٨.
قلت: والقول بأن قوله تعالى: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ معنى: هل بقي شيء تزيدوني، هو الظاهر من السياق وعليه تدل الأحاديث الصحيحة.
انظر: "صحيح البخاري"، كتاب: التفسير، باب: وتقول هل من مزيد، ٦/ ١٧٣، "صحيح مسلم"، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: النار يدخله الجبارون ٤/ ٢١٨٦، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٦.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١١/ ١٨١ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٤
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٢٨/ ١٧٤، "فتح القدير" ٥/ ٧٧.
(٤) (ك): (فازادة).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٧.
٣٢ - ﴿هَذَا﴾ أي هذا الجزاء أو هذا الشيء الذي ترونه: ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ قوله: ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ بدل من قوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ (٢) ويجوز أن يكون التقدير: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ منكم. فحذف (منكم) لدلالة الخطاب عليه (٣).
قال ابن عباس: يريد لكل راجع عن معاصي الله (٤). وقال عبيد بن عمير: الأواب الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها (٥).
وقال مجاهد: هو الذي إذا ذكر ذنبه في الخلاء استغفر منه (٦).
وقال ابن المسيب: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب (٧). وأصله من الرجوع، وقد مر تفسيره عند قوله: ﴿لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٢٥] (٨)
قوله: ﴿حَفِيظٌ﴾ قال ابن عباس: أي لما ائتمنه الله عليه وافترضه (٩).
(٢) انظر: "الكشاف" ٤/ ٢٤.
(٣) انظر: "فتح القدير" ٥/ ٧٨.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٠، "الوسيط" ٤/ ١٦٨.
(٥) انظر: "المصنف" ١٣/ ٤٤٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٠، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٨، "فتح القدير" ٥/ ٧٨.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١١/ ١٨٢ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥.
(٧) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٨، "معا لم التنزيل" ٤/ ٢٢٥، "الدر" ٦/ ١٠٧.
(٨) عند تفسيره لآية (٢٥) من سورة الإسراء. وهو بنفس النص المذكور هنا.
(٩) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٠ عن قتادة.
وقال قتادة: حافقالما استودعه الله من حقه ونعمته (٢).
٣٣ - قوله تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من قوله: ﴿أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾، ويجوز أن يكون استئنافًا على: هو من خشي الرحمن ويجوز أن يكون ابتداء يراد به الجزاء، على معنى: من خشي الرحمن قيل له: ﴿ادْخُلُوهَا﴾ وادخلوها جواب للجزاء، أضمرت قبله القول وجعلته فعلاً للجميع وهو قوله: ﴿ادْخُلُوهَا﴾، لأن (من) يكون في مذهب الجمع ذكر ذلك الفراء (٣).
ومعنى ﴿خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ قال ابن عباس: يقول يخافني ولا يرائي فكأنه يرائي (٤).
وقال مقاتل: أطاعه ولم يره (٥). وهذا كما ذكرنا في قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] ومعنى هذا الغيب: غيبته عن رؤية الله. وقال الضحاك والسدي والحسن: يعني: في الخلوة، حيث لا يراه أحد إذا أرخى الستر وأغلق الباب (٦). وعلى هذا الغيب غيبته عن الناس ورؤيتهم.
(٢) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٧، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨٢ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٧٩، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٢٣، "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٦٨٥.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٠، "الوسيط" ٤/ ١٦٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١١/ ١٨٢ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢١، "فتح القدير" ٥/ ٧٨.
وقال أبو صالح عنه: مقبل إلى طاعة الله (٣).
٣٤ - وقوله: ﴿ادْخُلُوهَا﴾ أي يقال لهم: ادخلوا الجنة ﴿بِسَلَامٍ﴾ قال ابن عباس: بسلامة قد إنقطعت عنهم الهموم وأمنوا الموت (٤). وقال قتادة: سلموا من عذاب الله وسلم الله عليهم (٥).
﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ في الجنة، لأنه لا موت فيها. قاله مقاتل.
٣٥ - ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا﴾ ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه ولم يخطرهم على بال، فذلك قوله: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ (٦) يعني وعندنا لهم مزيد. وقال عطاء عن ابن عباس: المزيد ما يزيدهم الله من الحور العين إلى ما عندهم من بنات آدم (٧).
وقال الكلبي عنه: هو أن الملائكة تأتي أحدهم بالهدايا من عند الله
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٦٩، ولم ينسبه لقائل.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥، "الجامع" للقرطبي ١٧/ ٢١، "فتح القدير" ٥/ ٧٨.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٠، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٥.
(٥) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٩، "جامع البيان" ٢٦/ ١٠٨.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ أ.
(٧) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢١، لاروح المعاني" ٢٦/ ١٩٠، "الدر" ٦/ ١٠٨، قال: وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن جرير بسند حسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "ثم تأتيه امرأته فتضرب علي منكبه... ويسألها من أنت فتقول: أنا من المزيد". وانظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١١٠.
وقال كثير بن مرة (٢) وغيره: هو أن السحابة تمر بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطر لهم، وتمطر لهم الحور العين، فتقول الحور: نحن الذين قال الله: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ (٣) وروي عن أنس ابن مالك في قوله ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ قال: يظهر لهم الرب تبارك وتعالى (٤)
وروى ذلك أيضًا عن جابر ويشهد لهذا التأويل قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] (٥).
(٢) كثير بن مرة أبو شجرة، ويقال أبو القاسم الحضرمي، الحمصي، ثقة. سمع عمر، وروى عن معاذ وعبادة بن الصامت وجماعة، ويقال إنه أدرك سبعين بدريًا وشهد الجابيَّة مع عمر.
انظر: "التاريخ الكبير" ٤/ ٢٠٨، "طبقات ابن سعد" ٧/ ٤٤٨، "تقريب التهذيب" ٢/ ١٣٣، "سير أعلام النبلاء" ٦/ ٤٦، "أسد الغابة" ٤/ ٢٣٣.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم نحوه. انظر: "الدر" ٦/ ١٠٩، "روح المعاني" ٢٦/ ١٩٠، قلت: لعل الأقوال السابقة من المزيد الذي ذكره الله تعالى تندرج في معنى الحديث الصحيح: "فيها ما لا عن رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
(٤) أخرجه الشافعي، وأبو يعلى، وابن أبي شيبة وغيرهم من طريق جيدة. "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨.
(٥) قال ابن كثير: وقد روى تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم الجمهور من السلف والخلف، "تفسير القرآن العظيم" ٢/ ١٩١.
وانظر: "صحيح مسلم"، كتاب: الإيمان، باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم ١/ ١٦٣.
"سنن الترمذي"، كتاب: التفسير سورة يونس ٥/ ٢٧٦، "سنن ابن ماجه" ١/ ٦٧ =
وقال النضر: دَوّروا (٤). وقال أبو عبيدة: طافوا وتباعدوا (٥).
وقال الفراء: خرّقوا البلاد فساروا فيها (٦).
وقال الزجاج: طوفوا وفتشوا. قال ومنه: نقيب القوم للذي يعرف أمرهم (٧).
وقال المبرد: نقبوا في اللغة: طوفوا. وأصله من النقب وهو الطريق، كأنهم سلكوا كل طريق.
وأنشدوا لامرئ القيس (٨):
وقد نَقّبْتُ في الآفَاقِ حتَّى | رَضِيتُ من الغَنِيمَةِ بالإيَابِ |
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٠، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٠، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٩.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٢.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٢٩.
(٤) (ك): (دوخوا) وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٢، "فتح القدير" ٥/ ٨٠.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٤.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٩.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٨.
(٨) انظر: "ديوانه" ٧٣، "اللسان" ٣/ ٦٩٧ (نقب)، والمراجع السابقة. ورواية الديوان "طوفت" بدل "نقبت". وقد ذكرها عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ آية: ٧ من سورة النجم.
٣٧ - قوله: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ﴾ أي في إهلاكهم: ﴿لَذِكْرَى﴾ يعني تذكرة وموعظة ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء، وأبي صالح: عقل (٣).
قال الفراء: وهذا جائز في العربية أن يقول: مالك قلب، وما قلبك معك. أي: ما عقلك معك، وأين يذهب قلبك. أي: أين يذهب عقلك (٤).
وقال غيره: إنما جاز ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ لأن من لا يعي الذكر لا يعتد بما له من القلب، والمعنى: لمن صرف قلبه إلى التفهم، لأن من لم يتفهم كان بمنزلة من لا قلب له، ألا ترى أن الكفار ما لم يستمعوا سماع تفهم واسترشاد جعلوا بمنزلة من لا يسمع فقيل في صفتهم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ﴾ (٥) وهذا قول أبي إسحاق (٦).
قوله تعالى: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ قال أبو عبيدة والفراء:
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٤٨.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٢، "الوسيط" ٤/ ١٧٠، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٦.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٨٠.
(٥) انظر: من آية (١٨) و (١٧١) من سورة البقرة.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٨.
قال ابن قتيبة: استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ (٣). فالمعنى: وهو شهيد بالفهم والقلب.
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون: ﴿وَهُوَ﴾ كناية عن القلب. أي وقلبه حاضر فيما يسمع (٤).
٣٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ قال جماعة المفسرين (٥): إن اليهود قالت: خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فذلك لا يعمل فيه شيئًا. فأكذبهم الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ قال الكسائي: يقال لَغَبَ بالفتح يلغُبُ بالضم لغوبًا، ولغِبَ بالكسر يلغَب بالفتح لغبًا - لغتان فهو لاغب (٦).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٢، "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤١٩.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٤٩.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٢، "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٣٩، "جامع البيان" ٢٦/ ١١، "أسباب النزول" للواحدي ص ٤٥٨، وبهذا قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومقاتل، والكلبي، وغيرهم. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٥٠ عن عكرمة عن ابن عباس.
(٦) انظر: "اللسان" ٣/ ٣٧٥، "المفردات" ص ٤٥١ (لغب).
٣٩ - قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ يعني علي بهت اليهود وكذبهم في قول مقاتل (٢). وقال مقاتل (٣): نزلت في المستهزئين بالقرآن، ولم يكن أذن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القتال بعد.
وقوله: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي صَلِّ حمدًا لله تعالى: ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ قال مقاتل: يعني صلاة الفجر والعصر (٤). وزاد عطاء والكلبي عن ابن عباس: صلاة الظهر (٥).
٤٠ - ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ قال عطاء، والكلبي، ومقاتل: يريد المغرب والعشاء (٦).
﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ بكسر الهمزة (٧) مصدر أدبر الشيء إدبارًا، إذا ولَّى. وانتصابه هاهنا على الظرف. والمصادر تجعل ظرفًا على إرادة إضافة
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "الوسيط" ٤/ ١٧٠، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٦.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٤، "فتح القدير" ٥/ ٨٠، ولم ينسب لقائل.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، وفيه (يعني صلاة الفجر والظهر والعصر).
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٢، ٢٦٣، وهو المروي عن مقاتل. ومن المفسرين من علقه بصلاة الفجر وصلاة العصر، ومنهم من علقه بوقت الفجر ووقت العصر. انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١١٢، "تفسير القرآن" ٤/ ٢٢٩، "فتح القدير" ٥/ ٨٠.
(٦) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٧١، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٧.
(٧) قرأ نافع، وابن كثير، وحمزة، وأبو جعفر، وخلف: ﴿وَأَدْبَارَ﴾ بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بفتحها. انظر: "حجة القراءات" ص ٦٧٨، "النشر" ٢/ ٣٧٦، "الإتحاف" ص ٣٩٨.
قال أوس (٢):
على دُبرِ الشَّهرِ الحَرَامِ بأرْضِنَا | وما حَوْلَها جَدْبٌ سُنُون تلمَّعُ |
وقال قتادة ومجاهد والكلبي ومقاتل: يعني الركعتين بعد صلاة المغرب (٤)، وهو مذهب علي، وعمر، وأبي هريرة، والحسن، والنخعي، والشعبي، وإبراهيم (٥)، والحسن بن علي -صلى الله عليه وسلم-. وروي ذلك مرفوعاً. رواه كريب عن ابن عباس، قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا ابن عباس ركعتان بعد
(٢) لم أقف على البيت في "ديوان أوس بن حجر"، وانظر: ، الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٧٠، ٦/ ٢١٤.
(٣) انظر: "الوسيط" ٢/ ١٧١، "روح المعاني" ٢٦/ ١٩٣.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٣، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٠، "الكشف والبيان" ١١/ ١٨٣ أ.
(٥) إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي، ثقة، وكان أبوه من كتاب الحجاج بن يوسف. انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٣١، "التاريخ الكبير" ١/ ٣٢٨.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: أمر بالتسبيح، وهو التسبيح باللسان أدبار الصلوات المكتوبة (٢) وعلى هذا أمر بالتسبيح بعد الفراغ من الصلاة. والسجود عبارة عن الصلاة.
واختار أبو عبيد فتح الهمزة. وقال: لأنه لا إدبار للسجود إنما ذلك للنجوم، ولهذا لم يختلف في كسر ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] (٣) وأدبار جمع دُبُر، ويقال: دبر الصلاة، أي خلف الصلاة.
٤١ - قوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ مفعول الاستماع محذوف على تقدير: واستمع النداء أو الصوت، أو الصيحة، وهي صيحة القيامة والبعث والنشور. واختلفوا في المنادي، فقال الكلبي:
وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن عباس، وإسناده ضعيف، لكن روى ابن المنذر من طريق أبي تميم الجيشاني قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ هما الركعتان بعد المغرب، "فتح الباري" ٨/ ٥٩٨.
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦١٣، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٣٠، وقال: ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي "الاستذكار" لابن عبد البر ٥/ ٤٣١: عن أبي رزين عن ابن عباس: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ قال: الصلاة المكتوبة يعني الصبح والعصر، وبه قال قتادة وغيره.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٢٥، وقد ردَّ هذا الاختيار وقال: وهذا مما أخذ عليه، لأن معنى ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ وما بعده وما يعقبه فهذا للسجود، والنجوم والإنسان واحد، وقد روى المحدثون الحيلة تفسير ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ ﴿وَأَدْبَارَ النُّجُومِ﴾ فلا نعلم أحدًا منهم فرق ما بينهما.
وقال مقاتل: هو إسرافيل، وهو أنه ينادي بالحشر فيقول: يا أيها الناس: هلموا إلى الحساب، وذلك في النفخة الأخيرة (٢).
وقوله: ﴿مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ أكثر المفسرين (٣) على أنه صخرة بيت المقدس. قال الكلبي: وهي أقرب (٤) الأرض من السماء باثني عشر ميلاً. ونحو ذلك قال مقاتل. قال وهو وسط الأرض (٥).
وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد من تحت أقدامهم (٦). يعني أن النداء بالحشر يسمعه كل أحد من مكان قريب منه، حتى كأنه يسمعه من تحت قدميه.
٤٢ - ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ﴾ قال المفسرون (٧): يعني النفخة الثانية، ويجوز أن يريد النداء للبعث. وهو قول المنادي: يا أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٧، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٤، عن بريدة، "الدر" ٦/ ١١١.
(٣) وممن قال به كعب الأحبار وقتادة، ويزيد بن جابر، وابن عباس، وبريدة.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٠، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٤، "روح المعاني" ٢٦/ ١٩٤.
(٤) (أقرب) ساقطة من (ك).
وانظر: "الوسيط" ٤/ ١٧٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٨، "القرطبي" ١٧/ ٢٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٤، عن قتادة.
(٦) انظر. "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٤.
(٧) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٢٨.
قوله تعالى: ﴿بِالْحَقّ﴾ قال الكلبي: بالبعث (٢). وقال مقاتل: يعني أنها كائنة حقًّا (٣). ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ من القبور.
٤٣ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾ قال ابن عباس: يريد كنتم أحياء وأمتناكم ثم إلينا مصيركم (٤). وعلى معنى قول الكلبي ومقاتل معناه: إنَّا نحن نميت في الدنيا ونحيي للبعث (٥).
﴿وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ والواو لا توجب ترتيبًا.
٤٤ - قوله: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ﴾ (يوم) ظرف للمصير.
قوله تعالى: ﴿سِرَاعًا﴾ أي خارجين سراعًا يسرعون إلى الداعي، قال: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ [القمر: ٨].
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾، قال عطاء: بَعْثٌ علينا سهل (٦). وقال الكلبي: سَوْق علينا هين (٧).
وقال مقاتل: جَمْعُ الخلائق علينا هين. ثم عَزّى نبيه -عليه السلام- فقال:
٤٥ - ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ يعني كفار مكة، ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٧٢، "فتح القدير" ٥/ ٨١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "الوسيط" ٤/ ١٧٢.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٤.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٥ ب، "الوسيط" ٤/ ١٧٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٧.
(٦) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٧.
(٧) لم أجده، وهو بمعنى سابقه ولاحقه.
قال ابن قتيبة: وجبار ليس من: أجبرت الرجل على الأمر، إذا قهرته عليه، لأنه لا يقال من ذلك، والجبار الملك، سمي بذلك لتجبره.
يقول: فلست عليهم بملك مسلط (٣). وهذا قول الفراء، قال: لا يقال: دخال بمعنى مُدْخِل، ولا خراج بمعنى مخرج. والجبار من الجبرية وأنشد قول عمرو:
عَصَيْنَا أمْرَه الجَبَّار فِينَا (٤)
قال: يريد المنذر (٥) لولايته.
ثم قال: وقد قالت العرب: درّاك من أدركت، فإن قلت: الجبار على هذا من أجبرت، فهو وجه. قال: وسمعت بعض العرب يقول: جبره على الأمر، فالجبار من هذه اللغة صحيح، يريد: يجبرهم ويقهرهم (٦).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٦٥، "الوسيط" ٤/ ١٧٢، "فتح القدير" ٥/ ٨١.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤١٩.
(٤) البيت لعمرو بن كلثوم، ولم أجده بهذا اللفظ عند غير المؤلف.
انظر: "الديوان" ص ٣٤٩، "شرح المعلقات السبع" للزوزني ص ١٠٩، ورواية الديوان:
إذا ما الملك سام الناس خسفًا | أبينا أن نقر الذل فينا |
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٨١، "جامع البيان" ٢٦/ ١١٥.
قال الكلبي: نسخت هذه الآية وأمثالها بآيات القتال (٢).
تَمَّتْ.
(٢) انظر: "نواسخ القرآن" ص٢٣٠، "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٤١٧، "فتح القدير" ٥/ ٨١.