تفسير سورة الذاريات

أضواء البيان
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب أضواء البيان المعروف بـأضواء البيان .
لمؤلفه محمد الأمين الشنقيطي . المتوفي سنة 1393 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ الذَّارِيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ.
أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذَّارِيَاتِ الرِّيَاحُ، وَهُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الذَّرْوَ صِفَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرِّيَاحِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [١٨ ٤٥]، وَمَعْنَى تَذْرُوهُ: تَرْفَعُهُ وَتُفَرِّقُهُ، فَهِيَ تَذْرُو التُّرَابَ وَالْمَطَرَ وَغَيْرَهُمَا، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَمَنْهَلٍ آجِنٍ قَفْرٍ مَحَاضِرُهُ تَذْرُو الرِّيَاحُ عَلَى جَمَّاتِهِ الْبَعَرَا
وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الذَّارِيَاتِ النِّسَاءُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَامِلَاتِ وِقْرًا: السَّحَابُ، أَيِ الْمُزْنُ تَحْمِلُ وِقْرًا ثِقَلًا مِنَ الْمَاءِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ تَصْرِيحُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - بِوَصْفِ السَّحَابِ بِالثِّقَالِ، وَهُوَ جَمْعُ ثَقِيلَةٍ، وَذَلِكَ لِثِقَلِ السَّحَابَةِ بِوَقْرِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْمِلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [١٣ ١٢]، وَهُوَ جَمْعُ سَحَابَةٍ ثَقِيلَةٍ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [٧ ٥٧].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْحَامِلَاتِ وِقْرًا: السُّفُنُ تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ مِنَ النَّاسِ وَأَمْتِعَتِهُمْ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ «الْحَامِلَاتِ وِقْرًا» الرِّيَاحُ أَيْضًا كَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا.
وَدَلَالَةُ بَعْضِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ وَاضِحَةٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَّحَ بِأَنَّ الرِّيَاحَ تَحْمِلُ السَّحَابَ الثِّقَالَ بِالْمَاءِ، وَإِذَا كَانَتِ الرِّيَاحُ هِيَ الَّتِي تَحْمِلُ السَّحَابَ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، فَنِسْبَةُ حَمْلِ ذَلِكَ الْوِقْرِ إِلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى السَّحَابِ الَّتِي هِيَ مَحْمُولَةٌ لِلرِّيَاحِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ
434
تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [٧ ٥٧].
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا، أَيْ حَتَّى إِذَا حَمَلَتِ الرِّيَاحُ سَحَابًا ثِقَالًا، فَالْإِقْلَالُ الْحَمْلُ، وَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَى الرِّيحِ. وَدَلَالَةُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا هِيَ الرِّيَاحُ - ظَاهِرَةٌ كَمَا تَرَى، وَيَصِحُّ شُمُولُ الْآيَةِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّهُ هُوَ الْأَجْوَدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَبَيَّنَّا كَلَامَ أَهْلِ الْأُصُولِ فِيهِ، وَكَلَامَهُمْ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النُّورِ وَغَيْرِهَا.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا: هِيَ حَوَامِلُ الْأَجِنَّةِ مِنَ الْإِنَاثِ - ظَاهِرُ السُّقُوطِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَاتِ يُسْرًا: السُّفُنُ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ يُسْرًا، أَيْ: جَرْيًا ذَا يُسْرٍ أَيْ سُهُولَةٍ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْمَصْدَرَ الْمُنَكَّرَ حَالٌ كَمَا قَدَّمْنَا نَحْوَهُ مِرَارًا: أَيْ فَالْجَارِيَاتِ فِي حَالِ كَوْنِهَا مُيَسَّرَةً مُسَخَّرًا لَهَا الْبَحْرٌ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ كَثْرَةُ إِطْلَاقِ الْوَصْفِ بِالْجَرْيِ عَلَى السُّفُنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ [٤٢ ٣٢]، وَقَوْلِهِ: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [٦٩ ١١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [٢٢ ٦٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ [٤٥ ١٢]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقِيلَ: الْجَارِيَاتُ الرِّيَاحُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا: هِيَ الْمَلَائِكَةُ يُرْسِلُهَا اللَّهُ فِي شُئُونٍ وَأُمُورٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلِذَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالْمُقَسِّمَاتِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا [٧٩ ٥]، فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لِتَسْخِيرِ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لِكِتَابَةِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لَقَبْضِ الْأَرْوَاحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لِإِهْلَاكِ الْأُمَمِ، كَمَا وَقَعَ لِقَوْمِ صَالِحٍ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَوْلَهُ: «أَمْرًا» مَفْعُولٌ بِهِ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْمُقَسِّمَاتُ، وَهُوَ مُفْرَدٌ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَمْثِلَةَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعَ تَنْكِيرِ الْمُفْرَدِ كَمَا
435
هُنَا، وَتَعْرِيفِهِ وَإِضَافَتِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [٢٢ ٥]، وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ، وَالْمُوجِبُ لِهَذَا التَّوْكِيدِ هُوَ شِدَّةُ إِنْكَارِ الْكُفَّارِ لِلْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا تُوعَدُونَ «مَا» فِيهِ مَوْصُولَةٌ، وَالْعَائِدُ إِلَى الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ، وَالْوَصْفُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: إِنَّ الَّذِي تُوعَدُونَهُ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ لَصِدْقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «مَا» مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ إِنَّ الْوَعْدَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ لَصَادِقٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ صِيغَةَ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي «لَصَادِقٌ» بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ إِنَّ الْوَعْدَ أَوِ الْمَوْعُودَ بِهِ لَمَصْدُوقٌ فِيهِ لَا مَكْذُوبٌ بِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [٦٩ ٢١]، أَيْ مَرْضِيَّةٍ. وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ صِدْقِ مَا يُوعَدُونَهُ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [٣ ٩]، وَقَوْلِهِ: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [٦ ١٣٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [٥٦ ٣]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْجَزَاءُ، أَيْ وَإِنَّ الْجَزَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ [٢٤ ٢٥]، أَيْ جَزَاءَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [٥٣ ٤٠ - ٤١].
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَلَقَ الْخَلْقَ لَا لِبَعْثٍ وَجَزَاءٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ ظَنُّ الْكُفَّارِ، وَهَدَّدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ السَّيِّئِ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ، قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ ظَنَّ عَدَمَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَمُنَزِّهًا نَفْسَهُ عَنِ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ عَبَثًا لَا لِبَعْثٍ وَجَزَاءٍ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [٢٣ ١١٥ - ١١٦].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [٣٨ ٢٧]، فِي قَوْلِهِ فِي آيَةِ «ص» هَذِهِ: بَاطِلًا أَيْ عَبَثًا لَا لِبَعْثٍ وَجَزَاءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ.
436
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَاتِ الْحُبُكِ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَى أَنَّ الْحُبُكَ جُمَعُ حَبِيكَةٍ أَوْ حِبَاكٍ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى ذَاتُ الْحُبُكِ أَيْ ذَاتُ الطَّرَائِقِ، فَمَا يَبْدُو عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ السَّاكِنِ أَوِ الرَّمْلِ مِنَ الطَّرَائِقِ إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ هُوَ الْحُبُكُ، وَهُوَ جَمْعُ حَبِيكَةٍ أَوْ حِبَاكٍ، قَالُوا: وَلِبُعْدِ السَّمَاءِ لَا تُرَى طَرَائِقُهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْحُبُكِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ زُهَيْرٍ:
مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ رِيحٌ خَرِيقٌ بِضَاحِي مِائَةٍ حُبُكِ
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
كَأَنَّمَا جَلَّلَهَا الْحُوَّاكُ طَنْفَسَةٌ فِي وَشْيِهَا حِبَاكُ
وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: «ذَاتِ الْحُبُكِ» أَيْ ذَاتِ الْخَلْقِ الْحَسَنِ الْمُحْكَمِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ - ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ.
وَهَذَا الْوَجْهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [٦٧ ٣ - ٤]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْحُبُكُ مَصْدَرٌ، لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَتْقَنَهُ عَامِلُهُ وَأَحْسَنَ صُنْعَهُ، تَقُولُ فِيهِ الْعَرَبُ: حَبَكَهُ حَبْكًا بِالْفَتْحِ عَلَى الْقِيَاسِ. وَالْحُبُكُ بِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ذَاتُ الْحُبُكِ: أَيِ الزِّينَةِ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ [٦٧ ٥]، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي «ق» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا [٥٠ ٦].
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ذَاتُ الْحُبُكِ أَيْ ذَاتُ الشِّدَّةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا [٧٨ ١٢].
437
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي شِدَّةَ الْخَلْقِ حَبْكًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ الشَّدِيدِ الْخَلْقِ: مَحْبُوكٌ.
وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
قَدْ غَدَا يَحْمِلُنِي فِي أَنْفِهِ لَاحِقُ الْإِطْلَيْنِ مَحْبُوكٌ مُمَرٍّ
وَالْآيَةُ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ، فَكُلُّ الْأَقْوَالِ حَقٌّ، وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، أَيْ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْكُفَّارُ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَأْنِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: هُوَ شِعْرٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: سِحْرٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كِهَانَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ مُخْتَلِفٍ أَيْ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ مُصَدِّقٌ، وَبَعْضُهُمْ مُكَذِّبٌ - خِلَافُ التَّحْقِيقِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْمُكَذِّبِينَ دُونَ الْمُصَدِّقِينَ - قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ق: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [٥٠ ٥]، أَيْ مُخْتَلِطٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُخْتَلِفٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهِ عِنْدِي وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ فِي نَظَرِي، أَنَّ لَفْظَةَ «عَنْ» فِي الْآيَةِ سَبَبِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [١١ ٥٣]، أَيْ بِسَبَبِ قَوْلِكَ، وَمِنْ أَجْلِهِ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِـ «عَنْ» رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ، وَالْمَعْنَى: «يُؤْفَكُ» أَيْ يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. «عَنْهُ» أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ أَيْ بِسَبَبِهِ. «مَنْ أُفِكَ» أَيْ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ فِي الْأَزَلِ، فَحُرِمَ الْهُدَى وَأُفِكَ عَنْهُ، لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الْمُخْتَلِفَ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيُنَاقِضُهُ.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَذِبِ الْقَوْلِ وَبُطْلَانِهِ اخْتِلَافُهُ وَتَنَاقُضُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَهَذَا الْقَوْلُ الْمُخْتَلِفُ الَّذِي يُحَاوِلُ كُفَّارُ مَكَّةَ أَنْ يَصُدُّوا بِهِ النَّاسَ عَنِ الْإِسْلَامِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الرَّسُولَ سَاحِرٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ شَاعِرٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَذَّابٌ - ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِتَنَاقُضِهِ وَتَكْذِيبِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ، فَلَا يُصْرَفُ عَنِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِ إِلَّا مَنْ صُرِفَ، أَيْ صَرَفَهُ اللَّهُ عَنِ الْحَقِّ لِشَقَاوَتِهِ فِي الْأَزَلِ فَمَنْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ الشَّقَاوَةُ وَالْكُفْرُ لَا يَصْرِفُهُ عَنِ الْحَقِّ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْكَذِبِ وَالْبُطْلَانِ لِتَنَاقُضِهِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ [٣٧ ١٦١ - ١٦٣].
438
وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ دِينَ الْكُفَّارِ، الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى صَدِّ النَّاسِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَيْهِ «مَا هُمْ بِفَاتِنَيْنِ» أَيْ لَيْسُوا بِمُضِلِّينَ عَلَيْهِ أَحَدًا لِظُهُورِ فَسَادِهِ وَبُطْلَانِهِ «إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ» أَيْ إِلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةَ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لَنَا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: يُؤْفَكُ عَنْهُ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الْقُرْآنِ، أَيْ يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ أَوِ الْقُرْآنِ، مَنْ أُفِكَ أَيْ صُرِفَ عَنِ الْحَقِّ، وَحُرِمَ الْهُدَى لِشِدَّةِ ظُهُورِ الْحَقِّ فِي صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ السِّيَاقِ كَمَا تَرَى.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يُؤْفَكُ عَنْهُ، أَيْ يُصْرَفُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ الْبَاطِلِ مَنْ أُفِكَ، أَيْ مَنْ صُرِفَ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَسُقُوطُهُ.
وَالَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِفْكَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّرْفِ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَعَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ، وَيُبْعِدُ هَذَا أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْإِفْكُ مُرَادٌ بِهِ إِلَّا الصَّرْفُ عَنِ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ دُونَ عَكْسِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.
لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فِيهَا الدَّلَالَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِدَلَالَةِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ نَيْلِ هَذِهِ الْجَنَّاتِ وَالْعُيُونِ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَوْنُ التَّقْوَى سَبَبُ دُخُولِ الْجَنَّاتِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [١٩ ٦٣]، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ [١٦ ٣١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ.
439
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِكَوْنِ رِزْقِ النَّاسِ فِي السَّمَاءِ، فَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ جَمِيعَ أَرْزَاقِهِمْ مَنْشَؤُهَا مِنَ الْمَطَرِ وَهُوَ نَازِلٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَيَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ اسْمِ الرِّزْقِ عَلَى الْمَطَرِ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا [٤٠ ١٣].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ [٤٥ ٥].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ.
وَإِنْزَالُهُ تَعَالَى الرِّزْقَ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ كَثُرَ الِامْتِنَانُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْخَلْقِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ أَنَّ أَرْزَاقَكُمْ مُقَدَّرَةٌ مَكْتُوبَةٌ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يُدَبِّرُ أَمْرَ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الْآيَةَ [٣٢ ٥]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا تُوعَدُونَ «مَا» فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: رِزْقُكُمْ، وَالْمُرَادُ بِمَا يُوعَدُونَ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْجَنَّةُ، لِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، فَإِطْلَاقُ كَوْنِهَا فِي السَّمَاءِ إِطْلَاقٌ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ السَّمَاءَ عَلَى كُلِّ مَا عَلَاكَ كَمَا قِيلَ:
وَقَدْ يُسَمَّى سَمَاءً كُلُّ مُرْتَفِعٍ وَإِنَّمَا الْفَضْلُ حَيْثُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَمَّا حَكَى النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ شِعْرَهُ الْمَشْهُورَ، قَالَ فِيهِ: بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا وَإِنَّا لِنَرْجُوَ فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى. قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَمَا تُوعَدُونَ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كُلُّهُ مُقَدَّرٌ فِي السَّمَاءِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْمُرَادِ بِالرِّزْقِ فِي الْآيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِيمَا يُوعَدُونَ بِهِ أَنْسَبُ لِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي فِي مَعْنَى الرِّزْقِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ قِصَصٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِ السَّامِعِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
440
فَقَالَ: أَلَا أَرَى رِزْقِي فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَطْلُبُهُ فِي الْأَرْضِ، فَدَخَلَ خَرِبَةً يَمْكُثُ ثَلَاثًا لَا يُصِيبُ شَيْئًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذَا هُوَ بِدَوْخَلَةٍ مِنْ رُطَبٍ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ أَحْسَنُ مِنْهُ نِيَّةً، فَدَخَلَ مَعَهُ فَصَارَتَا دَوْخَلَتَيْنِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُمَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مِنْ جَامِعِ الْبَصْرَةِ فَطَلَعَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قُلْت: مِنْ بَنِي أَصْمَعَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مَوْضِعٍ يُتْلَى فِيهِ كَلَامُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: اتْلُ عَلَيَّ، فَتَلَوْتُ: وَالذَّارِيَاتِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ قَالَ: حَسْبُكَ، فَقَامَ إِلَى نَاقَتِهِ فَنَحَرَهَا وَوَزَّعَهَا عَلَى مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَعَمَدَ إِلَى سَيْفِهِ وَقَوْسِهِ فَكَسَرَهُمَا وَوَلَّى، فَلَمَّا حَجَجْتُ مَعَ الرَّشِيدِ طَفِقْتُ أَطُوفُ فَإِذَا أَنَا بِمَنْ يَهْتِفُ بِي بِصَوْتٍ رَقِيقٍ فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِالْأَعْرَابِيِّ قَدْ نَحِلَ وَاصْفَرَّ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَاسْتَقْرَأَ السُّورَةَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الْآيَةَ صَاحَ، وَقَالَ: قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟ فَقَرَأْتُ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [٥١ ٢٣]، فَصَاحَ وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ ذَا الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى حَلَفَ، لَمْ يُصَدِّقُوهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى الْيَمِينِ، قَائِلًا ثَلَاثًا، وَخَرَجَتْ مَعَهَا نَفْسُهُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا.
إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ [١٥ ٥١]، وَفِي سُورَةِ هُودٍ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [١٥ ٧٦]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا الْآيَةَ [٤١ ١٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ [٤١ ٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «ق» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا الْآيَةَ [٥٠ ٦].
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ، لَيْسَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: بِأَيْدٍ لَيْسَ جَمْعَ يَدٍ: وَإِنَّمَا الْأَيْدُ الْقُوَّةُ، فَوَزْنُ قَوْلِهِ هُنَا بِأَيْدٍ فَعْلٌ، وَوَزْنُ الْأَيْدِي أَفْعُلُ، فَالْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: بِأَيْدٍ فِي مَكَانِ الْفَاءِ، وَالْيَاءُ فِي مَكَانِ الْعَيْنِ، وَالدَّالُ فِي مَكَانِ اللَّامِ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِأَيْدٍ جَمْعَ يَدٍ لَكَانَ وَزْنُهُ أَفْعُلًا، فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ زَائِدَةً وَالْيَاءُ فِي مَكَانِ الْفَاءِ، وَالدَّالُ فِي مَكَانِ الْعَيْنِ، وَالْيَاءُ الْمَحْذُوفَةُ لِكَوْنِهِ مَنْقُوصًا هِيَ اللَّامَ.
وَالْأَيْدُ، وَالْآدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، وَرَجُلٌ أَيْدٌ قَوِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [٢ ٨٧]، أَيْ قَوَّيْنَاهُ بِهِ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهَا جَمْعُ يَدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا، وَالْمَعْنَى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِقُوَّةٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ. ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ مَا أَتَى نَبِيٌّ قَوْمًا إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: أَتَوَاصَوْا بِهِ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ تَوَاصِيهِمْ بِذَلِكَ إِضْرَابَ إِبْطَالٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْمَعُوا فِي زَمَنٍ حَتَّى يَتَوَاصَوْا فَقَالَ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَيِ الْمُوجِبُ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَنِسْبَتِهِمْ لِلسِّحْرِ وَالْجُنُونِ هُوَ اتِّحَادٌ فِي الطُّغْيَانِ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْكُفْرِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا اتَّفَقُوا، لِأَنَّ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ تُشْبِهُ قُلُوبَ بَعْضٍ فِي الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ، فَتَشَابَهَتْ مَقَالَاتُهُمْ لِلرُّسُلِ لِأَجْلِ تَشَابُهِ قُلُوبِهِمْ.
وَقَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [٢ ١١٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ.
نَفْيُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِلَّوْمِ عَنْ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ لِلْأُمَّةِ.
وَقَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [٥ ٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [١٣ ٤٠]، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.
قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ شَيْئًا لِحِكَمٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَذْكُرَ بَعْضَ حِكَمِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَإِنَّا نَذْكُرُ بَقِيَّةَ حِكَمِهِ، وَالْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَمْثِلَةَ ذَلِكَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ وَاحِدَةً مِنْ حِكَمِ التَّذْكِيرِ وَهِيَ رَجَاءُ انْتِفَاعِ الْمُذَكَّرِ بِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هُنَا: وَذَكِّرْ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمِنْ حِكَمِ ذَلِكَ أَيْضًا خُرُوجُ الْمُذَكِّرِ مِنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْحِكْمَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [٧ ١٣٤].
وَمِنْ حِكَمِ ذَلِكَ أَيْضًا النِّيَابَةُ عَنِ الرُّسُلِ فِي إِقَامَةِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [٤ ١٦٥].
وَقَدْ بَيَّنَ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي آخِرِ «طه» فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ [٢٠ ١٣٤].
وَأَشَارَ لَهَا فِي الْقَصَصِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [٢٨ ٤٧].
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْحِكَمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [٥ ١٠٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لِيَعْبُدُونِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَعْنَى مَا خَلَقْتُهُمْ إِلَّا لِيَعْبُدَنِي السُّعَدَاءُ مِنْهُمْ وَيَعْصِيَنِي الْأَشْقِيَاءُ، فَالْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ إِيجَادِ الْخَلْقِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ حَاصِلَةٌ بِفِعْلِ السُّعَدَاءِ مِنْهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [٦ ٨٩]، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَسُفْيَانَ.
وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ أَطْلَقَ فِيهَا الْمَجْمُوعَ وَأَرَادَ بَعْضَهُمْ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْ أَوْضَحِهَا قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ: «فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»، مِنَ الْقَتْلِ لَا مِنَ الْقِتَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وَقَدْ ضَرَبُوا بِهِ نَبَا مِنْ يَدَيْ وَرْقَاءَ عَنْ رَأْسِ خَالِدٍ
فَتَرَاهُ نَسَبَ الضَّرْبَ لِبَنِي عَبْسٍ مَعَ تَصْرِيحِهِ أَنَّ الضَّارِبَ الَّذِي نَبَا بِيَدِهِ السَّيْفُ عَنْ رَأْسِ خَالِدٍ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ الْكِلَابِيِّ، هُوَ وَرْقَاءُ يَعْنِي ابْنَ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْحُجُرَاتِ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا [٤٩ ١٤٧]، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٩ ٩٩].
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: أَيْ «إِلَّا لِيُقِرُّوا لِي بِالْعُبُودِيَّةِ طَوْعًا
444
أَوْ كَرْهًا»، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُطِيعُ بِاخْتِيَارِهِ وَالْكَافِرَ مُذْعِنٌ مُنْقَادٌ لِقَضَاءِ رَبِّهِ جَبْرًا عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا [١٣ ١٥]، وَالسُّجُودُ وَالْعِبَادَةُ كِلَاهُمَا خُضُوعٌ وَتَذَلُّلٌ لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ طَوْعًا وَبَعْضَهُمْ يَفْعَلُهُ كَرْهًا.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: أَيٌّ إِلَّا لِيَعْرِفُونِي. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [٤٣ ٨٧]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا كَثْرَتَهُ فِيهِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ ٩].
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: أَيْ إِلَّا لِآمُرُهُمْ بِعِبَادَتِي فَيَعْبُدُنِي مَنْ وَفَّقْتُهُ مِنْهُمْ لِعِبَادَتِي دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَإِرَادَةُ عِبَادَتِهِمُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِيَعْبُدُونِ - إِرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ الْمُلَازِمَةُ لِلْأَمْرِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ مَنْ أَمَرَتْهُمُ الرُّسُلُ لِطَاعَةِ اللَّهِ، لَا إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَعَبَدَهُ جَمِيعُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: التَّحْقِيقُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، أَيْ إِلَّا لِآمُرُهُمْ بِعِبَادَتِي وَأَبْتَلِيهِمْ أَيْ أَخْتَبِرُهُمْ بِالتَّكَالِيفِ، ثُمَّ أُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، لِأَنَّهُ تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَبْتَلِيَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَأَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ هُودٍ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [١١ ٧]، ثُمَّ بَيَّنَ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [١١ ٧].
445
وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُلْكِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [٦٧ ٢].
وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [١٨ ٧].
فَتَصْرِيحُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ حِكْمَةَ خَلْقِهِ لِلْخَلْقِ، هِيَ ابْتِلَاؤُهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، يُفَسِّرُ قَوْلَهُ: لِيَعْبُدُونِ. وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ - الْقُرْآنُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَتِيجَةَ الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِجَزَاءِ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ، وَلِذَا صَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّ حِكْمَةَ خَلْقِهِمْ أَوَّلًا وَبَعْثِهِمْ ثَانِيًا، هُوَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ يُونُسَ: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [١٠ ٤]، وَقَوْلُهُ فِي النَّجْمِ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [٥٣ ٣١].
وَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ حُسْبَانَهُ وَظَنَّهُ أَنَّهُ يُتْرَكُ سُدًى، أَيْ مُهْمَلًا، لَمْ يُؤْمَرْ وَلَمْ يُنْهَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا نَقَلَهُ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ حَتَّى أَوْجَدَهُ إِلَّا لِيَبْعَثَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْ وَيُجَازِيَهُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى إِلَى قَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٧٥ ٣٦ - ٤٠].
وَالْبَرَاهِينُ عَلَى الْبَعْثِ دَالَّةٌ عَلَى الْجَزَاءِ، وَقَدْ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الظَّنِّ الَّذِي ظَنَّهُ الْكُفَّارُ بِهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْخَلْقَ وَلَا يُجَازِيهِمْ مُنْكِرًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [٢٣ ١١٥ - ١١٦].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [٤٦ ٣].
تَنْبِيهٌ:
اعْلَمْ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى حِكْمَةِ خَلْقِ اللَّهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَهْلِهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا
446
قَدْ يَظُنُّ غَيْرُ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا، وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ أَنَّ حِكْمَةَ خَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هِيَ إِعْلَامُ خَلْقِهِ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الطَّلَاقِ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [٦٥ ١٢].
وَذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ كَوْنَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [٢ ١٦٣]، ثُمَّ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَى قَوْلِهِ: لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [٢ ١٦٤]، وَلَمَّا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [٢ ٢١]، بَيَّنَ أَنَّ خَلْقَهُمْ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الْآيَةَ [٢ ٢١].
وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ بِكَوْنِهِ هُوَ الْخَالِقُ - كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا الْآيَةَ [٢٥ ٢ - ٣]، وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الْآيَةَ [١٣ ١٦]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِيَبْتَلِيَ النَّاسَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [١١ ٧].
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ الْآيَةَ [١٠ ٤]، وَذَكَرَ فِي آيَةِ الذَّارِيَاتِ هَذِهِ أَنَّهُ مَا خَلَقَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوهُ، فَقَدْ يَظُنُّ غَيْرُ الْعَالِمِ أَنَّ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ اخْتِلَافًا مَعَ أَنَّهَا لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيهَا كُلِّهَا رَاجِعٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَمَعْرِفَةُ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، فَقَوْلُهُ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٦٥ ١٢]،
447
وَقَوْلُهُ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [٢ ٢١] رَاجِعٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ، لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَطَاعَهُ وَوَحَّدَهُ.
وَهَذَا الْعِلْمُ يُعَلِّمُهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَيُرْسِلُ لَهُمُ الرُّسُلَ بِمُقْتَضَاهُ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، فَالتَّكْلِيفُ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَالْجَزَاءُ بَعْدَ التَّكْلِيفِ، فَظَهَرَ بِهَذَا اتِّفَاقُ الْآيَاتِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَكْلِيفٍ، وَهُوَ الِابْتِلَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَاتِ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلْمٍ، وَلِذَا دَلَّ بَعْضُ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ حِكْمَةَ الْخَلْقِ لِلْمَخْلُوقَاتِ هِيَ الْعِلْمُ بِالْخَالِقِ، وَدَلَّ بَعْضُهَا عَلَى أَنَّهَا الِابْتِلَاءُ، وَدَلَّ بَعْضُهَا عَلَى أَنَّهَا الْجَزَاءُ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَبَعْضُهُ مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي سُورَةِ هُودٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [١١ ١١٩]، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهَا بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ أَيْ وَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ خَلَقَهُمْ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [٧ ١٧٩] إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهَا بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، إِرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ.
وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَيْضًا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ مُنْقَسِمًا إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ، وَأَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [٦٤ ٢]، : وَقَالَ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [٤٢ ٧].
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اللَّهَ دَعَا جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ فَيَصِيرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وَقَوْلِهِ: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ تَكُونُ دِينِيَّةً شَرْعِيَّةً، وَهِيَ مُلَازِمَةٌ لِلْأَمْرِ وَالرِّضَا، وَقَدْ تَكُونُ كَوْنِيَّةً قَدَرِيَّةً وَلَيْسَتْ مُلَازِمَةً لَهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْجَمِيعَ بِالْأَفْعَالِ الْمُرَادَةِ مِنْهُمْ دِينًا، وَيُرِيدُ ذَلِكَ كَوْنًا وَقَدَرًا مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [٤ ٦٤]،
448
فَقَوْلُهُ: إِلَّا لِيُطَاعَ أَيْ: فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا، لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ مُرَادٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعًا وَدِينًا، وَقَوْلُهُ: بِإِذْنِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ كَوْنًا وَقَدَرًا، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [١٠ ٢٥]، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ [٦ ١٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ.
أَصْلُ الذَّنُوبِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الدَّلْوُ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مَاءَ الْآبَارِ وَالْقَلْبِ بِالدَّلْوِ، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْهُ مِلْءَ دَلْوٍ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا أَطْلَقُوا اسْمَ الذَّنُوبِ الَّتِي هِيَ الدَّلْوُ عَلَى النَّصِيبِ. قَالَ الرَّاجِزُ فِي اقْتِسَامِهِمُ الْمَاءَ بِالدَّلْوِ:
لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبُ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا الْقَلِيبُ
وَيُرْوَى:
إِنَّا إِذَا شَارَبَنَا شَرِيبُ لَهُ ذَنُوبٌ وَلَنَا ذَنُوبُ
فَإِنْ أَبَى كَانَ لَنَا الْقَلِيبُ
وَمِنْ إِطْلَاقِ الذَّنُوبِ عَلَى مُطْلَقِ النَّصِيبِ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ التَّمِيمِيِّ، وَقِيلَ عَبِيدٌ:
وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتُ بِنِعْمَةٍ فَحَقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نِدَاكَ ذَنُوبُ
وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
لَعَمْرِكَ وَالْمَنَايَا طَارِقَاتٌ لِكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ
فَالذَّنُوبُ فِي الْبَيْتَيْنِ النَّصِيبُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِنَّ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا بِتَكْذِيبِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَنُوبًا، أَيْ نَصِيبًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مِنَ الْعَذَابِ لَمَّا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [٣٩ ٥٠].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ [١٣ ٦]، وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [١٩ ٨٤]، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.
مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ تَهْدِيدِ الْكُفَّارِ بِالْوَيْلِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِمَا يَنَالُهُمْ فِيهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «ص» : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [٣٨ ٢٧]، وَقَوْلِهِ فِي إِبْرَاهِيمَ: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [١٤ ٢]، وَقَوْلِهِ فِي الْمُرْسَلَاتِ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [٧٧ ١٥]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كَلِمَةَ وَوَيْلٌ، قَالَ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا مَصْدَرٌ لَا فِعْلَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَمَعْنَاهُ الْهَلَاكُ الشَّدِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَسْتَعِيذُ مِنْ حَرِّهِ، وَالَّذِي سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهَذِهِ النَّكِرَةِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ.
Icon