ﰡ
(١) - قَاف - اللهُ أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
يُقسِمُ تَعَالى بالقُرآنِ المَجِيدِ، الكَثِير الخَيْرِ والبَرَكَةِ، عَلَى أنَّ مُحَمَّداً هُوَ مِنَ المُرسَلِينَ.
(وَقَدْ حُذِفَ المُقَسمُ عَلَيهِ لِوُضُوحِ الدَّلاَلَةِ عَلَيه، وَلِوُرُودِهِ في غَيْرِ مَكَانٍ مِنَ القُرآنِ، فَقَدْ جَاء في سُورة يس: ﴿يسا والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ وَقَوُلُهُ تَعَالى: ﴿بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ.﴾
(٢) - لَقَدْ تَعَجَّبَ المُشْرِكُونَ مِنْ إرْسَالِ رَسُولٍ إليهْم مِنَ البَشَرِ، وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ الأمُورِ التي تَسْتَحِقُّ الدَّهْشَةَ والتَّامُّلَ. وَقال المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيشٍ: إنَّهُ لَشَيءٌ عَجِيبٌ أنْ يأتِيَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِرِسَالَةٍ مِنَ اللهِ إليهِمْ.
(٣) - أبَعْدَ أنْ نَمُوتَ وَتَبْلَى عِظَامُنا، وَتُصبحَ تُراباً نَرْجِعُ إلى الحَيَاةِ، وَتَرجِعُ أجسَامُنَا كَما كَانَتْ عَلَيهِ مِن بُنْيةٍ وَتَركِيبٍ؟ إنَّ ذَلِكَ الرُّجوعَ بَعدَ الموتِ أمرٌ بَعيدُ الوُقُوعِ، وَلا يُصَدِّقُه العَقْلُ.
رَجْعٌ بَعِيدٌ - رُجُوعٌ إلى الحِيَاةِ غيرُ مُمكِنٍ.
(٤) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَى هَؤُلاءِ المُشْرِكينَ المُكَذِّبِينَ بِالبَعْثِ والنَّشُورِ مُخبِراً أنَّهُ يَعْلَمُ مَا تأكُلُ الأَرْضُ مِنْ أجْسَادِ مَوْتَاهُمْ، وَعِظْامِهمْ، وَلاَ يَخْفى عَليهِ أينَ تَفَرَّقتْ ذَرَّاتُ أجْسَادِهِمْ، وأنَّ لَدَيهِ تَعالى كِتَاباً يَحْفَظُ كُلَّ شَيءٍ، وَيَضْبُطُ مَا يَعْلَمُ أتمَّ الضَّبْطِ.
مَرِيجٍ - قَلِقٍ مُضْطَرِبٍ.
(٦) - وَيَلْفِتُ اللهُ تَعَالى نَظَرَ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ بِوُقُوعِ البَعْثِ إلى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيها مِنْ كَواكِبَ تُزَيِّنُها وَمَا في خَلْقِها مِن إِتْقَانٍ وَإِبْداعٍ، وَيَقُولُ لَهُمْ: أفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّماءِ فَوْقَهُم كَيفَ رَفَعَها اللهُ بِلا عَمَدٍ، وَزَيَّنَها بالكَواكِبِ لِيُدِرْكُوا أنَّ مَنْ أحْسَنَ خَلْقَها لَقَادِرٌ على إحْياءِ المَوْتى بَعْدَ فَنَاءِ أجْسَادِهِمْ لأنَّ خَلْقَ السَّماواتِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في آيةٍ أخْرَى.
فُرُوجٍ - شُقُوقٍ وَفُتُوقٍ.
(٧) - ثُمَّ لَفَتَ اللهُ تَعَالى نَظَرَ هَؤُلاءِ المُشْرِكِين إلى خَلْقِ الأرْضِ وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ وَجِبَالٍ وأنْهارٍ وَنَبَاتَاتٍ، فَقَالَ: أفَلَم يَنْظُرْ هؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ، إلى الأرضِ، كَيفَ مَدَّهَا اللهُ، وَبَسَطَها أمَامَ الأعيُنِ، وَجَعَل فِيها جِبَالاً ثَوابِتَ لِئلاَّ تَمِيدَ بِمَنْ عَلَيها مِنَ الخَلْقِ، وَلَكِيْلاَ تَضْطَربَ بِهِمْ، وَكَيفَ أنْبَتَ فِيها مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أصْنَافِ النَّبَاتَاتِ، بَهيجٍ حَسَنِ المَنْظَرِ.
زَوْجٍ - صِنْفٍ.
بَهِيجٍ - حَسَنِ المَنْظَرِ يُبْهِجُ النُّفُوسَ.
مَدَدْنَاهَا - بَسَطْنَاهَا.
رَوَاسِيَ - جِبَالاً ثَوَابِتَ.
عَبْدٍ مُنِيبٍ - مُذْعِنٍ لِرَبِّهِ أوْ رَاجِعٍ إليهِ.
تَبْصِرَةً - وَسِيلَةً لِلتَّبَصُّرِ - عِظَةً وَعِبْرَةً.
(٩) - وَأنْزَلَ اللهُ تَعَالى مِنَ السَّماءِ مَاءً كَثِيرَ النَّفْعِ والخَيرِ (مُبَارَكاً)، فَأنبَتَ بهِ البَسَاتِينَ، وَالحَدَائِقَ، وَالنَّبَاتَاتِ التي تُزرَعُ لِتُحْصَدَ ويُجمَعَ حَبُّها كَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ..
حَبَّ الحَصِيدِ - حَبَّ الزَّرْعِ الذِي يُحْصَدُ.
(١٠) - وَأنْبَتَ اللهُ تَعَالى بِهَذَا المَاءِ الذِي أنْزَلَهُ مِنَ السَّماءِ أيْضاً أشْجَارَ النَّخِيلِ البَاسِقَةَ العَالِيَةَ التي لَهَا طَلْعٌ مَنْضُودٌ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
النَّخْلَ بَاسِقَاتٍ - طِوَالاً أوْ حَوَامِلَ.
طَلْعٌ - ثَمَرٌ في وِعَائِهِ.
نَضِيدٌ - مُنَضَّدٌ وَمُتَرَاكِمٌ، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ؟
وَكَمَا أخْرَجَ اللهُ النَّبَاتَاتِ وَالأشْجَارَ مِنَ الأرْضِ المَواتِ بإنزالِ المَطَرِ عَلَيها، كَذَلِكَ يُخْرِجُ اللهُ الأموَاتَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيُحيِيِهمْ، وَيُعِيدُ خَلْقَ أجْسَادِهِمْ، وَلا شَيءَ يَسْتَعْصِي عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالى.
كَذِلِكَ الخُرُوجُ - كَذَلِكَ يُخْرِجُ الأمواتَ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوَمَ القِيَامَةِ.
(١٢) - بَعْدَ أنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى تَكْذِيبَ الأمَمِ الخَالِيَةِ، أشَارَ هُنَا إلى مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عِقَابٍ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِم، وَتَمادِيهِمْ في الضَّلاَلَةِ والتَّكْذِيبِ لِرُسُلِ اللهِ، واسْتَهْزائِهِم بِمَا أنْذَرَهُم بهِ رُسُلُهُمْ مِنْ عَذاب اللهِ، وَهُوَ بِذَلِكَ يُهدِّدُ مُشْرِكي قُريشٍ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ أنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بالمُكَذِّبِينَ مِنَ الأمَمِ الخَالِيَةِ.
وَأخبَرَ تَعَالى: أنّ قَوَمَ نُوح كَذَّبُوا رَسُولَهُم نُوحاً فأغْرَقَهُم اللهُ بالطُّوفَان. وَكَذَّبَ أصْحَابُ الرَّسَّ رَسُولَهُمْ فَأهلَكَهُمُ اللهُ. وَكَذَّبَتْ ثَمُودُ رَسُولَهُمْ صَالِحاً فأهْلَكَهُمُ اللهُ بالصِّيَحَةِ.
أصْحَابُ الرَّسَّ - أصْحَابُ البِئْرِ.
(١٣) - وَكَذَّبَتْ عَادٌ رسُولَهُم هُوداً فأهْلَكَهُم اللهُ، بالرِّيحِ العَقِيم، وَكَذَّبَ فِرْعَونُ مُوسَى وَهَارُونَ فأغْرقَه اللهُ وَقَوْمَهُ في البَحْرِ. وَأهْلَكَ اللهُ تَعَالى قَوْمَ لُوطٍ بَعْدَ أنْ أصَرَّوا عَلَى الكُفْرِ والفُسُوقِ وَإتيَانِ الفَاحِشَةِ، فَجَعلَ اللهُ عَاليَ بِلادِهِمْ سَافِلَهَا.
(١٤) - وَكَذَّبَ أصْحَابُ الأيْكَةِ (وَهُمْ قَوْمُ شُعَيِبٍ)، رَسُولَهم شُعَيْباً فَأهْلَكَهُمُ اللهُ بالرَّجْفَةِ، وَعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ. وَكَذَلِكَ أهْلَكَ اللهُ تَعَالى قَوْمَ تُبَّعٍ لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ رَبَّهِمْ، وَإقَامَتِهِمْ عَلَى الكُفْرِ وَالضَّلالِ.
وَكُلُّ هَؤلاءِ الأقوَامِ كَذَّبوا رَسُلَ اللهِ فيما جَاؤُوهُمْ بِهِ، فَحَقَّ عَلَيهِمْ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا أوْعَدَهُمْ بهِ اللهُ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ.
أصْحَابُ الأيْكَةِ - أصْحَابُ الغَيظَةِ الكَثِيفَةِ المُلْتَفَّةِ الأشْجَارِ وَهُمْ قَوْمُ شُعَيبٍ.
(وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: يَقُولُ اللهُ تَعَالى: " يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: لَنْ يَعِيدَنِي كَمَا بَدأني، وَلَيسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ ").
أَفَعَيِينَا - أفَعَجِزْنَا عَنْهُ؟ كَلاَّ.
في لَبْسٍ - في شَكٍّ وَشُبَهَةٍ.
(١٦) - يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِ الأمْواتِ مِنَ القُبُورِ يَوْمَ القيَامَةِ، بأنَّهُ الذِي خَلَقَ الإنسَانَ، وأنْشَأهُ مِنْ عَدَمٍ، وَأنَّهُ عَالِم بِجَمِيعِ أحْوَالِهِ وَأعْمَالِهِ وَأمُورِهِ، حَتَّى إنَّه لَيَعْلَمُ مَا يَتَرَدَّدُ في نَفْسِهِ مِنْ فِكْرٍ، وَمَا تُحَدَّثُهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلٍ، خَيْراً كَانَ أوْ شَرّاً.
(وَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَم تَقُلْ أوْ تَفْعَلْ ").
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى: إنَّ الإِنسَانَ تَحْتَ سُلْطَانِ اللهِ وَقَهْرِهِ، وَإِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ المُكَلَّفِينَ بِحِفْظِ الإِنسَانِ وَإِحْصَاءِ أعْمَالِهِ هُمْ مُلازِمُونَ لَهُ دَائماً، حَتَّى إنَّهم بِالنِّسْبَةِ إليهِ أقْرَبُ مِنَ الوَرِيدِ الذِي يَمْتَدُّ في عُنُقهِ.
حَبْلِ الوَرِيدِ - عِرْقٍ كَبيرٍ في العُنُقِ.
قَعِيدٌ - قَاعِدٌ.
عَتِيدٌ - جَاهِزٌ وَمُهَيَّأ لِلْكِتَابَةِ.
رَقيبٌ - مُرَاقِبٌ.
سَكُرَةُ المَوْتِ - شِدَّتُهُ وَغَمْرَتُهُ.
تَحِيدُ - تَفِرُّ مِنْهُ وَتَهرُبُ.
(٢١) - وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ رَبَّها وَمَعَهَا سَائِقٌ يَسُوقُها إليهِ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيها بِمَا عَمِلَتْ في الدُّنيا مِنْ خَيرٍ وَشَرٍّ.
الغْطَاءُ - الحِجَابُ - وَهُوَ حِجَابُ الغَفْلَةِ عَنِ الآخِرَةِ.
(وَقَيْلَ إِنَّ المُرادَ بالقَرِينِ هُنَا الشَّيطَانُ الذِي كَانَ مُقَيَّضاً لهُ في الحَيَاةِ الدُّنيا. وَهُوَ مَا تَدُلُّ عَليهِ الآيةُ ٢٧ التَّالِيةُ).
عَتِيدٌ - مُعَدٌّ - حَاضِرٌ وَمُهَيَّأٌ لِلْعَرْضِ.
عَنِيدٍ - شَدِيدِ العِنَادِ وَالمُجَافَاةِ لِلْحَقِّ.
مُعْتَدٍ - ظَالِمٍ مُتَجَاوِزٍ الحَدَّ.
مُرِيبٍ - شَاكٍّ في اللهِ وَدِينِهِ - أوْ مُثِيرٍ للشَّكِّ والرِّيبَةِ.
(٢٦) - وَقَدْ أشْرَكَ باللهِ فَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرهُ. ثُمَّ يُكَرِّرُ تَعَالَى الأمْرَ لِلْمَلكَينِ، السَّائِقِ والشَّهِيدِ، بأنْ يَقْذِفا هَذا المُسْتَحِقَّ لِلعَذابِ في نارِ جَهَنَّمَ لِيَذُوقَ العِذَابَ الشَّدِيدَ المُؤْلِمَ.
(٢٧) - وَيُحَاوِلُ الكَافِرُ أنْ يَعْتَذِرَ للرَّبِّ العَظِيمِ عَنْ كُفْرِهِ وَمُعَانَدَتِهِ وَطُغْيَانِهِ، فَيَقُولُ للرَّبِّ: إنَّ قَرِينَهُ الشَّيْطَانَ أطغَاهُ، وَزَيَّنَ لهُ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ، فَيَرُدُّ عَليهِ قرينهُ قَائِلاً للرَّبِ الكَريمِ: إنَّه لم يَحْمِلْهُ عَلى الضَّلالِ والطُّغْيَانِ، وَإنَّما كَانَ هُوَ نَفْسُهُ مُغْرِقاً في الضَّلاَلةِ ومُعَانَدَةِ الحَقِّ، فَسَارَ في الطَّرِيقِ الذِي يَتَّفِقُ مَعَ هَوَى نَفْسِهِ.
أطْغَيْتُهُ - حَمَلْتُهُ عَلَى الطُّغْيَانِ.
(٢٩) - لا يُبَدِّلُ القَضَاءُ الذِي قَضَيْتُهُ بَيْنَ العِبَادِ، وَأنَا لاَ أظْلمُ أحَداً من عِبَادِي، فَلا أُعَذِّبُ أحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَلا أُحمِّلُ نَفْساً ذَنْباً ارْتَكَبَهُ غَيْرُها، وَلاَ أعذِّبُ أحَداً إلاَّ بِذَنْبِهِ، وَبَعْدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيهِ.
أُزْلِفَتْ - قُرِّبَتْ وأدنِيَتْ.
مُنِيبٍ - مُخْلِصٍ مُقْبِلٍ على طَاعَةِ اللهِ.
(٣٤) - وَيُقَالُ لهؤلاءِ الأبرارِ المُكَرَّمِينَ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ سَالِمِينَ مِنَ العَذَابِ وَالهُمُومِ وَالخَوفِ، واطْمَئِنُّوا وَقَرُّوا عَيناً فَهَذا يَوْمُ الخُلُودِ في هذا النَّعِيمِ، فَهُو دَائِمٌ عَلَيكُم لاَ تَحُولُونَ عَنْهُ وَلا تَزُولُونَ، وَلاَ أَنْتُمْ مِنْهُ تُخْرَجُونَ.
(٣٥) - وَلَهُم فيها مَا يَطْلُبُونَ وَمَا يَشْتَهُونَ، ثُمَّ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فَوْقَ مَا سَألوا ممَّا لمْ يَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ.
(٣٦) - وَكَثيراً مِنَ الأمَمِ الخَالِيَةِ أهْلَكَها اللهُ تَعَالَى، وَكَانُوا أشَدَّ مِنْ كُفَّارِ قُريشٍ بَطْشاً، وأكثرَ مِنْهُم قُوَّةً، وَسَلَكُوا في الأرضِ كُلَّ مَسْلَكٍ، وَسَاروا في كلِّ طَريقٍ يَطُوفُونَ في البِلاَدِ طَلباً للرِّزقِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَهْربٌ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وأمْرهِ حِينَما جَاءَهُمْ، فَلْيَحْذَرَ كُفَّارُ قُريشٍ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُمَا نَزَلَ بِتْلِكَ الأُمَمِ الخَالِيَةِ مِنَ العِذَابِ والدَّمَارِ.
كَمْ أهْلَكْنا - كَثِيراً مَا أهْلَكْنا.
قرْنٍ - أمَّةٍ.
بَطْشاً - قُوَّةً أوْ أخْذاً شَدِيداً.
نَقَّبُوا - طَوَّفُوا.
مَحيصٍ - مَهْرَبٍ.
شَهِيدٌ - حَاضِرُ القَلْبِ.
(٣٨) - يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى لِهؤُلاءِ المُكَذَّبِينَ بالبَعْثِ أنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ أنْ يَصِيرُوا عِظَاماً نَخِرَةً بَالِيَةً، فَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيَّامٍ، وَلَم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ، وَلم يُعْجِزهُ خَلْقُ شَيءٍ فِيهِنَّ، وَلَمْ يَمَسَّهُ تَعَالى إعياءٌ وَلاَ تَعَبٌ.
(وفي هذا تَكْذِيبٌ لمَا يَعْتَقِدُهُ اليَهُودُ مِنْ أنَّهُ تَعَالى خَلَقَ السَّمَاوِاتِ وَالأرضَ في سِتَّةِ أيامٍ، وَاسْتَرَاحَ في اليَومِ السَّابعِ).
لَغُوبٍ - تَعَبٍ وَإعْيَاءٍ.
(٤٠) - وَسَبِّحْ رَبَّكَ وَنَزِّهْهُ واحْمَدْهُ في آنَاءِ اللْيلِ، وَبَعْدَ أدَاءِ الصَّلَواتِ أدْبَارَ السُّجُودِ - أعْقَابَ الصَّلَوَاتِ.
الصَّيْحَةَ - النِّدَاءَ أوْ صَيْحَةَ البَعْثِ أوِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ في الصُّورِ.
تَشَقَّثُ - تَتَصَدَّعُ.
سِراعاً - مُسْرِعينَ إلى الدَّاعِي.
(٤٥) - يُسلِّي اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ الكَريمَ عَمّا يُلاقيهِ مِنْ تَكْذِيبِ المُكَذِّبينَ، وَمُعَانَدَةِ المُعَانِدِينَ، فَيَقُولُ لَهُ: إنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِمَا يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ مِن افتراءٍ، وَتَكذِيبٍ، واستِهْزاءٍ، وَمِنْ إنكَارٍ لِلبَعْثِ، وَمَا أَنْتَ إلا رَسُولٌ مُكَلَّفٌ بإبلاغِهِم مَا أمرَكَ بِهِ رَبُّكَ، وَمَا أنتَ بِمُسَلَّطٍ عَلَيهِم لِتُجْبِرَهُم عَلَى الإِيمانِ، فَذَكِّر بالقُرآنِ مِنْ يَخَافُ وَعِيدَ اللهِ، الذِي أنْذَرَ بهِ العُصَاةَ، فَهُو الذِي يَتضذَكَّررُ وَيَنْتَفِعُ بالتَّذَكُّر.
جِبَّارٍ - مَنْ يَسْتَطِيعُ غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِ مَا يُرِيدُ.