ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَى عِبَادِهِ الْقُرْآنَ، وَيَسَّرَ حِفْظَهُ وَفَهْمَهُ عَلَى مَنْ رحمه فقال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي النُّطْقَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: يَعْنِي الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ هَاهُنَا أَحْسَنُ وَأَقْوَى لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي تَعْلِيمِهِ تَعَالَى الْقُرْآنَ، وَهُوَ أَدَاءُ تِلَاوَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِتَيْسِيرِ النُّطْقِ عَلَى الْخَلْقِ وَتَسْهِيلِ خُرُوجِ الْحُرُوفِ مِنْ مَوَاضِعِهَا مِنَ الْحَلْقِ وَاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أَيْ يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنَ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَضْطَرِبُ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: ٤٠] وَقَالَ تَعَالَى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الْأَنْعَامِ: ٩٦].
وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ جَعَلَ اللَّهُ نُورَ جَمِيعِ أَبْصَارِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ فِي عَيْنَيْ عَبْدٍ، ثُمَّ كَشَفَ حِجَابًا وَاحِدًا مِنْ سَبْعِينَ حِجَابًا دُونَ الشَّمْسِ، لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا. وَنُورُ الشَّمْسِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ، وَنُورُ الْكُرْسِيِّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نُورِ الْعَرْشِ، وَنُورُ الْعَرْشِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نُورِ السِّتْرِ. فَانْظُرْ مَاذَا أَعْطَى اللَّهُ عَبْدَهُ مِنَ النُّورِ فِي عَيْنَيْهِ وَقْتَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِ الْكَرِيمِ عِيَانًا، رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم.
وقوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَالنَّجْمُ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ، فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: النَّجْمُ مَا انْبَسَطَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَعْنِي مِنَ النَّبَاتِ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَدِ اخْتَارَهُ ابْنُ جرير رحمه الله تعالى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
النَّجْمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ [الحج: ١٨] الآية.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: الْأَنَامُ الْخَلْقُ فِيها فاكِهَةٌ أَيْ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَنَفْعِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَالْأَكْمَامُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَطْلُعُ فِيهِ الْقِنْوُ ثُمَّ يَنْشَقُّ عَنِ الْعُنْقُودِ، فَيَكُونُ بُسْرًا ثُمَّ رطبا ثم ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الطَّائِفِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ قَيْصَرُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أُخْبِرُكَ أَنَّ رُسُلِي أَتَتْنِي مِنْ قِبَلِكَ فَزَعَمَتْ أَنَّ قِبَلَكُمْ شَجَرَةً لَيْسَتْ بِخَلِيقَةٍ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ، تَخْرُجُ مِثْلَ آذَانِ الْحَمِيرِ ثُمَّ تَشَقَّقُ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، ثُمَّ تَخْضَرُّ فَتَكُونُ مِثْلَ الزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ، ثُمَّ تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تينع فتنضج فَتَكُونُ كَأَطْيَبِ فَالَوْذَجَ أُكِلَ، ثُمَّ تَيْبَسُ فَتَكُونُ عِصْمَةً لِلْمُقِيمِ وَزَادًا لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ تَكُنْ رُسُلِي صَدَقَتْنِي فَلَا أَرَى هَذِهِ الشَّجَرَةَ إِلَّا مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَيْصَرَ مِلْكِ الرُّومِ، إِنَّ رُسُلَكَ قَدْ صَدَقُوكَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ عِنْدَنَا، وَهِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي أَنْبَتَهَا اللَّهُ عَلَى مَرْيَمَ حِينَ نُفِسَتْ بِعِيسَى ابْنِهَا، فَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَتَّخِذْ عِيسَى إِلَهًا مِنْ دون الله إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٩- ٦٠] وَقِيلَ: الْأَكْمَامُ رُفَاتُهَا وَهُوَ اللِّيفُ الَّذِي عَلَى عُنُقِ النَّخْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ.
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ يَعْنِي التِّبْنَ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْعَصْفُ وَرَقُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ الَّذِي قطع رؤوسه، فَهُوَ يُسَمَّى الْعَصْفَ إِذَا يَبِسَ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو مَالِكٍ عَصْفُهُ تِبْنُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: وَالرَّيْحانُ يَعْنِي الْوَرَقَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ رَيْحَانُكُمْ هَذَا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: وَالرَّيْحانُ خَضِرُ الزَّرْعِ، وَمَعْنَى هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ الْحَبَّ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا لَهُ فِي حَالِ نَبَاتِهِ عَصْفٌ، وَهُوَ مَا عَلَى السُّنْبُلَةِ، وَرَيْحَانٌ وَهُوَ الْوَرَقُ الْمُلْتَفُّ عَلَى سَاقِهَا. وَقِيلَ: الْعَصْفُ الْوَرَقُ أَوَّلَ مَا يُنْبِتُ الزَّرْعُ بَقْلًا والريحان الورق
[الطويل]
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الْحَبَّ فِي الثَّرَى | فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا «١» |
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حبه في رؤوسه | فَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا |
اللَّهُمَّ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا بِأَيِّهَا يَا رَبِّ أَيْ لَا نُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ الرُّكْنِ قَبْلَ أَنْ يُصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ وَالْمُشْرِكُونَ يَسْتَمِعُونَ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢٥]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
يَذْكُرُ تَعَالَى خَلْقَهُ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلْقَهُ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ طَرَفُ لَهَبِهَا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ مِنْ لَهَبِ النَّارِ مِنْ أَحْسَنِهَا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ من خالص النار، وكذلك قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» «٤» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
(٢) المسند ٦/ ٣٤٩.
(٣) المسند ٦/ ١٦٨.
(٤) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٠.
وَقَوْلُهُ تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ أَرْسَلَهُمَا. وَقَوْلُهُ: يَلْتَقِيانِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ مَنَعَهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَا بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَرْزَخِ الْحَاجِزِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْبَحْرَيْنِ الْمِلْحُ وَالْحُلْوُ، فَالْحُلْوُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً [الْفُرْقَانِ: ٥٣] قد اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ: بَحْرَ السَّمَاءِ وَبَحْرَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطِيَّةَ وَابْنِ أَبْزَى، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ يَتَوَلَّدُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَأَصْدَافِ بَحْرِ الْأَرْضِ وَهَذَا وَإِنْ كان هكذا لكن لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ:
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ أَيْ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَهُوَ الْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ لِئَلَّا يَبْغِيَ هَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا، فَيُفْسِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَيُزِيلُهُ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْهُ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أَيْ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
[الْأَنْعَامِ: ١٣٠] وَالرُّسُلُ إِنَّمَا كَانُوا فِي الْإِنْسِ خَاصَّةً دُونَ الْجِنِّ وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ. وَاللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَقِيلَ هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ «١»، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ وَأَبُو رَزِينٍ وَالضَّحَّاكُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقِيلَ كِبَارُهُ وَجَيِّدُهُ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَحَكَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ أَحْمَرُ اللَّوْنِ، قَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَرْجَانُ الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ، قَالَ السُّدِّيُّ: وَهُوَ الْبُسَّذُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها [فَاطِرٍ: ١٢] فَاللَّحْمُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْأُجَاجِ وَالْعَذْبِ وَالْحَلِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَتْ قَطُّ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَتْ فِي صَدَفَةٍ إِلَّا صَارَ مِنْهَا لُؤْلُؤَةٌ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وزاد: فإذا لم تقع
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ فِي الْبَحْرِ أَفْوَاهَهَا فَمَا وَقَعَ فِيهَا، يَعْنِي مِنْ قَطْرٍ فَهُوَ اللُّؤْلُؤُ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ هَذِهِ الْحِلْيَةِ نِعْمَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، امْتَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وقوله تعالى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ يَعْنِي السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ قَالَ مُجَاهِدٌ:
مَا رَفَعَ قَلْعَهُ مِنَ السُّفُنِ فَهِيَ مُنْشَأَةٌ وَمَا لَمْ يَرْفَعْ قَلْعَهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُنْشَآتُ يَعْنِي المخلوقات، وقال غيره، المنشئات بِكَسْرِ الشِّينِ يَعْنِي الْبَادِئَاتِ كَالْأَعْلامِ أَيْ كَالْجِبَالِ فِي كِبَرِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، مما فيه صلاح الناس فِي جَلْبِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَائِرِ أنواع البضائع، ولهذا قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْعَرَّارُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ إِذْ أَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مَرْفُوعٌ شِرَاعُهَا فَبَسَطَ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يقول الله عز وجل:
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ وَالَّذِي أَنْشَأَهَا تَجْرِي في بِحَوَرِهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قتله.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ سَيَذْهَبُونَ وَيَمُوتُونَ أَجْمَعُونَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ سِوَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ لَا يَمُوتُ بَلْ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا، قَالَ قَتَادَةُ: أَنْبَأَ بِمَا خَلَقَ ثُمَّ أَنْبَأَ أَنَّ ذلك كله فان. وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ:
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يا بديع السموات وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَرَأْتَ كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: ٨٨] وَقَدْ نَعَتَ تعالى وجهه الكريم في هذه الآية بِأَنَّهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُطَاعَ فَلَا يخالف كقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الْكَهْفِ: ٢٨] وَكَقَوْلِهِ إِخْبَارًا عَنِ الْمُتَصَدِّقِينَ: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الْإِنْسَانِ:
٩].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ يُجِيبُ دَاعِيًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا وَيُجِيبُ مُضْطَرًّا وَيَغْفِرُ ذَنْبًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السموات وَالْأَرْضِ يُحْيِي حَيًّا وَيُمِيتُ مَيِّتًا، وَيُرَبِّي صَغِيرًا وَيَفُكُّ أَسِيرًا وَهُوَ مُنْتَهَى حَاجَاتِ الصَّالِحِينَ وَصَرِيخُهُمْ وَمُنْتَهَى شَكْوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أبو اليمان الحمصي، حدثنا جرير بْنُ عُثْمَانَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ هُوَ الْفَزَارِيُّ قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَيُعْتِقُ رِقَابًا، وَيُعْطِي رِغَابًا، وَيُقْحِمُ عِقَابًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْغُزِّيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ السَّكْسَكِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدَةَ بْنِ رَبَاحٍ الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُنِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيبٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ الشَّأْنُ؟ قَالَ: «أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَضَعَ آخَرِينَ».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَا:
حَدَّثَنَا الْوَزِيرُ بْنُ صَبِيحٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو رَوْحٍ الدِّمَشْقِيُّ وَالسِّيَاقُ لِهِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ- قَالَ- مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَضَعَ آخَرِينَ» «٢». وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ بِهِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هَمَّامٍ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ عَنِ الْوَزِيرِ بْنِ صَبِيحٍ قَالَ: «وَدَلَّنَا عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، يَعْنِي إِسْنَادَهُ الْأَوَّلَ.
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا كَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن
(٢) أخرجه ابن ماجة في المقدمة باب ١٣.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال:
وعيد من الله تعالى لِلْعِبَادِ وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ وَهُوَ فَارِغٌ، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا وَعِيدٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ دَنَا مِنَ اللَّهِ فَرَاغٌ لِخَلْقِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيْ سَنَقْضِي لَكُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : سَنُحَاسِبُكُمْ لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ لِأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: لَآخُذَنَّكَ عَلَى غرتك. وقوله تعالى: أَيُّهَ الثَّقَلانِ الثَّقَلَانِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ كَمَا جَاءَ فِي الصحيح: «ويسمعها كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ» «٣» وَفِي رِوَايَةٍ «إِلَّا الإنس والجن». وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ «الثَّقَلَانِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
ثم قَالَ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أَيْ لَا تَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ حُكْمِهِ وَلَا النُّفُوذِ عَنْ حُكْمِهِ فِيكُمْ، أَيْنَمَا ذَهَبْتُمْ أحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، الْمَلَائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِالْخَلَائِقِ سَبْعَ صُفُوفٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الذَّهَابِ إِلَّا بِسُلْطانٍ أَيْ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [الْقِيَامَةِ: ١٠- ١٢].
وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [يُونُسَ: ٢٧] وَلِهَذَا قال تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الشُّوَاظُ: هُوَ لَهَبُ النَّارِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٥ في الترجمة.
(٣) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٦٧، ٨٦، وأحمد في المسند ٣/ ٤.
وقال ابْنُ جَرِيرٍ «١» : وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الدُّخَّانَ نُحَاسًا، بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا، وَالْقُرَّاءُ مُجْمِعَةٌ عَلَى الضَّمِّ، وَمِنَ النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة: [المتقارب]
يُضِيءُ كَضَوْءِ سَرِاجِ السَّلِيطِ | لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسًا «٢» |
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي | مُغَلْغَلَةً تَدِبُّ إِلَى عُكَاظِ «٣» |
أَلَيْسَ أَبُوكَ فِينَا كَانَ قَيْنًا | لَدَى الْقَيْنَاتِ فَسْلًا فِي الْحَفَاظِ |
يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا | وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَبَ الشُّوَاظِ |
قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ نَابِغَةَ بَنِي ذُبْيَانَ يقول: [المتقارب]
يُضِيءُ كَضَوْءِ سَرِاجِ السَّلِيطِ | لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا «٤» |
فَلا تَنْتَصِرانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٧ الى ٤٥]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)
(٢) البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٨١، وجمهرة اللغة ص ٥٣٦، ولسان العرب (نحس)، (سلط)، وتاج العروس (نحس)، (سلط) والكامل ص ٤٧٧، والشعر والشعراء ص ٣٠٢، ولنابغة بني ذبيان في تفسير الطبري ١١/ ٥٩٨، وبلا نسبة في كتاب العين ٣/ ١٤٤، وتهذيب اللغة ٤/ ٣٢٠.
(٣) البيت الأول لأمية بن خلف الخزاعي في المقاصد النحوية ٤/ ٥٦٣، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٨٠٧، والبيتان الثاني والثالث لأمية بن خلف في لسان العرب (شوظ)، وتاج العروس (شوظ).
(٤) تقدم قبل قليل مع تخريجه، وقد نسبه ابن كثير قبل للنابغة الجعدي وهو الصحيح. [.....]
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الْفُرْقَانِ: ٢٥] وَقَوْلِهِ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق: ١- ٢] وقوله تعالى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ أَيْ تَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الدُّرْدِيُّ وَالْفِضَّةُ فِي السَّبْكِ، وَتَتَلَوَّنُ كَمَا تَتَلَوَّنُ الْأَصْبَاغُ الَّتِي يُدْهَنُ بِهَا، فَتَارَةً حَمْرَاءَ وَصَفْرَاءَ وَزَرْقَاءَ وَخَضْرَاءَ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ وَهَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْعَظِيمِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَطِشُّ عَلَيْهِمْ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الطَّشُّ الْمَطَرُ الضَّعِيفُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: وَرْدَةً كَالدِّهانِ قَالَ: هُوَ الْأَدِيمُ الْأَحْمَرُ، وَقَالَ أَبُو كُدَيْنةَ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ كَالْفَرَسِ الْوَرِدِ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَغَيَّرَ لَوْنُهَا، وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَالْبِرْذَوْنِ الْوَرِدِ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدُ كَالدِّهَانِ.
وَحَكَى الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَرَسَ الْوَرِدَ تَكُونُ فِي الرَّبِيعِ صَفْرَاءَ، وَفِي الشِّتَاءِ حمراء، فإذا اشتد البرد تغير لَوْنُهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: تَكُونُ أَلْوَانًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تَكُونُ كَلَوْنِ الْبَغْلَةِ الْوَرِدَةِ، وَتَكُونُ كَالْمُهْلِ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَالدِّهانِ كَأَلْوَانِ الدِّهَانِ، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: كَلَوْنِ دُهْنِ الْوَرْدِ فِي الصُّفْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْيَوْمَ خَضْرَاءُ وَيَوْمَئِذٍ لَوْنُهَا إِلَى الْحُمْرَةِ يَوْمَ ذِي أَلْوَانٍ. وَقَالَ أبو الجوزاء: في صفاء الدهن. وقال ابْنُ جُرَيْجٍ: تَصِيرُ السَّمَاءُ كَالدُّهْنِ الذَّائِبِ وَذَلِكَ حين يصيبها حر جهنم.
وقوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [الرسلات: ٣٥- ٣٦] فَهَذَا فِي حَالٍ وَثَمَّ حَالٌ يُسْأَلُ الْخَلَائِقُ عن جميع أعمالهم، وقال الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:
٩٢- ٩٣] ولهذا قال قتادة: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قَالَ: قَدْ كَانَتْ مَسْأَلَةٌ ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: لَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كذا وكذا؟ فهذا قَوْلٌ ثَانٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَكَأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَا يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَذَلِكَ الوقت لا يسألون عن
وَهَذَا كَمَا يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ أي يجمع الزَّبَانِيَةُ نَاصِيَتَهُ مَعَ قَدَمَيْهِ وَيُلْقُونَهُ فِي النَّارِ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُؤْخَذُ بناصيته وقدميه فَيُكْسَرُ كَمَا يُكْسَرُ الْحَطَبُ فِي التَّنُّورِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ:
يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَةِ الْكَافِرِ وَقَدَمَيْهِ فَتُرْبَطُ نَاصِيَتُهُ بِقَدَمِهِ وَيُفْتَلُ ظَهْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَعْنِي جَدَّهُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ فَقُلْتُ: حَدَّثَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ سَاعَةٌ لَا يملك فيها لأحد شَفَاعَةً؟ قَالَتْ: نَعَمْ لَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا وَأَنَا وَهُوَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ قَالَ: «نَعَمْ حين يوضع الصراط لا أَمَلِكُ لِأَحَدٍ فِيهَا شَفَاعَةً حَتَّى أَعْلَمَ أَيْنَ يُسْلَكُ بِي، وَيَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ حَتَّى أَنْظُرَ مَاذَا يُفْعَلُ بِي- أَوْ قَالَ يُوحَى- وَعِنْدَ الْجِسْرِ حِينَ يَسْتَحِدُّ وَيَسْتَحِرُّ» فَقَالَتْ: وَمَا يَسْتَحِدُّ وَمَا يَسْتَحِرُّ؟ قَالَ يَسْتَحِدُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ شَفْرَةِ السَّيْفِ، وَيَسْتَحِرُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَمْرَةِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُجِيزُهُ لَا يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيَتَعَلَّقُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَوْسَطَهُ خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه- قالت: فهل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه، فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه إِلَى قَدَمَيْهِ فَتَضْرِبُهُ الزَّبَانِيَةُ بِخُطَّافٍ فِي نَاصِيَتِهِ وَقَدَمِهِ، فَتَقْذِفُهُ فِي جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا مِقْدَارَ خَمْسِينَ عَامًا- قُلْتُ: مَا ثِقَلُ الرَّجُلِ؟ قَالَتْ: ثِقَلُ عَشْرِ خَلِفَاتٍ سِمَانٍ فَيَوْمَئِذٍ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ مُنْكَرٌ رَفْعُهَا، وَفِي الْإِسْنَادِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ وَمِثْلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، والله أعلم.
وقوله تَعَالَى: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ أَيْ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِوُجُودِهَا، هَا هِيَ حَاضِرَةٌ تُشَاهِدُونَهَا عِيَانًا، يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا.
وقوله تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ أَيْ تَارَةً يُعَذَّبُونَ فِي الْجَحِيمِ وَتَارَةً يُسْقَوْنَ مِنَ الْحَمِيمِ، وَهُوَ الشَّرَابُ الَّذِي هُوَ كَالنُّحَاسِ الْمُذَابِ يُقَطِّعُ الْأَمْعَاءَ وَالْأَحْشَاءَ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:
٧١- ٧٢].
وقوله تعالى: آنٍ أي حار قد بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْحَرَارَةِ لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ أي قَدِ انْتَهَى غَلْيُهُ وَاشْتَدَّ حَرُّهُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ والسدي وقال قتادة: قد آن طبخه منذ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: يُؤْخَذُ الْعَبْدُ فَيُحَرَّكُ بِنَاصِيَتِهِ فِي
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غَافِرٍ: ٧١- ٧٢] والحميم الآن يَعْنِي الْحَارَّ، وَعَنِ الْقُرَظِيِّ رِوَايَةٌ أُخْرَى حَمِيمٍ آنٍ أَيْ حَاضِرٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ أَيْضًا، وَالْحَاضِرُ لَا يُنَافِي مَا رُوِيَ عَنِ الْقُرَظِيِّ أَوَّلًا أَنَّهُ الْحَارُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الْغَاشِيَةِ: ٥] أَيْ حَارَّةٍ شَدِيدَةِ الْحَرِّ لَا تُسْتَطَاعُ، وَكَقَوْلِهِ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الْأَحْزَابِ: ٥٣] يَعْنِي اسْتِوَاءَهُ وَنُضْجَهُ فَقَوْلُهُ:
حَمِيمٍ آنٍ أَيْ حَمِيمٌ حَارٌّ جِدًّا. وَلَمَّا كَانَ مُعَاقَبَةُ الْعُصَاةِ الْمُجْرِمِينَ وَتَنْعِيمُ الْمُتَّقِينَ مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عن عَذَابَهُ وَبَأْسَهُ مِمَّا يَزْجُرُهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مُمْتَنًّا بِذَلِكَ عَلَى بَرِيَّتِهِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٦ الى ٥٣]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣)
قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ نَزَلَتْ فِي الَّذِي قَالَ: أَحْرِقُونِي بِالنَّارِ لَعَلِّي أُضِلُّ اللَّهَ قَالَ تَابَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا فَقَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ «١».
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ كما قاله ابن عباس وغيره يقول الله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى [النَّازِعَاتِ: ٤٠] وَلَمْ يَطْغَ ولا آثر الحياة الدُّنْيَا، وَعَلِمَ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى فَأَدَّى فَرَائِضَ اللَّهِ وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ، فَلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» «٢» وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قال حماد: لا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ وَفِي قَوْلِهِ: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ جنتان من ذهب للمقربين
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٥، باب ١ و ٢، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٦، والترمذي في الجنة باب ٣، ٧، وابن ماجة في المقدمة باب ١٣، والدارمي في الرقاق باب ١٠١، وأحمد في المسند ٤/ ٤١١، ٤١٦.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَرَأَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟
فَقَالَ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ فَقَالَ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ لَمْ يَزْنِ وَلَمْ يَسْرِقْ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَهِيَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِذَا آمَنُوا وَاتَّقَوْا، وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِهَذَا الْجَزَاءِ فَقَالَ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ثُمَّ نَعَتَ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ فَقَالَ: ذَواتا أَفْنانٍ أَيْ أَغْصَانٍ نَضِرَةٍ حَسَنَةٍ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ نَضِيجَةٍ فَائِقَةٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِنَّ الْأَفْنَانَ أَغْصَانُ الشَّجَرِ يَمَسُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: ذَواتا أَفْنانٍ يَقُولُ: ظِلُّ الْأَغْصَانِ عَلَى الْحِيطَانِ، أَلَمْ تسمع قول الشاعر: [الوافر]
مَا هَاجَ شَوْقُكَ مِنْ هَدِيلِ حَمَامَةٍ | تَدْعُو عَلَى فَنَنِ الْغُصُونِ حَمَامًا «٢» |
تَدْعُو أَبَا فَرْخَيْنِ صَادَفَ طَاوِيًا | ذَا مِخْلَبَيْنِ مِنَ الصُّقُورِ قَطَامَا |
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن ابن عباس: ذَواتا أَفْنانٍ ذواتا ألوان، قال: وروي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَخُصَيْفٍ وَالنَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ وَأَبِي سِنَانٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِيهِمَا فُنُونًا مِنَ الْمَلَاذِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ غُصْنٍ يَجْمَعُ فُنُونًا مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ذَواتا أَفْنانٍ وَاسِعَتَا الْفِنَاءِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، وَاللَّهُ أعلم، وقال قتادة: ذواتا أفنان يعني بِسِعَتِهَا وَفَضْلِهَا وَمَزِيَّتِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ: «يَسِيرُ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ منها الراكب
(٢) البيتان بلا نسبة في تفسير الطبري ١١/ ٦٠٤.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ وَفِي قَوْلِهِ: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ قَالَ:
جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ وَرِقٍ لِأَصْحَابِ اليمين.
فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ أَيْ تَسْرَحَانِ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ وَالْأَغْصَانِ فَتُثْمِرُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْوَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا تَسْنِيمٌ، وَالْأُخْرَى السَّلْسَبِيلُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: إِحْدَاهُمَا مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَالْأُخْرَى مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ أَيْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ مِمَّا يَعْلَمُونَ وَخَيْرٍ مِمَّا يَعْلَمُونَ، وَمِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَةٌ حُلْوَةٌ وَلَا مُرَّةٌ إِلَّا وَهِيَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى الحنظل، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ يَعْنِي أَنَّ بَيْنَ ذَلِكَ بَوْنًا عَظِيمًا وَفَرْقًا بَيِّنًا فِي التَّفَاضُلِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٤ الى ٦١]
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)
يَقُولُ تَعَالَى: مُتَّكِئِينَ يَعْنِي أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّكَاءِ هَاهُنَا الِاضْطِجَاعُ وَيُقَالُ:
الْجُلُوسُ عَلَى صِفَةِ التربيع عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وقَتَادَةُ وقال أبو عمران الجوني، هو الديباج المزين بِالذَّهَبِ، فَنَبَّهَ عَلَى شَرَفِ الظِّهَارَةِ بِشَرَفِ الْبِطَانَةِ، فهذا مِنَ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هَذِهِ الْبَطَائِنُ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتُمُ الظَّوَاهِرَ «٢». وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ:
بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَظَوَاهِرُهَا مِنْ نُورٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَوْ شَرِيكٌ: بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَظَوَاهِرُهَا مِنْ نُورٍ جَامِدٍ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَظَوَاهِرُهَا مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ: ذَكَرَ اللَّهُ الْبَطَائِنَ وَلَمْ يَذْكُرِ الظَّوَاهِرَ، وَعَلَى الظَّوَاهِرِ الْمَحَابِسُ وَلَا يَعْلَمُ مَا تَحْتَ المحابس إلا الله تعالى، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
(٢) انظر تفسير الطبري ١١/ ٦٠٥.
وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ أي ثمرهما قريب إليهم متى شاؤوا تَنَاوَلُوهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانُوا، كَمَا قَالَ تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: ٢٣] وَقَالَ وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان: ١٤] أي لا تمتنع مِمَّنْ تَنَاوَلَهَا بَلْ تَنْحَطُّ إِلَيْهِ مِنْ أَغْصَانِهَا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ وَلَمَّا ذَكَرَ الْفُرُشَ وَعَظَمَتَهَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ أَيْ فِي الْفُرُشِ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَيْ غَضِيضَاتٌ عَنْ غَيْرِ أزواجهن فلا يرين شيئا في الجنة أحسن مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ تَقُولُ لِبَعْلِهَا: وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ. وَلَا فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكَ لِي وَجَعَلَنِي لَكَ.
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ أَيْ بَلْ هُنَّ أَبْكَارٌ عُرُبٌ أَتْرَابٌ لَمْ يَطَأْهُنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهَذِهِ أَيْضًا مِنَ الْأَدِلَّةِ على دخول مؤمني الجن الجنة، وقال أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ: سُئِلَ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجِنُّ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيَنْكِحُونَ، لِلْجِنِّ جِنِّيَّاتٌ وَلِلْإِنْسِ إِنْسِيَّاتٌ»
، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
ثُمَّ قَالَ يَنْعَتُهُنَّ لِلْخُطَّابِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ قال مجاهد والحسن وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ: فِي صَفَاءِ الْيَاقُوتِ وَبَيَاضِ الْمَرْجَانِ، فَجَعَلُوا الْمَرْجَانَ هَاهُنَا اللُّؤْلُؤَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً مِنَ الْحَرِيرِ حَتَّى يرى مخها» «٢» وذلك قول الله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَرَأَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ وَأَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ» تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أحمد من هذا الوجه.
وقد روى مسلم حديث إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إما تفاخروا
(٢) أخرجه الترمذي في الجنة باب ٥.
(٣) المسند ٢/ ٣٤٥.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدِهِ- يَعْنِي سَوْطَهُ- مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» «٣» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بنحوه.
وقوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ أَيْ مَا لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: ٢٦] وقال البغوي، حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الشَّرِيحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ فَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الْمُكْتَبُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ وقال «هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «يقول هل جزاء من أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ» وَلَمَّا كَانَ فِي الَّذِي ذُكِرَ نِعَمٌ عَظِيمَةٌ لَا يُقَاوِمُهَا عَمَلٌ بَلْ مُجَرَّدُ تَفَضُّلٍ وَامْتِنَانٍ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبَى عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» «٤» ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ وَرَوَى الْبَغَوِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَقُلْتُ الثانية:
(٢) المسند ٣/ ١٤١.
(٣) أخرجه البخاري في فضائل الجهاد باب ١٧.
(٤) أخرجه الترمذي في القيامة باب ١٨. [.....]
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٧٨]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
هَاتَانِ الْجَنَّتَانِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْمَنْزِلَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، فَالْأُولَيَانِ لِلْمُقَرَّبِينَ وَالْأُخْرَيَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى: جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ مِنْ دُونِهِمَا فِي الدَّرَجِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مِنْ دُونِهِمَا فِي الْفَضْلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى شَرَفِ الْأُولَيَيْنِ عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ وُجُوهٌ: [أَحَدُهَا] أَنَّهُ نَعَتَ الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ هَاتَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي شَرَفِ التَّقَدُّمِ وَعُلُوِّهِ عَلَى الثَّانِي وَقَالَ هُنَاكَ ذَواتا أَفْنانٍ وَهِيَ الْأَغْصَانُ أَوِ الْفُنُونُ فِي الْمَلَاذِّ، وَقَالَ هَاهُنَا مُدْهامَّتانِ أَيْ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدَّةِ الري من الماء قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ مُدْهامَّتانِ قَدِ اسْوَدَّتَا مِنَ الْخُضْرَةِ مِنْ شِدَّةِ الرِّيِّ مِنَ الْمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن ابْنِ عَبَّاسٍ مُدْهامَّتانِ قَالَ: خَضْرَاوَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَعَطَاءٍ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ رَافِعٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مُدْهامَّتانِ مُمْتَلِئَتَانِ مِنَ الْخُضْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: خَضْرَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ نَاعِمَتَانِ وَلَا شَكَّ فِي نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ.
وَقَالَ هُنَاكَ فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ وقال هاهناضَّاخَتانِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَيْ فَيَّاضَتَانِ وَالْجَرْيُ أَقْوَى مِنَ النَّضْخِ، وقال الضحاك ضَّاخَتانِ
أي ممتلئتان ولا تَنْقَطِعَانِ وَقَالَ هُنَاكَ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ وَقَالَ هَاهُنَا فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُولَى أَعَمُّ وَأَكْثَرُ فِي الْأَفْرَادِ وَالتَّنْوِيعِ عَلَى فَاكِهَةٍ، وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا تَعُمُّ، وَلِهَذَا فُسِّرَ قَوْلُهُ: وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا قَرَّرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ:
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ سَعَفُهَا كُسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَمِنْهَا حُلَلُهُمْ وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ وَجُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَثَمَرُهَا أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَلَيْسَ لَهُ عَجَمٌ، وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هَارُونَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَظَرْتُ إِلَى الْجَنَّةِ فَإِذَا الرُّمَّانَةُ مِنْ رمانها كالبعير الْمُقَتَّبِ».
ثُمَّ قَالَ: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ قِيلَ: الْمُرَادُ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْجَنَّةِ قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: خَيْرَاتٌ جَمْعُ خَيِّرَةٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الْحَسَنَةُ الْخُلُقِ الْحَسَنَةُ الْوَجْهِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي سَنُورِدُهُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَنَّ شاء الله تعالى أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ فِيهِنَّ خَيْراتٌ بِالتَّشْدِيدِ حِسانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
ثُمَّ قَالَ: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ وَهُنَاكَ قَالَ: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّتِي قَدْ قَصَرَتْ طَرْفَهَا بِنَفْسِهَا أَفْضَلُ مِمَّنْ قُصِّرَتْ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مُخَدَّرَاتٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأودي، حدثنا وكيع بن سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ خَيِّرَةً وَلِكُلِّ خَيِّرَةٍ خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كُلَّ يَوْمٍ تُحْفَةٌ وَكَرَامَةٌ وَهَدِيَّةٌ، لَمْ تَكُنْ قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات وَلَا بَخِرَاتٍ وَلَا ذَفِرَاتٍ، حُورٌ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بيض مكنون.
وقوله تعالى: فِي الْخِيامِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ» «١» وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ بِهِ وَقَالَ ثَلَاثُونَ مِيلًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حديث أبي عمران به ولفظه «إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنِي خُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الْخَيْمَةُ لُؤْلُؤَةٌ وَاحِدَةٌ فِيهَا سَبْعُونَ بَابًا مِنْ دُرٍّ، وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنِ ابن عباس في قوله تعالى، حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ قال: خِيَامِ اللُّؤْلُؤِ، وَفِي الْجَنَّةِ خَيْمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ لؤلؤة واحدة أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فِي أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ آلاف مصراع من ذهب، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَتُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ وَصَنْعَاءَ» «١» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بِهِ. وقوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي وَصْفِ الْأَوَائِلِ بِقَوْلِهِ: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وقوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: الرَّفْرَفُ الْمَحَابِسُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ الْمَحَابِسُ، وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ بَدْرٍ: الرَّفْرَفُ عَلَى السَّرِيرِ كَهَيْئَةِ الْمَحَابِسِ الْمُتَدَلِّي. وَقَالَ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ يَعْنِي الْوَسَائِدَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ قَالَ: الرَّفْرَفُ رِيَاضُ الجنة.
وقوله تعالى: وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: الْعَبْقَرِيُّ الزَّرَابِيُّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هِيَ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ يَعْنِي جِيَادَهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَبْقَرِيُّ الدِّيبَاجُ، وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ قَوْلِهِ تعالى: وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ فَقَالَ: هِيَ بُسُطُ أَهْلِ الْجَنَّةِ لا أبا لكم فاطلبوها، وعن الحسن رِوَايَةٌ أَنَّهَا الْمَرَافِقُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْعَبْقَرِيُّ أَحْمَرُ وَأَصْفَرُ وَأَخْضَرُ، وَسُئِلَ الْعَلَاءُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْعَبْقَرِيِّ فَقَالَ: الْبُسُطُ أَسْفَلَ مِنْ ذلك. وقال أبو حرزة يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ: الْعَبْقَرِيُّ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْعَبْقَرِيُّ الطَّنَافِسُ الْمُخَمَّلَةُ إِلَى الرِّقَّةِ مَا هِيَ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: كُلُّ ثَوْبٍ مُوَشًّى عِنْدَ الْعَرَبِ عَبْقَرِيٌّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرْضٍ يُعْمَلُ بِهَا الْوَشْيُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أحمد: كل شيء نفيس مِنَ الرِّجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ عبقريا.
ثُمَّ قَالَ: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُكْرَمَ فَيُعْبَدَ، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِي الْعَذْرَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أجلوا اللَّهَ يَغْفِرْ لَكُمْ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وذي السلطان، وحامل القرآن غير المغالي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ» «٣» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يعلى: حدثنا أبو يوسف الحربي حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» «٤» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ غَلَطَ الْمُؤَمَّلُ فِيهِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ الْمَقْدِسِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «أَلِظُّوا بِذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَلَظَّ فُلَانٌ بِفُلَانٍ إِذَا لَزِمَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ والإكرام أي الزموا، يقال: الْإِلْظَاظُ هُوَ الْإِلْحَاحُ. [قُلْتُ] وَكِلَاهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ الْمُدَاوَمَةُ وَاللُّزُومُ وَالْإِلْحَاحُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا سَلَّمَ لَا يَقْعُدُ يَعْنِي بَعْدَ الصَّلَاةِ إلا بقدر ما يقول: «اللهم أنت السلام ومنك
(٢) المسند ٥/ ١٩٩.
(٣) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٢٠.
(٤) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٩١.
(٥) المسند ٤/ ١٧٧.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ ولله الحمد والمنة.
سورة الصافات
الآيات: ١- ٥ ٣ الآيات: ٦- ١٠ ٤ الآيات: ١١- ١٩ ٥ الآيات: ٢٠- ٢٦ ٦ الآيات: ٢٧- ٣٧ ٧ الآيات: ٣٨- ٤٩ ٩ الآيات: ٥٠- ٦١ ١٢ الآيات: ٦٢- ٧٠ ١٦ الآيات: ٧١- ٨٢ ١٩ الآيات: ٨٣- ٨٧ ٢٠ الآيات: ٨٨- ٩٨ ٢١ الآيات: ٩٩- ١١٣ ٢٣ الآيات: ١١٤- ١٢٢ ٣١ الآيات: ١٢٣- ١٣٢ ٣٢ الآيات: ١٣٣- ١٣٨ ٣٣ الآيات: ١٣٩- ١٤٨ ٣٤ الآيات: ١٤٩- ١٦٠ ٣٧ الآيات: ١٦١- ١٧٠ ٣٨ الآيات: ١٧١- ١٧٩ ٤٠ الآيات: ١٨٠- ١٨٢ ٤١
سورة ص
الآيات: ١- ٣ ٤٣ الآيات: ٤- ١١ ٤٥ الآيات: ١٢- ١٦ ٤٨ الآيات: ١٧- ٢٠ ٤٩ الآيات: ٢١- ٢٥ ٥١ الآية: ٢٦ ٥٣ الآيات: ٢٧- ٣٣ ٥٤
سورة الزمر
الآيات: ١- ٤ ٧٤ الآيتان: ٥- و ٦ ٧٦ الآيات: ٧- ٩ ٧٧ الآيات: ١٠- ١٦ ٧٩ الآيات: ١٧- ٢٠ ٨٠ الآيتان: ٢١- و ٢٢ ٨٢ الآية: ٢٣ ٨٣ الآيات: ٢٤- ٢٦ ٨٤ الآيات: ٢٧- ٣١ ٨٥ الآيات: ٣٢- ٣٥ ٨٨ الآيات: ٣٦- ٤٠ ٨٩ الآيات: ٤١- ٤٢ ٩٠ الآيات: ٤٣- ٤٥ ٩١ الآيات: ٤٦- ٤٨ ٩٢ الآيات: ٤٩- ٥٢ ٩٤ الآيات: ٥٣- ٥٩ ٩٥ الآيات: ٦٠- ٦٦ ١٠٠ الآية: ٦٧ ١٠١ الآيات: ٦٨- ٧٠ ١٠٤ الآيتان: ٧١- و ٧٢ ١٠٦ الآيتان: ٧٣ و ٧٤ ١٠٧ الآية: ٧٥ ١١٣
الآيات: ١- ٣ ١١٥ الآيات: ٤- ٦ ١١٦ الآيات: ٧- ٩ ١١٧ الآيات: ١٠- ١٤ ١١٩ الآيات: ١٥- ١٧ ١٢٢ الآيات: ١٨- ٢٠ ١٢٣ الآيات: ٢١- ٢٧ ١٢٥ الآيتان: ٢٨ و ٢٩ ١٢٦ الآيات: ٣٠- ٣٥ ١٢٩ الآيتان: ٣٦ و ٣٧ ١٣٠ الآيات: ٣٨- ٤٦ ١٣١ الآيات: ٤٧- ٥٠ ١٣٥ الآيات: ٥١- ٥٦ ١٣٦ الآيات: ٥٧- ٥٩ ١٣٨ الآية: ٦٠ ١٣٩ الآيات: ٦١- ٦٥ ١٤١ الآيات: ٦٦- ٦٨ ١٤٢ الآيات: ٦٩- ٧٦ ١٤٣ الآيات: ٧٧- ٨١ ١٤٤ الآيات: ٨٢- ٨٥ ١٤٥
سورة فصلت
الآيات: ١- ٥ ١٤٧ الآيات: ٦- ٨ ١٤٩ الآيات: ٩- ١٢ ١٥١ الآيات: ١٣- ١٨ ١٥٤ الآيات: ١٩- ٢٤ ١٥٥ الآيات: ٢٥- ٢٩ ١٥٩ الآيات: ٣٠- ٣٢ ١٦٠ الآيات: ٣٣- ٣٦ ١٦٤ الآيات: ٣٧- ٣٩ ١٦٦ الآيات: ٤٠- ٤٣ ١٦٧
سورة شورى
الآيات: ١- ٦ ١٧٣ الآيتان: ٧ و ٨ ١٧٥ الآيات: ٩- ١٢ ١٧٧ الآيتان: ١٣ و ١٤ ١٧٨ الآية: ١٥ ١٧٩ الآيات: ١٦- ١٨ ١٨٠ الآيات: ١٩- ٢٢ ١٨١ الآيتان: ٢٣ و ٢٤ ١٨٢ الآيات: ٢٥- ٢٨ ١٨٧ الآيات: ٢٩- ٣١ ١٨٩ الآيات: ٣٢- ٣٥ ١٩١ الآيات: ٣٦- ٣٩ ١٩٢ الآيات: ٤٠- ٤٣ ١٩٤ الآيات: ٤٤- ٤٦ ١٩٦ الآيتان: ٤٧ و ٤٨ ١٩٧ الآيتان: ٤٩ و ٥٠ ١٩٨ الآيات: ٥١- ٥٣ ١٩٩
سورة الزخرف
الآيات: ١- ٨ ٢٠٠ الآيات: ٩- ١٤ ٢٠١ الآيات: ١٥- ٢٠ ٢٠٤ الآيات: ٢١- ٣٥ ٢٠٦ الآيات: ٣٦- ٤٥ ٢٠٩ الآيات: ٤٦- ٥٠ ٢١١ الآيات: ٥١- ٥٦ ٢١٢ الآيات: ٥٧- ٦٥ ٢١٤ الآيات: ٦٦- ٧٣ ٢١٨
سورة الدخان
الآيات: ١- ٨ ٢٢٥ الآيات: ٩- ١٦ ٢٢٦ الآيات: ١٧- ٣٣ ٢٣١ الآيات: ٣٤- ٣٧ ٢٣٥ الآيات: ٣٨- ٤٢ ٢٣٨ الآيات: ٤٣- ٥٠ ٢٣٩ الآيات: ٥١- ٥٩ ٢٤٠
سورة الجاثية
الآيات: ١- ١١ ٢٤٣ الآيات: ١٢- ١٥ ٢٤٤ الآيات: ١٦- ٢٠ ٢٤٥ الآيات: ٢١- ٢٣ ٢٤٦ الآيات: ٢٤- ٢٦ ٢٤٧ الآيات: ٢٧- ٢٩ ٢٤٩ الآيات: ٣٠- ٣٧ ٢٥٠
سورة الأحقاف
الآيات: ١- ٦ ٢٥٢ الآيات: ٧- ٩ ٢٥٣ الآيات: ١٠- ١٤ ٢٥٥ الآيتان: ١٥ و ١٦ ٢٥٧ الآيات: ١٧- ٢٠ ٢٦٠ الآيات: ٢١- ٢٥ ٢٦٢ الآيات: ٢٦- ٢٨ ٢٦٥ الآيات: ٢٩- ٣٢ ٢٦٦ الآيات: ٣٣- ٣٥ ٢٨١
سورة محمد
الآيات: ١- ٩ ٢٨٣ الآيات: ١٠- ١٣ ٢٨٧
سورة الفتح
الآيات: ١- ٣ ٣٠١ الآيات: ٤- ٧ ٣٠٤ الآيات: ٨- ١٠ ٣٠٥ الآيات: ١١- ١٤ ٣١٢ الآية: ١٥ ٣١٣ الآيتان: ١٦ و ١٧ ٣١٤ الآيتان: ١٨ و ١٩ ٣١٥ الآيات: ٢٠- ٢٤ ٣١٦ الآيتان: ٢٥ و ٢٦ ٣١٩ الآيتان: ٢٧ و ٢٨ ٣٣١ الآية: ٢٩ ٣٣٦
سورة الحجرات
الآيات: ١- ٣ ٣٤٠ الآيتان: ٤ و ٥ ٣٤٤ الآيات: ٦- ٨ ٣٤٥ الآيتان: ٩ و ١٠ ٣٤٩ الآية: ١١ ٣٥١ الآية: ١٢ ٣٥٢ الآية: ١٣ ٣٦٠ الآيات: ١٤- ١٨ ٣٦٣
سورة ق
الآيات: ١- ٥ ٣٦٧ الآيات: ٦- ١١ ٣٦٩
سورة الذاريات
الآيات: ١- ١٤ ٣٨٦ الآيات: ١٥- ٢٣ ٣٨٨ الآيات: ٢٤- ٣٠ ٣٩٢ الآيات: ٣١- ٣٧ ٣٩٣ الآيات: ٣٨- ٤٦ ٣٩٤ الآيات: ٤٧- ٥١ ٣٩٥ الآيات: ٥٢- ٦٠ ٣٩٦
سورة الطور
الآيات: ١- ١٦ ٣٩٨ الآيات: ١٧- ٢٠ ٤٠١ الآيات: ٢٢- ٢٨ ٤٠٢ الآيات: ٢٩- ٣٤ ٤٠٥ الآيات: ٣٥- ٤٣ ٤٠٦ الآيات: ٤٤- ٤٩ ٤٠٧
سورة النجم
الآيات: ١- ٤ ٤١٠ الآيات: ٥- ١٨ ٤١٢ الآيات: ١٩- ٢٦ ٤٢٢ الآيات: ٢٧- ٣٠ ٤٢٥ الآيتان: ٣١ و ٣٢ ٤٢٦ الآيات: ٣٣- ٤١ ٤٣٠ الآيات: ٤٢- ٥٥ ٤٣٢ الآيات: ٥٦- ٦٢ ٤٣٤
الآيات: ١- ٥ ٤٣٥ الآيات: ٦- ١٧ ٤٤١ الآيات: ١٨- ٣٢ ٤٤٣ الآيات: ٣٣- ٤٠ ٤٤٤ الآيات: ٤١- ٤٦ ٤٤٥ الآيات: ٤٧- ٥٥ ٤٤٦
سورة الرحمن
الآيات: ١- ١٣ ٤٥٢ الآيات: ١٤- ٢٥ ٤٥٤ الآيات: ٢٦- ٣٠ ٤٥٦ الآيات: ٣١- ٣٦ ٤٥٨ الآيات: ٣٧- ٤٥ ٤٦٠ الآيات: ٤٦- ٥٣ ٢٦٢ الآيات: ٥٤- ٦١ ٤٦٤ الآيات: ٦٢- ٧٨ ٤٦٧
[الجزء الثامن]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَفْسِيرُسُورَةِ الْوَاقِعَةِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» «١» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
حسن غريب قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ الْمِصْرِيِّ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ قَالَ:
مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَعَادَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي.
قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ: أَلَا آمُرُ لَكَ بِطَبِيبٍ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ:
أَلَا آمُرُ لَكَ بِعَطَاءٍ؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ؟ قَالَ: يَكُونُ لِبَنَاتِكَ مِنْ بَعْدِكَ. قَالَ: أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَقْرَ؟ إِنِّي أَمَرْتُ بَنَاتِي يَقْرَأْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا».
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ شُجَاعٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ السَّرِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنَّ شُجَاعًا حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا» فَكَانَ أَبُو ظَبْيَةَ لَا يَدَعُهَا، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُنِيبٍ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُنِيبٍ الْعَدَنِيِّ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فاقة أبدا» لم يذكر في مسنده شُجَاعًا قَالَ: وَقَدْ أَمَرْتُ بَنَاتِي أَنْ يَقْرَأْنَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ نُصَيْرٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي فَاطِمَةَ قَالَ: مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَتَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَعُودُهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْيَمَانِ: كَانَ أَبُو فَاطِمَةَ هَذَا مَوْلًى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.