تفسير سورة الحاقة

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ
تفسير سورة الحاقة
وهي مكية وذكر النقاش في كتابه بروايته أن عمر - رضي الله عنه - قال : تعرضت لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن أسلم - فمضيت إلى المسجد فوجدته قد سبقني إليه، وقام يصلي فقمت خلفه - فقرأ سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، وأقول : هو شاعر كما يقوله قريش حتى بلغ قوله تعالى :( إنه لقول رسول كريم ما هو بقول شاعر )١ إلى آخر السورة، فعلمت أنه ليس بشاعر، ووقع الإسلام في قلبي.
١ - الحاقة ك ٤٠-٤١..

قَوْله تَعَالَى ﴿الحاقة مَا الحاقة﴾ هِيَ اسْم للقيامة.
وَسميت الْقِيَامَة حاقة؛ لِأَن فِيهَا حواق الْأُمُور، أَي: حقائقها.
وَيُقَال: لِأَنَّهَا حققت على كل إِنْسَان عمله من خير وَشر، وَتظهر جزاءه من الثَّوَاب وَالْعِقَاب.
قَالَ الْأَزْهَرِي: سميت حاقة؛ لِأَنَّهَا تحق الْكفَّار الَّذين حاقوا الْأَنْبِيَاء فِي الدُّنْيَا إنكارا لَهَا.
تَقول الْعَرَب: حاققت فلَانا فحققته، أَي خاصمته فَخَصمته.
وَقَوله: ﴿مَا الحاقة﴾ مَذْكُور على وَجه التَّعْظِيم والتفخيم.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(فدع عَنْك نهبا صِيحَ فِي حجراته وَلَكِن حَدِيث مَا حَدِيث الرَّوَاحِل)
فَمَا للاستفهام، وَهُوَ مَذْكُور فِي هَذَا الْموضع لتعظيم أَمر الرَّوَاحِل.
كَذَلِك هَاهُنَا.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا قَالَ " أَدْرَاك " فقد أعلم النَّبِي، وَمَا قَالَ: " وَمَا يدْريك " فَلم يُعلمهُ.
وَهُوَ مَذْكُور أَيْضا على طَرِيق التَّعْظِيم والتهويل.
وَمثله قَول أبي النَّجْم شعرًا:
(أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري... )
قَوْله تَعَالَى: ﴿كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة﴾ القارعة اسْم للقيامة أَيْضا.
قَالَ الْمبرد: سميت الْقِيَامَة قَارِعَة؛ لِأَنَّهَا تقرع الْقُلُوب، وتهجم عَلَيْهَا بالشدة وَالْكرب.
وَقَوله: ﴿فَأَما ثَمُود فأهلكوا بالطاغية﴾ قَالَ مُجَاهِد: بطغيانهم، وَهُوَ قَول أبي
34
﴿وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة (٦) سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية (٧) فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة (٨) ﴾. عُبَيْدَة أَيْضا.
وَيُقَال: بالطاغية أَي: بالصيحة.
(وَقيل) : بالرجفة.
وسمى الصَّيْحَة طاغية؛ لِأَنَّهَا زَادَت على الْمِقْدَار الَّذِي تُطِيقهُ الأسماع.
35
وَقَوله: ﴿وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر﴾ أَي: ذَات برد شَدِيد.
وعَلى هَذَا القَوْل أَخذ من الصر وَهُوَ الْبرد.
وَقيل [هِيَ] ذَات صَيْحَة.
وعَلى هَذَا مَأْخُوذ من الصرة وَهِي الصَّيْحَة.
وَقَوله ﴿عَاتِيَة﴾ أَي: عَتَتْ على خزانها.
قَالَ قبيصَة بن ذُؤَيْب.
لم يُرْسل الله ريحًا إِلَّا بِقدر مَعْلُوم غير الرّيح الَّتِي أرسلها على عَاد، فَإِنَّهَا خرجت بِغَيْر قدر مَعْلُوم غَضبا بغضب الله تَعَالَى.
وَقد روى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس.
وَيُقَال: سمى هَذِه الرّيح عَاتِيَة؛ لِأَنَّهَا جَاوَزت الْمِقْدَار.
وَقَوله: ﴿سخرها عَلَيْهِم﴾ أَي: سلطها وأرسلها عَلَيْهِم ﴿سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما﴾ أَي: متتابعة.
وَقيل: مشائيم.
وَيُقَال: سَمَّاهَا حسوما؛ لِأَنَّهَا قَتلتهمْ وأفنتهم، من الحسم وَهُوَ الْقطع.
وَفِي التَّفْسِير: أَن ابتداءه كَانَ من غَدَاة يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَيُقَال: من غَدَاة يَوْم الْأَحَد.
وَقَوله ﴿فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى﴾ أَي: صرعوا وصاروا ﴿كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل﴾ أَي أصُول نخل مُنْقَطِعَة عَن أماكنها.
﴿خاوية﴾ قَالَ الْأَزْهَرِي: سَمَّاهُ خاوية؛ لِأَنَّهَا إِذا (انقلعت) خلت أماكنها مِنْهَا.
وَقَوله ﴿فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة﴾ أَي: من نفس بَاقِيَة.
وَيُقَال: من بَقَاء.
35
﴿وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله والمؤتفكات بالخاطئة (٩) فعصوا رَسُول رَبهم فَأَخذهُم أَخْذَة رابية (١٠) إِنَّا لما طغا المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة (١١) لنجعلها لكم تذكرة وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة (١٢) ﴾.
36
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله﴾ وَقُرِئَ: " وَمن قبله " أَي: الْأُمَم الَّذين كَانُوا قبله.
وَقَوله: ﴿والمؤتفكات﴾ هِيَ قريات لوط.
فعلى هَذَا مَعْنَاهُ: وَأهل الْمُؤْتَفِكَات.
وَقيل الْمُؤْتَفِكَات: هم قوم لوط؛ لِأَنَّهُ ائتفك بهم.
وَقَوله: ﴿بالخاطئة﴾ أَي: بالْخَطَأ الْعَظِيم، أَي: بالذنب الْعَظِيم.
وَقَوله: ﴿فعصوا رَسُول رَبهم فَأَخذهُم أَخْذَة رابية﴾ أَي: زَائِدَة على الأخذات.
وَيُقَال: زَاد الْعَذَاب على قدر أَعْمَالهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا لما طَغى المَاء﴾ قَالَ سعيد بن جُبَير: غضب بغضب الله فطغى.
وَيُقَال: طَغى أَي: جَاوز الْمِقْدَار.
فَيُقَال: إِنَّه زَاد كل شَيْء فِي الْعَالم خَمْسَة [أَذْرع].
وَقد قيل أَكثر من ذَلِك.
وَقَوله: ﴿حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة﴾ أَي: السَّفِينَة، وَجَمعهَا الْجَوَارِي وَهِي السفن.
وَقَوله: ﴿لنجعلها لكم تذكرة﴾ أَي: عِبْرَة وعظة.
قَالَ قَتَادَة: أدْرك أَوَائِل هَذِه الْأمة سفينة نوح، وَكم من السفن قد هَلَكت، وَلَكِن الله تَعَالَى أبقى هَذِه السَّفِينَة تذكرة لهَذِهِ الْأمة وعبرة لَهَا.
وَيُقَال: جعلهَا لكم تذكرة، أَي: تَذكرُوا هَذِه الْقِصَّة فَتكون لكم وَلمن سَمعهَا عِبْرَة وعظة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة﴾ أَي: أذن عقلت أَمر الله وعملت بِهِ.
وروى مَكْحُول أَن هَذِه الْآيَة لما نزلت قَالَ النَّبِي لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " سَأَلت الله أَن يَجْعَلهَا أُذُنك ".
قَالَ عَليّ: فَمَا سَمِعت بعد ذَلِك شَيْئا فَنسيته.
36
﴿فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة وَاحِدَة (١٣) وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة (١٤) فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة (١٥) وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية (١٦) وَالْملك على أرجائها وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة (١٧) يَوْمئِذٍ﴾.
37
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا نفخ فِي الصُّور﴾ قد بَينا معنى الصُّور.
وَقَوله: ﴿نفخة وَاحِدَة﴾ أَي: النفخة الأولى.
وَقَوله: ﴿وَاحِدَة﴾ أَي: لَيست لَهَا مثنوية.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة﴾ أَي: زلزلتا زَلْزَلَة وَاحِدَة.
وَيُقَال: فتتا فتة وَاحِدَة.
وَقيل: ضرب أَحدهمَا بِالْآخرِ فانهدمتا وهلكتا.
وَقَوله: ﴿فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة﴾ أَي: قَامَت الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية﴾ أَي: ضَعِيفَة.
قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: تَنْشَق من المجرة.
يُقَال: شقا واه أَي: ضَعِيف متخرق.
وَمن أمثالهم:
(خل سَبِيل من وهى شقاؤه وَمن هريق بالفلاة مَاؤُهُ)
وَقيل: فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية، أَي: منشقة منخرقة، لِأَن مَا وهى ينشق ويتخرق.
وَقَوله: ﴿وَالْملك على أرجائها﴾ أَي: على أطرافها.
قَالَ الْكسَائي: على حافتها.
وَقيل: على (مَوَاضِع) شقوقها ينظرُونَ إِلَى الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة يَوْمئِذٍ تعرضون﴾ قيل: ثَمَانِيَة صُفُوف من الْمَلَائِكَة.
وَفِي جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ بِرِوَايَة الْأَحْنَف بن قيس عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَن النَّبِي كَانَ جَالِسا فِي عِصَابَة من أَصْحَابه، فمرت سَحَابَة فَقَالَ: " هَل تَدْرُونَ مَا اسْم هَذِه؟ قَالُوا: نعم، هَذَا السَّحَاب.
قَالَ رَسُول الله: المزن؟ قَالُوا: والمزن.
قَالَ رَسُول الله: والعنان؟ قَالُوا: والعنان.
قَالَ لَهُم رَسُول الله:
37
تَدْرُونَ كم بعد مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض؟ قَالُوا: لَا، وَالله مَا نَدْرِي.
قَالَ: فَإِن بعد مَا بَينهمَا إِمَّا وَاحِدَة وَإِمَّا اثْنَتَانِ أَو ثَلَاث وَسَبْعُونَ سنة، وَالسَّمَاء الَّتِي فَوْقهَا كَذَلِك حَتَّى عدهن سبع سموات.
قَالَ: فَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر بَين أَعْلَاهُ وأسفله كَمَا بَين السَّمَاء إِلَى السَّمَاء، وَفَوق ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين أظلافهن وركبهن مَا بَين سَمَاء إِلَى السَّمَاء، ثمَّ فَوق ظهورهن الْعَرْش بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ مَا بَين السَّمَاء إِلَى السَّمَاء، وَالله فَوق ذَلِك.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك وَالِدي أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار السَّمْعَانِيّ، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن مَحْبُوب أخبرنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أخبرنَا [عبد بن حميد] أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد، عَن عَمْرو بن أبي قيس، عَن سماك بن حَرْب، عَن عبد الله بن عميرَة عَن الْأَحْنَف ابْن قيس، عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب... الْخَبَر.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن من جملَة حَملَة الْعَرْش ملكا على صُورَة ديك، رِجْلَاهُ فِي تخوم الْأَرْضين وَرَأسه تَحت الْعَرْش، وَجَنَاح لَهُ بالمشرق وَجَنَاح لَهُ بالمغرب، إِذا سبح الله تَعَالَى سبح لَهُ كل شَيْء.
وروى الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن النَّبِي قَالَ لجبريل " إِنِّي أُرِيد أَن أَرَاك فِي صُورَتك.
فَقَالَ: إِنَّك لَا تطِيق ذَلِك، فَقَالَ: أَنا أحب أَن تفعل، قَالَ: فَخرج رَسُول الله إِلَى الْبَطْحَاء، وَأرَاهُ جِبْرِيل نَفسه فِي صورته الَّتِي خلقه الله تَعَالَى عَلَيْهَا، وَجَنَاح لَهُ بالمشرق وَجَنَاح لَهُ بالمغرب، وَرَأسه فِي السَّمَاء، فغشى على النَّبِي ثمَّ أَفَاق وَرَأسه فِي حجر جِبْرِيل، وَقد وضع إِحْدَى يَدَيْهِ على صَدره وَالْأُخْرَى بَين كَتفيهِ، ثمَّ قَالَ: لَو رَأَيْت إسْرَافيل وَله اثْنَا عشر جنَاحا، وَالْعرش على كَاهِله، وَإنَّهُ لَيَتَضَاءَل أَحْيَانًا من خشيَة الله حَتَّى يصير مثل الْوَضع، فَلَا يحمل الْعَرْش
38
﴿تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية (١٨) فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَيَقُول هاؤم اقْرَءُوا كِتَابيه (١٩) إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه (٢٠) ﴾. إِلَّا عَظمَة الله ".
39
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية﴾ أَي: فعلة خافية وَالْمعْنَى: أَنه لَا يخفى شَيْء على الله تَعَالَى.
وَقد روى عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا، وزنوا أَنفسكُم قبل أَن توزنوا، وتهيئوا للعرض الْأَكْبَر.
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: فِي الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات: عرضتان جِدَال ومعاذير، والعرضة الثَّالِثَة فِيهَا تطاير الْكتب.
وَقد روى هَذَا مَرْفُوعا.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن عَائِشَة قَالَت: " يَا رَسُول الله، هَل تذكرُونَ أهاليكم يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: أما فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن فَلَا، وَذكر عِنْد تطاير الْكتب، وَعند الْمِيزَان، وعَلى الصِّرَاط ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَيَقُول هاؤم اقْرَءُوا كِتَابيه﴾ أَي: تَعَالَوْا اقْرَءُوا كِتَابيه.
وَقيل: خُذُوا.
تَقول الْعَرَب للْوَاحِد: هَاء وللاثنين هاؤما، وللجماعة هاؤموا.
وَقد روى: " أَن رجل نَادَى رَسُول الله وَقَالَ: يَا مُحَمَّد.
فَقَالَ النَّبِي: هاؤم ".
وَقَوله: ﴿إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه﴾ أَي: أيقنت.
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن
39
﴿فَهُوَ فِي عيشة راضية (٢١) فِي جنَّة عالية (٢٢) قطوفها دانية (٢٣) كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية (٢٤) وَأما من أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ فَيَقُول يَا لَيْتَني لم أوت كِتَابيه (٢٥) وَلم أدر مَا حسابيه (٢٦) يَا ليتها كَانَت القاضية (٢٧) مَا أغْنى عني مَالِيَّة (٢٨) هلك عني سلطانيه (٢٩) ﴾. الْمُؤمن أحسن الظَّن بِاللَّه فَأحْسن الْعَمَل، وَإِن الْمُنَافِق أَسَاءَ الظَّن بِاللَّه فأساء الْعَمَل.
40
وَقَوله ﴿فَهُوَ فِي عيشة راضية﴾ أَي: ذَات رضَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مرضية.
وَيُقَال: عيشة راضية: الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿فِي جنَّة عالية﴾ أَي: مُرْتَفعَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قطوفها دانية﴾ قَالَ الْبَراء بن عَازِب: يَتَنَاوَلهَا قَائِما وَقَاعِدا ونائما، أَي: مُضْطَجعا.
وَمعنى دانية: قريبَة المتناول، لَا يمْنَع مِنْهَا بعد وَلَا شوك.
وَقَوله: ﴿كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أسلفتم﴾ أَي: قدمتم ﴿فِي الْأَيَّام الخالية﴾ أَي: الْمَاضِيَة، وَهِي فِي الدُّنْيَا.
وَعَن بَعضهم: أَن الْآيَة فِي الصائمين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما من أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ فَيَقُول يَا لَيْتَني لم أوت كِتَابيه﴾ أَي: كتابي
﴿وَلم أدر مَا حسابيه﴾.
أَي: لم أتق حسابي، لِأَنَّهُ لَا يرى لحسابه حَاصِلا، وَيرى كل شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿يَا ليتها كَانَت القاضية﴾ أَي: يَا لَيْت الْميتَة كَانَت قاضية أَي: لم أَحَي بعْدهَا، فقضت عَليّ الفناء أبدا.
وَقيل: يَا ليتها أَي: يَا لَيْتَني مت الْآن.
وَقَوله: ﴿مَا أغْنى عني مَالِيَّة﴾ أَي: مَالِي.
وَقَوله: ﴿هلك عني سلطانية﴾ أَي: بطلت حجتي، وَلم يسمع عُذْري، وَإِنَّمَا لَا يسمع لِأَنَّهُ لَا عذر لَهُ.
وسمى السُّلْطَان سُلْطَانا؛ لِأَنَّهُ يُقَام عِنْده الْحجَج، أَو لِأَنَّهُ حجَّة على الْخلق ليقيموا أُمُورهم.
قَالَ قَتَادَة: لَيْسَ هُوَ أَن يَلِي قَرْيَة فيجيبها، وَلكنه أَرَادَ بِهِ سُلْطَانه على نَفسه، حَيْثُ ضيع مَا جعله الله لَهُ، وارتكب الْمعاصِي، وضيع الْأَوَامِر.
40
﴿خذوه فغلوه (٣٠) ثمَّ الْجَحِيم صلوه (٣١) ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه (٣٢) إِنَّه كَانَ لَا يُؤمن بِاللَّه الْعَظِيم (٣٣) وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَاهُنَا حميم (٣٥) وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين (٣٦) لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون (٣٧) فَلَا أقسم بِمَا تبصرون (٣٨) وَمَا لَا تبصرون (٣٩) ﴾.
41
قَوْله تَعَالَى: ﴿خذوه فغلوه﴾ هُوَ من غل الْيَد إِلَى الْعُنُق.
وَقيل: يشد قدمه بِرَقَبَتِهِ ثمَّ يجر على وَجهه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ الْجَحِيم صلوه﴾ أَي: اشوه.
وَقَوله: ﴿ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا﴾ قَالَ نوف الْبكالِي: كل ذِرَاع سَبْعُونَ باعا، وكل بَاعَ من هَاهُنَا إِلَى مَكَّة، وَكَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمئِذٍ.
وروى نَحوا من ذَلِك عَن سعيد بن جُبَير.
وَقَوله: (فاسلكوه) فِي التَّفْسِير: أَنَّهَا تدخل فِي فِيهِ حَتَّى تخرج من دبره، فَهُوَ معنى قَوْله ﴿فاسلكوه﴾.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ لَا يُؤمن بِاللَّه الْعَظِيم وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين﴾ أَي: لَا يحث.
قَالَ الْحسن: أدْركْت أَقْوَامًا يعزمون على أَهْليهمْ إِذا خَرجُوا أَن لَا يردوا سَائِلًا، وَأدْركت أَقْوَامًا كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يخلف أَخَاهُ فِي أَهله أَرْبَعِينَ عَاما.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وقوله :( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) أي : لا يحث. قال الحسن : أدركت أقواما يعزمون على أهليهم إذا خرجوا أن لا يردوا سائلا، وأدركت أقواما كان الواحد منهم يخلف أخاه في أهله أربعين عاما.
وَقَوله: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَاهُنَا حميم﴾ أَي: قريب.
وَقَوله: ﴿وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين﴾ الغسلين: صديد أهل النَّار.
وَعَن الرّبيع بن أنس قَالَ: هُوَ شَجَرَة تخرج طَعَاما هُوَ أَخبث أَطْعِمَة أهل النَّار.
وَفِي الْخَبَر أَن دلوا من غسلين لَو صب فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون﴾ أَي: الْمُشْركُونَ.
وَيُقَال: أهل الْمعْصِيَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَلَا أقسم بِمَا تبصرون﴾ أَي: أقسم، و " لَا " صلَة.
وَقيل معنى (وَمَا لَا تبصرون) أَي: الْمَلَائِكَة.
وَفِي التَّفْسِير: أَن فِي الْآيَة ردا على الْمُشْركين
41
{إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم (٤٠) وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون (٤١) وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ (٤٢) تَنْزِيل من رب الْعَالمين (٤٣) وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل (٤٤) لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥). حَيْثُ قَالَ بَعضهم: إِن مُحَمَّدًا سَاحر، وَهُوَ وليد بن الْمُغيرَة وَمن تبعه، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ شَاعِر، وَهُوَ أَبُو جهل وَمن تبعه، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ كَاهِن، وَهُوَ عقبَة بن أبي معيط وَمن تبعه.
42
وَقَوله: ﴿إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم﴾ أَي: رَسُول كريم على الله.
وَقيل: إِنَّه جِبْرِيل.
وَقيل: إِنَّه مُحَمَّد.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: ﴿إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم﴾ وَإِنَّمَا هُوَ قَول الله تَعَالَى؟.
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ تِلَاوَة رَسُول كريم، وَالثَّانِي: قَول الله وإبلاغ رَسُول كريم، فاتسع فِي الْكَلَام وَاكْتفى بالفحوى.
وَقَوله: ﴿وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون﴾ أَي: لَا تؤمنون أصلا.
يَقُول الرجل لغيره: قَلِيلا مَا تَأتِينِي، أَي: لَا تَأتِينِي أصلا.
وَقَوله: ﴿وَلَا بقول كَاهِن﴾ الكاهن هُوَ الَّذِي يخبر عَن الْغَيْب كذبا.
وَقيل: بِظَنّ وحدس لَا عَن علم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَلِيلا مَا تذكرُونَ﴾ أَي: لَا تتعظون أصلا كَمَا بَينا.
وَقَوله: ﴿تَنْزِيل من رب الْعَالمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل﴾ يَعْنِي: أَن مُحَمَّدًا لَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل، أَي: قَالَ مَا لم نَقله.
وَقَوله: ﴿لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أَي: بِالْقُوَّةِ.
أَي: انتقمنا مِنْهُ بقوتنا وقدرتنا، قَالَه مُجَاهِد. قَالَ الشماخ:
42
﴿ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين (٤٦) فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين (٤٧) وَإنَّهُ لتذكرة لِلْمُتقين (٤٨) وَإِنَّا لنعلم أَن مِنْكُم مكذبين (٤٩) وَإنَّهُ لحسرة على الْكَافرين (٥٠) وَإنَّهُ لحق الْيَقِين (٥١) فسبح باسم رَبك الْعَظِيم (٥٢) ﴾.
(رَأَيْت عرابة الأوسي يسمو إِلَى الْخيرَات مُنْقَطع القرين)
(إِذا مَا راية رفعت لمجد تلقاها [عرابة] بِالْيَمِينِ)
أَي: بِالْقُوَّةِ.
وَقَالَ مؤرخ: قَوْله: ﴿لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ وَعَن ثَعْلَب: بِالْحَقِّ.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَن السّديّ أَيْضا.
وَعَن الْحسن.
لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، أَي: أذهبنا قوته.
وَيُقَال: " لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ " هُوَ مثل قَول الْقَائِل: خُذ بِيَمِينِهِ إِذا فعل شَيْئا - أَي: بِالْقُوَّةِ - يسْتَحق الْعقُوبَة.
43
وَقَوله: ﴿ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين﴾ أَي: نِيَاط الْقلب؛ فَإِذا انْقَطع لم يحي الْإِنْسَان بعده.
قَالَ الشماخ أَيْضا مُخَاطبا لناقته:
وَقَوله: ﴿فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين﴾ يَعْنِي.
إِنَّكُم تنسبونه إِلَى الْكَذِب عَليّ، وَلَو أَخَذته لم يقدر أحد مِنْكُم على دفعنَا عَنهُ.
وَقَوله: ﴿وَإنَّهُ لتذكرة لِلْمُتقين﴾ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّا لنعلم أَن مِنْكُم مكذبين﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ وبالرسول.
وَقَوله: ﴿وَإنَّهُ لحسرة على الْكَافرين﴾ أَي: الْبَعْث حسرة على الْكَافرين.
وَقَوله: ﴿وَإنَّهُ لحق الْيَقِين﴾ أَي: الْبَعْث مَحْض الْيَقِين وَعين الْيَقِين.
وَقَوله: ﴿فسبح باسم رَبك الْعَظِيم﴾ أَي: نزه رَبك الْعَظِيم، واذكره بأوصافه المحمودة اللائقة.
وَفِيه دَلِيل أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى، وَلَا فرق بَينهمَا.
43

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع (١) للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع (٢) ﴾.
تَفْسِير سُورَة المعارج
وَهِي مَكِّيَّة
44
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(إِذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بديم الوتين)