وتبدأ السورة بالقسَم بأربعة أشياء هي : الرياح، والسحب، والسفن، والملائكة، على صِدق البعث ووقوع الجزاء. ثم تردف بقسم آخر على اضطراب المنكرين فيما يقولونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم. فيُقسم تعالى بالسماء ذات الحُبُك المنسّقة المحكمة البناء والتركيب- كتنسيق الزرَد المتشابك المتداخل الحلقات- على اضطراب أقوالهم، وأنهم يعيشون في أوهام وظنون في أمر البعث.
ثم تنتقل السورة إلى إنذار المنكرين بسوء مآلهم في الآخرة، وتصوير ما أعد الله للمتقين فيها جزاء ما قدّموا من أعمال صالحة في الدنيا.
ثم توجه الأنظار إلى التأمل في آيات الله في هذا الكون الكبير العجيب، وفي الأنفس وما فيها من عجائب الصنع ولطائف الخلق، وأن الرزق مؤمّن للجميع، ﴿ فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ﴾ لا شك في ذلك ولا ريب.
ثم تحدثت عن قصة إبراهيم مع ضيوفه من الملائكة الذين بعثهم الله لإهلاك المكذبين من قوم لوط، وبشروا إبراهيم بغلام عليم من زوجته التي كانت عقيما. ثم تعرض السورة لأحوال بعض الأمم وما أصابهم من الهلاك بتكذيبهم لأنبيائهم، مثل قوم نوح وعاد وفرعون وثمود. وتشير بعد ذلك بإجمال إلى بعض الآيات الكونية لتحث الناس على الرجوع إلى الله، وإفراده بالعبادة، وتخاطب الرسول الكريم ﴿ فتولّ عنهم ما أنت بمَلوم، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾. وفي هذا تسلية للرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه. وفي الختام تذكر السورة الغاية من خلق الجن والإنس، وهي العبادة، وأن الله غني عنهم جميعا ﴿ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون ﴾. ثم يجيء الإنذار للمكذبين ﴿ فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ﴾.
ﰡ
أقسَم الله تعالى بهذه الأشياء : بالرياح المثيراتِ للتراب وغيره.
وبحملها للسُحب فالحاملات منها ثقلاً عظيما من الماء.
وبالسفن الجارية تمخرُ البحار.
وبالملائكة تقسِم أوامرَ الله وتبلّغُها إلى رسله الكرام.
إنّ البعث لحقٌّ صادق.
وإن الدّين ( وهو الجزاء على أعمالكم ) لحاصِل.
وأقسم الله تعالى بالسماء ذاتِ الجمال والبهاء، المحكَمةِ البنيانِ والنظام.
إنكم أيّها المشرِكون المكذِّبون للرسولِ لَفي قولٍ متناقضٍ مضطرب
أي يُصرف عن الدين والحق، من صرَفَه عنه جهلُه وهواه.
هلك الكذّابون القائلون في شأن القيامة بالظنّ،
ساهون : غافلون عما أُمروا به.
الذين هم مغمورون في الجَهل، غافِلون عما أُمروا به.
وهم يسألون استهزاءً فيقولون : متى يومُ الجزاء ؟
قل لهم يا محمد إن يومَ الدّين ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ ﴾ أيْ في جهنمَ يُحرقون،
ويُقال لهم :﴿ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ ذوقوا هذا العذاب الذي كنتم تظنون أنه غير كائن وتستعجلون وقوعه مستهزئين.
وكانوا يقيمون صلاةَ الليل ويتهجّدون في معظمِه.
ويستغفِرون اللهَ تعالى في وقت الأسحار
للسائل : للطالب.
المحروم : المتعفف الذي لا يسأل. يُطلق على الواحد والجمع.
كما جعلوا في أموالِهم جزءاً للفقراءِ والمساكين، والذين لا يَجِدون ولا يَسالون.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : إنه لحقٌّ مثلُ ما أنكم تنطقون برفع مثل، والباقون : مثلَ بالنصب.
هل علمَت يا محمد قصةَ الملائكة، ضيوفِ إبراهيم ؟
الذي وفدوا عليه فأكرمهم وهو لا يعرفُهم، ولذلك قال لهم :﴿ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ مجهولون لنا لا نعرفهم.
ثم أسرع إبراهيم إلى أهله خِفية وقدّم لضيوفه عجْلا سمينا مشويّا،
فقرّبه إليهم، فلم يأكلوا منه، فقال منكِرا لحالهم : ألا تأكلون ؟
خافَ منهم في نفسِه، ظناً منه أن امتناعَهم عن الأكل إنما كان لشرّ يريدونه.
﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾ وطمأنوه بقولهم : لا تخفْ منا، إنا رسُل ربك إلى قوم لوطٍ، كما جاء في قوله تعالى :﴿ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٠ ].
ثم زادوا طمأنتهم له : فقالوا : أبْشِر يا إبراهيم بغلامٍ عليم. هذا هو ابنه إسحاق من زوجته سارة.
في صرة : في ضجة.
فصكت وجهها : ضربت بيدها على جبهتها.
وقالت : عجوز عقيم : أنا كبيرة السن لا ألد.
فلمّا أقبلت سارة وفوجئت بالبِشارة صاحت وضربت بيدها على جبينها، وقالت : أنا عجوز عقيم فكيف ألِد ؟ كما جاء واضحاً في سورة هود ٧٢ ﴿ قَالَتْ ياويلتى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾
قال إبراهيمُ يخاطب الضيوفَ بعد أن سلَّم عليهم وهو لا يعرفهم : ما شأنُكم، وفيم أُرسِلتم ؟
فقالوا له : إنّا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ المجرِمين، ومعنا أوامرُ من الله تعالى بإهلاكهم.
للمسرفين : الذين جاوزوا الحد في الفجور.
وجعلنا بَلَدهم عِبرةً بما أنزلنا بِها من العذابِ والدّمارِ، وذِكرى للّذين يخافون الله.
وكذلك أرسل اللهُ موسى إلى فرعونَ وقومه بحجّةٍ واضحة ومعجزاتٍ باهرة.
فأعرض فرعونُ عن الإيمان برسالة موسى معتدّاً بقوّته وما عندَه من جنودٍ ومُلكٍ، وقال عن موسى : إنه ساحر أو مجنون.
مُليم : فعلَ ما يلام عليه من الكفر والعناد.
فأغرقه الله هو وجنودَه في البحر ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ أيْ مقترفٌ من الأعمال ما يُلام عليه.
وكذلك في قصة عادٍ عبرةٌ وعظةٌ، حيث أهلكهم اللهُ بالرِيح العقيمِ العاتية.
الصاعقة : نار تنزل من السحاب بالاحتكاكات الكهربائية.
أهلكهم اللهُ بالصاعقة.
قراءات :
قرأ الكسائي : فأخذتهم الصعقة : والباقون : الصاعقة.
وإنا لموسِعون : يعني أن هذا الكون فيه أمور تذهل لما يتسع فيه من المجرّات والأجرام السماوية التي تتمدد وتتسع دائما.
بعد إشارات سريعة إلى قصصِ بعضِ الأنبياء الكرام، وذِكر شيءٍ من أفعال أقوامهم - يأتي ذِكرُ قدرة الله تعالى على خلْق هذا الكون ببناءِ السماء بهذا الإحكام المنفرد، وبأن التوسِعةَ مستمرةٌ على الزمن، وأن في الكون أجراماً من السُدُم والمجرّات تتمدَّد وتتوسّع دائما إلى ما شاء الله.. وهذه أبحاثٌ في عِلم الفلك مذهلةٌ لمن شاءَ أن يطّلع عليها، فإنه سيجدُ العَجَبَ العُجاب..
فنِعم الماهدون : فنعم المهيّئون لها نحن.
وإن الله تعالى فرشَ لنا هذه الأرضَ ومدّها لنا لنعيشَ عليها بأمانٍ وسلام،
وخلَق من كل شيء ذكراً وأنثى لاستمرار الحياة وبقائها إلى أن يشاءَ خالقُها.
ولذلك ينصحنا الله تعالى أن نلجأ إليه، ونسارعَ إلى طاعته.
أأوصى بعضُهم بعضاً بهذا القول ؟ بل هم قوم طاغون تجاوزوا كلَّ حدٍّ في طعنِهم على الرسُل والأنبياء.
ثم خاطب الرسولَ الكريم مسلّياً له بقوله :
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ أَعرِض عن هؤلاء المعانِدين المنكِرين يا محمد، فما أنتَ بملومٍ على عدَم استجابتهم ولا بمسئول،
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾
مثلَ ذَنوبِ أصحابهم : مثل نصيب أصحابهم من الكفار من الأمم الماضية.
ثم بيّن أن للذين ظلموا أنفسَهم بالكفر نصيباً من العذاب مثلَ نصيبِ أصحابهم من الأمم الماضية، فلا يستعجلني قومُك أيها الرسول، بإنزالِ العذاب قبل أوانه.