تفسير سورة الرحمن

التفسير المنير
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب التفسير المنير .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

والأرض ذات الفواكه والثمار والأشجار، والزروع والرياحين، مع الإشارة إلى خلق عالم آخر غير مادي ولا ملموس وهو الجنّ.
وأضاف إلى ذلك آية على قدرته الباهرة بالفصل بين البحر المالح والعذب، وإخراج اللؤلؤ والمرجان من الماء المالح، كإخراج الحب والعصف والريحان من التراب، وتسيير السفن في أعالي البحار.
ثم يطوى عالم الكون البديع بالفناء الحتمي، ولا يبقى سوى الحي القيوم ذي الجلال والإكرام، ويبدأ بعدئذ عالم القيامة وما فيه من أهوال جسام، ومصير عصيب للمجرمين، وزجّ في نيران الجحيم.
ويقابل ذلك المشهد المؤلم مشهد النعيم في جنان الخلد لأهل الإيمان واليمين، والخوف من مقام الله، وفي تلك الجنان أنواع الأغصان، والعيون والأنهار، والفواكه، والفرش الحريرية الوثيرة والأرائك الخضر، والحور والولدان، والخيرات الحسان.
وناسب كل ذلك ختم السورة بتمجيد الله عزّ وجلّ، والثناء عليه، على ما تفضل به وأنعم على عباده: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ.
أعظم النعم الإلهية الدنيوية والأخروية
- ١- نعمة القرآن والأشياء الكونية والأرضية
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
194
الإعراب:
الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ.. الرَّحْمنُ: مبتدأ، وجملة عَلَّمَ الْقُرْآنَ وما بعدها:
أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف، لأنها بقصد التعداد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزّك بعد ذلّ، كثّرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر من إحسانه؟
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الشَّمْسُ: مبتدأ، وَالْقَمَرُ: عطف عليه، وخبره:
إما قوله بِحُسْبانٍ وإما محذوف تقديره: يجريان بحسبان.
وَالسَّماءَ رَفَعَها.. السَّماءَ منصوبة بتقدير فعل، أي ورفع السماء، وتقرأ بالرفع على الابتداء، كقولهم: زيد لقيته، وعمرو كلّمته. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ أن: إما ناصبة مع تقدير حذف حرف الجر، أي لئلا تطغوا، وإما مفسرة بمعنى «أي» فتكون «لا» الناهية، وتَطْغَوْا على الأول منصوب بأن، وعلى الثاني مجزوم ب «لا».
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ الْحَبُّ: بالرفع معطوف على المرفوع قبله، ويقرأ بالنصب بفعل مقدر، أي وخلق، وَالرَّيْحانُ: بالرفع معطوف، وبالنصب معطوف على الْحَبُّ إذا نصب، وبالجر بالعطف على الْعَصْفِ.
البلاغة:
الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ سجع مرصع غير متكلف.
وَالسَّماءَ رَفَعَها ووَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ بينهما ما يسمى بالمقابلة.
المفردات اللغوية:
الرَّحْمنُ هو الله تعالى المنعم بجلائل النعم الدنيوية والأخروية، وهو اسم من أسماء الله الحسنى. عَلَّمَ الْقُرْآنَ قدم ذلك لأن أصل النعم الدينية وأجلها هو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين، ومنشأ الشرع، وأعظم الوحي، وأجلّ الكتب والمهيمن عليها والمصدّق
195
لها. خَلَقَ الْإِنْسانَ الجنس الإنساني. الْبَيانَ التعبير عما في النفس، وإفهام الغير لما يدركه من تلقي الوحي، وتعرف الحق، وتعلم الشرع.
بِحُسْبانٍ يجريان بحساب دقيق منظم، مقدر في بروجهما ومنازلهما. وَالنَّجْمُ النبات الذي ينجم أي يظهر من الأرض، ولا ساق له كالحنطة والمقاثي. وَالشَّجَرُ الذي له ساق كالنخل وأشجار الفاكهة. يَسْجُدانِ ينقادان أو يخضعان لله فيما يريد بهما طبعا، كما ينقاد الساجد من المكلفين اختيارا أو طوعا. رَفَعَها خلقها مرفوعة المحل والرتبة. وَوَضَعَ الْمِيزانَ أثبت العدل والنظام والتوازن في الأشياء الكونية كلها،
قال صلى الله عليه وسلم: «بالعدل قامت السموات والأرض».
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ أي لئلا تجوروا فيما يوزن به، ولا تعتدوا ولا تجاوزوا الإنصاف.
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ أي قوّموا الوزن بالعدل. وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ تنقصوا الموزون، والتكرار مبالغة في التوصية به، وزيادة الحث على استعماله، وقرئ: «ولا تخسروا» بفتح التاء، وضم السين وكسرها وفتحها. وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ أي أثبتها وبسطها للخلق من الإنس والجن وغيرهم.
فِيها فاكِهَةٌ أنواع ما يتفكه به. الْأَكْمامِ أوعية الطلع والثمر، جمع كم: بالكسر.
وَالْحَبُّ كالحنطة والشعير والذرة وسائر ما يتغذى به. ذُو الْعَصْفِ ورق الزرع الجاف، وهو التبن. وَالرَّيْحانُ الورق المشموم الطيب الرائحة من النبات. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم ربّكما أيها الإنس والجن تكذبان؟ والاستفهام للتقرير، ذكرت في السورة إحدى وثلاثين مرة، فكلما ذكر تعالى نعمة وبخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغيره معاتبا ومذكرا ومؤنبا: ألم أحسن إليك بكذا بالمال، ألم أحسن إليك بأن أنقذتك من كذا وكذا؟ ويكون التكرار لاختلاف ما يقرر به، وهذا شيء كثير مألوف في كلام العرب، كقول مهلهل يرثي كليبا:
على أنّ ليس عدلا «١» من كليب إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب إذا رجف العضاة من الدّبور «٢»
على أن ليس عدلا من كليب إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلا من كليب إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب غداة تأثل الأمر الكبير
(١) عدلا: أي مثلا ونظيرا.
(٢) العضاة: كل شجر يعظم وله شوك، والدّبور: الريح التي تقابل الصّبا.
196
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما خار جاش «١» المستجير
وأنشد قصائد أخرى على هذا النمط.
التفسير والبيان:
الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ أي إن الله الواسع الرحمة لخلقه في الدنيا والآخرة أنزل على عبده محمد ﷺ القرآن لتعليم أمته وجعله حجة على الناس قاطبة، ويسّر حفظه وفهمه على من رحمه. وهذا جواب لأهل مكة القائلين: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل ١٦/ ١٠٣] ولما كانت هذه السورة لتعداد نعم الله التي أنعم بها على عباده، قدّم بيان أجل النعم قدرا، وأكثرها نفعا وهي نعمة تعليم القرآن عباده، فإنها مدار سعادة الدارين. ثم امتن بنعمة خلق الإنسان أداة إعمار الكون، فقال:
خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ أي أوجد جنس الإنسان، وعلّمه النطق والتعبير عما في نفسه، ليتخاطب مع غيره، ويتفاهم مع أبناء مجتمعة، فيتحقق التعاون والتآلف والأنس، وبذلك اكتملت عناصر التعليم: الكتاب والمعلم وهما القرآن والنّبي، والمتعلم وهو الإنسان، وطريق التعلم وكيفيته وهو البيان.
ثم ذكر الله تعالى أمورا علوية هي مجال التعلم، فقال:
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي إن الشمس المشرقة المضيئة للنهار، والقمر نور الليل يجريان بحساب دقيق منظم مقدر معلوم في بروج ومنازل معلومة، لا يعدوانها، ويدلان بذلك على اختلاف الفصول وعدد الشهور والسنين، ومواسم الزراعة، وآجال المعاملات وأعمار الناس، ويحققان الفوائد الكثيرة للإنسان والنبات والحيوان، ويتعاقبان بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب، كما
(١) مخفف جأش وهو العزيمة، وقد تطلق على النفس مجازا.
197
قال تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام ٦/ ٩٦].
ثم أورد الله تعالى بعض عوالم الأرض السفلى، فقال:
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ أي أن النبات الذي لا ساق له، والشّجر الذي له ساق ينقادان طبعا لله تعالى فيما أراد، كما ينقاد الساجدون من المكلفين اختيارا، فإن ظهورهما من الأرض في وقت معين ولأجل محدد، وجعلهما غذاء للإنسان، ومتعة له شكلا ولونا ومقدارا وطعما ورائحة، انقياد لقدرة الله تعالى.
ثم نبّه الله تعالى إلى ظاهرة التوازن بين الأشياء، وضرورة التعادل في المبادلات، فقال:
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ أي جعل السماء مرفوعة المحل والرتبة فوق الأرض، وأقام التوازن في العالمين العلوي والسفلي الأرضي، وأثبت في الأرض العدل الذي أمر به، لئلا تتجاوزوا العدل والإنصاف في آلة الوزن أثناء مبادلة الأشياء، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد ٥٧/ ٢٥] فهذا نهي عن الطغيان في الوزن.
وأكّد على التزام العدل أو التعادل، فقال:
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ، وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أي قوّموا وزنكم بالعدل، ولا تنقصوه ولا تبخسوه شيئا، بل زنوا بالحق والقسط، كما قال تعالى:
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الشعراء ٢٦/ ١٨٢].
وهذا التكرير لتأكيد الأمر بالعدل، ويلاحظ أنه سبحانه أمر أولا
198
بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو مجاوزة الحدّ بالزيادة، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
ثم ذكر نعمته في الأرض مقابل السماء، فقال:
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ أي إنه تعالى كما رفع السماء، وضع الأرض ومهدها وبسطها لينتفع بها، وأرساها بالجبال الراسخات الراسيات ليستقر الأنام على وجهها، وهم الخلائق المختلفة الأنواع والألوان والأجناس والألسنة في سائر الأقطار، ثم أبان تعالى طرق معايش الناس فيها، فقال:
فِيها فاكِهَةٌ، وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ أي إن في الأرض كل ما يتفكه به من أنواع الثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح، وأشجار النخيل ذات أوعية الطلع الذي يتحول بعدئذ إلى تمر، وجميع ما يقتات من الحبوب كالحنطة والشعير والذرة ونحوها، ذات العصف وهو بقل الزرع:
وهو أول ما ينبت منه، أو هو التبن، وكل مشموم من النبات ذي الورق الذي تطيب رائحته. وتنكير كلمة الفاكهة وتعريف النخل، لأن الفاكهة تكون في بعض الأزمان وعند بعض الأشخاص، أما ثمر النخيل فهو قوت محتاج إليه في كل زمان متداول في كل حين وأوان وعند جميع الأشخاص.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ أي فبأي النعم المتقدمة تكذبان يا معشر الجن والإنس. فالخطاب مع الثقلين: الإنس والجن. وقد عرفنا أن هذه الآية كررت في السورة إحدى وثلاثين مرة بعد كل خصلة من النعم، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، لتأكيد التذكير بالنعم، ولتقريرهم بها، وللتنبيه على أهميتها، والنعم محصورة في دفع المكروه وتحصيل المقصود. وقوله: رَبِّكُما لبيان أن مصدر هذه النعم من الله المربي الذي يتعهد عباده بالتربية والتنمية، فيكون هو الجدير بالحمد والشكر على ما أنعم.
199
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات الكريمات على ما يأتي:
١- عدد الله تعالى في سورة الرحمن نعمه العظمى الدينية والدنيوية والأخروية، وذكر بعد كل نعمة: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ للتذكير بالنعمة والتنبيه عليها، مع إشاعة جو الرهبة والتخويف، والتوبيخ لمن أنكرها.
روي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنّبي صلى الله عليه وسلم: اتل علي مما أنزل عليك، فقرأ عليه سورة الرحمن فقال: أعدها، فأعادها ثلاثة، فقال: والله إن له لطلاوة، وإن عليه لحلاوة، وأسفله لمغدق، وأعلاه مثمر، وما يقول هذا بشر، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
٢- النعمة الأولى وهي أعظم النعم وأجلها: نعمة إنزال القرآن الذي بدّل حياة البشرية، وسيظل صوت الحق الأبلج إلى يوم القيامة.
٣- النعمة الثانية والثالثة خلق جنس الإنسان لإعمار الكون، وتعليمه البيان أي الكلام والنطق والفهم، وهو مما فضّل به الإنسان على سائر الحيوان.
٤- النعمة الرابعة والخامسة: خلق الشمس والقمر اللذين يجريان بحساب معلوم دقيق في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها، وبهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار.
٥- النعمة السادسة: خلق النبات الشامل للنجم: وهو ما لا ساق له، والشجر الذي له ساق، وجعل ذلك منقادا لإرادة الله تعالى، وتوجيهه لنفع الإنسان.
٦- النعمة السابعة والثامنة: جعل السماء مرفوعة المحل والرتبة عن الأرض، ووضع العدل الذي أمر الله به في الأرض، وأقام التوازن في عالم السماء والأرض.
200
٧- النعمة التاسعة: خلق آلة الميزان لإقامة العدل في المعاملات، ومنع المنازعات وكفالة استقرار الناس وإبقاء ظاهرة الودّ والصفاء والوئام بينهم.
لذا نهى الله تعالى عن الطغيان في الوزن وهو تجاوز الحد أو الزيادة بعد الأمر بالتسوية والتعادل، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس في الوزن والكيل، كما قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين ٨٣/ ١- ٣]، وقال سبحانه: وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ [هود ١١/ ٨٤].
قال قتادة في هذه الآية: اعدل يا ابن آدم، كما تحبّ أن يعدل لك، وأوف كما تحبّ أن يوفّى لك، فإن العدل صلاح الناس.
٨- النعمة العاشرة: خلق الأرض ممهدة مبسوطة للناس.
٩- النعمة الحادية عشرة: اشتمال الأرض على متعة الحياة وأقوات الإنسان والحيوان، وهو كل ما يتفكه به الإنسان من ألوان الثمار، وإنبات النخيل مصدر التمور، وإخراج الحبّ كالحنطة والشعير ونحوهما، والعصف: وهو التبن، أو ورق الشجر والزرع، والرياحين.
١٠- بعد إيراد هذه النعم، خاطب الله تعالى- كما تقدم- الجنّ والإنسان بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لتقرير النعمة وتأكيد التذكير بها. وقد تقدم
حديث الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله ﷺ سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: «ما لي أراكم سكوتا؟! للجنّ كانوا أحسن منكم ردّا، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد».
201
- ٢- توضيح أحوال بعض النعم
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢٥]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
الإعراب:
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مرفوع إما بدل من ضمير خَلَقَ أو على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو ربّ المشرقين.
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أي يخرج من أحدهما، لأن اللؤلؤ والمرجان لا يخرج من العذب، وإنما يخرج من الملح، فحذف المضاف وهو «أحد» وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله تعالى: عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف ٤٣/ ٣١] أي من إحدى القريتين، فحذف المضاف.
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الكاف في موضع نصب على الحال من ضمير في الْمُنْشَآتُ.
البلاغة:
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ بينهما مقابلة.
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ تشبيه مرسل مجمل، أي كالجبال في العظم والضخامة والثبات فوق الشيء.
202
المفردات اللغوية:
خَلَقَ الْإِنْسانَ أصل الإنسان وهو آدم صَلْصالٍ طين يابس له صلصلة أي صوت، إذا نقر كَالْفَخَّارِ وهو الخزف: وهو ما طبخ من طين أو الطين المطبوخ حتى يتحجر. وَخَلَقَ الْجَانَّ أصل الجن وهو إبليس مارِجٍ لهب خالص لا دخان فيه مِنْ نارٍ بيان لمارج: فإنه في الأصل الشيء المضطرب.
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ أي مشرقي الشتاء والصيف، ومغربهما. مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أرسلها وأجراهما، يقال: مرجت الدابة في المرعى، أي أرسلتها فيه، والبحران: العذب والملح.
يَلْتَقِيانِ يتجاوران في المصب دون فصل مرئي بينهما. بَرْزَخٌ حاجز من قدرة الله تعالى.
لا يَبْغِيانِ لا يبغي أحدهما على الآخر، فيختلط به أو يمتزج.
يَخْرُجُ مِنْهُمَا أي يخرج من أحدهما وهو الملح اللُّؤْلُؤُ صغار الدرّ المخلوق في الأصداف. وَالْمَرْجانُ كبار الدرّ أو الخرز الأحمر. الْجَوارِ السفن، جمع جارية.
الْمُنْشَآتُ المصنوعات المحدثات، أو الرافعات أشرعتها. كَالْأَعْلامِ كالجبال عظما وارتفاعا، جمع علم: وهو الجبل العالي الطويل.
المناسبة:
بعد تعداد أصول النعم على بني الإنسان وخلق العالم الكبير من السماء والأرض، أراد الله تعالى إيضاح أحوال بعضها، وهي أصل خلق الإنسان والجانّ وهو العالم الصغير، وبيان مشرق الشمس ومغربها وسلطانه عليهما، وعلى البحار وما فيها من لآلئ ومرجان، وما يسير على سطحها من مراكب عظيمة كالجبال، مما يدلّ على وحدانية الله وقدرته.
التفسير والبيان:
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ أي خلق الله تعالى أصل الإنسان من طين يابس يسمع له صلصلة، أي صوت إذا نقر، يشبه الفخار، أي الخزف:
وهو الطين المطبوخ بالنار، للدلالة على صلابة الإنسان وتماسك أجزائه.
203
وقد تنوعت عبارات القرآن في بيان هذا، باعتبار مراتب الخلق: مِنْ تُرابٍ، مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أي طين متغير، أو مِنْ طِينٍ لازِبٍ أي لاصق باليد، من صلصال، فهذا إشارة إلى أن آدم عليه السلام خلق أولا من التراب، ثم صار طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم لازبا، ثم كالفخار، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك، ومن ذلك.
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ أي وأوجد الجنّ من طرف النار، وهو المارج، أي الشعلة الصاعدة ذات اللهب الشديد، التي لا لهب فيها، المختلط الألوان المضطرب، كالأصفر، والأحمر، والأخضر وغيرها.
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم».
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله يا معشر الثقلين: الإنس والجن تكذبان أو تنكران مما هو واقع ملموس؟! رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ أي ربّ مشرقي الشمس في الصيف والشتاء، وربّ مغربي الشمس في الصيف والشتاء، وبهما تتكون الفصول الأربعة، وتختلف أحوال المناخ من برد وحرّ واعتدال، وغير ذلك من المنافع العظيمة للإنسان.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أو تنكران؟
وأما قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج ٧٠/ ٤٠] فذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس.
وقوله سبحانه في آية أخرى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل ٧٣/ ٩]، فالمراد منه جنس المشارق والمغارب.
ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس
204
قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ فالشمس تشرق صيفا من مدار السرطان في نصف الكرة الشمالي، ومن مدار الجدي في الجنوب صيفا، حيث يكون الشتاء في الشمال، فلو ثبتت الشمس في شروق وغروب واحد لتعطلت المواسم والزراعة في الصيف والشتاء.
وبعد بيان نعم الله في البر، ذكر نعمه في البحر، فقال:
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ أي أرسل البحرين ملحا وعذبا متلاقيين، لا فصل بينهما في مرأى العين، ومع ذلك فبينهما حاجز يحجز بينهما، لا يبغي أحدهما على الآخر، بالامتزاج والاختلاط، وإنما يظلان منفصلين، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: هذا عَذْبٌ فُراتٌ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً [الفرقان ٢٥/ ٥٣].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي هذه النعمة أو المنفعة تكذبان أيها الإنسان والجن؟ فالعذب للشرب وسقي النبات والحيوان، والملح لتطهير تجمع الماء من الجراثيم، وإصلاح طبقة الهواء، وإخراج اللؤلؤ والمرجان، كما قال تعالى:
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أي يخرج من أحدهما- على حذف مضاف- وهو الملح اللُّؤْلُؤُ: وهو الدّر الذي يتكون في الصدف، وَالْمَرْجانُ: الخرز الأحمر المعروف.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فبأي نعم الله الظاهرة لكم تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ فإن في ذلك من الآيات ما لا يستطيع أحد تكذيبه، ولا يقدر على إنكاره.
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ أي والله الذي خلق وألهم صنع
205
السفن الجارية في البحر التي رفع بعض خشبها على بعض وركّب، ورفعت سواريها وأشرعتها في الهواء كالجبال الشاهقة، فهي تنتقل في البحار بالركاب والحمولات والبضائع والأقوات والأرزاق والآلات من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر، حتى بلغت حمولة بعض ناقلات النفط خمس مائة ألف طن، بالإضافة لحاملات الطائرات والبوارج الحربية المدمرة، والغواصات الذرية الرهيبة.
ولو شاء تعالى لجعل البحر ساكنا ولما تمكنت السفن أن تطفو فوق الماء. فقوله:
الْمُنْشَآتُ إما المرفوعات، وإما المحدثات الموجودات. وهذا يدل على كبر السفن حيث شبهها بالجبال، وإن كانت المنشآت تطلق على السفينة الكبيرة والصغيرة. وإنما قال: وَلَهُ الْجَوارِ خاصة، مع أن له السموات وما فيها والأرض وما عليها، لأن أموال الناس وأرواحهم في قبضة قدرة الله تعالى، حيث لا تصرف لأحد في الفلك.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجنّ؟
لقد خلقت هذه النعمة العديدة لكم، أيمكنكم إنكار صناعة السفن الضخمة، أو كيفية إجرائها في البحر، أو دورها في تقريب المسافات والاتصال بين أجزاء العالم المتباعدة، ونقل تجاراته وصناعاته، للاستفادة منها في أقاليم أخرى.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يلي:
١- إن أصل خلق الإنسان من تراب، ثم طين، فحمأ مسنون، ثم لازب، ومرد غذائه إلى التراب والماء، ومصيره في النهاية إلى الأرض التي خلق منها، ثم يخرج منها يوم البعث والمعاد.
٢- وإن خلق أصل الجن من لهب النار، أو من الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد، المختلط بعضه ببعض: أحمر وأصفر وأخضر.
206
٣- الله سبحانه ربّ المشرق والمغرب، وربّ المشرقين والمغربين في الصيف والشتاء، وربّ المشارق والمغارب، أي مطالع الشمس ومغاربها في كل يوم.
٤- أرسل الله في البحار والمحيطات الكبرى البحرين: الملح والعذب، وجعل بينهما حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر، وتلك آية كبري على قدرة الله وعظمته.
٥- أخرج الله للناس ومنافعهم من البحار المالحة اللؤلؤ والمرجان، كما أخرج من التراب الحبّ والعصف والريحان. وإنما قال: مِنْهُمَا وإنما يخرج ذلك من الملح لا العذب، لأن العرب تجمع الجنسين، ثم تخبر عن أحدهما، كقوله تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
[الأنعام ٦/ ١٣٠]، وإنما الرسل من الإنس دون الجن، كما قال الكلبي وغيره. وقال الزجاج: قد ذكرهما الله، فإذا خرج من أحدهما شيء، فقد خرج منهما، وهو كقوله تعالى:
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح ٧١/ ١٥- ١٦] والقمر في سماء الدنيا، ولكن أجمل ذكر السبع، فكأن ما في إحداهنّ فيهنّ.
وقال أبو علي الفارسي كما تقدم: هذا من باب حذف المضاف، أي من أحدهما، كقوله تعالى: عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف ٤٣/ ٣١]، أي من إحدى القريتين.
٦- لا يملك الفلك في البحر في الحقيقة أحد سوى الله، إذ لا تصرف لأحد فيها، لذا امتن الله تعالى على الناس في تسيير السفن في البحار، وأموال وأرواح ركابها في قبضة قدرة الله تعالى فوق الماء، كما هو الحال في إقلاع الطائرات في أعالي الفضاء فوق الهواء.
والسفن في البحر كالجبال في البر، والطائرات في الجو كالطيور والشهب،
207
ومن المعلوم أن الطائرات في الفضاء كالسفن في البحار تحمل مئات الأطنان.
٧- أردف الله تعالى بعد كل نعمة قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ للتقرير بالنعم المختلفة المتعددة، والتوبيخ على التكذيب بها، كما تقدم بيانه، ومجمل المذكور هنا وما قبله: هل يستطيع أحد إنكار بدء خلق الإنسان والجن، وسلطان الله تعالى على المشرق والمغرب والشمس والقمر، والنجم والشجر، والزرع والحب، والأنهار والبحار، والدر والمرجان، وخلق مواد السفن، والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر، بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه وتعالى. والإنسان وإن كان هو الصانع في الظاهر، ولكن صنعه بإلهام الله وتوفيقه وهدايته وإرشاده.
فناء النعم والكون كله وبقاء الله تعالى
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)
البلاغة:
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ مجاز مرسل، أي ذاته المقدسة، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
المفردات اللغوية:
كُلُّ مَنْ عَلَيْها من على الأرض من إنسان وحيوان وموجودات ومصنوعات ومَنْ لتغليب العقلاء، أو المراد: من الثقلين: الإنس والجن، فالضمير على الصحيح يعود إلى الأرض.
فانٍ هالك. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ أي ذاته. ذُو الْجَلالِ العظمة. وَالْإِكْرامِ الإفضال العام بأنعمه على المؤمنين. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما ذكرنا قبل، ومن الإخبار بالفناء الذي يعقبه البقاء والحياة الأبدية.
208
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يطلبون منه صراحة أو بلسان الحال كل ما يحتاجون إليه من الحدوث والبقاء للذوات، والسعادة والرزق في الأحوال. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ كل وقت هو في أمر من الأمور، يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالا على ما سبق به قضاؤه في الأزل، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داع وإعطاء سائل، وغير ذلك.
المناسبة:
بعد تعداد النعم الدينية والدنيوية والأخروية، والاستدلال على قدرة الله وتوحيده في الأنفس والآفاق، نعى الحق سبحانه وتعالى الكون بأجمعه، وأخبر بأن جميع النعم الدنيوية والكائنات فانية، ولا يبقى إلا ذات الله تعالى.
التفسير والبيان:
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أي جميع من على الأرض من الناس والحيوانات، وكذلك أهل السموات إلا من شاء الله، سيفنون ويموتون، وتنتهي حياتهم جميعا، ولا يبقى إلا ذات الله سبحانه ذو العظمة والكبرياء، والإفضال والإكرام الذي يكرم به المخلصين من عباده، وهذه الصفة (صفة الجلال والإكرام) من عظيم صفات الله، وأعظم النعمة مجيء وقت الجزاء عقب ذلك،
قال رسول الله ﷺ فيما رواه الترمذي عن أنس: «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي الزموا ذلك في الدعاء، ومرّ ﷺ برجل، وهو يصلي ويقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: «قد استجيب لك».
وفي الدعاء المأثور: يا حيّ يا قيّوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.
ونظير الآية: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص ٢٨/ ٨٨] قال ابن كثير: وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية
209
الكريمة بأنه ذو الجلال والإكرام، أي هو أهل أن يجلّ فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف، كقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف ١٨/ ٢٨] وكقوله إخبارا عن المتصدقين: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الدهر ٧٦/ ٩]. وقال ابن عباس: ذو الجلال والإكرام: ذو العظمة والكبرياء «١».
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن، فالناس والمخلوقات جميعا يتساوون كلهم في الوفاة، ثم يصيرون إلى الدار الآخرة، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل، والفناء طريق للبقاء، والحياة الأبدية، فكان في الفناء نعمة التساوي في الموت، ونعمة تعاقب الأجيال، ونعمة العدل المطلق، ونعمة الانتقال من الدار الفانية إلى الدار الخالدة الباقية دار الجزاء والثواب، ذات النعيم المادي والروحي الشامل، فكيف يكون منكم التكذيب بهذه النعم العظيمة؟! يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أي يطلب منه جميع أهل السماء والأرض كل ما يحتاجون إليه، فيسأله أهل السموات المغفرة، ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا (المغفرة والرزق) وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة، فلا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، والمادة تحتاج إلى ما يناسبها، والنبات يحتاج إلى ما يبقيه، والإنسان بحاجة إلى مقومات الحياة المادية والمعنوية، والحيوان مفتقر إلى عناصر البقاء.
وهذا إخبار عن غناه تعالى عما سواه، وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات، وأنهم يسألونه بلسان الحال والمقال، وأنه سبحانه كل يوم ووقت في شأن، ومن شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويغني ويفقر، ويعزّ ويذلّ، ويمرض
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٢٧٣
210
ويشفي، ويعطي ويمنع، ويغفر ويعاقب، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
أخرج ابن جرير والطبراني وابن عساكر عن عبد الله بن منيب الأزدي قال: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فقلنا: يا رسول الله، وما ذاك الشأن؟ قال: «أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين».
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بأي نعم الله تكذبان؟ فإن اختلاف شؤونه في تدبير عباده نعمة لا يمكن جحدها، ولا يتيسر لمكذّب تكذيبها.
فقه الحياة أو الأحكام:
أفادت الآيات ما يأتي:
١- الفناء أمر حتمي لجميع الخلائق في السموات والأرض يوم القيامة، والبقاء بعدئذ لله ذي العزة والجبروت، والعظمة والكبرياء، والتكريم عن كل شيء لا يليق به من الشرك وغيره، والإكرام لعباده المخلصين.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ.. قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فنزلت: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فأيقنت الملائكة بالهلاك.
٢- يطلب أهل السموات والأرض جميع ما يحتاجون إليه، فيسأل أهل السموات المغفرة، ويسأله أهل الأرض المغفرة والرزق، والله كل يوم في أمر أو شأن، ومن شأنه أن يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرزق ويمنع.
روى البخاري في تاريخه وابن ماجه وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال في هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، «من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين».
211
٣- لا مجال للتكذيب بشيء من نعم الله في التسوية بين الخلق في الموت والفناء، والانتقال إلى دار الجزاء والثواب، وإجابة دعائهم وتحقيق الخير والرزق والمغفرة لهم في الدنيا والآخرة.
الجزاء والثواب على الأعمال في الآخرة
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
الإعراب:
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ نُحاسٌ بالرفع: معطوف على قوله شُواظٌ وقرئ بالجر، ولا يجوز عطفه على نارٍ لأن الشواظ لا يكون من النحاس، لأن النحاس هاهنا بمعنى الدخان، وإنما هو محمول على تقدير: شواظ من نار، وشيء من نحاس، فحذف الموصوف لدلالة ما قبله عليه.
البلاغة:
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ استعارة تمثيلية، شبه محاسبة الخلائق وجزاءهم يوم القيامة بالتفرغ للأمر، والله تعالى لا يشغله عن شأن، وإنما ذلك على سبيل المثال، إذ شبه تعالى ذاته في المجازاة بحال من فرغ للأمر.
إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا.. فَانْفُذُوا الأمر هنا للتعجيز، فقوله فَانْفُذُوا أمر تعجيزي.
212
المفردات اللغوية:
سَنَفْرُغُ لَكُمْ سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة، أو سنقصدكم بالفعل وفيه تهديد.
الثَّقَلانِ الإنس والجن. أَنْ تَنْفُذُوا إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض، هاربين من الله، فارّين من قضائه. أَقْطارِ جوانب جمع قطر. فَانْفُذُوا فاخرجوا، وهو أمر تعجيز. لا تَنْفُذُونَ لا تقدرون على النفوذ. إِلَّا بِسُلْطانٍ بقوة وقهر. شُواظٌ لهب خالص لا دخان فيه. وَنُحاسٌ ودخان لا لهب. فيه. فَلا تَنْتَصِرانِ لا تمتنعان من ذلك العذاب، بل تساقون إلى المحشر.
المناسبة:
بعد بيان النعم التي أنعم الله بها على الإنسان من تعليم العلم وخلقه وخلق السماء والأرض وما أودع فيهما، والإخبار عن فنائها يوم القيامة، أخبر الله تعالى عن مجازاة الناس وحسابهم يوم القيامة، فيجازى كل عامل بما عمل، ويثاب على ما قدم من عمل صالح، ولا مناص ولا مهرب من العقاب، ولا من الامتناع منه.
التفسير والبيان:
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم على أعمالكم، أيها الثقلان: الإنس والجن. وسموا الثّقلين، لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا.
وهذا وعيد شديد من الله سبحانه للعباد، علما بأن الله لا يشغله شيء عن شيء.
جاء في الصحيح تفسير الثقلين بما ذكر: «يسمعه كل شيء إلا الثقلين»
وفي رواية: «إلا الإنس والجن»
وفي حديث الصور: «الثقلان: الإنس والجن».
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله تكذبان يا معشر الثقلين؟
فإن من نعمه إنصاف الخلائق، بإثابة المحسنين، ومعاقبة المجرمين، فلا يظلم أحد شيئا.
213
ولا إفلات من هذا الجزاء، فقال تعالى:
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فَانْفُذُوا، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أي أيها الإنس والجن، إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض ونواحيهما هربا من قضاء الله وقدره، وأمره وسلطانه، فاخرجوا منها، وخلصوا أنفسكم، لا تقدرون على التخلص والنفوذ من حكمه إلا بقوة وقهر، ولا قوة لكم على ذلك ولا قدرة، فلا يمكنكم الهرب. والمعشر: الجماعة العظيمة، والأدق أن المعشر: العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بابتداء فيه.
ونظير الآية: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ، جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ، هُمْ فِيها خالِدُونَ [يونس ١٠/ ٢٧].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بأي نعم الله تكذبان أيها الثقلان؟ ومن ذلك تقديم التنبيه والتحذير، فذلك يرغّب المحسن، ويرهب المسيء، والله قادر على عقاب الجميع، فلا يفلت أحد، كما أنه تعالى يعفو مع كمال القدرة، وتلك نعمة أخرى. وإنما جمع اسْتَطَعْتُمْ فهو لبيان عجزهم وعظمة ملك الله تعالى.
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ، وَنُحاسٌ، فَلا تَنْتَصِرانِ أي لو خرجتم يسلّط عليكم أيها الإنس والجن سيل من النار أو لهب خالص لا دخان معه من النار، ودخان مع النار، أو يصب على رؤوسكم نحاس مذاب، فلا تقدرون على الامتناع من عذاب الله. فالنحاس: إما الدخان الذي لا لهب له، أو النحاس المذاب الذي يصب على الرؤوس. وإنما ثنى ضمير عَلَيْكُما فهو لبيان الإرسال على النوعين، لا على كل واحد منهما، ولا على جميع الإنس والجن. وكذلك
214
تثنية فَلا تَنْتَصِرانِ أراد به النوعين أي لا ينصر بعضكم بعضا أيها الجن والإنس.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن، فإن التهديد لطف، والتمييز بين المطيع والعاصي، بإثابة الأول، والانتقام من الثاني من نعم الله سبحانه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- لا بد من الحساب والجزاء على أعمال الناس والجن يوم القيامة، وسيتم القصد بالفعل للمجازاة أو المحاسبة. وهذا وعيد وتهديد من الله لعباده، ليحذروا يوم الحساب، ويرهبوا يوم الجزاء.
٢- الحساب دليل واضح على أن الجن مخاطبون بالتكاليف الشرعية كالإنس تماما، فهم مكلفون مأمورون منهيون، مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك.
٣- لا مفرّ ولا مهرب ولا مناص من الجزاء والحساب على أعمال الإنس والجن، ولا يملكون إطلاقا التخلص والهروب من العذاب إلا بسلطان من الله يجيرهم، وإلا فلا مجير لهم.
والسبب في تقديم الجن على الإنس في هذه الآية: أن النفوذ من أقطار السموات والأرض بالجن أليق إن أمكن. أما الإتيان بمثل القرآن فهو بالإنس أليق إن أمكن، لذا قدم الإنس على الجن في ذلك، في قوله تعالى: قُلْ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء ١٧/ ٨٨].
215
٤- لو خرجتم أيها الإنس والجن من ناحية ما، أرسل عليكم شواظ من نار (لهب خالص) ودخان أو نحاس مذاب يصب على رؤوسكم، وأخذكم العذاب المانع من النفوذ أو الخروج، ولا ينصر بعضكم بعضا يا معشر الجن والإنس.
٥- كيف يصح لأحد من الإنس والجن إنكار أو تكذيب شيء من هذه النعم؟ فإن الحساب حق والجزاء حق، يستهدف كل منهما إحقاق الحق التام، وإرسال العدل المطلق، والتخويف والتحذير أو الترهيب يحقق الزجر والامتناع من المخالفة والعصيان، والإذعان التام والإقرار بعظمة سلطان الله، وملكه وقدرته.
تصدع السماء وأحوال المجرمين يوم القيامة
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٧ الى ٤٥]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)
الإعراب:
فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ الجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل، وليس في فَيُؤْخَذُ ضمير يعود على المجرمين وإنما يقدر ضمير في رأي البصريين، أي يؤخذ منهم أو يؤخذ بنواصيهم وأقدامهم. ويرى الكوفيون أن الألف واللام يقومان مقام الضمير، مثل:
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ أي أبوابها، وكقولهم: زيد أما المال فكثير، أي ماله. ويأتي البصريون ذلك، ويقدرون: مفتحة لهم الأبواب منها، وزيد أما المال فكثير له.
216
البلاغة:
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً.. تشبيه بليغ، حذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه، أي كالوردة في الحمرة.
المفردات اللغوية:
انْشَقَّتِ تصدعت. وَرْدَةً حمراء، أي كالوردة في الحمرة. كَالدِّهانِ مذابة كالدهن، أو كالأديم (الجلد) الأحمر، على خلاف ما هي عليه الآن، وجواب فَإِذَا محذوف تقديره: فما أعظم الهول. فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ أي الناس والجن، وعدم المسؤولية حينما يخرجون من قبورهم، ويحشرون إلى الموقف. وأما قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر ١٥/ ٩٢] ونحوه فهو حين الحساب في موقف الحشر.
بِسِيماهُمْ علامتهم. بِالنَّواصِي جمع ناصية: وهي مقدّم الرأس. وَالْأَقْدامِ جمع قدم: وهي القدم المعروفة، ويؤخذ بهما مجموعا بينهما. يَطُوفُونَ يسعون. بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ يترددون بين النار التي يحرقون بها، وبين ماء حارّ شديد الحرارة، يسقونه إذا استغاثوا من حرّ النار.
المناسبة:
هذه الآيات حلقة أخرى تتعلق بأحوال الآخرة والجزاء، فبعد أن ذكر الله تعالى رهبة الحساب وحتميته واستحالة التخلص منه أو الهرب من إيقاعه، ذكر تعالى ما يطرأ على العالم من تغير وتبدل واختلال النظام، حيث تتصدع السماء وتذوب كالدهن أو الزيت، ويتميز المجرمون عن غيرهم بعلامات خاصة، فلا حاجة لسؤالهم حينئذ، ثم يزجّ بهم في جهنم، بأخذهم بنواصيهم وأقدامهم، ويطاف بهم بين النار التي يحترقون بها، وبين الماء المغلي البالغ نهاية الشدة في الحرارة، ويقال لهم توبيخا وتقريعا: هذه جهنم التي كذبتم بها.
التفسير والبيان:
عقب الله بقوله: فَإِذَا لأن الفاء للتعقيب، بعد قوله:
217
فَلا تَنْتَصِرانِ أي في وقت إرسال الشواظ عليكما، والمعنى: فإذا انشقت السماء وذابت، وصارت الأرض والجو والسماء كلها نارا، فكيف تنتصران؟
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ، فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ أي فإذا جاء يوم القيامة، انصدعت السماء، وتبددت وصارت كوردة حمراء، وذابت مثل الدهن، أو تلونت كالجلد الأحمر، والمراد أنها تذوب كما يذوب الزيت، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، فتارة حمراء، أو صفراء، أو زرقاء، أو خضراء، وذلك من شدة الأمر، وهول يوم القيامة.
ونظائر الآية كثير، مثل: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق ٨٤/ ١]، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار ٨٢/ ١]، وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ [الحاقة ٦٩/ ١٦]، يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان ٢٥/ ٢٥].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟
فإن الخبر بذلك فيه رهبة ورعب يزجر السامع عن الشرّ، وبأي نعم الله تكذبان مما يكون بعد ذلك؟
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ أي يوم تنشق السماء، لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجنّ عن ذنبه، لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم، ولأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال، وحفظها على العباد. وقال مجاهد في هذه الآية: لا تسأل الملائكة عن المجرمين، بل يعرفون بسيماهم.
وهذا كقوله تعالى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات ٧٧/ ٣٥- ٣٦]، ثم يسألون بعدئذ في حال أخرى يوم يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم في موقف الحساب، كما قال تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا
218
كانُوا يَعْمَلُونَ
[الحجر ١٥/ ٩٢]، وقال سبحانه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات ٣٧/ ٢٤].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بأي نعم الله تكذبان؟ مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم، ومن هذا التخويف والإنذار المسبق، ليرتدع الناس عن الذنوب، ويثوبوا إلى رشدهم.
ثم أبان الله تعالى سبب عدم السؤال، فقال:
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ أي يعرف الكفار والفجار يوم خروجهم من القبور بعلاماتهم، وهي كونهم سود الوجوه، زرق العيون، يعلوهم الحزن والكآبة، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم مجموعا بينهما، فتجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي، وتلقيهم الملائكة في النار. والناصية: مقدّم شعر الرأس. وإفراد فَيُؤْخَذُ مع أن المجرمين جمع، وهم المأخوذون، لأن فَيُؤْخَذُ متعلق بقوله تعالى: بِالنَّواصِي كما يقال: ذهب بزيد.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بأي النعم تتجرأان على تكذيبها، فقد أنذرتم وحذرتم مسبقا، وعرفتم المصير المنتظر في عالم الآخرة؟
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ، يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ها هنا إضمار، أي يقال لهم عند ذلك توبيخا وتأنيبا: هذه نار جهنم التي تشاهدونها وتنظرون إليها التي كنتم تكذبون بوجودها، وتنكرون حدوثها، ها هي حاضرة أمامكم ترونها عيانا.
وهم تارة يعذبون في الجحيم للاحتراق، وتارة يسقون من الحميم: وهو الشراب أو الماء المغلي الشديد الحرارة، الذي هو كالنحاس المذاب، يقطع الأمعاء والأحشاء، كقوله تعالى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ. فِي
219
الْحَمِيمِ، ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ
[غافر ٤٠/ ٧١- ٧٢]، وقوله سبحانه:... فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.. [الحج ٢٢/ ١٩- ٢١].
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي بأي النعم تكذبان بعد هذا البيان والإنذار والاعلام المسبق؟!
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن انشقاق أو تصدع السماء يحدث عقب إرسال الشواظ من النار، وإذا انصدعت السماء صارت في حمرة الورد وذوبان الدهن كالجلد الأحمر الصرف، فالتشبيه بالدهن ليس في اللون بل في الذوبان، والتشبيه بالوردة في اللون.
٢- إن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم، فيسأل الإنس والجن في وقت ولا يسألون في وقت آخر، فلا يسألون وقت خروجهم من القبور، وإذا استقروا في النار، ويسألون في موقف الحساب قبل الصيرورة إلى الجنة أو إلى النار. والمراد من السؤال على المشهور: أنهم لا يقال لهم: من المذنب منكم؟
٣- يتميز الكفار المجرمون والفجار عن المؤمنين بعلامات بارزة، فهم سود الوجوه، زرق العيون، تعلوهم الكآبة والحزن كما تقدم، وتأخذ الملائكة بنواصيهم (أي بشعور مقدم رؤوسهم) وأقدامهم، فيقذفونهم في النار.
٤- يقال للمجرمين تقريعا وتوبيخا، وتصغيرا وتحقيرا: هذه النار التي أخبرتم بها، فكذبتم، ويعذبون مرة في الحميم (الشراب الشديد الحرارة جدا) ومرة في الجحيم (النار).
٥- امتن الله على عباده بقوله بعد كل نعمة: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
220
لأن معاقبة العصاة المجرمين، وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك.
أنواع نعم الله على المتقين في الآخرة
- ١- وصف الجنات
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٦ الى ٦١]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥)
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)
الإعراب:
ذَواتا أَفْنانٍ ذَواتا تثنية (ذات) التي أصلها (ذوية) فتحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصارت (ذوات) إلا أنه حذفت الواو من الواحد للفرق بين الواحد والجمع.
ودل عود الواو في التثنية على أصلها في الواحد.
مُتَّكِئِينَ حال منصوب من المجرور باللام في قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ أي ثبت لهم جنتان في هذه الحال، أو عامله محذوف أي يتنعمون.
221
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ: في موضع نصب على الحال من قاصِراتُ الطَّرْفِ وتقديره: فيهن قاصرات الطرف مشبهات الياقوت والمرجان.
البلاغة:
وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ جناس ناقص أو جناس الاشتقاق، لتغير الشكل والحروف. فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ إيجاز بحذف الموصوف وإبقاء الصفة، أي نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن.
المفردات اللغوية:
لِمَنْ خافَ لكل من خاف، بأن كفّ عن المعاصي واتبع الطاعات، والأصل في الخوف:
توقع مكروه في المستقبل، وهو ضد الأمن. مَقامَ رَبِّهِ قيامه بين يدي ربه للحساب، فترك معصيته، أي خاف الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب، أو قيامه على أحواله واطلاعه عليه.
جَنَّتانِ روحانية وجسمانية. أَفْنانٍ أغصان جمع فنن كطلل، أو أنواع من الأشجار والثمار، جمع فنّ. فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل، قيل: إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل.
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ من كل نوع من أنواع الفاكهة. زَوْجانِ صنفان أو نوعان:
رطب ويابس. فُرُشٍ جمع فراش للنوم والراحة. بَطائِنُها جمع بطانة وهي القماش الرقيق الداخلي. إِسْتَبْرَقٍ ما غلظ من الديباج وخشن، أي الحرير الثخين، والظهائر: من السندس.
وَجَنَى ثمر. دانٍ قريب التناول، يناله القائم والقاعد والمضطجع.
فِيهِنَّ أي في الجنتين وما اشتملتا عليه من الفرش والقصور والعلالي والحور ونحوها أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى (الثمر). قاصِراتُ الطَّرْفِ أي نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن المتكئين من الإنس والجن، لا ينظرن إلى غيرهم، وهن من الحور أو من نساء الدنيا. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ لم يمسسهن أو لم يفتضهن، وفيه دليل على أن الجن يطمثون.
إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ لا من الإنس ولا من الجن.
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ في صفاء الياقوت أو في حمرة الوجه، والياقوت: الحجر الأملس الصافي المعروف. (والمرجان) هو الخرز الأحمر، أو صغار اللؤلؤ والدر في بياض البشرة وصفائها، وتخصيص الصغار لأنهن أنصع بياضا من الكبار. هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ في العمل. إِلَّا الْإِحْسانُ في الثواب، وهو الجنة.
222
سبب النزول: نزول الآية (٤٦) :
وَلِمَنْ خافَ..: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق، وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة عن عطاء: أن أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم القيامة والموازين والجنة والنار، فقال: وددت أني كنت خضراء من هذه الخضر، تأتي علي بهيمة تأكلني، وأني لم أخلق، فنزلت: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى ما يلقاه المجرمون: المشركون وأمثالهم من الكفار والفجار العصاة من ألوان العذاب الأخروي، ذكر هنا ما أعدّه الله عز وجل للمؤمنين المتقين الذين يخافون ربهم في السر والعلن من أنواع النعيم الروحي والمادي في الجنة، من قصور، ورياض غنّاء، وبساتين خضراء، وأنهار جارية، وفواكه متنوعة، وفرش حريرية، ونساء حسان كالياقوت صفاء، واللؤلؤ أو الدر بياضا، بسبب ما قدموا من صالح الأعمال. والخلاصة: أنه لما ذكر أحوال أهل النار، ذكر ما أعدّ للأبرار.
التفسير والبيان:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي ولمن خشي الله وراقبه، فهاب الموقف الذي يقف فيه العباد بين يدي الله للحساب، وحسب الحساب لإشراف الله تعالى على أحواله، واطلاعه على أفعاله وأقواله جنتان:
روحية وجسمانية، أما الروحية فهي رضا الله تعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة ٩/ ٧٢] وأما الجسمانية فهي متع مادية كمتاع الدنيا وأسمى، بسبب أعماله
223
الصالحة. فبأي نعم الله تكذبان أيها الثقلان، فإن نعيم الجنان لا مثيل له، فضلا عن الخلود والدوام فيه، ولا مانع أن يعطي الله جنتين وجنانا عديدة.
والصحيح- كما قال ابن عباس وغيره- أن هذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا.
أخرج البخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا أبا داود عن أبي موسى الأشعري قال: «جنان الفردوس أربع جنات: جنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء، على وجهه، في جنة عدن».
وأخرج ابن جرير والنسائي عن أبي الدرداء: أن رسول الله ﷺ قرأ يوما هذه الآية: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فقلت: وإن زنى وإن سرق؟
فقال: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ فقال:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟
فقال: «وإن رغم أنف أبي الدرداء».
ثم وصف هاتين الجنتين، فقال: ذَواتا أَفْنانٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي ذواتا أغصان نضرة حسنة، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة، أو ذواتا أنواع من الأشجار والثمار، فبأي نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس، فإن هذا الجمال وهذه النعمة لمما يحرص عليها العقلاء.
فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي في كل واحدة من الجنتين عين جارية، فهما عينان تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان، فتثمر من جميع الألوان. قال الحسن البصري: إحداهما يقال لها: تسنيم، والأخرى السلسبيل. فبأي نعم الله يحدث التكذيب؟ فتلك حقيقة قطعية، ونعمة عظيمة.
224
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي في الجنتين من كل نوع يتفكه به ومن جميع أنواع الثمار صنفان ونوعان، يستلذ بكل نوع منهما، أحدهما رطب والآخر يابس، لا يتميز أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب خلافا لثمار الدنيا، بل فيهما مما يعلم وخير مما يعلم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فبأي شيء من هذه النعم تكذبان يا إنس ويا جن؟ قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء، يعني أن بين ذلك بونا عظيما، وفرقا واضحا.
وبعد ذكر الطعام ذكر الفراش، فقال:
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي إن أهل الجنة يضطجعون ويجلسون ويتنعمون على فرش بطائنها (وهي التي تحت الظهائر) من إستبرق (وهو ما غلظ من الديباج، أو الديباج الثخين) قال ابن مسعود وأبو هريرة: هذه البطائن، فكيف لو رأيتم الظواهر؟ وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق، فما الظواهر؟ قال:
هذا مما قال الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة ٣٢/ ١٧].
وقال ابن عباس: إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله.
وثمر الجنتين قريب التناول منهم متى شاؤوا وعلى أي صفة كانوا، كما قال تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ [الحاقة ٦٩/ ٢٣] وقال سبحانه: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان ٧٦/ ١٤] أي لا تمتنع ممن تناولها، بل تميل إليه من أغصانها. فبأي شيء من هذه النعم يحصل التكذيب والإنكار؟! ثم ذكر تعالى أوصاف الحور والنساء، فقال:
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
225
تُكَذِّبانِ
أي هناك نساء في الجنتين المذكورتين وما فيهما من أنهار وعيون وفرش وغيرها، أو في هذه الآلاء (النعم) المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى (الثمر) أو في الجنان، لأن ذكر الجنتين يدل عليه، ولأنهما يشتملان على أماكن ومجالس ومتنزهات، وهن نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم لم يمسسهن ولم يفتضهن ولم يجامعهن قبلهم أحد من الإنس والجن، لأنهن خلقن في الجنة، فبأي النعم تكذبان أيها الثقلان؟! والطمث: الافتضاض. ثم نعت (وصف) النساء بقوله:
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي كأن تلك النسوة الياقوت صفاء، وصغار اللؤلؤ بياضا، فبأي نعمة تكذبان؟
والياقوت: هو الحجر الصافي الكريم المعروف، والمرجان: حجر يؤخذ من البحر، وهو الأحمر المعروف. قال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم: في صفاء الياقوت وبياض المرجان. فجعلوا المرجان هنا اللؤلؤ.
أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على ضوء كوكب درّي في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أغرب».
ثم بيّن الله تعالى سبب هذا الثواب فقال:
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة، فهاتان الجنتان لأهل الإيمان وصالح الأعمال، كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس ١٠/ ٢٦].
226
أخرج البغوي والبيهقي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس بن مالك قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ وقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة».
وبما أن الذي ذكر هنا نعم عظيمة لا يقابلها عمل، بل مجرد تفضل وامتنان، قال تعالى بعد ذلك: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟
فقه الحياة أو الأحكام:
يستفاد من الآيات ما يأتي:
١- لكل من خاف المقام بين يدي ربه للحساب، فترك المعصية، أو خاف إشراف ربه واطلاعه عليه جنتان، أي لكل خائف جنتان على حدة،
ذكر المهدوي والثعلبي عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «الجنتان: بستانان في عرض الجنة، كل بستان مسيرة مائة عام، في وسط كل بستان دار من نور، وليس منها شيء إلا يهتز نغمة وخضرة، قرارها ثابت، وشجرها ثابت».
٢- تلك الجنتان: ذواتا ألوان من الفاكهة والأغصان والأشجار والثمار، وفي كل واحدة منهما عين جارية، تجريان بالماء الزلال، إحدى العينين: التسنيم، والأخرى السلسبيل، كما تقدم من قول الحسن.
وفيهما أيضا من كل ما يتفكه به صنفان أو نوعان، وكلاهما حلو يستلذ به، قال ابن عباس: ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو. وثمر الجنة (الجنى) قريب التناول لكل إنسان، خلافا لجنة دار الدنيا.
٣- أهل الجنة يضطجعون ويجلسون على فرش بطائنها (جمع بطانة: وهي
227
التي تحت الظهارة) من إستبرق (ما غلظ من الديباج وخشن) وإذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا، فما ظنك بالظهارة؟ كما قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهذا يدل على نهاية شرفها، وتمتع أهلها بالثواب والنعيم العظيم.
والظاهر أن لكل واحد فرشا كثيرة، لا أن لكل واحد فراشا واحدا. والاتكاء يدل على صحة الجسم وفراغ القلب والشعور بالمتعة والسرور البالغ.
٤- في الجنات وما فيها من ألوان النعمة نساء قاصرات الأبصار على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم، بكارى، لم يصبهن بالجماع قبل أزواجهن هؤلاء أحد.
٥- في قوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ دليل على أن الجن تغشى كالإنس، وتدخل الجنة، ويكون لهم فيها جنيّات، ودليل على أن نساء الآدميات قد يطمثهن الجان، والطمث: الافتضاض أو الجماع، وأن الحور العين قد برئن من هذا العيب ونزّهن. قال ضمرة: للمؤمنين من الجن أزواج من الحور العين، فالإنسيات للإنس، والجنيات للجن.
٦- من أوصاف تلك النساء: أنهن في صفاء الياقوت وبياض المرجان.
روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها من وراء سبعين حلّة، حتى يرى مخّها»
وذلك بأن الله تعالى يقول: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ. والياقوت كما تقدم: حجر أملس شديد الصفاء. والمرجان: صغار الدر أو اللؤلؤ.
٧- ترتيب النعم في غاية الحسن، فإن الله تعالى ذكر أولا المسكن وهو الجنة، ثم بيّن ما يتنزه به من البساتين، فقال: ذَواتا أَفْنانٍ،... فِيهِما عَيْنانِ...
ثم ذكر ما يتناول من المأكول، فقال: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ ثم ذكر موضع الراحة بعد التناول وهو الفراش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه من الحوريات.
228
٨- أردف الله تعالى كل نعمة بتوبيخ من ينكرها أو يكذب بها، ومنها نعم تقابل بعمل، ونعم هي مجرد فضل وامتنان دون مقابلة عمل.
٩- هذه النعم في الغالب جزاء أو ثواب العمل الصالح في الدنيا، وهل جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة؟ وآية هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ.. فيها دلالات واضحة ثلاث: هي ما يأتي:
الأولى- رفع التكليف عن العوام والخواص في الآخرة، وأما الحمد والشكر فهو لذة زائدة على كل لذة سواها.
الثانية- إن العبد محكّم في أحوال نعيم الآخرة، كما قال تعالى: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ [يس ٣٦/ ٥٧].
الثالثة- كل ما يتخيله الإنسان من أنواع الإحسان الإلهي، فهو دون الإحسان الذي وعد الله تعالى به، لأن عطاء الكريم لا يحد ولا يوصف، فالذي يعطي الله فوق ما يرجو العبد، وذلك على وفق كرمه وإفضاله.
- ٢- وصف آخر للجنات
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٧٨]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
229
الإعراب:
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ أي ولهم من دونهما جنتان، فحذف «لهم» لدلالة الكلام عليه تخفيفا.
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ خَيْراتٌ: أصله: خيرات بالتشديد، وقد قرئ به على الأصل، إلا أنه خفف كتخفيف شيد وهين وميت.
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ حال، ورَفْرَفٍ وهي الوسائد: إما اسم جمع، كقوم ورهط، ولهذا وصف ب خُضْرٍ وهو جمع أخضر، كقولك: قوم كرام، ورهط لئام. أو مع «رفرفة» مثل عبقري جمع عبقرية. وعَبْقَرِيٍّ: منسوب إلى عبقر: وهو اسم موضع ينسج به الوشي الحسن، وجمع عبقر: عباقر، ومن قرأ «عباقريّ» فلا يصح أن ينسب إليه وهو جمع، لأن النسب إلى الجمع يوجب ردّه إلى الواحد، إلا أن يسمع بالجمع، فيجوز أن ينسب إليه على لفظه كمعافريّ وأنماريّ، ولا يعلم أن عباقر: اسم لموضع مخصوص بعينه.
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ يقرأ «ذو الجلال» وصف للاسم، ويقرأ بالجر على أنه وصف ل رَبِّكَ.
المفردات اللغوية:
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ أي ومن دون الجنتين المذكورتين الموعودتين للخائفين المقرّبين، أي ورائهما جنتان أقل منهما. مُدْهامَّتانِ شديدتا الخضرة من كثرة الري والعناية، كأنهما سوداوان، والدهمة في اللغة: السواد. ضَّاخَتانِ
فوارتان بالماء. فِيهِما فاكِهَةٌ، وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ عطفهما على الفاكهة بيانا لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء، وثمرة الرمان فاكهة ودواء، كما قال البيضاوي: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ في الجنتين وما فيهما أو في الجنان نساء خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه، وخيرات مخففة
كقوله صلى الله عليه وسلم: «هينون لينون».
حُورٌ جمع حوراء: بيضاء، شديدة سواد العين وبياضها. مَقْصُوراتٌ مخدّرات مستورات. فِي الْخِيامِ جمع خيمة: وهي التي تنصب على أعواد أربعة وتسقف بنبات الأرض، وأما الخباء: فهو ما يتخذ من شعر أو وبر.
وخيام الجنة شبيهة بالخدور، مصنوعة من الدّر. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ لم يفتضهن أو يجامعهن.
230
رَفْرَفٍ وسائد، جمع رفرفة. وَعَبْقَرِيٍّ طنافس منقوشة عجيبة الوشي نادرة. تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ تقدس وتنزه اسم الله الذي يطلق على ذاته. ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أي ذي العظمة والكبرياء، أو ذي العظمة والتكريم عن كل ما لا يليق به، أو الإفضال والإنعام على عباده.
المناسبة:
ذكر الله تعالى في الآيات السابقة بعض أوصاف الجنة التي هي ثواب المتقين الخائفين ربهم، ثم أردفه بأوصاف أخرى للجنة، مبينا أولا أن ثواب الخائفين جنتان، وثواب آخر مثله وهو جنتان أخريان.
التفسير والبيان:
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، مُدْهامَّتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي وهناك جنتان أخريان للخائفين، أو هناك جنتان أخريان، دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة، لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة، تقدم
في الحديث: جنتان من ذهب آنيتهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، فالأوليان للمقرّبين، والأخريان لأصحاب اليمين.
وفي الجنتين السابقتين أشجار وفواكه وغير ذلك، وكذا هاتان الجنتان خضراوان، فهما من شدة خضرتهما سوداوان في رأي العين، من شدة الري المائي. وقد فسر ابن عباس وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما من الصحابة والتابعين قوله تعالى:
مُدْهامَّتانِ بأنهما خضراوان، وذلك مروي في حديث عن أبي أيوب أخرجه الطبراني وابن مردويه.
فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟ فالجنتان في غاية المتعة والنضرة والخضرة، ولكنهما دون الجنتين المتقدمتين في الرتبة والفضيلة، فهناك جنتان ذواتا أفنان، أي أغصان وأشجار وفواكه، وهنا جنتان خضراوان.
فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي في الجنتين عينان
231
فيّاضتان فوّارتان بالماء العذب، فهناك جنتان تجريان، وهنا جنتان فوّارتان، والجري أقوى من النضخ، قال البراء بن عازب: العينان اللتان تجريان خير من النضاختين. فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن؟
فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي في هاتين الجنتين فاكهة كثيرة متنوعة، ومنها ثمر النخيل والرمان، وإفرادهما بالذكر من بين سائر الفواكه ليس من عطف الخاص على العام كما ذكر البخاري وغيره، وإنما لمزيد حسنهما، وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه، ولشرفهما على غيرهما، لدوامهما وكونهما غذاء ودواء، ولوجودهما في الخريف والشتاء.
وقد قال هناك: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ وقال هنا: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع، من قوله: فاكِهَةٌ فهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم.
فبأي نعم الله تكذبان يا إنس ويا جن، فإن هذه النعم تستحق الحمد والشكر.
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي في هاتين الجنتين نساء حسان الخلق والخلق، أو هن ذوات فضل، خيّرات فاضلات الأخلاق، حسان الوجوه، فالخيّرات جمع خيّرة، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق، الحسنة الوجه، وهو قول الجمهور، بدليل
ما روى الحسن عن أم سلمة قالت: «قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى: خَيْراتٌ حِسانٌ؟ قال: خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه»
وفي حديث آخر أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان، خلقنا لأزواج كرام.
وقال قتادة: المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة.
232
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي إن هؤلاء النساء الخيرات حور شديدات البياض، وفي عيونهن حور، أي واسعات الأعين، مع صفاء البياض، مخدرات محجبات مستورات في خيام الجنة المكونة من الدرّ المجوفة، فلسن مترددات في الشوارع والطرقات. وقد وصفت نساء الجنتين هناك بأنهن قاصِراتُ الطَّرْفِ فهن أعلى منزلة من هؤلاء المذكورات في هذه الآية: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ لأنه لا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت، وإن كان الجميع مخدرات. والعرب يمدحون ويؤثرون النساء الملازمات للبيوت، لتوافر الصون، فبأي نعم الله هذه ونحوها تكذبان؟! لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي لم يمسّهن ولم يجامعهن قبل ذلك أحد من الإنس والجن، توفيرا للمتقين الخائفين ربّهم، فبأي نعم الله تكذبان؟! وقد زاد في وصف نساء الجنتين السابقتين بقوله: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي وهم في الجنة متكئون مستندون على وسائد خضراء، وبسط منقوشة بديعة فاخرة متقنة الصنع، فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟! وقد وصف الله مرافق الجنتين الأوليين بما هو أرفع وأولى من هذه الصفة، فإنه تعالى قال هناك:
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ.
وختمت الصفات المتقدمة بقوله: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى مراتب العبادة.
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أي تقدس وتنزه الله صاحب العزة والعظمة والتكريم على ما أنعم به على عباده المخلصين، فهو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.
233
ويلاحظ أنه قال سابقا بعد ذكر نعم الدنيا: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ للإشارة إلى فناء كل شيء من الممكنات، وقال بعد ذكر نعم الآخرة: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ للإشارة إلى بقاء أهل الجنة ذاكرين اسم الله متلذذين به.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- هناك أربع جنان ذات منازل مختلفة لمن خاف مقام ربّه، فجنتان للمقربين، ودونهما في المكان والفضل جنتان لأصحاب اليمين، كما قال ابن زيد، وقال ابن جريج: هي أربع: جنتان منها للسابقين المقرّبين: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ وعَيْنانِ تَجْرِيانِ وجنتان لأصحاب اليمين فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ويهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
وقد ذكرت ما رواه أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «جنتان من فضة، أبنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، أبنيتهما وما فيهما».
٢- لما وصف الله الجنتين لكل فريق أشار إلى الفرق بينهما:
أولا- فقال في الأوليين: ذَواتا أَفْنانٍ أي ذواتا ألوان من الفاكهة، وقال في الأخريين: مُدْهامَّتانِ مخضرتان في غاية الخضرة من الري.
ثانيا- وقال في الأوليين: فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ وفي الأخريين:
هِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
أي فوّارتان ولكنهما ليستا كالجاريتين، لأن النضخ دون الجري.
ثالثا- وقال في الأوليين: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ فعمّ ولم يخص، وفي الأخريين: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ولم يقل: من كل فاكهة.
قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة، لأن الشيء لا يعطف
234
على نفسه، إنما يعطف على غيره، وهذا ظاهر الكلام. وقال الجمهور: هما من الفاكهة، وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة، كقوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [البقرة ٢/ ٢٣٨]، وقوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة ٢/ ٩٨].
وبناء على الرأي الأول قال أبو حنيفة: من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل رمّانا أو رطبا، لم يحنث. وخالفه صاحبه والجمهور.
رابعا- وقال في الأوليين: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ... وفي الأخريين:
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ يعني النساء، الواحدة خيرة، على معنى ذوات خير، وقرئ «خيّرات» والتي قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت، كما تقدم.
ووصفت الأوليان بقوله: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ.
ويلاحظ أنه سبحانه قال في الموضعين عند ذكر الحور: فِيهِنَّ وفي سائر المواضع: فِيهِما والسرّ في ذلك الإشارة إلى أن لكل حورية مسكنا على حدة، متباعدا عن مسكن الأخرى، متسعا يليق بالحال، وهذا ألذ وأمتع وأهنا للرجل الواحد عند تعدد النساء، فيحصل هناك متنزهات كثيرة، كل منها جنة، وكأن في ضمير الجمع إشارة لذلك. أما العيون والفواكه فلا حاجة فيها لهذا الاستقلال، فاكتفى فيها بعود الضمير إلى الجنتين فقط.
وهل الحور أكثر حسنا وأبهر جمالا من الآدميات؟ قيل: الحور، لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة،
ولقوله ﷺ في دعائه على الميت في الجنازة:
«وأبدله زوجا خيرا من زوجه».
وقيل:
الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف، لحديث روي مرفوعا «١».
(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٨٧ وما بعدها.
235
والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا، وإنما هنّ مخلوقات في الجنة، لأن الله تعالى قال: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات.
خامسا- وقال في الأوليين: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ..
وفي الأخريين: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ ويلاحظ أن الوصف الأول أرفع وأفخم.
٣- كرر الله تعالى في هذه السورة قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إحدى وثلاثين مرة: ثمانية منها ذكرها عقيب تعداد عجائب خلقه، وذكر المبدأ والمعاد، ثم سبعة منها عقيب ذكر النار وأهوالها على عدد أبواب جهنم، وبعد هذه السبعة أورد ثمانية في وصف الجنات وأهلها على عدد أبواب الجنة، وثمانية بعدها عقيب وصف الجنات التي هي دونهما، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها، استحق كلتا الثمانيتين من الله، ووقاه السبعة السابقة.
٤- نزّه الله تعالى نفسه عما لا يليق بجلاله، وختم السورة به، والاسم (اسم الجلالة) مقحم على المشهور للتبرك والتعظيم كالوجه في قوله تعالى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ، وهذا لتعليم العباد بأن كل ما ذكر من آلاء ونعم من فضله ورحمته، وأن من عدله تعذيب العاصين، وإثابة الطائعين، فإنه افتتح السورة باسم الرَّحْمنُ فوصف خلق الإنسان والجن، وخلق السموات والأرض وصنعه، وأنه كل يوم هو في شأن، ووصف تدبيره فيهم، ثم قال في آخر السورة: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أي هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة، كأنه يعلم عباده أن هذا كله خرج لكم من رحمتي، فمن رحمتي خلقكم وخلقت لكم السماء والأرض والخلق والخليقة والجنة والنار، فهذا كله من اسم الرحمن.
236

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الواقعة
مكيّة، وهي ست وتسعون آية.
تسميتها:
سميت سورة الواقعة، لافتتاحها بقوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي إذا قامت القيامة التي لا بدّ من وقوعها.
مناسبتها لما قبلها:
تتصل هذه السورة بسورة الرحمن، وتتآخى معها من وجوه:
١- في كل من السورتين وصف القيامة والجنة والنار.
٢- ذكر تعالى في سورة الرحمن أحوال المجرمين وأحوال المتقين في الآخرة وبيّن أوصاف عذاب الأولين في النار، وأوصاف نعيم الآخرين في الجنان، وفي هذه السورة أيضا ذكر أحوال يوم القيامة وأهوالها وانقسام الناس إلى ثلاث طوائف: هم أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون، فتلك السورة لإظهار الرحمة، وهذه السورة لإظهار الرهبة، على عكس تلك السورة مع ما قبلها.
٣- ذكر تعالى في سورة الرحمن انشقاق السماء (تصدعها) وذكر هنا رجّ الأرض، فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما في الموضوع سورة واحدة، ولكن مع عكس الترتيب، فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك.
237
فافتتح سورة الرحمن بذكر القرآن ثم الشمس والقمر، ثم النبات، ثم خلق الإنسان والجان من نار، ثم صفة يوم القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة، وابتدئت هذه السورة بوصف القيامة وأهوالها، ثم صفة الجنة، ثم صفة النار، ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم النجوم التي لم يذكرها في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم القرآن، فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك.
ما اشتملت عليه السورة:
ابتدأت السورة بالحديث عن اضطراب الأرض وتفتت الجبال حين قيام الساعة، ثم صنفت الناس عند الحساب أقساما ثلاثة: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقين، وأخبرت عن مآل كل فريق وما أعده الله لهم من الجزاء العادل يوم القيامة.
وأوضحت أن الأولين والآخرين من الخلائق مجتمعون في هذا اليوم.
ثم أقامت الأدلة على وجود الله الخالق ووحدانيته وكمال قدرته، وإثبات البعث والنشور والحساب، من خلق الإنسان، وإخراج النبات، وإنزال الماء، وخلق قوة الإحراق في النار.
ثم أقسم الله عزّ وجلّ بمنازل النجوم على صدق تنزيل القرآن من ربّ العالمين، وأنه كان في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون، وندد بالتشكيك في صحته وصدقه.
ولفت الله تعالى النظر إلى ما يلقاه الإنسان عند الاحتضار من شدائد وأهوال. وختمت السورة ببيان عاقبة الطوائف الثلاث وما يجدونه من جزاء، وهم المقرّبون الأبرار، السابقون إلى خيرات الجنان، وأهل اليمين السعداء، والمكذّبون الضالون أهل الشقاوة، وأن هذا الجزاء حق ثابت متيقن لا شك فيه.
238
وكل ذلك يستدعي الإقرار بوجود الخالق وتنزيهه عما لا يليق به من الشرك ونحوه، وتوبيخ المكذبين على إنكار وجود الله تعالى وتوحيده.
فضلها:
وردت أحاديث في فضل هذه السورة منها:
١-
أخرج الحافظ أبو يعلى وابن عساكر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا»
وفي رواية: «في كل ليلة».
٢-
أخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله ﷺ قال: «سورة الواقعة سورة الغنى، فاقرؤوها، وعلّموها أولادكم»
وأخرج الديلمي عنه مرفوعا: «علّموا نساءكم سورة الواقعة، فإنها سورة الغنى».
٣- أخرج الإمام أحمد عن جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله ﷺ يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور.
٤-
أخرج الترمذي عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبت قال: «شيّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعَمَّ يَتَساءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ»
وقال: حسن غريب.
٥-
أخرج الثعلبي وابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود عن أبي ظبية قال: مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه، فعاده عثمان بن عفان، فقال:
ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال:
لا حاجة لي فيه، قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: أتخشى على بناتي
239
Icon