تفسير سورة الرحمن

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٥٥ شرح إعراب سورة الرحمن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)
الرَّحْمنُ (١) رفع بالابتداء وخبره عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) أي من رحمته علّم القرآن فبصّر به رضاه الذي يقرّب منه وسخطه الذي يباعد منه ومن رحمته.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣ الى ٤]
خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)
فهو خبر بعد خبر.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٥]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مبتدأ، وقيل: الخبر محذوف أي يجريان بِحُسْبانٍ وقيل:
الخبر بِحُسْبانٍ.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٦]
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: النجم ما تبسّط على الأرض من الزرع يعني البقل ونحوه، قال: والشجر ما كان على ساق. قال أبو جعفر: وهذا أحسن ما قيل في معناه أي يسجد له كل شيء أي ينقاد لله جلّ وعزّ.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٧]
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧)
وَالسَّماءَ رَفَعَها نصبت بإضمار فعل يعطف ما عمل فيه لفعل على مثله وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال الفراء «١» : أي العدل، وقال غيره: هو الميزان الذي يوزن به.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١١٣.

[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٨ الى ٩]

أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) «أن» في موضع نصب، والمعنى: بأن لا تطغوا، وتَطْغَوْا في موضع نصب بأن، ويجوز أن يكون «أن» بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب، ويكون تطغوا في موضع جزم بالنهي. قال أبو جعفر: وهذا أولى لأن بعده وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وقرأ بلال بن أبي بردة وَلا تُخْسِرُوا «١» بفتح التاء. وهي لغة معروفة.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٠]
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠)
نصب الأرض بإضمار فعل.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١١]
فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١)
فِيها فاكِهَةٌ مبتدأ. وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ عطف عليه. الواحد كمّ وهو ما أحاط بها من ليف وسعف وغيرهما.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٢]
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢)
وَالْحَبُّ مرفوع على أنه عطف على فاكهة أي وفيها الحبّ. ذُو الْعَصْفِ نعت له. وَالرَّيْحانُ عطف أيضا. وقراءة الأعمش وحمزة والكسائي. ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ «٢» بالخفض بمعنى وذو الريحان.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٣]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فبأيّ نعم ربّكما. قال أبو جعفر: فإن قيل: إنما تقدّم ذكر الإنسان فكيف وقعت المخاطبة لشيئين؟ ففي هذا غير جواب منها أن الأنام يدخل فيه الجنّ والإنس فخوطبوا على ذلك، وقيل: لمّا قال جلّ وعزّ:
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ [الحجر: ٢٧] وقد تقدم ذكر الإنسان خوطب الجميع وأجاز الفراء «٣».
أن يكون على مخاطبة الواحد بفعل الاثنين، وحكى ذلك عن العرب.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٤]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصّلصال الطين اليابس. فالمعنى على هذا خلق الإنسان من طين يابس يصوّت كما يصوّت الطين الذين قد مسّته النار. وهو الفخار. وقيل: الصلصال المنتن فعلان، من صلّ اللحم إذا أنتن، ويقال أصلّ.
(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٤٩، والبحر المحيط ٨/ ١٨٨، وهذه قراءة زيد بن علي أيضا.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٨٩، وهذه قراءة حمزة والكسائي والأصمعي عن أبي عمرو.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ١١٤.

[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦)
قيل: المارج مشتقّ من مرج الشيء إذا اختلط، والمارج من بين أصفر وأخضر وأحمر، وكذا لسان النار. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: هو من خالص النار.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٧]
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)
رفع على إضمار مبتدأ يجوز أن يكون بدلا من المضمر الذي في «خلق»، ويجوز الخفض «١» بمعنى: فبأيّ آلاء ربّكما ربّ المشرقين وربّ المغربين، ويجوز النصب بمعنى أعني.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٨]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
ليس بتكرير لأنه إنما أتى بعد نعم أخرى سوى التي تقدّمت.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ١٩]
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مرج أرسل. واختلف العلماء في معنى البحرين هاهنا فقال الحسن وقتادة: هما بحر الروم وبحر فارس، وقال سعيد بن جبير وابن أبزى: هما بحر السماء وبحر الأرض، وكذا يروى عن ابن عباس إلّا أنه قال: يلتقيان كلّ عام. وقول سعيد بن جبير وابن أبزى يذهب إليه محمد بن جرير لعلّة أوجبت ذلك عنده نذكرها بعد هذا.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١)
قال بعض أهل التفسير: لا يبغيان على الناس، وقال بعضهم: لا يبغي أحدهما على الآخر. وظاهر الآية يدل على العموم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة يَخْرُجُ «٢» والضمّ أبين لأنه إنما يخرج إذا أخرج. وتكلّم العلماء في معنى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فمذهب الفراء «٣» أنه إنما
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٨٩ (قرأ الجمهور بالرفع، وأبو حيوة وابن أبي عبلة بالخفض بدلا من «ربّكما» ).
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٩٠ (قرأ الجمهور «الخرج» مبنيا للفاعل، ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة مبنيا للمفعول، والجعفي عن أبي عمرو بالياء مضمومة وكسر الراء). [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ١١٥.
يخرج من أحدهما وجعله مجازا. وفي هذا من البعد ما لا خفاء به على ذي فهم أن يكون «منهما» من أحدهما. وقيل: يخرج إنما هو للمستقبل فيقول: إنه يخرج منهما بعد هذا. وقيل: يخرج منهما حقيقة لا مجازا لأنه إنما يخرج من المواضع التي يلتقي فيها الماء الملح والماء العذب. وقول رابع هو الذي اختاره محمد بن جرير وحمله على ذلك التفسير لما كان من تقوم الحجّة بقوله قد قال في قوله جلّ وعزّ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ أنهما بحر السماء وبحر الأرض، وكان اللؤلؤ والمرجان إنما يوجد في الصّدف إذا وقع المطر عليه، ويدلّك على هذا الحديث عن ابن عباس قال: «إذا مطرت السماء فتحت الصدف أفواهها».
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
الجواري في موضع رفع، حذفت الضمة من الياء لثقلها، وحذفه الياء بعيد، ومن حذف الياء قال الكسرة تدلّ عليها، وقد كانت تحذف قبل دخول الألف واللام.
وقراءة الكوفيين غير الكسائي وله الجواري المنشئات «١» يجعلونها فاعلة و «المنشأات» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وهي أبين. فأما ما روي عن عاصم الجحدري أنه قرأ المنشيّات فغير محفوظ لأنه إن أبدل الهمزة قال: المنشيات وإن خفّفها جعلها بين الألف والهمزة فقال: المنشاءات وهذا المحفوظ من قراءته. كالأعلم في موضع نصب على الحال.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٢٦]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦)
الضمير يعود على الأرض وضعها أي كلّ من على الأرض يفنى ويهلك.
والأصل: فاني استثقلت الحركة في الياء فسكّنت ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين بعدها.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨)
ذُو من نعت وجه لأن المعنى ويبقى ربّك، كما تقول: هذا وجه الأرض.
وفي قراءة ابن مسعود ويبقى وجه ربك ذي «٢» الجلال والإكرام من نعت ربّك.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٢٩]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مذهب قتادة وليس بنصّ قوله يفزع إليه أهل السموات
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢٠، والبحر المحيط ٨/ ١٩١، وتيسير الداني ١٦٧ (قرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين، والباقون بفتحها).
(٢) وهي قراءة أبيّ أيضا، انظر البحر المحيط ٨/ ١٩١.
وأهل الأرض في حاجاتهم لا غناء بهم عنه. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أي في شأنهم وصلاحهم وتدبير أمورهم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢)
فيه خمس قراءات «١» ذكر أبو عبيد منها اثنتين قد قرأ بكل واحدة منهما خمسة قراء وهما (سنفرغ) و (سيفرغ) فقرأ بالأولى أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وعاصم، وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي (سيفرغ) ولم يذكر أبو عبيد طلحة، وقرأ عبد الرحمن الأعرج وقتادة (سنفرغ لكم) بفتح النون والراء. وقرأ عيسى بن عمر (سنفرغ) بكسر النون وفتح الراء، وذكر الفراء أنه يقرأ (سيفرغ) بضم الياء وفتح الراء. قال أبو جعفر: القراءتان الأوليان بمعنى واحد. وحكى أبو عبيد أن لغة أهل الحجاز وتهامة فرغ يفرغ وأنّ لغة أهل نجد فرغ يفرغ وأنه لا يعرف أحدا من القراء قرأ بها. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا من قرأ بها. فمن قال: فرغ يفرغ جاء به على الأصل لأن فيها حرفا من حروف الحلق وحروف الحلق الهمزة والعين والغين والحاء والخاء والهاء، وحروف الحلق يأتي منها فعل يفعل كثيرا نحو ذهب يذهب وصنع يصنع، ويأتي ما فيه لغتان نحو صبغ يصبغ ويصبغ ورعف يرعف ويرعف، ويأتي منهما ما لا يكاد يفتح نحو نحت ينحت وإنما يرجع في هذا إلى اللغة.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤)
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نداء مضاف. إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا على مذهب الضّحاك أن المعنى «سنفرغ لكم أيّها الثقلان» فيقال لكم: يا معشر الجن والإنس وذكر أنّ هذا يوم القيامة تنزل ملائكة سبع السموات فيحيطون بأقطار الأرض فيأتي الملك الأعلى جلّ وعزّ. وقرأ الضحاك: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢] ثم يؤتى بجهنّم فإذا راها الناس هربوا وقد اصطفّت الملائكة على أقطار الأرض سبعة صفوف. وقرأ الضحاك: يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [غافر: ٣٢، ٣٣]، وقرأ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، وروي عنه أنه قال: إن استطعتم أن تهربوا من الموت وروي عن ابن عباس أن استطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في الأرض لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ
(١) انظر القراآت المختلفة في البحر المحيط ٨/ ١٩٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢٠، ومختصر ابن خالويه ١٤٩، وتيسير الداني ١٦٧، ومعاني الفراء ٣/ ١١٦.
قال عكرمة: أي بحجة قال: وكل سلطان في القرآن فهو حجة، وقال قتادة:
بسلطان أي بملكة.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٣٥]
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وهي مروية عن الحسن (شواظ) «١» بكسر الشين. والفراء يذهب إلى أنهما لغتان بمعنى واحد، كما يقال: صوار وصوار. (ونحاس) «٢» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع والكوفيين بالرفع، وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو (ونحاس) «٣» بالخفض، وقرأ مجاهد (ونحاس) بكسر النون والسين، وقرأ مسلم بن جندب (ونحس) بغير ألف وبالرفع. قال أبو جعفر: الرفع في و «نحاس» أبين في العربية لأنه لا اشكال فيه يكون معطوفا على «شواظ»، وإن خفضت عطفته على نار، واحتجت إلى الاحتيال، وذلك أن أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس يقولون: الشّواظ اللهب، والنحاس الدخان فإذا خفضت فالتقدير شواظ من نار ومن نحاس. والشواظ لا يكون من النحاس كما أن اللهب لا يكون من الدخان إلا على حيلة واعتذار والذي في ذلك من الحيلة، وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد، أنه لمّا كان اللهب والدخان جميعا من النار كان كلّ واحد منهما مشتملا على الآخر، وأنشد للفرزدق: [الطويل] ٤٤٧-
فبتّ أقدّ الزاد بيني وبينه... على ضوء نار مرّة ودخان
«٤» فعطف ودخان على نار، وليس للدخان ضوء لأن الضوء والدخان من النار وإن عطفت ودخان على ضوء لم تحتج إلى الاحتيال، وأنشد غيره في هذا بعينه: [الرجز] ٤٤٨-
شراب ألبان وتمر وأقط
«٥» وإنما الشروب الألبان ولكنّ الحلق يشتمل على هذه الأشياء، وقال أخر في مثله.
[مجزوء الكامل] ٤٤٩-
يا ليت زوجك قد غدا... متقلّدا سيفا ورمحا
«٦»
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١١٧، والبحر المحيط ٨/ ١٩٣، وتيسير الداني ١٦٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٩٣.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٤٩.
(٤) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٣٢٩، وفي الحماسة لابن الشجري ٢٠٨، والمقاصد النحوية ١/ ٤٦٢.
(٥) الرجز بلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٦١٣، ولسان العرب (زجج)، و (طفل)، والمقتضب ٢/ ٥١، والكامل للمبرد ٢٨٩.
(٦) مرّ الشاهد رقم (١٢٢).
لأنهما محمولان وقد قال الحسن ومجاهد وقتادة في قوله جلّ وعزّ: وَنُحاسٌ قالوا يذاب النحاس فيصبّ على رؤوسهم. فَلا تَنْتَصِرانِ أي ممن عاقبكما بذلك ولا تستفيدان منه.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٣٦]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
أي: فبأيّ نعم ربّكما الذي جعل الحكم واحدا في المنع من النقود، ولم يخصص بذلك أحدا دون أحد.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ وهو يوم القيامة. فَكانَتْ وَرْدَةً قال قتادة: هي اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، وزاد غيره وهي من حديد. كَالدِّهانِ أصح ما قيل فيه، وهو قول مجاهد والضحاك، أنه جمع دهن أي صافية ملساء.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٩ الى ٤٢]
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢)
فَيَوْمَئِذٍ جواب إذا. لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قول ابن عباس لا يسألون سؤال اختبار، لأنّ الله جلّ وعزّ قد حفظ عليهم أعمالهم، وقول قتادة أنّهم يعرفون بسواد الوجوه وزرق الأعين، ويدلّ على هذا أن بعده يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ والسيما والسيمياء العلامة. فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ يكون بالنواصي في موضع رفع اسم لم يسمّ فاعله ويجوز أن يكون مضمرا.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٤٣]
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣)
أي يقال لهم: هذه جهنم التي كانوا يكذبون بها في الدنيا.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٤٤]
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)
يَطُوفُونَ بَيْنَها أي بين أطباقها. وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ حكى عبد الله بن وهب عن ابن زيد قال: الاني الحاضر. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ قال يقول: قد انتهى حرّه. قال أبو جعفر: وكذا هو في كلام العرب قال النابغة: [الوافر] ٤٥٠-
وتخضب لحية غدرت وخانت بأحمر من نجيع الجوف ان
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٤٥]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)
أي: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم بها عليكم فلم يعاقب منكم إلّا المجرمين،
وجعل لهم سيمياء يعرفون بها حتّى لا يختلط بهم غيرهم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧)
رفع بالابتداء وبإضمار فعل بمعنى تجب أو تستقرّ، والتقدير: ولمن خاف مقام ربّه فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه خوف المقام الذي يقفه الله تعالى للحساب، ويبيّن هذا قوله: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: ٤٠] ولا يقال لمن اقتحم على المعاصي: خائف، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قال: وعد الله المؤمنين الذين أدّوا فرائضه الجنة.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩)
نعت للجنتين، والجنة عند العرب البستان. قال أبو جعفر: واحد الأفنان فنن على قول من قال: هي الأغصان، ومن قال: هي الألوان ألوان الفاكهة فواحدها وعندهم فن والأول أولى بالصواب لأن أكثر ما يجمع فنّ فنون فيستغنى بجمعه الكثير، كما يقال: شسع وشسوع. ومنه أخذ فلان في فنون من الحديث.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١)
أي في خلالهما نهران يجريان.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣)
أي من كل نوع من الفاكهة صنفان.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥)
نصب مُتَّكِئِينَ على الحال، والعالم فيه من غامض النحو. قال أبو جعفر: ولا أعلم أحدا من النحويين ذكره إلّا شيئا ذكره محمد بن جرير قال: هو محمول على المعنى أي: يتنعمون متكئين، وجعل ما قبله يدلّ على المحذوف. قال أبو جعفر:
ويجوز أن يكون بغير حذف، ويكون راجعا إلى قوله جلّ وعزّ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ كما تقول: لفلان تجارة حاضرا، أي في هذه الحال. ومُتَّكِئِينَ على معنى «من» ولو كان على اللفظ لكان متّكئا. وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ في موضع رفع بالابتداء. دانٍ خبره.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧)
فِيهِنَّ قال أبو جعفر: قد ذكرنا هذا الضمير وعلى من يعود. وفيه إشكال قد
بيّناه والتقدير: فيهن حور. قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ، وقراءة طلحة لَمْ يَطْمِثْهُنَّ «١» وهما لغتان معروفتان.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩)
أن في موضع خفض بالكاف، والكاف في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف «وهنّ» في موضع نصب اسم «أنّ»، وشددت لأنها بمنزلة حرفين في المذكّر، الْياقُوتُ خبر، وَالْمَرْجانُ عطل عليه.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)
مبتدأ وخبره أي على جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣)
في معناه قولان: أحدهما ومن دونهما في الدرج. وهذا مذهب ابن عباس، وتأوّل أنّ هاتين الجنتين هما اللتان قال الله جلّ وعزّ فيهما: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧]، والقول الآخر ومن دونهما في الفضل وهذا مذهب ابن زيد، قال: وهم لأصحاب اليمين.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥)
قال أبو حاتم: ويجوز في الكلام مدهمّتان لأنه يقال: ادهمّ وادهامّ، ومدهامتان من نعت الجنتين.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ضَّاخَتانِ
قال: فيّاضتان وقال الضحاك:
ممتلئتان، وقال سعيد بن جبير: نضّاختان بالماء والفاكهة، قال أبو جعفر: والمعروف في اللغة أنهما بالماء.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]
فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩)
فيها ثلاثة أقوال: منها أنه قيل: إنّ النخل والرمان ليسا من الفاكهة لخروجهما منها في هذه الآية، وقيل هما منها ولكن أعيد إشادة بذكرهما لفضلهما. وقيل: العرب تعيد الشيء بواو العطف اتّساعا لا لتفضيل، والقرآن نزل بلغتهم والدليل على ذلك أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الحج: ١٨] ثم قال جلّ
(١) انظر تيسير الداني ١٦٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢١، والبحر المحيط ٨/ ١٩٦.
وعزّ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وقال جلّ ثناؤه: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [البقرة: ٢٣٨] قال أبو جعفر: وهذا بيّن لا لبس فيه.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٠ الى ٧١]
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
وحكى الفراء «١» : خيّرات وخيرات. فأما البصريون فقالوا: خيرة بمعنى خيّرة فخفّف، كما قيل: ميّت وميت «وفيهن» يعود على الأربع الأجنّة.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣)
حُورٌ بدل وإن شئت كان نعتا. مَقْصُوراتٌ قال مجاهد: قصرن طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهن فلا يردن غيرهم، وقال أبو العالية: «مقصورات» محبوسات، وقال الحسن: مقصورات محبوسات لا يطفن في الطرق. قال أبو جعفر: والصواب في هذا أن يقال: إن الله جل وعز وصفهنّ بأنهنّ مقصورات فعمّ فنعمّ كما عمّ جلّ وعزّ فيقول: قصرن طرفهنّ وأنفسهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم وهن محبوسات في الخيام ومصونات.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥)
فدلّ بهذا على أن الجنّ يطئون.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧)
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ فخضر جمع أخضر، ورفرف لفظه لفظ واحد، وقد نعت بجمع لأنه اسم للجمع كما قال: مررت برهط كرام وقوم لئام وكذا: هذه إبل حسان وغنم صغار. وَعَبْقَرِيٍّ مثله غير أنه يجوز أن يكون جمع عبقرية، وقد قرأ عاصم الجحدري متكئين على رفارف خضر وعباقريّ حسان «٢» وقد روى بعضهم هذه القراءة عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإسنادها ليس بالصحيح، وزعم أبو عبيد أنها لو صحّت لكانت وعباقريّ بغير إجراء، وزعم أنه هكذا يجب في العربية. قال أبو جعفر: وهذا غلط بين عند جميع النحويين لأنهم قد أجمعوا جميعا أنه يقال: رجل مدائني بالصرف، وإنما توهّم أنه جمع، وليس في كلام العرب جمع بعد ألفه أربعة أحرف لا اختلاف بينهم أنك لو جمعت عبقرا لقلت عباقر، ويجوز على بعد عباقير، ويجوز عباقرة. فأما عباقريّ في الجمع فمحال والعلّة في امتناع جواز عباقريّ أنه لا يخلو من أن يكون منسوبا إلى عبقر فيقال: عبقريّ أو يكون منسوبا إلى
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٩٨، ومختصر ابن خالويه ١٥.
عباقر فيردّ إلى الواحد فيقال أيضا. عبقريّ كما شرط النحويون جميعا في النسب إلى الجمع أنك تنسب إلى واحدة فتقول في النسب إلى المساجد: مسجديّ وإلى العلوم علميّ وإلى الفرائض فرضيّ فإن قال قائل فما يمنع من أن يكون عباقرا اسم موضع ثم ينسب إليها كما يقال: معافريّ؟ قيل له: إن كتاب الله جلّ وعزّ لا يحمل على ما لا يعرف وتترك حجّة الإجماع.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٧٨]
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ أي البركة في اسمه جلّ وعزّ والبركة في اللغة بقاء النعمة وثباتها.
فحضهم بهذا على أن يكثروا ذكر اسمه جلّ وعزّ ودعاءه، وأن يذكروه بالإجلال والتعظيم له فقال: ذي الجلل والإكرام «١» أي الجليل الكريم وفي الحديث «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» «٢».
(١) قرأ ابن عامر (ذو الجلال) بالواو والباقون بالياء، انظر تيسير الداني ١٦٨، والبحر المحيط ٨/ ١٩٨. [.....]
(٢) أخرجه الترمذي (٣٥٢٤)، وأحمد في المسند ٤/ ١٧٧، والحاكم في المستدرك ١/ ٤٩٨، والطبراني في الكبير ٥/ ٦٠، والبخاري في التاريخ ٣/ ٢٨٠، وذكره السيوطي في الدرر ٦/ ١٥٣، والهيثمي في المجمع ١٠/ ١٥٨.
Icon