ﰡ
﴿ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ ﴾ أي لأن لا تطغوا فتطغوا منصوب بأن وقال الزمخشري: أو هي أن المفسرة وقال ابن عطية ويحتمل أن تكون أن مفسرة فيكون تطغوا جزماً بالنهي " انتهى ". ولا يجوز ما قالاه من أن مفسرة لأنه فات أحد شرطيها وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول ووضع الميزان ليس جملة فيها معنى القول والطغيان في الميزان هو أن يكون بالتعمد واما ما لا يقدر عليه من التحرير بالميزان فمعفو عنه ولما كانت التسوية مطلوبة جداً أمر تعالى فقال:﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ ﴾ وقرأ الجمهور ولا تخسروا من أخسر أي أفسد ونقص كقوله تعالى:﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾[المطففين: ٣].
أي ينقصون وكرر لفظ الميزان تشديداً للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه ولما ذكر السماء ذكر مقابلها فقال:﴿ وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ﴾ أي خفضها مدحوة على الماء لينتفع بها والأنام الخلق.﴿ فِيهَا فَاكِهَةٌ ﴾ ضروب مما يتفكه به وبدأ بقوله فاكهة إذ هو من باب الابتداء بالأدنى والترقي إلى الأعلى ونكر لفظها لأن الإِنتفاع بها دون الانتفاع بما يذكر بعدها ثم ثنى بالنخل فذكر الأصل ولم يذكر ثمرها وهو الثمر لكثرة الانتفاع بها من ليف وسعف وجريد وجذوع وجمار وثمر، ثم أتى ثالثاً بالحب الذي هو قوام عيش الإِنسان في أكثر الأقاليم وهو البر والشعير وكل ما له سنبل وأوراق مشعبة على ساقه ووصفه بقوله: ذو العصف تنبيهاً على انعامه عليهم بما يقوتهم به من الحب ويقوت بهائمهم من ورقه وهو التبن وبدأ بالفاكهة وختم بالمشموم وبينهما النخل والحب وليحصل ما به يتفكه وما به يتقوت وما به تقع اللذاذة من الرائحة الطيبة وذكر النخل باسمها والفاكهة دون شجرها لعظم المنفعة بالنخل من جهات متعددة وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرها.﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا ﴾ خطاب للثقلين والآلاء النعم ولما خاطب الثقلين ذكر أصلهما فقال: ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ ﴾.
﴿ مِن صَلْصَالٍ ﴾ وهو آدم عليه السلام.﴿ وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ ﴾ وهو إبليس والمارج المختلط ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية في من نار للتبعيض.﴿ رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ ﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رب وعن ابن عباس للشمس مشرق في الصيف مصعد ومشرق في الشتاء منحدر تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس.﴿ مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾ تقدّم في الفرقان والظاهر التقاؤهما أي يتجاوران بلا فصل بينهما في رؤية العين.﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ﴾ أي حاجز من قدرة الله تعالى.﴿ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ لا يتجاوزان حديهما ولا يبغي أحدهما على الآخر بالمماجره.﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ﴾ قال الجمهور: إنما يخرج من الاجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب إسناد ذلك إليهما وهذا مشهور عند الغواصين وقال ابن عباس وعكرمة: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر فلذلك قال منهما اللؤلؤ وقيل هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان واللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان إسم أعجمي معرب والجواري السفن.﴿ كَٱلأَعْلاَمِ ﴾ كالجبال شبهها بالجبال وعبر بمن في قوله.﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ تغليباً لمن يعقل والضمير في عليها قيل عائد على الأرض وقد تقدم ذكرها والغناء عبارة عن إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره والوجه يعبر به عن حقيقة الشىء، والجارحة منفية عن الله تعالى والظاهر أن الخطاب في قوله: وجه ربك للرسول عليه السلام وفيه تشريف عظيم له عليه السلام فمعنى ذو الجلال الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم والاكرام للمخلصين من عباده.﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ حوائجهم وما يتعلق بمن في السماوات من أمر الدين وما استعبدوا به ومن في الأرض من أمر دينهم ودنياهم والظاهر أن قوله يسأله استئناف أخبار.﴿ كُلَّ يَوْمٍ ﴾ أي كل ساعة ولحظة وذكر اليوم لأن الساعات واللحظات في ضمنه.﴿ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ قال ابن عباس: في شان يمضيه من الخلق والرزق والاحياء والاماتة وانتصب كل يوم على الظرف والعامل فيه العامل في قوله في شأن وهو مستقر المحذوف نحو يوم الجمعة زيد قائم.﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ ﴾ أي ننظر في أموركم يوم القيامة لا أنه تعالى كان له شغل فهو يفرغ منه وجرى هذا على كلام العرب في أن المعنى سنقصد لحسابكم فهو استعارة من قول الرجل لمن يتهدده سأفرغ لك أي سأتجرد للإِيقاع بك من كل ما يشغلني عنه حتى لا يكون لي شغل سواه والمراد التوفر على الانتقام منه والظاهر أن قوله يا معشر الآية خطاب من الله تعالى إياهم يوم القيامة وقوله:﴿ يٰمَعْشَرَ ﴾ كالترجمة لقوله ايه الثقلان.﴿ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ أن تهربوا من قضائي وتخرجوا عن ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ثم قال لا تقدرون على النفوذ.﴿ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ﴾ يغني بقوة وغلبة وأنى لكم ذلك ونحوه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وفانفذوا أمر تعجيز.﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا ﴾ قال ابن عباس: إذا خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر والشواظ لهب النار والنحاس الصفر المعروف.﴿ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ جواب إذاً محذوف تقديره فما أعظم الهول وانشقاقها انفطارها يوم القيامة.﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً ﴾ أي محمرة كالوردة وقال ابن عباس: كالدهان كالأديم الأحمر.﴿ فَيَوْمَئِذٍ ﴾ التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة والتقدير فيوم إذا انشقت والناصب ليومئذٍ لا يسأل ودل هذا على انتفاء السؤال ووقفوهم أنهم مسؤولون وغيرها من الآيات على وقوع السؤال وقيل هي مواطن يسأل في بعضها وسيماهم سواد الوجوه وزرقة العيون والبكم والعمى والصم.
﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ جمع خيرة وهي المنتهية في الخير.﴿ حُورٌ ﴾ جمع حوراء والحور شدة سواد العين وشدة البياض فيه. و ﴿ مَّقْصُورَاتٌ ﴾ ممتنعات غير مبتذلة.﴿ فِي ٱلْخِيَامِ ﴾ جمع خيمة وهي بيوت اللؤلؤ في الجنة.﴿ عَلَىٰ رَفْرَفٍ ﴾ قال ابن عباس وغيره: فضول المجلس والبسط.﴿ وَعَبْقَرِيٍّ ﴾ قال الحسن بسط حسان: فيها صور وغير ذلك تصنع بعبقر بلده ولما ختم تعالى نعم الدنيا بقوله:﴿ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ ﴾[الرحمن: ٢٧].
ختم نعم الآخرة بقوله تبارك: ﴿ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ ﴾.
وناسب هنالك ذكر البقاء والديمومة له تعالى إذ ذكر فناء العالم وناسب هنا ذكر ما اشتق من البركة وهي النمو والزيادة إذ جاء ذلك عقب ما امتن به على المؤمنين وما آتاهم في دار كرامته من الخير وزيادته وديمومته ويا ذا الجلال والإِكرام من الصفات التي جاء في الحديث: أن يدعي الله تعالى بها قال صلى الله عليه وسلم:" ألظوا بياذ الجلال والإِكرام ". وقرىء: ذو الجلال صفة لإِسم وذي الجلال صفة لربك.