تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
ﯤﯥ
ﰀ
هذه الآية: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾؛ أي: أقسمت لكم يا أهل مكة بالرياح التي تذروا التراب ونحوه، وتطيره من الأرض ﴿ذَرْوًا﴾؛ أي: إطارة وإثارة، إنما توعدون لواقع لا محالة، يقال: ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته: أطارته وأذهبته، وانتصاب ﴿ذَرْوًا﴾ على المصدرية، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول: محذوف، كما قدّرناه؛ أعني: التراب ونحوه، وفي "البيضاوي": ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)﴾، يعني: الرياح تذرو التراب وغيره، أو النساء الولود، فإنّهنّ يذرين الأولاد. اهـ. والأول أولى؛ لأنّه أدل على القدرة، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: لو حبس الله الريح عن الأرض ثلاثة أيام.. ما بقي على الأرض شيء إلا نتن.
وقرأ أبو عمرو (١) وحمزة: بإدغام تاء ﴿الذاريات﴾ في ذال ﴿ذَرْوًا﴾، وقرأ الباقون: بدون إدغام وقيل: المقسم به مقدر، وهو رب الذاريات وما بعدها، والأول أولى.
٢ - ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢)﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالسحب الحاملات التي تحمل وقرًا؛ أي: حملًا ثقيلًا، وهو الماء، كما تحمل ذوات الأربع الوقر، ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾، وفي "البيضاوي": فالسحب الحاملات للأمطار، أو الرياح الحاملات للسحاب، أو النساء الحوامل. انتهى.
قرأ الجمهور: ﴿وِقْرًا﴾ بكسر الواو، وهو اسم لما يُوقر؛ أي: يحمل، والمراد هنا: المطر، وقرىء: بفتحها، على أنه مصدر، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول به: محذوف؛ أي: فالسحب الحاملات للأمطار وقرًا؛ أي: حملًا، أو على تسمية المحمول بالمصدر مبالغة.
٣ - ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣)﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالسفن التي تجري في البحر
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾؛ أي: أقسمت لكم يا أهل مكة بالرياح التي تذروا التراب ونحوه، وتطيره من الأرض ﴿ذَرْوًا﴾؛ أي: إطارة وإثارة، إنما توعدون لواقع لا محالة، يقال: ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته: أطارته وأذهبته، وانتصاب ﴿ذَرْوًا﴾ على المصدرية، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول: محذوف، كما قدّرناه؛ أعني: التراب ونحوه، وفي "البيضاوي": ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)﴾، يعني: الرياح تذرو التراب وغيره، أو النساء الولود، فإنّهنّ يذرين الأولاد. اهـ. والأول أولى؛ لأنّه أدل على القدرة، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: لو حبس الله الريح عن الأرض ثلاثة أيام.. ما بقي على الأرض شيء إلا نتن.
وقرأ أبو عمرو (١) وحمزة: بإدغام تاء ﴿الذاريات﴾ في ذال ﴿ذَرْوًا﴾، وقرأ الباقون: بدون إدغام وقيل: المقسم به مقدر، وهو رب الذاريات وما بعدها، والأول أولى.
٢ - ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢)﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالسحب الحاملات التي تحمل وقرًا؛ أي: حملًا ثقيلًا، وهو الماء، كما تحمل ذوات الأربع الوقر، ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾، وفي "البيضاوي": فالسحب الحاملات للأمطار، أو الرياح الحاملات للسحاب، أو النساء الحوامل. انتهى.
قرأ الجمهور: ﴿وِقْرًا﴾ بكسر الواو، وهو اسم لما يُوقر؛ أي: يحمل، والمراد هنا: المطر، وقرىء: بفتحها، على أنه مصدر، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول به: محذوف؛ أي: فالسحب الحاملات للأمطار وقرًا؛ أي: حملًا، أو على تسمية المحمول بالمصدر مبالغة.
٣ - ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣)﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالسفن التي تجري في البحر
(١) الشوكاني.
ﯭﯮ
ﰃ
بالرياح جريًا يسرًا؛ أي: سهلًا ليّنًا ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)﴾. وانتصاب ﴿يُسْرًا﴾ على المصدرية، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أو على الحال؛ أي: ذا يسر وسهولة، وفي "البيضاوي": ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣)﴾؛ أي: فالسفن الجارية في البحر سهلًا، أو الرياح الجارية في مهابها، أو الكواكب التي تجري في منازلها.
٤ - ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)﴾؛ أي: فأقسم لكم بالملائكة التي تقسم الأمور والأشياء من الأمطار والأرزاق وغيرهما؛ إنما توعدون لواقع، وانتصاب ﴿أَمْرًا﴾ على المفعولية، والمراد بالمقسّمات: الملائكة، وإيراد جمع المؤنث السالم فيهم بتأويل الجماعات، وفي "كشف الأسرار": هذا كقوله ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)﴾.
وقيل (١): إنّ المراد بالذاريات، والحاملات والجاريات والمقسمات: الرياح، فإنها توصف بجميع ذلك؛ لأنّها تذرو التراب، وتحمل السحاب، وتجري في الهواء، وتقسم الأمطار، وهو ضعيف جدًّا.
قال عبد الرحمن بن سابط: يدبّر أمر الأرض أربعة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام، فجبريل على الجنود والرياح، وميكائيل على القطر والنبات، وملك الموت على قبض الأرواح، وإسرافيل يبلغهم ما يؤمرون به، وأضاف هذه الأفعال إلى هذه الأشياء؛ لأنها أسباب لظهورها، كقوله تعالى حكاية عن جبريل: ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. وإنما الله هو الواهب الغلام، لكن لمّا كان جبريل سبب ظهوره.. أضاف الهبة إليه.
و ﴿الفاء﴾ فيها: لترتيب الأقسام بها، والترتيب في هذه الأقسام ترتيب ذكريّ أو رتبيّ، باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على قدرته تعالى، ووضيح المقام: أنَّ الإيمان الواقعة في القرآن، وإن وردت في صورة تأكيد المحلوف عليه، إلا أنّ المقصود الأصليّ منها تعظيم المقسم به، لما فيه من الدلالة على كمال القدرة، فيكون المقصود بالحلف: الاستدلال به على المحلوف عليه، وهو هنا صدق الوعد بالبعث والجزاء، فكأنه قيل: من قدر على هذه الأمور
٤ - ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)﴾؛ أي: فأقسم لكم بالملائكة التي تقسم الأمور والأشياء من الأمطار والأرزاق وغيرهما؛ إنما توعدون لواقع، وانتصاب ﴿أَمْرًا﴾ على المفعولية، والمراد بالمقسّمات: الملائكة، وإيراد جمع المؤنث السالم فيهم بتأويل الجماعات، وفي "كشف الأسرار": هذا كقوله ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)﴾.
وقيل (١): إنّ المراد بالذاريات، والحاملات والجاريات والمقسمات: الرياح، فإنها توصف بجميع ذلك؛ لأنّها تذرو التراب، وتحمل السحاب، وتجري في الهواء، وتقسم الأمطار، وهو ضعيف جدًّا.
قال عبد الرحمن بن سابط: يدبّر أمر الأرض أربعة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام، فجبريل على الجنود والرياح، وميكائيل على القطر والنبات، وملك الموت على قبض الأرواح، وإسرافيل يبلغهم ما يؤمرون به، وأضاف هذه الأفعال إلى هذه الأشياء؛ لأنها أسباب لظهورها، كقوله تعالى حكاية عن جبريل: ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. وإنما الله هو الواهب الغلام، لكن لمّا كان جبريل سبب ظهوره.. أضاف الهبة إليه.
و ﴿الفاء﴾ فيها: لترتيب الأقسام بها، والترتيب في هذه الأقسام ترتيب ذكريّ أو رتبيّ، باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على قدرته تعالى، ووضيح المقام: أنَّ الإيمان الواقعة في القرآن، وإن وردت في صورة تأكيد المحلوف عليه، إلا أنّ المقصود الأصليّ منها تعظيم المقسم به، لما فيه من الدلالة على كمال القدرة، فيكون المقصود بالحلف: الاستدلال به على المحلوف عليه، وهو هنا صدق الوعد بالبعث والجزاء، فكأنه قيل: من قدر على هذه الأمور
(١) الشوكاني.
العجيبة.. يقدر على إعادة ما أنشاه أولًا، فإذا كان كذلك، فالمناسب في ترتيب الإقسام بالأمور المتباينة أن يقدم ما هو أدل عى كمال القدرة، فالرياح أدلّ عليها بالنسبة إلى السحب، لكون الرياح أسبابًا لها، والسحب لغرابة ماهيّتها، وكثرة منافعها، ورقّة حاملها الذي هو الرياح، أدلّ عليه بالنسبة إلى السفن، وهذه الثلاثة أدل عليه بالنسبة إلى الملائكة الغائبين عن الحسّ، إذ الخصم ربّما ينكر وجود من هو غائب عن الحسّ، فلا يتمّ الاستدلال، وهذا على كون الترتيب على طريق التدلّي والتنّزل، ويصح أن يكون على طريق الترقّي، لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه، وأدنى من وجه آخر، فالملائكة المدبرات أعظم وأنفع من السفن، وهي باعتبار أنها بيد الإنسان يتصرّف فيها كما يريد، ويسلم بها من المهالك أنفع من السحب، والسحب لما فيها من الأمطار أنفع من الرياح. اهـ ملخصًا من "زاده" و"الشهاب".
وفي "الخازن": ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)﴾؛ يعني: الملائكة، يقسّمون الأمور من الأرزاق، والأمطار، وغيرهما بين الخلق على ما أمروا به، وقيل: هم أربعة كما مرّ، فجبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء، الأمين عليه، وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح، وقيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح، كما مرّ؛ لأنّها تنشىء السحاب وتثيره، ثمّ تحمله وتنقله، ثمّ تجري به جريًا سهلًا، ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب، أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته.
والمعنى: أقسم بالذاريات وبهذه الأشياء، وقيل: فيه مضمر، كما مرّ تقديره: أقسم برب الذاريات.
٥ - ثمّ ذكر جواب القسم، فقال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)﴾ و ﴿ما﴾ (١): إما موصولة والعائد: محذوف؛ أي: إنّ الذي توعدونه من البعث والحساب، أو من
وفي "الخازن": ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)﴾؛ يعني: الملائكة، يقسّمون الأمور من الأرزاق، والأمطار، وغيرهما بين الخلق على ما أمروا به، وقيل: هم أربعة كما مرّ، فجبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء، الأمين عليه، وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح، وقيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح، كما مرّ؛ لأنّها تنشىء السحاب وتثيره، ثمّ تحمله وتنقله، ثمّ تجري به جريًا سهلًا، ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب، أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته.
والمعنى: أقسم بالذاريات وبهذه الأشياء، وقيل: فيه مضمر، كما مرّ تقديره: أقسم برب الذاريات.
٥ - ثمّ ذكر جواب القسم، فقال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)﴾ و ﴿ما﴾ (١): إما موصولة والعائد: محذوف؛ أي: إنّ الذي توعدونه من البعث والحساب، أو من
(١) روح البيان.
الثواب والعقاب ﴿لَصَادِقٌ﴾؛ أي: لموعود محقّق لا خلف فيه، قال في "الإرشاد": وصف الوعد بالصدق كوصف العيشة بالرضى في أنّ اسم الفاعل مسند إلى المفعول به، إذ الوعد مصدوق، والعيشة مرضية.
وقال القاضي زكرياء: إن قلت: كيف قال ذلك، مع أنّ الصادق وصف للواعد لا لما يوعد؟
قلت: وصف به ما يوعد مبالغة، أو هو بمعنى مصدوق، كعيشة راضية، وماء دافق؛ أي: عيشة مرضية وماء مدفوق، فاسم الفاعل جاء بمعنى اسم المفعول انتهى. وقال ابن الشيخ: أي: لذو صدق على أنّ البناء للنسب كتامر ولابن؛ لأنّ الموعود لا يكون صادقًا، بل الصادق هو الواعد، وإما مصدرية؛ أي: إن وعدكم بالثواب، ووعيدكم بالعذاب لصادق؛ أي: لمحقّق لا محالة، إذ يحتمل ﴿تُوعَدُونَ﴾ أن يكون مضارع وعد وأوعد، والثاني: هو المناسب للمقام؛ لأنّ الكلام مع المنكرين.
٦ - ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾؛ أي: وإنّ الجزاء على الأعمال لحاصل، وكائن لا محالة، فإنّ من قدر على هذه الأمور البديعة المخالفة لمقتضى الطبيعة.. فهو قادر على البعث الموعود، قال بعضهم: قد وعد الله سبحانه المطيعين بالجنة، والتائبين بالمحبّة، والأولياء بالقربة، والعارفين بالوصلة، والطالبين بالوجدان، كما قال: "ألا من طلبني وجدني". ووعد الله واقع ألبتة، ومن أوفى بوعده من الله، وأوعد الفاسقين بالنار، والمصرين بالبغضاء، والأعداء بالبعد، والجاهلين الغافلين بالفراق، والبطالين بالفقدان.
قال بعضهم: ما الحكمة في معنى القسم من الله سبحانه، فإنه إن كان لأجل المؤمن، فالمؤمن يصدق بمجرد الإخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده؟ والجواب: إنّ القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرًا، والحكم يفصل باثنين: إما بالشهادة، وإما بالقسم، فذكر الله في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة، فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ الآية. ولا يكون القسم إلا باسم معظم، وقد أقسم الله بنفسه في القرآن في سبعة مواضع،
وقال القاضي زكرياء: إن قلت: كيف قال ذلك، مع أنّ الصادق وصف للواعد لا لما يوعد؟
قلت: وصف به ما يوعد مبالغة، أو هو بمعنى مصدوق، كعيشة راضية، وماء دافق؛ أي: عيشة مرضية وماء مدفوق، فاسم الفاعل جاء بمعنى اسم المفعول انتهى. وقال ابن الشيخ: أي: لذو صدق على أنّ البناء للنسب كتامر ولابن؛ لأنّ الموعود لا يكون صادقًا، بل الصادق هو الواعد، وإما مصدرية؛ أي: إن وعدكم بالثواب، ووعيدكم بالعذاب لصادق؛ أي: لمحقّق لا محالة، إذ يحتمل ﴿تُوعَدُونَ﴾ أن يكون مضارع وعد وأوعد، والثاني: هو المناسب للمقام؛ لأنّ الكلام مع المنكرين.
٦ - ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾؛ أي: وإنّ الجزاء على الأعمال لحاصل، وكائن لا محالة، فإنّ من قدر على هذه الأمور البديعة المخالفة لمقتضى الطبيعة.. فهو قادر على البعث الموعود، قال بعضهم: قد وعد الله سبحانه المطيعين بالجنة، والتائبين بالمحبّة، والأولياء بالقربة، والعارفين بالوصلة، والطالبين بالوجدان، كما قال: "ألا من طلبني وجدني". ووعد الله واقع ألبتة، ومن أوفى بوعده من الله، وأوعد الفاسقين بالنار، والمصرين بالبغضاء، والأعداء بالبعد، والجاهلين الغافلين بالفراق، والبطالين بالفقدان.
قال بعضهم: ما الحكمة في معنى القسم من الله سبحانه، فإنه إن كان لأجل المؤمن، فالمؤمن يصدق بمجرد الإخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده؟ والجواب: إنّ القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرًا، والحكم يفصل باثنين: إما بالشهادة، وإما بالقسم، فذكر الله في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة، فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ الآية. ولا يكون القسم إلا باسم معظم، وقد أقسم الله بنفسه في القرآن في سبعة مواضع،
505
والباقي من القسم القرآنيّ قسم بمخلوقاته، كما في عنوان هذه السورة، ونحوه: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)﴾، والصافات والشمس والليل والضحى وغير ذلك.
فإن قلت (١): ما الحكمة في أنّ الله تعالى قد أقسم بالخلق، وقد ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى؟
قلت: فيه وجوه:
الأول: أنه على حذف مضاف؛ أي: ورب الذاريات، وربِّ التين، ورب الشمس.
والثاني: أنّ العرب كانت تعظم هذه الأشياء، وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون.
والثالث: أنّ الإقسام إنما يكون بما يعظمه المقسم أو يجله، وهو فوقه، والله تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارةً بنفسه، وتارةً بمصنوعاته؛ لأنَّها تدل على بارىءٍ، وصانع حكيم، وقال بعضهم: القسم بالمصنوعات يستلزم بالصانع؛ لأنّ ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.
وقال بعضهم: إنّ الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى.
وقال بعضهم: القسم: إما لفضيلة، أو منفعة، ولا تخلو المصنوعات عنهما.
ومعنى الآية على القول الثاني - أعني: قول: أنّ هذه المذكورات أوصاف للرياح -: أقسم (٢) سبحانه بالرياح، وذروها التراب، وحملها السحاب، وجريها في الهواء بيسر وسهولة، وتقسيمها الأمطار، إنّ هذا البعث لحاصل، وإن هذا الجزاء لا بدّ منه في ذلك اليوم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وهنا أقسم سبحانه بالرياح وأفعالها، لما يشاهدون من آثارها، ونفعها العظيم لهم، فهي التي ترسل الأمطار مبشّرات برحمته، ومنها تسقي الأنعام
فإن قلت (١): ما الحكمة في أنّ الله تعالى قد أقسم بالخلق، وقد ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى؟
قلت: فيه وجوه:
الأول: أنه على حذف مضاف؛ أي: ورب الذاريات، وربِّ التين، ورب الشمس.
والثاني: أنّ العرب كانت تعظم هذه الأشياء، وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون.
والثالث: أنّ الإقسام إنما يكون بما يعظمه المقسم أو يجله، وهو فوقه، والله تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارةً بنفسه، وتارةً بمصنوعاته؛ لأنَّها تدل على بارىءٍ، وصانع حكيم، وقال بعضهم: القسم بالمصنوعات يستلزم بالصانع؛ لأنّ ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.
وقال بعضهم: إنّ الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى.
وقال بعضهم: القسم: إما لفضيلة، أو منفعة، ولا تخلو المصنوعات عنهما.
ومعنى الآية على القول الثاني - أعني: قول: أنّ هذه المذكورات أوصاف للرياح -: أقسم (٢) سبحانه بالرياح، وذروها التراب، وحملها السحاب، وجريها في الهواء بيسر وسهولة، وتقسيمها الأمطار، إنّ هذا البعث لحاصل، وإن هذا الجزاء لا بدّ منه في ذلك اليوم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وهنا أقسم سبحانه بالرياح وأفعالها، لما يشاهدون من آثارها، ونفعها العظيم لهم، فهي التي ترسل الأمطار مبشّرات برحمته، ومنها تسقي الأنعام
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
506
والزروع، وبها تنبت البساتين والجنات، وتصير الأرض القفر مروجًا، وعليها يعتمدون في معاشهم، فآثارها واضحة أمامهم، ولا عجيب أن تكون لها المنزلة العظمى في نفوسهم.
وأفعال الرياح تخالف ناموس الجاذبيَّة، فإنَّ ما على الأرض منجذب إليها، واقع عليها، ولكن هذه الرياح تتصرف تصرفًا عجيبًا تابعًا لسير الكواكب، فبجريها وجري الشمس تؤثر في أرضنا وهوائها بنظام محكم، فما ذرت الرياح التراب، ولا حملت السحاب، ولا قسمت المطر على البلاد إلا بحركات فلكيّة منتظمة، من أجل هذا جعل ذلك براهين على البعث والإعادة.
٧ - ثم ابتدأ سبحانه قسمًا آخر، فقال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)﴾؛ أي: وأقسمت لكم يا أهل مكة بالسماء ذات الطرائق (١) المحسوسة، التي هي مساير الكواكب، أو المعقولة التي يسلها النظّار، ويتوصّل بها إلى المعارف، كما قال الراغب: الحبك بضمتين، جمع حباك كمثال ومثل، أو جمع حبيكة كطريقة وطرق، وهي الطرائق، فمن الناس من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، وهي الخطوط فيها كالطرق في الرمل، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيها من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الحُسن والجمال والاستواء والطرق، والظاهر: أنَّ السماء هي المعروفة، وقيل: السحاب.
٨ - ﴿إِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ في القرآن؛ أي: متخالف متناقض، وهو قولهم: إنه شعر وسحر وافتراء وأساطير الأولين، وفي الرسول: شاعر وساحر ومفتر ومجنون، وفي القيامة فإن من الناس من يقطع القول بإقرار، ومنهم من يقول: إن نظنّ إلا ظنًّا، وهذا من التحيّر والجهل الغليظ فيكم، وفي هذا الجواب تأييد لكون الحبك عبارة عن الاستواء، كما يلوح به ما نقل عن الضحاك: إنّ قول الكفرة لا يكون مستويًا، إنما هو مناقض مختلف، ووجه
وأفعال الرياح تخالف ناموس الجاذبيَّة، فإنَّ ما على الأرض منجذب إليها، واقع عليها، ولكن هذه الرياح تتصرف تصرفًا عجيبًا تابعًا لسير الكواكب، فبجريها وجري الشمس تؤثر في أرضنا وهوائها بنظام محكم، فما ذرت الرياح التراب، ولا حملت السحاب، ولا قسمت المطر على البلاد إلا بحركات فلكيّة منتظمة، من أجل هذا جعل ذلك براهين على البعث والإعادة.
٧ - ثم ابتدأ سبحانه قسمًا آخر، فقال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)﴾؛ أي: وأقسمت لكم يا أهل مكة بالسماء ذات الطرائق (١) المحسوسة، التي هي مساير الكواكب، أو المعقولة التي يسلها النظّار، ويتوصّل بها إلى المعارف، كما قال الراغب: الحبك بضمتين، جمع حباك كمثال ومثل، أو جمع حبيكة كطريقة وطرق، وهي الطرائق، فمن الناس من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، وهي الخطوط فيها كالطرق في الرمل، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيها من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الحُسن والجمال والاستواء والطرق، والظاهر: أنَّ السماء هي المعروفة، وقيل: السحاب.
٨ - ﴿إِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ في القرآن؛ أي: متخالف متناقض، وهو قولهم: إنه شعر وسحر وافتراء وأساطير الأولين، وفي الرسول: شاعر وساحر ومفتر ومجنون، وفي القيامة فإن من الناس من يقطع القول بإقرار، ومنهم من يقول: إن نظنّ إلا ظنًّا، وهذا من التحيّر والجهل الغليظ فيكم، وفي هذا الجواب تأييد لكون الحبك عبارة عن الاستواء، كما يلوح به ما نقل عن الضحاك: إنّ قول الكفرة لا يكون مستويًا، إنما هو مناقض مختلف، ووجه
(١) روح البيان.
تخصيص (١) القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة: تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء، واستعمال الحبك في الطرائق هو الذي عليه أهل اللغة، وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه، على أنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا، وذلك بأن يقال: إنَّ ما في السماء من الطرائق يصحّ أن يكون سببًا لمزيد حسنها، واستواء خلقها، وحصول الزينة فيها ومزيد القوّة لها، وقيل: إنّ المراد بكونهم في قول مختلف أنّ بعضهم ينفي الحشر، وبعضهم يشكّ فيه كما مر، وقيل: كونهم يقرون أنّ الله خالقهم ويعبدون الأصنام.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿الْحُبُكِ﴾ بضمتين، وابن عباس والحسن بخلاف عنه، وأبو مالك الغفاريّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو السمال ونعيم عن أبي عمرو: بإسكان الباء، وعكرمة: بفتحها جمع حبكة، مثل: طرفة وطرف، وأبو مالك الغفاريّ والحسن بخلاف عنه: بكسر الحاء والباء، وأبو مالك الغفاريّ والحسن أيضًا وأبو حيوة: بكسر الحاء وإسكان الباء، وهو تخفيف فِعِل المكسور، هما وهو اسم مفرد لا جمع، لأنّ فعلًا ليس من أبنية المجموع، فينبغي أن يعد مع إبل فيما جاء من الأسماء على فعل بكسر الفاء والعين، وابن عباس أيضًا وأبو مالك: بفتحهما، قال أبو الفضل الرازيّ: فهو جمع حبكة، مثل: عقبة وعقب. انتهى. والحسن أيضًا: ﴿الحبك﴾ بكسر الحاء وفتح الباء، وقرأ أيضًا كالجمهور، فصارت قراءته خمسًا: الحُبُكُ والحُبْك، والحِبِك، والحِبْك، والحِبَكُ، وقرأ أبو مالك أيضًا: ﴿الحِبُك﴾ بكسر الحاء وضمّ الباء، وذكرها ابن عطية أيضًا عن الحسن، فتصير له ستّ قراءات، وقال "صاحب اللوامح": وهو عدم النظير في العربية في أبنيتها وأوزانها، ولا أدري ما رواه. انتهى.
٩ - ﴿يُؤْفَكُ﴾ ويصرف ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، وبما جاء به، أو عن الحق، وهو البعث والتوحيد، أو عن القرآن. ﴿مَنْ أُفِكَ﴾؛ أي: من صرف عن الخير كله، وقيل: يحرم عنه من حوم، وقال اليزيدي: يدفع عنه من دفع
وقرأ الجمهور (٢): ﴿الْحُبُكِ﴾ بضمتين، وابن عباس والحسن بخلاف عنه، وأبو مالك الغفاريّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو السمال ونعيم عن أبي عمرو: بإسكان الباء، وعكرمة: بفتحها جمع حبكة، مثل: طرفة وطرف، وأبو مالك الغفاريّ والحسن بخلاف عنه: بكسر الحاء والباء، وأبو مالك الغفاريّ والحسن أيضًا وأبو حيوة: بكسر الحاء وإسكان الباء، وهو تخفيف فِعِل المكسور، هما وهو اسم مفرد لا جمع، لأنّ فعلًا ليس من أبنية المجموع، فينبغي أن يعد مع إبل فيما جاء من الأسماء على فعل بكسر الفاء والعين، وابن عباس أيضًا وأبو مالك: بفتحهما، قال أبو الفضل الرازيّ: فهو جمع حبكة، مثل: عقبة وعقب. انتهى. والحسن أيضًا: ﴿الحبك﴾ بكسر الحاء وفتح الباء، وقرأ أيضًا كالجمهور، فصارت قراءته خمسًا: الحُبُكُ والحُبْك، والحِبِك، والحِبْك، والحِبَكُ، وقرأ أبو مالك أيضًا: ﴿الحِبُك﴾ بكسر الحاء وضمّ الباء، وذكرها ابن عطية أيضًا عن الحسن، فتصير له ستّ قراءات، وقال "صاحب اللوامح": وهو عدم النظير في العربية في أبنيتها وأوزانها، ولا أدري ما رواه. انتهى.
٩ - ﴿يُؤْفَكُ﴾ ويصرف ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، وبما جاء به، أو عن الحق، وهو البعث والتوحيد، أو عن القرآن. ﴿مَنْ أُفِكَ﴾؛ أي: من صرف عن الخير كله، وقيل: يحرم عنه من حوم، وقال اليزيدي: يدفع عنه من دفع
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
ﭟﭠ
ﰉ
عنه، وقيل: يصرف عنه من صرف في علم الله وقضائه، إذ لا صرف أفظع منه وأشد، فكأنه لا صرف بالنسبة إليه.
قيل (١): هذا مدح للمؤمنين؛ أي: يصرف عن القول المختلف من صرف عن ذلك القول، ورشد إلى القول المستوي، وهيل: إنّ هذا ذم؛ أي: يصرف عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، والقرآن، والحشر من قد صرف عن الهدى، وهو الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وأبي بن خلف وأمية بن خلف ومنبه ونبيه.
وقرأ ابن جبير وقتادة (٢): ﴿مَنْ أُفِكَ﴾ مبنيًا للفاعل؛ أي: من أفك الناس عنه، وهم قريش كانوا يصدون الناس عن الإيمان، وقرأ زيد بن علي ﴿يَأْفَكُ عنه من أُفِكَ﴾ ببناء الأول للفاعل، والثاني للمفعول؛ أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه، وعنه أيضًا: ﴿يَأْفَكُ عنه مَنْ أَفَكَ﴾ بالبناء للفاعل فيهما؛ أي: يصرف الناس عنه من هو أفَّاكٌ كذَّابٌ، وقرىء: ﴿يُؤْفَنُ عنه من أَفِنُ﴾ بالنون فيهما، أي: يحرم عنه من حرم، من أفن الضرع: إذا نهكه حلبًا.
والمعنى (٣): أي والسماء ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، إنكم أيّها المشركون المكذبون للرسول - ﷺ - لفي قول مختلف مضطرب، لا يلتئم، ولا يجتمع، ولا يروج إلا على من هو ضال في نفسه؛ لأنّه قول باطل، يصرف بسببه من صرف عن الإيمان برسول الله - ﷺ -، وبما جاء به.
والخلاصة: قسمًا بالسماء وزينتها، وجمالها، إنَّ أمركم في شأن محمد، وكتابه لعجب عاجب، فهو متناقض مضطرب، فحينًا تقولون: هو شاعر، وحينًا آخر تقولون: هو ساحر، ومرّةً ثالثة تقولون: هو مجنون، وحينًا تقولون عن القرآن: إنه سحر، وحينًا: إنه شعر، وحينًا: إنه كهانة.
١٠ - ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾؛ أي: لعن وطرد عن رحمة الله الكذّابون من أصحاب
قيل (١): هذا مدح للمؤمنين؛ أي: يصرف عن القول المختلف من صرف عن ذلك القول، ورشد إلى القول المستوي، وهيل: إنّ هذا ذم؛ أي: يصرف عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، والقرآن، والحشر من قد صرف عن الهدى، وهو الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وأبي بن خلف وأمية بن خلف ومنبه ونبيه.
وقرأ ابن جبير وقتادة (٢): ﴿مَنْ أُفِكَ﴾ مبنيًا للفاعل؛ أي: من أفك الناس عنه، وهم قريش كانوا يصدون الناس عن الإيمان، وقرأ زيد بن علي ﴿يَأْفَكُ عنه من أُفِكَ﴾ ببناء الأول للفاعل، والثاني للمفعول؛ أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه، وعنه أيضًا: ﴿يَأْفَكُ عنه مَنْ أَفَكَ﴾ بالبناء للفاعل فيهما؛ أي: يصرف الناس عنه من هو أفَّاكٌ كذَّابٌ، وقرىء: ﴿يُؤْفَنُ عنه من أَفِنُ﴾ بالنون فيهما، أي: يحرم عنه من حرم، من أفن الضرع: إذا نهكه حلبًا.
والمعنى (٣): أي والسماء ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، إنكم أيّها المشركون المكذبون للرسول - ﷺ - لفي قول مختلف مضطرب، لا يلتئم، ولا يجتمع، ولا يروج إلا على من هو ضال في نفسه؛ لأنّه قول باطل، يصرف بسببه من صرف عن الإيمان برسول الله - ﷺ -، وبما جاء به.
والخلاصة: قسمًا بالسماء وزينتها، وجمالها، إنَّ أمركم في شأن محمد، وكتابه لعجب عاجب، فهو متناقض مضطرب، فحينًا تقولون: هو شاعر، وحينًا آخر تقولون: هو ساحر، ومرّةً ثالثة تقولون: هو مجنون، وحينًا تقولون عن القرآن: إنه سحر، وحينًا: إنه شعر، وحينًا: إنه كهانة.
١٠ - ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾؛ أي: لعن وطرد عن رحمة الله الكذّابون من أصحاب
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
القول المختلف، وأصله: الدعاء بالقتل، أجري مجرى اللعن، و ﴿اللام﴾ (١) فيه: إشارة إلى أصحاب القول المختلف، كأنّه قيل: قتل هؤلاء الخرّاصون المقدرون ما لا يصح من القول، ويقولونه تخمينًا في محمد، وفي القرآن.
١١ - ﴿الَّذِينَ هُمْ﴾ لفظ ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، خبره: قوله: ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾؛ أي: الذين هم كائنون في غمرة وغشية من الجهل والضلالة تغمرهم وتغشاهم عن أمر الآخرة. ﴿سَاهُونَ﴾ خبر بعد خبر؛ أي: غافلون عمّا أمروا به من الإيمان بمحمد - ﷺ -، قال بعضهم: الغمرة فوق الغفلة، والسهو دون الغفلة.
وفي "كشف الأسرار": الخرّاصون: هم المقتسمون الذين اقتسموا أعتاب مكة، واقتسموا القول في النبيّ - ﷺ -؛ ليصرفوا الناس عن دين الإِسلام؛ يعني: أنّ أهل مكة أقاموا رجالًا على زقاق مكة، يصرفون الناس؛ يعني: وقت ورود قوافل. انتهى.
وأصل الغمرة (٢): ما ستر الشيء وغطاه، ومنها: غمرات الموت، والسهو الغفلة عن الشيء، وذهابه عن القلب.
١٢ - ﴿يَسْأَلُونَ﴾؛ أي: يسألك يا محمد المشركون، لكن لا بطريق الاستعلام حقيقة، بل بطريق الاستعجال استهزاء، فيقولون: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾؛ أي: متى يوم الجزاء، والكلام على حذف مضاف من اليوم وإقامة المضاف إليه مقامه، فلا يرد أنَّ ظرف الزمان لا يقع خبرًا إلا عن الحدث؛ أي (٣): متى وقوع الجزاء، وقد كان لهم من أنفسهم ما لو تدبَّروا فيه يدفعهم إلى الاعتقاد بمجيء هذا اليوم، فإنّ أحدًا منهم لا يترك عبيده وأجراءه في عمل دون أن يحاسبهم، وينظر في أحوالهم، ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم، فكيف يترك أحكم الحاكمين عبيده الذين أبدع لهم هذا الكون، وهيَّأ لهم كل ما يحتاجون إليه سدًى، ويوجدهم عبثًا.
١١ - ﴿الَّذِينَ هُمْ﴾ لفظ ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، خبره: قوله: ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾؛ أي: الذين هم كائنون في غمرة وغشية من الجهل والضلالة تغمرهم وتغشاهم عن أمر الآخرة. ﴿سَاهُونَ﴾ خبر بعد خبر؛ أي: غافلون عمّا أمروا به من الإيمان بمحمد - ﷺ -، قال بعضهم: الغمرة فوق الغفلة، والسهو دون الغفلة.
وفي "كشف الأسرار": الخرّاصون: هم المقتسمون الذين اقتسموا أعتاب مكة، واقتسموا القول في النبيّ - ﷺ -؛ ليصرفوا الناس عن دين الإِسلام؛ يعني: أنّ أهل مكة أقاموا رجالًا على زقاق مكة، يصرفون الناس؛ يعني: وقت ورود قوافل. انتهى.
وأصل الغمرة (٢): ما ستر الشيء وغطاه، ومنها: غمرات الموت، والسهو الغفلة عن الشيء، وذهابه عن القلب.
١٢ - ﴿يَسْأَلُونَ﴾؛ أي: يسألك يا محمد المشركون، لكن لا بطريق الاستعلام حقيقة، بل بطريق الاستعجال استهزاء، فيقولون: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾؛ أي: متى يوم الجزاء، والكلام على حذف مضاف من اليوم وإقامة المضاف إليه مقامه، فلا يرد أنَّ ظرف الزمان لا يقع خبرًا إلا عن الحدث؛ أي (٣): متى وقوع الجزاء، وقد كان لهم من أنفسهم ما لو تدبَّروا فيه يدفعهم إلى الاعتقاد بمجيء هذا اليوم، فإنّ أحدًا منهم لا يترك عبيده وأجراءه في عمل دون أن يحاسبهم، وينظر في أحوالهم، ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم، فكيف يترك أحكم الحاكمين عبيده الذين أبدع لهم هذا الكون، وهيَّأ لهم كل ما يحتاجون إليه سدًى، ويوجدهم عبثًا.
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
١٣ - ثم أجاب سبحانه عن هذا السؤال، وذكر أنه يكون يوم القيامة، فقال: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)﴾. أي: يعرضون عليها؛ أي: يوم الجزاء هو يوم يعرض فيه الكفّار على النار، ويعذّبون بها، ويحرقون فيها كما يفتن الذهب بالنار، يقال (١): فتنت الذهب: أحرقت خبثه لتظهر خلاصته، والكافر كله خبث فيحرق كلّه، ويجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: هو يوم هم إلخ، والفتح لإضافته إلى غير متمكّن، وقيل: هو منصوب بتقدير: أعني، وقال بعض النحاة: ﴿يَوْمَ هُمْ﴾: بدل من ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ فيكون هنا حكاية من كلامهم على المعنى: ويقولون ذلك على سبيل الاستهزاء، ولو حكى لفظ قولهم.. لكان التركيب يوم نحن على النار نفتن.
وقرأ ابن أبي عبلة والزعفراني: ﴿يَوْمَ هُمْ﴾ بالرفع على البدل من ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾؛ أي (٢): يوم الجزاء هو يوم نعذب الكفار.
١٤ - وتقول لهم الخزنة: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ أي: عذابكم ﴿هَذَا﴾ العذاب هو العذاب ﴿الَّذِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾؛ أي: تستعجلون وقوعه استهزاءً، وتظهرون أنه غير كائن، و ﴿هَذَا﴾: مبتدأ، والموصول: خبره، والجملة: داخلة تحت القول المضمر، وهذا إشارة إلى ما في الفتنة من معنى العذاب؛ أي: هذا العذاب ما كنتم تستعجلون به في حياتكم الدنيا، وتقولون: متى هذا الوعد بطريق الاستهزاء، ويجوز أن يكون ﴿هَذَا﴾ بدلًا من ﴿فِتْنَتَكُمْ﴾ بتأويله بالعذاب، و ﴿الَّذِي﴾: صفته.
١٥ - ولمّا ذكر سبحانه حال أهل النار.. ذكر حال أهل الجنة، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ عن الكفر والمعاصي والجهل والميل إلى ما سوى المولى، والمتصفين بالإيمان والطاعة والمعرفة والتوجّه إلى الحضرة العليا لكائنون ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾؛ أي: بساتين لا يعرف كنهها، فالتنكير (٣): للتعظيم، ويجوز أن يكون للتكثير، كما
وقرأ ابن أبي عبلة والزعفراني: ﴿يَوْمَ هُمْ﴾ بالرفع على البدل من ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾؛ أي (٢): يوم الجزاء هو يوم نعذب الكفار.
١٤ - وتقول لهم الخزنة: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ أي: عذابكم ﴿هَذَا﴾ العذاب هو العذاب ﴿الَّذِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾؛ أي: تستعجلون وقوعه استهزاءً، وتظهرون أنه غير كائن، و ﴿هَذَا﴾: مبتدأ، والموصول: خبره، والجملة: داخلة تحت القول المضمر، وهذا إشارة إلى ما في الفتنة من معنى العذاب؛ أي: هذا العذاب ما كنتم تستعجلون به في حياتكم الدنيا، وتقولون: متى هذا الوعد بطريق الاستهزاء، ويجوز أن يكون ﴿هَذَا﴾ بدلًا من ﴿فِتْنَتَكُمْ﴾ بتأويله بالعذاب، و ﴿الَّذِي﴾: صفته.
١٥ - ولمّا ذكر سبحانه حال أهل النار.. ذكر حال أهل الجنة، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ عن الكفر والمعاصي والجهل والميل إلى ما سوى المولى، والمتصفين بالإيمان والطاعة والمعرفة والتوجّه إلى الحضرة العليا لكائنون ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾؛ أي: بساتين لا يعرف كنهها، فالتنكير (٣): للتعظيم، ويجوز أن يكون للتكثير، كما
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
في قوله: إنّ له لإبلًا، وإن له لغنمًا، والعرب تسمي النخيل جنّةً. ﴿وَعُيُونٍ﴾؛ أي: أنهار جارية؛ أي: تكون الأنهار بحيث يرونها، وتقع عليها أبصارهم، لا أنهم فيها؛ أي: هم في بساتين فيها عيون جارية لا يبلغ وصفها الواصفون، حال كونهم
١٦ - ﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾؛ أي: قابلين ما أعطاهم ربّهم من الخير والكرامة، راضين به، فهو حال من الضمير المستكن في الجار والمجوور على معنى: أنّ كل ما أعطاهم حسن مرضي متلقى بالقبول ليس فيه ما يرد، لأنّه في غاية الجودة، ومنه قوله: ﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾؛ أي: يقبلها ويرضاها، قال بعضهم: معناه: آخذين ما آتاهم ربهم اليوم بقلوب فارغة إلى الله من أصناف ألطافه، وغدًا يأخذون ما يعطيهم ربهم في الجنة من فنون العطاء والرفد.
وفي "فتح الرحمن" (١): ختم الآية هنا بقوله: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦)﴾ وفي الطور بقوله: ﴿وَنَعِيمٍ (١٧) فَاكِهِينَ﴾؛ لأنّ ما هنا متصل بما به يصل الإنسان إلى الجنات وهو قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ الآيات. وما في الطور متصل بما يناله الإنسان فيها، وهو قوله: ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ الآية. انتهى.
والمعنى (٢): أي إنّ الذين اتقوا الله وأطاعوه واجتنبوا معاصيه في بساتين وجنّات تجري من تحتها الأنهار، قريرةً أعينهم بما آتاهم ربّهم، إذ فيه ما يرضيهم، ويغنيهم، ويفوق ما كانوا يؤملون.
ثمّ ذكر الثمن الذي دفعوه لنيل هذا الأجر العظيم، وعلّل استحقاقهم ذلك بقوله: ﴿إنَّهُم﴾؛ أي: لأنّهم ﴿كانوا﴾ في الدنيا ﴿قبَلَ ذلِكَ﴾؛ أي: قبل دخولهم الجنة ﴿مُحْسِنِينَ﴾؛ أي: مخلصين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه؛ أي: إنهم كانوا في دار الدنيا يفعلون صالح الأعمال خشية من ربّهم، وطلبًا لرضاه، ومن ثمّ نالوا هذا الفوز العظيم، والمكرمة التي فاقت ما كانوا يؤملون ويرجون، ونحو الآية قوله. {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
١٦ - ﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾؛ أي: قابلين ما أعطاهم ربّهم من الخير والكرامة، راضين به، فهو حال من الضمير المستكن في الجار والمجوور على معنى: أنّ كل ما أعطاهم حسن مرضي متلقى بالقبول ليس فيه ما يرد، لأنّه في غاية الجودة، ومنه قوله: ﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾؛ أي: يقبلها ويرضاها، قال بعضهم: معناه: آخذين ما آتاهم ربهم اليوم بقلوب فارغة إلى الله من أصناف ألطافه، وغدًا يأخذون ما يعطيهم ربهم في الجنة من فنون العطاء والرفد.
وفي "فتح الرحمن" (١): ختم الآية هنا بقوله: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦)﴾ وفي الطور بقوله: ﴿وَنَعِيمٍ (١٧) فَاكِهِينَ﴾؛ لأنّ ما هنا متصل بما به يصل الإنسان إلى الجنات وهو قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ الآيات. وما في الطور متصل بما يناله الإنسان فيها، وهو قوله: ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ الآية. انتهى.
والمعنى (٢): أي إنّ الذين اتقوا الله وأطاعوه واجتنبوا معاصيه في بساتين وجنّات تجري من تحتها الأنهار، قريرةً أعينهم بما آتاهم ربّهم، إذ فيه ما يرضيهم، ويغنيهم، ويفوق ما كانوا يؤملون.
ثمّ ذكر الثمن الذي دفعوه لنيل هذا الأجر العظيم، وعلّل استحقاقهم ذلك بقوله: ﴿إنَّهُم﴾؛ أي: لأنّهم ﴿كانوا﴾ في الدنيا ﴿قبَلَ ذلِكَ﴾؛ أي: قبل دخولهم الجنة ﴿مُحْسِنِينَ﴾؛ أي: مخلصين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه؛ أي: إنهم كانوا في دار الدنيا يفعلون صالح الأعمال خشية من ربّهم، وطلبًا لرضاه، ومن ثمّ نالوا هذا الفوز العظيم، والمكرمة التي فاقت ما كانوا يؤملون ويرجون، ونحو الآية قوله. {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
(١) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
الْخَالِيَةِ (٢٤)}.
١٧ - ثم فصّل ما أحسنوا فيه، فقال: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)﴾؛ أي: كانوا يهجعون من الليل هجوعًا قليلًا ما؛ أي: كانوا ينامون القليل من الليل، ويتهجّدون في معظمه، والهجوع (١): النوم بالليل دون النهار. و ﴿مَا﴾، مزيدة لتأكيد معنى القلة، فإنها تزاد لإفادة التقليل كما في قولك: أكلت أكلًا ما، و ﴿قَلِيلًا﴾: ظرف و ﴿يَهْجَعُونَ﴾: خبر ﴿كَانُوا﴾؛ أي: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو صفة مصدر محذوف؛ أي: كانوا يهجعون هجوعًا قليلًا من أوقات الليل وساعاته؛ يعني: يذكرون، ويصلّون أكثر الليل، وينامون أقلّه، ولا يكونون مثل البطّالين الغافلين النائمين إلى الصباح، ويجوز (٢) أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، أو موصولة؛ أي: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلّون فيها شيئًا، إما من أوّلها، أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقلّه، وربما نشطوا فجدوا إلى السحر، وعن أنس قال: كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.
١٨ - ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)﴾؛ أي: يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم، والسحر: السدس الأخير من الليل؛ لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل؛ أي: هم مع قلّة هجوعهم، وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء (٣) الفعل على الضمير المفيدة للتخصيص إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصّون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه، وفي "بحر العلوم": تقديم الظرف للاهتمام به، ورعاية الفاصلة.
أي: فهم يحيون الليل متهجّدين، فإذا أسحروا.. أخذوا في الاستغفار،
١٧ - ثم فصّل ما أحسنوا فيه، فقال: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)﴾؛ أي: كانوا يهجعون من الليل هجوعًا قليلًا ما؛ أي: كانوا ينامون القليل من الليل، ويتهجّدون في معظمه، والهجوع (١): النوم بالليل دون النهار. و ﴿مَا﴾، مزيدة لتأكيد معنى القلة، فإنها تزاد لإفادة التقليل كما في قولك: أكلت أكلًا ما، و ﴿قَلِيلًا﴾: ظرف و ﴿يَهْجَعُونَ﴾: خبر ﴿كَانُوا﴾؛ أي: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو صفة مصدر محذوف؛ أي: كانوا يهجعون هجوعًا قليلًا من أوقات الليل وساعاته؛ يعني: يذكرون، ويصلّون أكثر الليل، وينامون أقلّه، ولا يكونون مثل البطّالين الغافلين النائمين إلى الصباح، ويجوز (٢) أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، أو موصولة؛ أي: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلّون فيها شيئًا، إما من أوّلها، أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقلّه، وربما نشطوا فجدوا إلى السحر، وعن أنس قال: كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.
١٨ - ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)﴾؛ أي: يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم، والسحر: السدس الأخير من الليل؛ لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل؛ أي: هم مع قلّة هجوعهم، وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء (٣) الفعل على الضمير المفيدة للتخصيص إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصّون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه، وفي "بحر العلوم": تقديم الظرف للاهتمام به، ورعاية الفاصلة.
أي: فهم يحيون الليل متهجّدين، فإذا أسحروا.. أخذوا في الاستغفار،
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم.
١٩ - ولمّا ذكر أنهم يقيمون الصلاة.. ثنى بوصفهم بإعطاء الصدقة، والبرّ بالفقراء، فقال: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ﴾؛ أي: وفي أموال أولئك المذكورين ﴿حَقٌّ﴾؛ أي (١): نصيب وافر يوجبونه على أنفسهم؛ أي: يعدّونه واجبًا عليهم في أموالهم، ويلزمونه أنفسهم تقرّبًا إلى الله، وإشفاقًا على الناس، فليس المراد بالحق: ما أوجبه الله عليهم في أموالهم، فاندفع به ما عسى يقال: كيف يمدح المرء بأنه يثبت في ماله حقًّا للفقراء؟ فمن يمنع الزكاة من الأغنياء يوجد فيهم هذا المعنى، ولا يستحقّون المدح؛ أي: هم الذين لا يجمعون (٢) الأموال إلا ويجعلونها ظرفًا للحق، فيرون في أموالهم حقًّا ﴿لِلسَّائِلِ﴾؛ أي: للذي يسأل العطاء من الناس ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾؛ أي: وللمتعفّف الذي يحسبه بعض الناس غنيًّا، فلا يعطيه شيئًا، فهو الذي لا يسأل ولا يعطي؛ أي: هم أوجبوا على أنفسهم بمقتضى الكرم، بأن يصلوا بأموالهم الأرحام والفقراء والمساكين، تقرّبًا إلى الله تعالى، وقال محمد بن سيرين وقتادة: الحق هنا الزكاة المفروضة، والأول أولى، فيحمل على صدقة النفل، وصلة الرحم، وقرى الضيف؛ لأنَّ السورة مكيّة، والزكاة إنما فرضت في المدينة، وسيأتي في ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)﴾: بزيادة معلوم.
والمعنى (٣): وجعلوا في أموالهم جزءًا معيّنًا ميّزوه، وعزلوه للطالب المحتاج، والمتعفّف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس، ولا يفطنون إليه ليتصدّقوا عليه، أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ليس المسكين الذي تردّه التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان" قيل: فمن المسكين؟ قال: "الذي ليس له ما يغنيه، ولا يعلم مكانه فيتصدّق عليه، فذلك المحروم".
١٩ - ولمّا ذكر أنهم يقيمون الصلاة.. ثنى بوصفهم بإعطاء الصدقة، والبرّ بالفقراء، فقال: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ﴾؛ أي: وفي أموال أولئك المذكورين ﴿حَقٌّ﴾؛ أي (١): نصيب وافر يوجبونه على أنفسهم؛ أي: يعدّونه واجبًا عليهم في أموالهم، ويلزمونه أنفسهم تقرّبًا إلى الله، وإشفاقًا على الناس، فليس المراد بالحق: ما أوجبه الله عليهم في أموالهم، فاندفع به ما عسى يقال: كيف يمدح المرء بأنه يثبت في ماله حقًّا للفقراء؟ فمن يمنع الزكاة من الأغنياء يوجد فيهم هذا المعنى، ولا يستحقّون المدح؛ أي: هم الذين لا يجمعون (٢) الأموال إلا ويجعلونها ظرفًا للحق، فيرون في أموالهم حقًّا ﴿لِلسَّائِلِ﴾؛ أي: للذي يسأل العطاء من الناس ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾؛ أي: وللمتعفّف الذي يحسبه بعض الناس غنيًّا، فلا يعطيه شيئًا، فهو الذي لا يسأل ولا يعطي؛ أي: هم أوجبوا على أنفسهم بمقتضى الكرم، بأن يصلوا بأموالهم الأرحام والفقراء والمساكين، تقرّبًا إلى الله تعالى، وقال محمد بن سيرين وقتادة: الحق هنا الزكاة المفروضة، والأول أولى، فيحمل على صدقة النفل، وصلة الرحم، وقرى الضيف؛ لأنَّ السورة مكيّة، والزكاة إنما فرضت في المدينة، وسيأتي في ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)﴾: بزيادة معلوم.
والمعنى (٣): وجعلوا في أموالهم جزءًا معيّنًا ميّزوه، وعزلوه للطالب المحتاج، والمتعفّف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس، ولا يفطنون إليه ليتصدّقوا عليه، أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ليس المسكين الذي تردّه التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان" قيل: فمن المسكين؟ قال: "الذي ليس له ما يغنيه، ولا يعلم مكانه فيتصدّق عليه، فذلك المحروم".
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
٢٠ - وبعد أن ذكر أوصاف المتقين بيَّن أنه قد لاحت لهم الأدلّة الأرضية والأنفسيّة، التي بها أخبتوا إلى ربّهم، وأنابوا إليه، فقال: ﴿وَفِي الْأَرْضِ﴾ وهذا كلام (١) مستأنف، قصد به الاستدلال على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وقد اشتمل على دليلين: الأرض، والأنفس، وأما قوله: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾. فهو كلام آخر، ليس المقصود به: الاستدلال، بل المقصود به: الامتنان والوعد والوعيد. اهـ شيخنا. ﴿آيَاتٌ﴾ وقرأ قتادة: ﴿آية﴾ بالإفراد؛ أي: وفي الأرض دلائل واضحة على باهر قدرته، وعلامات ظاهرة على بديع صنعته من الجبال، والبر والبحر والأشجار والثمار والأنهار، وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذّبة، لما جاءت به رسل الله سبحانه، ودعتهم إليه. ﴿لِلْمُوقِنِينَ﴾؛ أي: للموحّدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصل إلى المعرفة، فهم نظارون بعيون باصرة، وأفهام نافذة، كلّما رأوا آية عرفوا وجه تأمّلها، فازدادوا إيقانًا على إيقانهم، وخصَّهم بالذكر؛ لأنّهم هم الذين يعترفون بذلك، ويتدبرونه فينتفعون به؛ يعني: أنّ في (٢) الأرض دلائل واضحة على وجود الصانع وعلمه وقدرته، وإرادته ووحدته وفرط رحمته، من حيث إنها مدحوة كالبساط الممهد، وفيها مسالك وفجاج للمتقلبين في أقطارها، والسالكين في مناكبها، وفيها سهل وجبل وبر وبحر وقطع متجاورات وعيون متفجرة ومعادن متفننة، وأنها تلقح بألوان النبات، وأنواع الأشجار، وأصناف الثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح، وفيها دواب منبثة، قد رتب كلها، ودبر لمنافع ساكنيها، ومصالحهم في صحتهم واعتلالهم، وقال الكلبيّ: عظات من آثار من تقدّم.
٢١ - ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أيها الناس، آيات للموقنين من عجائب الصنع، الدالة على كمال الحكمة والقدرة والتدبير والإرادة، فيكون تخصيصًا بعد تعميم؛ لأن أنفس الناس مما في الأرض، كأنه قيل: في الأرض آيات للموحّدين العاقلين، وفي أنفسكم خصوصا آيات لهم؛ لأن أقرب المنظور فيه من كل عاقل نفسه، ومن ولد
٢١ - ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أيها الناس، آيات للموقنين من عجائب الصنع، الدالة على كمال الحكمة والقدرة والتدبير والإرادة، فيكون تخصيصًا بعد تعميم؛ لأن أنفس الناس مما في الأرض، كأنه قيل: في الأرض آيات للموحّدين العاقلين، وفي أنفسكم خصوصا آيات لهم؛ لأن أقرب المنظور فيه من كل عاقل نفسه، ومن ولد
(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
منها، وما في بواطنها، وظواهرها من الدلائل الواضحة على الصانع، وفي نقلها من هيئة وحال إلى حال من وقت الميلاد إلى وقت الوفاة، قال ابن عباس رضي الله عنه (١): يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع، وقيل: يريد سبيل الغائط والبول، يأكل ويشرب من مدخل واحد، ويخرج من سبيلين، وقيل: يعني: تقويم الأدوات السمع والبصر والنطق والعقل، إلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم، وحسبك (٢) بالقلوب، وما ركز فيها من العقول وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة، والبيّنات القاطعة على حكمة مدبرّها وصانعها، دع الأسماع والأبصار، والأطراف وسائر الجوارح، وتأتِّيها لما خلقت له، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني، فإنه إذا جثا منها شيء.. جاء العجز، وإذا استرخى. أناخ الذل، فتبارك الله أحسن الخالقين.
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الأرض وما فيها من البراهين الساطعة، والأنفس وما فيها من الدلائل القاطعة، فتعتبروا بها، و ﴿الهمزة﴾ فيه: للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه السياق، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تنظرون إلى ذلك فلا تبصرون بعين البصيرة حتى تعتبروا، وتستدلّوا بالصنعة على الصانع، وبالنقش على النقاش، وكذا على صفاته.
٢٢ - ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾؛ أي: أسباب رزقكم، فالكلام على حذف مضاف؛ يعني بها (٣): الشمس والقمر وسائر الكواكب واختلاف المطالع والمغارب، التي يترتب عليها اختلاف الفصول، فتنبت الأرض أنواع النبات وتسقى بماء الأمطار التي تحملها السحب، وتسوقها الرياح لأسباب فلكيّة وطبيعيّة، أوضحها علماء الفلك وعلماء الطبيعة.
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الأرض وما فيها من البراهين الساطعة، والأنفس وما فيها من الدلائل القاطعة، فتعتبروا بها، و ﴿الهمزة﴾ فيه: للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه السياق، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تنظرون إلى ذلك فلا تبصرون بعين البصيرة حتى تعتبروا، وتستدلّوا بالصنعة على الصانع، وبالنقش على النقاش، وكذا على صفاته.
٢٢ - ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾؛ أي: أسباب رزقكم، فالكلام على حذف مضاف؛ يعني بها (٣): الشمس والقمر وسائر الكواكب واختلاف المطالع والمغارب، التي يترتب عليها اختلاف الفصول، فتنبت الأرض أنواع النبات وتسقى بماء الأمطار التي تحملها السحب، وتسوقها الرياح لأسباب فلكيّة وطبيعيّة، أوضحها علماء الفلك وعلماء الطبيعة.
(١) الخازن.
(٢) النسفي.
(٣) المراغي.
(٢) النسفي.
(٣) المراغي.
وقيل المعنى (١): وفي السماء سبب رزقكم، وهو المطر، فإنه سبب الأرزاق، وقال ابن جبير والضحاك: الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج، وقيل: المراد بالسماء: السحاب؛ أي: وفي السحاب رزقكم، وقيل: المراد بالسماء: المطر، وسمّاه سماء؛ لأنه ينزل من جهتها، ومنه قول الشاعر:
وقيل: وفي السماء تقدير رزقكم، وقال ابن كيسان: وعلى ربّ السماء رزقكم كقوله تعالى: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ ففي بمعنى على، ونظيره: قوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ وهو بعيد.
وقرأ الجمهور: ﴿رزقكم﴾ بالإفراد، وقرأ يعقوب وابن محيصٍ، ومجاهد: ﴿أرزاقكم﴾ بالجمع.
﴿و﴾ كذلك في السماء ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ من (٢) الثواب؛ لأنّ الجنّة على ظهر السماء السابعة تحت العرش قرب سدرة المنتهى، أو أراد أنّ كل ما توعدون من الخير والشر، والثواب والعقاب والشدة والرخاء، وغيرها مكتوب مقدّر في السماء.
يقول الفقير: أمر العقاب ينزل من السماء، ونفسه أيضًا، كالصيحة والقذف والنار والطوفان، مما وقع على الأمم السالفة، وقال ابن سيرين: ما توعدون من أمر الساعة وبه قال الربيع، والأولى الحمل على ما هو أعمّ من هذه الأقوال، فإنّ جزاء الأعمال مكتوب في السماء، والقضاء والقدر ينزل منها، والجنة والنار فيها.
٢٣ - ثم أقسم سبحانه بنفسه، فقال: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ وذكر الرب؛ لأنّه في بيان التربية بالرزق. ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنّ ما توعدون، أو ما ذكر من أمر الآيات والرزق على أنّ الضمير مستعار لاسم الإشارة.
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ | رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا |
وقرأ الجمهور: ﴿رزقكم﴾ بالإفراد، وقرأ يعقوب وابن محيصٍ، ومجاهد: ﴿أرزاقكم﴾ بالجمع.
﴿و﴾ كذلك في السماء ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ من (٢) الثواب؛ لأنّ الجنّة على ظهر السماء السابعة تحت العرش قرب سدرة المنتهى، أو أراد أنّ كل ما توعدون من الخير والشر، والثواب والعقاب والشدة والرخاء، وغيرها مكتوب مقدّر في السماء.
يقول الفقير: أمر العقاب ينزل من السماء، ونفسه أيضًا، كالصيحة والقذف والنار والطوفان، مما وقع على الأمم السالفة، وقال ابن سيرين: ما توعدون من أمر الساعة وبه قال الربيع، والأولى الحمل على ما هو أعمّ من هذه الأقوال، فإنّ جزاء الأعمال مكتوب في السماء، والقضاء والقدر ينزل منها، والجنة والنار فيها.
٢٣ - ثم أقسم سبحانه بنفسه، فقال: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ وذكر الرب؛ لأنّه في بيان التربية بالرزق. ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنّ ما توعدون، أو ما ذكر من أمر الآيات والرزق على أنّ الضمير مستعار لاسم الإشارة.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
517
وقال أبو حيان (١): والظاهر: أنّ الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾: عائد على الإخبار السابق من الله تعالى فيما تقدم في هذه السورة من صدق الموعود، ووقوع الجزاء، وكونهم في قول مختلف، وقتل الخراصين، وكينونة المتقين في الجنة على ما وصف، وذكر أوصافهم وما ذكر بعد ذلك؛ ولذلك شبّه في الحقيقة بما يصدر من نطق الإنسان بجامع ما اشتركا فيه من الكلام. انتهى، وقيل: عائد على القرآن، أو إلى الدين الذي في قوله: ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)﴾ أو إلى اليوم المذكور في قوله: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ أو إلى الرزق، أو إلى الله، أو إلى النبيّ - ﷺ - أقوال منقولة، ذكره أبو حيان أيضًا؛ أي: فأقسمت لكم برب السماء والأرض، إنّ ما أخبركم به في هذه الآيات ﴿لَحَقٌّ﴾؛ أي: لأمر ثابت، واقع لا محالة، وقرأ الجمهور: ﴿مِثْلَ﴾ بالنصب على الحالية من الضمير المستكن في ﴿لَحَقٌّ﴾. و ﴿مَا﴾: زائدة، وجملة ﴿أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾: في تأويل مصدر مجرور بإضافة ﴿مِثْلَ﴾ إليه؛ أي: إنّ ما توعدون لحقّ حال كونه مثل نطقكم؛ أي: كما أنه لا شكّ لكم في نطقكم ينبغي أن لا تشكّوا في حقّيّة ما توعدون، أو على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: إنه لحقّ حقًّا مثل نطقكم، فإنه لتوغله في الإبهام لا يتعرف بإضافته إلى المعرفة، وقرأ حمزة والكسائى وأبو بكر والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش بخلاف عن ثلاثتهم: ﴿مثل﴾ بالرفع على أنه صفة لقوله: ﴿لَحَقٌّ﴾.
والمقصود من الآية: تشبيه تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، وهذا كما تقول: إنه لحق كما أنك ها هنا، وإنه لحق كما أنك تتكلّم.
والمعنى: أنه في صدقه وجوده كالنطق الذي تعرفه ضرورة، وإنما خص (٢) التمثل بالنطق؛ لأنه مخصوص بالإنسان وهو أخص صفاته.
ومعنى الآية: أقسم ربّنا جلّت قدرته بجلاله وكبريائه، إنّ ما وعدكم به من أمر القيامة، والبعث والجزاء، حقّ لا مرية فيه، فلا تشكّوا فيه، كما لا تشكون في نطقكم حين تنطقون، وهذا كما تقول للناس: إنّ هذا لحقّ كما أنك ترى
والمقصود من الآية: تشبيه تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، وهذا كما تقول: إنه لحق كما أنك ها هنا، وإنه لحق كما أنك تتكلّم.
والمعنى: أنه في صدقه وجوده كالنطق الذي تعرفه ضرورة، وإنما خص (٢) التمثل بالنطق؛ لأنه مخصوص بالإنسان وهو أخص صفاته.
ومعنى الآية: أقسم ربّنا جلّت قدرته بجلاله وكبريائه، إنّ ما وعدكم به من أمر القيامة، والبعث والجزاء، حقّ لا مرية فيه، فلا تشكّوا فيه، كما لا تشكون في نطقكم حين تنطقون، وهذا كما تقول للناس: إنّ هذا لحقّ كما أنك ترى
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
518
وتسمع، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن: أنه قال فيها: بلغني: أنّ رسول الله - ﷺ - قال: "قاتل الله قومًا أقسم لهم ربّهم، ثمّ لم يصدّقوه".
وقال بعض الحكماء (١): معناه: كما أنّ كل إنسان ينطق بلسان نفسه، لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، كذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له، لا يقدر أن يأكل رزق غيره.
٢٤ - والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ للتعجيب (٢) والتشويق إلى استماعه، ومثله لا يكون إلا فيما فيه فخامة، وعظيم شأن، وفي هذا الاستفهام تنبيه على أنه ليس مما علمه رسول الله - ﷺ - بغير طريق الوحي، إذ هو أمّي لم يمارس الخط وقراءته، ولم يصاحب أصحاب التواريخ، ففيه إثبات نبوّته، قال ابن الشيخ: الاستفهام للتقرير؛ أي: قد أتاك، وقيل: إن لم يأتك.. نحن نخبرك، والضيف في الأصل مصدر ضافه إذا نزل به ضيفًا، ولذلك يطلق على الواحد والجماعة كالزور والصوم، وقد يجمع على أضياف وضيوف وضيفان.
وبدأ بقصّة إبراهيم، مع كونها متأخرة عن قصة عاد وغيرها، هزمًا للعرب؛ لأنّه كان أباهم الأعلى، وصارت الضيافة متعارفة في القرى، وكان ضيفه اثني عشر ملكًا، منهم: جبريل ومكيائيل وإسرافيل وزقائيل، وتسميتهم ضيفًا؛ لأنّهم كانوا في صورة الضيف، حيث أضافهم إبراهيم، أو لأنّهم كانوا في حسبانه كذلك.
﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ صفة للضيف؛ أي: المكرمين عند الله سبحانه بالعصمة والتأييد والاصطفاء والقربة والسفارة بينه تعالى وبين الأنبياء، كما قال: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾. أو المكرمين عند إبراهيم بالخدمة، حيث خدمهم بنفسه وبزوجته، وأيضًا بطلاقة الوجه، وتعجيل الطعام، وقيامه على رؤوسهم، وكان لا يقوم على رؤوس الضيف، وقرأ عكرمة: ﴿المكرمين﴾ بالتشديد، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليكرم ضيفه" قيل: إكرامه تلقّيه بطلاقة الوجه،
وقال بعض الحكماء (١): معناه: كما أنّ كل إنسان ينطق بلسان نفسه، لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، كذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له، لا يقدر أن يأكل رزق غيره.
٢٤ - والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ للتعجيب (٢) والتشويق إلى استماعه، ومثله لا يكون إلا فيما فيه فخامة، وعظيم شأن، وفي هذا الاستفهام تنبيه على أنه ليس مما علمه رسول الله - ﷺ - بغير طريق الوحي، إذ هو أمّي لم يمارس الخط وقراءته، ولم يصاحب أصحاب التواريخ، ففيه إثبات نبوّته، قال ابن الشيخ: الاستفهام للتقرير؛ أي: قد أتاك، وقيل: إن لم يأتك.. نحن نخبرك، والضيف في الأصل مصدر ضافه إذا نزل به ضيفًا، ولذلك يطلق على الواحد والجماعة كالزور والصوم، وقد يجمع على أضياف وضيوف وضيفان.
وبدأ بقصّة إبراهيم، مع كونها متأخرة عن قصة عاد وغيرها، هزمًا للعرب؛ لأنّه كان أباهم الأعلى، وصارت الضيافة متعارفة في القرى، وكان ضيفه اثني عشر ملكًا، منهم: جبريل ومكيائيل وإسرافيل وزقائيل، وتسميتهم ضيفًا؛ لأنّهم كانوا في صورة الضيف، حيث أضافهم إبراهيم، أو لأنّهم كانوا في حسبانه كذلك.
﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ صفة للضيف؛ أي: المكرمين عند الله سبحانه بالعصمة والتأييد والاصطفاء والقربة والسفارة بينه تعالى وبين الأنبياء، كما قال: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾. أو المكرمين عند إبراهيم بالخدمة، حيث خدمهم بنفسه وبزوجته، وأيضًا بطلاقة الوجه، وتعجيل الطعام، وقيامه على رؤوسهم، وكان لا يقوم على رؤوس الضيف، وقرأ عكرمة: ﴿المكرمين﴾ بالتشديد، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليكرم ضيفه" قيل: إكرامه تلقّيه بطلاقة الوجه،
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
وتعجيل قراه، والقيام بنفسه في خدمته، وروي: أنّ الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: أكرم أضيافك، فأعدَّ لكل منهم شاةً مشوية، فأوحى إليه: أكرم، فجعله ثورًا، فأوحى إليه: أكرم، فجعله جملًا، فأوحى إليه: أكرم، فتحير فيه، فعلم أنّ إكرام الضيف ليس في كثرة الطعام، فخدمهم بنفسه، فأوحى إليه: الآن أكرمت الضيف، وقال بعض الحكماء (١): لا عار للرجل ولو كان سلطانًا أن يخدم ضيفه، وأباه ومعلمه، ولا تعتبر الخدمة بالإطعام.
٢٥ - وقوله: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ ظرف للحديث، فالمعنى: هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه. ﴿فَقَالُوا سَلَامًا﴾؛ أي: نسلم عليك سلامًا، و ﴿الفاء﴾ هنا: إشارة إلى أنهم لم يخلوا بأدب الدخول. ﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿سَلَامٌ﴾؛ أي: عليكم سلام، فهو مبتدأ، خبره: محذوف، وترك العطف قصدًا إلى الاستئناف، فكأنّ قائلًا قال: ماذا قال إبراهيم في جواب سلامهم؟ فقيل: قال سلام؛ أي: حيّاهم بتحية أحسن من تحيتهم؛ لأنّ تحيّتهم كانت بالجملة الفعلية، الدالّة على الحدوث، حيث نصبوا ﴿سَلَامًا﴾ وتحيّته بالاسمية الدالة على دوام السلام، وثباته لهم حيث عدل به إلى الرفع بالابتداء.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَقَالُوا سَلَامًا﴾ بالنصب على المصدر السادّ مسدّ فعله المستغني به. ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ بالرفع، وقرىء: بالرفع في الموضعين، وقرىء: بالنصب فيهما، وقرأ ابن وثّاب والنخعيّ وابن جبير وطلحة: ﴿قال سلم﴾، بكسر السين وإسكان اللام، والمعنى: نحن سلم، أو أنتم سلم.
وقوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: قال إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف، هؤلاء قوم منكرون؛ أي: مجهولون لنا لا نعرفهم، فهم منكرون عند كل أحد، وكانوا على أوضاع وأشكال خلاف ما عليه الناس، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض، لأنّ السلام لم يكن تحيّتهم؛ لأنّه كان بين أظهر قوم
٢٥ - وقوله: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ ظرف للحديث، فالمعنى: هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه. ﴿فَقَالُوا سَلَامًا﴾؛ أي: نسلم عليك سلامًا، و ﴿الفاء﴾ هنا: إشارة إلى أنهم لم يخلوا بأدب الدخول. ﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿سَلَامٌ﴾؛ أي: عليكم سلام، فهو مبتدأ، خبره: محذوف، وترك العطف قصدًا إلى الاستئناف، فكأنّ قائلًا قال: ماذا قال إبراهيم في جواب سلامهم؟ فقيل: قال سلام؛ أي: حيّاهم بتحية أحسن من تحيتهم؛ لأنّ تحيّتهم كانت بالجملة الفعلية، الدالّة على الحدوث، حيث نصبوا ﴿سَلَامًا﴾ وتحيّته بالاسمية الدالة على دوام السلام، وثباته لهم حيث عدل به إلى الرفع بالابتداء.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَقَالُوا سَلَامًا﴾ بالنصب على المصدر السادّ مسدّ فعله المستغني به. ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ بالرفع، وقرىء: بالرفع في الموضعين، وقرىء: بالنصب فيهما، وقرأ ابن وثّاب والنخعيّ وابن جبير وطلحة: ﴿قال سلم﴾، بكسر السين وإسكان اللام، والمعنى: نحن سلم، أو أنتم سلم.
وقوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: قال إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف، هؤلاء قوم منكرون؛ أي: مجهولون لنا لا نعرفهم، فهم منكرون عند كل أحد، وكانوا على أوضاع وأشكال خلاف ما عليه الناس، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض، لأنّ السلام لم يكن تحيّتهم؛ لأنّه كان بين أظهر قوم
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
كافرين، لا يحيي بعضهم بعضًا بالسلام الذي هو تحية المسلمين.
٢٦ - ﴿فَرَاغَ﴾ إبراهيم؛ أي: مال ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ وخدمه الذين كانت عندهم البقرة، وكانت عامة ماله البقرة، فالمراد بأهله: خدمه، وهم الرعاة، فالاختفاء معتبر في مفهوم الروع؛ أي: ذهب في أثناء حديثه معهم إلى أهله وخدمه على خفية من ضيفه، فإنّ من أدب المضيّف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرًا من أن يكفّه الضيف، ويعذره أو يصير منتظرًا.
وقوله: ﴿فَجَاءَ﴾ إبراهيم ضيفه ﴿بِعِجْلٍ﴾ أي: بولد بقر ﴿سَمِينٍ﴾؛ أي: غير هزيل مشويّ بالحجارة، معطوف على جمل محذوفة، و ﴿الباء﴾: للتعدية؛ أي: فراغ إلى أهله، فذبح عجلًا سمينًا، فحنذه؛ أي: شواه، فجاء به ضيفه، والعجل: ولد البقر لتصوّر عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورًا، أو بقرةً، واختاره؛ لأنّه كان عامّة ماله البقر، واختار السمين؛ مبالغة في إكرامهم.
٢٧ - ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: فجاء إبراهيم بعجل حنيذ، فقرّب العجل إليهم وقدّمه لهم، بأن وضعه لديهم حسبما هو المعتاد ليأكلوه، فلم يأكلوه، ولمّا رأى منهم ترك الأكل.. ﴿قَالَ﴾ لهم إبراهيم: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ منه إنكارًا لعدم تعرّضهم للأكل، وحثًّا عليه، و ﴿أَلَا﴾ هنا بالخفيف: حرف عرض، وهو الطلب برفق ولين، وهو الصواب، وقيل: الهمزة في ﴿أَلَا﴾: للاستفهام الإنكاري، و ﴿لا﴾: نافية كما في "الشوكاني". والأوّل أولى، بل أصوب.
وروي: أنهم قالوا: نحن لا نأكل بغير ثمن، قال إبراهيم: كلوا، وأعطوا ثمنه، قالوا: وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم.. فقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم.. فقولوا: الحمد لله، فتعجّب الملائكة من قوله.
٢٨ - ﴿فـ﴾ لما رآهم لا يأكلون ﴿أَوْجَسَ مِنْهُمْ﴾؛ أي: فلمّا رآهم لا يأكلون.. أضمر في نفسه ﴿خِيفَةً﴾؛ أي: خوفًا منهم، فتوهّم أنهم لصوص أو أعداء جاؤوا بالشر، فإنّ عادة من يجيء بالشر والضرر أن لا يتناول من طعام من يريد إضراره، قال في "عين المعاني": من لم يأكل طعامك.. لم يحفظ ذمامك.
٢٦ - ﴿فَرَاغَ﴾ إبراهيم؛ أي: مال ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ وخدمه الذين كانت عندهم البقرة، وكانت عامة ماله البقرة، فالمراد بأهله: خدمه، وهم الرعاة، فالاختفاء معتبر في مفهوم الروع؛ أي: ذهب في أثناء حديثه معهم إلى أهله وخدمه على خفية من ضيفه، فإنّ من أدب المضيّف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرًا من أن يكفّه الضيف، ويعذره أو يصير منتظرًا.
وقوله: ﴿فَجَاءَ﴾ إبراهيم ضيفه ﴿بِعِجْلٍ﴾ أي: بولد بقر ﴿سَمِينٍ﴾؛ أي: غير هزيل مشويّ بالحجارة، معطوف على جمل محذوفة، و ﴿الباء﴾: للتعدية؛ أي: فراغ إلى أهله، فذبح عجلًا سمينًا، فحنذه؛ أي: شواه، فجاء به ضيفه، والعجل: ولد البقر لتصوّر عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورًا، أو بقرةً، واختاره؛ لأنّه كان عامّة ماله البقر، واختار السمين؛ مبالغة في إكرامهم.
٢٧ - ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: فجاء إبراهيم بعجل حنيذ، فقرّب العجل إليهم وقدّمه لهم، بأن وضعه لديهم حسبما هو المعتاد ليأكلوه، فلم يأكلوه، ولمّا رأى منهم ترك الأكل.. ﴿قَالَ﴾ لهم إبراهيم: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ منه إنكارًا لعدم تعرّضهم للأكل، وحثًّا عليه، و ﴿أَلَا﴾ هنا بالخفيف: حرف عرض، وهو الطلب برفق ولين، وهو الصواب، وقيل: الهمزة في ﴿أَلَا﴾: للاستفهام الإنكاري، و ﴿لا﴾: نافية كما في "الشوكاني". والأوّل أولى، بل أصوب.
وروي: أنهم قالوا: نحن لا نأكل بغير ثمن، قال إبراهيم: كلوا، وأعطوا ثمنه، قالوا: وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم.. فقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم.. فقولوا: الحمد لله، فتعجّب الملائكة من قوله.
٢٨ - ﴿فـ﴾ لما رآهم لا يأكلون ﴿أَوْجَسَ مِنْهُمْ﴾؛ أي: فلمّا رآهم لا يأكلون.. أضمر في نفسه ﴿خِيفَةً﴾؛ أي: خوفًا منهم، فتوهّم أنهم لصوص أو أعداء جاؤوا بالشر، فإنّ عادة من يجيء بالشر والضرر أن لا يتناول من طعام من يريد إضراره، قال في "عين المعاني": من لم يأكل طعامك.. لم يحفظ ذمامك.
521
يقول الفقير: يخالفه سلامهم، فإنّ المسلم لا بد أن يكون من أهل السلم، وقيل: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب.
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الملائكة حين أحسبوا بخوفه: ﴿لَا تَخَفْ﴾ منّا، إنا رسل الله سبحانه، وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه، وقيل: مسح جبريل العجل بجناحه، فقام يمشي حتى لحق بأمّه، فعرفهم إبراهيم، وأمن منهم. ﴿وَبَشَّرُوهُ﴾؛ أي: بشّرت الملائكة إبراهيم، وفي سورة الصافات. ﴿وَبَشَّرْنَاهُ﴾؛ أي: بواسطتهم ﴿بِغُلَامٍ﴾؛ أي: بولد يولد له ﴿عَلِيمٍ﴾؛ أي: كثير العلم في صغره، كثير الحلم في كبره، والمبشّر به عند الجمهور هو إسحاق، ولم تلد له سارة غيره، وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل.
ومعنى الآيات: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: هل عندك يا محمد نبأ بما حدث بين إبراهيم وضيوفه من الملائكة الذين وفدوا عليه؟ وهم ذاهبون في طريقهم إلى قوم لوط، فسلّموا عليه، فردّ عليهم التحية بأحسن منها، ثمّ أراد أن يتعرفّ بهم فقال: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾؛ أي: إنكم قوم لا عهد لنا بكم من قبل، فعرفوني أنفسكم، من أنتم؟
واستظهر بعض العلماء أنّ هذه مقالة أسرّها إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وجلسائه من غير أن يشعرهم بذلك؛ لأنّ في خطاب الضيف بنحو ذلك، إيحاشًا له إلى أنه لو كان أراد ذلك.. لكشفوا له أحوالهم، ولم يتصدّ لمقدّمات الضيافة، ثمّ ذكر أنه أسرع في قرى ضيوفه، فقال: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ إلخ؛ أي: فذهب خفية مسرعًا، وقدّم لضيوفه عجلًا سمينًا أنضجه شيًا، كما جاء في سورة هود: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾؛ أي: مشويّ على الرضف. ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾؛ أي: قال مستحثًّا لهم على الأكل: ألا تأكلون، وفي هذا تلطّف منه في العبارة، وعرض حسن، وقد انتظم كلامه وعمله آداب الضيافة، إذ جاء بطعام من حيث لا يشعرون، وأتى بأفضل ماله، وهو عجل فتيٌّ شويٌّ، ووضعه بين أيديهم، ولم يضعه بعيدًا منهم حتى يذهبوا إليه، وتلطف في العرض، فقال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾؛ أي: فأعرضوا عن طعامه ولم
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الملائكة حين أحسبوا بخوفه: ﴿لَا تَخَفْ﴾ منّا، إنا رسل الله سبحانه، وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه، وقيل: مسح جبريل العجل بجناحه، فقام يمشي حتى لحق بأمّه، فعرفهم إبراهيم، وأمن منهم. ﴿وَبَشَّرُوهُ﴾؛ أي: بشّرت الملائكة إبراهيم، وفي سورة الصافات. ﴿وَبَشَّرْنَاهُ﴾؛ أي: بواسطتهم ﴿بِغُلَامٍ﴾؛ أي: بولد يولد له ﴿عَلِيمٍ﴾؛ أي: كثير العلم في صغره، كثير الحلم في كبره، والمبشّر به عند الجمهور هو إسحاق، ولم تلد له سارة غيره، وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل.
ومعنى الآيات: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: هل عندك يا محمد نبأ بما حدث بين إبراهيم وضيوفه من الملائكة الذين وفدوا عليه؟ وهم ذاهبون في طريقهم إلى قوم لوط، فسلّموا عليه، فردّ عليهم التحية بأحسن منها، ثمّ أراد أن يتعرفّ بهم فقال: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾؛ أي: إنكم قوم لا عهد لنا بكم من قبل، فعرفوني أنفسكم، من أنتم؟
واستظهر بعض العلماء أنّ هذه مقالة أسرّها إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وجلسائه من غير أن يشعرهم بذلك؛ لأنّ في خطاب الضيف بنحو ذلك، إيحاشًا له إلى أنه لو كان أراد ذلك.. لكشفوا له أحوالهم، ولم يتصدّ لمقدّمات الضيافة، ثمّ ذكر أنه أسرع في قرى ضيوفه، فقال: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ إلخ؛ أي: فذهب خفية مسرعًا، وقدّم لضيوفه عجلًا سمينًا أنضجه شيًا، كما جاء في سورة هود: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾؛ أي: مشويّ على الرضف. ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾؛ أي: قال مستحثًّا لهم على الأكل: ألا تأكلون، وفي هذا تلطّف منه في العبارة، وعرض حسن، وقد انتظم كلامه وعمله آداب الضيافة، إذ جاء بطعام من حيث لا يشعرون، وأتى بأفضل ماله، وهو عجل فتيٌّ شويٌّ، ووضعه بين أيديهم، ولم يضعه بعيدًا منهم حتى يذهبوا إليه، وتلطف في العرض، فقال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾؛ أي: فأعرضوا عن طعامه ولم
522
يأكلوا، فأضمر في نفسه الخوف منهم، ظنًّا منه أنّ امتناعهم إنما كان لشرّ يريدونه، فإنّ أكل الضيف أمنة، ودليل على سروره وانشراح صدره، وللطعام حرمة، وفي الإعراض عنه وحشة موجبة لسوء الظنّ وقد جاء في سورة هود: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ ثمّ ذكر أنهم طمأنوه حينئذٍ، فقال: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ منا ﴿إِنَّا رُسُل رَبك﴾ وجاء في الآية الأخرى: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾. فبشّروه بإسحاق بن سارة، كما جاء في سورة هود: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾. وجاءت البشرة بذكر؛ لأنّه أسرّ للنفس، وأقر للعين ووصفه بالعلم؛ لأنّه الصفة التي يمتاز بها الإنسان الكامل، لا الصورة الجميلة، ولا القوّة، ولا نحوهما.
٢٩ - ثم أخبر عمّا حدث من امرأته حينئذٍ، فقال: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ﴾؛ أي: امرأة إبراهيم، وزوجته سارة، لما سمعت بشارتهم إلى بيتها، وكانت في زواية تنظر إليهم، قال ابن الشيخ: فأقبلت إلى أهلها، وكانت مع زوجها في خدمتهم، فلمّا تكلّموا بولادتها.. استحيت، وأعرضت عنهم، فذكر الله سبحانه ذلك بلفظ الإقبال على الأهل، ولم يذكره بلفظ الإدبار عن الملائكة.
قال سعدي المفتي كذا في "التفسير الكبير": ولا يناسبه (١) قوله: ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ فإنه يقتضي كونها عندهم، فالإقبال إليهم؛ أي: فأقبلت امرأته على الملائكة ﴿فِي صَرَّةٍ﴾ حال من فاعل ﴿أقبلت﴾ والصرّة: الصيحة الشديدة؛ أي: حالة كونها متلبسة بصيحة وصوت شديد وقيل: صرّتها قولها: أوّه، أو يا ويلتي، أو رنّتها، والصرّة أيضًا: الجماعة، وبها فسّرها بعضهم؛ أي: أقبلت في جماعة من النساء كن عندها، وهي واقفة متهيّئة للخدمة.
﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾؛ أي: لطمت وجهها من الحياء، لما أنها وجدت حرارة دم الحيض، وقيل: ضربت بأطراف أصابعها جبينها كما يفعله المتعجّب، وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئًا. ﴿وَقَالَتْ﴾ أنا ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾؛ أي: أنا عجوز عاقر لم
٢٩ - ثم أخبر عمّا حدث من امرأته حينئذٍ، فقال: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ﴾؛ أي: امرأة إبراهيم، وزوجته سارة، لما سمعت بشارتهم إلى بيتها، وكانت في زواية تنظر إليهم، قال ابن الشيخ: فأقبلت إلى أهلها، وكانت مع زوجها في خدمتهم، فلمّا تكلّموا بولادتها.. استحيت، وأعرضت عنهم، فذكر الله سبحانه ذلك بلفظ الإقبال على الأهل، ولم يذكره بلفظ الإدبار عن الملائكة.
قال سعدي المفتي كذا في "التفسير الكبير": ولا يناسبه (١) قوله: ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ فإنه يقتضي كونها عندهم، فالإقبال إليهم؛ أي: فأقبلت امرأته على الملائكة ﴿فِي صَرَّةٍ﴾ حال من فاعل ﴿أقبلت﴾ والصرّة: الصيحة الشديدة؛ أي: حالة كونها متلبسة بصيحة وصوت شديد وقيل: صرّتها قولها: أوّه، أو يا ويلتي، أو رنّتها، والصرّة أيضًا: الجماعة، وبها فسّرها بعضهم؛ أي: أقبلت في جماعة من النساء كن عندها، وهي واقفة متهيّئة للخدمة.
﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾؛ أي: لطمت وجهها من الحياء، لما أنها وجدت حرارة دم الحيض، وقيل: ضربت بأطراف أصابعها جبينها كما يفعله المتعجّب، وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئًا. ﴿وَقَالَتْ﴾ أنا ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾؛ أي: أنا عجوز عاقر لم
(١) روح البيان.
ألد قطّ في شبابي، فكيف ألد الآن، ولي تسع وتسعون سنة؟ وكان إبراهيم ابن مئة سنة، سميت العجوز عجوزًا، لعجزها عن كثير من الأمور، والعقيم من النساء التي لا تقبل ماء الفحل، وفي "عين المعاني": العقيم: من سد رحمها، ومنه: الداء العقام الذي لا يرجي برؤه، وبمعناه العاقر كما سيأتي، وكانت سارّة عقيمًا لم تلد قطّ، فلمّا لم تلد في صغرها وعنفوان شبابها، ثم كبر سنها وبلغت سن الإياس.. استبعدت ذلك، وتعجبت، فهو استبعاد بحكم العادة لا تشكك في قدرة الله.
والمعنى (١): أي فأقبلت امرأته سارّة حين سمعت بشارتهم، وكانت في ناحية من البيت تنظر إليهم، وهي تصرخ صرخة عظيمة، وضربت بيديها على جبينها، وقالت: أنا عجوز عقيم، فكيف ألد؟ وجاء في الآية الأخرى: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾.
٣٠ - فأجابوها عمّا قالت، حيث: ﴿قَالُوا﴾ لها ﴿كذلك﴾؛ أي: مثل ذلك الذي بشّرناه، وأخبرناه به ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ وإنما نحن معبّرون نخبرك به عنه تعالى، لا أنّا نقول من تلقاء أنفسنا، وروي: أن جبريل عليه السلام قال لها: انظري إلى سيف بيتك، فنظرت، فإذا جذوعه مورقة مثمرة، فأيقنت، و ﴿الكاف﴾ في ﴿كَذَلِكِ﴾ (٢): منصوب المحل على أنه صفة لمصدر ﴿قَالَ﴾ الثانية؛ أي: لا تستبعدي ما بشّرناه به، ولا تتعجّبي منه، فإنه تعالى قال مثل ما أخبرناك به؛ أي: قضي وحكم في الأزل؛ أي: إنه من جهة الله سبحانه، فلا تعجبّي منه.
وقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿هُوَ الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله وأقواله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء، فيكون قوله حقًّا، وفعله محكمًا لا محالة، تعليل لما قبله.
أي (٣): قالوا لها مثل الذي أخبرناك به، قال ربك، فنحن نخبرك عن الله، والله قادر على ما تستبعدين، وهو الحكيم في أفعاله، العلم بكل شيء لا يخفى
والمعنى (١): أي فأقبلت امرأته سارّة حين سمعت بشارتهم، وكانت في ناحية من البيت تنظر إليهم، وهي تصرخ صرخة عظيمة، وضربت بيديها على جبينها، وقالت: أنا عجوز عقيم، فكيف ألد؟ وجاء في الآية الأخرى: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾.
٣٠ - فأجابوها عمّا قالت، حيث: ﴿قَالُوا﴾ لها ﴿كذلك﴾؛ أي: مثل ذلك الذي بشّرناه، وأخبرناه به ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ وإنما نحن معبّرون نخبرك به عنه تعالى، لا أنّا نقول من تلقاء أنفسنا، وروي: أن جبريل عليه السلام قال لها: انظري إلى سيف بيتك، فنظرت، فإذا جذوعه مورقة مثمرة، فأيقنت، و ﴿الكاف﴾ في ﴿كَذَلِكِ﴾ (٢): منصوب المحل على أنه صفة لمصدر ﴿قَالَ﴾ الثانية؛ أي: لا تستبعدي ما بشّرناه به، ولا تتعجّبي منه، فإنه تعالى قال مثل ما أخبرناك به؛ أي: قضي وحكم في الأزل؛ أي: إنه من جهة الله سبحانه، فلا تعجبّي منه.
وقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿هُوَ الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله وأقواله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء، فيكون قوله حقًّا، وفعله محكمًا لا محالة، تعليل لما قبله.
أي (٣): قالوا لها مثل الذي أخبرناك به، قال ربك، فنحن نخبرك عن الله، والله قادر على ما تستبعدين، وهو الحكيم في أفعاله، العلم بكل شيء لا يخفى
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
524
عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والخلاصة: أنها استبعدت الولادة لسببين: كبر السن، والعقم، وقد كانت لا تلد في عنفوان شبابها، والآن قد عجزت وأيست، فأجدر بها الآن أن لا تلد، فكأنها قالت: ليتكم دعوتم دعاء قريبًا من الإجابة، ظنًّا منها أنّ ذلك منهم كما يصدر من الضيف من الدعوات الطيبة، كما يقول الداعي: أعطاك الله مالًا، ورزقك ولدًا، فردّوا عليها بأنّ هذا ليس منّا بدعاء، وإنما ذلك قول الله تعالى.
ولم تكن (١) هذه المفاوضة مع سارة فقط، بل مع إبراهيم أيضًا، حسبما شرح في سورة الحجر، وإنما لم يذكر هنا اكتفاء بما ذكر هناك، كما أنه لم يذكر هناك سارّة، اكتفاءً بما ذكر هاهنا، وفي سورة هود، وفي الآية إشارة إلى أنه لا يجوز اليأس من فضل الله تعالى، فإنّ المقدور كائن ولو بعد حين، وقد أورقت وأثمرت شجرة مريم عليها السلام أيضًا، وكانت يابسة كما مرّ في سورة مريم، وقد اشتغل أفراد في كبرهم، ففاقوا على أقرانهم في العلم، فبعض محرومي البداية، مرزقون في النهاية، فمنهم: إبراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار، رحمهم الله تعالى.
الإعراب
﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)﴾.
﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم. ﴿الذاريات﴾: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالذاريات، وجملة القسم: مستأنفة. ﴿ذَرْوًا﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول به: محذوف، تقديره التراب ونحوه، كما مر. ﴿فَالْحَامِلَاتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿الحاملات﴾: معطوف على ﴿الذاريات﴾
والخلاصة: أنها استبعدت الولادة لسببين: كبر السن، والعقم، وقد كانت لا تلد في عنفوان شبابها، والآن قد عجزت وأيست، فأجدر بها الآن أن لا تلد، فكأنها قالت: ليتكم دعوتم دعاء قريبًا من الإجابة، ظنًّا منها أنّ ذلك منهم كما يصدر من الضيف من الدعوات الطيبة، كما يقول الداعي: أعطاك الله مالًا، ورزقك ولدًا، فردّوا عليها بأنّ هذا ليس منّا بدعاء، وإنما ذلك قول الله تعالى.
ولم تكن (١) هذه المفاوضة مع سارة فقط، بل مع إبراهيم أيضًا، حسبما شرح في سورة الحجر، وإنما لم يذكر هنا اكتفاء بما ذكر هناك، كما أنه لم يذكر هناك سارّة، اكتفاءً بما ذكر هاهنا، وفي سورة هود، وفي الآية إشارة إلى أنه لا يجوز اليأس من فضل الله تعالى، فإنّ المقدور كائن ولو بعد حين، وقد أورقت وأثمرت شجرة مريم عليها السلام أيضًا، وكانت يابسة كما مرّ في سورة مريم، وقد اشتغل أفراد في كبرهم، ففاقوا على أقرانهم في العلم، فبعض محرومي البداية، مرزقون في النهاية، فمنهم: إبراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار، رحمهم الله تعالى.
الإعراب
﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)﴾.
﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم. ﴿الذاريات﴾: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالذاريات، وجملة القسم: مستأنفة. ﴿ذَرْوًا﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، والعامل فيه: اسم الفاعل، والمفعول به: محذوف، تقديره التراب ونحوه، كما مر. ﴿فَالْحَامِلَاتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿الحاملات﴾: معطوف على ﴿الذاريات﴾
(١) روح البيان.
525
﴿وِقْرًا﴾: مفعول به لاسم الفاعل. ﴿فَالْجَارِيَاتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿الجاريات﴾: معطوف على ﴿الحاملات﴾. ﴿يُسْرًا﴾: منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنّه صفة لمصدر محذوف؛ أي: جريًا يسرًا سهلًا. ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ﴾: معطوف على ﴿الجاريات﴾، ﴿أَمْرًا﴾: مفعول به لاسم الفاعل. ﴿إِنَّمَا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب اسمها، وجملة ﴿تُوعَدُونَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾، والعائد: محذوف، تقديره: توعدونه. ﴿لَصَادِقٌ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿صادق﴾: خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، ويجوز أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية، فتكون هي و ﴿ما﴾ في حيّزها مؤوّلة بمصدر هو اسم ﴿إنّ﴾؛ أي: إنّ وعدكم لصادق. ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَوَاقِعٌ﴾: خبره. و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، والجملة: معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى.
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (١١) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)﴾.
﴿وَالسَّمَاءِ﴾: ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم. ﴿السَّمَاءِ﴾: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالسماء. ﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ صفة لـ ﴿السماء﴾، ﴿إِنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَفِي﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿في قول﴾: جار ومجرور، خبر ﴿إنّ﴾. ﴿مُخْتَلِفٍ﴾: صفة ﴿قَوْلٍ﴾. وجملة ﴿إنّ﴾: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: معطوفة على جملة القسم الأوّل. ﴿يُؤْفَكُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿عَنْهُ﴾: متعلق به. ﴿مَنْ﴾: موصول في محل الرفع نائب فاعل، والجملة: مستأنفة. ﴿أُفِكَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله: ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. والجملة: صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة. ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾. فعل ونائب فاعل، والجملة: جملة دعائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْخَرَّاصُونَ﴾، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾: خبر أول، أو متعلق بـ ﴿سَاهُونَ﴾، ﴿سَاهُونَ﴾: خبر ثان، أو هو الخبر، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب. ﴿يَسْأَلُونَ﴾: فعل
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (١١) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)﴾.
﴿وَالسَّمَاءِ﴾: ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم. ﴿السَّمَاءِ﴾: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالسماء. ﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ صفة لـ ﴿السماء﴾، ﴿إِنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَفِي﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿في قول﴾: جار ومجرور، خبر ﴿إنّ﴾. ﴿مُخْتَلِفٍ﴾: صفة ﴿قَوْلٍ﴾. وجملة ﴿إنّ﴾: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: معطوفة على جملة القسم الأوّل. ﴿يُؤْفَكُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿عَنْهُ﴾: متعلق به. ﴿مَنْ﴾: موصول في محل الرفع نائب فاعل، والجملة: مستأنفة. ﴿أُفِكَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله: ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. والجملة: صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة. ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾. فعل ونائب فاعل، والجملة: جملة دعائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْخَرَّاصُونَ﴾، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾: خبر أول، أو متعلق بـ ﴿سَاهُونَ﴾، ﴿سَاهُونَ﴾: خبر ثان، أو هو الخبر، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب. ﴿يَسْأَلُونَ﴾: فعل
526
وفاعل ﴿أَيَّانَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف خبر مقدم و ﴿يَوْمُ الدِّينِ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل النصب مفعول ﴿يَسْأَلُونَ﴾. وجملة ﴿يَسْأَلُونَ﴾: بدل من جملة الصلة قبلها. ﴿يَوْمُ﴾: في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بفعل محذوف، تقديره: يجيء يوم الدين يوم هم على النار، والجملة المحذوفة: مستأنفة. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿عَلَى النَّارِ﴾: متعلق بـ ﴿يُفْتَنُونَ﴾. و ﴿عَلَى﴾: بمعنى في وجملة ﴿يُفْتَنُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿ذُوقُوا﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو: فاعل. ﴿فِتْنَتَكُمْ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال لهم حين التعذيب: ذوقوا فتنتكم. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِي﴾: خبره، والجملة: في محل النصب مقول لذلك القول. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾ وجملة ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾: خبر ﴿كان﴾. وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)﴾.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾: ناصب واسمه. ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ خبره. ﴿وَعُيُونٍ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٍ﴾، والجملة: مستأنفة. ﴿آخِذِينَ﴾: حال من الضمير المستكن في خبر ﴿إنَّ﴾؛ أي: استقرّوا فيها، حال كونهم راضين ما آتاهم ربّهم. و ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به لـ ﴿آخِذِينَ﴾، ﴿آتَاهُمْ﴾: فعل ومفعول به. ﴿رَبُّهُمْ﴾: فاعل، والجملة: صلة لـ ﴿مَا﴾، والعائد: محذوف، تقديره: ما آتاهم إياه ربّهم. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَبْلَ ذَلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿مُحْسِنِينَ﴾، و ﴿مُحْسِنِينَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾. خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾: مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)﴾.
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَلِيلًا﴾: منصوب على الظرفية الزمانية؛ لأنه
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)﴾.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾: ناصب واسمه. ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ خبره. ﴿وَعُيُونٍ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٍ﴾، والجملة: مستأنفة. ﴿آخِذِينَ﴾: حال من الضمير المستكن في خبر ﴿إنَّ﴾؛ أي: استقرّوا فيها، حال كونهم راضين ما آتاهم ربّهم. و ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به لـ ﴿آخِذِينَ﴾، ﴿آتَاهُمْ﴾: فعل ومفعول به. ﴿رَبُّهُمْ﴾: فاعل، والجملة: صلة لـ ﴿مَا﴾، والعائد: محذوف، تقديره: ما آتاهم إياه ربّهم. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَبْلَ ذَلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿مُحْسِنِينَ﴾، و ﴿مُحْسِنِينَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾. خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾: مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)﴾.
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَلِيلًا﴾: منصوب على الظرفية الزمانية؛ لأنه
527
صفة زمان محذوف؛ أي: زمانًا قليلًا، متعلق بـ ﴿يَهْجَعُونَ﴾، أو منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنّه صفة مصدر محذوف؛ أي: هجوعًا قليلًا. ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾: صفة لـ ﴿قَلِيلًا﴾ ﴿مَا﴾: زائدة لتأكيد القلّة، وجملة ﴿يَهْجَعُونَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾، جملة مفسّرة، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها تفسير لإحسانهم. ﴿وَبِالْأَسْحَار﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿بالأسحار﴾: متعلق بـ ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وقدّم معمول الخبر على المبتدأ؛ لجواز تقديم عامله عليه. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾: خبره، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة ﴿كان﴾ على كونها مفسّرة، أو على خبر ﴿كان﴾. ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ﴾: خبر مقدم. ﴿حَقٌّ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿لِلسَّائِلِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿حَقٌّ﴾، ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾: معطوف على ﴿السائل﴾. والجملة: معطوفة على جملة ﴿كان﴾، أو على خبر ﴿كان﴾. فهي خبر ثالث لها. ﴿وَفِي الْأَرْضِ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿في الأرض﴾: خبر مقدم. ﴿آيَاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿لِلْمُوقِنِينَ﴾: صفة لـ ﴿آيَاتٌ﴾. والجملة: مستأنفة.
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾.
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾: خبر مقدم لمبتدأ محذوف، لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: وفي أنفسكم آيات للموقنين. ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخيّ، داخلة على مقدر يقتضيه السياق، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تنظرون ذلك فلا تبصرون، والجملة المحذوفة: جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿تُبْصِرُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. ﴿وَفِي السَّمَاءِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿في السماء﴾: خبر مقدم. ﴿رِزْقُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة: معطوفة على جملة قوله: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على ﴿رِزْقُكُمْ﴾، وجملة ﴿تُوعَدُونَ﴾: صلته والعائد: محذوف، تقديره: وما توعدونه. ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، و ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم ﴿رب السماء﴾:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾.
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾: خبر مقدم لمبتدأ محذوف، لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: وفي أنفسكم آيات للموقنين. ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخيّ، داخلة على مقدر يقتضيه السياق، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تنظرون ذلك فلا تبصرون، والجملة المحذوفة: جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿تُبْصِرُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. ﴿وَفِي السَّمَاءِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿في السماء﴾: خبر مقدم. ﴿رِزْقُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة: معطوفة على جملة قوله: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على ﴿رِزْقُكُمْ﴾، وجملة ﴿تُوعَدُونَ﴾: صلته والعائد: محذوف، تقديره: وما توعدونه. ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، و ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم ﴿رب السماء﴾:
528
مجرور بـ ﴿الواو﴾: ﴿وَالْأَرْضِ﴾ معطوف على ﴿السَّمَاءِ﴾، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بربّ السماء، وجملة القسم: مستأنفة. ﴿إِنَّهُ﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: اسمها، ﴿لَحَقٌّ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿حَقٌّ﴾: خبرها. وجملة ﴿إن﴾: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب. ﴿مِثْلَ﴾: منصوب على الحالية من الضمير المستكن في ﴿حَقٌّ﴾؛ أي: لحقّ هو حال كونه مماثلًا نطقكم، أو على المفعولية المطلقة؛ لأنّه صفة لمصدر محذوف؛ أي: لحقّ حقًّا مثل نطقكم. و ﴿مَا﴾: زائدة كما قاله الخليل. ﴿أَنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تَنْطِقُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿أنّ﴾: في تأويل مصدر مجرور بإضافة مثل إليه، تقديره: مثل نطقكم، وقرىء: ﴿مثل﴾ بالرفع على أنه صفة لـ ﴿حق﴾. وقيل: ﴿مَا﴾: نكرة موصوفة في محل جرّ بإضافة مثل إليه، وجملة ﴿أنّ﴾ في محل جر صفة لها؛ أي: مثل شيء منطوق لكم، والنطق هنا: عبارة عن الكلام بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني.
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)﴾.
﴿هَلْ﴾: حرف استفهام، والاستفهام: هنا معناه: التفخيم والتنبيه على أنّ الحديث ليس من علم رسول الله - ﷺ -، وإنما عرفه بالوحي. ﴿أَتَاكَ﴾: فعل ومفعول. ﴿حَدِيثُ﴾: فاعل. ﴿ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾: مضاف إليه. ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾: صفة للضيف، والجملة: مستأنفة. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ أو باذكر محذوفًا. ﴿دَخَلُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿دَخَلُوا﴾. ﴿سَلَامًا﴾: مفعول مطلق استغنى عن فعله؛ لأنّه سدّ مسدّه، تقديره: نسلّم عليكم سلامًا، والجملة المحذوفة: في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿سَلَام﴾: مبتدأ، خبره: محذوف؛ أي: سلام عليكم، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء، والجملة: في
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)﴾.
﴿هَلْ﴾: حرف استفهام، والاستفهام: هنا معناه: التفخيم والتنبيه على أنّ الحديث ليس من علم رسول الله - ﷺ -، وإنما عرفه بالوحي. ﴿أَتَاكَ﴾: فعل ومفعول. ﴿حَدِيثُ﴾: فاعل. ﴿ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾: مضاف إليه. ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾: صفة للضيف، والجملة: مستأنفة. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ أو باذكر محذوفًا. ﴿دَخَلُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿دَخَلُوا﴾. ﴿سَلَامًا﴾: مفعول مطلق استغنى عن فعله؛ لأنّه سدّ مسدّه، تقديره: نسلّم عليكم سلامًا، والجملة المحذوفة: في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿سَلَام﴾: مبتدأ، خبره: محذوف؛ أي: سلام عليكم، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء، والجملة: في
529
محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. وجملة ﴿قَالَ﴾: مستأنفة. ﴿قَوْمٌ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: أنتم قوم. ﴿مُنْكَرُونَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمٌ﴾. والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَرَاغَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف يقتضيه السياق، تقديره: فبادر إلى إكرام ضيفه من غير أن يشعرهم فراغ. ﴿راغ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. والجملة: معطوفة على تلك المحذوفة. ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾: متعلق بـ ﴿راغ﴾ ﴿فَجَاءَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿جاء﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: معطوف على ﴿راغ﴾. ﴿بِعِجْلٍ﴾ متعلق بـ ﴿جاء﴾ ﴿سَمِينٍ﴾. صفة ﴿عجل﴾، ﴿فَقَرَّبَهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قربه﴾: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على ﴿جاء﴾. ﴿إِلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿قرب﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. والجملة: مستأنفة استئنافًا بيانيًا. ﴿أَلَا﴾: حرف عرض وطلب، وجملة ﴿تَأْكُلُونَ﴾: في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَأَوْجَسَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فامتنعوا من أكله فأوجس. ﴿أوجس﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مِنْهُمْ﴾: متعلق بـ ﴿خِيفَةً﴾ و ﴿خِيفَةً﴾ مفعول به. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. ﴿لَا﴾: ناهية جازمة، ﴿تَخَفْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ ﴿لَا﴾ الناهية، والجملة: في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿وَبَشَّرُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على ﴿قَالُوا﴾. ﴿بِغُلَامٍ﴾: متعلق بـ ﴿بشروه﴾، ﴿عَلِيمٍ﴾: صفة ﴿غلام﴾.
﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)﴾.
﴿فَأَقْبَلَتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: وسمعت سارّة تبشيرهم إبراهيم فأقبلت. ﴿أقبلت امرأته﴾: فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. ﴿فِي صَرَّةٍ﴾: حال من الفاعل؛ أي: حالة كونها صارّة؛ أي: صارخةً. ﴿فَصَكَّتْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿صكت وجهها﴾: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على ﴿أقبلت﴾. ﴿وَقَالَتْ﴾: معطوف على ﴿صَكَّتْ﴾، ﴿عَجُوزٌ﴾: خبر
﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)﴾.
﴿فَأَقْبَلَتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: وسمعت سارّة تبشيرهم إبراهيم فأقبلت. ﴿أقبلت امرأته﴾: فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. ﴿فِي صَرَّةٍ﴾: حال من الفاعل؛ أي: حالة كونها صارّة؛ أي: صارخةً. ﴿فَصَكَّتْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿صكت وجهها﴾: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على ﴿أقبلت﴾. ﴿وَقَالَتْ﴾: معطوف على ﴿صَكَّتْ﴾، ﴿عَجُوزٌ﴾: خبر
530
لمبتدأ محذوف؛ أي: أنا عجوز. ﴿عَقِيمٌ﴾: صفة ﴿عَجُوزٌ﴾. والجملة الاسمية: في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. ﴿كَذَلِكِ﴾: صفة لمصدر محذوف لـ ﴿قَالَ﴾ الثاني. ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾: فعل وفاعل، والتقدير: قالوا: قال ربك قولًا مثل ذلك التبشير الذي بشّرناه، وجملة ﴿قَالَ﴾: في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر أول لـ ﴿إنّ﴾ ﴿الْعَلِيمُ﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿إنّ﴾: مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ وهي الرياح التي تذروا التراب وغيره؛ أي: تطيّره وتفرّقه، من ذرا يذرو، من باب عدا يعدو، ويقال: ذرا يذري من باب رمى، وفيه إعلال بالقلب، أصله: الذاروات، من ذرا يذرو، قلبت الواو ياءً لتطرفها إثر كسرة، ويحتمل أن تكون من ذرى يذري من باب رمى، فلا قلب فيها حينئذٍ، أفاده الجوهري في "صحاحه" في مادة ذرا، ولو كان كما قال.. لكان المصدر ذريًا.
﴿فَالْحَامِلَاتِ﴾ هي الرياح الحاملات للسحاب المشبع ببخار الماء.
﴿وِقْرًا﴾ والوقر والثقل والحمل، كلها ألفاظ وزنها واحد، ومعناه واحد.
﴿فَالْجَارِيَاتِ﴾ هي الرياح الجارية في مهابّها بسهولة.
و ﴿اليسر﴾ السهولة. ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ﴾ هي الرياح التي تقسم الأمطار بتصريف السحاب.
﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾ و ﴿مَا﴾: يجوز تكون اسمية، وعائدها: محذوف؛ أي: توعدونه ومصدرية، فلا عائد لها، وحينئذٍ يحتمل أن يكون ﴿تُوعَدُونَ﴾ مبنيًا من الوعد، وأن يكون مبنيًا من الوعيد؛ لأنه صالح أن يقال: أوعدته فهو يوعد، ووعدته فهو يوعد لا يختلف، فالتقدير: إنّ وعدكم أو إنّ وعيدكم، اهـ "سمين".
﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ جمع حبيكة كطرق وطريقة وزنًا ومعنى، وقيل: الحبك: التكسر الذي يبدو على وجه الماء إذا ضربته الريح.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ وهي الرياح التي تذروا التراب وغيره؛ أي: تطيّره وتفرّقه، من ذرا يذرو، من باب عدا يعدو، ويقال: ذرا يذري من باب رمى، وفيه إعلال بالقلب، أصله: الذاروات، من ذرا يذرو، قلبت الواو ياءً لتطرفها إثر كسرة، ويحتمل أن تكون من ذرى يذري من باب رمى، فلا قلب فيها حينئذٍ، أفاده الجوهري في "صحاحه" في مادة ذرا، ولو كان كما قال.. لكان المصدر ذريًا.
﴿فَالْحَامِلَاتِ﴾ هي الرياح الحاملات للسحاب المشبع ببخار الماء.
﴿وِقْرًا﴾ والوقر والثقل والحمل، كلها ألفاظ وزنها واحد، ومعناه واحد.
﴿فَالْجَارِيَاتِ﴾ هي الرياح الجارية في مهابّها بسهولة.
و ﴿اليسر﴾ السهولة. ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ﴾ هي الرياح التي تقسم الأمطار بتصريف السحاب.
﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾ و ﴿مَا﴾: يجوز تكون اسمية، وعائدها: محذوف؛ أي: توعدونه ومصدرية، فلا عائد لها، وحينئذٍ يحتمل أن يكون ﴿تُوعَدُونَ﴾ مبنيًا من الوعد، وأن يكون مبنيًا من الوعيد؛ لأنه صالح أن يقال: أوعدته فهو يوعد، ووعدته فهو يوعد لا يختلف، فالتقدير: إنّ وعدكم أو إنّ وعيدكم، اهـ "سمين".
﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ جمع حبيكة كطرق وطريقة وزنًا ومعنى، وقيل: الحبك: التكسر الذي يبدو على وجه الماء إذا ضربته الريح.
531
﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)﴾؛ أي: متناقض مضطرب في شأن الله، فبينا تقولون: إنه خالق السموات تقولون بصحة عبادة الأوثان، معه، وفي شأن الرسول، فتارةً تقولون: إنه مجنون، وتارةً تقولون: إنه ساحر، وفي شأن الحشر، فتارةً تقولون: لا حشر ولا بعث، وأخرى تقولون: الأصنام شفعاؤنا عند الله يوم القيامة.
﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ﴾؛ أي: يصرف عن القول المختلف؛ أي: بسببه. ﴿مَنْ أُفِكَ﴾؛ أي: ومن صرف عن الإيمان، يقال: أفكه عنه يأفكه إفكًا صرفه وقلبه، أو قلب رأيه، كما في "القاموس". ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل، كما في "المفردات".
﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾؛ أي: لعن الكذّابون، وهذا دعاء عليهم كقوله: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)﴾. وأصله: الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى لعن وقبح، من الخرص، وهو تقدير القول بلا حقيقة، ومنه: خرص الثمار؛ أي: تقديرها مثلًا، بأن يقدر ما على النخل من الرطب تمرًا، وكل قول مقول عن ظنّ وتخمين يقال له: خرص، سواء كان ذلك مطابقًا للشيء أو مخالفًا له، من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظنّ ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظنّ والتخمين، والخرص: الظن والحدس، يقال: كم خرص أرضك بكسر الخاء، وأصل الخرص: القطع، من قولهم: خرص فلانًا كلامًا، واخترصه: إذا قطعه من غير أصل.
﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ من غمره الماء يغمره: إذا غطاه، والمراد بها هنا: الجهل، قال الراغب: أصل الغمر: إزالة أثر الشيء، ومنه: قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله: غمر وغامر، وبه شبه الرجل السخي والفرس الشديد العدو، فقيل لهما: غمر كما شبها بالبحر، والغمرة: معظم الماء الساترة لمقرها، وجعلت مثلًا للجهالة التي تغمر صاحبها، وإلى نحوه أشار بقوله: ﴿فَأغشَينَاهُمْ﴾. وقيل للشدائد: غمرات، قال تعالى: ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾. وقال الشاعر:
﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ﴾؛ أي: يصرف عن القول المختلف؛ أي: بسببه. ﴿مَنْ أُفِكَ﴾؛ أي: ومن صرف عن الإيمان، يقال: أفكه عنه يأفكه إفكًا صرفه وقلبه، أو قلب رأيه، كما في "القاموس". ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل، كما في "المفردات".
﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾؛ أي: لعن الكذّابون، وهذا دعاء عليهم كقوله: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)﴾. وأصله: الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى لعن وقبح، من الخرص، وهو تقدير القول بلا حقيقة، ومنه: خرص الثمار؛ أي: تقديرها مثلًا، بأن يقدر ما على النخل من الرطب تمرًا، وكل قول مقول عن ظنّ وتخمين يقال له: خرص، سواء كان ذلك مطابقًا للشيء أو مخالفًا له، من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظنّ ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظنّ والتخمين، والخرص: الظن والحدس، يقال: كم خرص أرضك بكسر الخاء، وأصل الخرص: القطع، من قولهم: خرص فلانًا كلامًا، واخترصه: إذا قطعه من غير أصل.
﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ من غمره الماء يغمره: إذا غطاه، والمراد بها هنا: الجهل، قال الراغب: أصل الغمر: إزالة أثر الشيء، ومنه: قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله: غمر وغامر، وبه شبه الرجل السخي والفرس الشديد العدو، فقيل لهما: غمر كما شبها بالبحر، والغمرة: معظم الماء الساترة لمقرها، وجعلت مثلًا للجهالة التي تغمر صاحبها، وإلى نحوه أشار بقوله: ﴿فَأغشَينَاهُمْ﴾. وقيل للشدائد: غمرات، قال تعالى: ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾. وقال الشاعر: