تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة إبراهيم مكية وهي اثنان وخمسون آية وسبع ركوعات.
ﰡ
﴿ الَر كِتَابٌ ﴾ أي : هو كتاب، ﴿ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ﴾ : بدعوتك إياهم إلى ما فيه، ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾ : أنواع الضلال، ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾ : الهدى، ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ : بأمره وتوفيقه، ﴿ إِلَى صِرَاطِ ﴾ بدل من إلى النور، ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ : الغالب، ﴿ الْحَمِيد ﴾ : المستحق للحمد.
﴿ اللّهِ ﴾ عطف بيان للعزيز وعلى قراءة الرفع مبتدأ خبره قوله :﴿ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف والذي صفته، ﴿ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ والويل اسم معنى كالهلاك.
﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ : يختارون، ﴿ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ : يمنعون الناس عن دين الله تعالى، ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾، أي : يطلبون لها الاعوجاج، ويقولون للناس : إنها معوجة بحذف الجار وإيصال الفعل، ﴿ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ : عن الحق ووصفه بالبعد مع أنه في الحقيقة للضال للمبالغة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ ﴾ : بلغة، ﴿ قَوْمِهِ ﴾ : الذي هو بعث فيهم، ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ : ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم و إن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل، لكن الأولى أن يكون بلغة من هو فيهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه لغيرهم، ﴿ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء ﴾ أي : بعد البيان، ﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاء ﴾ : باتباعه، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ : الذي ما شاء كان ولم يشأ لم يكن،
﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : في أفعاله فيضل من يستحق الإضلال، ويهدي من هو أهل الهداية.
﴿ وَلَقد أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ﴾ كاليد والعصا، ﴿ أَنْ أَخْرِجْ ﴾ أي : بأن أخرج أو أن مفسرة ففي الإرسال معنى القول، ﴿ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ ﴾ : بنعمائه عليهم من فلق البحر والإنجاء من يد فرعون وغير ذلك أو بوقائعه في الأمم السالفة، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾، أي : ما صنعنا ببني إسرائيل أو ما نزل من البلاء على الأمم عبرة لمن يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه.
﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾ أي : واذكر إذ قال، ﴿ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم ﴾ ظرف للنعمة بمعنى الإنعام وقيل بدل اشتمال من نعمة الله، ﴿ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ ﴾ أي : والحال أنه يبغونكم، ﴿ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ : أفضحه وهو ثاني مفعوليه، ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ﴾ : يتركونهن أحياء، ﴿ وَفِيَ ذلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ : ابتلاء من حيث إنه أمهلهم فيه أو ذلكم إشارة إلى الإنجاء بمعنى النعمة.
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ ﴾ عطف على إذ أنجاكم أي : أذن وأعلم، ﴿ رَبُّكُمْ ﴾ : فقال، ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ ﴾ : يا بني إسرائيل نعمتي فأطعتموني،
﴿ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ : في النعمة، ﴿ وَلَئِن كَفَرْتُمْ ﴾ : نعمتي، ﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾، لمن كفر نعمتي.
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أنتم وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فإن اللّهَ لَغَنِيٌّ ﴾، عن خلقه وشكرهم، ﴿ حَمِيدٌ ﴾، مستحق للحمد في ذاته وإن لم يحمده الحامدون.
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾، من الكفار كلام مستأنف من الله تعالى أو من تمام كلام موسى والأول أظهر فقد نقل أن قصة عاد وثمود ليست في التوراة، ﴿ قوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي : بعد هؤلاء من الأمم المكذبة، ﴿ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ ﴾ : لا يحصي عددهم لكثرتهم إلا الله تعالى ولهذا قال بعض السلف : كذب النسابون، ﴿ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ : المعجزات الواضحات، ﴿ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾، أي : الكفار عضوها من الغيظ أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وإلى ما نطقت ألسنتهم به من قولهم :" إنا كفرنا بما أرسلتم به "، أي : جوابنا ليس عندنا غيره أو وضعوا أيديهم على أفواههم كما يفعل ذلك من غلبة الضحك، أي : ضحكوا و تعجبوا ووضعوها عليها مشيرين للأنبياء بالسكوت أو أخذ الكفار أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم، أو الرسل لما أيسوا منهم، وضعوا أيديهم على أفواه أنفسهم، وسكتوا ووضعوا الكفار أيدي أنفسهم على أفواه الرسل، ردا أو تكذيبا لهم، أو منعا لهم من الكلام، أو سكتوا عن الجواب يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب : رد يده في فيه. ﴿ وقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ ﴾، على زعمكم، ﴿ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ : موقع في الريبة.
﴿ قَالَتْ ﴾ : لهم، ﴿ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ ﴾، أي : في تفرده بوجوب العبادة له، ﴿ شَكٌّ ﴾ : فاعل الظرف، ﴿ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ : لا يستحق العبادة إلا من ابتدعهما من غير مثال سبق، ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ : إلى طاعته، ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾، أي : بعض ذنوبكم الذي يُكفَّر بالإيمان فإن المَظَالم لا يكفَّر بالإيمان للذمي خصوصا، وقيل من صلة، وقيل بمعنى البدل، ﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ : فلا يعاجلكم بالعذاب، ﴿ قَالُواْ إِنْ أنتم إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ : فمن أين لكم المتبوعية، ﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾ : تمنعونا، ﴿ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ : حجة ومعجزة ظاهرة دالة على فضلكم وصحة دعواكم كأنهم اقترحوا آية أظهر مما جاءوا به من المعجزات.
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ : في الجنس والصورة، ﴿ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ : فاختصنا بالنبوة والمتبوعية من فضل الله، ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ أي : ليس هذا في وسعنا، بل شيء يتعلق بمشيئة الله تعالى وإذنه، ﴿ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فنحن نتوكل عليه في الصبر على معاداتكم.
﴿ وَمَا لَنَا ﴾ : وأي عذر لنا في، ﴿ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ : طرق الرشاد، ﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ ﴾ : جواب قسم محذوف، ﴿ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ ونحن متوكلون ومن توكل على أحد فليتوكل على الله لا على غيره أو فليثبت المتوكلون على توكلهم فإنه إذا قيل للمتوكل توكل فمعناه اثبت.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ حلفوا بأن لا محالة يكون أحد الأمرين، إما إخراجكم وإما عودتكم، والأنبياء ما كانوا على ملة الكفرة، فلذلك قالوا : العودة بمعنى الصيرورة، ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ﴾ إلى الرسل، ﴿ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴾.
﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ ﴾ أي : أرضهم، ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ ﴾ أي : وعدي هذا، ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي ﴾، موقفه بين يدي الله في القيامة، ﴿ وخَافَ وَعِيدِ ﴾ : تخويفي وعذابي.
﴿ وَاسْتَفْتَحُواْ ﴾، استنصرت الرسل ربها على قومها وسألوا منه الفتح على أعدائهم أو استفتحت الأمم الفتح كما قالوا :" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر " الآية أو الضمير للرسل والأمم أي : سألوا كلهم نصر المحق وهلاك المبطل، ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ : متكبر معاند للحق كأنه قال استفتحت الرسل فنصروا وأفلحوا وخاب أو استفتح الكفار فلم يفلح وخاب.
﴿ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ﴾ أي : أمامه وبين يديه وقيل : من وراءه : حياته، ﴿ وَيُسْقَى ﴾ تقديره من وراءه جهنم يلقى فيها ويسقى، ﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ : ما يسيل من جلود أهل النار من القيح والدم قيل ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر عطف بيان للماء.
﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ : يتكلف جرعه يعني يشربه قهرا، فإنه لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد، صفة الماء أو حال من ضمير يسقى، ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ : لا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون إلا ساغه وهي جواز الشراب على الحلق بسهولة، ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ ﴾ أي : أسبابه من الشدائد، ﴿ مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ : من جميع جوانبه وقيل : كل مكان من أعضائه، ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ : ليستريح، ﴿ وَمِن وَرَائِهِ ﴾ بين يديه، ﴿ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ أي : له عذاب آخر أدهى وأمر، فإن أنواع عذاب الله تعالى لا يحصيها إلا هو.
﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ مبتدأ، ﴿ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ﴾، خبره أو تقديره فيما يقص عليكم مثل الذين كفروا وقوله أعمالهم كرماد مستأنفة كأنه قيل : كيف أعمالهم ؟ فقال : أعمالهم كرماد، أو أعمالهم بدل وكرماد خبره، ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ العصف اشتداد الريح فهو في المبالغة كنهاره صائم يعني لا ينتفعون بأعمالهم ولا يجدونها كرماد ذرته الريح هل يجد أحد منه ذرة، ﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ ﴾ : في القيامة، ﴿ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ : لحبوطه، ﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى وجدان أعمالهم، ﴿ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ فإنه الغاية في البعد عن الحق.
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ : يا محمد والمراد خطاب أمته، ﴿ أنّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ ﴾ لا بالباطل في خلقه حكم ومصالح، ﴿ إِن يَشَأْ ُذْهِبْكُمْ ﴾ يعدمكم، ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ : يخلق خلقا آخر مكانكم أطوع منكم فإن من قدر على خلق السماوات والأرض قدر على مثل ذلك.
﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ : بمتعسر ومن كان كذلك فحقيق بأن يعبد رجاء لثوابه وخوفا من عقابه.
﴿ وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا ﴾ : خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا، ﴿ فَقَالَ الضُّعَفَاء ﴾ الأتباع، ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ ﴾ : رؤسائهم الذين استكبروا عن عبادة الله تعالى، أو تكبروا على الناس، ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ : في الدين جمع تابع، ﴿ فَهَلْ أنتم مُّغْنُونَ ﴾، دافعون، ﴿ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ ﴾ حال ومن للتبيين، ﴿ مِن شَيْءٍ ﴾، مفعول ومن للتبعيض، ﴿ قَالُواْ ﴾ أي : الرؤساء جوابا عن الضعفاء، ﴿ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ أي : لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم لكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، أو لو هدانا الله ووفقنا للإيمان لهديناكم، أي : إنما أضللناكم لأنا كنا على الضلال، ﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ هما مستويان علينا، ﴿ مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ مهرب نقل أن بعض أهل النار قالوا لبعضهم : تعالوا نبكي ونتضرع، فإنما أدركوا الجنة بالبكاء والتضرع، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا : تعالوا نصبر فإنما أدركوها بالصبر فصبروا صبرا لم ير مثله، فلما لم ينفعهم قالوا :" سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ".
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ ﴾ : لما فرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة، والنار النار، ﴿ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ : وعدا من حقه الإنجاز أو أنجزه وهو الوعد بالبعث وأن الناجي من اتبع الرسل، ﴿ وَوَعَدتُّكُمْ ﴾ إنه غير كائن والناجي عابد الصنم، ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾، كما قال يعدهم ويمنيهم، و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا، ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ﴾ : ليس لي عليكم دليل ولا حجة، أو ليس تسلط فألجئكم إلى الآثام، ﴿ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ ﴾ : لكن دعوتكم، ﴿ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم ﴾ : حيث أجبتموني، وما أطعتم ربكم مع ظهور حجته، ﴿ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ : بمغيثكم، ﴿ وَمَا أنتم بِمُصْرِخِيَّ ﴾ : بمغيثي، ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾، إني جحدت و تبرأت أن أكون شريكا لله تعالى، فما مصدرية، ومن متعلقة بأشر كتموني، أي : كفرت اليوم بإشراككم إياي في الدنيا، وقيل : كفرت بسبب إشراككم إياي في الدنيا، ما بمعنى من، ومن متعلقة بكفرت، أي : كفرت قبل إشراككم، أي : حين أبيت السجود بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى، ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ابتداء كلام من الله، أو تتمة كلام إبليس.
﴿ وَأُدْخِلَ ﴾ والمدخل الملائكة، ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ أي : أدخل بأمر الله تعالى وإذنه، ﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ : ويحيي بعضهم بعضا، والملائكة تحييهم بالسلام.
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ ﴾ أي : قصد، ﴿ مَثَلاً ﴾ : ووضعه، ﴿ كلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ هي كلمة التوحيد، ونصبها بتقدير جعل كلمة، ويكون تفسيرا لقوله ضرب الله، ﴿ كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ : هي النخلة أو شجرة في الجنة، ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ : في الأرض، ﴿ وَفَرْعُهَا ﴾ : غصونها ورأسها، ﴿ فِي السَّمَاء ﴾.
﴿ تُؤْتِي ﴾ : هذه الشجرة، ﴿ أُكُلَهَا ﴾ : ثمرها، ﴿ كُلَّ حِينٍ ﴾ عينه الله لإثمارها، أو صيف وشتاء، صباح ومساء، ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ : بإرادة خالقها وكلمة التوحيد كشجرة أصلها في أرض قلب المؤمن، وثمرها صالح أعمال المؤمن، وفرعها في السماء، يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء، والشجرة لا تكون شجرة إلا بعرق وأصل وفرع، كذلك الإيمان لا يتم إلا بتصديق وإقرار وعمل، ﴿ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ فإن فيها زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني.
﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ : هي الشرك، ﴿ كَشَجَرَةٍ ﴾ أي : كمثل شجرة، ﴿ خَبِيثَةٍ ﴾ وهي الحنظلة، ﴿ اجْتُثَّتْ ﴾ اقتلعت وأخذت جثتها بالكلية، ﴿ مِن فَوْقِ الأَرْضِ ﴾ لأن عروقها قريبة منه، ﴿ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ استقرارّ، فإن الكفر لا أصل له، و لا يصعد للكافر عمل.
﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ﴾ : بالحجة عندهم، ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ فلا يزلون عنه بحال، ﴿ وَفِي الآخِرَةِ ﴾ : في القبر، عن ابن عباس، من دام على الشهادة في الدنيا، يلقنه الله تعالى إياها في قبره، ﴿ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ : لا يلقنهم إياها في قبورهم، فيقولون في جواب الملكين لا ندري، ﴿ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء ﴾، ولا اعتراض.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ ﴾ أي : نفس نعمته، ﴿ كُفْرًا ﴾ فإن كفار قريش أنعم الله تعالى عليهم بمحمد عليه الصلاة والسلام وغيره من النعم، فكفروا ذلك، فسلبت منهم فبقوا مسلوبي النعمة، حاصلا لهم الكفر بدل النعمة، وقحطوا وأسروا وقتلوا، أو بدلوا شكر نعمته كفرا بأن وضعوه مكانه، ﴿ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ ﴾ : الذين اتبعوهم، ﴿ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ : الهلاك.
﴿ جَهَنَّمَ ﴾ عطف بيان، ﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾ : يدخلونها حال، ﴿ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ أي : بئس المقر جهنم.
﴿ وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا ﴾ أمثالا، ﴿ لِّيُضِلُّواْ ﴾ الناس، ﴿ عَن سَبِيلِهِ ﴾ عن دينه، والإضلال نتيجته فجعل غرضا مثل لدوا للموت، ﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ ﴾ بلذاتكم، ﴿ فإن مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ والأمر للتهديد.
﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ﴾ أي : ليقيموا ﴿ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَة ﴾ منصوبان بالظرفية، أي : وقتي سر وعلانية، أو المصدر، أي : اتفاقهما أو على الحال، أي : ذوي سر وعلانية، ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ﴾ فيشتري المقصر ما يتدارك به تقصيره، ﴿ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ لا مودة، يعني مودة تكون بميل الطبيعة لكن مودة المتقين لما كانت لله تنفعهم.
﴿ اللّه ﴾ مبتدأ، ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ خبره، ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ أي : بعضها، ﴿ رِزْقًا ﴾ مفعول له أو حال أو مصدر، فإن أخرج بمعنى رزق، ﴿ لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴾ بإرادته، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ ﴾ لأجل انتفاعكم، ﴿ الأَنْهَارَ ﴾.
﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ سراجا ونورا وحسبانا وغير ذلك، ﴿ دَائِبَينَ ﴾ وهو مرور الشيء على عادة مطردة، يعني : يجريان لمصالح العباد دائما، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله.
﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ ﴾ من تبعيضية، ﴿ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ بلسان القال والحال، ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ لا تطيقوا عدها فضلا عن القيام بشكرها، ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ ﴾ على النعمة بترك شكرها، ﴿ كَفَّارٌ ﴾ لها وقيل : يشكر منعمه ويجحده.
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ﴾ مكة شرفها الله تعالى ﴿ آمِنًا ﴾ ذات أمن، يذكر الله كفار مكة أنه إنما وضعت على عبادة الله وحده، ﴿ وَاجْنُبْنِي ﴾ بعدني، ﴿ وَبَنِيَّ ﴾ المرد أبناؤه من صلبه، ﴿ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾.
﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْن كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ﴾ أسند إلى السبب، ﴿ فَمَن تَبِعَنِي ﴾ على ديني، ﴿ فإنهُ مِنِّي ﴾ بعضي لفرط اختصاصه بي، ﴿ وَمَنْ عَصَانِي فإنكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ تقدر إن تغفر له، و لا يجب عليك شيء، قيل : معناه ومن عصاني فيما دون الشرك أو إنك غفور بعد الإنابة.
﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي ﴾ بعضها أي : إسماعيل، ﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ أي : مكة، ﴿ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ الذي في علمك أنه يحدث في ذلك الوادي، قال بعض المفسرين : هذا دعاء بعد بناء البيت بعد الدعاء الأول بزمان، ﴿ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ أي : أسكنتهم كي يقيموا الصلاة عند بيتك، وتوسيط النداء للإشعار بأنها المقصودة بالذات والغرض من إسكانهم، ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ ﴾ أفئدة من أفئدتهم، ﴿ تَهْوِي ﴾ تسرع، ﴿ إليهم ﴾ شوقا، وعن السلف لو قال : أفئدة الناس لازدحم إليه فارس والروم كلهم، ولكن قال : من الناس فاختص به المسلمون، ﴿ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ نعمتك وقد استجاب الله دعاءه.
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ فلا حاجة إلى طلب لكنا ندعوك إظهارا للعبودية، أو ما نخفي من الجد بإسماعيل وأمه، حيث أسكنتهما بود غير ذي زرع، وما نعلن من الدعاء، ﴿ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ ﴾ صفة شيء، ﴿ وَلاَ فِي السَّمَاء ﴾ هو من تتمة كلام إبراهيم، أو مبتدأ من الله.
﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ ﴾ أي : وأنا كبير وآيس من الولد، ﴿ إِسْمَاعِيلَ ﴾ وهو في تسع وتسعين، ﴿ وَإِسْحَاقَ ﴾ وهو في مائة واثنتي عشرة، وهذا دليل على أن الدعاء بعد بناء البيت، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء ﴾ لمجيبه.
﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ ﴾ محافظا عليها معدلا لأركانها، ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِي ﴾ واجعل منهم من يقيمها، وهو يعلم من الله تعالى أن في ذريته بعضا من الكفار، ﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ﴾ فيما سألتك كله، أو عبادتي.
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ وهذا قبل أن يتبين أنه عدو لله تعالى، قيل : أراد وفقهما على الإيمان، ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ﴾ يثبت، ﴿ الْحِسَابُ ﴾.
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ ﴾ إذ أجل المشركين وأنظرهم، ﴿ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ والآية تسلية لمحمد عليه الصلاة والسلام وتهديد للمشركين، ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ يؤخر عذابهم، ﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ لا تقر في أماكنها لهول ذلك اليوم.
﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ مسرعين، أي : إلى المحشر، كما قال تعالى :" مهطعين إلى الداع " ( القمر : ٨ ) ﴿ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ﴾ رافعيها لا ينظر أحد أحدا، ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ فعيونهم شاخصة يديمون النظر و لا يطرفون لمحة، ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ ﴾ في ذلك اليوم، ﴿ هَوَاء ﴾ خالية عن الفهم خلاء، قال بعضهم : أمكنة أفئتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت عن أماكنها.
﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ ﴾ يا محمد، ﴿ يَوْمَ ﴾ مفعول ثان لأنذر، ﴿ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ﴾ يوم القيامة، ﴿ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أشركوا، ﴿ رَبَّنَا أَخِّرْنَا ﴾ أمهلنا، ﴿ إِلَى أَجَلٍ ﴾ حد من الزمان، ﴿ قَرِيبٍ ﴾ سألوا الرد إلى الدنيا، ﴿ نُّجِبْ ﴾ جواب للأمر، ﴿ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُل ﴾ فيجابون بقوله :﴿ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ ﴾ حلفتم في الدنيا، ﴿ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴾ جواب القسم، أي : أقسمتم أنكم لا تنتقلون إلى الآخرة، و لا معاد لكم، فذوقوا وباله.
﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ بالكفر والعصيان، ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ من أحوالهم فما اعتبرتم.
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ ﴾ العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، ﴿ وعِندَ اللّهِ ﴾ مكتوب، ﴿ مَكْرُهُمْ ﴾ فهو مجازيهم، ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ في العظم، ﴿ لِتَزُولَ مِنْه الْجِبَالُ ﴾ مهيأ لإزالة الجبال، وعن بعضهم معناه : وما كان مكرهم لتزول إلخ والجبال مثل لأمر محمد صلى الله عليه وسلم فإن نافية و اللام مؤكدة لها، ومن قرأ بفتح لام لتزول فإن مخففة، واللام هي الفاصلة، وعن بعضهم معناه : وإن كان شركهم لتزول كقوله تعالى :" تكاد السماوات يتفطرن منه " الآية. وعن علي رضي الله عنه : إن الآية في نمرود حيث اتخذ تابوتا ربط قوائمه الأربع بنسور ومكر حتى طرن إلى جانب السماء ثلاثة أيام، وغابت الدنيا عن نظره يريد محاربة إله السماء، فلما هبط إلى الأرض سمعت الجبال خفيق التابوت ففزعت ظنا من حدوث القيامة، فكادت تزول عن أماكنها.
﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ﴾ من نصرتهم في الدارين، أضاف إلى المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا، ﴿ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ﴾ يغالب و لا يغالب، ﴿ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ لأوليائه.
﴿ يَوْمَ ﴾ بدل من يوم يأتيهم العذاب أو ظرف للانتقام، ﴿ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ أي : والسماوات غير السماوات فتكون الأرض من فضة والسماء من ذهب أو الأرض خبزة بيضاء يأكلها المؤمن من تحت قدميه، أو تكون السماوات جنانا، أو المراد تغيير هيئتها تبسط و تمد مد الأديم العكاظي و تكور شمسها ونشر نجومها و تخسف قمرها، ﴿ وَبَرَزُواْ ﴾ من قبورهم، ﴿ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ لمجازاة الله الواحد الغلاب فلا مستجار لأحد إلى غيره.
﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ ﴾ كل ككافر مع شيطان في غل أو بعض الكفار مع بعض أو قرنت أيديهم و أرجلهم إلى رقابهم، ﴿ فِي الأَصْفَادِ ﴾ في الأغلال متعلق بمقرنين أو حال من ضميره.
﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قمصانهم، ﴿ مِّن قَطِرَانٍ ﴾ ما يطلى به الإبل الجربي، فيحرق الجرب بحره و حدته والجلد فيصير كيا ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار، وهو أسود منتن، وعن بعض السلف هو النحاس المذاب، وهذا التفسير لمن قرأ قطر وهو النحاس، وإن وهو المتناهي حره، ﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾ تعلوها.
﴿ لِيَجْزِي اللّهُ ﴾ أي : فعل بهم ذلك ليجزي الله، ﴿ كُل نَفْسٍ ﴾ من الكفار، ﴿ مَّا كَسَبَتْ ﴾ أو معناه برزوا ليجزي الله كل نفس من المؤمن والكافر ما كسبت من خير وشر، ﴿ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ لأنه لا يخفى عليه شيء ولا يشغله شيء عن شيء.
﴿ هَذَا ﴾ أي : القرآن، ﴿ بَلاَغٌ ﴾ كفاية في الموعظة، ﴿ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ ﴾ تقديره بلاغ لينصحوا ولينذروا به، أو تقدير به أنزل، ﴿ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ يستدلوا بالآيات على وحدانيته، ﴿ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ ذووا العقول الخالصة.