سورة الكهف مكية قيل إلا قوله ﴿ واصبر نفسك ﴾ الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية واثنا عشر ركوعا.
ﰡ
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ رتب الحمد على إنزاله القرآن على عبده سيد السادات عليه الصلوات والتسليمات ؛ لأنه أجل نعم وأعظم كرم، فإنه سبب جميع السعادات، ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾ شيئا من العوج، لا في ألفاظه، ولا في معانيه.
﴿ قَيِّمًا ﴾ : مستقيما معتدلا لا إفراط ولا تفريط، فقيل قيما على سائر الكتب مصدقا لها، منصوب بقدر، أي : جعله قيما، أو حال من الكتاب على أن عطف ولم يجعل بياني حتى لا يلزم العطف قبل تمام الصلة كأنه قال : أنزل على عبده الكتاب الكامل الذي لا يسمى غيره في جنبه الكتاب، ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ : الكافرين ﴿ بَأْسًا ﴾ : عذابا ﴿ شَدِيدًا ﴾ : صادرا ﴿ مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ : الجنة.
﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ ﴾ : في الأجر ﴿ أَبَدًا ﴾ : دائما.
﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ أي : ينذرهم ببأس شديد وخصهم من بين الكفار بالذكر لغلظ كفرهم.
﴿ مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أي : يقولون عن جهل وافتراء وضمير به إما إلى الولد أو إلى الاتخاذ أو إلى القول، ﴿ وَلآبائِهِمْ ﴾ : الذين قالوا ذلك ﴿ كَبُرَتْ ﴾ : عظمت مقالتهم هذه في الكفر ﴿ كلمة ﴾ تمييز، وهو أبلغ من كبرت كلمتهم ﴿ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ صفة للكلمة مفيدة لاستعظام اجترائهم، فإن هذه الكلمة الردية الشنيعة التي لو خطرت ببال لا يليق أن تظهر بحال هم تكلموا بها ﴿ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾.
﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ ﴾ : قاتل ﴿ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ﴾ إذا أعرضوا عن الإيمان، شبهه لما تداخله من الأسف على إعراضهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على فراقهم وآثارهم ﴿ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ ﴾ : القرآن ﴿ أَسَفًا ﴾ لفرط الحزن.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ ﴾ : مما يصلح أن يكون زينة ﴿ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ ﴾ : نختبرهم ﴿ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ : في تناوله وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها.
﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا ﴾ : من الزينة ﴿ صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ : مثل أرض ملساء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء في إزالة بهجته وإبطال حسنه يعني نميت الحيوانات، ونجفف النباتات وهو ترغيب وفي الزهد عنها.
﴿ أَمْ حَسِبْتَ ﴾ بل أحسبت ﴿ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ ﴾ : الغار الواسع في الجبل ﴿ وَالرَّقِيمِ ﴾ هو لوح من رصاص، أو حجر موضوع على باب كهفهم مكتوب في أسماؤهم، أو اسم لذلك الجبل أو الوادي، أو لقرية خرجوا منها ﴿ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا ﴾ : آية ﴿ عَجَبًا ﴾ فإن قصتهم بالإضافة إلى ما خلقنا على وجه الأرض من أنواع الحيوانات وغيرها ليس بعجيب.
﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ : صاروا إليه وسكنوا فيه هم من أهل الروم، قصد دقيانوس تعذيبهم ليرجعوا إلى الشرك فهربوا بدينهم إلى الكهف ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ﴾ ترحمنا بها وتسترنا من أعين قومنا ﴿ وَهَيِّئْ لَنَا ﴾ : يسر لنا ﴿ مِنْ أَمْرِنَا ﴾ : الذي نحن فيه من الفرار عن الكفار ﴿ رَشَدًا ﴾ : نصير بسببه راشدين مهديين.
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ﴾ أي : ضربنا عليها حجابا من أن تسمع يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما يقال : بنى على امرأته أي : القبة ﴿ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ﴾ ظرفان لضربنا ﴿ عَدَدًا ﴾ أي : ذوات عدد.
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ : أيقظناهم ﴿ لِنَعْلَمَ ﴾ : ليتعلق علمنا تعلقا حاليا، أو لنعلم علم المشاهدة ﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ﴾ المختلفين منهم ﴿ أَحْصَى ﴾ أضبط ﴿ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾ أي : أضبط أمدا لزمان لبثهم فإنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك كما قال تعالى :" قال قائل منهم كم لبثتم " الآية، أو المراد من الحزبين غيرهم، فقد ذكر أن أهل قريتهم تنازعوا في مدة لبثهم ولصدارة أي لما فيه من معنى الاستفهام علق لنعلم عنه فهو مبتدأ، وأحصى الذي هو فعل ماض خبره، وأمدا مفعوله.
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ﴾ : الصدق، ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ﴾ : شبان ﴿ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ : بالتثبت.
﴿ وربطنا عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ : قويناهم بالصبر والثبات ﴿ إِذْ قَامُوا ﴾ : بين يدي دقيانوس ملكهم حين دعاهم إلى الكفر، وأوعد بأنواع العذاب، ثم القتل إن خالفوا ﴿ فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا ﴾ فإنه يأمرهم بعبادة الأصنام ﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ أي : إن دعونا غير الله، والله لقد قلنا قولا ذا بعد الحق.
﴿ هَؤُلاء ﴾ مبتدأ ﴿ قَوْمُنَا ﴾ عطف بيانه ﴿ اتَّخَذُوا مِن دُونِه آلِهَةً لَّوْلا ﴾ : هلا ﴿ يَأْتُونَ عَلَيْهِم ﴾ أي : على عبادتهم ﴿ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ﴾ : بدليل واضح فإن دينا لا دليل عليه فهو باطل ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ : فإنهم افتروا عليه أن له شركاء.
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ خطاب بعضهم لبعض والعامل فيه الجزاء ﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ﴾ عطف على مفعول اعتزل، وهم يعبدون الأصنام مع الله ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ ﴾ : يبسط ﴿ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ﴾ : رحمة يستركم بها من قومكم ﴿ ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم ﴾ : الذي أنتم فيه ﴿ مِّرْفَقًا ﴾ : ما تنتفعون به.
﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ ﴾ : لو رأيتهم ﴿ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ ﴾ : تميل ﴿ عَن كَهْفِهِمْ ﴾ فلا يقع شعاعها عليهم لتحترق أبدانهم ولباسهم ﴿ ذَاتَ الْيَمِينِ ﴾ : جهته، ﴿ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ﴾ : تقطعهم وتعدل عنهم، ﴿ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ ﴾ : متسع، ﴿ مِّنْهُ ﴾ : من الكهف فلا يؤذيهم حر الشمس وينالهم روح الهواء وذلك إذا كان باب الكهف على بنات النعش فيقع الشعاع على جنبيه وهم في وسطه فيحلل عفونته ويعدل هواءه، وعند بعضهم أن الله صرف عنهم الشمس بقدرته وحال بينها وبينهم لا لأن باب الكهف على جانب لا تقع الشمس إلا على جنبيه ﴿ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ حيث أرشدهم إلى غار كذلك ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ ﴾ : ولم يرشده ﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ﴾ : من يلي أمرهم ويرشده.
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا ﴾ : لانفتاح عيونهم ليصل إليها الهواء جمع يقظ، كأنكاد في نكد ﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾ : نيام ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ : لئلا تأكل الأرض لحومهم، عن ابن عباس في كل سنة مرة، وعن بعضهم مرتين ﴿ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ بالفناء وقيل : بالعتبة خارج الكهف ؛ لأن الملك لا يدخل بيتا فيه كلب والأصح أنه كلب صيد لأحدهم وقد نقل أنه كلب تبعهم فطردوه فأنطقه الله وقال : أنا أحب أحباء الله نموا وأنا أحرسكم، ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ : نظرت إليهم ﴿ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ ﴾ هربت وأعرضت عنهم ﴿ فِرَارًا ﴾ حال أو مفعول له أو مصدر ﴿ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ : خوفا يملأ صدرك لمهابتهم.
﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ : كما أنمناهم آية بعثناهم كذلك ﴿ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ : ليسأل بعضهم بعضا مدة لبثهم فيعرفوا حالهم فيزداد يقينهم ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ فإنه غالب مدة نوم نائم كأنهم دخلوا غدوة وانتبهوا عشية، ﴿ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ كأنه حصل لهم بعض تردد في طول مدتهم لطول أظفارهم وأشعارهم ﴿ فَابْعَثُوا ﴾ يعني لا يصل علمكم إليه فاتركوا المقال وابعثوا ﴿ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ ﴾ : فضتكم، ﴿ هَذِهِ ﴾ فإنه كان معهم دراهم ﴿ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ أي : إلى المدينة التي خرجتم عنها وهي طرسوس ﴿ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا ﴾ أي : أهل تلك المدينة ﴿ أَزْكَى طَعَامًا ﴾ : أحل وأطهر، فإن في المدينة المؤمن والكافر ﴿ فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ : في الذهاب والإياب والمعاملة حتى لا يطلع على حاله أحد ﴿ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ : لا يفعلن ما يؤدي إلى شعور أحد بكم.
﴿ إِنَّهُمْ ﴾ : أهل المدينة ﴿ إِن يَظْهَرُوا ﴾ : يظفروا ﴿ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ : يقتلوكم بأفضح أنواعه ﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ﴾ : كرها والعود بمعنى الصيرورة، أو كانوا على دينهم فهداهم الله للإيمان ﴿ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ : إن دخلتم في دينهم.
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي : كما أنمناهم وأيقظناهم أطلعنا عليهم ﴿ لِيَعْلَمُوا ﴾ أي : ليعلم من يطلع عليهم ﴿ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ : بالبعث ﴿ حَقٌّ ﴾ : يقاس الموت والبعث بتلك الرقدة، والإيقاظ ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ ﴾ آتية ﴿ لا رَيْبَ فِيهَا ﴾ فإن من حفظ أبدانهم من التفتت ثلاثمائة سنين يمكن له حفظ النفوس إلى أن يحشر أبدانها ﴿ إِذْ يَتَنَازَعُونَ ﴾ ظرف لأعثرنا ﴿ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ﴾ : أمر دينهم، فإن لأهل ذلك الزمان شكا في البعث فمنهم من قال : يبعث الأرواح لا الأجساد فيبعثهم الله حجة لمن يقول تبعث الأرواح والأجساد معا، أو التنازع في البنيان فقال المسلمون : نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس، لأنهم على ديننا والمشركون يقولون : نبني بنيانا لأنهم من أهل نسبنا أو التنازع في مدة لبثهم وعددهم ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي : المرتابون في البعث ﴿ ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ﴾ أي : سدوا عليهم باب الكهف وذروهم على حالهم فإن ربهم أعلم بحالهم وقيل : هذا يدل على أن التنازع في مدة اللبث أو العدد ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ﴾ وهم المؤمنون وكانوا غالبين في ذلك الوقت ﴿ لنتخذن عليهم مسجدا ﴾ حكى أن المبعوث إلى الطعام لما أخرج الدرهم للطعام أخذوا درهمه واتهموه بوجدان كنز ؛ لأن الدرهم على ضرب لم يروه فسألوه عن أمره فقال : أنا من هذه المدينة وعهدي بها عشية أمس وضربه ضرب دقيانوس، فنسبوه إلى الجنون فحملوه إلى ولي أمرهم فأخبرهم بأمره فقام متولى البلد وأهلها معه حتى انتهى إلى الكهف فقال : دعوني أتقدم في الدخول فعمى عليهم المدخل وأخفى الله فبنوا ثم مسجدا، وعن بعضهم : دخلوا عليهم ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم ثم كلمهم وودعهم فتوفاهم الله.
﴿ سيقولون ﴾ : القائلون أهل الكتاب والمؤمنون في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام ﴿ ثَلاثَةٌ ﴾ أي : هم ثلاثة رجال ﴿ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ﴾ أي : يرمون رميا بلا علم كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصد والقائل بهما أهل الكتاب ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ ﴾ والقائل هم المؤمنون ﴿ وَثَامِنُهُم كَلْبُهُمْ ﴾ وفائدة هذا الواو بين الصفة والموصوف تأكيد لصوقها به والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهي التي آذنت بأن هذا القول منهم لا عن رجم بالغيب، بل عن دليل وعلم ﴿ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ﴾ من الناس وقد صح عن ابن عباس أنه قال : أنا من ذلك القيل كانوا سبعة ﴿ فَلَا تُمَارِ ﴾ : لا تجادل ﴿ فِيهِمْ ﴾ : في شأن الفتية ﴿ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا ﴾ : سهلا هينا، فإن معرفته لا يترتب عليه كثير فائدة، فلا تجهلهم ولا ترد عليهم ﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾ : لا تسأل عن قصتهم أحدا منهم، فإنهم لا يقولون إلا ظنا بالغيب.
﴿ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ﴾ أي : لأجل شيء تعزم عليه ﴿ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ ﴾ : الشيء، ﴿ غَدًا ﴾ أي : فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد خصوصية الغد.
﴿ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ : إلا بأن يشاء الله، أي : متلبسا بمشيئته، يعني إلا أن يقول إن شاء الله، فهو استثناء من النهي، نزلت حين سأل أهل مكة عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال عليه السلام :" أخبركم غدا "، ولم يقل إن شاء الله، فلبث الوحي أياما نزلت هذه الآية تعليما وتأديبا، وقيل معناه : لا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله، بأن يأذن لك فيه ﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ ﴾ أي : مشيئته، وقل إن شاء الله ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ : إذا فرط منك نسيان، يعني : إذا أنسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر. وعن ابن عباس : للحالف أن يستثني ولو بعد سنة، قال ابن جرير : السنة أن يقول ذلك حتى ولو كان بعد الحنث، ليكون أتيا بسنة الاستثناء لا لأن يكون رافعا للحنث مسقطا للكفارة، وقال : هذا هو الصحيح الأليق بحمل كلامه عليه، وقد نقل عن ابن عباس إن هذا خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم أي إنه لا يحنث إ ن استثنى ولو بعد سنين، وقيل معناه إنه تعالى أرشد من نسى الشيء من كلامه إلى أن يذكر الله، فإن النسيان منشؤه الشيطان، وذكر الله يطرده فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان ﴿ قُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ أي : يدلني ويعطيني من الآيات الدالة على نبوتي ما يكون أقرب وأدل في الرشد من قصة أصحاب الكهف، وقيل معناه إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فتوجه إلى الله في أن يوفقك لأقرب طريق إليه وقيل معناه واذكر ربك إذا نسيت شيئا، واذكر ربك أن تقول عند نسيانه عسى ربي أن يهدين لشيء آخر بدل المنسي أقرب من المنسي رشدا.
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ﴾ هذا إخبار من الله بمقدار لبثهم منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم، وسنين : عطف بيان لثلاثمائة عند من قرأ مائة بالتنوين ﴿ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ فإن مقداره ثلاث مائة سنة وتسع بالهلالية، فيكون بالشمسية ثلاث مائة سنة، لأن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين.
﴿ قُلِ ﴾ : يا محمد ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ فلا تختلفوا بعد ما أخبركم الله بمدته ﴿ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ جملة مستأنفة لتعليل الأعلمية وعن قتادة أن قوله ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة حكاية قول أهل الكتاب وقد رده الله بقوله :" قل الله أعلم " والأول قول أكثر السلف والخلف ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ هما صيغتا التعجب أي : ما أبصره وما أسمعه، فالضمير الراجع إلى الله فاعل والباء صلة ﴿ مَا لَهُم ﴾ الضمير لأهل السماوات والأرض ﴿ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ ﴾ : يلي أمرهم ﴿ وَلا يُشْرِكُ ﴾ : الله ﴿ فِي حُكْمِهِ ﴾ : قضائه ﴿ أَحَدًا ﴾ : منهم.
﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ﴾ : من القرآن ﴿ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ : لا أحد يقدر على تبديلها ﴿ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ : ملجأ تعدل إليه إن لم تتل ولم تتبع.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ : احبسها ﴿ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ : طرفي النهار ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ : يريدون الله لا عوضا من الدنيا نزلت في أشرف قريش حين طلبوا أن يفرد لهم مجلسا لا يكون فيه فقراء الصحابة فيه ولذلك قال الله :﴿ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والزينة، واستعماله بعن مع أنه مستعمل بغير واسطة لتضمينه معنى نبا يقال : نبت عنه عينه إذا ازدرته ولم تتعلق به ﴿ تُرِيدُ ﴾ حال من كاف عيناك ﴿ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي : مجالسة الأشراف ﴿ وَلا تُطِعْ ﴾ : في تبعيد الفقراء ﴿ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ : جعلنا قلبه غافلا ﴿ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ : متقدما للصواب نابذا له وراء ظهره يقال : فرس فرط، أي : متقدم للخيل.
﴿ وَقُلِ ﴾ : يا محمد ﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ أي : هذا هو الحق حال كونه من ربكم أو الحق ما يكون من ربكم ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ : فإني لا أبالي وهو تخيير بمعنى التهديد ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا ﴾ : هيأنا ﴿ لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي : الكافرين ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ : نسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار أو دخانها ﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا ﴾ : من العطش ﴿ يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ ﴾ : كمذاب النحاس عن ابن عباس هو ماء غليظ كدردي الزيت ﴿ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾ : من حره إذا قدم ليشرب ﴿ بِئْسَ الشَّرَابُ ﴾ : المهل ﴿ وَسَاءتْ ﴾ : النار﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ : متكئا أو منزلا.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ﴾ قوله :" من أحسن عملا " هو عين من آمن وعمل صالحا فجاز أن يكون " إنا لا نضيع " خبر إن أو تقديره إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم أو هو جملة معترضة وخبره قوله :﴿ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساورمن ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ﴾.
﴿ أولئك لهم جنات عدن ﴾ سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها يقال : عدن بالمكان، إذا أقام فيه ﴿ تجري من تحتهم ﴾ أي : من تحت غرفهم ﴿ الأنهار يحلون ﴾ : يزينون ﴿ فيها من أساور ﴾ جمع أسورة أو أسوار في جمع سوار ومن للابتداء ﴿ من ذهب ﴾ صفة أساور، ومن للبيان ﴿ ويلبسون ثيابا حضرا من سندس ﴾ : رقيق الديباج ﴿ وإستبرق ﴾ : غليظ منه فإن ما يلي البدن رقيق وما فوقه غليظ كما في الدنيا ﴿ متكئين فيها ﴾ الاتكاء الاضطجاع أو التربع في الجلوس ﴿ على الأرائك ﴾ : السرور، ﴿ نعم الثواب ﴾ : الجنة ونعيمها ﴿ وحسنت ﴾ : الأرائك أو الجنات ﴿ مرتفقا ﴾ : متكئا أو منزلا.
﴿ واضرب لهم مثلا رجلين ﴾ بيان لمثلا، أو بدل لحذف المضاف أي مثل رجلين قيل : هما أخوان من بني إسرائيل ورثا مالا فاشترى أحدهما بميراثه ضياعا وزينة، وصرفه الآخر في وجوه الخير ﴿ جعلنا ﴾ الجملة بيان التمثيل أو صفة رجلين ﴿ لأحدهما جنتين ﴾ : بستانين ﴿ من أعناب وحففناهما بنخل ﴾ أي : جعلنا النخل محيطة بهما والباء للتعدية إلى المفعول الثاني يقال : حففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله ﴿ وجعلنا بينهما ﴾ : وسط النخل والكرم ﴿ زرعا ﴾.
﴿ كلتا الجنتين آتت أكلها ﴾ وإفراد الضمير لإفراد كلتا ﴿ ولم تظلم ﴾ : تنقص ﴿ منه ﴾ : من أكلها ﴿ شيئا ﴾ : كما يعهد نقصها في سائر البساتين ﴿ وفجرنا خلالهما ﴾ : وسط الجنتين ﴿ نهرا ﴾.
﴿ وكان له ﴾ : لصاحب البستانين ﴿ ثمر ﴾ : أنواع من المال ﴿ فقال لصاحبه ﴾ : الذي صرف ميراثه لوجه الله ﴿ وهو يحاوره ﴾ : يراجعه في الكلام لا أنه يجادله ﴿ أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ﴾ : حشما عشيرة وأولادا ذكورا.
﴿ ودخل جنته ﴾ : حين أخذ بيد صاحبه وأدخله بستانه يطوف به فيها يفاخره بها ﴿ وهو ظالم لنفسه ﴾ : بسبب عجبه وكفره ﴿ قال ما أظن أن تبيد ﴾ : تفنى ﴿ هذه أبدا ﴾ : راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى، والله در صاحب الكشاف حيث قال : وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه.
﴿ وما أظن الساعة قائمة ﴾ : كائنة، ﴿ ولئن رددت إلى ربي ﴾ يعني : وإن فرضنا حقيقة البعث ﴿ لأجدن خيرا منها ﴾ : من الجنة ﴿ منقلبا ﴾ : مرجعا وعاقبة ؛ لأنه ما أعطاني في الدنيا إلا لاستئهالي لذلك والآخرة لو كانت خير وأبقى.
﴿ قال له صاحبه ﴾ : المؤمن ﴿ وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك ﴾ أي : خلق أصل مادتك ﴿ من تراب ثم من نطفة ﴾ : فإنها مادتك القريبة ﴿ ثم سواك رجلا ﴾ : عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا.
﴿ لكنا ﴾ أصله : لكن أنا، حذفت الهمزة وأدغمت النونان ﴿ هو ﴾ ضمير الشأن ﴿ الله ربي ﴾ والجملة خبر أنا، كأنه قال أنت كافر لكني مؤمن ﴿ ولا أشرك بربي أحدا ﴾.
﴿ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ﴾ أي : هلا قلت حين دخلت ﴿ ما شاء الله ﴾ ما موصولة أي : الأمر ما شاء الله أو ما شاء كائن ﴿ لا قوة إلا بالله ﴾ إقرارا بأنها بمشيئته الله إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها واعترفا بالعجز على نفسك والقدرة لله قال بعض السلف : من أعجبه شيء فيلقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله ﴿ إن ترن أنا ﴾ ضمير الفصل أو تأكيد للمفعول ﴿ أقل منك مالا وولدا ﴾.
﴿ فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ﴾ في الآخرة أو في الدنيا أيضا ﴿ ويرسل عليها ﴾ على جنتك ﴿ حسبانا من السماء ﴾ مراقي جمع حسبانة وهي الصاعقة ﴿ فتصبح ﴾ الجنة ﴿ صعيدا ﴾ أرضا ﴿ زلقا ﴾ ملساء لا يثبت فيه قدم.
﴿ أو يصبح ماؤها غورا ﴾ غائرا في الأرض مصدر وصف به كالزلق ﴿ فلن تستطيع له ﴾ للماء الغائر ﴿ طلبا ﴾ في رده.
﴿ وأحيط بثمره ﴾ عبارة عن إهلاكه ﴿ فأصبح يقلب كفيه ﴾ ظهرا لأبطن تأسفا ﴿ على ما أنفق فيها ﴾ متعلق بيقلب لأنه في معنى يتحسر أي : يتحسر على ما أنفق في عمارتها ﴿ وهي خاوية ﴾ ساقطة ﴿ على عروشها ﴾ فإن كرومها المعرشة سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها ﴿ ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ﴾ : تذكر موعظة أخيه، وتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه.
﴿ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ﴾ أي : يقدرون على نصرته من دون الله، وحمل ينصرونه حيث لم يقل تنصره على المعنى دون اللفظ ﴿ وما كان منتصرا ﴾ : ممتنعا عن انتقام الله تعالى منه، أي : لا يقدر أحد ولا هو نفسه على انتصاره.
﴿ هنالك الولاية لله الحق ﴾ من القراء من يقف على هنالك، فعلى هذا معناه منتصرا في ذلك الموطن الذي به عذاب الله، ومن لم يقف عليه فمعناه في ذلك الموطن الذي نزل عليه عذاب الله النصرة له وحده، لا يقدر عليها غيره أو ينصر فيها أولياءه على أعدائه، و من قرأ الولاية بكسر الواو فمعناه : في تلك الحالة السلطان له وحده لا يبعد غيره، وكل أحد من مؤمن أو كافر يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له كما قال الله تعالى :" فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده " والحق : صفة الولاية أو صفة لله على القراءتين ﴿ هو خير ثوابا ﴾ لأهل طاعته لو كان غيره يثيب ﴿ وخير عقبا ﴾ أي : عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره.
﴿ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ﴾ : اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها ﴿ كماء ﴾ أي : هو كماء ﴿ أنزلناه من السماء فاختلط به ﴾ : التف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا ﴿ نبات الأرض فأصبح هشيما ﴾ : يابسا مكسورا، ﴿ تذروه ﴾ : تفرقه وتطيره ﴿ الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ﴾ : قادرا.
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ ﴾ : اللذان يفتخر بهما الأغنياء ﴿ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ : لا زينة الآخرة ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾ أي : الأعمال الصالحة، و عن كثير من السلف إنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ﴿ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا ﴾ أفضل جزاء وثوابا ﴿ وَخَيْرٌ أَمًَلا ﴾، لأن صاحبها ينال ما يؤمل بها في الدنيا.
﴿ وَيَوْمَ ﴾ أي : اذكر يوم ﴿ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ﴾ : نقلعها ونسيرها كالسحاب ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ : ظاهرة قاعا صفصفا سطحا مستويا لا وادي فيها ولا جبل ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ ﴾ الواو للعطف أو للحال أي : وقد حشرنا جمع الخلق وأحييناهم قبل تسيير الجبال ليعاينوا ما أنكروا ﴿ فَلَمْ نُغَادِرْ ﴾ : لم نترك، ﴿ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾.
﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ ﴾ : كما يعرض الجند على السلطان ليأمر فيهم ﴿ صَفًّا ﴾ : مصطفين لا يحجب أحد أحدا ﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ﴾ حال من نسير أي : قائلين لهم ذلك، وجاز أن يكون تقديره : قلنا لهم ذلك فهو العامل في يوم نسير الجبال، ولا نقدر اذكر ﴿ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ : عراة بلا مال ولا ولد ﴿ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ﴾ للبعث، والجزاء والخطاب للبعض قيل بل للخروج من القصة إلى أخرى.
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ ﴾ أي : صحف الأعمال في أيمانهم وشمائلهم ﴿ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ﴾ : خائفين ﴿ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا ﴾ ينادون هلكتهم من بين الهلكات ﴿ مَا لِهَذَا الْكِتَابِ ﴾ تعجيبا من شأنه، ﴿ لا يُغَادِرُ ﴾ : لا يترك، ﴿ صَغِيرَةً ﴾ أي : هنة صغيرة من أعمالنا ﴿ وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ﴾ : عدها وحصرها ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ﴾ : في الصحف أو جزاء ما عملوا حاضرا عندهم ﴿ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾، فيكتب عليه ما لم يفعل أو بأن يعاقبه بما لم يفعل.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ ﴾ ذكره بعد ذكر صنيع المفتخرين بالأبناء، والأولاد ليعلموا أن الكبر من سنن إبليس، أو لما نفرهم عن الاغترار بزهرة الدنيا نبههم بقدم عداوة إبليس معهم ﴿ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ﴾ : استئناف كأنه قيل لم لم يسجد ؟ ! فقال : لأنه كان من الجن وقد مر خلاف بين السلف في أنه من الملائكة الذين يقال لهم الجن، أو من الجن حقيقة ﴿ فَفَسَقَ ﴾ : خرج، ﴿ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ : بترك السجود والفاء مشعر بأن سبب عصيانه كونه جنيا فإن الملك لا يعصى ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ ﴾ الهمزة للإنكار والتعجب أي أعقيب ما صدر منه تتخذونه ﴿ وَذُرِّيَّتَهُ ﴾ عن بعضهم هم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وقيل : يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين، ﴿ أَوْلِيَاء مِن دُونِي ﴾ : فتطيعونهم بدل طاعتي ﴿ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ﴾ : من الله إبليس وذريته.
﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي : ما أحضرت الشياطين زمان خلقي الدنيا لأستعين بهم فأنا المستقل بيس معي شريك فمالكم اتخذتموهم شركاء لي ! ﴿ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ : أعوانا، وفي وضع المضلين موضع الضمير ذم لهم واستبعاد للاعتصام بهم.
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ ﴾ أي : الله للكافرين :﴿ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ﴾ : أنهم شركائي أو أنهم شفعاؤكم ﴿ فَدَعَوْهُمْ ﴾ : للإغاثة ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا ﴾ : مهلكا فلا وصول لهم إلى آلهتهم، بل بينهما مهلك وعن بعضهم هو واد في النار أو نهر من قيح ودم، وعن بعض السلف أن ضمير بينهم إلى المؤمنين والكافرين أي نفرق نجعل بينهم حاجزا.
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا ﴾ : أيقنوا، ﴿ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ﴾ : مخالطوها واقعون فيها، فيكون ذلك من باب تعجيل حزنهم وغمهم ﴿ وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ : مكانا ينصرفون إليه.
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾ : بينا وكررنا ﴿ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ﴾ : الواضح المبين، ﴿ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ : يحتاجون إليه، ﴿ وَكَانَ الإنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ ﴾ : يتأتى منه الجدل ﴿ جَدَلا ﴾ : خصومة ومعارضة للحق بالباطل إلا من عصمه الله ونصبه بالتمييز.
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ ﴾ من ﴿ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى ﴾ : الرسول والقرآن ﴿ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ﴾ عطف على يؤمنوا أي : من أن يستغفروا ﴿ إِلا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ أي : إلا تقدير أن يأتيهم عذاب الاستئصال فإنه تعالى قدر عليهم العذاب فذلك هو المانع من إيمانهم، أو إلا طلب أن يأتيهم العذاب الموعود وأخذهم عن آخرهم كما قالوا :" فأسقط علينا كسفا من السماء. . " الآية ( الشعراء : ١٨٧ )، " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر " ( الأنفال : ٣٢ ). أو إلا انتظار أن تأتيهم كما يقال لمن حان له الرواح عن منزله وهو غير رائح : ما تنتظر إلا الهلاك ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبًُلا ﴾ عيانا وهو بضم القاف والباء لغة في قبلا بكسر القاف وفتح الباء أو جمع قبيل بمعنى أنواع.
﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ ﴾ : للمؤمنين، ﴿ وَمُنذِرِينَ ﴾ : للكافرين، ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِل ﴾ كما قالوا :" أبعث الله بشرا رسولا " ( الإسراء : ٩٤ )، " ولولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " ( الزخرف : ٣١ )، وأمثال ذلك ﴿ لِيُدْحِضُوا ﴾ : ليزيلوا، ﴿ بِهِ ﴾ : الجدال، ﴿ الْحَقَّ ﴾ الذي جاءهم عن مقره ويبطلوه ﴿ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي ﴾ الحجج والبراهين ﴿ وَمَا أُنذِرُوا ﴾ أي : ما أنذروه من العقاب أو ما مصدرية أي : إنذارهم ﴿ هُزُوًا ﴾ : استهزاء.
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ﴾ : بالقرآن، ﴿ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ﴾ تركها ولم يؤمن بها ولم يتفكر فيها ﴿ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ : ما سلف من معاصيه، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ : أغطية وغشاوة تعليل للإعراض والنسيان ﴿ أن يَفْقَهُوهُ ﴾ أي : كراهة أن يفهموه، ولما كان المراد بالآيات القرآن ذكر الضمير وأفرده ﴿ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾ : صمما وثقلا معنويا عن استماع الحق حق استماعه ﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ إذا جواب وجزاء كأن قوله :" إنا جعلنا على قلوبهم أكنة " في معنى لا تدعهم ثم نزل حرصه عليه الصلاة والسلام على إيمانهم منزلة قوله مالي لا أدعوهم فأجيب بقوله وإن تدعهم إلى الآخر.
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ﴾ : البليغ المغفرة، ﴿ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا ﴾ : من الذنوب، ﴿ لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ : في الدنيا، ﴿ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ ﴾ هو يوم القيامة وقيل : بدر ﴿ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ ﴾ : من دون الله في ذلك الموعد، ﴿ مَوْئِلا ﴾ : منجا، وقيل : لن يجدوا من دون ذلك الموعد ومن عنده منجا ومهربا.
﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى ﴾ أي : أصحابها أي قرى عاد وثمود وأضرابهم مرفوع بالمبتدأ وقوله :﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ خبره أو منصوب بشريطة التفسير ﴿ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾ بأن كفروا وعاندوا ﴿ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم ﴾ : لهلاكهم ﴿ مَّوْعِدًا ﴾ : وقتا معينا لا يزيد ولا ينقص فكذلك أنتم يا قريش احذروا أن يصيبكم ما أصابهم فقد ظلمتم مثل ما ظلموا، بل أشد ومن قرأ المهلك بكسر اللام أي : وقت هلاكهم أو مصدر كالمرجع والمحيص.
﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾ أي : واذكر إذ قال ﴿ مُوسَى لِفَتَاهُ ﴾ : يوشع بن نون كان يخدمه :﴿ لا أَبْرَحُ ﴾ حذف خبره للقرينة أي : لا أزال أسير ﴿ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ : ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق فإنه فيه موعد لقاء الخضر ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ : أو أسير دهرا أو عن بعضهم هو ثمانون أو سبعون سنة، أي : حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضى الحقب قيل : أو بمعنى إلا أن أمضي حقبا من الدهر فأتيقن معه فوات المجمع وقصته أن كليم الله قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي : الناس أعلم ؟ فقال : أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك فقال : يا رب كيف لي به ؟ قال : خذ حوتا فحيث ما فقدته فهو ثمه.
﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾ أي : البحرين ظرف أضيف إليه على الاتساع كشهادة بينكم أو بمعنى الوصل ﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾ نسى موسى أن يطلبه ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته، أو نسيا تفقده ﴿ فَاتَّخَذَ ﴾ : الحوت، ﴿ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ : مسلكا وهو مفعول ثان لاتخذ أي : أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه وقد نقل أنه حوت مملوح في مكتل وكان في ذاك المجمع نهر ماء الحياة، فوصل إلى الحوت قطرة منه فحيى.
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا ﴾ : مجمع البحرين ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ ﴾ : يوشع، ﴿ آتِنَا غَدَاءنَا ﴾ : ما نتغذى به ﴿ لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ : تعبا ولم يتعب موسى عليه السلام في سفر غيره فلهذا قيده باسم الإشارة، وعن بعضهم ما تعب إلا بعد مجاوزة المجمع.
﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ ﴾ : ما دهاني ﴿ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ﴾ : التي في الموضع الموعود ﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ ﴾ أي : ذكره ﴿ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ : بدل من الضمير ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ أي : سبيلا عجبا، وهو كالأول ثاني مفعولي اتخذ وقيل : تقديره أعجب عجبا، قاله يوشع في آخر كلامه تعجبا.
﴿ قَالَ ﴾ : موسى، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي : أمر الحوت ﴿ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾ : نطلبه فإنه أمارة الظفر بالطلبة ﴿ فَارْتَدَّا ﴾ : رجعا، ﴿ عَلَى آثَارِهِمَا ﴾ : طريقهما : طريقها الذي جاء فيه ﴿ قَصَصًا ﴾ : يقصان أو حال بمعنى مقتصين.
﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا ﴾ : هو خضر وكان مسجى بثوب فسلم موسى عليه فقال : وأني بأرضك السلم ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا ﴾ : علم الباطن إلهاما من رحمتنا. قال البغوي وغيره : أكثر أهل العلم على أنه كان نبيا بل كان وليا ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾ مما يختص بنا لا يحصل بالكسب ﴿ عِلْمًا ﴾.
﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾ بعد أن قال له الخضر : من أنت ؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم. ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ ﴾ أصاحبك ﴿ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ ﴾ حال من مفعول أتبع ﴿ مِمَّا عُلِّمْتَ ﴾ مفعول تعلمن ومفعول علمت ضمير محذوف عائد إلى ما والصيغتان من علم الذي بمعنى عرف ﴿ رُشْدًا ﴾ أي : علما ذا رشد فحذف المضاف أو مفعول له لأتبعك ولا نقص أن يكون نبي يتعلم من غيره في غير أصول الدين وفروعه فإنه لابد أن يكون أعلم أهل زمانه فيهما لا في غيرهما وقد نقل أنه قال الخضر : كفاك بالتوراة علما. فقال له موسى : إن الله أمرني بهذا فجئتك.
﴿ قَالَ ﴾ : الخضر ﴿ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ لما ترى من الأفعال التي تخالف شريعتك.
﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ أي : وكيف تصبر وأنت نبي على أمور لم يحط ببواطنها خبرك وظواهرها مناكير، فنصب خبرا على التمييز أو مصدر ؛ لأن " لم تحط " بمعنى لم تخبر.
﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا ﴾ : معك، ﴿ وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ عطف على صابرا أي : غير عاص أو عطف على ستجدني.
﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ ﴾ : لا تفاتحني بالسؤال عما صدر عني ﴿ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ أي : حتى أكون أنا الفاتح عليك.
﴿ فَانطَلَقَا ﴾ : على الساحل يطلبان سفينة ﴿ حَتَّى إِذَا ركبا في السفينة خرقها ﴾ : عرف أهل السفينة الخضر وحملوهما بغير نول، فأخذ الخضر قدوما وقلع من ألواح السفينة لوحا ﴿ قال ﴾ : موسى :﴿ أخرقتها لتغرق ﴾ قيل : اللام لام العاقبة لا لام التعليل ﴿ أهلها لقد جئت شيئا إمرا ﴾ : عظيما من أمر الأمر إذا عظم.
﴿ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال ﴾ : له موسى :﴿ لا تؤاخذني بما نسيت ﴾، ما يحتمل الموصولية والمصدرية يعني نسيت وصيتك ولا مؤاخذة على الناسي، وفي الحديث الصحيح كانت الأولى من موسى نسيانا ﴿ ولا ترهقني ﴾ : لا تغشني، ﴿ من أمري عسرا ﴾ : بالمؤاخذة على المنسي وعسرا ثاني مفعوليه يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه.
﴿ فانطلقا ﴾ بعدما خرجا من السفينة ﴿ حتى إذا لقيا غلاما ﴾ : يلعب مع الغلمان، وكان أحسنهم ﴿ فقتله ﴾ : الخضر بأن أخذ رأسه فاقتلعه، أو ذبحه أو ضرب رأسه بحجر ﴿ قال أقتلت نفسا زكية ﴾ : طاهرة من الذنوب فإنه صغير ﴿ بغير نفس ﴾ أي : لم تقتل نفسا وجب عليها القتل ﴿ لقد جئت شيئا نكرا ﴾ : منكر لما كان هذا أقبح بحسب الظاهر بالغ في إنكاره.
﴿ قال ألم أقل لك ﴾ زاد في هذه المرة لك زيادة لعتابه على رفض وصيته وقلة صبره ﴿ إنك لن تستطيع معي صبرا ﴾.
﴿ قال إن سألتك عن شيء بعدها ﴾ سؤال اعتراض وإنكار ﴿ فلا تصاحبني فد بلغت ﴾ : وجدت، ﴿ من لدني ﴾ : من قبلي، ﴿ عذرا ﴾ : لما خالفتك مرارا وفي الحديث :" رحمة الله علينا وعلى موسى لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ".
﴿ فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾ هي أنطاكية، وقيل أيلة ﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾ : سألاهم الطعام ﴿ فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ﴾ استعار الإرادة للمداناة والمشارفة، كما استعير الهم والعزم لذلك، يقال : عزم السراج أن إذا قرب، وانقض : إذا أسرع سقوطه، ﴿ فَأَقَامَهُ ﴾ قال : بيده فأقامه أو هدمه فبناه ﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ ﴾ : أن تأخذ جعلا ﴿ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ والتاء من تخذ أصل كتبع، وليس من الأخذ يعني : قد علمت أنا جياع حتى افتقرنا إلى المسألة، فما وجدنا مواسيا فلو أخذت على عملك أجرا.
﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾ إشارة إلى الفراق الموعود فقوله : لا تصاحبي كهذا أخي إشارة إلى الأخ، أو إشارة إلى السؤال الثالث أي : هذا الاعتراض سبب فراقنا، أو إشارة إلى الوقت أي : هذا وقت فراقنا، وإضافة إلى البين من إضافة المصدر إلى الظرف للاتساع ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾.
﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ﴾ قيل : فيه دليل على أن المسكين يطلق على ما لا يملك شيئا يكفيه ﴿ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ : أجعلها ذات عيب ﴿ وَكَانَ وَرَاءهُم ﴾ أي : أمامهم ﴿ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ ﴾ : صالحة ﴿ غَصْبًا ﴾ نصب بالحال أو بالمفعول له.
﴿ وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا ﴾ : يغشيهما ﴿ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ يعني : يحملهما حبه على متابعته على الفساد والكفر، وفي الحديث :" الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا " .
﴿ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ﴾ : يرزقهما بدله ولدا ﴿ خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً ﴾ : طهارة وتقوى ﴿ وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ : رحمة وعطفا على والديه عن كثير من السلف : أبدلهما الله جارية : فقيل : تزوجها نبي وولدت نبيا هدى الله به أمة من الأمم، و عن ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملا بغلام مسلم، ونصب رحما و زكاة على التمييز.
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ أي : في تلك المدينة ﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ﴾ أي : ما وعن كثير من السلف أنه لوح من ذهب مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ ! عجبا لمن آمن بالقدر كيف ينصب ؟ ! عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ؟ ! عجبا لمن أيقن بالحسنات كيف يعقل ؟ !عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن ؟ ! لا إله إلا الله محمد رسول الله* وفي بعض الروايات : عجبا لمن عرف النار كيف يضحك ؟ ! وقيل : مكتوب في الجانب الآخر أنا الله لا إله إلا أنا و حدي لا شريك لي خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير فأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه، وعن بعض السلف أنه كنز علم. قيل : لا منافاة بين الأقوال ؛ لأن اللوح الذهبي هو مال، وما كتب في كنز علم ﴿ وكان أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ كان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء وكان نساجا، ويعلم منه أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا ﴾ : حلمهما وكمال رأيهما ﴿ وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾ ولو سقط الجدار لتلف الكنز ﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ نصب على المفعول له، ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ ﴾ أي : ما رأيت ﴿ عَنْ أَمْرِي ﴾ : رأيي واختياري، بل فعلته بأمر الله ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تستطع ﴾ أي : تستطع حذف التاء تخفيفا ﴿ عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾ بعث قريش إلى الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : سلوه عن رجل طاف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح. فنزلت سورة الكهف، والمشهور أنه الإسكندر الرومي، وما يعلم من تاريخ الأرزقي وغيره أنه غيره، وهذا الرومي كان قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة ووزيره أرسطاطاليس الفيلسوف، وأما هذا الإسكندر فقد كان في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وطاف بالبيت معه ووزيره الخضر ووجه تسميته أنه كان صفحتا رأسه من نحاس، وقد صح عن علي أنه قال : كان عبدا ناصح الله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيمن فمات، فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فسمي ذا القرنين، أو لأنه بلغ طرفي الدنيا من حيث تطلع قرنا الشمس وتغرب ﴿ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم ﴾ : أيها السائلون، ﴿ مِّنْهُ ﴾ من ذي القرنين ﴿ ذِكْرًا ﴾.
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُّ ﴾ : أمره، ﴿ فِي الأرْضِ ﴾ : بأن تصرف فيها كيف شاء ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ : أراده، ﴿ سَبَبًا ﴾ وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.
﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ يوصله إلى المغرب.
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ أي : رأى الشمس في منظره تغرب في عين ذات حمئة أي : طين أسود، ومن قرأ حامية، أي : حارة والجمع بين القراءتين أن تكون العين جامعة للوصفين ﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا ﴾ : عند تلك العين ﴿ قَوْمًا ﴾ أمة عظيمة من الأمم كفار ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ ﴾ : بقتلهم وسبيهم ﴿ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ : بإرشادهم وتعليمهم الشرائع أو بالمن والفداء ؟ أو بأسرهم ؛ فإنه إحسان في جنب القتل.
﴿ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ ﴾ : بأن يصر على الكفر ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ : بالقتل في الدنيا ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ ﴾ إشارة إلى الحشر والبعث ﴿ فَيُعَذِّبُهُ ﴾ : الله في الآخرة ﴿ عَذَابًا نُّكْرًا ﴾ : منكرا لم يعهد مثله.
﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى ﴾ أي : فله المثوبة الحسنى، وجزاء تمييز أو حال أي : مجزيا بها أو تقديره يجزى بها جزاء ومن قرأ برفع جزاء أي فله أن يجازى المثوبة الحسنى وهي الجنة، أو جزاء فعلته الحسنى وهي أعماله الصالحة ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ : لا نأمره بالصعب الشاق، بل بالسهل المتيسر أي : ذا يسر.
﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ : طريقا إلى المشرق.
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ﴾ أي : الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولا، ومن قرأ بفتح اللام فهو بحذق مضاف أي : مكان طلوعها فإن المطلع مصدر ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا ﴾ : من دون الشمس ﴿ سِتْرًا ﴾ ليس لهم أبنية تكنهم فإن أرضهم لا تمسك الأبنية ولا أشجار تظلهم، فهم حين طلوع الشمس في أسراب أو في ماء فإذا زالت خرجوا.
﴿ كَذَلِكَ ﴾ خبر مبتدأ أي : أمره كما وصفنا في رفعه أو أمره كأمره في أهل المغرب، أو صفة قوم أي : تطلع على قوم مثل ذلك القبيل أي : أهل المغرب أو صفة : مصدر محذوف أي : بلغ مطلعها بلوغا مثل بلوغه مغربها ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ ﴾ من أسبابه ﴿ خُبْرًا ﴾ : علما ؛ لأنا أعطيناه ذلك، فيه تكثير ما لديه كأنه بلغ مبلغا لا يحيط به علم أحد إلا علم الله.
﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ : طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب وهو الشمال.
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ أي : بين الجبلين المبني بينهما السد، وهما جبلان عاليان في أقصى الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج، والصحيح أنهم من أولاد آدم وبين هاهنا مفعول به، فإنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفا ﴿ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ﴾ يعني لعجمهم وقلة فطانتهم لا يفهمون كلام أحد، ومن قرأ بضم الياء وكسر القاف أي : لا يفهمون السامع لغرابة لغتهم.
﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ عن بعض السلف أنه يعلم جميع الألسنة ﴿ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ أي : في أرضنا بأنواع المفاسد ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ : جعلا نخرجه من أموالنا ﴿ عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ : فلا يمكن لهم الوصول إلينا.
﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي ﴾ : من المال والملك ﴿ خَيْرٌ ﴾ من خراجكم لا حاجة بي إليه ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ أي : بأيديكم و قوتكم وآلات بنائكم لا بمالكم ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ حاجزا حصينا.
﴿ آتوني زبر الْحَدِيدِ ﴾ أي : قطعة، والزبرة : القطعة الكبيرة ﴿ حَتَّى إِذَا ساوى ﴾ أي : فجاءوا بها حتى إذا ساوى ﴿ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ الصدفان : جانبا الجبلين ؛ لأنهما يتصادفان أي : يتقاربان أي : امتلأ بينهما من زبر الحديد ﴿ قَالَ ﴾ : للعملة ﴿ انفُخُوا ﴾ فإنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ ﴾، الضمير للمنفوخ فيه ﴿ نَارًا ﴾ أي : كالنار بالإحماء ﴿ قَالَ آتُونِي ﴾ : قطرا ﴿ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ أي : نحاسا مذابا على الحديد المحمي حتى التصق بعضه ببعض، فحذف مفعول آتوني لدلالة الثاني عليه.
﴿ فَمَا اسْطَاعُوا ﴾ بحذف التاء ﴿ أَن يَظْهَرُوهُ ﴾ : يعلوه لطوله وملامسته ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ : من أسفله لشدته.
﴿ قَالَ ﴾ : ذو القرنين، ﴿ هَذَا ﴾ أي : السد ﴿ رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ﴾ : على عباده ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي ﴾ أي : وقت وعده بقيام الساعة أو بخروجهم ﴿ جَعَلَهُ دَكَّاء ﴾ أي : أرضا مستوية ومن قرأ " دكا " بغير مد يكون مصدرا بمعنى المفعول أي : مدكا مسوى بالأرض ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ كائنا البتة.
﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ ﴾ أي : بعض يأجوج ومأجوج ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ : يوم فتح السد ﴿ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾ : يختلط بعضهم ببعض كموج الماء لكثرتهم، أو جعلنا بعض الخلق من الإنس والجن يوم قيام الساعة يختلط إنسهم بجهنم حيارى ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ : قرن ينفخ فيه إسرافيل لقيام الساعة ﴿ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾ : للحساب.
﴿ وَعَرَضْنَا ﴾ : أبرزنا وأظهرنا ﴿ جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴾ : فعاينوها.
﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء ﴾ : غشاوة، ﴿ عَن ذِكْرِي ﴾ عن رؤية آياتي الدالة على توحيدي ﴿ وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ : لكلامي كأنهم أصمت مسامعهم بالكلية.
﴿ أَفَحَسِبَ ﴾ همزة الاستفهام للإنكار ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي ﴾ : كالملائكة وعيسى أو الشياطين ﴿ مِن دُونِي أَوْلِيَاء ﴾ : معبودين وثاني حسب محذوف للقرينة أي : ظنوا اتخاذهم معبودين نافعا لهم ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا ﴾ أي : منزل أو ما يهيأ للضيف حين نزوله مما حضر، وفيه تنبيه على أن لهم وراءها عذابا أشد.
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ﴾ تمييز وجمعه لتنوع الأعمال.
﴿ الَّذِينَ ضَلَّ ﴾ أي : هم الذين بطل وضاع ﴿ سَعْيُهُمْ ﴾ أو نصب على الذم ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ : لاعتقادهم أنهم على الحق.
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ : الدالة على توحيده ﴿ وَلِقَائِهِ ﴾ : بالبعث ﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ : بسبب كفرهم ﴿ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ : ليس لهم خطر ولا مقدار ولا اعتبار عند الله.
﴿ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ ﴾ مبتدأ وخبر ﴿ جهَنَّمُ ﴾ عطف بيان للخبر، أو هو خبر وجزاؤهم بدل من المبتدأ أو تقديره : الأمر ذلك والجملة مبنية له ﴿ بِمَا كَفَرُوا ﴾ ما مصدرية ﴿ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ ﴾ هي أوسط الجنة وأعلاها، ومنه تفجر الأنهار ﴿ نُزُلا ﴾ فيه تفسيران كما مر.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ حال مقدرة ﴿ لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا ﴾ : تحولا إذ لا يتصورون منزلا أطيب منها.
﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ ﴾ أي : ماء البحر ﴿ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾ : لكلمات علمه وحكمته ﴿ لنفذ البحر ﴾ أي : ماؤه ﴿ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾ فإن ماء البحر متناه وعلم الله غير متناه ﴿ ولو جِئْنَا بِمِثْلِهِ ﴾ : بمثل البحر الموجود ﴿ مَدَدًا ﴾ : زيادة معونة ؛ لأن المجموع أيضا متناه نزلت حين قالت اليهود : إنا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، ثم تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أو لما نزلت :{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " قالت اليهود أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فنزلت { قل لو كان البحر " الآية
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ خصصت بالوحي وتميزت عنكم به ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ ﴾ يخاف المصير إليه أو يأمل لقاء الله ورؤيته ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ﴾ وهو ما كان موافقا لشرع الله ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحدا ﴾ أي : لا يرائي بعمله بل لابد أن يرد به وجه الله وحده لا شريك له.
والحمد لله رب العالمين أكمل الحمد وأتمه
( * ) أخرج البزار هذا الأثر في مسنده من حديث أبي ذر مرفوعا بسند فيه مجهولان كما في المجمع للهيثمي ( ٧/٥٤ ).